رواية اكرهك الفصل الرابع عشر 14 بقلم ميريام عريفه – تحميل الرواية pdf

رواية اكرهك الفصل الرابع عشر 14 بقلم ميريام عريفه
الحلقة 14
تتشابه الشوارع أمامه ، وكل الطرق تؤدي إلى اللامكان، سئم من كل شيء . كل اللحظات متشابهة، حان الاوان . اليوم هو الموعد الذي أجله من أجل العمل. حسنا، اليوم هو النهاية ، فلتكن إذا نهاية باردة كما كانت حياته ، خالية من كل شيئ.
أوقف سيارته أمام البحر، المكان مهجور ولا أثر لأحد هنا ضحك ساخرا كعادته ” حتى النهاية وحيدة ، زي صاحبها “
أغلق السيارة وتوجه نحو البحر، لطالما أخذته رجليه إليه، لماذا ؟ هو آيضا لايعرف . نظر إليه مطولا وتكلم ” أهلا، اليوم مش حخليك وحيد ، جيت أونس وحدتك ، جيت اترمى فيك . يعني مافكرتش بنهايه أحسن من دي ، يا بحر يا جميل ، عايزك تشهد على نهاية بني ادم ، حتى وهو رايح للنهاية مش حاسس بحاجة. أنا زيك بالضبط الناس بتشكيلك همها وانت مابيهمكش ومابتحسش ، وانا كمان . أنا كمان لما بيكلموني مابحسش بحاجة ، مابعرفش أحس . مش قادر أحس . ” هنا ضحك عاليا ومطولا بالطريقة الوحيدة التي يعرفها ” وعايز أحس …” كان يتكلم ويمضي قدما وعندما أفاق من كلامه وجد نفسه في وسط البحر والمياه بمستوى صدره وأعلى بقليل. ” عارف اننا حاولت قبل كدا كتير ، حاولت أفوق نفسي وخليها تصرخ انها خايفة تموت ، بس كل اللي بسمعو فرجسده ” وعلا صوته وصرخ ” الفرااااغ ، أنا مليان فراغ ، انا مش انسان انا ألة مليانة فراغ حتى فوجه الموت مش راضية تتعبى خوف هاهاهاهاها ” بدأ الماء يتسلل رويدا رويدا الى فمه وأصبحت رجليه بالكاد تلمسان القاع . ” ودي بقى بداية النهاية ، جيت وحيد وحغادر وحيد ، الحياة حلوة بس نفهمها ” ابتلعت الموجة باقي الكلمات وباقي جسده
لم يدركا لكم من الوقت بكيا واختلطت دموعهما. وساد الصمت وهما جالسان على الأرضية كلاهما يتمنيان أن يرجع الزمان الى الوراء ، ثلاث أشهر فقط لما قبل الحادثة بيوم . لو تمنيا بقوة كافية سيرجع الزمن أو هكذا ظنا. قطع الصمت صوتها الذي خرج غارقا في دموعها.
” أنا عايزة أرتاح.. والحل الوحيد اني أواجه كل حاجة وعايزه أواجهها وابص فوشها وقلها أنا مش ضعيفة . وعشان كدا أنا قبلت بعرضك وموافقة على بندك ، حنحاول حسام مش كدا ؟”
فاجأه كلامها ، وكان ينتظر الاسوء لكنها قبلت ” أيوا .. حنحاول .. حنساعد بعض نرجع زي الاول وأحسن كمان . ححاول رجع ثقتك فيا ، انا حتغير عشاننا “
هنا التفتت له وظهر شبح ابتسامة على ثغرها وقالت ” صُحاب يا حسام مش كدا ، يعني مش حت…” ابتلعت بقية الكلمات . فهم ماترمي اليه
” وعدتك وحوعدك كمان ، مش حقربلك ولا عايز حاجة منك، عايزنا نساعد بعض نداوي جراحنا و نتجاوز كل الصعوبات مع بعض.”
احست بالقليل من الارتياح، مازالت تخافه، ومازالت لاتثق به ، ومازالت ترتعب من فكرة اقترابه منها ولكن ، كل شيء يبدؤ بخطوة وقد قررت ان تأخذ تلك الخطوة من أجلها ، من اجل رشا التي ضلّت طريقها.ابتسمت وقالت
” تمام؟ “
” صافيه لبن “
وجلسا هناك يحدقان في اللاشيء ، أول الأمور خطوة وقد قررا المضي في هذا السبيل.
——————————————-
تتالت الأيام على نحو جيد نسبيا ، يتشارك حسام ورشا الأعمال و كل منهما يحاول بطريقة أو بأخرى تجاوز الماضي.
في الصباح ، نزلا معا لتناول فطور الصباح مع مراد بيه، الذي كاد يطير فرحا وهو يلاحظ تغير ابنه الذي لم يعد ذاك السكير و زوجته التي خفّت نظرة الخوف والقلق من عينيها. كان ينظر لهما مبتسما
” ايه يا بابا ؟ جرى ايه ؟ بتبصلي انا ورشا و الضحكه مليا وشك “
” مبسوط اوي ، والدنيا مش سيعاني ، اخيرا ارتحت و اطمنت عنكو يا ولاد .”
” ربنا يخليك .. يخليك لينا بابا مراد”
حان دور حسام لكي يبتسم ملأ شدقيه، لطالما أعجب بحنيتها و قوتها .
” بابا ، هو نبيل ما اتصلش “
تنحنح مراد بيه قليلا وأردف ” لا، هو من ساعة ما ساب.. قصدي من ساعة ماسافر مااتصلش. حاولت اتصل كتير بس ماردش . “
” هحاول كلمو بعدين ، انا ماشفتوش في الشركه ، ليكون سافر تاني ؟”
تعجبت رشا و انتبهت أنها من يوم لقائها معه لم تره. غريب هذا الشخص . كم هو عديم مشاعر ، كيف يسافر دون أن يخبر أخيه ووالده . ماهذا الاهمال؟ .
” عن اذنكو بقى يا ولاد أنا رايح شغلي . “
” مع السلامة “
خرج مراد بيه وإلتفت حسام لرشا مبتسما .
” احم .. انت كويسه ؟”
” ايوا . انت بتسأل ليه؟”
” أصلك يعني ملامحك اتغيرت فجأة .”
” لا عادي .. انا بس استغربت من نب… أخوك . هو ازاي يسافر ومايقلشي لحد.”
فكّر حسام ، أه يا رشا لو تدركين كيف هو نبيل، عوّض حيرته بابتسامة لم تصل لعينيه.
” هو مشغول كتير .. يعني أوقات بيسافر يكمل صفقات ويرجع . و بابا كمان متعود كدا هو بس بيحب يسأل نبيل فين وراح فين.”
” بس انا يعني مابشفوش هنا كتير ؟ “
” دا طبيعي ، نبيل عايش حياته بالطول والعرض ، بنات وسهر و سفريات فماتاخديش بالك كتير .”
كان عليه أن يلفّق اي كذبة ، أن يصوره إنسان غير مسؤول أحسن من أن يقول الحقيقة.
سكتت رشا، لا يهمها شيئا فيما يخصه، حتى اسمه ترفض نطقه ، عيناه الفارغتان تفزعانها وسفره في محلّه ، لن تلتقي به .
غرفة مظلمة وموسيقى عالية . شخص مرتم على الفراش ينظر إلى السقف ، بجمود يتابع تشققات السقف ، أو ربما خيّل له أن هناك تشققات فعيناه مازالت تؤلمه من ماء البحر .
زفر مطولا ، فقط الموسيقى تربطه بالواقع .
” اتمنى الموت وماطلهاش ؟ انتِ ايه ؟ ماكنتش عايز حاجة غير نهاية للفراغ دا ، وفي لحظة النهاية صوتِك كان هناك . صوتِك كان بينادي عليا . ليه ؟ سبيني بقى ! “
انتفض من فراشه و توجه نحو الشرفة ، لكم من الوقت بقي في هذه الغرفة بعد أن خرج من البحر؟ لا يدري حقا . ما يدركه أنه عند إقترابه من النهاية ، انتشله صوتها وهي تنادي ” نبيل أرجوك ” .
وضع يده فوق صدره ، هناك شيء غريب الأن .
” بلاش توهم نفسك ، مافيش حاجة هناك ، ومش حيكون ، انت مافيكش غير الفراغ. و صوتها ، صوتها كان حاجه … بلاش توهم نفسك ” ضحك ساخرا مطولا . وعاد الى فراشه مستلقيا .
لكن الان وقد فشلت خطته عليه أن يعود إلى عمله. فقط عمله يجعله مرتبطا بشيء .
دخل الى الحمام، الماء البارد رفيق دربه ، لن يحس بالبرد فبروده داخلي .
——————————————-
” انا رايح الشركة ، وممكن اتاخر ، ممكن أطلب طلب صغنن كدا ؟”
ابتسمت رشا وقالت ” صغنن بس “
” ممكن تستنيني بالليل ؟ انا عايز أكلمك في موضوع كدا . “
هنا تغيرت نظرة رشا وبدأ الخوف يتسلل شيئا فشيئا .. ” موضوع ايه ؟ “
أحس حسام بخوفها ” لا أبدا ، دا موضوع بيخص الجامعة ، ارتحت يا ستي !”
أطلقت هواء لم تدرك أنها كانت تحبسه ” تمام ، حستناك “
فرح حسام ، أراد لها أن تقولها . كلمة واحدة ” حستناك ” أشعرته أنه مهم لها ولو لثواني .
” تمام ، كلو تمام يا رشا . انا رايح بقى ، “
” سلام ، تروح وترجع بالسلامة .”
كلمة أخرى ويتوقف قلبه ، ماهذا ، كلمات بسيطة تجعله يطير فرحا ، رشا هي حقا بلسم لجروحه ، فمنذ مدة لم يذهب الى قبر ريما ولم يذكرها بنفس الألم ، تمتم لنفسه
” من غير ماتعرفي ، انت بلسم جروحي . “
” قلت حاجة ؟”
” لا أبدا. يلا ، أشوفك بالليل “
وغادر حسام تاركا رشا غارقة في أفكارها . ” خطوة خطوة يا رشا ، اتعاملي عادي ، شدي حيلك ، حيتصلح ، كل حاجة حتتصلح “
ثم انطلقت الى غرفتها ودفترها . رفيق دربها .
يمضي اليوم بطيئا ، وحيدة في الغرفة، تخط بعض الكلمات في دفترها أو تشاهد الحديقة .
الحديقة، عليها ان ترجع فيها الروح بأي طريقة . عزمت أمرها ستكون الحديقة ونيستها. غيرت ملابسها بأخرى مناسبة بنطلون جينز وتي شرت بلون السماء، رفعت شعرها وتركته ينسدل حرا على ظهرها. وتوجهت الى مهمتها. اعتلت الابتسامة محياها وهي تحاول انقاذ الورود من الأعشاب الطفيلية
” انا هسعدك تتخلصي منهم ، ماتقلقيش يا ورده . انا جمبك ماتخفيش .” تسمرت لحظة ، ماقالته الان هو نفس كلمات حسام لها . ماهذا ؟ هل حقا سيبقى بجانبها متى احتاجته؟ وحده الزمان كفيل بالاجابة عن هذا السؤال. ثم عادت لعملها تعامل الوردة الصفراء بعناية فائقة . الورد الأحمر والأبيض منتشر في المكان ولا يوجد الا واحدة صفراء . لذلك وعدت نفسها . ستهتم بها وترعاها كطفلتها الحبيبة.
لم تدري كم من الوقت مضى لكن الظلام قد بدأ يسدل ستارته ، لذلك لملمت نفسها وودّعت وردتها المفضلة . نفضت القليل من الغبار العالق وتوجهت نحو المنزل لتأخذ حماما.
أما هو فقد وقف هناك ينظر لها ، يتابع جميع تحركاتها. عليه أن يتصرف ، صحيح انه لا يشعر ولا يهتم ولكن هذه الفتاة قد أفسدت خطته وفرصته للراحة وعليها أن تدفع ثمن ما اقترفته


