Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل الثاني عشر 12 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل الثاني عشر 12 بقلم داليا الكومي

الفصل الثاني عشر________________مواجهة غير متوقعة
“يا ريم القلب حدثيني عن أخبارك واطربيني .. حرصًا عليك أحبك في صمت، لكن هذا لا يمنع لهيبي واشتياقي وحنيني .. “. خرج يحمل لهفته إلى الصالون لمقابلة ليلى، لقد افتقدها بشدة، افتقد وجودها في المنزل، افتقد رؤيتها يوميًّا، اشتاق للحديث معها، وأيضًا كان يريد أن يطمئن على أحوالها، فهو تجنب التدخل في حياتها منذ زواجها، ربما كان يخشى أن يكون قد أساء إليها بإعطائها الأمل الكاذب وجعلها تتوهم السعادة فجبن من مواجهتها كي لا يرى الألم في عيونها واللهفة الأهم التي تجعل قلبه يرقص من الإثارة هي أنه قد يحصل منها على أي معلومة عن ريم ..
لكنه عندما وصل الصالون تخشب في مكانه، فهناك لم يجد ليلى كما كان يتوقع، بل وجد ريمًا، ريم بلحمها ودمها تجلس في صالونه، في منزله، أحلامه التي تعذبه تجسدت أمامه حية تتنفس، تنظر إليه بشوق يعادل شوقه، فكر أن يغادر فورًا ولكن نظرتها أوقفته، الآن بمقدوره حبسها هنا وحملها في قلبه إلى الأبد، سيحبها ويحميها ويدللها، سيجعلها ملكة قلبه المتوجة وطفلته الصغيرة المدللة، تمنى من الله أن يلهمه الصواب، فهو يتعذب ويعلم جيِّدًا أنه يعذبها، كم يتمنى مسح الألم من وجهها لكنها لا تعلم أن قربه مصدر أفظع للألم، قلبه هتف حبيبتي وسمع قلبها يجيبه لكنه استمر في الصمت، فالصمت الآن أبلغ من الكلمات..
********
أخيرًا رأته وأشبعت عينيها من وجهه الوسيم، ولكنه كان مختلفًا عن سعد الأنيق الذي اعتادت رؤيته سابقًا، كان يرتدي جينز وتي شيرت أسود يلتصق بعضلاته القوية، وجهه مغطى تمامًا بلحية من الواضح أنه لم يحلقها منذ يوم الزفاف، لكنه مازال يمتلك تلك الجاذبية الآسرة التي تسلب عقلها .. سعد لم يعطِها يومًا أي أمل ولكنها كانت مقتنعة بأن الحب الكبير الذي تكنه له من أول نظرة يستحيل أن يكون من طرفها فقط، لا يمكن لقدر أن يكون بمثل تلك القسوة ليعذبها بحب عنيف لا أمل فيه، حبه كان قدرًا ومن يستطيع أن يحارب القدر ..
ومُسَّير لا مُخيَّر، واصل طريقه لداخل الصالون على الرغم من قراره السابق بالتراجع، بدون وعي مد لها كفًّا تبحث عن يدها، وهي مدت يدها للسلام ولكنها سحبتها سريعًا في خجل عندما شعرت به يضغط يدها بقوة،
جلس إلى جوارها تمامًا حتى كاد أن يلمسها فتسللت رائحة عطرها الخفيف إلى أنفه وملأت كل خلاياه، سيتذكرها في المستقبل كلما يتذكر عطرها الشبيه برائحة الفواكه الاستوائية، هو جلس صامتًا واختار أقرب مكان إليها، لكنه لم يقوَ على النطق وهي بادرته بالقول وكأنها تداري جريمتها:
– أنا حضرت مع ليلى
فرك ذقنه الخشنة بكفه ثم قال في صوت ضعيف:
– أنت مُرحبًا بكِ هنا في أي وقت حتى بدون ليلى ..
أكملت حفظ ماء وجهها بكبرياء مصطنع، نعم هي تحبه ومستعدة للتوسل لكن فقط لو تتأكد من حبه، نعم ستتوسل إذا ما تأكدت من حبه ..
– لقد شعرت بالملل من الجلوس في المنزل، فطلبت منها اصطحابي لتنشق الهواء، أيام الإجازة الصيفية أشعر بملل كبير ولم أعتد الخروج بمفردي.
الآن هو أقرب ما يكون للاستسلام إن ظلت للحظة واحدة أخرى إلى جواره فسوف يعترف لها بحبه وربما يرسل في طلب المأذون حتى دون إخبار عائلتها، إنها تتحدث عن كليتها كأنها أمرٌ عادي لكنه لن ينتظر ليرى احتقارها له يغطي وجهها الجميل عندما تعلم أنه جاهل ولم يتلقَّ أي تعليم جامعي قرر إخبارها بنفسه فذلك أكرم له:
– أنتِ تدرسين في كلية التجارة، أليس كذلك؟ أنا لم أكمل تعليمي ولم أنل أي شهادات أبدًا ..
تعمد تحطيم أي أمل لديها بنفس مقدار ما يشعر به من المرارة، لا بدَّ وأن تعلم ريم أنه لا يحمل أي شهادة جامعية، بل لا يحمل أي شهادة على الإطلاق، ها هو الآن ينتظر منها نظرة الاحتقار، بل ولربما تعتذر وتغادر منزله فورًا حتى بدون انتظار ليلى، هو خسرها لكن احتفظ بكرامته، ولكن لدهشته الشديدة أجابت بخفوت:
– أعلم ذلك
تعلم؟؟ نظر إليها بدهشة حقيقية:
– تعلمين؟
هزت رأسها بالإيجاب.
كان يتلعثم لكنه سألها بلهفة:
– كيف عرفتِ ذلك ومتى؟
تجنبت الإجابة بالطبع، إنها تعلم لأنها حاولت معرفة كل شيء عنه من ليلى أو بالأحرى استجوبت ليلى كالمخبر الفضولي، جمعت عنه كل ما تستطيع جمعه من معلومات، وكان أول ما أرادت معرفته أنه غير مرتبط بأخرى، احتفظت بصورة له من الزفاف تلجأ إليها كلما افتقدته.
تذكرت حينما سألت ليلى عنه في حفلة الزفاف، أثناء كتب الكتاب.. حينما تلاقت عيونهما ويده في يد كريم وجدت نفسها تسأل ليلى بجرأة:
– ليلى، كم عمر سعد وهل هو مرتبط عاطفيًّا؟
وحينها أجابتها بحزن لم تفهم ريم سببه إلى الآن:
– واحد وثلاثون عامًا في نفس عمر كريم تقريبًا، يكبره ببضعة شهور فقط ولا إنه غير مرتبط ولم يرتبط أبدًا من قبل ولا توجد أي أنثى في حياته حتى الآن، هو مثقف جدًّا وعقلية مالية جبارة، على الرغم من أنه لم يحصل على أي شهادات جامعية، تخيلي على الرغم من أمواله إلا أن حظه في الدنيا قليل.
تتذكر جيِّدًا كيف دهشت للغاية عندما علمت، بالأحرى انبهرت فكيف وصل لكل ذلك النجاح من العدم، تعجبت كيف يمكن لشخص مثل سعد السناري أن يكون قليل الحظ، أي حظ ينقصه إذا كان لديه وفره من الجاذبية القاتلة والأموال الطائلة؟
قوته تأسرها كم تتمنى الذوبان بين ذراعيه، آه لو يسمح لها بالاقتراب من روحه.
ثم سألها مجددًا وضحكة صفراء تحتل وجهه:
– ألن تسألي مثل الجميع كيف وصلت إلى ما وصلت إليه الآن؟
أجابته بثبات وهى ترفع رأسها بكبرياء:
– لا، أنا مختلفة عن الجميع، بالنسبة إليَّ الإنسان يُقاس بمدى ثقافته ورقي تعامله، شخصيًّا لا أهتم بالتعليم أو بالرصيد، فعليًّا لا أهتم للمظاهر، يهمني الجوهر لا المظهر ..
كان لايزال متشككًا من كلامها، لايمكن أن يستوعب عقله أن تكون ريم بمثل ذلك الكمال لذلك هاجمها بقسوة، سألها بعنف:
– هذا لأنك مازلتِ طفلة، وتفكيرك محدود ..كم عمرك؟ .. لم تكملي العشرين بعد أليس كذلك؟ عندما تنضجين ستعلمين أنك كنت تتعلقين بحبال الحب الوردية الضعيفة.
نظرت إليه بنفس الكبرياء وهي تقول:
– قد أكون تحت العشرين كما تقول، لكنني لست طفلة وأنا أعنى كل كلمة نطقتها، وحبالي الوردية ستكون أقوى من أي درع لأنى مؤمنة بها . تفحصها من رأسها حتى قدميها الصغيرتين بألم وليقول بمرارة لخصت حاله: – هل تعنين أنك من الممكن أن تقبلي بالزواج من شخصٍ فقير أو غير متعلم؟ ليكمل بتهكم مرير: الجميلة والوحش!!
للحظات قليلة ظهرعليها التردد كأنها تخوض حربًا داخلية ولكنها أخيرًا أجابت بخجل، فإجابتها سلاح ذو حدين، تريد أن تقول نعم لكن تخشى أن تكون تفضح نفسها وتعرض نفسها عليه ولو قالت لا سينبذها من حياته إلى الأبد، الوضع حساسٌ جدًّا، أخيرًا تمكنت من حسم أمرها وقالت:
– بالتأكيد إذا ما كنت أحبه.
سخريته قتلتها وهو يقول:
– حب؟ هل تصدقين بوجوده يا صغيرتي؟
الآن أصيبت بالإحباط ، سعد مليء بالألم والمرارة، فكرة ضربتها وآلمتها بشدة ربما تألم من حب سابق لذلك هو يبدو بتلك المرارة، غيرة نهشت قلبها ومزقت روحها، من هي سعيدة الحظ تلك التي استطاعت الفوز بقلبه في يوم من الأيام؟
نبرتها تحولت إلى الحزن:
– طبعًا أصدق بالحب، إنه موجود في كل مكان حولنا إذا ما فقط أردنا رؤيته، وتركنا أنفسنا بحرية بدون قيود .. مازال يهاجمها بقسوته الأليمة:
– إذًا، أنتِ تدعين الآن أنك تستطعين حب شخص من أصحاب الحرف سباك ربما؟ هل تعلمين أنني سباك في الأصل؟ أنا كنت العامل الذى يصلح لكم دورات المياة الفخمة في منازلكم الأنيقة .. هجم عليها فجأة وأمسك معصمها بعنفٍ كاد يحطمه:
– ريم بنت الحسب هل ستسمح لسباك مثلي بلمسها؟ الآن أنا ألمسك يا ريم هل تشعرين بالقرف من لمستي؟ أصابعه دفنت في شعرها الحريري ثم بقوة لا يستطيع حتى هو السيطرة عليها يضمها إليه ويقبض على شفتيها المرتبكتين بشفتيه بعنف .. وهي لم تقاوم أبدًا .. أراد أن يستفزها لأقصى درجة لتظهر كراهيتها .. ثم ليدفعها برفق دون أن يترك معصمها ويهمس أمام شفتيها بنبرة مرتعشة: – إذًا أنت لا تستطعين الإجابة، صدمتك أليس كذلك؟
هل فعلًا تلقت الآن قبلتها الأولى من حبيبها وكانت بين أحضانه؟ حمدت الله أنها لم تكن حرة وإلا كانت انهارت أرضًا فحاليًّا جسدها هربت منه كل عظامه وتركتها رخوة .. أنفاسه على وجنتها تحرقها بنار لاهبة .. الدموع غلبتها، لماذا يقسو عليها هكذا ألا يعلم أن لمسته هي منتهى أمنياتها، ماذا ستخبره الآن؟
هزت رأسها بألم، وهو شعر بألمها فخفف من ضغط يده على معصمها عندما أدرك أنه يؤذيها، قال بندم دون أن يحررها بالكامل:
– والآن رأيتِ عنفي أيضًا، دموعك أشد ألمًا من الرصاص .. لمس شفتيها بحنان : – قذارتي انتهكت براءة شفتيكِ .. سامحيني حبيبتي لم أقصد أن أؤذيك .. بعد أن عرفتِ حقيقتي هل مازلتِ مقتنعة بوجود الحب؟
هل ناداها حبيبتي أم كانت تتخيل؟ أغمضت عيونها لتخفي الدموع ولتخفى خجلها، صوتها خرج مهزوزًا مرتعشًا وبالكاد سمعه:
– أخبرتك عن رأيي من قبل، لماذا لا تستطيع تصديقي؟ سأعيدها مجددًا: بالطبع يوجد حب، ألا ترى حب ليلى وكريم؟ حتى هذا لم يقنعك بوجود الحب ..؟
ذكْر ليلى مزق قلبه لا بدَّ أن ينهي عذابهم جميعًا، ريم تجادل وهي ما زالت لا تعلم الأسوأ، جذبها إليه فجأة وأمسك بكتفيها يهزها بعنف، هتف بقسوة:
– تدَّعين أنك أكيدة من حب أخيكِ لليلى أليس كذلك؟ كم تتوقعين درجة صمود حبه لليلى على مقياس الحب الذي تتحدثين عنه؟ هل تعتقدين أنه سيظل يحبها كما يقول عندما يعلم أنا أبونا السكير قتل أمَّنا في المنزل أمام عيون ليلى المسكينة، وأنها هي من أخبرت السلطات عنه ووضعته في السجن الذي يعمل فيه أخوكِ الضابط المحترم بيديها؟ ماذا سيفعل عندما يعلم أن حماه العزيز نزيل لديه في سجن طرة ومحكوم بخمسة وعشرين عامًا بتهمة القتل؟
وأكمل بقسوة أشد وبصوت معدني مخيف:
– ماذا سيكون مصير ليلى المسكينة عندما يعلم زملاء كريم أن حماه أحد ضيوفهم الملاعين؟
شهقة متألمة قطعت كلامه القاسي، ترك ريم والتفت بسرعة ليجد ليلى تقف على مدخل الصالون متألمة باكية، دموعها تحفر أنهارًا على وجنتيها الشاحبتين.
شهقات دموع من خلفه جعلته يستدير مجددًا ليرى حالة ريم الشبيهة بحالة ليلى..
هنأ نفسه بمرارة: “مبروك يا سعد لقد دمرت أغلى اثنتين في حياتك”.
كلتاهما بكت من أجل حبها، ليلى بكت عندما واجهها سعد بالحقيقة القاسية التي تتجنب التفكير فيها وهو صاغها على حقيقتها بدون أي تجميل، “موقف كريم منها عندما يعلم”، لقد عرَّاها سعد تمامًا أمام ريم والآن لا بدَّ لها أن تواجه كريم فلم يعد هناك بديل، أما ريم فبكت من أجل ألم سعد الدفين، لم تفكر في كريم أو حتى في موقف أهلها إذا ماعلموا.. فكرت في سعد فقط وأحزانه الدفينة، أخيرًا علمت سره الدفين الذي أصر الآن على البوح به، الحاجز الذي يمنعه من الحياة، يمنعه عنها، اليوم قرر سعد تعرية نفسه أمامها، بكت للمرارة التي لمستها في صوته ومزقت روحها لنصفين، ألمه كان حيًّا، كانت وكأنها ترى الجريمة تتمثل أمامها، وترى والده وهو يقتل زوجته، حتى أنها شعرت بالخوف من قسوة ما حدث، وشعرت بالإشفاق على سعد وليلى من هول ما مروا به، لكن..!!
ريم البسيطة الرقيقة دائمًا، الآن مضطرة أن تكون قوية، قوية من أجل من تحب من أجل سعد من أجل ليلى وأيضًا من أجل كريم.
ومع أن ساقيها رخوتان من صدمة تجربتها الأولى في التلامس إلا أنها تمالكت نفسها ومسحت دموعها، علمت أن ما ستقوله أو ستفعله الآن هو ما سوف يحدد مصيرها مع سعد للأبد، فسعد العاري أمامها الآن سوف يحاسبها حتى على طرفة عينيها إذا ما دلت على التردد.
– كريم الذي أعرفه لن يعاقب ليلى أبدًا على أفعال غيرها، لن يحملها خطايا الآخرين وذنوبهم، لكن بالتأكيد سوف يعاتبها ويلومها على عدم ثقتها به ووضع الحواجز بينهما، وربما يظن أن حبها له غير كافٍ وأنها لم تثق في حبه لها بدرجة كافية، الأسرار بين الزوجين هي أول طريق الانهيار.
مجددًا هي مضطرة للتظاهر بالقوة التي لم تكن أبدًا تملكها:
– ليلى، قد يكون من الأفضل لنا أن نرحل ونتركه يواجه مرارته وحيدًا الكلام مؤلم لنا جميعًا، وإني أدعو الله يا سعد أن يأتي اليوم الذي تعرف فيه الحب الحقيقي الذي يجرد الإنسان من كل منطق.. فلتعلم أن الحب الحقيقي يأتى فقط مرة واحدة في العمر ولا يمنحنا رفاهية الاختيار، الحب قدر والعمر أقصر من أن نضيعه في الحسرة على ماضٍ لم يكن لنا أي ذنب فيه
قوتها التي اكتشفتها في نفسها أدهشتها هي شخصيًّا، فكيف تمكنت تلك الصغيرة من السيطرة على الموقف بذلك الذكاء، هي كانت تعلم أن ليلى استسلمت الآن ولو لم توجه لها الدعوة للعودة للمنزل لكانت قررت البقاء في منزل أخيها للأبد، أيضًا اضطرت للدفاع عن كريم راهنت بقوة على حب كريم لليلى وتكلمت نيابة عنه وأخيرًا اضطرت لإنهاء الموقف المؤلم لأن الكلام يزيد من الألم لهم جميعًا وخصوصًا لسعد الذي جرح ليلى بقسوة لم يكن يتعمدها ..
ثم لتنقلب الآية عند الخروج وريم فعليًّا هي من سحبت ليلى إلى السيارة ومن السيارة إلى داخل المنزل أوصلتها حتى غرفتها متجنبة المرور بوالدتها المنتظرة في الصالون.
الصمت كان هو السائد طوال رحلة العودة، أخيرًا ريم استطاعت الكلام:
– ليلى أنا أكيدة من حب كريم لكِ .. لكنني أخشى أن يقطع الكذب خيط الثقة بينكما، لا بدَّ وأن تخبري كريم بنفسك، سأخبرك عن نفسي فعلى الرغم من كل ما عرفته عن سعد، لكنني أحبه ولم يهتز حبي أبدًا بسبب أي شيء فعله والدك، فلماذا تظنين أن كريم لن يكون مثلي؟ فكري مجددًا بقلبك لا بعقلك واحمدي الله أنك ما زال لديكِ فرصة لإخباره بنفسك..
ثم غادرت الغرفة بدون انتظارها لرد ليلى هي أيضًا كانت بحاجة للبكاء وحيدة, اليوم حمل تغيير جذري في علاقتها بسعد ..
ريم تقترح عليها فعل ما هو محتوم .. هي بنفسها قررت إخباره بعد عودتهما من شهر العسل ولكن كلما أحبته أكثر كلما صعب عليها التضحية بما لديها.
كريم يجب أن يعرف منها أولًا ولكن متى ستأتيها الشجاعة لإخباره؟
مرت عدة ساعات منذ عودتها من فيلا سعد، حبست نفسها في غرفتها لم تستطع الذهاب إلى شركتها لمتابعة أعمالها كما كانت تنوي، نظرها تعلق بهاتفها المحمول كأنه طوق النجاة، ساعات في انتظار مكالمة من كريم أو حتى رسالة، ولكن الساعة أصبحت بعد الخامسة ولا جديد، أنيسة الخادمة أبلغتها من ساعات أن العائلة في انتظارها لتناول طعام الغذاء، ليلى اعتذرت بلطف وأخبرتها أنها سوف تنتظر كريم، طرق على باب غرفتها انتزعها من شرودها، فوجئت عندما شاهدت سعاد هانم حماتها تدخل إلى غرفتها، والتي حيتها بلطف:
– ليلى لماذا تحبسين نفسك في غرفتك؟ كريم مشغول على الدوام ولو انتظرتِه هكذا فستملين سريعًا، أيضًا أنتِ لم تأكلي شيئًا طوال اليوم ..
“ومن أين تأتي الشهية”، أجابتها وهي تحاول أن تبدو طبيعية:
– بالفعل .. أنتظر كريم لنأكل سويًّا.
– كريم اتصل منذ قليل وطلب مني إبلاغك أنه لن يعود اليوم إلى المنزل، ولا يدري بشأن الغد ماذا ستكون الظروف؟
عيناها اتسعت من الصدمة، كريم ما زال غاضبًا وبشدة ويعاقبها بأقسى عقاب، حرمانها منه.
لتشعر بالإحراج عندما لاحظت صدمتها فتقول بلطف:
– ربما حاول الاتصال بكِ، بالتأكيد سيحدِّثك قريبًا لماذا لا تأتين معي إلى النادي؟
اعتذرت بلباقة جاهدت كي تتصنع بها، فكل ما تحتاجه الآن هو قبر تدفن فيه نفسها:
– ربما في وقت آخر بعد أن أتمكن من إخبار كريم
حماتها أجابتها:
– كما تريدين.. ريم أيضًا رفضت الحضور وتعللت بالصداع .. ومحمود لديه اجتماع في الوزارة.. لا أدري ما خطب شباب اليوم .. أنتِ وريم تفضلان المنزل أما أنا فأحب الخروج والاستمتاع.. لو غيرتما رأيكما هاتفاني.. أراكِ لاحقًا.
فور مغادرتها أغلقت عيونها بانهيار، على الرغم من حزنها الشديد لم تبكِ بدموع فقط قلبها بكى بألم، لقد بكت طوال ساعات حتى نفد مخزونها من الدموع، كريم مازال غاضبًا من جدالهما في الصباح، غاضبٌ لدرجة أنه لم يتصل بها لإخبارها عن تغيبه عن المنزل بل ربما لم يحضرعن عمد ..
أغلقت نور الغرفة وجلست في الظلام، فقط نور آخر النهارالخافت ينير غرفتها.. حاولت الاختفاء في ظلام الغرفة.. إنها ترغب أن تكون غير مرئية.. كريم لن يقضي الليلة في المنزل أين إذًا سيقضيها؟
هل سيظل في السجن أم سيذهب إلى شركته؟؟
ستجن إذا لم تتخلص من أفكارها، حاولت أخذ أفكارها لمنحنى آخر لكن رغمًا عنها أفكارها اتجهت لسعد وكلامه القاسي هذا الصباح، الآن ريم أصبحت تعلم وهي لديها بعض الشكوك أن حماها أيضًا يعلم، النصف المتفاهم من العائلة أصبح يعلم ولكن مازال النصف الأصعب لم يعلم بعد فكرت في حماتها المتكبرة وكريم الفخور .
مازالت أفكارها تسبب لها الألم فالمنحنى الآخر لم يكن أفضل أبدًا من الأول لم يمضِ سوى ثمانية أيام على زواجها وها هي تجلس وحيدة متألمة. اعترفت لنفسها أن الذنب يقع عليها وحدها تذكرت مثلًا شعبيًا قائلًا .. “اللي بيشيل قربه مقطوعة بتخرعلى دماغه” ضحكت بهستيرية، على الرغم من ملايين سعد التي لا تعد، وانتقالهم لقصره فمازلت متأثرة بتربيتها في حارة جهنم.. آآه لو حماتها تسمعها الآن ..
أفكارها الآن أخذتها للحارة .. للثمانية عشرعامًا الكئيبة التي قضتها فيها .. طوال ثمانية عشرعامًا لم ترَ غير القذارة .. مياه الصرف الصحي كانت في كل مكان.. المنازل المعتادة كانت عششًا من الصاج، أما المنازل الأقل في العدد والتي كان يعد أصحابها محظوظين فكانت انتهت فترة صلاحيتها منذ زمن وأصبحت مهددة بالسقوط على ساكنيها لتدفنهم أحياء.. الخمورجية فيها والمتحرشين كانوا أكثر من البشر الأسوياء.. حاربت كي تستطيع العيش في تلك الحارة الجهنمية .. اسم على مسمى .. تعجبت كيف نجى أشقاؤها من جحيمها ..
طرقات قوية على باب غرفتها جعلتها تنتفض بقوة .. قبل أن تفتح فمها بدعوة الزائر للدخول فتح الباب بعنف ودخلت سلمى كالاعصار
على ضوء غروب الشمس الخافت شاهدت سلمى .. كانت مرتدية أفخم ملابسها .. شعرها ووجهها .. عطرها .. قمة في الروعة كأنها تستعد للذهاب في موعدٍ هام
بوقاحة جلست على المقعد المقابل لها فصاحت بدهشة:
– سلمى ما الأمر؟
رفعت إحدى حاجبيها وتفحصتها من رأسها حتى قدميها بقرف وقالت:
– لا أدري ماذا يرى كريم فيكِ؟ لكنه عاد لعقله وملَّ سريعًا ثم أكملت بسخرية، هل يوجد عريس ينام خارج منزله بعد ثمانية أيام فقط من زفافه؟
مالت إلى الأمام وهي تنظر في عينيها بغلٍّ: – هل تعلمين أننا كنا خطيبين؟
“يكفي هذا الرحمة” لم تعد تستطيع تحمل المزيد، ألن ينتهي هذا اليوم الكئيب.. صدمة أخرى قضت على القليل الباقي من اتزانها.. كريم حاول فيما مضى إخبارها عن سلمى وهي منعته لكنها لم تتخيل أن يصل الأمر للخطوبة والوعد بالزواج ..
– خطيبين؟؟
– نعم .. أنا وكريم كنا خطيبين ونحب بعضنا ولكن أنتِ دخلتِ حياته في وقت خاطئ .. فقط كانت توجد مشكلة عادية بيننا وأنا ضخمت الأمور وانتظرته ليصالحني وأظن أنه أراد إعطائي درسًا.. على كل حال أنا ذاهبة لمقابلته الآن كي نتصالح أخيرًا وأنصحك بالانسحاب من حياته بكرامتك قبلما يقوم هو بطردك بعدما نال غرضه منكِ ..هو فقط تزوجك لينالك .. أما الحب فهو لي.
وبنفس وقاحة دخولها الغرفة خرجت وتركتها مدمرة تمامًا..
“هل ألوم نفسي أم ألوم زماني؟ لكن لمَ اللوم وأنا أعلم أقداري .. وقدري سيكون حبًّا بلا أمل, عقابًا استحقه ولا أجرؤ حتى الطمع في طلب الغفران”. 





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى