Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل السادس 6 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل السادس 6 بقلم داليا الكومي

الفصل السادس__________________دائرة الخطر

“ملاكٌ مَلَكَ عملاقًا وأسره، فسلطان الهوى لا يخضع لقانون”. تلقائيًّا تقدم سعد وريم أثناء الجولةِ على المعروضات وكأنهما في دُنياهما الخاصة .. تلاهما كريم وليلى وكان من الواضح تعمد كريم التأخير ليبعدها عن سعد ..
بمجرد انفراده بها قال لها بجراءةٍ صدمتها:
– هنا ليس مكان عمل .. لا حجةَ لديكِ.
ردت بحياء:
– أنا لا أرى فارقًا.
هزَّ رأسهُ بقوة:
– أنا لا أعرفُ اليأس أبدًا وكما أخبرتكِ من قبل، أنا واضح وصريح وأنتِ تعجبينني يا ليلى .. تعجبينني جدًّا.
شعرت بصدمةٍ عنيفة .. حاولت التحدث لكنها فشلت ..
أكمل بصوتٍ هامس:
– اليوم أنتِ خرافية .. دائمًا أراكِ جميلة .. لكن اليوم جمالك غجري مدمر .. “الغجريةُ الجميلة” .. بإشارةٍ واحدةٍ من يدكِ سيركعُ جميع الرجال المتواجدين في القاعةِ تحت قدميكِ .. لكن سأقولها لكِ كلمةً واحفظيها جيدً “أنتِ مُلكي أنا “.. ستكونين لي وبإرادتك.
كلماتهُ سببت لها رعشةً عنيفة .. قلبت كيانها المهزوز .. أرادت أن تهتف “الرحمة، أنا أضعفُ من ذلك بكثير” .. لكنها تمكنت من الرد عليه بقسوةٍ وهمية:
– أنت مغرور جدًّا وجريء زيادةً عن اللازم ..
لم ينخدع بصوتها المهزوز:
– لا يا ليلى، أنا صريحٌ وأعرفُ ماذا أُريد .. أكرهُ اللفَ والدوران كما أخبرتكِ .. أنتِ تقاومين القدر ولن تستطيعي المقاومةَ لوقتٍ طويل .. إنه النصيب الذي جمعنا .. اهربي كما تشائين الآن لكنكِ ستعودين لحضني قريبًا جدًّا ..
لحسن حظها انتهت الجولة .. انتهاء الجولة أنقذها من الانهيارِ التام،
ما إن تمالكت نفسها حتى فوجئت بسعد يبتسم .. لأولِ مرةٍ منذ رجوعه من إيطاليا تراه يبتسم .. أرادت الصراخ .. لا يُمكن للقدرِ أن يكون بتلك القسوة
بكل حزم تراجعت عن قرارها السابق بإخفاء عمل كريم عن سعد .. حينها ظنت أن كريم سيختفي بعد دقائق فما كان الداعي لتنغيص أمسية سعد ولكن نظرات سعد لريم أخافتها لدرجةِ الموت ..
تناغمهما التام خلال دقائق لقائهما و تناسيهما للجميع جعلها تشعر بالرعب.. ظنت أنه إن عرف فورًا فربما يتمكن من طرد ريم من حياته قبل أن تتسلل تحت جلده ويصبح الخلاص منها مستحيلًا .. سعد لحقها ودخل إلى دائرةِ الخطر ومن واجبها إنقاذه ..
كون كريم ضابطًا فتلك كارثةٌ بكل المقاييس أما كونهُ يعملُ في مصلحة السجون فذلك مثله مثل بركانٍ ثائرٍ يُدمر كل ما يعترض طريقه ..
فجأةً بدونِ مُقدمات هتفت وهى تحدث سعد:
– سعد .. ألم أخبرك أن سيادة الرائد كريم يعمل في مصلحة السجون؟
ابتلع سعد صدمتهُ ببراعةٍ يُحسد عليها .. للحظةٍ واحدةٍ فقط اهتزَّ من الصدمة ثم رسم على وجهه قناع اللباقةِ من جديد..
