رواية قلوب خلف الستار الفصل السادس 6 بقلم بشري اياد – تحميل الرواية pdf

رواية قلوب خلف الستار الفصل السادس 6 بقلم بشري اياد
قلوب خلف الستار”،
البارت السادس
البيت ما زال على حاله: هدوء مشوب بقلق، وجدران تحفظ الأسرار كأنها كفن رمادي يُطبق على الأرواح.
نهى جلست على الأرض قرب النافذة، وعيناها ما زالتا تبحثان عن أثر في الشارع.
سُهاد كانت تمشي جيئة وذهابًا، تفكر، تهمس، تقطع الشكوك بأفكار، لكنها ما وصلت لشيء.
وسلمى، بعد كل اللي حصل، كانت صامتة… لكنها كل لحظة تكتب ملاحظات في دفتر صغير، وكأنها تحفر عن خلاص.
أما هشام، فجلس في غرفته أمام الحاسوب المحمول، يعيد فحص التسجيلات، يجمّع الأصوات والوجوه، يحاول أن يجد أي خيط.
وفجأة… صاحت سُهاد:
اقترب الجميع منها، قالت وهي تلوّح بهاتف قديم:
— “هاد موبايل قديم كان مع رُبى… استخدمته فترة، وحطّته بدرج ما حد فتحه من شهور.
بس شفت فيه رسالة غير مقروءة… من أسبوع بس!”
“إذا سكتتي، بيرتاحوا.
إذا حكيتِ، بيموتوا.
المكان: Q-42 – المصنع القديم.”
هشام اتجه فورًا إلى الهاتف:
— “Q-42؟ اسم وهمي… بس المصنع القديم موجود.
كان مستودع عسكري زمان، واترك بعد الحرب.
إذا حوّلوه معتقل، فهالشي مش قانوني… ولا رسمي.”
— “يعني في منظمة فعلاً؟!”
— “مش بس في…
واضح إن رُبى حاولت تبلّغ. الرسالة تدل على تهديد واضح… والموقع دليل.”
— “يعني نروح؟!”
— “أنا رح أروح.
إنتو تبقوا هون… لو صارلي شي، بلغوا الصحافة.
بكفيهم يدفنونا أحياء.”
لكن صوت سلمى قاطعهم فجأة:
— “أنا جاية معك.”
سُهاد قالت بحدة:
— “أنتِ؟ بعد كل شي؟!”
سلمى رفعت رأسها ببطء وقالت:
— “اللي يغلط لازم يصلّح.
مش حابة أموت ندِمانة، وأنا ساكتة.”
اتفقوا: هشام وسَلمى يتوجهان للمصنع.
نهى وسُهاد تبقيان في البيت، تجمعان كل ما يثبت المؤامرة.
الوقت ضيّق.
والمكان؟ مجهول… ومفخّخ بالخطر.
في المصنع – الموقع Q-42
رُبى مقيّدة في غرفة صغيرة، الإضاءة باهتة، الكاميرات ترصدها من كل زاوية.
التعذيب ما كان جسدي فقط…
بل نفسي.
يسمعونها أصوات صديقاتها، يذيعون عليها تسجيلات مُفبركة، يهددونها باسم هشام، وبمصير ابنها (الذي أخفوه عنها منذ سنوات).
لكنها ما انكسرت.
كانت ترد على كل ذلك بنفس الجملة:
— “أنا مش خايفة…
أنا خلصت من الخوف من زمان.”
دخل عليها نفس الرجل المجهول، وجهه نصفه مشوّه، نصفه مبتسم:
— “برافو.
ضليتي أقوى من المتوقع…
بس ما ضل وقت.”
ثم وضع أمامها هاتفًا… شاشة عرضت فيديو مباشر.
بيت النساء… من الداخل.
كاميرا مخفية ترصدهم وهم يجهّزون الملفّات.
— “لا! لا! شو عملت؟!”
— “ساعة بالضبط… وبيفجّر البيت عن بعد.
لو ما وقعتي على هاي الورقة… الكل بيروح.”
أخرج من حقيبته ورقة، وقلماً…
ثم قال:
— “تعترفي… إنك المموّلة، والمسؤولة عن تسريب البيانات للصحافة، وإنك بتتهمي المنظمة زورًا.
توقيعك… ينقذهم.”
رُبى كانت ترتجف.
إيدها على القلم… عينها على الشاشة.
— “لو وقّعت… الكل بيروح بعدي.
ولو ما وقّعت… يمكن ينجوا.
وإذا مت… بكون متّ وأنا مش كذابة.”
عند الباب الخلفي للمصنع…
كان هشام وسَلمى يصلان، يختبئان خلف الأسوار، ومعهما صورة قديمة تظهر الباب السري الذي كان يُستخدم للشحن.
— “هي هون… قلبي بيقول.”
في الداخل…
الرجل أغلق الشاشة، نظر لرُبى، وقال:
— “رح أعدّ للعشرة… إذا ما وقّعتِ، رح تندمي.”
لكن فجأة…
انفجر إنذار داخلي في المصنع.
وأضاءت المصابيح الحمراء.
— “قلتلكم… أنا مش لحالي.”
دخل هشام كالسهم، انقض على الحارس الأول، سحب السلاح منه، ثم اندفع نحو الغرفة.
سَلمى أمسكت الجهاز، أوقفته قبل أن ينفجر.
دخل هشام، رأى رُبى مقيّدة…
والرجل يصوّب المسدس نحوها.
— “إيدك فوق راسك!”
لكن الرجل أطلق النار أولاً…
صوت الطلقة دوّى في المكان.
ارتدّ صدى الرصاصة على جدران المصنع القاسي، كأنها صفعة أطلقتها السماء على من ظنّ أن الدم أداة تحكّم.
ثانية…
ثانيتان…
ثم سقط الجسد.
لكنّه لم يكن جسد رُبى.
هشام شهق وهو يرى سَلمى واقفة، مسدس في يدها، يدها ترتجف، والرجل ذو الوجه المشوّه يسقط أرضًا، الطلقة اخترقت صدره.
سَلمى رمت السلاح، وركضت نحو رُبى، حلّت قيودها بيدين ترتعشان، ثم همست:
— “مش رح أتركك تموتي… مش بعد كل شي عملته فيك.”
هشام اقترب، رفع المسدس من الأرض، تأكد من خلوّه من الذخيرة، ثم نظر نحو الرجل الميت، وتمتم:
— “هاد واحد من اللي درّبوني… كان ميت من سنين، أو هيك قالوا لنا.”
رُبى، التي أنهكها التعب، وقفت بصعوبة…
قالت بعينين دامعتين:
— “كانوا بدهم يخلّوني أكذب…
أموت كذابة، وأعيش ضحية.”
ثم نظرت لهشام:
— “شو صار بالبيت؟ البنات بخير؟!”
— “سَلمى أوقفت الجهاز… لو تأخّرنا ثانية، كان انفجر البيت كله.”
رُبى انهارت باكية، أخيرًا سمحت للدموع تنزل، بعد سنين من الصمت والتحمّل.
سَلمى ضمّتها إلى صدرها، وتمتمت:
— “ما عاد في خيانة، ولا خوف…
من هلّق، إحنا ضهر لبعض.”
في الخارج، كانت الشرطة تقترب من محيط المصنع، بعد بلاغ مجهول المصدر.
هشام التفت إلى رُبى وقال:
— “الشرطة جاية… بس بدنا نكون جاهزين نحكي كل الحقيقة.”
رُبى تمسّكت بيده وقالت:
— “أنا مستعدة.
بس بدي أرجع البيت… أشوف البنات، وأشرب قهوتي معاهم… قبل ما ينادوني شاهدة، أو مدانة، أو أي شي.”
سَلمى وقفت عند الباب، نظرت للسماء الرمادية، ثم قالت:
— “الحقيقة لما تتقال… يمكن توجع.
بس الكذب، بيقتلنا ببطء.”
وهكذا، غادرت رُبى المصنع… تمشي على قدمين مرتجفتين، لكنها أخيرًا، تمشي نحو الشمس.
ولم تكن تعلم… أن القادم سيكون نهاية، وبداية… في آنٍ واحد.
يتبع…
السابع من هنا


