رواية قلوب خلف الستار الفصل الرابع 4 بقلم بشري اياد – تحميل الرواية pdf

رواية قلوب خلف الستار الفصل الرابع 4 بقلم بشري اياد
قلوب خلف الستار
البارت الرابع
المنزل ملبّد بالصمت… لكنه ليس صمت الخوف، بل صمت ما قبل الإعصار.
جميع الأنوار خافتة، النوافذ مغلقة، الستائر مُسدلَة.
سُهاد تمسك مقصًا صغيرًا في جيبها، نهى تضع هاتفًا على الطاولة مسجّل عليه كل ما قيل، ورُبى ترتجف لكنها واقفة، للمرة الأولى منذ زمن طويل، تقف دون أن تختبئ خلف أحد.
وهشام؟
يقف خلف الباب، يحمل أداة حديدية، عيناه لا ترمش.
الساعة 9:03
طرقات ثلاث على الباب.
ثقيلة، متعمّدة، وقحة.
سُهاد همست:
— “فتحتيها، فتحتي بوابة جهنم.”
نهى نظرت نحو هشام الذي أشار برأسه:
ـ “أنا جاهز.”
فتحت رُبى الباب…
وهناك كان وائل.
نفس الوجه البارد، نفس النظرة المليئة بالاستحقار.
يرتدي بدلة داكنة، وعلى خاصرته سلاح صغير مخفي بحزامه الجانبي، لكنه واضح لعيني من يعرف.
قال بصوته المنخفض:
— “هلو، حبايب قلبي… مشتاقين؟”
تقدّمت نهى فجأة وقالت:
— “أنت مجرم، قاتل، مغتصب… جاي لهون على رجليك، وجايب نهايتك معك.”
ضحك وائل بخفة:
— “يا نهى… لساتك حادة متل زمان، بس الغلط إنك نسيتي إنو اللي بيحكي أكتر… هو أول مين بيموت.”
هشام خرج من زاويته فجأة، ثبت القطعة الحديدية على عنق وائل من الخلف:
— “ولا خطوة، يا نذل.”
وائل تجمّد في مكانه…
لكن ابتسامته ما غابت.
— “كنت متوقع فخ… بس مش من واحد متخبي ورا نسوان.”
رُبى تقدّمت وقالت، بصوت ثابت لأول مرة:
— “أنا اللي جبتك لهون… مش حتى ننتقم، بل حتى نوقفك.
كفّيت وسخك، كفّيت جرائمك، كفّيت سنين عشناها ضحايا لصمتك.”
هشام قال بهدوء:
— “الشرطة بالطريق… وكل شي مسجّل.
اعتبر حياتك انتهت هون.”
لكن…
في تلك اللحظة…
رنّ الهاتف الأرضي.
صوت جاف.
رقم داخلي مجهول.
نهى نظرت باستغراب:
— “مين بيتصل بهالوقت؟!”
سُهاد اقتربت، رفعت السماعة…
وفجأة تغيّر وجهها.
الصوت على الخط كان خافتًا… أنثويًا.
— “إذا بدكوا الحقيقة الكاملة… بصّوا حوالينكم كويس.
مش كل الوجوه صافية… مش كل الدموع طاهرة.”
سُهاد صرخت:
— “مين؟!! مين إنتِ؟!”
لكن الخط قُطع.
الجميع تجمّد في أماكنه… هشام حاول الاتصال بالشرطة من جديد، لكن الشبكة اختفت.
وائل ضحك فجأة، ثم قال:
— “مش أنا الوحيد…
في وحدة جوّاتكم… بتشتغل معايا.”
رُبى شهقت:
— “شو بتحكي؟!”
وائل أكمل:
— “من أول ما وصلت هون… في وحدة منكم كانت بتخبرني بكل شي.
رسالة الغرفة؟
الورقة اللي لقيتوها؟
التسجيل اللي سمعتوه؟
كلو مدبّر… بس مش منّي لحالي.”
هشام أمسكه بعنف:
لكن وائل، بنظرة ثابتة، تمتم:
— “مش أنا اللي هدم البيت… هي.”
نظر إلى النساء…
وابتسم بخبث.
— “سلّمتوني بإيدكن… بس النار جايه من جوّا.”
الصدمة خيّمت فوق الجميع.
هل هناك خائنة؟
من؟ ولماذا؟
ومتى بدأت؟
رُبى صرخت وهي تنظر إليهن:
— “مين فينا باعتنا للموت؟ مين؟!!!”
سُهاد جلست على الأرض، تحاول أن تلتقط أنفاسها.
نهى اقتربت من هشام وهمست:
— “إحنا ما لازم ننهار… لازم نعرف مين فينا باعت التاني.”
الباب ما زال مفتوحًا…
والموت، يقف خلف إحدى الوجوه.
لكن أيّها؟
هذا ما سيكشفه الليل…
أو… يخفيه للأبد.
لا أحد تكلّم.
الكل ينظر إلى الآخر… نظرات متبادلة تحمل ألف سؤال وسؤال.
الخيانة ليست فقط طعنة… هي زلزال يخلخل الثقة التي كانت الأمل الوحيد في هذا البيت.
وائل ما زال يبتسم، وإن كان هشام قد شدّ قبضته أكثر على ذراعه، إلا أن لؤمه طفا على وجهه كالوحش الذي لا يخاف الموت.
— “هوا انتو فاكرين إن اللي يوقعني هو تهديد بورقة؟
أنا وقعت بإرادتي… بس علشان آخدكم كلكم معايا.”
نهى كانت تحدّق في الأرض، شفتيها ترتجفان، ثم قالت بصوت خافت:
— “هو بيكذب… صح؟ إحنا كلنا كنّا سوا… إحنا… إحنا أهل لبعض.”
هشام أشار بيده ليسكت الجميع:
— “لو في خيانة، حنلاقيها. بس مش هلأ، الأول نخلص من القمامة اللي قدامنا.”
في تلك اللحظة…
انطفأت الأضواء فجأة.
كل المصابيح.
الصوت الوحيد كان همس الكهرباء وهي تختنق… ثم الظلام.
قالت سلمى بصوت مبحوح:
— “شو اللي صار؟!”
هشام ضغط على زر كشاف صغير كان في جيبه، وقال بسرعة:
— “رجعوا ورا… الكل عند الحيطة. ما حد يِتحرك!”
وائل حاول استغلال اللحظة، لكن هشام ضربه ضربة قوية على كتفه، طرحته أرضًا.
بين الظلال المرتجفة، صعدت خطوات ناعمة من الطابق العلوي.
كانت بطيئة… متأنية… كل خطوة تحمل وزناً ثقيلًا.
— طق… طق… طق…
رُبى تمسكت بسُهاد:
— “في حد فوق… في حد طالع من الغرف!”
قالت سُهاد وهي تلتفت نحو الدرج:
— “محدش فينا كان فوق… كلنا هنا!”
أُضيء الدرج فجأة من مصباح الطوارئ الصغير.
الخطوات توقفت عند أعلى السلم…
وهناك…
ظهرت سلمى.
لكنها لم تكن تحمل ملامح الخوف مثل الجميع…
بل كانت تقف بثبات، عيناها جامدتان، وكأنها لم تكن يومًا جزءًا من هذا البيت.
قالت بصوت هادئ، لكن بارد كالصقيع:
— “إنتو متأكدين إن الخاينة وسطكم… مو واقفة قدامكم؟”
جميع العيون تجمّدت.
رُبى شهقت:
— “سلمى؟!”
نهى صرخت:
— “إنتِ؟!! مستحيل!!”
هشام قال بذهول:
— “سلمى؟ شو بتقولي؟”
لكنها لم ترد.
بل مشت بخطى ثابتة نحو الأسفل، دون أن ترمش، دون أن تخفض رأسها.
وقفت قرب وائل، نظرت إليه، ثم إلى هشام…
وقالت:
— “أنا ما كنت خاينة…
كنت بحاول أنجو.”
وائل ضحك بصوت عالٍ:
— “شايف؟ قلتلك…
مش دايمًا الغدر بيجي من الرجال.”
سُهاد تقدّمت نحوهما، وجهها لم يعد حزينًا…
كان غاضبًا… مشتعلًا.
قالت بصوت مخنوق:
— “أنك تكوني وحدة مننا… وتطعنيّا؟!
أنك كنتِ تسمعي وجعنا… وإنتِ بتسلّمي أرواحنا لإيده؟”
سلمى رمشت لأول مرة، ودمعة واحدة هربت من عينها:
— “أنا مو خاينة…
أنا كنت مضطرة.
هددني بابني… ابني الوحيد.
قالّي إذا ما ساعدته، ما رح يرجعلي صورته، ولا صوته، ولا حتّى عظامه.”
انفجرت رُبى بالبكاء:
— “بس خنتينا… خنتي البيت… خنتي قلوبنا اللي صدقتك.”
— “كان في ألف طريقة…
بس إنك تكوني اليد اللي بتدلّه علينا؟!”
وائل حاول النهوض وسط الفوضى…
لكن فجأة، رفعت سلمى شيئًا من جيبها.
ورمته على الأرض أمام رُبى:
— “هاد كل شي… الفيديو… التسجيلات… التهديدات… كل شي.
خدوه… وانتهوا من هالكابوس.”
ثم استدارت نحو وائل…
صفعة مدوية… أمام الجميع.
قالت له ببرود:
— “فكّرت إني ضعيفة؟ أنا خنتك كمان…
وخزّنت نسخة تانية عند بنتي.”
هشام قيّده تمامًا، وضع الأصفاد البلاستيكية على يديه، ونظر نحو سلمى بمرارة:
— “كنتِ ضحيّة… بس اخترتِ تصيري قاتلة.”
سلمى سقطت على الأرض، باكية، منهارة…
بينما سُهاد حملت USB، وضغطت عليه بقبضتها، وقالت:
— “البيت انكشف… بس الحرب بعدها ما خلصت.”
انتهى الليل…
لكن الشمس ما طلعت بعد.
كل واحدة فيهن فقدت شيء من نفسها…
لكنهن أدركن شيء واحد:
الخيانة من الداخل، أخطر من كل السكاكين.

