رواية افراح منقوصة الفصل الرابع 4 بقلم امل صالح – تحميل الرواية pdf

_ إيه يا ولاد صوت الصريخ ده؟؟ جاي من عند مين؟؟
_ مش ده صوت الحج مختار أبو مجدي؟؟
جُمل متداخلة وهمس متبادل بين الجيران، اللي ساكنين بالقرب منهم أو حتى بعيد، صوت صريخه وعويله زي النساء كان مالي الشارع، ومحدش فاهم حاجة!
سامعين صوت صريخه العالي بتعابير متابينة؛ استغراب، حزن، شماتة.
لحد ما ظهر أخيرًا من آخر الشارع مجدي ابنه، اللي كان كان بيجري بكل سرعته بعد ما الكلام الداير عن “الحج مختار اللي اتكاتروا عليه رجالة الحمدانية وحبسوه ونزلوا فيه ضرب” وصله.
وقف قصاد بوابة بيت عيلة الحمدانية أهل فاتن بعد ما زق الواقفين على البوابة واللي كان منهم اللي بيحاول يسترق السمع ومنهم اللي كان بيحاول يفتح البوابة ويوقف المهزلة اللي بتحصل جوة.
بدأ يخبط على الباب بعنف وبصوت عالي مليان غضب وخوف على أبوه اتكلم: افتح الباب ياعم سيد! افتح الباب عشان وربي وما أعبد أكون جايب المركز يلمكم كلكم في بوكس واحد..
كان بيتكلم وقلقه على أبوه عامي عقله عن التفكير، نِسىٰ أذيته لفاتن ونسىٰ مدى سوءه وسوء أخلاقه وماشافش غير أبوه اللي الله أعلم عملوا ولسة بيعملوا فيه ايه جوة!!
وجوة،
قاعد مختار على الأرض قصاد الأربع رجال؛ السيد أبو فاتن، رؤوف عمها وأبو فارس، سراج أخوها، وأخيرًا فارس..
قاعد وساند ضهره للحيطة ورا بصعوبة، جسمه كله سايب من بعضه من كُتر الضرب اللي ناله منهم، مش عارف حتى يسند بكفوفه عشان يعتدل في جلسته!!
جلابيته اللي دخل بيها في غاية الأناقة والنظافة بقت زيّها زيّ الأرض اللي تحته، بعض أجزائها اتقطعت نتيجة الجذب المتبادل بينهم ليه، شعره اتبهدل ووشه اتملىٰ كدمات وبعض قطرات الـ.ـدم.
مختار الهيبة الجبروت اللي ملامحه دايمًا محتفظة بالقسوة والجمود والتعالي صار زي الجثة! اختفت القسوة والجمود والتكبر ومبقاش مرسوم على وشه غير الانكسار والضعف والذُل.
حاول مرة واتنين وتلاتة يرفع جسمه عن الأرض ولكن بائت كل محاولاته بالفشل، فاستسلم للضعف المسيطر عليه.
سبحان الله!
في خلال دقايق معدودة تبدل حال البني آدم!
لسة كان بيأذي في فاتن وجاي ليهم البيت ناوي على شر ليها، فجأة سقط في شرور أعماله، ونال اللي عمره ما تخيل يناله!
الأربعة كانوا واقفين حواليه، منهم اللي بينهج بسبب المجهود اللي بذله من شوية زي سراج وفارس اللي خرجوا كل طاقتهم السلبية فيه، وكأنه كيس ملاكمة مش إنسان!
ومنهم اللي شارك في الماتش بحاجة بسيطة وكمل الباقي مشاهدة زي رؤوف أبو فارس اللي رجع يقعد على سلمة من السلالم يتابعهم باستمتاع، ومنهم اللي كان جواه نـ.ـار مانطفتش حتى بعد كمية الضرب اللي خدها مختار، زي السيد؛ أبوها..
بيبصله بقرف واشمئزاز وكره، مش مستوعب إن الحقير ده كل الفترة اللي فاتت كان بيأذي في بنته ومحدش داري! بيحاول يتخيل كم مرة مَد ايده عليها زي ما حكى فارس..
ولا كام مرة سمعها كلام زي السم وكلام مينفعش يتقال، بيحاول يتخيل شكل بنته اللي مش بتستحمل نسمة هوا وهي مستخبية منه جوة بيتها وهو بيحاول يقتحمه عليها..
فاتن اللي أقل حاجة بترعبها وأقل حاجة بتحصلها بتعيط، اللي أرق من الريشة، استحملت كل ده!
مقدرش السيد يمسك أعصابه وعقله عمّال يرسمله أبشع السيناريوهات، وطى لمستوى مختار ونزل بكف ايده على وشه بقلم يساوي الضرب اللي اتضربه كله من البداية.
حط ايده على رقبته وزقه للحيطة وهو بيتكلم بجنون وعيونه بتلمع من الدموع المحبوسة فيها لقهرته على بنته:
_ بقى أنا بنتي تعمل فيها كل ده يا ** أنت، لأ وجاي تغلط فيها وفي شرفها، اللي أشرف منك ومن عيلتك كلها يا **، لتكون مفكرها لوحدها في الدنيا دي وهتقدر تستقوى عليها، لأ يا ** .. بنتي وراها رجالة يدفنوك مكانك هنا لو عايزين.
وقف رؤوف بسرعة وقرب من أخوه لما لاحظ شحوب وش مختار بسبب إنعدام الهوا اللي داخله، بعده عنه واتكلم وهو بيجاهد في ابعاده عنه:
_ خلاص يا سيد هتودي نفسك في داهية ليه؟؟ هو خلاص زيّه زي كلاب الشوارع ميفرقش عنهم حاجة دلوقتي..
كان مختار في حالة بين الوعي واللاوعي، بدأت الرؤية تتشوش قصاد عينيه وجسمه بدأ يرتخي أكثر، وأخيرًا مالت راسه وفقد هو وعيه وآخر ما رآه هو وش ابنه مجدي اللي دخل بعد ما اتحرك سراج ورفصه في بطنه ثم فتح البوابة.
_ أبَا .. أبا رد عليّا.!
رفع راسه وبصلهم وهو لسة قاعد على ركبه قصاد أبوه وزعق: والله لأوديكم في داهية، والله لتتحاسبوا واحد واحد..
شاور على جمع الناس برة وكمّل: والمنطقة كلها شاهدة على اللي عملوه رجالة الحمدانية في أبويا الحج مختار.
رفع سراج حاجبه وقرب منه، وطى لمستواه واتكلم ببسمة وثقة شخص في ايده كل الحق: أديك قولت يا مجدي، رجالة الحمدانية..
شاور بعيونه على مختار اللي كان مجدي بيحاول يشيله ويخرج بيه: الدور والباقي على اللي رجليه والقبر ولسة ميعرفش ألف باء رجولة!
وفوق،
في شقة السيد أبو سراج وفاتن، كانت قاعدة نعمة أم فاتن وواخداها في حضنها، بتحاول تهديها من ساعة ما الرجال تحت بدأوا ضرب في مختار، ولكن دون جدوى، لسة منهارة وبتمتم بكلام غير مفهوم:
_ خليهم يسيبوه يا ماما بالله عليكِ، بالله عليكِ هيتعصب عليّا تاني، هيزعقلي يا ماما ونديم هيزعل، ممكن يمد ايده عليّا يا ماما..
وكانت نعمة أمها بتزيد من عناقها ليها وهي حاسة بقلة حيلة، فاتن منهارة تمامًا وعلى ما يبدو إنها مش في كامل وعيها.
حواليهم كانت قاعد أم فارس، قصاد الشقة برة واقف بناتها الاتنين بيتفرجوا على اللي بيحصل تحت في مختار بحماس، محدش فاهم اللي العيلة بتمر بيه!
محدش هيقدر يحس باللي بيحسوا بيه أفراد عيلة فاتن دلوقتي مهما بلغ حبهم ليهم، عيش التجربة أو المشكلة مخلتف تمامًا عن السماع عنها…
دقايق والبنتين دخلوا جَري، فالستات فهموا إن الرجالة طالعين على السلم، وقد كان…
دخلوا وكان أول واحد طلع ليه صوت هو السيد أبوها، اللي قرب من فاتن وهي في حضن أمها وبدأ يزعق:
_ بتعيطي ليـــه؟؟ بتعيطي ليه ما أنتِ اللي رخصتي نفسِك ووصلتيها لكدا.
شدها من دراعها وضغط عليه وهو بيسألها بجنون: سيبيته يعمل فيكِ كل ده طول الوقت ده ليه؟؟ ماتهببتيش قولتِ ليه من أول مرة يا بنتي!
حركها في ايده بعصبية زادت لما لقاها ساكتة وبتعيط بس: ما تردي عليّا، رُدي!!
قرب منهم سراج بسرعة وشدها من ايدين أبوه واتكلم بشيء من الحدة: خلاص يا بابا، إحنا في ايه ولا في إيه!
_ إحنا في الدلعادي أختك يا سراج، كام مرة أحفظ فيها من وهي لسة عيلة ماتسبش حد يتعرض ليها، هتفضل كدا لحد امتى؟؟ لحد امتى يابنتي بس!
خباها سراج ورا ضهره واتكلم بإصرار وهو بيبص لعيون أبوه عشان يقدر موقف أخته المنهارة: خلاص يا بابا مش وقته!
ولف اتكلم لأخته بنبرة أهدى وأحن وهو بيمسح بايده على دراعها: خلاص يا فتون، اهدي خلاص.
لف بص للكل حواليه بعدين شدها من كف ايدها لإحدى الغرف، كانت لسة بتعيط وكأنها في مكان تاني أو عالم تاني، مش مستوعبة أي حاجة، خايفة من مختار!
ناداها سراج بعد ما قعد على السرير وهي قصاده، بصتله وقالت وهي بتشاور على لاشيء: ممكن يضربني يا سراج، أنا عمر ما حد ضربني، خايفة منه!
_ أكسر ايده ورقبته قبل ما يفكر بس يقرب منِك يا عيون سراج، متخافيش يا حبيبة أخوكِ الـ** ده عمره ما هيقدر يجي جنبِك ولا يتعرضلِك بكلمة حتى..
وشدها لحضنه وبدأ يمسح على ضهرها بايد وبالتانية بيقرب راسها ليه: أنتِ بنت السيد أبو حمدان وأخت سراج أبو حمدان يا عبيطة، يعني هم اللي يخافوا مش أنتِ..
ميعرفش فضلوا على الوضعية دي قد إيه، محسش بالوقت ولا حس بالملل، بيطبطب عليها بحنية وهو بيكلمها على أمل يحسسها بالأمان ويخليها تنسى خوفها، لحد ما حس بيها نامت.
عدلها على السرير وخرج ليهم برة، كان عمه رؤوف وعيلته كلهم طلعوا شقتهم، مكنش موجود غير أبوه وأمه اللي بتتكلم معاه.
بصلهم سراج واتكلم بعد ما قعد وهو بيوجه كلامه لأبوه: دي شخصية فاتن يا بابا، هي حساسة وبريئة لدرجة العبط، ودي حاجة مش في ايدها ولا ايدينا نغيرها، هي تمام محتاجة شوية جرأة بس صدقني مهما وصل بيها الجرأة مش هتبقى الشخصية اللي في دماغك، هي دي تركيبتها.!!
اتكلم سيد بنبرة عالية وهو بيعدل من وضعية جلوسه: يعني أنت عاجبك يعني اللي هي في ده؟؟ أنت سمعت فارس قال من امتى؟؟ من يوم ما نديم جوزها سافر، من 3 شهور وهي مستحملة كل ده لوحدها.!!
شاور على باب اوضتها واتكلم بعدم تصديق: أختك فاتن كانت شايلة بيتها وبيت حماها، نازلة من الفجر عشان تقف على الفرن تجيب عيش، وخايفة تتأخر عشان ما يضربهاش!! فاتن اللي الشارع كله كان بيتريق علينا عشان مدلعينها بزيادة وبنعاملها زي الملكة!
اتنهد سراج: يا بابا ما قولتلك! هي مفيش في برائتها ولا طيبة قلبها، حاجة مش حلوة بس هو ربنا خالقها كدا…
وبص قدامه وكمل بشرود: لما نشوف نديم هيعمل إيه..
اتكلمت نعمة: نديم جدع وبيحب أختك وشاريها، لما يعرف اللي أبوه عمله مش هيسكت..
ابتسم سراج بسخرية: الله أعلم يا أمي، الله أعلم!
_ يعني ايه يعني مش هنعمل حاجة دي، أنت راضي عن اللي عملوه فيك ده يعني؟! راضي عن منظرك ده يابا؟!!
كان بيزعق مجدي في مختار اللي فاق بعد حوالي 5 ساعات في المستشفى من اللي حصل، صاحي مش قادر يتكلم ولا يحرك صابع واحد في جسمه، وبمجرد ما قاله مجدي على نيته للإبلاغ فيهم سارع بالرفض والنفي!
_ ما قولتلك ملكش دعوة! هتقعد جنبي عشان تقرفني يبقى تاخد بعضك وتمشي.
قعد مجدي على الكرسي جنبه وهو بينفخ بضيق، مش قادر يتقبل اللي حصل ويقعد ساكت محله سر، منظر أبوه بيقطع في قلبه وواجعه بشكل كبير، ولكنه رافض يقدم فيهم بلاغ!
بصله مجدي بطرف عينيه ورد: مش بيرد..
بص مختار للسقف، ثانيتين واتكلم بهدوء لا يلائم وضعه: خليك وراه لحد ما يرد، قوله أبوك عايزك قدامه بكرة الصبح، يتشقلب وألقيه قدامي!
_ أنا يختي والله ماعرف حاجة، هو الراجل حماها ده كان شايط وجاي يزعق عشان قال ايه بتخون جوزها اللي مسافر لسة من يجي شهرين وبعدها بسأل النساوين لقيتهم بيقولولي إنهم فعلًا شافوا الواد ابن عمها ده ماسك ايدها وشاددها وراه..
ورفعت ايدها وبصت حواليها: الله أعلم بقى يختي شاددها لفين!
حوار صغير سمعه وهو ماشي في طريقه ليها، كمل طريقه وهو قابض ايده بقوة، بيقاوم رغبته في الهجوم على كل اللي بيتكلموا وإخراسهم..
وصل لحد بوابة بيتهم، طلع السلالم بيقدم رجل ويأخر التانية، هيشوفها أخيرًا بعد غربة لما يزيد عن شهرين ولكن بظروف سيئة!
خبط فوق الباب،
دقيقة وسمع صوت نعمة أمها وحماته!
كانت مصدومة من وجوده،
باين على وشها
ابتسمت بتوتر: ازيك عامل يابني عامل ايه، تعالى ادخل..
اتكلم من على الباب بدون ما يرد السلام، بملامح جامدة لا توحي بأي شيء: ناديلي فاتن يا طنط، خليها تجهز عشان تروح بيتها…