– جيد .. عملٌ شيق ..وــــ
مدير شركةِ المجوهرات قاطعه بانضمامه إليهم:
– أطمنئك يا سعد بك مجوهراتنا محميةٌ بالكامل بأحسن نظام أمني في الشرق الأوسط .. من الواضحِ أنك تعرفت بحضرةِ الضابط كريم صاحب الشركة .. عقليتهُ الأمنية جبارة .. لهُ مستقبلٌ واعدٌ في الحراسات .. حتى أن شركته هي من تؤمن الحفل اليوم ..
ولو وافقتَ على الشراكة معنا فأموالك ستكون في أمانٍ تام، مجوهراتنا تساوي ملايينًا .. وكريم بك أفضلُ من يقومُ بمهمة الحماية ..
له مستقبل واعد في المناصب مثل والدهِ اللواء محمود رئيس مصلحة السجون .. هو نقلهُ معهُ مؤقتًا في مصلحةِ السجون حتى تستقر أحوالُ البلد الأمنية .. فبالتأكيد المصلحةُ حاليًّا من أأمن الأماكن نظرًا للظروف الأمنيةِ المتدهورة..
” رئيسُ مصلحةِ السجون “.. الكلمة رنّت في عقليهما معًا .. رئيس مصلحة السجون .. تبادلا النظراتِ سويًّا وفجأة انفجرا في الضحك أمام نظرات كريم وريم المذهولة..

أخيرًا انتهت الحفلة .. العشاء كان لذيذًا جدًّا لكن لم يتمكن أي منهما من الأكل، عبثًا بشوكاتهما في الصحون بلا هدف وكريم وريم قضيا الوقت في محاولةِ فهم السبب ..
رحلة العودة كانت صامتةً تمامًا لم يجرؤ أي منهما على كسرِ الصمت
لماذا ظهر أولادُ عَلَم الدين في حياتيهما؟
ظهورهما كان كصب الملحِ على جرحٍ خاملٍ مدفون..
العهدُ غيرُ المكتوبٍ بتجنب الحُب مهددٌ الآن بالكسر .. فالحب لا ينتظر الإذن بالدخول فهو يتسللُ كاللصوص ..
أقصى أُمنياتها حاليًّا أن تختلي بنفسها وتستعيد كلمات كريم .. مازال صوتهُ الخافت يتردد في أذنها:
“أنتِ ملكي أنا ..”.
في الأيامِ القليلةِ الماضية ضاعفت ساعاتِ عملها كي تنتهي في أسرعِ وقتٍ من منزلهم .. وظنت أنها سوف تتخلص منه قريبًا مع انتهاء عملها هناك .. الكارثةُ الآن في قبول سعد للشراكة مما يعنى بالتبعية عمل كريم مع سعد .. ورؤيته باستمرار .. أن يصبح جزءًا من روتينها اليومي كان أكبر من تحملها.
أفكارها سببت لها الفزع، فارتجفت رغمًا عنها .. وشعر سعد برعشتها الخفيفة ..
– ليلى هل تشعرين بالبرد؟
وبدون أي كلامٍ خلع سترته ووضعها على كتفيها.
سعد كان الأب الذي لم تحظَ به يومًا في حياتها .. والشقيق الحنون الذي تتمنى أي فتاةٍ امتلاكه ..
توقفت السيارة أمام فيلا السناري .. توجه سعد للصالون .. ولحقتهُ كي تُعيد له سترته قبل انسحابها إلى غرفتها .. مدت يدها المرتعشة بالسترة لسعد الذي أحاط كتفيها بذراعيه وأجلسها على أريكةٍ مُريحة وجلس إلى جوارها ..
وبادرها بسؤالٍ أربكها ..
– منذ متى تعرفين كريم؟
أجابتهُ بتردد:
– منذ أسبوعين أو أكثر قليلًا, ربما ثلاثة لا اتذكر بالتحديد ..

نظر مُطولًا لعينيها ثم قال:
– ليلى أنا لستُ أعمى .. اهتمام كريم بكِ واضح جدًّا .. لكن الأكثر وضوحًا كان تجنبك له.
لماذا تتجنبينه يا ليلى؟ لو فعلًا يُحبك انسي الماضي واستمتعي بالحب ..
سألته بمرارة:
– أنا أيضًا لستُ عمياءَ مثلك، ولاحظتُ اهتمامك بريم .. هل تستطيعُ أنت أن تنفذ الشيء نفسه؟
قفز من جانبها فجأةً وأعطاها ظهره…
– لا يا ليلى وضعنا يختلف كثيرًا .. أنتِ ستغيرين اسمكِ وستحملين اسم علم الدين النظيف .. أولادكِ سيكون اسمهم علم الدين لكن ماذا سأقدم أنا لريم؟ ريم رقيقةٌ كالملاك .. سأدنسها في الوحل معي، هل تعتقدين أنها قادرةٌ على تحمل وصمة السناري..
“سعد “يجلد ” نفسه بقسوة” يتحمل كل أوزار والدهم بمفرده .. في محاولة منه لحمايتهم .. “لا” …
صرخت من وسط دموعها:
– لا يا سعد أنا فخورةٌ لأن اسمي ليلى السناري .. هل تعلمُ لماذا؟ لأنني أنتسب إليك .. أنا فخورةٌ بك .. توقف عن التقليل من شأنك .. أنت أعظمُ أخٍ في العالم ..
ولا أهتمُ لأولاد علم الدين .. هُم غير مُجبرين على تحملنا .. أما أنت فأهم شخصٍ في حياتنا كلنا .. وهذا ليس رأيي أنا فقط بل حسن وسالم أيضًا .. نحن فخورون بك ونُحبك .. وليذهب إلى الجحيم أي شخص آخر ..
وتأكيدًا لكلامها دخل حسن وسالم إلى الصالون وكأن الله قد أرسلهما وغرقوا جميعًا في حضن رباعى..
“اللقاءُ مكتوبٌ والألمُ نصيبٌ ولا يوجدُ خلاصٌ من قدرٍ محتوم”.

************
– كريم.. ما رأيك في سعد السناري؟
سألته بلهفة شديدة أثناء عودتهما من الحفل..
وهو أجابها بخبث:
– وأنتِ لماذا تسألين؟ لماذا قد يهمك أن تعرفي رأيي فيه؟
ارتبكت بشدة:
– أبدًا فقط لأنه شخصية مشهورة وثري جدًّا فتوقعته أكبر في العمر .. أيضًا لاحظتُ أنه حزين جدًّا .. الحزن مدفون بداخله.
صمت قليلًا ثم يعلق بشرود واضح:
– ليلى أيضًا حزينة .. لا أدري ما السبب .. على الرغم من أموالهما الطائلة إلا أنهما يمتلئان بالحزن.
مجددا سألته بفضول:
– ما السبب يا ترى؟
هز كتفيه وهو يقول:
– لا أعرف لكنني أتمنى أن أعرف.
– أنا أيضًا أتمنى أن أعرف.
رد بغضب:
– ريم .. يكفي هذا .. وإلا..
ضحكت بهدوء وقالت:
– أنا أعني ليلى بكلامي .. بالتأكيد أمي ستكون مغتاظة للغاية بسبب الرشح الذي منعها من مرافقتنا .. أنت تعلم كم تحب الحفلات ..
ذكر غضب والدته جعله يقترح بشقاوة:
– دعينا نتسلل إلى الداخل .. أنا سعيد للغاية الآن ولا أريد تعكير مزاجى بتوبيخها.. منذ أن علمت أن سعد هو ضيف الشرف وتمنيت أن ترافقه ليلى إلى الحفل.. وتحققت أمنيتي.
ريم وافقته:
– وأنا أيضًا سعيدة لكن أمي ليست سعيدة بالمرة..
كتم ضحِكاته وهو يتسلل لداخل المنزل .. وريم أيضًا خلعت كعبها العالي وتسللت معه كي لا تحدث أي ضجة .. كانا قد وصلا لمنتصف الدرج الداخلي المؤدى لغرفهم حينما سمعوا صوت سعاد الغاضب..
– هل ستذهبان للنوم بدون إخباري عن الحفل؟
استدارا معًا بإحباط .. وهى كانت تغلي من الغضب وتجلس في الصالون المظلم وسط فوضى أعمال الديكور .. في انتظارهما، فشلت خطتهما في التسلل .. بإستسلام بدءًا في النزول لمواجهة والدتهما المغتاظة ..

**************
شمس يوم جديد .. الليل يحمل الراحة والشمس تهبنا الأمل .. وبينهما برزخ تسبح فيه الامنيات ..
استيقظت في الصباح التالي مرهقة جدًّا .. فهي لم تستطع النوم إلا بعد الفجر .. منذ أن دخلت فراشها بعد الحفل وعقلها أرهقها بالتفكير .. على الرغم منها كانت تستعيد كلمات كريم ويبدأ قلبها بالخفقان ثم تستعيد كلماته مجددًا وتلوم نفسها على استسلامها الغبي .. صلَّت الفجر وحاولت النوم مجددًا وأخيرًا استسلمت للنوم لكن حينما استيقظت في ميعادها المعتاد لتذهب إلى كليتها لم تستطع النهوض من الفراش .. رنين المنبه بجوارها كان العذاب الخالص فأغلقته وقررت عدم الذهاب لكليتها اليوم وأكملت نومها حتى الظهيرة ..
عندما استيقظت مجددًا شعرت أنها بحال أفضل .. الضوء يملأ المكان وارتفعت الشمس بشموخ تعانق أشعتها أشجار الحديقة العتيقة, المنظر الخلاب الذي شاهدته من غرفتها جعلها تهبط للطابق السفلي بنشاط ٍ واضح:
– صباح الخير ليلى .. هل ترغبين بالإفطار الآن؟
– بالتأكيد .. فأنا جائعة جدًّا .. سميرة لو تسمحين .. أحضري لي الفطور في الحديقة..
منذ انتقالهم وسعد عثر على سميرة في مكان ما ومن اهتمامها الأمومي بهم سمحوا لها برفع الألقاب وهي اعتبرتهم كأولادها تمامًا .. أما لطيفة الخادمة الشابة فكانت زوجة خليل الجنايني وتهتم بالنظافة والرتيب .. من كان يظن أن أبناء فرج سيكونون مدللين يومًا ما وسيحظون بخادمة ومديرة منزل وجنايني .. وليلى تطلب الإفطار في الحديقة وهي تقرأ ..
ربما كتاب من مكتبة سعد الأثرية يفصلها عن الواقع سوف يُحَسِّن مزاجها كما تفعل القراءة بمزاجها دائمًا..
على الرغم من تعليم سعد المحدود لكنه كان مثقفًا بدرجة مذهلة .. أجاد اللغة الإنجليزية والإيطالية بإتقان .. قرأ في مختلف المجالات .. أدب وسياسة وفن .. خلال العامين الماضيين ومن بعد عودته مباشرة .. قضى معظم وقته في الدراسة والتعلم .. تعلم على يد أستاذ في كلية الآداب .. كان يقضي معظم وقته يحاور الدكتور إيراهيم صالح .. الدكتور إيراهيم هبة السماء لسعد تعرف عليه بالصدفة في أحد المقاهي الخاصة بالمثقفين في يوم ما ..
تلك المقاهي اعتاد سعد ارتيادها ليستمع للحورات فقط دون أن يحاول المشاركة أبدًا في أي منها يومًا .. الدكتور إبراهيم صالح كاتب وأديب مشهور وأيضًا من رواد ذلك المقهى الدائمين .. يومها شعر سعد بالخجل الشديد من افتقاره الواضح للثقافة والعلم .. على الرغم من حرصه على ارتياد المقهى باستمرار ودعمه الدائم لشباب الكتاب للارتقاء بمستوى الفكر العام لدى الجمهور .. فهو يُمَول نشر الكتب الهادفة مجانًا تمامًا..
دكتور إبراهيم نهره بشدة عندما استشعر إحساسه بالدونية:
– أنت مثقف أكثر بكثير من العديد من حاملي الشهادات .. إياك أن تخجل من وضعك .. كم من حامل شهادة لا يملك أي ثقافة أو رُقِي في التعامل .. الثقافة الحقيقية أن تكون راقيًا في التفكير وفي التعامل وليس أن تحمل شهادة وفي حقيقتك دماغك برميل وقلبك مستنقع ..
تلقائيًّا تم الاتفاق بينهما على إعطائه لسعد دروس شبه يومية .. اختار لسعد مجموعة متنوعة من الكتب لقرائتها ومناقشتها بصفة دورية ..
فعليًّا كان سعد بدون أي شهادة ولكنه استطاع بمهارة أن يعوِّض النقص في التعليم بثقافة واسعة.. وشهادته التي نالها بعد صراع مرير مع الصعاب كانت بكالوريوس الحياة مع مرتبة الشرف.
مكتبته متنوعة جدًّا ترضى جميع الأذواق .. اختارت رواية ليوسف السباعي وتوجهت للحديقة لتناول فطورها الذي أعدَّته لها سميرة هناك..
ونشاط ٌ مفاجيء تملكها بعد الفطور .. قررت استغلال الفرصة في العمل عادة تذهب لشركتها في المساء فقط بسبب دراستها .. أما اليوم فما المانع من التجديد ..
ولتضع قرارها قيد التنفيذ ..صعدت فورًا لغرفتها .. اختارت طقم عملي من الجينز .. اليوم الجو منعش، فلماذا لا تستغله في التجول وإنهاء الأعمال الخارجية ..
قررت الذهاب أولًا لمعرض أثاث ليلى .. لاختيار أثاث الصالونات المناسب لفيلا علم الدين ..
بعد ساعة كانت في سيارتها متوجهة لمعرض الآثاث .. بسهولة اختارت صالون بلون الفضة السائلة مزينًا بوسادات صغيرة بلون تركوازي فاتح .. وصالون آخر بلون تركوازي غامق مطعم بواسادات فضية .. الصالون الأخير اختارته بلون أسود داكن من قماش الشامواه الفاخر .. وطعمته بوسائد بكلا اللونين الفضي والتركوازي ثم اتجهت لاختيار طاولة الطعام التي تتناسب مع الصالونات التي اختارتها .. السفرة الفضية بمقاعدها الملونة بالفضى والتركواز ستكون مناسبة جدًّا .. أنهت اختيارالستائر والسجاد .. لمستها الساحرة صنعت مزيجًا خياليًّا.. تنهدت برضا فالنتيجة النهائية كانت مدهشة:
– الحمد لله .. الآن إلى الفيلا لمراجعة العمال.
فور انتهائها من إعداد اللمسات النهائية .. اتجهت مباشرة إلى فيلا علم الدين كانت متمنية أن يكون كريم في عمله في ذلك الوقت من النهار .. تجنب لقائه أفضل خياراتها حاليًّا.
لحسن حظها الفيلا كانت خاليةً عند وصولها .. العمال كانوا قد بدأوا منذ أيام في تغيير بلاط الأرضيات وتقريبًا انتهوا ولم يتبقَ سوى الدرج الخارجي اختارت ألوان دهانات الحوائط بلون مميز جدًّا .. بلون “الشامبين” هزَّت رأسها بإعجاب .. كانت راضية تمامًا عن نتيجة عملها حتى الآن..
قدَّرت أسبوعين كوقت باقٍ لإنهاء العمل .. هَدْم حائط التراس كان فكرة عبقرية .. وحمام الضيوف التركوازي كان صيحة في عالم الحمامات .. رخام الأرضية الإسباني الصنع بلونه الرمادي الفاتح .. سعد أبدع في اختياره وفي استيراده .. الديكور من ليلى للديكور دائمًا يستخدم الأفضل على الإطلاق .. راودها إحساس قوي بلمس رخام الأرضية البارد اللماع .. ركعت على ركبتيها تتحسسه .. ملمسه رائع..
استمتعت بلمس الرخام .. مررت أصابعها بلطف على الأرضية الباردة تنعم بلمسها وتنعشها البروده .. هنَّأت نفسها على حسن اختيارها .. دهان الحوائط تناسب مع الرخام بطريقة فاقت حتى توقعاتها .. فجأة شعرت بشخص يركع بجوارها .. اعتقدته أحد العمال .. استدارت بهدوء لتستفسر عن سبب وجوده بجوارها وخصوصًا أنه يكاد يلتصق بها .. واتسعت عيناها من الصدمة ..
فالراكع بجوارها لم يكن أحدًا من العمال بل كان كريم بنفسه .. بلحمه ودمه
رائحة عطره الخفيف تسللت لأنفها .. شعره الأسود مازال رطب من آثار الاستحمام كان يرتدي شورت أسود وتي شيرت أبيض يلتصق بصدره العريض ويظهر عضلات ساعديه القوية .. عيناه مازالت تحمل آثار النوم بكسل .. كان يبدو كأنه استيقظ من النوم لتوه..

انتفضت من المفاجأة .. نفضت آثار الغبارعن يديها وعن ملابسها ونهضت فورًا.
وكريم نهض بدوره .. كانت تدرك جيِّدًا وضع ملابسها الحالي
كانت بملابس العمل وليس فقط ذلك وإنما أيضًا متسخة .. شعرها الأسود معقوص بإهمال وتتدلى منه خصلات متمردة عجزت عن السيطرة عليها
بادرها بصفيرٍ طويلٍ فور تقييمه لمظهرها ..
– أين الأميرة الساحرة التي شاهدتُها أمس؟ تغيير جذري في مظهرك .. الغجرية التي سهَّرتني حتى الصباح اختفت وحل محلها الآن في موقع العمل عامل مكافح يعمل بيده في التراب .. وفي المكتب تكونين مهندسة عبقرية في الديكور .. وسيدة أعمال ذكية .. حقيقي أنتِ تدهشيننى يا ليلى .. مميزة في كل شيء ..
ووجها ليحمر بشدة ويصبح بلون الطماطم من شدة خجلها .. غمغمت بكلام غير مفهوم وحاولت المغادرة للهروب من موقف لا تحسد عليه .. هي وكريم بمفردهما تمامًا .. هي لا تخشاه لكنها تخشى مشاعرها نحوه .. مشاعر ستدمرها وتتركها محطمة .. لكنه اعترض طريقها ومنعها من المغادرة .. بدأت تشعر بالتوتر فغالبًا هما كانا بمفردهما في المنزل .. فهي لم تلمح أحدًا منذ مجيئِها حتى العمال .. قالت بدون رفع عينيها إليه: – كريم لو تسمح اتركني أرحل ..
صفق بيديه في جذل كالأطفال ..
– أخيرًا نطقتيها..
تسألت بدهشة حقيقية:
– نطقتُ ماذا؟
ليجيبها بخبث:
– اسمي .. أخيرًا ناديتِني كريم بدون ألقاب .
كيف فلت اسمه هكذا ؟..انتبهت أنها قالت كريم فصححت بسرعة:
– سيادة الرائد أرجوك.
هز دماغه بقوة:
– فقط كريم .. من الآن وصاعدًا لن أسمح لكِ بالابتعاد مجددًا .. ليلى أنا أعلم جيِّدًا أنكِ ربما تعتقدين أننى أتعجل الأمور وأعلم أيضًا أنكِ لن تصدقيني إذا أخبرتك أنى أحبك .. لكن أنا فعلًا أحبك لا تسأليني كيف فأنا نفسي لا أعلم كيف ولا يوجد لدي أي إجابة ..
“آه يا كريم .. كيف لا أصدق وأنا أيضًا أحبك؟ لكن هل ستظل تحبني إذا ما علمت أن أبي السكير قتل أمي وأنا أدخلته إلى السجن بيدي ومحكوم عليه بخمسةٍ وعشرين عامًا من الأشغالِ المؤبدة؟”.
حصاره لمشاعرها يضعفها جدًّا .. جاذبية رهيبة تشعر بها في وجوده انه كالمغناطيس يجذبها إليه “إلى مجاله” .. أصبحت تدور في فلكه بدون أي إرادة منها ..
الآن هي مُخيرة بين ألمين .. الألم الفوري والأكبر أن تبعده عن حياتها فورًا وتكتب على نفسها الشقاء الأبدي .. والألم المؤجل إذا ما قبلت المخاطرة وسلمت روحها له .. الألم المؤجل مؤكد عندما يعرف الحقيقة ولكن هذا يمنحها بعض الوقت في قربه .. تمنت أن تكون في أحضانه ولو لمرة واحدة في حياتها حتى لو دفعت حياتها ثمنًا لذلك ..
سألها بصوت أشبه بالهمس:
– ليلى أريدك أن تجبينى بصراحة .. هل تقومين بصدي لأنك ترينني أقل منكم؟ هل لديك أي شك أننى قد أطمع في أموالك؟ أو أننى لن أوفر لك المستوى نفسه الذي اعتدتِ عليه؟ ليلى أنا لدى شركة وأكسب جيِّدًا جدًّا و ..
قاطعته بضحكة مريرة نابعة من القلب .. بالفعل هي تعني كل حرف من كلامها له:
– ألم يخطر ببالك أن أكون أنا أقل منك بكثير؟
هز رأسه بعدم تصديق .. ثم كأنه انتبه لأمر ما ..
فجأة بدون مقدمات هجم عليها وأمسك معصمها بقسوة وتطلع في عينيها:
– هل يوجد شخصٌ آخر في حياتك؟ وعندما لم تجبه شدد الضغط وكرر السؤال بحدة أكبر:
– ليلى أجيبينى .. هل يوجد أحد في حياتك؟ هل لمسك رجل ما أو قبَّلك؟ أكمل بعيون مظلمة تنذر بالسوء:
– هل سلمتِ نفسك لأي رجل من قبل؟
ضغط أصابعه القوي يؤلمها … منذ معرفتها به هذه أول مرة تراه بهذا الشكل كان مخيفا جدًّا لأول مرة تراه بهذه الجدية .. بهذه القسوة..
وكأنما أخيرًا شعر بقسوة ضغطه عليها .. حررها أخيرًا .. ويداه اتجهت إلى شعره يقبض عليه بحيرة .. “لا تلك البريئة لا يمكن أن تكون .. ربما تعنى بعض معاملات سعد المادية المشبوهة”، أصابعه تركت علامات أصابع حمراء على جلد معصمها الرقيق.. ولكن استجوابه لم ينتهِ بعد:
– أنتِ لم تري كريم الحقيقي بعد .. ليلى أنا سأغفر لكِ أي شيءٍ قد تتخيلينه إلا فكرة أن يكون لمسك شخصٌ ما غيري في أي يوم من الأيام .. ولو حدث هذا أقسم لكِ أنى سأقتله.. وتأكدي حتى وقتها لن أتركك سأتزوجك أيضًا لا يمكن أن أسمح لغيري بلمسك أبدًا قد أكون وقتها غير قادر على لمسك لكني سأحبسك وأمنعك عن أي أحدٍ آخر وسأعذبك حتى أطهرك .. لقد أخبرتك من قبل أنتِ ملكي.. أنتِ لي أنا ..
قد يكون من الطبيعي لأي فتاة أخرى يقال لها مثل هذا التهديد الصريح بالحبس والتعذيب من شخص ما ولم يمرعلى تعارفهما سوي أسابيع أن تعتبر قائله مجنون وتبتعد عنه فورًا .. وخصوصًا هي، فهي أكثر من شهد على التعذيب بل ووثقه .. ربما قد تعتقد أن كريم عنيف وسيؤذيها ولكن الرابط الخفي بينهما يمنعها ..
المدهش في الأمر أنها شعرت بفرحة غامرة .. كريم سيغفر لها أي شيء ووفقًا لشروطه هي بريئة تمامًا.. السبب الوحيد الذي يستحق العقاب من وجهة نظرة هو أن تكون سمحت لأحد غيره بلمسها إذا هي سوف تتعلق بهذا الأمل .. بجملة وتهديد فتح لها باب الأمل دون أن يعلم ..
نظرة واحدة إلى وجهها مجددًا علم أنه مخطئ في ظنونه وأنها غير مسؤولة عن تفكيره القذر وسوء ظنونه .. وحتى وإن كان تفكيره في سعد في محله فما ذنب ليلى؟ كيف يمكن أن يشك في أن تلك البريئة قد تكون أخطأت من قبل؟ وجهها بريء وخجلها ينبئه بالكثير وهي كانت تشتعل بالحمرة.. الأمل جعل وجهها يشرق.. احمرار وجنتيها الملتهبتين زادها جمالًا لم يكن يعلم أيضًا أنها لأول مرة في حياتها تشعر بالسعادة.. الأمل أحياها.. أعاد بناء نسيج قلبها التالف ..

وهو شعر بالتغييرالمفاجيء في موقفها واستشعر اللين في رد فعلها .. علِم أن دفاعاتها سقطت وأنها الآن في وضع يمكنه من اختراق قلبها .. لحظة الاستسلام لطوفان المشاعر ..
إذًا فليطرق الحديد وهو ساخن ,,,
– ليلى.. ستصبحين زوجتى في إقرب وقت أنا لا أستطيع الانتظار.. أعدك في خلال أسابيع ستكونين لي تمامًا ..





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى