Uncategorized

رواية ما وراء الصمت الفصل الحادي عشر 11 بقلم الاء محمد حجازي – تحميل الرواية pdf


الهوا كان تقيل، بيخنقها،

دموعها بتنزل وهي مش قادرة توقفها،

كل خطوة كانت كأنها بتسحب روحها من مكانها.

مسكت الموبايل بإيدها، تبص تاني على الصور،

كأن عقلها مش مصدق، كأنها محتاجة تتأكد إن الوجع حقيقي.

وصلت البيت، دخلت أوضتها،

قفلت الباب، وسندت ضهرها عليه،

ونزلت على الأرض زي طفلة تايهة.

الدموع نازلة بهدوء، بس بعد دقيقة،

انهارت.

انهارت بكل اللي جواها.

صوت بكاها كان مكتوم،

إيدها على بُقّها علشان محدش يسمعها،

وكل كلمة قالها ياسين في الكافيه كانت بتتردد في دماغها زي صدى:

خطبتها شفقة.

هي بنت كويسة بس مش ستايلي.

وجع…

وجع ما يتوصفش.

مش بس عشان الكلام،

لكن عشان الثقة اللي كانت بنيّاها بإيديها، اتكسرت.

الطمأنينة اللي كانت حاساها، راحت.

فضلت كده وقت طويل،

لحد ما خلصت دموعها تقريبًا،

بس الوجع لسه زي ما هو.

قامت على صوت خبطة على الباب.

مسحت دموعها بسرعة،

بس وشها كان باين عليه كل حاجة.

فتحت الباب،

ولقت الحاجة منيرة،

بصّت لها وقالت بخوف:

– مالك يا بنتي؟ وشك متغير كده ليه؟

قالت فرح بصوت مبحوح:

– مفيش يا حاجة… بس تعبت شوية.

– تعبانة؟ طب أقوم أعملك كوباية نعناع.

– لا، بلاش، أنا هنام شوية بس.

دخلت وقفلت الباب تاني،

بس المرة دي قامت، غسلت وشها،

وحاولت تمسك أعصابها.

هي كانت دايمًا بتواجه،

بس النهارده… مفيش مواجهة، في كسر.

الليلة دي كانت تقيلة على قلبها بشكل ما يتوصفش.

دموعها بتنزل بسكوت، من غير صوت،

كأنها خايفة حتى وجعها يسمعه حد.

قعدت على الأرض وضمت رجليها،

كل كلمة قالها كانت بتلف في دماغها زي سكين بتتغرز ببطء.

شَفَقة.

الكلمة دي كانت بتلسعها أكتر من أي إهانة.

عدّى اليوم التاني كأنه سنة،

والتالت كان أهدى بس وجعها زي ما هو.

ولما أخيرًا سمعت خبط على الباب،

قامت تفتح وهي مش متوقعة تشوف حد…

بس أول ما الباب اتفتح،

وقف قلبها.

واقف قدامها، باين عليه إنه ما نامش من كتر التفكير،

عينه فيها وجع وندم،

بس هي ما قدرتش تنسى المنظر ولا الكلمة اللي كسرتها.

قالتله بصوت هادي بس فيه وجع مكشوف:

– إيه اللي جابك هنا يا ياسين؟

مش كنت بتقول إنك خطبتني شَفَقة؟

ولا جاي تكمل جميلك وتواسيني؟

هو خد نفس عميق وقال بهدوء:

– جيت أشرح، مش أواسي.

بس برضه… ما ينفعش نقعد لوحدنا هنا،

تعالي نروح شقة الحاجة منيرة، نتكلم هناك.

بصلته لحظة طويلة، فيها تعب ووجع ومشاعر متلخبطة،

وبعدين ردّت وهي بتحاول تبين ثباتها:

– ماشي.

كانت ماشية وهي مش باصّة له خالص،

بس قلبها بيخبط بعنف،

مش عارفة خايفة من الكلام اللي جاي…

ولا من اللي ممكن تسمعه منه.

دخلوا شقة الحاجة منيرة،

هي أول ما دخلت قالت وهي متوترة:

– انجز بقى يا ياسين، عايز إيه؟

قال بهدوء وهو بيحاول يسيطر على أعصابه:

– فرح، قبل ما أقول أي حاجة… خدي نفس، واسمعيني للآخر.

– أنا مش ناقصة تمثيل تاني.

– ولا أنا ناقص وجع تاني… بس المرة دي، أنا جاي أخلّص الكلام اللي ما كملش.

قعد قصادها وقال بثبات غريب:

– انتي فاكرة يا فرح يوم قراية الفاتحة؟

فاكرة لما قلتلك تحفظي الرقم اللي هكلمِك منه؟

قالت وهي مكشرة:

– آه فاكرة… بس كنت فاكرة إنك بتعمل فيها ظابط سري كده وخلاص.

ابتسم بس بنظرة فيها وجع:

– لأ، كنت قصدي فعلاً تحفظيه،

علشان أي حاجة تجي عليه تعرفي إنها مني،

بس مش كل حاجة كنت أقدر أشرحها.

فلاش باك»»»»»»».

يوم الفاتحة، بعد ما الناس مشيت،

كان واقف معاها على السلم وقال بنبرة جد:

– بصي يا فرح، الرقم ده احفظيه مش تسجليه.

وأي حاجة توصلك منه، ما ترديش عليها،

بس خدي بالك كويس… لو حاجة وجعتك أو دايقتك منه،

اعرفي إن وراها سبب.

واني الموت عندي اهون من انك تتوجعي.

ساعتها هي ضحكت وقالت له:

– هو أنا داخلة حرب ولا خطوبة؟

ضحك وقال:

– ما تعرفيش الأيام مخبّية إيه.

فرح اوعدني أي حاجة توصلك من الرقم ده، ما تصدقيهاش،

لأني مش دايمًا أقدر أشرح،

بس أوعدك لما الوقت يسمح هتفهمي كل حاجة.

عودة من الفلاش باك»»»»»»»»».

قال لها:

– كنت فاكر إنك هتفهمي يا فرح،

كنت فاكر لما يحصل أي حاجة غريبة، هتفتكري كلامي،

بس ما كنتش متخيل إنهم هيوصلوا للدرجة دي!

قعد يتنفس بسرعة كأنه بيحاول يلم أفكاره،

وبصّ فيها وقال:

– الكلام اللي سمعتيه في الكافيه،

كل كلمة فيه كان لازم تتقال بالشكل ده،

أنا كنت تحت رقابة ٢٤ ساعة،

العصابة اللي كنت شغال عليها ما كانتش بسيطة،

كانوا مراقبيني في كل خطوة وكل مكالمة وكل ابتسامة.

فكان لازم يبان إنك مجرد بنت اتخطبتلي بالعافية،

وإن أنا مش متمسك بيكي.

اتسعت عينيها وقالت بصوت مخنوق:

– يعني كلمة شَفَقة دي كمان تمثيل؟

قال بصدق:

– أيوه… وكنت متأكد إنك هتفتكري كلامي وقتها.

فاكرة لما قلتلك لو سمعتِ مني كلمة اي وجع،

اعرفي إن وراها سبب،واني عمري ما اوجعك أبداً؟

دي كانت الكلمة اللي قصدتها… شَفَقة.

دموعها نزلت غصب عنها،

وقالت وهي بتحاول تسيطر على صوتها:

– طب ليه ما قلتليش من الأول؟ ليه خلتني أتكسف قدام الناس كلها؟!

قرب منها وقال بصوت هادي لكن مؤلم:

– لأنك لو كنتي عرفتي إنك جزء من خطة،

كان هيبان على وشك إنك فاهمة،

وهم كانوا شُطار في قراءة الوشوش أكتر مننا بكتير.

كانوا هيعرفوا إني بكدب عليهم… وساعتها كانوا هيجوا عليك.

أنا ما كنتش مستعد أشوفك في خطر، ولا حتى بنسبة واحد في المية.

وقفت وهي ماسكة دموعها وقالت بحدة:

– بس أنا كنت هموت من وجعك!

رد وهو واقف قدامها وبصوته هادي جدًا بس مليان وجع:

– وأنا كنت بموت وأنا شايفك بتتوجعي،

بس الفرق إنك كنتي بتتوجعي منّي،

وأنا كنت بتوجع منك ومن نفسي ومن كل كلمة اضطرّيت أقولها عشان أحميك.

سكت لحظة وقال:

– وعلى فكرة، أنا ما جيتلكيش غير لما القضية خلصت خلاص.

أنا ما دُخلتش بيتك غير وأنا متأكد إن كل حاجة انتهت،

علشان أبقى راجل قد كلمتي لما قلتلك إنك هتفهمي كل حاجة في وقتها.

بصت له، دموعها سابت عينيها من غير ما تتكلم،

فكمل هو بصوت متكسر:

– ما كنتش عايز منك تصدقي الصور،

كنت عايزك تصدقي إحساسي،

بس يمكن الغلط إن أنا كنت فاكر إن الحب لوحده كفاية من غير كلام.

سكتت لحظة،

وبعدين ابتدت تهز راسها ببطء…

الدموع كانت بتنزل من غير ما تحس،

لكن المرة دي مش دموع وجع بس…

دي دموع قهر،

قهر إنها كانت بتدافع عنه قدام نفسها،

قدام كل اللي حواليها،

وفي الآخر تطلع كانت بتحارب لوحدها.

قعدت على الكرسي اللي وراها كأن رجليها ما بقتش شايلها،

ورفعت إيديها على وشها وقالت بصوت مخنوق:

– أنا كنت كل يوم بدعي ربنا يحميك،

كنت بفرح لما أسمع اسمك حتى وأنا متضايقة منك،

كنت بصدّق أي حاجة فيها ياسين…

كنت بدافع عنك حتى وأنا بتكسر من جوايا.

صوتها بدأ يعلو شوية، والدموع بتزيد:

– وانت كنت بتقول إنك بتحميني؟

بتحميني بإيه؟

بكلمة وجعتني قد السيف؟

بصورة كسرت ضهري وأنا شايفاها؟

ولا بالناس اللي فضلت تبصلي كإني مغفّلة؟

قامت واقفة وهي بتمسح دموعها بسرعة،

قربت منه وقالت بعصبية مكسورة:

– كنت بتحميني من إيه؟

من الناس؟

طب ومن نفسي؟

من قلبي اللي كان بيصدقك في كل مرة حتى وانت بتوجعني؟

حاول يمد إيده ناحيتها،

بس هي رجعت خطوة لورا وقالت بصوت عالي:

– بلاش تلمسني يا ياسين، أنا مش قادرة أتنفس!

اتجمد مكانه، صوته اتكسر وهو بيقول:

– فرح… لو تعرفي أنا كنت بتعذّب قد إيه وأنا بعيد عنك…

قاطعته وهي بتصرخ:

– كنت بتتعذّب؟ طب شُفت اللي أنا كنت فيه؟

كنت ببات كل ليلة وأنا ببكي وبسأل نفسي أنا عملت إيه يستاهل كل ده؟

كنت ببص في المراية ومش شايفة نفسي،

كل اللي كنت شايفاه إنسانة اتكسرت بسبب كلمة منك!

انهارت قاعده على الأرض، دموعها نازلة بغزارة،

وصوتها واطي وهي بتقول:

– أنا كنت فاكرة إنك أماني يا ياسين…

بس طلعت خوفي الكبير.

هو وقف قدامها، مش عارف يعمل إيه،

عينه فيها دموع، بس صوته اتكتم وهو بيقول:

– يا ريت كنت تعرفي إني كنت بموت وأنا شايفك بتبعدي،

يا ريت كنتي حسيتي قد إيه كنت كل يوم بلوم نفسي إني خنت ثقتك بيّ.

بصت له بعينين مليانين وجع، وقالت بهدوء قاتل:

– كفاية يا ياسين، أنا مش قادرة أسمع أكتر من كده.

كل كلمة منك دلوقتي بتفتح جرح تاني.

قرب منها خطوة، بس هي قالت بصوت عالي واضح:

– امشي يا ياسين.

سكت، بيحاول يصدق إنها قالتها فعلاً.

قرب شوية كأنه هيقول حاجة،

لكن شاف دموعها اللي مبتقفش،

وسمع صوتها وهي بتكررها وهي بتترجّف:

– امشي يا ياسين… امشي.

انت وجعتني قوي… أكتر من أي حد في الدنيا.

فضل واقف لحظة،

يبص فيها كأنه عايز يطبع صورتها في عينه قبل ما يبعد.

وبعدين أخد نفس طويل،

قال بصوت مبحوح:

– حقك عليا يا فرح… والله حقك عليا.

لف وخرج من الشقة،

وساب الباب يتقفل وراه بهدوء،

وصوت قفل الباب كان بالنسبالها نهاية كل حاجة جميلة كانت بينهم.

وقعدت مكانها،

بتبكي زي طفلة صغيرة،

مش قادرة توقف دموعها،

ولا قادرة تصدق إن الوجع اللي كانت خايفة منه… بقى حقيقة.

————————-

عدّى يوم… واتنين…

وبقوا أسبوع.

فرح حبست نفسها جوا أوضتها كأن الدنيا برا الأوضة دي خلاص ما تخصهاش.

كل ما حد يخبط… تسكت.

كل ما الموبايل يرن… تبص عليه لحظة وتسيبه.

رقم ياسين كان بينوّر شاشتها كل شوية،

رسايل، مكالمات، محاولات…

لكن الرد؟ صمت.

الحاجة منيرة كانت بتدخللها الأكل،

وتحطّه وتخرج من غير كلام.

كانت شايفاها بتضعف يوم عن يوم،

بس ما كانتش عارفة تعمل إيه غير الدعاء.

أما ياسين، فكان شكله كفاية يحكي القصة كلها.

وشه باهت، الهالات سودا، صوته رايح.

بيروح بيت الحاجة منيرة كل يوم، يقعد في الصالة شوية،

يسألها طلعت؟

ولما تسمع الإجابة اللي بقت محفوظة:

لأ، ما خرجتش.

يقوم ويمشي وهو حاسس إن قلبه بيتقطع حتة حتة.

سبعة أيام بالتمام.

سبعة أيام من الصمت اللي وجعه أكتر من أي كلمة.

وفي اليوم الثامن،

قررت فرح تخرج… تزور معتز في المستشفى زي كل مرة.

كانت محتاجة تهرب من نفسها،

من الحيطان اللي حافظة صوت بكاها،

من كل حاجة فيها ريحة ياسين.

دخلت أوضته بابتسامة مجاملة،

قالها وهو بيحاول يقوم:

– نورتينا يا فرح.

– ازيك يا معتز؟

– بخير والله… بس شكلِك انتي اللي مش بخير.

قالها بنظرة فاحصة وهو بيحاول يخفف الجو بهزار بسيط:

– مالك يا فرح؟ فيكِ إيه؟

– مفيش يا معتز.

– لا، في.

ابتسم بخفة وقال

– مش هتعرفي تضحكي على انا مخبوط في رجلي مش في العيون.

وجعك باين، والقهر واضح.

سكتت.

عينها نزلت لتحت، كأنها مش قادرة تبصله.

قالها بصوت هادي مليان طيبة:

– فرح… اعتبريني أخوكي، زي ما بتقولي.

احكي لي… إيه اللي وجعك؟

سكت لحظة وقال بهدوء:

– هو حصل بينك وبين ياسين حاجة؟

فضلت ساكتة لحظة، وبعدين قالت بصوت مخنوق:

– هو اللي بيني وبين ياسين خلص خلاص.

وحكت له كل اللي حصل…

من أول الصور، للكلام اللي سمعته، لحد اللحظة اللي قالت له فيها امشي.

معتز فضل يسمعها للآخر، ما قاطعهاش ولا مرة،

ولما خلصت، بصّ لها بنظرة كلها هدوء ونضج وقال:

– فرح، أنا مش هقولك إن ياسين ما غلطش،

غلط… ووجعك… وكسرك كمان.

معتز فضل ساكت شواية كمان، وبعدين قال بنبرة هادية جدًا:

– طيب اسمعيني كده يا فرح،

أنتِ لسة قايله انه الرقم اللي إداهولِك؟ اللي قالك ما تسجليهش واحفظيه؟

– أيوه فاكرة.

– طيب، ما فكرتيش ليه قالك كده من الأساس؟

– ما فكرتش…

– عارفة ليه؟

لأنك كنتِ مصدومة، مش قادرة تركّزي ولا تحللي.

بس بصي بقى، أنا هقولك حاجة يمكن تصدمك شوية:

ولانك اكيد ما اخذتيش بالك منها الصور دي… هو اللي بعتها لك.

اتجمدت مكانها:

– إيه؟! إزّاي يعني؟!

– أيوه، هو اللي بعتها.

بس مش عشان يوجّعك،

عشان يحميك.

فضلت ساكته، صوتها اتكسر:

– يحميّني بإيه؟ دا وجّعني وجع عمري كله يا معتز.

– عارف، والله عارف.

بس هو ما كانش قدامه غير كده.

القضية اللي كان شغال عليها كانت كبيرة جدًا، والناس اللي بيتعامل معاهم خطرين.

وكان لازم يبان قدامهم إن علاقتكوا خلصت فعلاً.

ففكر بطريقة تقطع الشك من ناحيتك ومن ناحيتهم.

فبعتلك الصور بنفسه.

هو كان متأكد إنك هتتصدمي وتبعدي،

بس كان شايف إن ده أأمن ليكي من إن حد يقرّب منك.

دموعها بدأت تنزل وهي بتقول:

– يعني هو اللي وجّعني بإيده؟

– آه، بس عشان يحميكي بإيده برضه.

هو غلط طبعًا، ما حدش يقول غير كده،

بس هو اختار القسوة على نفسه بدل ما يعرضك للخطر.

قعدت تبكي، وقالت بصوت مبحوح:

– اللي ما قصّر فيّ يا معتز…انو وجّعني قوي.

– وأنا مش بلومك إنك موجوعة،

بس صدقيني، هو كمان موجوع أكتر منك.

كل اللي كان بيعمله فيك كان بيكسره.

بس انتي ما كنتيش شايفة غير الصورة اللي قدامك.

سكت لحظة وبعدين قال:

– طب فكّري بالعقل يا فرح،

هو في واحد عاقل، بيحب واحدة،

يبعتلها صور ليه مع بنت ويقولها خطيبك بيخونك؟

مش ده لو كان عايز يخون فعلاً كان خبّى؟

هو كان عايزك تصدقي إنك خلاص بالنسباله خلصت،

عشان محدش يقربلك ولا يهددوا بيكِ.

فضلت تبص في الفراغ، ملامحها كلها وجع وحيرة.

قال معتز بلُطف:

– ياسين يمكن ما اختارش الطريقة الصح،

بس نيتُه كانت صافية.

الوجع اللي فيكي ده، هو كمان حاسّه يمكن أكتر منك.

قامت من مكانها بهدوء وقالت بصوت مكسور:

– أنا محتاجة أمشي شوية يا معتز.

– خدي وقتك، بس أوعي تظلمي قلب بيحبك بالشكل ده.

اتنهد وقال وهو بيحاول يختار كلماته:

قبل ما تمشي عاوز اقولك حاجه:

لما إدالك الرقم وقالك أي حاجة توصلك عليه تبقى مني؟

هو كان بيحذّرك يا فرح،

كان عايز يقولك بطريقته إن ممكن تيجي لحظة يبان فيها إنك وجعاه أو إنك اتظلمتي،

بس ما تصدقيش بعينيك… استني تسمعي منه.

الواد ده ما كانش عايزك تتورطي في اللي بيحصل في شغله،

القضية اللي كان شغال عليها خطر.

ده ظابط، يعني بيعيش بين الكذب والتمثيل لحد ما الحق يظهر.

بس التمثيل المرة دي وجع قلبه فعلاً.

سكت لحظة، وبعدين كمل بصوت فيه حنية غريبة:

– أنا عارف إنك موجوعة،

بصت له وهي بتعيط وقالت:

– بس أنا اتكسرت يا معتز.

قال لها وهو بيطبطب على إيدها:

– ما فيش وجع بيدوم، يا فرح.

بس أوقات ربنا بيمتحن قلوبنا،

يشوف هل نصدق اللي بنحبه ولا أول شكّ نهرب.

ياسين مظلوم، وأنا متأكد،

وشكلك كده ظلمتيه من غير ما تقصدي.

بس خلي بالك يا فرح… القهر ده قاتل.

قهر الراجل بالذات.

النبي ﷺ قال:

“اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُرفع فوق الغمام، يقول الله لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.”

والقهر ده، مش بس للضعيف،

الراجل كمان لما يتقهر… بيتكسر بصمت،

بيتخنق وما يعرفش يعيّط،

وكل اللي جواه بيتحول لحزن ساكت.

بصّ لها وقال بصدق يخترق القلب:

– ياسين دلوقتي بيتقهر.

مش عشان اتكشف،

عشان خسر البنت الوحيدة اللي كان شايف فيها راحته.

أنا عارف كويس،

الواد ده لما بيحب بيحب لله، مش تسلية.

هو غلط، أيوه، بس صدقيني… ما خانكيش.

خايف عليكي، ويمكن بالغ في خوفه لدرجة وجعك،

بس القلب اللي بيخاف كده، عمره ما يكون خبيث.

سكت شوية، وبصّ لها نظرة كلها حنية:

– الراجل لما يتظلم من اللي بيحبها… بيتكسر من جوه.

وصدقيني، قهر الراجل وجعه مش زي أي وجع.

بيكتمه، بس بيعيش فيه سنين.

وأنا متأكد إنك أول ما تشوفيه وتسمعي منه،

هتعرفي إن ياسين كان بيحارب عشانك، مش ضدك.

فرح كانت ساكتة،

دموعها نزلت وهي بتحاول تمسحها بخفة.

قالها معتز وهو بيبتسم بهدوء:

– ما تظلمهوش يا فرح.

الناس اللي زي ياسين، لما يحبوا حد بصدق… بيتعذبوا ضعف العذاب.

وبيفضلوا شايلين الذنب طول عمرهم.

مدّ إيده وقال لها بنبرة أبوية:

– روّحي صلّي ركعتين استخارة من تاني.

مش علشان ترجعي له فورًا،

لكن علشان قلبك يعرف الطريق من غير ما الشيطان يدخل بينكم.

ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت:

– ادعِيلِي يا معتز.

– ربنا يختار لك الخير،

ولو الخير في ياسين، هيرجعلك بطريقته اللي محدش هيقدر يمنعها.

وإن ما كانش… ربنا هيعوّضك بحاجة أجمل،

لأن اللي بيدّعي من قلبه عمره ما بيتساب.

كل كلمة كانت بتدخل جواها زي سكينة وبلسم في نفس الوقت،

بتوجعها، وبتريحها في آن واحد.

ولما قالها في الآخر بصوت بسيط:

– ياسين عمره ما شافك شفقة،

هو شافك نصّه اللي كان مستنيه.

ساعتها ما قدرتش تمنع دموعها،

ولا قدرت تنكر إنها كانت لسه بتحبه،

حتى وهي بتقول لنفسها إنها خلصت منه.

سكتوا لحظة،

وبعدين قالت بصوت واطي وهي تبص بعيد:

– يمكن أنت عندك حق…

بس الوجع صعب يا معتز.

رد وقال بهدوء:

– عارف يا فرح،

بس الوجع ده ساعات بيكون بداية الشفاء.

خرجت وهي مش عارفة تحس بإيه…

بين الغضب، والحنين، والتصديق اللي بدأ يزحف على قلبها رغم عنها.

وصلت البيت وقعدت على السرير،

وفضلت تبص في الفراغ،

وكلمة معتز بترن في ودنها:

“اللي بيخاف عليك، ممكن يوجعك بس مش هيأذيك.”

لحد ما سمعت صوت الموبايل بيرن.

بصت…

ياسين بيتصل.

نفسها اتقطع،

إيديها بتترعش وهي شايفة اسمه.

لحظة صمت طويلة…

وبعدين ردت.

صوته جه هادي، متوتر:

– فرح، ممكن أكلمك دقيقة بس؟

– في إيه تاني يا ياسين؟

– ممكن أشوفك، ضروري.

سكتت شوية، وبعدين قالت:

– أنا مش فاضية.

– فرح، أرجوكي، دقيقة واحدة بس،

وبعدها لو عايزة تمشي… امشي.

كانت هتقول لأ،

بس في صوت جواها قالها اسمعيه.

وافقت، وقالت بصوت متعب:

– تمام، خمس دقايق بس.





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى