رواية اكرهك الفصل السادس 6 بقلم ميريام عريفه – تحميل الرواية pdf

رواية اكرهك الفصل السادس 6 بقلم ميريام عريفه
الحلقة 6
بعد أن خرج مراد بيه ، وقفت على النافذة لتفكر في ما ألت إليه الأمور ، تذكرت حسام ، الشاب الواعي والمثقف، حسن الاخلاق والخلق ، من كان يساعدها دائما على حل وضائفها و تيسيير جامعتها . وفاة أخته منذ سنة قد غيره فعلا ، فقد كانا مقربين جدا . حادثتها الأليمة جعلت منه مسخا و وحشا يفتك بما أمامه. قاطع أفكارها صوت بداخلها ” انت استسلمت بسرعة وابتديت تدوريلو عن أعذار، انت مش ممكن تغفيريلو ، سامعاني ، مش ممكن ابدا !” ، مسحت دمعة خانتها ثم تذكرت طلب عمها منها ” مراد بيه انسان طيب ومايستهلش اللي صار فيه، وانا مانستشي اني لما كنت خلاص فقدت الأمل اني اكمل جامعتي ، هو تكلف ولحد دلوقتي بيتكلف بماصريف تعليمي. مش معقول أرفضلو طلب وأحرق قلبو على إبنو “
“والحل ” لم تدري كيف ارتفع صوتها حين نطقت بهذه الكلمة. ثم أردفت ، الحل بسيط أنا مش حتعامل معاه ولا يقربلي حخليه يحس بالكارثة اللي عملها من غير مااتعاطف معاه. “
هنأت نفسها ثم انطلقت تدعو الله ان يلهمها الصبر على مواجهة الوحش .
——————————————-
” تصرفاتك ماعادتشي مقبولة ، حلّين في ايدك ومستحيل اديك حلّ تالت او فرصة تنية .”
نظر حسام لوالده منتظرا صاعقة من العيار الثقيل .
“يا تحاول تغير نفسك وتبطل عاداتك السودا المهببة و ترجع انسان زي ما كنت ، يا قسما بالله لروح بنفسي للبوليس واشتكي عليك في قضية إغتصاب و انت عارف أنا قادر أعمل ايه . صحابي في الداخلية مستعدين من طلب بسيط يحضرولك ملف يسجنك طول عمرك”
صعق حسام من رد فعل والده ، هو يعرف خوفه عليه و حبه له ، لذا فان هذا لا يتعدى كونه تهديدا واهيا ليجعله يعزف عن تصرفاته. لم يزل يهدؤ نفسه حتى اتاه صوت ابيه مزمجرا” والمرا دي انا بنفسي حخدك وان كانت مصلحتك اني اسجنك فحسجنك حتى تتربى من اول وجديد”
حسمت جملته الاخيرة الامر، هذا ليس مزاحا ، وليس تهديدا عاديا . اذا فليخرج بأقل الأضرار ، المسايرة هي الحل
“وحضرتك تطلب مني ايه ؟!”
” تحاول تصلح الغلطة اللي هببتها مع مراتك ، حاول تكون علاقة طيبة معاها ما قتلكش حبها بس احترمها وقدرها وماتخوفهاش ، البنت مرعوبة من ساعة ماجات . “
” حضرتك مش فاهم حاجة مهمة : انا بكرهها و مش ممكن اتفاهم معاها ولا احترمها . ولااا! دا شعور متبادل ، هي كمان مش بتطيق تسمع اسمي “
“وبعد اللي عملتو عايزها تفرح و تستقبلك بالسجادة الحمرا والورد ؟!، ايه انت مابتحسش؟! انت دمرتها ! عارف معناتها ايه.. دمرتها “
” انا ماكنتش في وعي وماكنتش قاصد و ماكنتش..”
” بس! بس! انا تعبت من كلمة ماكنتش قاصد وماكنتش في وعي . الخمر يا حسام حدمرك وهتخليك تموت بالبطيء “
” بس هي كانت ملاك وماتت ، ليه الشيطان مايمتش كمان ؟!”
” ارجوك يا حسام ياابني “
” عمرك سألت نفسك انا بشرب ليه ؟ ” صمت قليلا ونظر امامه شاردا ” ريما كانت اختي وبنتي وحبيبتي وامي وابويا وصاحبي ، كانت دنيتي كلها وفيوم اصحا الاقي حالي وحيد ومافيش ريما في حياتي ، انا ضايع من غيرها. ا”ارتمى على الأريكة واضعا راسه بين يديه ” انا ولا شي من غيرها ، انا كنت كويس عشان خاطرها هي عشان اكون قدوة ليها عشان يوم ماتختار شريك حياتها تعرف تختار كويس”
اقترب منه والده واضعا يده على راسه ” عارف، عارف وحاسس فيك”
انتفض من مكانه ” لا يا مراد بيه انت مش حاسس ، انت متعاطف وفي فرق كبير في الكلمتين ، انك تحس بيا يعني انت دلوقتي النار بتنهش فيك من جوا ، بس انت لا انت بتلومني ، يعني متعاطف معايا بس مش حاسس بيا وبعذابي”
” ريما بنتي الوحيدة والا انت ناسي ؟ دي كانت فرحة عمري الشمس اللي بضوي حياتي ، كنت بخاف عليها من الهواء الطاير . فاياك تتجرأ وتقول اني ماعنديش نار بتحرقني كل يوم لاني سمحتلها تروح بالعربية للكلية “
” خلاص ، حبيبتي راحت ، هي طلعت للسماء وارتاحت وانا اديني بحاول احصلها بأسرع وقت و بأي طريقة “
” ليه تخليني اخسر تاني وتالت ؟ والدتك وسابتني وراحت عند ربنا ، راحت بدري اوي، وريما بلسم جرحي كمان خسرتها ، اخسرك انت كمان ؟ ليه ؟ ليه اتكتب اني اخسر واتعذب كل يوم ؟!”
” ماهو نبيل عندك اهو انت مش حتخسر الاتنين “
” نبيل !؟ هههه نبيل ؟ دا اوقات بشك اني خلّفت آلة مش بني آدم ، انت شفتو مرة بيتفاعل بمشاعر طبيعية !! ، من عشر سنين وهو مسافر بره لا رسم ولا خبر ، عزاء اختو ماحضروش ، نبيل مش طبيعي وانت فاهمني كويس”
تنهد حسام و شرد مجددا ، ماقاله والده هو عين الصواب ، هناك شيء خاطئ في نبيل ، لا يحزن ولا يفرح ولا يغضب ، غير قادر على الاحساس تماما حتى الضحكات التي يطلقها تنبع من سخريته لا من مشاعره.
” انا خسرت زمان يا حسام ومش عايز اخسرك كمان . ارجوك ، انا بترجاك تحاول تصلح من نفسك “
” حاضر يا بابا ” وخرج من المكتب متوجها الى سيارته ، الوجهة معروفة ، أعلى الجبل مكانه المفضل ، الهاواء البارد الذي يرجع للنفس انتعاشها والمنظر الخلاب الذي يجعلك تحس بانك تملك الدنيا بين يديك . انطلق بسيارته مسرعا يتسابق مع الريح ، كلام والده أزعجه ، كيف يقف في صفها وهي من من حاولت ادخال ابنه السجن ؟! والان يطلب منه ان يحترمها ويصلح الأمور بينهما ؟! . اطلق ضحكة مدوية ” قال دمرتها ! انا مادمرتهاش انا ماكنتش في وعي ولا كنت قادر اميز الصح من الغلط” تذكر فستانها الاحمر الطويل بلا اكمام والكعب العالي كتفيها العاريتين والاسوارة التي ترتديها مشيتها ودلالها ، شعرها المائل للصفرة بخصلات بُنِيّة ، كل مافيها جذبه اليها تلك الليلة المشؤومة ، لماذا تزوج صديقه صديقتها فالتقيا ؟ كانت اول مرة يراها فيها مُتألقةً أنثى بحق ، جعلت من في الحفل يفقدون عقولهم ، رُوحُها نقية تجذبك رغما عنك مهما قاومت ، وابتسامتها وبراءتها زادا الطينة بلّة. تذكر.، كيف حاول اقناع نفسه مرارا ان لا يتبعها الى داخل الفيلا ويبقى في الحديقة يتابع الحفل . لم تُجدي نفعا ، كل محاولاته باءت بالفشل . أسرَتْه فتبعها للغرفة وافتكّ ماظنّه حقّه. أوقف سيّارته في القمة وصرخ بأعلى صوته ” ريمااااا، خديني ليكِ خبيني عندك، دفيني ، اخوك بردان وضايع وعايز حضن حنين. ابوك عايز يسجني عشان غلطة انا ماكنتش في وعي لما عملتها ، واديني باتحاسب، هو عايزني انسى وابتدي صفحة بيضا معاها ، ريما الناس مابتعرفش انو مافيش صفحه بيضه ، كل صفحة فيها أثار للصفحة إلّي قبلها مهما حاولنا نخليها ناصعة البياض . انا تعبت ومش قادر اكمّل معاها ولا حتى يوم ” احس بفراشة زرقاء تقترب منه وتبسط جناحيها فوق كتفه، ابتسم وكان بلسم روحه قد عادت” انت، انا حاسس بلمسة حنية فيك ، دي اجابتك يا ريما ، عايزاني احاول ومافقدش الامل ؟ انا كنت مستنيك تحني عليا وتنوريلي طريق اوصلك بيه بسرعة . ” طارت الفراشة وكان كلامه لم يُعجبها. ” ارجعيلي يا ريما الفراشة ، عشان خاطرك ححاول اكون كويس تاني ، انا ححاول احترمها بس ماتطلبيش مني اكتر من كدا واوعديني يوم ماتغير تخليني اعرف طريق اروحلك منو وماتكونيش زعلانة “
لملم شُتات نفسه وغادر في سيارته محاولا الوفاء بوعده لحبيبته.
——————————————-
حتى النهاية بعيدة المنال، غريب! شارف على الموت للمرة الكم ؟ نسي كم حاول من مرة ان ينهي حياته بفاجعة لعلّه يسترجع احساسه ، لاشيئ ، فراغ ، لا غضب، لا كره ، لا حب ، لا شيء ، لم يكذب والده عندما نعته بالآلة عندما توضح للجميع أن ابنهم ليس قادرا على الشعور. لاشيء يحرّك إحساسه حتى فاجعة اخته تقبلها ببرود كانه ليس معني بهذا الأمر ، قبل عشر سنوات بدات حالته وبدأ يُدرك أنه يعاني فعلا من شيء رهيب لذلك سافر ولم يعد يسكن مع عائلته ، تركهم لأنه لم يعد قادر ا على الاحساس بشيء تجاههم وكانه نسي كيف يشعر ومامعنى كلمة مشاعر .
بعد سفره إلى أمريكا توجه منذ وصوله إلى طبيبة نفسانية ، اخبرها بكل ما وقع له ، اخبرها عن عشرين سنة من حياته و طفولته و واالدته التي توفيت قبل سفره بشهرين ، بطموحاته التي تبعثرت ، لم يكن رد الطبيبة كافيا أولا لكن على مدى ثلاث. اشهر والعديد من الجلسات كانت النتيجة كالاتي ، لازال بتذكر كلماتها جيدا وكانها تحدثه الآن : سيد حسين ، او سادعوك نبيل فقد تجاوزنا مرحلة الرسميات الآن، حالتك ليست الأولى التي تعترضني ، سأبني ماتوصلت له على احاديثنا وتعاليقك على اسئلتي ، تعرضت لصدمة منذ الصغر ، صدمة جعلتك تقرر في باطنك ان تغلق على مشاعرك في صندوق وتدفنه بعيدا داخلك ، لم تدرك مدى خطورة ماقمت به الا حين كبرت ولم تعد طفلا و بدأت تدرك ان هناك شيئا غريبا يحدث معك . وفاة والدتك وهو حدث من الطبيعي ان يجعلك تحزن او تبكي او حتى تضحك من الصدمة لم يجدي نفعا . في تلك اللحظة ادركت ان ماتعانيه ليس طبيعيا وانك مجرّد من المشاعر الانسانية.
كفى ذكريات للآن الماضي لا يُغير شيئا يوجع نفسك ليس إلا . انطلق بسيارته نحو الشخص الوحيد الذي لا يجعله واع بحجم الفراغ داخله ، سوسو لم تسأله او تعاتبه يوما على حالته المرضية ولم تطلب منه ان يبدي اية مشاعرٍ.قليل من الراحة ليعود الى البيت بعدها و الى نهاره الذي لاينتهي وليله الذي لا يأتي .

