Uncategorized

رواية جمعية حب كامله وحصريه بقلم شمس محمد – تحميل الرواية pdf


|| الفصل الأول ||

|| رواية جمعية حُب ||

بسم الله الرحمن الرحيم،

والصلاة والسلام على الرسول الكريم..

سبحان الله وبحمدهِ، سبحان الله العظيم..

||صلوا على الرسول الحبيبﷺ||

____________________________________

في الحياة هُنا تسير أنتَ وفق الخُطى الموضوعة..

لا يحق لك الذلل أو الخطأ إن كنت ترغب في الوصول، حتى وإن صفعتك الحياة فوق وجهك بدل المرةِ مئات المرات لن تجرؤ أنتَ على رد صفعاتها، هُنا حيث الحياة وفق القانون السائد؛

حيث الغاب ونحن كما القطيع نسير، لكن كي تفلح وتنجو بنفسك عليك أن تتعلم مباديء العيش في قانون الغاب،

فأولًا أنتَ لم تكن حُرًا حتى ولو لم تضر،

في الغاب لا يحق لك أن تكون ضارية اليوم قبل ما تكون فريسة الأمس، لذا لن يُحق لك أن تثأر قبل أن تتعرض لانتهاك ما تثأر لأجلهِ..

<“تُشهبين شواطيء الأسكندرية وأنا الشتاء حبيبُكِ”>

لأن الحياة يليق بها البدايات؛ البداية ها هُنا مُميزة للغاية، تحديدًا من مدينة الاسنكدرية _عروس البحر المتوسط_ في فصل الشتاء، هُنا أسفل السماء المُبلدةِ بالغيومِ الرماديةِ، كُتل الهواء الباردة برائحة ذرات المطر الحبيس وسط الغيوم وبين كل حينٍ وآخرٍ يُسقِط بعض القطرات الصغيرة لتُحيي بداخلنا أملًا جديدًا، هُنا حيث الشتاء، رائحة القهوة فوق الموقد الغازي وهي تستعد للسِواء، وصوت أغنية تعشقها من تستمع لها تفصلها عن الضجيج خلفها:

_حبيبي ليه تغيب وتسيبني لحالي؟

وحشاني ليه ما كنتِ معايا بثواني؟

تسألني حاسس بإيه وأكيد في إجابة في دماغي،

مش حساها ولا إيه؟ هَّقولها وأنتِ قُوليهاليّ،

كلمة حبيبي باينة في عينيه، بس ما بيقولهاليش

مش عارف ليه؟..

كانت تقف هي عند الشُرفة الصغيرة تراقب حركة الغيوم الرمادية وتبتسم بإندماجٍ مع الكلمات التي انسابت لأذنيها، وقد نضجت قهوتها فتنهدت وأطفأت الموقد ثم قامت بسكب القهوة ووقفت تنتظر المطر حتى بدأ الصوت يخالط الأغنية وهي تُزيد بسمتها توسعًا، ترتشف القهوة وتشتم رائحة المطر الممزوجة بالقهوةِ المُحمصة حتى ولجت سيدة سمينة الجسد تلهث بأنفاسٍ مقطوعة وقالت بصوتٍ بالكاد يُسمع:

_”عُـلا” يلَّا وزعي الوجبات بسرعة، التمريض سألوا وقالوا وجبة الفطار تيجي، محضرة ليكِ لحد الدور التالت.

التفتت “عُـلا” لها تتنهد بثقلٍ ثم قالت بصوتٍ ظهر عليه بوادر الإحباط المكتوم بشظايا الغضب:

_يعني هو مفيش غيري يا أبلة “مكاسب” ينزل الفطار ويلف على الأوض كلها؟ دا أنا لسه حتى ماكلتش لقمة واحدة، بس هنزل علشان حرام الناس التعبانة دي مالهاش ذنب بدلع الناس.

أنهت الحديث ومشَّت بخطواتٍ واسعة تعبر عن حُنقها وغيظها ثم دفعت الجارور المعدني المليء بواجبات الطعام بكلتا ذراعيها، كانت تسير خلفه وهو يحجبها ولم يُظهر منها إلا حركة أهدابها من بين فاصل الأرفف المعدنية، تسير وهي تُغمغم بسخطٍ وسط طابق المشفى الحكومي المُتكدس بالناسِ، تدخل كل غرفةٍ وتقوم بتوزيع الوَّجبات بجوار فراشِ كل مريضٍ بقدر الحاجة، ثم تنهي غرفة وتدخل أخرى، وتصعد للطابق الموالي بالمِصعد وتُكرر الفعل في الطابق بأكملهِ ثم تُكرره حتى أنهت الثلاث طوابق الأولى؛ والباقي سوف تُكرره هي.

وهي “عُـلا عبدالخالق عطية” فتاة في العام التاسع وعشرين من عمرها، تعمل بشركة خدمات المرضى تبع المشافى الحكومية، وخاصةً الطعام والوجبات المُجهزة لذلك خصيصًا، تُنهي عملها في المشفى الحكومية مساء كل يومٍ وتبيت ليلًا للمناوبة المسائية، أمَّا القصة الخاصة بها فسوف يتم التعرف عليها تفصيلًا مع بعد الإجمال..

استغرق عملها قُرابة الساعة نظرًا لكِبر المشفى وزيادة عدد المرضى به، كانت تدفع الجارور بثقلٍ في جسدها وولجت الغرفة الأخيرة تمر بجوار كل فراشٍ تضع الوجبة حتى اقتربت من الركن الأخير بقرب الفراش المرتكن بجوار الفراش ثم وضعت الوجبة بجوار المريضة النائمة؛ فنطق زوجها يُهسهس بنظراتٍ أدركتها كأنثى على الفور:

_تسلم إيدك يا قمر، من يد ما نعدمها.

وهي حقًا كما القمر، فتاة رشيقة القوام، عيناها بنية اللون كما قهوة اليمن، تخفي خصلاتها خلف الحجاب الذي أظهر أنها كثيفة بسبب جمعها لتلك الخصلات بطوقٍ صغيرٍ، بشرتها حنطية تميل للون القمحي، ولولا عملها المُجهد هُنا وعدم قدرتها على مواكبة صيحات الموضة وعدم قدرتها على العيش برفاهيةٍ أكبر لا كان جمالها أصبح يُشكل خطرًا عليها هُنا.

تجاهلت الرد والتفتت تُغادره فلاحظته يمد ساقه يعترض عبورها، ووقتها برَّقت بعينيها في وجهه ثم ضغطت فوق قدمه حتى تأوه بصوتٍ كتمه فور ما أصابته وهرولت بخطواتٍ مُسرعة تهرب من تواجده، ليس هو وحده فقط من يعترض طريقها بمثل تلك الطرق، لكن عشرات الرجال هُنا يضايقونها هي وأمثالها من الفتيات، إما بنظرة العين وإما بالهمزِ واللمزِ، وإما مثل هذا بمجرد إطراءٍ وقح يظنه يربحها به..

ولجت الغرفة بجوار أدوات الطعام فوجدتها فارغة، جلست تلتقط أنفاسها المهدورة وهي ترتجف بسبب الموقف الذي يتكرر كل يومٍ وهي تضطر آسفةً للسكوتِ لأنها الخصم الأكثر ضعفًا في حرب الشرف والسُمعة، وقد أغمضت عينيها عن واقعها وهربت للحُلم الذي يساعها كأنها فراشة في حقل الزهور،

والحُلم وحده حياة الضعيف، وملجأ الشريد بغير حياةٍ،

لا بأس اليوم سوف تعود لبيتها وترتمي بعناق جدتها وتبيت ليلها بين أحضان الياقوت خاصتها..

____________________________________

<“أنتَ وحدك معي في الطريق منذ البداية؛ لمَّ تتركني اليوم”>

خطورة المرء وحياته بأكملها في اعتياده..

وفي تأقلمه على أوضاعٍ لن يستطع مواجهتها وحده،

على رياحٍ عاتية تضرب حركة سفينته فتجعله عاجزًا عن مواجهة الرياح وإن لم تشتهِ السُفنُ شيئًا قط؛ حين تفور المياه الراكدة وتصبح طوفانًا في أيامك، وقتها ستدرك أن الخطورة في اعتيادك على مجابهة الموج وحدك بسفنٍ أهلكها الدرب..

في محافظة القاهرة المحروسة، هُنا حيث مدينة الملايين من البشر، المدينة القاهرة لكل عدوٍ ومُحبٍ على حد السواء، حيث الذكريات التي أصبحت أشواكًا في القلب كما تركت الغصة بالحلقِ، وهي تجلس تضم كفيها فوق رُكبتيها وتهز ساقيها بعنفٍ من فرط القلق على والدها الحبيب، تتضرع للخالق وتبتهل وتُغمض جفونها عن الدنيا تهرب من خيالاتٍ قاسية.

اليوم سقط في مقر عمله بأزمة قلبية حادة داهمتهُ فجأةً ونُقِل على إثرها للمشفى هُنا وهي تحلق به وتُخفي الأمر عن أمها وشقيقتها، تجلس وقلبها يرتعد بخوفٍ وكأن قسوة الشتاء لم تقدر عليها، فأصبح جسدها دافئًا من فرط توترها، مرت دقيقة، وخلفها دقائق خرج بعدها الطبيب بملامح آسفة وهمس الجملة الأكثر بُغضًا وقسوةً على قلبها:

_للأسف ماقدرناش نلحقه، البقاء لله يا آنسة “نـوف”.

ملامح الطبيب كانت حزينة، اليوم بأكمله في غاية الحزن، هي فتاة وحيدة، ضعيفة وبمفردها في هذا العالم يخبرها الطبيب بكل سهولةٍ ويُسرٍ هذا الخبر المُميت؟ وقفت أمامه كما قطعة الخشب التي أصابت طرفها النيران، مرت ثانية وأخرى وبعدها صرخت بعجزٍ وقهرٍ تشق القلوب الساكنة:

خرجت منها بصوتٍ هادرٍ وبدأت نوبة البكاء الهيستيرية، تركض حتى تدخل له، وتتدافع الأجساد كي تردع فعلها وتمنعها، بينما هي تحاول من جديد وتُناديه كأنه سوف يُنصت لها ويفيق، تناديه وترجوه وهي وسط الناس غريبة عنهم جميعًا؛ لكن الوحيد الذي آلفته هي من بينهم غادر دُنياه وتركها وحدِها.

بكت عيناها؛ بل أمطرت وفاضت بالدمعِ، وتألم قلبها وهي تلعن الفراق ألف مرةٍ، فلا حي الله الفراق ولا أذاقه لقلوبٍ تلتاع وتشتاق في الغياب، ارتمت تستند على الجدار كما طفلٍ يتيمٍ وظلت تضرب رأسها بالجدار حتى ركضت لها أمها التي وصلت لتوها ومن منظر ابنتها فقط أدركت أن رفيق العمر أنهى محطته في الحياة ها هُنا..

اليوم العالم سوف يُريها الوجه الحقيقي له،

سوف تعلم هي مكمن القسوةِ وتواجدها بالقلوب،

اليوم سيُحدُثها قلبها بأكثر الكلمات قسوةً، سينطق هو بدلًا عنها ويتساءل للراحل ويرجوه بجوابٍ لن ينله،

فكيف يتأقلم مع الفراق؟

ويغدو مع رحيل من أحب هو المُشتاق؟

كيف يركض ويسير مع الحياة

وهو ليس بقادرٍ على قسوة السباق؟.

رحل عنها الأب وتركها وحدها في الدنيا وسط الناس وكأن الجدار الساتر لعُريها سقط وكشفها أمام الناس، لحظة قاسية على قلبها وهي تعلم أن عودتها من هُنا لبيتها ستكون بدونه معها، اليوم تُرِكَت الذكرى فقط ورحل صاحبها،

والقلب هُنا بعد رحيل أبٍ ينأى عن العالم ككلٍ..

____________________________________

<“أنا وأنتَ نصفين وإن لم يكن مصدرهما واحدًا”>

النصف مِنَّا خاربٌ ويحتاج لنصفٍ عامرٍ..

لكن ما العمل إن كان كلا النصفين خاربان؟ بالطبع هي كارثة، أن يكون نصف مُدمر والنصف الآخر يحيا ببقايا تركها فيه الزمان، وقتها لا عليك سوى التأقلم مع الذات، أو الاستعانة بيدٍ من الخارج تُعين دمارك وتُرمم بقايا روحك المعطوبةِ..

رفرف بأهدابهِ على صوت هاتفه الذي كرر موعد التنبيه وقد فتح فمه يتثاءب وقبل أن يعود للنوم حيث الراحة المسروقة بعد صوت المنبه، تذكر أن اليوم هو الخميس، لذا فتح عينيه وانتفض يتأكد من الهاتف وقد استعد بنشاطٍ عاد له، ولج المرحاض وتحمم وارتدى ثيابًا بيتية، كانت الساعة لازالت في الثامنةِ صباحًا؛ لازال مبكرًا على موعدهِ، وعليه إتمام روتينه.

صلاة الضحى أولًا، ثم تناول عصير البرتقال الطازج ثانيًا، وترك الشقة يصعد للأعلى، فتح السطح مبتسمًا فوجد رفيقه يركض عليه، كلبه وصديقه الوفي “سيمبا” رفيق عمره ولياليه، ضمه يداعب كلاهما الآخر ثم وضع له الفطور والمياه وقام بتنظيف مكانه له ثم جلس يقرأ الجريدة اليومية..

عادة يومية ورثها من أبيه الراحل، لازال يُفضل اقتناء الجرائد وقراءة صفحاتها وأعمدتها وعناوينها الجذابة، رغم شكوكه بمصداقية المكتوب في أغلب الأوقات لكنه يُفضل تلك العادة، بدأت شمس الشتاء تغازل عينيه، حيث امتدت خيوطها الدافئة تُنافس برودة الشتاء وهو يشتم رائحة الهواء النقية، هناك في الحياة ما يستحق أن يحيا هو لأجلهِ، وهو يحيا بقدر ما استطاع.

ركض عليه “سيمبا” يجلس بقربه فضمه لعناقه ثم قال بصوتٍ دافيءٍ مُحشرجٍ بسبب أثر النوم الذي لازال عالقًا بين عينيه:

_أهلًا باللي عامليِّ مشاكل، أنتَ كبرت وخرفت يا “سيمبا” ولا إيه؟ الجيران كلها بتتكلم على صوتك طول الليل ومحدش عارف ينام، لو حكموا عليك يطردوك كدا هنروح في داهية، اتهد شوية.

كان يتحدث مع الكلب الذي أصدر همهمة خفيضة جعلت الآخر يطالعه بسخريةٍ ثم ودعه ونزل من السطح لشقته، تحمم من جديد وبدأ يتجهز للنزول، لكن شعور الجوع أفسد مزاجه، ولأن منقذه هُنا ولج الغرفة الثانية عاري الجذع بسروالٍ قصيرٍ فوجد الآخر ينام وجسده يتوارى أسفل الغطاء، اقترب يوقظه بصفعةٍ قوية جعلت الآخر ينتفض من فوق الفراش يسبه بقوله:

_يا ابن ***** أنتَ تُور يالا، ضربة في إيدك؟.

رفع الآخر حاجبه يرمقه باستعلاءٍ ثم هدر بجمودٍ:

_قوم فطرني يا “آدم” أنا جعان، هي ناموسيتك كُحلي؟.

رمقه “آدم” بملامح وجه ناعسة حاول أن يعتاد خلال دقائق على مُداهمة الضوء لعينيه ثم كرر الإنفعال ذاته بنفس الجمود قائلًا:

_هو أنا الخدامة بتاعة أهلك؟ ما تطفح نفسك يا “أدهـم”.

اقترب منه الآخر وأشرف عليه بجسده ثم قبض فوق عنقه وقال بثباتٍ ونبرةٍ لم تُشىء بأي خيرٍ:

_أطفح نفسي؟ طب وليه طولة اللسان؟ خدت إمبارح قميصي الأسود اللي أنا جايبه وسكتلك وقولت مشيها يا واد أخوك الصغير، بس هنطول لساننا كمان؟ ههين أهلك كلهم، قوم ياض أعمل فطار.

حدَّجه “آدم” بنظراته فيما تركه “أدهـم” وابتعد عن الفراش وهو يقول بنبرةٍ عادية:

_هتريح النهاردة صح؟ ولا هتنزل المطعم؟.

انتبه له الآخر وترك الفراش وهو يقول بصوتٍ ناعس:

_لأ مش قادر دلوقتي، هروح بكرة أو ممكن بليل، كدا كدا الشيف هناك وما شاء الله عليه شاطر أوي، هريح شوية بدل الطحنة دي.

ابتسم له “أدهـم” وقال بنبرةٍ التزم فيها بالهدوء:

_خلاص ريح شوية وياريت تعملنا أكلة سمك حلوة من إيدك كدا.

تلاشت بسمة “آدم” وأصبحت ملامحه متهجمة، فيما اقترب منه الآخر ونطق بصوتٍ بدا عميقًا وقويًا:

_النهاردة نازل أخلص مصلحة لو تمت زي ما أنا عاوز صدقني أنا هبقى مبسوط أوي وهتبقى خطوة حلوة ليا في شغلي اللي جاي خصوصًا إن السوق بقاله فترة واقع وعاوز حد يشد حيله عليه، ادعيلي بس تعدي وتبقى سالكة زي ما أنا عاوز.

حرك “آدم” كتفيه وقال بنبرةٍ كأنها معتادة على الرد:

_ربنا يوفقك ويرزقك اللي نفسك فيه، بس قولي الخطوة دي تخص “حلمي” ومصلحة تبعه ولا حاجة تانية؟.

سأله وكأنه يملك اليقين قبل الجواب، وقد أكده له حين زفر بقوةٍ ونطق بثباتٍ يوقن الجواب أكثر:

_آه، مش علشان حاجة، علشان هو بيحاربني في أكل عيشي، حاربني مرة وكسب خلاص، إنما هو مُصمم يكمل ويحشر مناخيره في حياتي، وهو اللي فرض الحرب بينا يا “آدم”.

ولأن أخاه يخاف عليه كثيرًا قرر أن ينصحه بقوله:

_طب وليه؟ كنتوا صحاب وخلاص هو واقفلك في طريقك سيبك منه وركز في طريقك علشان توصل، الحرب دي هتبقى بخسارة كبيرة بينكم، الشغل والستات لما بيدخلوا بين الصحاب بيقلبوا حياتهم حرب، وأنا مش عاجبني إنك تحاربه.

_مكانتش بأيدي أحاربه، هو اللي بدأ، وفي نصيحة أبوك علمهالي وقال عليها أيام ما كان في السوق، قالي اجهز علشان في مرحلة صعبة لازم بتدخلها في حياتك، يمكن تكون مش مستعد ليها بس مُجبر عليها؛ اللي كنت بتحارب معاهم وعلشانهم، بكرة هتحاول تصد حربهم عليك، يا إما تقف تحاربهم، خلاص خلينا نشوف بقى.

ارتسم اليأس في عيني الآخر ثم راقبه وهو ينسحب من أمامه، هو لن يجرؤ على الحديث ثانيةً حتى لا ينتهي الأمر بمشاجرةٍ كما كل يومٍ، سوف يكتفي فقط بالصمت وقد تحرك يُجهز وجبة الفطور له، حيث الهواية والمهنة وهو الطاهي الممتاز.

_”أدهـم توفيق الشيمي” الشاب الأكبر في عائلة “الشيمي” الوريث الأول من بعد والده الراحل، أكمل مسيرة عمل والده في معارض السيراميك والأدوات الصحية، كما أكمل عمله ومسيرته بعمل بمقاولات والتجارة بالشقق والعقارات، يُشبه والده في الملامح إلى حدٍ ما، بلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا،

أغلب صفات والده الخارجية ورثها، جسده العريض، البنية القوية، خصلاته السوداء اللامعة بخيوطٍ بُنية اللون المُنطفأة، وعيناه بُنيتان بخيوطٍ عسلية تشبه عيني أمه..

“آدم توفيق الشيمي” الشاب الثاني في هذه العائلة، الأخ غير الشقيق لـ “أدهـم” وهو الأكثر تأثرًا بوالدهِ، حتى في الصفات الشكلية هو الأقرب له في الشكل، حتى الطباع الداخلية والسمات الشخصية هو الأقرب له في كل شيءٍ، عيناه تشبهان عيني أخيه، حتى البنية الجسدية متقاربة لحدٍ كبيرٍ، لكن الخلاف الوحيد بينهما أن “آدم” هو الأقرب لشخصية والده ناهيك عن عمله في مجال طهي، يملك مطعمًا شهيرًا في المدينة نال شُهرة واسعة بفضل جودته ومهارته العُليا في الطهي وبراعته في فن تسوية الطعام، يبلغ من العُمر ستةً وعشرين عامًا..

لم يبقَ لكلِ منهما إلا الآخر، من بعد وفاة الأب والأم والأم الثانية، تولت عمتهما تربيتهما ورعايتهما من بعد وفاة الزوجة الأولى ومن بعدها الزوجة الثانية لـ “توفيق الشيمي” وحتى الآن هي وزوجها من قاما برعايتهما والإعتناء بهما، ويُعتبر “آدم” ابنها الذي ربته مع ابنتها وأصبح أخًا لها وابنًا وإن لم تُنجبه هي، ولا زالت القصة تخفي الكثير والكثير والرحلة لم تبدأ..

____________________________________

<“عاد الغائب من بعد غيابٍ، وارتاحت الروح المشتاقة”>

الشمس قد تشرق في اليوم مرتين..

مرة في الصباح حين تُخبرك أن الأمل لازال حيًا في القلوب، ومرة ثانية حين تخبرك أن الغائب عاد ومعه الحُرية بنورها، والشمس الدافئة في عناقٍ يُذيب الثليج، وهُنا الشمس أشرقت للمرة الثانية في يومها حين ركضت نحو صغيرها تحتضنه؛ وكأن الربيع يحتضن الحقول..

وقفت في المطار تتابع القادمين من الخارج بلهفةٍ، تضم كفيها المرتجفين وهي تبحث وتُمشط المكان بعينيها بحثًا عن فلذة كبدها وحبيب العين والروح، تسير يمينًا ويسارًا مع كل مجموعةٍ بشرية تتحرك بحثًا عن الحبيب، وقد جاورها زوجها وسألها بنبرةٍ هادئة عن حالها المُتشنج:

_يا ستي أهدي شوية، خلاص يا “رئيفة” هيوصل وقالوا الطيارة وصلت مصر بخير، أنتِ عاملة قلق ليه؟ جاي خلاص.

التفتت له تقول بنبرةٍ ملتاعة أقرب للبكاء:

_ماهو مظهرش لسه يا “طـاهر” وماشوفتوش بعيني، تفتكر ممكن يكون حصل معاه مشكلة في الشنط ولا الورق؟ الناس كلها تقريبًا خرجوا وهو لسه.

كان يعلم أنها ستبقى هكذا قُرابة الساعتين، لا تصمت ولن تَكُف إلا حين يظهر ابنها نصب عينيها وتضمه هي بين ذراعيها، وقف بيأسٍ مرسومٍ فوق ملامحه وقد صدح صوت هاتفه فأخرجه يجاوب عليه ظنًا منه أن ابنه من يطلب رقمه لكنه وجد رقمًا لأحد أصدقائه القُدامىٰ وقد جاوب على المُكالمة فوجد رفيقه يقول بأسفٍ:

_معلش يا “طـاهر” بكلمك دلوقتي وعارف إنك مشغول، بس “ناجي” للأسف توفى النهاردة، ولازم نروح نقف مع بناته ومراته.

توسعت عيناه وتثبت بؤبؤاه في محجريهما وقد زاغ بصرهُ في المكان بعد وفاة الرفيق صاحب الطريق كله، وقف مقسومًا لنصفين، نصفه سعيدٌ بعودة ابنه من الغياب، ونصفه الثاني حزين لأجل وداع رفيقه، وقف بشرودٍ في حالة صمتٍ وغيابٍ وقد اقتربت منه زوجته تقول بصوتٍ مُضطربٍ:

_مالك يا “طـاهر” وشك قلب ليه كدا؟.

انتبه لها بعينين دامعتين وقال بصوتٍ غلبه الحزن:

_”ناجي” مات النهاردة، للأسف راح مني.

شهقت هي بدهشةٍ ومدت كفها تضم مرفقه فيما أتى ابنه وظهر لهما من وسط الوفود والحشود ببسمةٍ بشوشة تُشبه الشمس بعد شروقها في حال طيلة غيابها، اقترب ينادي أمه التي ركضت عليه تضمه بلهفةٍ وقد ترقرق الدمع في عينيها فور ما احتضنت ابنها، بينما زوجها غاب في غياهب حُزنه على الرفيق ولولا ابنه الذي ارتمى عليه ما كان قاوم أكثر من ذلك وقد قال هو بصوتٍ مهزوزٍ مرتجفٍ:

_نورت بلدك يا “غسان” نورت بلدك يا حبيبي.

ضمه “غسان” بقوةٍ يتشبث به كأنه طفلٌ عاد يحتمي بعناق الأبِ والأمِ من قسوة الغُربة والمدينة وناسها، احتمى بعناق أبيه وضمه بقوةٍ وقال بصوتٍ غلبه الشوق واللوعة والحنين:

_البلد منورة دايمًا بيك وبأهلها يا بابا، وحشتني أوي.

“غسان طاهر أبو سويلم” الابن الأكبر والوحيد لـ “طاهر أبو سويلم” وقد غاب عنه منذ عامين بسبب عملٍ في الخارج بعدما أنهى دراسته الجامعية هُنا في القاهرة، خصلاته بُنية تليق بملامحه ذات البشرة القمحاوية، عيناه عسليتان داكنتان بدفءٍ يُشبه طيبة قلبه وخِصاله الكريمة، حنون القلب وهاديء الطبع _عند حد مُعين بالطبعِ_ وهو ربح الحياة في نظر أمه كما تقول هي، واليوم انقسمت مشاعر القلوب ما بين فرحٍ بعودة غائبٍ، وبين القهر على رحيل رفيق دربٍ بأكلمهِ..

____________________________________

<“قوي العقل لن تهذمه بربرية الطِباع”>

الأخطر من قوة الذئب أو أي ملكٍ يسود الغابة هُم القطيع بذاتهم، فقد لا تضرك قرارات ملكٍ بقدر ما تؤذيك عقلية القطيع، فيُخيل لك أنك تُساق خلف قراراتٍ؛ لكن في الحقيقة أنتَ تسير خلف نهج قطيعٍ توقفوا عن الاختيار وساروا خلف القرار ، واضطروا _غير آسفين_ لتدمير تفكير الحُر من بينهم.

اليوم منذ بدايته يسير بصعوبةٍ عليها وعلى عضلات جسدها، في الصباح الباكر كانت في مقر المحكمةِ تُنهي بعض المُعاملات الخاصة بقضاياها حين لزم الأمر لحضورها هي بذاتها، واليوم مكتبها مليء بالعديد من العُملاء حين اضطروا للحاجةِ إليها، كانت تقرع فوق رخام مقر مكتبها بصوتٍ جذب الأنظار نحوها، الجميع انتبهوا لها حين ولجت بخطواتٍ ثابتة أشبه بخطواتِ الملك فوق أرضه، ولجت غرفة مكتبها وهي تتنهد بقوةٍ ثم سحبت الهاتف تطلب من سكرتارية مكتبها بهدوءٍ وركوزٍ:

_دخليلي أول حد بسرعة ماعنديش وقت.

بدأت القضايا وأصحابها تتوافد على مكتبها وهي تجلس وتُتابع مع البعض بنفسها وتعرض عليهم الحلول الأخيرة، معظم زوار المكتب هُنا سيدات تعرضن للقمعِ من أزواجهن، جميعهن لم ينلن الحُرية الكاملة ولازالت تلك الحُرية بقبضة القضاء لتحرير رقابهن، وهي، هي وحدها فقط من تُخلص النساء من هؤلاء الأوغاد، هي وحدها من تستطع وتفعلها لتخليصهن من قبضتهم.

توالت القضايا وأصحابها حتى ولجت تلك التي جلست فوق المقعد وقالت بصوتٍ مُضطربٍ خائفٍ:

_أستاذة “رحـمة” مبقاش فيه وقت للجلسة الأخيرة بحكم المحكمة، أنا عاوزة ولادي في حضني وهو واخدهم مني ومش عارفة أوصله، أكيد فيه حل صح؟ أنا عاوزة أذله وأكسره وأخليه يتقهر وقلبه يدوق اللي أنا دوقته معاه وهو مدمرني وعاوز يفضحني قدام الناس، أنا وريتك تليفونه وإزاي ملفق ليا رسايل علشان يتهمني بالخيانة، لو عرف إن تليفونه معايا مش بعيد يعمل فيا حاجة.

انتبهت لها “رحمة” صاحبة هذا الصرح ومالكته وقالت بثباتٍ دون أن يهتز بها جفنٌ أو رمشٌ حتى:

_مش عاوزة حضرتك تقلقي خالص يا مدام “صابرين” قولتلك أنا عارفة هعمل إيه كويس والمحامي اللي شغال على قضيتك من أكفأ الناس هنا، ولادك الجلسة الجاية هيكونوا معاكِ وفي حضنك، وجوزك دا خليهولي وأنا هعرفه إزاي يعمل فيكِ كدا، وعيالك دول هتاخديهم في حضنك وتعيشي وتتهني بيهم.

ابتسمت لها “صابرين” التي لمعت عيناها بأملٍ في غدٍ ترغبه، حيث عودة صغارها من جديد قبضة يدها وبين ذراعيها بعد عودتهم لبيت أبيهم وعائلته، وقد شردت في المُنى حتى انتبهت على صوت “رحمة” وهي تقول بسؤالٍ تنساه دومًا:

_معلش اسم الزوج إيه يا مدام؟.

انتبهت الأخرى من قوقعة الشرود وقالت بغلٍ دفينٍ:

_”سالم ” جوزي اسمه “سالم الإدريسي”.

أومأت لها “رحمة” وقالت ببسمةٍ ظافرة كونها تهزم رجلًا جديدًا في حربها بتلك الحياة القاسية على النسوةِ أمام ظلم الرجال وقهرهم لهُن، وأدركت أن نهايته شارفت لا شك، وهي، هي العدو الأول في هذه الحياة لكل رجلٍ، ترى النفس في بعض الأحيان كثيرًا عليهم، تعلم أن جميعهم يعاملون المرأة كما سلعة تجارية فقط لإرضاء أنفسهم وشهواتهم، وما دون ذلك هي كيس ملاكمة لإخراج كل شعورٍ حتى لو كان الغضب والتنفيس عنه..

_”رحمة محمد المُشير” محامية شهيرة في مجالها، متخصصة في قضايا الأحوال الشخصية وكل ما يخص المرأة، رصيد ربحها في القضايا من هذا النوع جعل لها شهرة واسعة في عالم القانون بقضاياه من هذا النوع، بل أصبحت متحصلة على ثقة العديد من النساء وكلهن يضعن جل ثقتهن فيها هي، وهي وحدها من تحارب لأجلهن وكأنها من تملك فك شفرات القانون بأكملهِ..

____________________________________

<“الحُب كما الزهرة التي تذبل بدون سقايا واهتمامٍ”>

الحياة حقل زهورٍ واسعٍ والحُب وحده هو الزهرة الأكثر تميزًا فيها، لكن هذه الزهرة تذبل إن لم تنل الاهتمام والسُقيا الكافية كي تنمو تلك الزهرة وتترعرع، الحياة بذاتها بغير رعاية تصبح كما لوحة سوداء بدونِ لونٍ حتى، ولا الرسم فوقها ينفع بشيءٍ..

انتصف النهار وشارفت الشمس على الرحيل وترك دورها، فيما بدأت الحياة الشتوية للناس تعود، العودة للبيت قبل موعد الأمطار المُعلن عنه من هيئة الأرصاد، الصغار يلتحدون في بيوتهم مرتعدين من البردِ ورجفة الجسد، رائحة الطعام تفوح من كل جانبٍ وبيتٍ، الحياة رغم برودة الأجواء لازالت دافئة، أما هي فتقف في مطبخٍ كبيرٍ متكدسٍ بالأواني المتسخة والصحون المرتكنة بكل جانبٍ وهي تتعجب كيف لبضعة ساعات فقط أن يصبح المكان هكذا؟.

كانت تقوم بجلي الصحون وتنظيف المطبخ رغم تعبها منذ الأمسِ بألمٍ في العظامِ ومعدتها وكأنها تواجه حالة إعياءٍ قاسية، ولجت تلك المرأة تقلب في طنجرة الحساء وهي تقول بصوتٍ جامدٍ بعض الشيء:

_شوفي كدا يا “ورد” العدس ملحه مظبوط؟.

تركت الفتاة ما تفعله واقتربت تتذوق الحساء ثم قالت بصوتٍ غلبه التعب والتيه حيث أصبح الإعياء متمكنًا منها:

_مش عارفة يا ماما أنا عندي برد باين مش مستطعمة خالص.

لوت المرأة فمها ثم تذوقت هي الحساء وقالت بذات الصوت الجامد والملامح الراكدة بغير تعبيرٍ أو تفاعلٍ حتى:

_مظبوط خلاص، شهلي يلا علشان الغدا.

أومأت لها وعادت من جديد تقف بجوار الحوض لكنها لم تستطع مقاومة صمتها، لذا قالت تستفسر منها بصوتٍ جاهدت كي تُخرجه بهذا الثبات والقوة:

_معلش يا ماما، هي المواعين دي كلها مين وسخها؟ مش أنا إمبارح مشطبة المطبخ قبل ما أطلع شقتي وسايبة كل حاجة تمام؟ مش معقول من الصبح لحد دلوقتي كل دا يتبهدل كدا؟.

التفتت لها حماتها تقول بتهكمٍ ساخرٍ:

_وهي البرنسيسة عاوزة تنام والدنيا حالها يقف في غيابها ولا إيه؟ مش فيه ناس بتاكل وناس بتشتغل وناس بتعيش يومها طبيعي؟ الدنيا شتا وقولتلك عاوز أكل كتير، كنتِ نايمة ليه بقى كل دا سيادتك؟ حتى جوزك مش هنا هقولك كنتوا سهرانين مع بعض ولا حاجة.

لاحظت “ورد” تماديها في الحديث فالتفتت تُغمغم بسخطٍ وهي تُكمل ما تفعله وقد تهكمت حماتها بنظراتها أكثر بينما تلك المسكينة فوقفت بصمودٍ تحارب وتُجابه فوق ضفة حربٍ لم تكن بقادرةٍ على المواجهةِ عليها، وقد خرجت من المطبخ لتقضي حاجتها بالمرحاض فلمحت حماها يجلس فوق المقعد المتحرك وحينها قال بحنوٍ لها:

_أنتِ شكلك تعبان ليه كدا يا “ورد” وشك أصفر أوي يا بنتي.

انتبهت له وعادت تجلس أمامه وهي تقول بتعبٍ:

_واخدة دور برد يا بابا وتعبانة شوية، دلوقتي هاخد حباية مضاد حيوي وأنام شوية وهبقى زي الفل، بس معلش مش هقدر آكل معاكم علشان تعبانة وجسمي مكسر، هخلص المطبخ وأحضر الغدا وأطلع.

أومأ لها مُبتسمًا وقد ولجت المرحاض بينما زوجته خرجت تسأله بسخريةٍ تهكمية لاذعة حين رمقته بازدراءٍ:

_أنتَ بتصدق الشغل بتاعها دا؟ دي بت مايعة بتتلون علشان تخلع من الشغل، إيه عاوزة تفضل نايمة على رجليها نقش الحنة؟ لا وراها راجل ولا عيل ولا تيل، ابنك ومسافر ومتغرب علشانها، وهي عايشة ملكة بقرشه وفلوسه وتعبه، بلاش يا أخويا طيبة قلبك دي.

مال برأسه عليها يهمس بحنقٍ قائلًا:

_يا ولية وطي صوتك، البت تسمعك وتزعل، حرام عليكِ البت شايلانا ومش مخلية وراها حاجة تعملها تاني، ابنك ماشي وسايبها وهي عروسة جديدة وهي صاينة أهله وبيته، وأنتِ بدل ما تتقي الله فيها بتزودي عليها؟ البت تعبانة اتقي الله يا “خيرية” فيها حرام عليكِ.

لوحت له بيدها بسخطٍ ثم عادت تجلس أمام التلفاز بينما هو راقبها ضاربًا كفيه ببعضهما معبرًا عن يأسهِ، وقد خرجت الأخرى من المرحاض بعد أن ضربت وجهها بكتلة ماءٍ باردة وحينها استعادت جزءًا من حيويتها ونشاطها، وقفت في المطبخ من جديد تُكمل عملها وهي تتمنى أن يعينها الخالق ويرزقها الثبات..

بينما في الخارج ولج ابن البيت شقيق زوجها يلقي التحية على والديه بفتورٍ وقد وقفت أمامه أمه بلهفةٍ تسأله بعد عودته من العمل:

_ها يا “خلف” عملت إيه يا حبيبي في الشغل؟.

ارتكن على طرف الطاولة بغير اكتراثٍ وقال بضجرٍ:

_سيبته يا ستي هي ناقصة قرف، الراجل اتجنن عاوزني اشتغل طول اليوم ؟ بقوله محدش بيقضي الشغل كله كدا قالي مش عاجبك الشغل سيبه، قومت سيبته بجد هي ناقصة صداع وقرف؟.

شهقت أمه بقوةٍ وهي تضرب بكفها فوق صدرها بينما والده فابتسم بسخريةٍ وهو يرى زرعته الفاسدة على عين حياته، ابنه الضعيف الذي لم يملك قرارًا واحدًا يجعله رجلًا راشدًا في حياته، خيبة الأمل على هيئة صبي دللته أمه، وقد لاحظ نظرات والده فهرب للداخل، مر بجوار غرفته فلمحها تقف في المطبخ تستند على الحوض بجسدٍ مائلٍ اتضح عليه التعب..

وقف يُملي عينيه الوقحتين بها وبوقفتها سامحًا لنفسهِ أن يغوص بعينيه فوق جسدها، وقف يراقبها وهي تحاول أن تعتدل وترفع رأسها بعد أن داهمها سعالٌ شديدٌ وقد ضاق صدرها وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها، فهرول لها هو يضمها بكفٍ ويفرض حصاره مستغلًا حالة الإعياء هذه، ثم بالآخر ظل يمرر كفه فوق وجهها وهي بقدر استطاعتها حاولت أن تدفعه عنها رغم قوته وتجبره، إلا أنها صرخت بملء صوتها تستغيث بمن هُم بالخارج، ولعل صرختها تفلح في هذا





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى