رواية قلوب خلف الستار الفصل الخامس 5 بقلم بشري اياد – تحميل الرواية pdf

رواية قلوب خلف الستار الفصل الخامس 5 بقلم بشري اياد
هدأ كل شيء…
لكن لم تهدأ القلوب.
المنزل في حالة شلل، كأنّه تجرّع السم طوال الليل.
سلمى تجلس في الزاوية، وجهها شاحب، وعيناها فارغتان.
وائل مقيّد في غرفة منعزلة، وتحت حراسة هشام الذي لم يغلق عينيه منذ ساعات.
أما سُهاد…
فكانت تمسك الفلاش USB بيدها، كأنها تمسك سكينًا لا تعرف إن كان للحماية أم للانتقام.
رنّ جرس الباب.
نهى انتفضت، وهرعت نحو الشباك.
— “إنها الشرطة!”
فتح هشام الباب بنفسه.
دخل ضابطان، أحدهما شاب نحيل يدعى النقيب سامر، بدا عليه التوتر، بينما كان الآخر أكثر خبرة، ضخم البنية، صامت النظرات.
ألقى سامر التحية، ثم قال:
— “وصلتنا شكوى عاجلة عن مشتبه به يُدعى وائل الجبري… مطلوب في جريمة قتل وسلسلة تهديدات.”
هشام أشار إلى الغرفة:
— “مقيّد وجاهز… والسلاح بحوزتي.
وفي تسجيلات على هذا الفلاش بتثبت كل شي.”
أخذ الضابطان الفلاش… وأحدهما سأل:
— “وإنتو… شو علاقتكم بالموضوع؟”
تقدّمت سُهاد، وقالت بثقة حزينة:
— “نحنا الضحايا…
بس كنا عم نحاول نوقف مسلسل ما بينتهي إلا بالدم.”
دخلوا ليتفقدوا وائل، ثم حملوه معهم.
وهو خارج من الباب… التفت فجأة نحو سلمى، وتمتم:
— “نهايتك مش بإيدي… نهايتك بإيد اللي صدقوا إنك وحدة منهم.”
أُغلق الباب.
عمّ الصمت.
لكن بداخله… إعصار.
سلمى وقفت ببطء، نظرت إليهم جميعًا… لم تتكلم.
كانت عيناها تبحثان عن الغفران… ولم تجد سوى الجدران.
اقتربت منها رُبى…
قالت بصوت مخنوق:
— “بتعرفي شو أصعب من الخيانة؟
إنك ما تعودي تثقي بنفسك بعد ما خانك أقرب الناس.”
سلمى بكَت…
لأول مرة، بكاءً حقيقيًّا… لكنه جاء متأخرًا جدًا.
وبينما كانوا يحاولون التقاط أنفاسهم…
رنّ هاتف هشام.
ردّ وهو يمشي ناحية النافذة:
صوتٌ جاف في الطرف الآخر:
— “إنت مش خلّصت…
في اسم ناقص بالقصة.”
هشام سأل بحدّة:
— “مين؟ مين حضرتك؟!”
قال الصوت:
— “أنا اللي حذّرتكن بالتليفون… واللي رح يفتح الجحيم مرة تانية.
رُبى… ما كانت بس هاربة من وائل.”
تجمّد هشام في مكانه، ثم التفت ببطء نحو رُبى…
لكنها لم تكن موجودة.
— “رُبـــــى؟!!”
ركضوا في كل أنحاء البيت.
الغرفة؟ خالية.
المطبخ؟ لا أثر.
الفناء الخلفي؟ الباب مفتوح… والريح تعبث بستائر الليل.
وعلى الطاولة…
وُجدت ورقة كتبت بخط يدها:
“سامحوني… أنا مش بس ضحية.
أنا الشاهد الوحيد… على شي ما لازم يطلع للنور.
بس الوقت خلّاني أصدق إني أقدر أهرب من ذنبي.
بس ما بقدر.
اللي ورا وائل… أكبر مننا كلنا.”
سُهاد وقفت، يداها ترتجفان:
— “رُبى… كانت عم تهرب من شي أكبر…
من منظمة؟ من مافيا؟
إحنا لسه بالجزء الأول من الحكاية؟!”
هشام، للمرة الأولى، بدا عاجزًا.
ثم رفع رأسه وقال بصوتٍ عميق:
— “اللي جاي… حيكون أخطر بكتير.
وما حد فينا رح ينجو لو ضلينا نواجه لوحدنا.”
البيت الآن بلا وائل…
بلا رُبى…
بلا ثقة.
لكن الحكاية؟
أصبحت أعمق من خلافات…
وأكبر من انتقام.
الوجوه ما زالت تنظر لبعضها…
لكن الخوف هذه المرة لم يكن من الماضي، بل من الغد.
وفي مكانٍ بعيد…
كانت “رُبى” تدخل سيارة سوداء دون لوحات، بجانب رجل يرتدي نظارة داكنة.
— “إنتي جاهزة ترجعيلنا؟”
أجابت بصوت خافت:
— “ما عاد في مفر.”
وأُغلق الباب خلفها.
سُهاد كانت تمسك الورقة المرتعشة التي تركتها رُبى.
اقتحم الحزن عينيها، لكنها لم تذرف دمعة واحدة.
الوجع كان أعمق من أن يُترجم بالبكاء.
نهى مشت بسرعة داخل البيت، تبحث عن أي دليل يدل على أين ذهبت:
— “تركت كل أغراضها… حتى المعطف!
معقول تكون راحت بإرادتها؟ ولا… كانت مجبورة؟!”
هشام وقف عند الباب الخلفي، يتفحّص الأرض.
آثار إطارات… حديثة.
قال بصوت عميق:
— “سيارة فارهة… من نوع أودي أو جاكوار، غير مرقّمة…
يعني الموضوع ما عاد شخصي.
في جهة… جهة منظمة، عم تشتغل بصمت.”
سلمى اقتربت، وهي تنظر إلى الأرض، مكسورة، تمتمت:
— “أنا كنت فاكرة إني عم بسلّمها لمجرم واحد…
ما كنت أعرف إنّي عم بدفشها لوكر ضباع.”
صمتت لحظة، ثم رفعت رأسها:
— “أنا مستعدة أعمل أي شي…
حتى لو أفجّر البيت بإيدي، إذا كان فيه شي ينقذها.”
سُهاد اقتربت منها، للمرة الأولى منذ الخيانة، نظرت لها بعينين فيها حنان صلب وقالت:
— “مش لازم نغرق بلوم الماضي…
لازم نحارب اللي جاي.
ورُبى… عمرها ما كانت عادية.”
هشام قال بحزم:
— “أظن وصلتني أول خيوط الحكاية.”
الجميع نظر إليه بترقّب.
— “أنا اشتغلت بملفات دولية… فيها شي اسمه وحدة الظلال.
تنظيم عالمي بيستعمل نساء مُهمّشات، أرامل ومطلقات، كواجهة لأعمال غير قانونية…
ابتزاز… تجنيد… حتى تهريب معلومات.”
سُهاد همست بذهول:
— “وائل كان مجرد واجهة؟”
— “بالضبط.
ورُبى؟ واضح إنها كانت جزء من شي أكبر… وقررت تنسحب، أو فضحتهم.
واللي صار الليلة… كان أول محاولة لتصفيتها.”
نهى قالت بصوت خائف:
— “يعني نحنا مو خرجنا من الخطر؟!”
هشام نظر للجميع، وقال:
— “الخطر… لسه ما بلّش.”
في تلك الليلة…
كل واحدة نامت وعينها مفتوحة.
القلب مشوش.
الذكريات تئن.
والخوف من القادم يسكن الزوايا.
لكن رغم كل شيء…
شيء خفي بدأ يولد بينهن: الإصرار.
وفي مكان ما… داخل مركز شبه عسكري محاط بسياج كهربائي عالٍ، كانت رُبى تجلس على كرسي معدني، يداها مقيدتان، أمامها شاشة كبيرة تُعرض عليها صور قديمة لها، مع أصوات تسجيلات ومحادثات:
— “قلتي بدك تنسحبي؟
انسحابك يعني حرب.”
دخل رجل ببدلة داكنة… وجهه مشوّه جزئيًا، بصوت خشن قال:
— “يا رُبى… شوفي كل اللي خسرتيه.
لسه بدك تعملي حالك بطلة؟”
رُبى نظرت إليه بثبات، رغم الألم:
— “أنا ما بخاف منكم…
لأنكم نسيتوا أهم نقطة:
أنا مش لحالي.”
قال بضحك خافت:
— “آه… صاحباتك؟!
رح نرجعلك وحدة فيهم كل أسبوع… بس بشكل جديد.”
الضوء انطفأ.
والخوف… بدأ يلتهمها من الداخل.
لكنها همست بصوت مرتجف…:
— “لو اضطرّيت أرجع للقبر بإيدي…
رح أدفنكم معاي.”

