Uncategorized

متسلسلة – ليزا – حتى الفصل السابع – أفلام سكس مصري محارم جديد


الفصل الأول: السنوات الضائعة

في مدينة القاهرة الصاخبة، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر في زحمة الشوارع والأسواق القديمة، عاش أحمد في عزلة طويلة، كأنّه تمثالٌ حيٌّ في متحفٍ منسيّ. كان في الرابعة والأربعين من عمره، مواليد 15 سبتمبر 1981، خريج كلية الآداب قسم التاريخ، لكنه لم يجد عملاً يليق بمؤهلاته. تخرّج في صيف عام 2003، يومٌ كان فيه الهواء ثقيلاً برائحة الياسمين المزروع في فناء الجامعة، وكان يرتدي بدلة سوداء مستعارة من ابن عمّه، يمسك الشهادة بيدين مرتجفتين، يبتسم للكاميرا كأنّه يوقّع على عقدٍ مع المستقبل. لكن العقد لم يُفعّل. تقدّم إلى وظيفة في وزارة الآثار، فأُخبر أنّ الوظيفة “محجوزة لابن فلان”. ذهب إلى مدرسة ثانوية في إمبابة، فوجد أنّ المدير يفضّل ابن أخته الذي لم يكمل الثانوية العامة. حاول العمل مرشداً سياحياً في الأهرامات، لكنّه اكتشف أنّ السياح يفضّلون من يتحدّث الإنجليزية بطلاقة، ولهجته المصرية الثقيلة كانت تُضحكهم أكثر مما تُعلّمهم.

عاد إلى حيّ السيدة زينب، إلى غرفةٍ في الدور الثالث من عمارةٍ آيلةٍ للسقوط، جدرانها متشقّقة كخرائط قديمة، وسقفها يتسرّب في الشتاء. اشترى سريراً حديدياً صدئاً، وطاولة خشبية مكسورة الساق، ومكتبةً من خشب الصنوبر اشتراها من سوق الجمعة بثلاثين جنيهاً. ملأ الرفوف بكتبٍ اشتراها بالتقسيط من مكتبة مدبولي: “تاريخ مصر الفرعونية”، “الإمبراطورية الرومانية”، “حضارة وادي الرافدين”، ونسخة نادرة من “وصف مصر” لعلماء الحملة الفرنسية. كان يقرأ حتى الثالثة فجراً، تحت ضوء مصباحٍ أصفر خافت، يدخّن سيجارة “كليوباترا” واحدة كل ليلة، ينفث الدخان نحو السقف كأنّه يرسل رسائل إلى آلهة الماضي.

قضى سنواته يقرأ الكتب القديمة، يتجول في المتاحف، ويحلم بأن يصبح مؤرخاً مشهوراً، لكن الواقع كان قاسياً. في كلّ صباح، يستيقظ مع صوت بائع الخبز الذي ينادي “عيش حياة!” من أسفل العمارة. يغسل وجهه بماءٍ بارد من صنبورٍ صدئ، يشرب كوب شاي بالنعناع في كوب زجاجي مكسور الحافة، ثم يخرج. يمشي في شوارع القاهرة كأنّه شبح: يمرّ بجامع الحسين، يلمس جدرانه الحجرية الباردة، يتوقف عند خان الخليلي ليشتري قلم حبر بجنيهين، يدخل المتحف المصري من الباب الخلفي لأنّه يعرف الحارس “عمّ إبراهيم” منذ عشرين عاماً. يقضي ساعاتٍ يتأمل تمثال توت عنخ آمون، يقرأ النقوش الهيروغليفية بصوتٍ خافت، يتخيّل نفسه عالماً يُدعى لإلقاء محاضرة في السوربون. لكن عندما يخرج، يعود إلى الواقع: بائع الفول يصرخ، السيارات تُبوّق، الهواء مُلوّث برائحة البنزين والكشري.

لم يتزوج يوماً، ولم يعرف امرأة قط، فظل بتولاً، محافظاً على نفسه في عالم يغلي بالعلاقات السريعة. في الجامعة، كانت هناك “منى”، زميلة في قسم التاريخ، شعرها بنيّ و عيناها خضراوان، تضحك بصوتٍ عالٍ في المكتبة. ذات يوم، جلست بجانبه، سألته عن معنى كلمة “هيروغليفية”. اقترب قليلاً، شمّ رائحة عطرها الرخيص، شعر بقلبه يدقّ كطبل حرب. لكنه قال كلمتين فقط: “كتابة مقدسة”، ثم عاد إلى كتابه. في الليل، كان يلوم نفسه: “لو كنت قلتُ مزحة، لو ابتسمتُ، لو…” لكن الفرصة ذهبت، ومنى تزوّجت زميلاً في قسم الآثار، وأصبحت أمّاً لثلاثة *****. من يومها، أغلق أحمد قلبه. رأى زملاءه يتزوّجون، يطلّقون، يتزوّجون ثانية، بينما هو يبقى وحيداً. كان يسمع في الأفراح أغنية “يا ليل يا عين”، فيبتسم ابتسامةً مرّة، ويعود إلى غرفته.

كان يشعر بالوحدة كأنها صديقة قديمة، لكنها لا ترحل. في الليالي الباردة، يجلس على شرفته الصغيرة، ينظر إلى السماء المُلبّدة بالدخان، يرى القمر كعملة فضية مُعلّقة بين الأسلاك الكهربائية. يستمع إلى أصوات الجيران: امرأة تُعاتب زوجها، *** يبكي، رجل يضحك بصوتٍ عالٍ وهو يشاهد مباراة. كان يتساءل: “هل هذه هي الحياة؟” لكنه لم يجد إجابة. كان يقرأ عن قيصر وكليوباترا، عن حبٍّ عابر للزمان، فيحسدُهما، رغم أنّه يعرف نهايتهما المأساوية.

كل يوم، يخرج أحمد إلى حديقة الأزبكية، يجلس على مقعد خشبي قديم، يقرأ كتاباً عن حضارات الفراعنة أو الرومان. الحديقة كانت ملاذه الوحيد: أشجار الجميز العملاقة، النوافير المكسورة، الأطفال يلعبون بالكرة، العشّاق يتمشّون يداً بيد. يختار دائماً المقعد نفسه، تحت شجرةٍ مائلة، يضع كتابه على ركبتيه، يفتحه على صفحةٍ عشوائية. كان يرتدي قميصاً أبيض بسيطاً، مكوياً بعناية رغم أنّه يغسله بنفسه في حوضٍ صغير، وبنطالاً رمادياً اشتراه قبل خمسة عشر عاماً، لا يزال محتفظاً بلونه رغم الغسيل المتكرر. شعره الأسود الممزوج ببعض الشيب يعطيه مظهراً حكيماً، كأنّه أستاذٌ متقاعد، وعيناه الداكنتين تحملان عمق التاريخ الذي يحبه، لكنّهما تخفيان أيضاً دموعاً لم تسقط بعد.

كان يعرف كلّ تفاصيل الحديقة: مكان النافورة التي تسرب الماء، الطفل الذي يبيع العلكة كلّ جمعة، العجوز التي تطعم الحمام. كان يجلس هناك ساعات، يقرأ، يراقب، يحلم. أحياناً، يغلق الكتاب، ينظر إلى السماء، يهمس: “يا ربّ، متى؟” لم يكن يعرف ماذا ينتظر، لكنّه كان يشعر به في قلبه: شيئاً كبيراً، تغييراً، لقاءً، حباً. كان يؤمن أنّ التاريخ لا يكتب نفسه، بل يُكتب بلقاءاتٍ صغيرة، كلماتٍ عابرة، نظراتٍ متقاطعة. وكان ينتظر دوره، على مقعده الخشبي القديم، تحت شجرة الجميز، في حديقة الأزبكية، في قلب القاهرة الصاخبة.

الفصل الثاني: الفتاة في الحديقة​

في يومٍ مشمسٍ من أيام الربيع، حين كانت الشمس تُغدق القاهرة بضوءٍ ذهبيٍّ خفيف، والهواء يحمل رائحة الياسمين الممزوجة برطوبة النيل، كانت ليزا في الثامنة عشرة من عمرها، مولودة في 15 مارس، تتجول في حديقة الأزبكية نفسها. كانت قد ولدت في مستشفى القصر العيني في ليلةٍ ماطرة، حين كان الرعد يُدوّي كأنّه يعلن عن قدوم لوحةٍ فنيةٍ حية. والداها، أبٌ مهندسٌ معماريٌّ يعشق الخطوط الهندسية، وأمٌ رسامةٌ هاوية، أسمياها “ليزا” تيمّناً بموناليزا دافنشي، لأنّ عينيها الزرقاوين كانتا تضحكان قبل شفتيها. الآن، طالبةٌ في السنة الأولى بكلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان، تحمل دفتر رسمٍ جلديٍّ أسود، وقلم رصاص “فابر كاستل” 2B، وكاميرا “كانون” قديمة ورثتها عن عمّها المصوّر.

كانت ليزا تحبّ الرسم والشعر، ليس كموهبةٍ عابرة، بل كطريقةٍ للتنفّس. في الصباح، تستيقظ مع أذان الفجر، تشرب قهوةً سوداء في كوبٍ صينيٍّ مكسور، ثم تخرج إلى شرفة شقتها في الدقي، ترسم السماء قبل أن تتلاشى ألوانها. في الجامعة، تُفضّل المحاضرات عن “الانطباعية” و”السريالية”، وتكتب قصائد قصيرة في هامش دفترها: «أنا وردةٌ تُرسم بالضوء، تُقبَّل بالريح، تُحرق بالشمس.» كانت تحمل دفترها أينما ذهبت، كأنّه قلبها الثاني.

جمالها كان ساحراً، خليطاً ساحراً بين ملامح ألكسندرا داداريو بعيونها الزرقاء الواسعة المليئة بالغموض، كأنّها بحرٌ لا يُرى قعره، وأميلي بلانت بابتسامتها الرقيقة والذكية التي تُخفي أسراراً، وجيسيكا بيل بقوامها الأنثوي الجذاب الذي يبدو كأنّه نُحت على يد نحّاتٍ إغريقيٍّ في لحظة إلهام. شعرها الأسود الطويل، كالحرير المصبوغ بلون منتصف الليل، يتمايل مع النسيم كأنه رايةٌ في معركةٍ حبٍّ قديمة. كان يصل إلى منتصف ظهرها، وأطرافه تلامس كتفيها بلطف، وأحياناً تسقط خصلةٌ على جبينها فتُزيحها بأصابعٍ نحيلةٍ مرسومةٍ كأنّها أصابع بيانو. وجهها يحمل شعراً خفيفاً ناعماً، ليس كثيفاً، بل كأنّه غبارٌ ذهبيٌّ سقط من فرشاة فان جوخ، يضيف إلى جمالها لمسة طبيعية فاتنة، تجعلها تبدو كأنّها خرجت لتوّها من لوحةٍ زيتيةٍ في متحف اللوفر.

قوامها متوسط، طري بطبيعته، يتحرك بليونة مع كل خطوة، كأنّ الأرض تُغنّي لها أغنيةً خفيفة. لم تكن نحيفةً كعارضات الأزياء، ولا ممتلئةً بشكلٍ مفرط، بل كأنّ الطبيعة رسمتها بقلمٍ رقيقٍ ثم ملأته بألوانٍ مائية. أحنابها منبعجة قليلاً، بخفة أنثوية تجعلها تبدو كالوردة الناعمة التي لم تُفتح بعد، لا بشكلٍ مفرط يثير الإحراج، بل بتوازنٍ يجذب العيون دون قصد، كأنّه وعدٌ بجمالٍ لم يُكشف عنه بعد. كانت ترتدي فستاناً قطنياً أبيض بسيطاً، بأكمامٍ قصيرة، وتنورةٍ تصل إلى الركبة، وحذاءً رياضياً أبيض، وشنطة قماشية تحمل ألواناً مائية وفرشاةً صغيرة.

وصلت ليزا إلى الحديقة في الحادية عشرة صباحاً، حين كانت الشمس في أوجها، لكنّ نسيماً خفيفاً من النيل يُخفّف من حرارتها. مرّت ببائع الذرة المشوية، اشترت كوزاً صغيراً، أكلته ببطء وهي تمشي، ثم توقفت عند النافورة المكسورة، رذّت الماء على وجهها، فضحكت ضحكةً صافيةً كأنّها نغمةٌ من فيولينو. ثم رأت المقعد الخشبي القريب من شجرة الجميز، مقعد أحمد المعتاد، لكنّه لم يكن هناك بعد. جلست ليزا، أخرجت دفترها، فتحته على صفحةٍ بيضاء، وبدأت ترسم الزهور المحيطة: وردةٌ حمراء مفتوحة، زهرةٌ صفراء نصف مُغلقة، ورقةٌ خضراء تتمايل. كانت ترسم بخطوطٍ خفيفة أولاً، ثم تُظلّل بالرصاص، ثم تضيف لمساتٍ بالقلم الأسود. كانت تغنّي بصوتٍ خافت أغنية فيروز: «يا جارة الوادي، طريقك عيني…»

في تلك اللحظة، وصل أحمد. كان قد تأخّر قليلاً لأنّه توقف عند مكتبةٍ في الأزبكية ليشتري كتاباً مستعملاً عن “الإسكندر الأكبر”. رفع عينيه، فرأها. ليزا. جلست على بعد ثلاثة أمتار من مقعده، لكنّها بدت كأنّها في عالمٍ آخر. توقف قلبه للحظة، ثم عاد يدقّ بقوةٍ لم يعرفها من قبل. لم يستطع أن يرفع عينيه عنها. كانت الشمس تُضيء شعرها الأسود، فتبدو كتاجٍ من الضوء. كانت شفتاها تتحرّكان وهي تغنّي، ناعمتان، ممتلئتان قليلاً، كالفراولة الطازجة المغطاة بالندى. عيناها الزرقاوان تنظران إلى الورقة، لكنّه شعر أنّهما تنظران إليه، إلى قلبه، إلى أعماقه.

شعر فجأة برغبةٍ جامحة، غريبة عليه، كأنّ قلبه توقف ثم انفجر. أراد أن يحملها بين ذراعيه، يرفعها عن الأرض، يضمّها إلى صدره حتى يشعر بضربات قلبها. أراد أن يقبل وجهها الجميل بجنون، يبدأ من جبينها، يمرّ بخدّيها الناعمين، يصل إلى شفتيها، يمتصّهما كأنّه يشرب من ينبوع حياة. تخيّل يديه تلامس خصرها الطريّ، أصابعه تغوص في شعرها الأسود، أنفه يشمّ رائحتها، مزيجاً من الياسمين والقهوة والحرية. كانت الرغبة شديدة، تجعله يرتجف قليلاً، يده تضغط على الكتاب حتى تنثني صفحاته. لكنه سيطر على نفسه، فهو لم يعرف هذا الشعور من قبل. لم يكن مجرّد إعجاب، بل كأنّ شيئاً في داخله استيقظ بعد أربعة وأربعين عاماً من النوم. كان يشعر بالذنب، بالخوف، بالنشوة، في آنٍ واحد.

جلس أحمد على مقعده، على بعد خطوتين منها، فتح كتابه، لكنّ عينيه لم تقرأ كلمة. كان ينظر إليها من زاوية عينه، يراقب حركة يدها وهي ترسم، يسمع صوت أنفاسها الخفيفة، يرى خصلة شعرٍ تسقط على وجهها فتُزيحها بأصبعها. كانت ليزا لا تعلم بوجوده بعد، لكنّ الحديقة كلّها بدت كأنّها تتآمر ليلتقيا. النسيم يحرّك أوراق الشجر، الشمس ترسم ظلالاً على الأرض، والزمن يتباطأ، كأنّ التاريخ نفسه ينتظر هذه اللحظة.

كان أحمد يفكّر: “من هي؟ هل هي حقيقية؟ أم أنّني أحلم؟” لم يكن يعلم أنّ هذه اللحظة، لحظة النظرة الأولى، ستكون بداية قصةٍ تُكتب في صفحات حياته الضائعة، قصةٌ ستُغيّر كل شيء.

الفصل الثالث: الكلمات الأولى​

كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصراً، والشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، فتُلقي ضوءاً برتقالياً ناعماً على أوراق الجميز، كأنّ الحديقة كلّها تُغطّى بغبارٍ ذهبيٍّ من عصرٍ غابر. كان أحمد لا يزال جالساً على مقعده، كتابه مفتوحٌ أمامه على صفحةٍ لم يقرأ منها حرفاً منذ ساعة. كلّ خليةٍ في جسده كانت متوتّرة، يده تضغط على الكتاب بقوة، وقلبه يخفق بخفقاتٍ غير منتظمة كطبلٍ في معبدٍ فرعونيٍّ قديم. رأى ليزا تُغلق دفترها، تُزيح خصلة شعرٍ سقطت على عينيها، ثم تضعه في شنطتها القماشية. بدأت تقف.

“الآن أو لا أبداً”، همس لنفسه بصوتٍ لم يسمعه أحد سوى الريح.

نهض أحمد ببطء، كأنّه يقترب من كنزٍ تاريخيٍّ نادرٍ في قاعةٍ مظلمةٍ من المتحف المصري. خطواته كانت ثقيلة، لكنّه حاول أن يجعلها خفيفة. مرّ بجانب النافورة، تجنّب بركة الماء الصغيرة، ثم وقف على بعد مترين منها. كان يشمّ رائحة الياسمين القوية الآن، ممزوجةً برائحة القهوة التي شربتها ليزا قبل ساعة. رفع يده ليُصلح قميصه الأبيض، ثم أخذ نفساً عميقاً، كأنّه يستعدّ للغوص في النيل.

“مساء الخير، آنسة…” قال بصوتٍ هادئٍ لكنّه مرتجفٌ قليلاً، “رسوماتك… رائعة. تبدو كأنّها من عصر النهضة، كأنّ ليوناردو نفسه كان يرشد يدكِ.”

توقفت ليزا، رفعت عينيها الزرقاوين نحوه، وابتسمت ابتسامةً صغيرةً أولاً، ثم اتسعت كأنّ الشمس انعكست في بحيرة. كانت ابتسامتها مزيجاً من الدهشة واللطف، كأنّها لم تتوقّع أن يخاطبها أحد، لكنّها سُرّت بذلك.

“شكراً جزيلاً!” قالت بصوتٍ ناعمٍ كالحرير، لهجتها القاهرية المخملية تخفّف من حدّة الكلمات، “أنا ليزا. وأنت؟”

**في تلك اللحظة، شعر أحمد بشيء يتجاوز الإعجاب؛ كانت عيناها الزرقاوان تحملان حزناً دفيناً، كأنّهما بحرٌ هادئ يخفي عواصفَ بعيدة. مدّت يدها للمصافحة، وفي لحظة الصمت التي تلت، قالت ليزا بصوتٍ أخفّ: “أنا سورية الأصل، علوية من اللاذقية. جئتُ إلى مصر مع أهلي سنة 2011، وأنا **** في الرابعة عشرة. كان الإرهابيون – داعش، جبهة النصرة، الجيش الحر – يقتلون العلويين والمسيحيين والدروز في قريتنا قرب بانياس. رأيتُ أبي يُجبر على الفرار، وسمعتُ صرخات الجيران وهم يُذبحون باسم ‘الثورة’. هربنا إلى مصر، حيث وجدنا أماناً نسبياً، لكنّ الجرح لم يندمل.”

توقّفت للحظة، عيناها تُبحران في الأفق، ثم أكملت بصوتٍ مرتجف قليلاً: “واليوم، في أكتوبر 2025، أشاهدُ نفس الكابوس يتكرّر. مجزرة مارس 2025 في الساحل السوري، التي ارتكبها الجولاني وعصابته ضدّ العلويين: أكثر من 1500 قتيل، نساء وأطفال محروقون في منازلهم، سرقة واغتصاب جماعي في اللاذقية وطرطوس وبانياس. ثم مجزرة يوليو 2025 ضدّ الدروز في السويداء، حيث قُتل عشرات في اشتباكات دامية بين عشائر بدوية مدعومة من الحكومة الجديدة والفصائل الدرزية، مع إعدامات ميدانية وتهجير قسري. أقرأ الأخبار كلّ يوم، وأبكي على أقاربي الذين بقوا هناك. هل هذا ‘التحرير’ الذي وعدوا به؟”

شعر أحمد بقلبه ينفطر. لم يكن يعرف عن ماضيها، لكنّ كلماتها أيقظت فيه تعاطفاً عميقاً، كأنّ وحدته الخاصّة وجدت صدىً في وحدتها. أمسك يدها بلطف أكبر، وقال: “ليزا… أنتِ بطلة. عشتِ الجحيم ولا زلتِ ترسمين الزهور. التاريخ مليءُ بالمجازر، لكنّه يعلّمنا أيضاً أنّ الحبّ ينتصر في النهاية.”**

الفصل الرابع: الاعتراف​

كانت ليلةً من ليالي أواخر أبريل، حين يصبح الهواء في القاهرة بارداً قليلاً بعد غروب الشمس، لكنه لا يزال يحمل عبق الياسمين والنرجس المزروع في أحواض الحديقة. لم يكن هناك قمرٌ كامل، لكنّ السماء كانت مُرصّعةً بنجومٍ كثيرة، كأنّ أحداً قد سكب كيساً من الماس على قماشٍ أسود. كانت حديقة الأزبكية شبه خالية، إلا من صوت الماء المتساقط من النافورة المكسورة، وهمس أوراق الجميز الكبيرة التي تتحرّك مع نسيمٍ خفيفٍ قادمٍ من النيل.

كانا قد التقيا في الخامسة مساءً، كعادتهما، لكنّ هذه المرّة كانت مختلفة. لم يجلسا على المقعد الخشبي القديم، بل مشيا ببطءٍ حتى وصلا إلى شجرةٍ عملاقةٍ في الركن الغربيّ من الحديقة، شجرةٌ يقال إنّها زُرعت في عهد محمد علي باشا، جذورها بارزةٌ فوق الأرض كأيدي عجوزٍ تتشبّث بالتراب. جلسا تحتها، على بساطٍ من العشب الرطب، ليزا أولاً، ثم أحمد بجانبها، لكنّه ترك مسافةً صغيرةً بينهما، كأنّه لا يزال يحترم حدوداً غير مرسومة.

كانت ليزا ترتدي فستاناً قطنياً أزرق فاتحاً، ليس قصيراً، لكنّه يكشف عن كتفيها الناعمين، وشعرها الأسود منسدلٌ كشلالٍ على ظهرها. أخرجت من شنطتها قارورة ماءٍ صغيرة، شربت رشفة، ثم ناولته إياها. أخذها أحمد، أصابعه تلامس أصابعها للحظة، فشعر بكهرباءٍ خفيفةٍ تنتقل في عروقه. لم يشرب، بل أعادها إليها، ثم نظر إلى الأرض، يرسم دوائر صغيرة بأصبعه على العشب.

كان الصمت ثقيلاً، ليس لأنّهما لا يملكان كلاماً، بل لأنّ الكلام كان كثيراً جداً، وكلٌّ منهما يخشى أن يقوله. كانا قد تحدّثا طوال الأسابيع الماضية عن كلّ شيء، التاريخ، الفن، السفر، الأحلام، لكنّهما لم يتحدّثا عن “هما”. كان أحمد يعرف أنّ هذه الليلة ستكون مختلفة. كان قد قرّر، في غرفته الصغيرة، أمام مرآةٍ مكسورة، أن يقول الحقيقة، مهما كلّفته.

رفع عينيه أخيراً، نظر إليها. كانت ليزا تنظر إلى السماء، عيناها الزرقاوان تعكسان النجوم، شفتاها مفتوحتان قليلاً، كأنّها تتنفّس السماء نفسها. شعر أحمد بقلبه يضيق، ثم يتمدّد، ثم ينفجر.

“ليزا…” قال بصوتٍ مرتجف، كأنّ الكلمة خرجت من أعماقه بعد أربعة وأربعين عاماً من الصمت، “أنا… أنا لم أحبّ يوماً. لم أعرف امرأةً قط. أنا… بتول. لم أقترب من أحد، لم ألمس، لم أقبّل، لم أحلم حتى. كنتُ أعيش في كتبي، في أهراماتي، في تماثيلي. كنتُ أظنّ أنّ هذا قدري. لكنّكِ… أنتِ غيّرتِ كلّ شيء.”

توقف، أخذ نفساً عميقاً، كأنّه يستعدّ للغوص في بحرٍ عميق.

“منذ اللحظة الأولى التي رأيتكِ فيها، وأنا أريد أن أحملكِ بين ذراعيّ، أن أضمّكِ إليّ حتى أشعر بضربات قلبكِ على صدري. أريد أن أقبّل وجهكِ، جبينكِ، خدّيكِ، عينيكِ، شفتيكِ… بجنون. أريد أن أقبّلكِ كأنّني أعيش ألف عامٍ في لحظة. أريد أن أكون لكِ، وأن تكوني لي. أعرف أنّني أكبر منكِ بكثير، أعرف أنّ العالم سيقول كلاماً، لكنّني لا أستطيع أن أكتم أكثر. أحبّكِ، ليزا. أحبّكِ كما لم يحبّ أحدٌ من قبل.”

كانت الكلمات تخرج منه كأنّها دمٌ من جرحٍ قديم، كلّ كلمةٍ تؤلمه وتريحه في آن. عندما انتهى، أطرق برأسه، ينتظر الرفض، ينتظر أن تقوم وترحل، ينتظر أن تنتهي حياته في هذه اللحظة.

لكنّ ليزا لم ترحل.

رفعت يدها ببطء، وضعتها على خدّه، أدارت وجهه نحوها. كانت عيناها تلمعان، ليس بالنجوم، بل بالدموع. دموع الفرح، دموع الدهشة، دموع الحبّ.

“أحمد…” قالت بصوتٍ متهدّج، “أنا أحبّك. منذ اليوم الأول الذي سمعتُ فيه صوتكَ، وأنتَ تقول إنّ رسوماتي من عصر النهضة. أحبّكَ لأنّكَ تستمع إليّ كأنّني أهمّ إنسانة في العالم. أحبّكَ لأنّكَ تحترمني، تحميني، تعاملني كأميرة. فارق السن؟ لا يهمّ. أنتَ لستَ كبيراً في السنّ، أنتَ كبير في القلب. أنتَ قلبي.”

ثم بكت. لم تكن دموعاً عالية، بل دموعاً صامتة، تسيل على خدّيها كأنّها لآلئ صغيرة. اقتربت منه، احتضنته. لفّ أحمد ذراعيه حولها أخيراً، بعد أسابيع من الحلم، بعد أربعة وأربعين عاماً من الانتظار. ضمّها إليه بقوة، لكنّه لطيف، كأنّه يحمل كنزاً قد ينكسر. شعر بقوامها الطريّ، بأحنابها المنبعجة بخفةٍ أنثوية تضغطان عليه بلطف، بدفء جسدها، برائحتها. كانت خفيفةً في ذراعيه، كأنّها طائرٌ هبط على كتفه.

قبلها أولاً بلطف، على جبينها، كأنّه يقبّل تمثالاً مقدساً. ثم على خدّيها، حيث كانت الدموع لا تزال رطبة. ثم، ببطء، اقترب من شفتيها. توقف لحظة، نظر في عينيها، رأى الموافقة، رأى الحبّ. ثم قبّلها. قبلةٌ أولى ناعمة، كأنّه يشرب من ينبوعٍ بعد عطشٍ طويل. ثم قبّلها بجنون، كما حلم، شفتاه تتحرّكان على شفتيها، يداه في شعرها، أنفاسهما تختلطان. كانت القبلة طويلة، عميقة، مليئة بكلّ ما كتماه، بكلّ ما خافا منه، بكلّ ما أرادا.

عندما انفصلا، كانا يتنفّسان بصعوبة. وضعت ليزا رأسها على صدره، استمعت إلى قلبه الذي يدقّ كطبلٍ في معبدٍ قديم. رفع أحمد وجهه إلى السماء، رأى النجوم، شعر أنّ التاريخ توقّف، ثم بدأ من جديد.

“أحبّكِ”، همس لها.

“وأنا أحبّكَ”، همست له.

بقيا تحت الشجرة حتى منتصف الليل، يتحدّثان، يقبّلان، يضحكان، يبكيان. كانت لحظةً سحرية، مليئةً بالعواطف، كأنّ الزمن توقّف، وكأنّ العالم كلّه اختفى، ولم يبقَ سواهما، تحت شجرةٍ قديمة، في حديقةٍ في قلب القاهرة.

في تلك الليلة، ولد حبٌّ لم يكن في الكتب، ولم يكن في التاريخ. حبٌّ بين رجلٍ عاش في الماضي، وفتاةٍ ستعيش المستقبل. حبٌّ سيُكتب، ليس بالحبر، بل بالقلب.

الفصل الخامس: رحلة الضوء والماء​

كان شهر يونيو قد بدأ يُعلن عن نفسه بحرارةٍ خفيفةٍ في القاهرة، لكنّ قلبيْ أحمد وليزا كانا يسبحان في برودةٍ مختلفة: برودة الترقّب. في صباحٍ مشمسٍ، تلقّت ليزا رسالةً إلكترونيةً من جامعة الفنون الجميلة في فلورنسا: منحةٌ دراسيةٌ صيفيةٌ لمدّة شهرين، تشمل تذاكر الطيران، السكن، وورش عملٍ في الرسم الزيتيّ والنحت. كانت المنحة تُغطّي طالبةً واحدة، لكنّ ليزا، بجرأةٍ لم تكن تعرفها في نفسها، ردّت فوراً: «سأحضر، لكنّني سأصطحب شريكي في المشروع الفنيّ، وهو مؤرّخٌ مصريٌّ سيساعدني في توثيق الآثار الرومانية والإتروسكية في إيطاليا وسويسرا». لم تكن كذبةً كاملة؛ كان أحمد بالفعل شريكها في كلّ شيء.

في اليوم التالي، جلست ليزا أمام أحمد في مقهى صغيرٍ مطلٍّ على النيل في الزمالك، كوبا قهوةٍ أمام كلٍّ منهما. رفعت عينيها الزرقاوين، وقالت بصوتٍ يرتجف من الفرح:

“أحمد… أوروبا تنتظرنا. فلورنسا، البندقية، بحيرات سويسرا… سأرسم، وأنت ستزور أماكن أحلامك: قصر الدوك في البندقية، جسر التنهّدات، قوس قسطنطين في روما… وسنسبح معاً في مياهٍ عذبةٍ نقية، لا بلهارسيا، لا طفيليات، لا خوف. مياهٌ يمكنك أن تغوص فيها بلا تردّد، على عكس النيل والترع التي نُحبّها لكنّنا نخشاها.”

توقّف أحمد، كأس القهوة في يده تتوقّف في منتصف الطريق إلى شفتيه. لم يكن قد غادر مصر يوماً، لم يرَ جواز سفرٍ سوى في الأفلام. لكنّ عيني ليزا كانتا بحيرةً زرقاءً أخرى، يريد أن يغوص فيها.

“لكن… التكاليف؟” سأل بصوتٍ خافت.

“كلّ شيء مدفوع. أنتَ ضيفي، مشروعي، حبيبي.” ابتسمت، ثم أضافت: “وسأدفع لك تذكرة العودة إذا أردتَ العودة وحدك. لكنّني أعرف أنّك لن تفعل.”

في غضون أسبوعين، كانا على متن طائرةٍ متّجهةٍ إلى روما. أحمد يمسك يدها طوال الرحلة، ينظر من النافذة إلى السحب، يهمس: “هل هذا حلم؟” فتجيبه ليزا: “لا، هذا تاريخٌ جديد نكتبه معاً.”

روما: أولى الخطوات على أرض الأحلام​

وصلا إلى فندقٍ صغيرٍ في تراستيفيري، غرفةٌ بإطلالةٍ على أسطحٍ طينيةٍ وكنيسةٍ قديمة. في اليوم الأول، سارا في شوارع روما، أحمد يقف أمام الكولوسيوم كأنّه يقرأ صفحةً من كتابه المفضّل، يشرح لليزا كيف كانت المدرجات تمتلئ بالجماهير، وكيف كانت الدماء تسيل في الساحة. رسمت ليزا الكولوسيوم بالرصاص، ثم أضافت أحمد واقفاً أمامه، كأنّه غلادياتورٌ حديث.

في المساء، ذهبا إلى نافورة تريفي. رمى أحمد عملةً معدنيةً في الماء، يتمنّى شيئاً واحداً: أن تبقى ليزا إلى جانبه إلى الأبد.

البندقية: مدينة الماء والحبّ​

من روما إلى البندقية بالقطار، أحمد ينظر من النافذة إلى الحقول الخضراء، يقول: “هكذا كانت الأراضي الرومانية قبل ألفي عام.” في البندقية، استقلّا غوندولا صغيرة، أحمد يمسك يدها، والماء يعكس وجوههما. توقّفا تحت جسر التنهّدات، قبّلها قبلةً طويلة، كأنّه يتنهّد حبّاً لا ألماً.

في ساحة سان ماركو، اشتريا آيس كريم، جلسا على درج، يراقبان الحمام. قالت ليزا: “سأرسمك هنا، وأنت تنظر إلى القديس مرقس كأنّك تعرفه شخصياً.”

سويسرا: السباحة في الماء العذب​

ثم جاءت سويسرا. في إنترلاكن، استأجرا كوخاً صغيراً مطلّاً على بحيرة برينز. كان الماء أزرقاً كعيني ليزا، بارداً، نقياً. في الصباح الباكر، ارتديا ملابس السباحة، ليزا ببكيني أزرق بسيط، أحمد بشورتٍ رماديٍّ اشتراه من محلٍّ صغيرٍ في زيورخ.

وقفت ليزا على الرصيف الخشبيّ، مدت يدها: “هيا، لا تخف.”

كان أحمد يتردّد. في مصر، كان يسبح في البحر الأحمر أحياناً، أو في حمام سباحةٍ معقّم، لكنّ الماء العذب؟ كان دائماً خطراً: النيل مُلوّث، الترع مليئة بالبلهارسيا، البرك تحمل طفيلياتٍ لا تُرى. لم يكن المصريّ يغامر بالاستحمام في الماء العذب إلا إذا كان في منتجعٍ خمس نجوم.

لكنّ ليزا ابتسمت، قالت: “هذا الماء يُشرب، أحمد. لا تخف.”

أمسك يدها، قفزا معاً. الماء البارد يلفّ جسديهما، لكنّه لم يكن مؤلماً، بل منعشاً. سبحا جنباً إلى جنب، أحمد يضحك لأول مرّة كطفل، يرشّ الماء على وجه ليزا، هي تردّ بضحكةٍ صافية. سبحا حتى منتصف البحيرة، توقّفا، طافا على ظهريهما، ينظران إلى السماء الزرقاء، جبال الألب تحيط بهما.

“هل تشعر بهذا؟” سألته ليزا.

“أشعر أنّني ولدتُ من جديد.”

في بحيرة ثون، استأجرا قارباً صغيراً، أحمد يجدف، ليزا ترسم. في نهر الراين، سبحا تحت شلّالٍ صغير، الماء يتساقط عليهما كمطرٍ فضّيّ. في كلّ مرّة، كان أحمد يقول: “لو كان النيل هكذا، لسبحنا فيه كلّ يوم.” فتجيبه ليزا: “النيل له جماله، لكنّ هذا الماء لنا.”

كان اليوم الثالث عشر من رحلتهما في سويسرا، والشمس قد وصلت إلى ذروتها فوق بحيرة ثون، فجعلت الماء يتلألأ كمرآةٍ زرقاء مُطعّمة بالفضّة. استأجرا قارباً خشبياً صغيراً، لونه أبيض مُشبع بالسنين، مزيّناً بوسادتين مخمليتين زرقاوين. جدف أحمد ببطء، عضلات ذراعيه تتحرّك تحت قميصه الملفوف إلى المرفقين، بينما ليزا تجلس في المقدمة، فستانها الأبيض القطنيّ مرفوعٌ قليلاً فوق ركبتيها، شعرها الأسود يتطاير مع نسيم البحيرة، وكأنّه رايةٌ من حريرٍ أسود.

عندما وصلا إلى منتصف البحيرة، حيث لا يُرى الشاطئ إلا كخطٍّ أخضر بعيد، ألقيا المرساة الصغيرة. صمتٌ مطبق، لا يقطعه سوى صوت الماء يصفع القارب بلطف، وصوت أنفاسهما.

“هل مستعدّ؟” همست ليزا، وهي تخلع فستانها ببطء، تاركةً بكيني أزرق بحريّ يلتصق بجسدها الطريّ كأنّه جزءٌ منها. كانت قطرات الندى من رذاذ البحيرة قد رذّت على كتفيها، فبدت كأنّها مغطّاة بلآلئ صغيرة.

خلع أحمد قميصه، ثم شورت السباحة الرماديّ، ووقف حافياً على حافة القارب. لأول مرّة، رأت ليزا صدره العاريّ، الشعر الأسود الخفيف يمتدّ من عظمة الترقوة إلى منتصف الصدر، بشرته حنطية اللون من شمس القاهرة، لكنّها الآن تتلقّى شمس الألب. نظرت إليه بعينين نصف مغمضتين، ثم مدت يدها.

“تعالَ… الماء بارد، لكنّني سأدفّئك.”

قفزت أولاً، صوت الماء ينفجر تحتها كأنّه قبلةٌ صاخبة. ثم تبعها أحمد، يغوص بجسده كاملاً، يخرج بعد لحظات، شعره الأسود ملتصق بجبينه، قطرات الماء تتساقط من رموشه، يضحك ضحكةً لم يسمعها منه أحدٌ من قبل، ضحكة ***ٍ في عيد ميلاده الأول.

سبحت ليزا نحوه، ذراعاها تفتحان الماء كجناحي فراشة، حتى التقت صدره. لفّ أحمد ذراعيه حول خصرها تحت الماء، أصابعه تلامس بشرتها الطرية، الباردة من الماء، لكنّها دافئة من الداخل. كانت أحنابها المنبعجة بخفةٍ أنثوية تضغط على صدره بلطف، كلّ نبضةٍ من قلبها تُرسل موجةً دافئةً إلى قلبه.

“أشمّكِ حتى تحت الماء،” همس، أنفه يلامس عنقها، يستنشق رائحة الياسمين الممزوجة برائحة البحيرة النقية.

رفعت ليزا وجهها، قطرات الماء تتساقط من شفتيها، ثم قبّلته. قبلةٌ أولى ناعمة، شفتاه الباردتان تلتقيان بشفتيها الدافئتين، كأنّ الشتاء يقبّل الربيع. ثم تعمّقت القبلة، لسانه يتسلّل بلطف، يتذوّق طعم الماء العذب على شفتيها، يداه تنزلقان على ظهرها، تتتبّعان خطّ العمود الفقريّ حتى تصلا إلى أسفل ظهرها، حيث تنحني بلطف. كانت أجسادهما تطفو معاً، أرجلهما تتحرّكان ببطء تحت الماء لتبقيهما في مكانهما، كأنّهما يرقصان رقصةً بطيئةً لا يراها أحد.

انفصلا للحظة، يتنفّسان، جبينيهما متلاصقان، قطرات الماء تربطهما كخيوطٍ فضية.

“أريد أن أضمّكِ حتى أغرق،” قال أحمد، صوته خافتٌ كأنّه سرٌّ بينه وبين البحيرة.

“اغرق إذن… أنا أنقذك،” ردّت ليزا، ثم لفت ذراعيها حول عنقه، ساقاها تلفّان خصره تحت الماء، جسداهما يلتصقان تماماً الآن، لا شيء يفصل بينهما سوى طبقةٍ رقيقةٍ من الماء البارد. شعر أحمد بدفء فخذيها، بضغط أحنابها على بطنه، بنبضها السريع. قبّلها مرّةً أخرى، هذه المرّة بجوع، أسنانه تعضّ شفتها السفلى بلطف، يداه تمسكان خصرها بقوّة، كأنّه يخشى أن تطير.

بقيا هكذا دقائق، أو ربّما ساعات، الزمن توقّف. الماء يداعب جسديهما، الشمس تدفّئ ظهريهما، أنفاسهما تختلطان، قبلاتهما تتتابع: على الشفاه، على العنق، على عظمة الترقوة، على الكتف. كانت ليزا تُصدر أصواتاً خفيفة، كأنّها تغنّي للماء، وأحمد يهمس اسمها بين كلّ قبلة: “ليزا… ليزا…”

ثم، فجأة، دفعته ليزا بلطف، سبحت بعيداً قليلاً، ثم استدارت، تنظر إليه بعينين تلمعان بالتحدّي.

“امسكني إن استطعت!”

سبح أحمد خلفها، يضحك، يمدّ يديه، حتى أمسكها من خصرها، سحبها إليه مجدداً. هذه المرّة، حملها بين ذراعيه فوق الماء، كأنّه يحمل عروساً، رأسها مستندٌ إلى كتفه، شعرها الأسود يطفو على السطح كحبرٍ أسود في بحرٍ أزرق. قبّل جبينها، عينيها، أنفها، ثم شفتيها مرّةً أخيرة، قبلةٌ طويلة، عميقة، كأنّه يشرب منها الحياة.

“أحبّكِ في كلّ مكان،” همس، “في القاهرة، في روما، في هذه البحيرة… أحبّكِ حتى لو كانت الماء مالحاً أو عذباً.”

“وأنا أحبّكَ حتى لو كنتَ تخافين من البلهارسيا،” ردّت ليزا بضحكة، ثم عضّت شفته السفلى بلطف، “لكن هنا… لا تخف. هنا، أنتَ حرّ.”

بقيا في الماء حتى غروب الشمس، يسبحان، يقبّلان، يضمّان بعضهما، حتى أصبحت أجسادهما جزءاً من البحيرة. عادا إلى القارب، يتّكئان على الوسادتين، يده في يدها، ينظران إلى الجبال التي تتحوّل إلى اللون الورديّ.

في تلك اللحظة، عرف أحمد أنّه لم يعد يخاف الماء العذب. لأنّ الحبّ، حبّ ليزا، كان أنقى مياهٍ سبح فيها قط.

العودة إلى القاهرة: حبٌّ جديد​

عادا بعد شهرين، أحمد يحمل حقيبةً مليئةً بالكتب والصور، ليزا تحمل لوحاتٍ جديدةً. في الطائرة، كتب أحمد في دفترٍ صغير:

«زرتُ أماكن أحلامي، لكنّ الحلم الحقيقي كان يمسك يدي. سبحتُ في مياهٍ لا أخافها، لأنّ الحبّ هو الماء النقيّ الوحيد.»

في القاهرة، وجدا عملاً: أحمد يُدرّس التاريخ في مدرسةٍ دولية، ليزا تُعلّم الرسم في مركزٍ فنيّ. اشتريا شقةً صغيرةً في المعادي، مطلّةً على النيل. لم يسبحا فيه، لكنّهما كانا يجلسان على الشرفة كلّ مساء، يتذكّران بحيرات سويسرا، ويعدان بزيارةٍ أخرى.

كان حبّهما قد نضج، كشجرةٍ زُرعت في تربةٍ مصرية، لكنّها شربت من مياهٍ أوروبية. حبٌّ لا يعرف الخوف، لا البلهارسيا، لا فارق السن. حبٌّ يسبح في النقاء، يطفو على الحلم، يعيش إلى الأبد.

الفصل السادس: حلاوة الذكريات والقبلات

كان أيلول قد حلّ على القاهرة، لكنّ الحرارة لم تكن قد استسلمت بعد؛ الهواء يحمل رطوبةً خفيفةً، ورائحة الياسمين من شرفة شقتهما الصغيرة في المعادي تتسلّل إلى الداخل مع نسيم النيل. عادا من سويسرا قبل أسبوعين، وما زالتا يعيشان على ذكريات البحيرات والجبال، لكنّهما الآن يبنيان روتينهما الجديد: أحمد يُدرّس التاريخ في مدرسةٍ دوليةٍ في التجمع الخامس، وليزا تُعلّم الرسم في مركزٍ فنيٍّ في الزمالك. الشقة التي استأجراها تحمل لمساتهما: جدرانٌ بيضاء مزيّنة بلوحات ليزا، رفوفٌ مليئة بكتب أحمد، وطاولة طعامٍ خشبيةٍ صغيرةٍ اشترياها من سوق الجمعة في إمبابة.

كان يوم جمعة، عطلةٌ رسمية. استيقظا متأخّرين، بعد ليلةٍ طويلةٍ قضياها يتحدّثان عن المستقبل، يخطّطان لرحلةٍ أخرى إلى النمسا في الشتاء. أعدّت ليزا الإفطار: بيضٌ مسلوق، جبنة بيضاء، خبز بلديّ دافئ، وكوبا شاي بالنعناع. لكنّ العينين كانتا على شيءٍ آخر: صحنين من الكريم كراميل الطبيعيّ الذي أعدّته ليزا بنفسها ليلة أمس، وطبقٌ من بودينج اللبن المغطّى بطبقةٍ رقيقةٍ من الكراميل، وبجانبه علبة بسكويت شاي “بسكو مصر”، النوع الذي يذوب في الفم ويترك طعماً حلواً خفيفاً.

جلسا على الأرض، على سجادةٍ صغيرةٍ من القطن المصريّ، الطاولة بينهما، الشمس تدخل من النافذة المفتوحة، ترسم خطوطاً ذهبية على وجه ليزا. كانت ترتدي قميصاً قطنياً أبيض واسعاً، شعرها الأسود منسدلٌ على كتفيها، وعيناها الزرقاوان تلمعان بالفرح. أحمد، بقميصٍ رماديٍّ بسيطٍ وبنطالٍ قصير، كان ينظر إليها كأنّها الحلوى نفسها.

“تعرفين؟” قال أحمد، وهو يأخذ ملعقةً صغيرةً من الكريم كراميل، “منذ طفولتي، وأنا أحبّ الكريم كراميل الطبيعيّ. ليس ذلك المصنّع في علب، بل الذي يُحضّر بالحليب الطازج والبيض والفانيليا الحقيقية. كنتُ أشتريه من محلّ الحلوانيّ في السيدة زينب، وآكله ببطء حتى يدوم الطعم.”

ابتسمت ليزا، وهي تُغمس إصبعها في البودينج، ثم تلعقه بلطف. “وأنا… منذ جئنا إلى مصر، أمّي كانت تُعدّ بودينج اللبن مع بسكويت الشاي. كانت تُفتّت البسكويت في الحليب الساخن، تضيف السكر والنشا، ثم تتركه يبرد. كنتُ أجلس في المطبخ أراقبها، وأسرق ملعقةً قبل أن يبرد. بسكو مصر كان رفيقي في كلّ شيء: في الصباح، في الليل، في الأيام الحزينة.”

نظر أحمد إليها بدهشة، ثم ضحك. “كأنّنا كُتبنا لنلتقي. حتى في الطعام، نتشابه.”

أمسكت ليزا ملعقةً صغيرةً من الكريم كراميل، حرّكتها أمام فمه كأنّها تُغريه. “افتح فمك، يا مؤرّخي.”

فتح أحمد فمه، أخذت الملعقة، شعر بالكريم الناعم يذوب على لسانه، طعم الفانيليا الحقيقية، الكراميل المُحمّص قليلاً، الحليب الطازج. أغمض عينيه، تنهّد.

“يا إلهي… هذا أفضل من أيّ شيءٍ في سويسرا.”

ثم أخذت ليزا الملعقة نفسها، أخذت لنفسها لقمةً من البودينج، تُغمس قطعةً من بسكويت الشاي فيه، ثم تضعها في فمها، تمضغ ببطء، عيناها نصف مغمضتين من المتعة. البسكويت ينعم في فمها، اللبن الحلو يغلفه، الكراميل يُضيف لمسةً مالحةً خفيفة.

“الآن دورك,” قالت، وهي تأخذ ملعقةً أخرى من البودينج، تُفتّت فيها بسكويتاً، ثم تُطعمه إياها. فتح أحمد فمه، أخذ اللقمة، شعر بالبسكويت يذوب، اللبن يغمر لسانه، الطعم يذكّره بطفولته، لكنّه الآن أحلى لأنّ ليزا تُطعمه.

هكذا بدأ اللعب: ملعقةٌ لأحمد من الكريم كراميل، ثم ملعقةٌ لليزا من البودينج مع البسكويت، ثم ملعقةٌ لأحمد، ثم لليزا. كانا يضحكان بين كلّ لقمة، يتسابقان على من يأكل أبطأ، يعلّقان على الطعم. أحياناً، كانت ليزا تُخرج الملعقة من فمها، ثم تُعيد استخدامها لأحمد، فتختلط أنفاسهما على المعدن البارد. كان الطعام يذوب، لكنّ المتعة تزداد.

فجأة، بعد ملعقةٍ من الكريم كراميل، اقتربت ليزا منه، قبّلته. قبلةٌ عميقة، عاشقة، شفتاها تحملان طعم الكراميل والفانيليا، لسانهما يلتقيان، يتبادلان الطعم الحلو. كانت القبلة طويلة، يداه في شعرها، يديها على صدره. انفصلا للحظة، يتنفّسان، ثم عادت ليزا تُطعمه ملعقةً من البودينج، ثم قبّلته مجدداً، هذه المرّة طعم البسكويت واللبن يختلط بأنفاسهما.

“أنتَ أحلى من الكريم كراميل,” همست له، عيناها تلمعان.

“وأنتِ أنعم من البودينج,” ردّ، ثم أخذ ملعقةً، أطعمها، ثم قبّلها، قبلةً أعمق، يداه تنزلقان على ظهرها، يشعر بقوامها الطريّ تحت القميص.

استمرّا هكذا ساعةً كاملة، الطعام ينفد تدريجياً، لكنّ القبلات تزداد. كانا يتبادلان الملعقة، ثم القبلة، ثم الملعقة، ثم القبلة. أحياناً، كانت ليزا تُخرج قطعةً من البسكويت من فمها، تُطعمه إياها من شفتيها، فيضحكان وهما يقبّلان. كان الطعم الحلو يمتزج بالحبّ، الكراميل يذوب على ألسنتهما، البسكويت ينعم بين أسنانهما، والقبلات تصبح أعمق، أكثر شغفاً.

في النهاية، عندما انتهى الطعام، كان الصحن فارغاً، لكنّهما لم ينتهيا. استلقت ليزا على السجادة، سحبت أحمد إليها، قبّلته قبلةً طويلة، عميقة، يداه في شعرها، يديها على ظهره. كانا يتذوّقان بعضهما الآن، لا حاجة للطعام.

“سنُعدّ هذا كلّ جمعة,” همست ليزا.

“وكلّ يوم,” ردّ أحمد، ثم قبّلها مجدداً.

في تلك اللحظة، عرفا أنّ تشابههما في الطعام لم يكن صدفة. كان قدراً. كان حبّاً. كان حياةً جديدة، مليئةً بالحلاوة، بالقبلات، بالبسكويت والكريم كراميل.

الفصل السابع: حضن الأمّ والعاشق​

كان الشتاء قد أتى على القاهرة بلطفٍ نادر، يحمل ريحاً باردةً من النيل، وسماءً صافيةً تُظهر النجوم كأنّها عيونٌ تراقب من بعيد. في شقّتهما الصغيرة بالمعادي، أصبحت الأريكةُ الرماديةُ القديمةُ عرشَهما السريّ. كانت ليزا تجلس في الزاوية، ساقاها ممدودتان، وسادةٌ صغيرةٌ خلف ظهرها، وأحمد يتمدّد كطفلٍ كبير، رأسهُ موضوعٌ على حجرها، وجههُ ينظر إلى أعلى، إلى عينيها الزرقاوين اللتين تضحكان قبل شفتيها.

كان يحبّ ذلك أيّما حبّ. منذ الشهر الأول بعد عودتهما من سويسرا، اكتشفت ليزا هذا الجانب فيه: رغبته العميقة في أن تكون له أمّاً، ليس بالمعنى الحرفيّ، بل بالحنان، بالرعاية، بالأمان. كان يُغلق عينيه عندما تداعب شعره بأصابعها الناعمة، تُمرّرها بين خصلاته السوداء الممزوجة بالشيب، تُحرّك أطرافها على جبينه، على صدغيه، على أذنيه. كان يتنهّد، كأنّ كلّ لمسةٍ تُزيل عنه سنواتٍ من الوحدة.

وتعلم ليزا ذلك، ولم تبخل عليه. بل كان يسعدها، يمتعها، يُشعرها أنّها تملك قلبَهُ كاملاً. كانت تُحبّ أن ترى عينيه الداكنتين تنظران إليها من أسفل، كأنّه ***ٌ يثق بأمّه، لكنّه رجلٌ يعشقها. كانت تقبّل شفتيه من حينٍ لآخر، قبلةً ناعمةً، طويلةً، ثم تبتعد قليلاً، تنظر إليه، وتهمس:

“يا حبيبي… أنتَ ولدي الكبير، وعاشقي الأوحد. أشمّكَ، أحضنكَ، أحميكَ من العالم.”

فيشتعل. نيرانه تشتعل في صدره، ليس بالرغبة الجسدية فقط، بل بالحبّ العميق، بالامتنان. كان يمسك يدها، يقبّل كفّها، يقول:

“أنتِ أمّي التي لم أعرفها، وامرأتي التي انتظرتها أربعةً وأربعين عاماً.”

وكانا يتحدّثان. ساعاتٍ طويلة، وهو ممدّدٌ على حجرها، وهي تداعب شعره، يروي كلٌّ منهما عن بلاده، عن أهله، عن التاريخ والحضارة.

أحمد يروي مصر:​

“جدّي كان فلاحاً في المنوفية، يزرع القطن والقمح، ويحكي لي عن الفراعنة كأنّهم جيرانه. كان يقول: ‘الأرض دي عاشت آلاف السنين قبلنا، وهتعيش آلاف بعدها.’ أمّي كانت تُعدّ لي الكريم كراميل في عيد ميلادي، وتضع شمعةً واحدة، وتقول: ‘يا رب يخلّيك ليا.’ لم أعرف أبي كثيراً، مات وأنا في العاشرة، لكنّه ترك لي كتاباً عن رمسيس الثاني، وكنتُ أقرأه كأنّه رسالة منه.”

ليزا تروي سوريا المفقودة:​

“أبي كان يعمل في ميناء اللاذقية، يحكي عن البحر كأنّه صديقه. كان يأخذني إلى شاطئ ‘رأس البسيط’، ونحن نأكل السمك المشويّ مع الخبز السوريّ. أمّي كانت تُعلّمني الرسم على الرمل، وتقول: ‘الرسم حياة، والحياة رسم.’ جئنا إلى مصر في 2011، كنتُ أربع سنوات، أحمل دميةً صغيرةً اسمها ‘لونا’. لم أرَ سوريا منذ ذلك الحين، لكنّني أحملها في دمي: رائحة الزيتون، صوت الأذان من جامع النوري، طعم الكنافة النابلسية.”

كانا يتحدّثان عن الحضارة: أحمد يروي عن الرومان واليونان، عن قسطنطين وكليوباترا، عن كيف بنى المصريون الأهرامات بلا آلات. ليزا تروي عن الأمويين والعباسيين، عن دمشق كأقدم عاصمةٍ مأهولة، عن قلعة الحصن، عن تدمر التي دمّرتها داعش. كانا يبكيان أحياناً، يضحكان أحياناً، يقبّلان أحياناً. لم يكن هناك جنس، لم تكن هناك حاجة. كان الحبّ كافياً، نقياً، إنسانياً، أمومياً، عاشقاً.

مضت شهور، ثم عامٌ كامل. كلّ ليلةٍ جمعة، كانا يجلسان هكذا. كان أحمد يعود من التدريس، يضع حقيبته، يتمدّد على حجرها، وتبدأ الجلسة. كانت ليزا تُعدّ له شاياً بالنعناع، تُطعمه قطعةً من البسكويت، ثم تعود لتداعب شعره. كانا يشاهدان فيلماً أحياناً، لكنّ أغلب الوقت كان حديثاً، قبلاتٍ، ضحكاً.

اللحظة التي غيّرت كلّ شيء:​

في ليلةٍ من ليالي ديسمبر، كان أحمد نائماً باكراً بعد يومٍ طويلٍ في المدرسة. استيقظت ليزا، ذهبت إلى الحاسوب لتبحث عن لوحةٍ فنيةٍ لمشروعها. فتحت المتصفّح، وكان تاريخ التصفّح لا يزال مفتوحاً. رأت ما لم تتوقّعه: قصصٌ جنسيةٌ بالعربية والإنجليزية، عن رجالٍ يكبرون نساءً صغيرات، عن علاقاتٍ أموميةٍ تتحوّل إلى شغف، مقاطع فيديو بورنو من مواقعٍ معروفة، معظمها يدور حول “الأمّ الحنونة” و”الابن العاشق”.

جلست ليزا، لم تغضب، لم تتفاجأ. بل شعرت بشيءٍ آخر: فهمٌ عميق، رغبةٌ في إكماله. كانت تعرف أنّه بتول، أنّه لم يقترب من امرأة، لكنّها لم تكن تعرف أنّ رغبته الجسدية كانت تنام فيه، تنتظر الإيقاظ.

في اليوم التالي، عندما عاد أحمد، أعدّت له العشاء، ثم جلست بجانبه على الأريكة. وضعت رأسه على حجرها كالعادة، داعبت شعره، لكنّ عينيها كانتا جادّتين.

“أحمد…” قالت بهدوء، “رأيتُ تاريخ المتصفّح. لا تخف، لا أغضب. أنا أحبّكَ، وأريد أن أكون لكِ كلّ شيء: أمّك، حبيبتك، امرأتك. لقد أعطيتُكِ الحنان عاماً كاملاً، والآن… حان وقت الشغف. أريد أن نجرب الجنس، أن نتوّج حبّنا. أريد أن أكون لكَ جسداً، كما كنتُ لكِ قلباً.”

توقّف أحمد، رفع رأسه، نظر إليها. كانت عيناه مليئتين بالخوف، بالرغبة، بالحبّ.

“ليزا… أخاف أن أفسد كلّ شيء.”

“لن تفسد شيئاً. أنتَ لستَ طفلاً، وأنا لستُ أمّاً فقط. نحن عاشقان. دعنا نكمل الرحلة.”

في تلك الليلة، لم يتمدّد على حجرها. بل وقفت، أخذت يده، قادته إلى غرفة النوم. أغلقت الباب، أطفأت النور، تركت ضوءاً خافتاً من مصباحٍ جانبيّ. خلعت قميصها ببطء، كشفت عن جسدها الطريّ، أحنابها المنبعجة بخفة، بشرتها البيضاء تحت الضوء الذهبيّ. اقترب أحمد، يرتجف، لكنّها ضمّته، قبّلته، قبلةً عميقة، ثم همست:

“أنا هنا… أنا لكَ… كلّي لكَ.”

وكانت تلك بدايةُ التتويج. لم تكن نهايةُ الأمومة، بل امتدادُها. كان الحبّ قد اكتمل: حناناً، شغفاً، جسداً، روحاً.

كانت الغرفةُ مظلمةً إلا من ضوءٍ خافتٍ يتسلّل من مصباحٍ جانبيٍّ صغير، لونه برتقاليٌّ دافئ، يرسم ظلالاً طويلةً على الجدران البيضاء. رائحةُ الياسمين من الشرفة تتسلّل مع نسيمٍ بارد، ممزوجةً برائحة جسد ليزا: مزيجٌ من عطرها الخفيف (اللافندر والفانيليا) وبشرتها الدافئة. كان الصمتُ ثقيلاً، ليس خوفاً، بل ترقّباً. كانا يقفان وجهاً لوجه، يمسكان يدي بعضهما، أنفاسهما تتسارع، قلبهما يدقّان بنفس الإيقاع.

ليزا كانت الأولى في الحركة. رفعت يديها ببطء، خلعت قميصها القطنيّ الأبيض، تركته يسقط على الأرض كأنّه ورقةٌ جافة. كانت ترتدي حمالة صدرٍ حريريةً سوداء، رقيقةً جداً، تكشف عن أحنابها المنبعجة بخفةٍ أنثوية، حلماتها بارزةٌ قليلاً تحت القماش من البرد والرغبة. ثم خلعت بنطالها الرياضيّ، تاركةً سراويل داخليةً سوداء مطابقة، ضيّقة، تُبرز قوامها الطريّ، فخذيها الناعمين، خصرها المنحني.

وقفت أمامه، عاريةً تقريباً، بشرتها البيضاء تتلألأ تحت الضوء، شعرها الأسود يتدفّق على كتفيها كشلالٍ من الحرير. لم تكن خجلة. كانت ملكةً، أمّاً، عاشقةً. نظرت إليه بعينين زرقاوين مفتوحتين، وقالت بهمسٍ عميق:

“انظر إليّ… أنا لكَ. كلّي لكَ.”

أحمد كان يرتجف. لم يكن خوفاً، بل إثارةً لم يعرفها من قبل. خلع قميصه بيدين مرتجفتين، كشف عن صدره الحنطيّ، الشعر الأسود الخفيف، عضلاته المتواضعة من المشي اليوميّ. ثم خلع بنطاله، تاركاً بوكسر رماديّ، انتفاخه واضحٌ تحت القماش. اقترب منها، وضع يديه على خصرها، شعر بطراءة بشرتها، بدفئها، بأنفاسها الساخنة على عنقه.

ليزا أمسكت وجهه بكفّيها، قبّلته. قبلةٌ أولى ناعمة، شفتاهما تلتقيان بلطف، ثم تعمّقت. لسانها يتسلّل إلى فمه، يداعب لسانه، يتذوّق طعم شاي النعناع الذي شرباه قبل ساعة. كانت يداه تنزلقان على ظهرها، تتتبّعان العمود الفقريّ، تصلان إلى حمالة الصدر، تفكّانها بصعوبة، تسقط على الأرض. كشفت أحنابها، كاملةً، ناعمةً، حلماتها ورديةً، بارزةً. لمسها بأصابعه، بلطف، كأنّه يلمس كنزاً.

“آه…” تنهّدت ليزا، عيناها مغمضتان، رأسها يميل إلى الخلف.

ثم دفعته بلطف إلى السرير. استلقى على ظهره، وهي فوقه، شعرها يتساقط على وجهه كستارةٍ سوداء. قبّلت جبينه، عينيه، أنفه، ثم شفتيه مجدداً، قبلةً جائعة. يداها تنزلقان على صدره، تمسكان حلماته، تداعبانهما بلطف، فينتفض جسده. ثم نزلت إلى بطنه، أزاحت البوكسر، كشفت عنه كاملاً: قضيبه منتصب، كبير، نبضه واضح. لمسته بيدها، بلطف، أصابعها تلفّه، تحرّكه ببطء، فأغمض عينيه، يتنهّد بعمق.

“أنتَ جميل…” همست، ثم نزلت بشفتيها، قبّلت رأسه، لعقته بلطف، أدخلته في فمها ببطء، دافئ، رطب. كان أحمد يمسك السرير بقوة، يتنفّس بصعوبة، لأوّل مرّة يشعر بهذا. كانت ليزا تتحرّك ببطء، لسانها يداعبه، يدها تتحرّك مع فمها، حتى شعر أنّه على وشك الانفجار، فجذبها إليه.

“لا… أريدكِ معي…”

استلقت بجانبه، خلعت سراويلها الداخلية ببطءٍ متعمّد، كشفت عن مهبلها: شفراتها الخارجية غليظة، مورقة، متهدلة قليلاً بطريقةٍ أنثويةٍ فاتنة، لونها ورديٌّ داكنٌ يتحوّل إلى بيجٍ فاتح عند الحواف، مبللةً بالفعل، لامعةً تحت الضوء الخافت. كانت بكارتها واضحةً، غشاءٌ رقيقٌ يغطّي المدخل، ينتظر الاختراق الأوّل. فتحت ساقيها، أمسكت يده، وضعتها هناك. شعر بدفئها، برطوبتها، بأصابعها ترشده. أدخل إصبعه، بلطف، فتنهّدت، جسدها يتقوّس.

ثم صعدت فوقه، وجهها أمام وجهه، أمسكت قضيبه، وجّهته إلى مدخلها، شفراتها الغليظة المورقة تتفتّحان كزهرةٍ تحت رأسه، متهدلةً بلطفٍ حول المدخل. نزلت ببطء. كان الإيلاج مؤلماً لها للحظة: غشاء بكارتها يتمزّق، قطرة دمٍ صغيرة تتساقط على الملاءة، ألمٌ حادٌّ ثم يتلاشى. توقفت، تنفّست، عيناها مليئتان بالدموع لكنّها مبتسمة. ثم نزلت كاملاً، فضّ بكارتها كما فضّت بكارته قبل لحظات في فمها.

كانا متّحدين الآن، دمُهما مختلطٌ، ألمهما مشتركٌ، متعتهما واحدة. شعر بها تضغط عليه، دافئة، رطبة، ضيّقة. بدأت تتحرّك، ببطء، أحنابها تتحرّكان فوق صدره، شعرها يتمايل، عيناها مغمضتان. كان يمسك خصرها، يدفع بلطف، يشعر بكلّ حركة، بكلّ نبضة، بشفراتها الغليظة المورقة تحتفّ بقضيبه، تتحرّكان مع كلّ دفعة، متهدلةً بلطفٍ على فخذيه.

“أحبّكِ…” همس، وهو يقبّل عنقها، يعضّه بلطف.

“وأنا أحبّكَ…” ردّت، صوتها متهدّج.

تسارعت الحركة، أنفاسهما تختلطان، عرقهما يختلط، أجسادهما تتحرّك كواحد. كانت ليزا تتحكّم، أحياناً ببطء، أحياناً بسرعة، يداه على أحنابها، يعصرهما، فتئنّ من المتعة. ثم استدارت، جعلته فوقها، ساقاها تلفّان خصره، يداه تحت ظهرها، يدخل بعمق، بقوّة، قبلاتهما عميقة، ألسنتهما متشابكة.

وصلا إلى الذروة معاً. شعر أحمد بانفجارٍ داخليّ، يفرغ فيها، وهي تضغط عليه، تصرخ بهدوء، جسدها يرتجف. بقيا متعانقين، يتنفّسان بصعوبة، عرقهما يلتصق ببعضهما.

ثم استلقت بجانبه، وضعت رأسه على صدرها، داعبت شعره كالعادة.

“الآن… أنتَ ابني، وعاشقي، وزوجي.”

“وأنتِ… كلّ شيء.”

كانت تلك الليلة بدايةً جديدة. لم تكن نهاية الأمومة، بل امتدادها إلى الجسد. كان الحبّ قد اكتمل: حناناً، شغفاً، اتحاداً. وكلّ ليلةٍ بعد ذلك، كانا يجمعان بين الحضن والقبلة، بين الكريم كراميل والجسد، بين التاريخ والحاضر.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى