رواية اكرهك الفصل التاسع 9 بقلم ميريام عريفه – تحميل الرواية pdf

رواية اكرهك الفصل التاسع 9 بقلم ميريام عريفه
خرجت من الحمام مرتدية ثياب النوم ماحدث مع نبيل في السيارة قد انساها تصرف حسام المفاجئ. ارتمت على الاريكة. منذ اتفاقهما وحسام يعود سكرانا الى الغرفة وينام على السرير لا يدرك أنه تنازل لها عنه في وعيه، لذلك قررت مجاراته والنوم على الاريكة ، تذكرت والدتها التي رغم محاولاتها التظاهر بالنشاط إلا أن ضعف صوتها و تراجع صحتها كانا كفيلين باقناع رشا عكس ما تدّعي . والدها أيضا بدى مشغول البال ، لا تدري لما أحست أن والدتها كانت تودعها وداعا أخيرا حين عانقتها. ” استر يا رب، انا ليه حسه كده ؟ ليه قلبي مش مطمن من الناحية دي خالص ! استغفر الله العظيم ” أخذت دفترها و خطت بعض الأسطر. أغلقته و قامت متجهة نحو النافذة ، الليل والنجوم والسكون كم تمنت ان ترتمي في احضان نجمة بعيدة تحملها نحو السعادة والأمان . تذكرت عينيه الفارغتين فأغمظت عيناها ثم تنهدت مطولا.
فُتح باب الغرفة و دخل حسام ، تحاشت النظر إليه وفعل المثل ، بدأ في خلع ملابسه بتثاقل و بدون أن يُكمِل إرتمى على فراشه ، ووضع رأسه بين يديه والألم بادٍ على قسمات وجهه. ” ايه الوجع الرهيب دا ” حاول النهوض لكنه قرر عكس ذلك و سرعان ما غط في نوم مخلوط بالتأوهات بقيت رشا في مكانها ترمقه ، لأول مرة تراه يتألم هكذا ، قطع تفكيرها همهمات لم تدرك معناها . كأنه يناديها ، كلا لن يفعل ، تعرف عناده و لن يناديها حتى لو كانت أخر إنسان على وجه الأرض.
” رشا…” لم تكن مخطأة فهذا اسمها . فكرت في صرف النظر عنه والتصرف بعدم إهتمام ، لكن تأوهاته زادت و كذلك صوته وهو ينادي . أدركت أنّ في الأمر سوءا . فإقتربت منه رويدا رويدا ، كان يرتعش من البرد رغم دفء الغرفة . جسده القوي ينتفض و حبّات العرق على جبينه . ” الظاهر انو مريض واوي كمان ” أسرعت بوضع الغطاء فوقه و نزلت مسرعة نحو المطبخ تحضر وعاء ، أحضرته ووضعت القليل من الماء ثم بللت المنشفة مرارا ووضعتها على جبينه ، وبقيت تعيد الكرة مرات ومرات . ثم وضعت كفها بتردد على رأسه انخفضت الحرارة قليلا لكنها مازالت مرتفعة نسبيا. توجهت لخزانتها وأحضرت الدواء الخافض للحرارة و حاولت ايقاظه ” حسام ، حسام ، ارفع راسك شوية كده عشان تاخد الدواء” لم يبدو على حسام انه سمعها ، لذلك تناست قربها منه والخوف الذي في قلبها و قسوتها عليه وجلست بجانبه على السرير ورفعت رأسه ودعّمته بصدرها ، لم يكن الفعل سهلا ، فقد نجحت بعد المحاولة الثالثة لتضع راسه على صدرها ، نفضت عنها الخوف الذي سكن قلبها والقشعريرة التي ملأت جسدها ، حاولت التفكير في حسام القديم وهو الأن يحتاجها ، في هذه اللحظة لم يكن عدوّها بل صديقا محتاجا.
أخذت قارورة الدواء و حاولت .” يلا يا حسام أرجوك افتح بؤّك ، عشان تشرب الدوا” بعد محاولتين شقق شفتيه وشرب القليل ، وحاولت معه حتى أخذ الجرعة المطلوبة كاملة .
.كويس ” أرادت ارجاع رأسه على الوسادة لكنه تشبث بها كأنه طفل صغير يتشبث بأمه ” خليكي ” كانت هذه كلمته التي جعلتها تتسمر في مكانها بدون حراك ، تزحزح قليلا حتى طوقها بذراعيه و نام . حاولت تخليص نفسها لكنه لم يترك لها مجالا . كانت قبضته قوية كما تعرفها. بقيت بلا حراك ثم شغلت نفسها بتحضير الكمادات بجانبها ووضعها على رأسه. ” وانت بتساعديه ليه ؟ انت كنت نسية هو عمل فيك وبيك ايه، فالخوف اللي انت فيه دا حيفكرك “
” بس هو محتاجني دلوقت وانا اخلاقي ماتسمحليش اني اصرف النظر عن انسان مهما كان سيئ وهو مريض و حالته ماطمنشي”
” على رحتك ، بكره يصحى ويرجع يتعامل معاك بكره واشمئزاز . والا انت فكره انو حيفضل شايلك الجميل ؟ لا فوقي يا رشا حسام مستحيل يرجع زي الأول “
” بس هو لا كلمني ولا أزعجني طول اسبوع كامل ، إحترم اتفاقنا ، في أمل اني أرجّع حسام القديم تاني “
” بتحلمي ، طبعا بتحلمي، و نفترض رجع حسام القديم ، ايه حينسيك عمل فيك ايه ، حيحاول يحبك ؟ هو ماكنشي شيفك زمان ولا حيشوفك دلوقت.”
” ومش عايزاه يشفني ، انا عايزاه يرجع حسام الطيب الحنين ، اللي كنت بعتمد انو يساعدني من غير ماسأل . “
بقيت بين أخذ وردّ مع نفسها ولم تنم طوال الليل تارة تعاتب نفسها وتارة تجد الأعذار لتصرفات حسام ، وتارة اخرى تتفقد حرارته بكفها ، كانت كلما لامست كفها جبهته ، ظهرت على محياه القليل من الراحة حتى انها ظنت انها رأت شبح ابتسامة على ثغره
——————————————-
عاد من زيارته ، ويا ليته لم يذهب ، أصبحت سوسو تطرح الكثير من الأسئلة و تبدي اعتراضا على حالته اللامبالية معها. لن يذهب لها مجددا ، سيجد أخرى أو أخريات ، شيء ما لا بدّ ان يجعله ينتمي للبشر وان كانت العلاقات هي الحل فليكن ، لن يجعل نفسه ترى نفسها آلة كما يظن الجميع.
أخذ حماما ، غير ملابسه ، و انتظر الصوت الذي أصبح جزءا من عادته، لا شيء ، صمته قد عاد من جديد . تساءل في نفسه ” هدوء .. غريب يعني “
ثم ارتمى على فراشه ، وضع السماعات و أغلق عينيه ، يسترجع ذكرياته .
عاد بالزمن الى لقائه مع الدكتورة النفسية
” نبيل ، أنا لم أصل إلى نقطة مرضية في حالتك ، كل شيء في راسك هنا. حاول ان تجد مشاعرك ، لا يمكن لك مواصلة العيش هكذا . على الانسان ان يشعر بشيء حتى يستطيع التواصل مع الآخرين ، ستجد نفسك وحيدا يوما. لا أحد يقبل العيش مع انسان لا يبادله اي نوع من المشاعر. حاول ارجوك ، لا تفقد نفسك ، مازالت هناك فرصة لتعود انسانا طبيعيا “
ضحك بسخرية ، حتى الشعور بالمرار على حالته لا يعرفه ، ” وحيد.. حبقى وحيد … ههههههه انا من وقت ماوعيت عالدنيا وحيد . و حالتي حتغير ايه ؟ ممكن دي نعمة من ربنا عشان ما حسّش بالوحدة اللي انا فيها .”
تذكر يوم كان يحاول فهم حالته ، و فهم المشاعر ، اشترى كتابا نفسيا من امريكا ليتعرف على معنى المشاعر و انواعها وماذا تعني ، أراد أن يتبين كيف يكون الحزن ، كيف يكون الشعور بالحب ، بالكره حتى الوحدة تمعّن فيها جيدا ، ليدرك ان الوحدة قاتلة و قد تؤدي بمعضم الناس الى الانتحار ، فأدرك ان الفراغ داخله هو نعمة والا كان قد حاول الانتحار منذ اليوم الاول في حياته.
——————————————-
لم تنم، وانتظرت الصباح بفارغ الصبر ، حرارته قد انخفضت نسبيا ولم يعد يتألم ، وهذا دليل على ان حالته في تحسن، عندما نام مرتاحا أرخى قبضة يده عليها فتحركت مبتعدة ببطء حتى لا توقظه ، وتوجهت الى الحمام ، أخذت حماما ساخنا أبعدها عن أفكارها الحزينة ووفر لها راحة ولو كانت مؤقتة . وضعت منشفة حول جسدها وتركت لشعرها العنان ، لن يستفيق حسام الان ، فبعد ليلة متعبة ومرض سينام لساعتين اخرتين على الأقل. . فتحت باب الحمام وتوجهت الى المرآة ترتب شعرها الذي تخللته قطرات الماء فزادت في لمعانه، اخذت منشفة اخرى وبدأت في مسح شعرها رويدا رويدا ، راحت لزمن كانت امها تسرح شعرها وهي تغني علّها تراها عروسا لا تظاهيها اخرى ، تذكرت كم كانت تعشق شعرها والاهتمام به ، حتى حسام يوما ما أبدى إعجابه بشعرها ضاحكا ” انت لسا بتسألي البنات بتغير منك ليه ؟ دول يتمنو يكون عندهم خصلة بس من شعرك”
خانتها ابتسامة بلهاء ، حسام القديم كان يرفع من معنوياتها كلما سنحت له الفرصة ،حسام القديم لم يكن ليؤذي حشرة . تلك الفكرة أيقضتها من شرودها لترى انعكاس عينين يحملقان بها. وما ان التفتت ، حتى وجدته يقف امامها مباشرة، بضع سنتيمترات و يتلامس انفاهما، بقيت محملقة فيه لا تدري ، اهو خيالها قد أصبح حقيقة أم ان حسام فعلا يقف امامها وينظر لها بطريقة غريبة . بقيت محملقة في عينينه وهو كذلك حتى خانته عيناه لتتجولان على جسدها النصف عاري وشعرها المنسدل على جانب واحد والذي لسوء حظها ، متّع حسام بمنظر كتفها ورقبتها وجزء من صدرها ، صدرها الذي يرتفع وينزل في وقت قياسي . شاركها حسام تنفسها المظطرب ، لم يدرك انه حين يفتح عينيه سيرى انثى بكل ما للكلمة من معنى تقف امام المرآة تسرح شعرها، شاردة في شيء ما جعلها تبتسم برقة بالغة ، لم يكن يوما بطلا في السيطرة على نفسه ، لم يعي الا وقد وقف امامها يطالعها عن قرب، عادت تلك الفكرة الجنونية الى رأسه ، ترى ان تسابقت يده مع قطرات الماء على جسدها فمن يربح ؟ أعاد النظر في عينيها، عادتها الغبية ، غرست اسنانها في شفتها السفلى.، يكفي كانت هذه اشارته ليفقد كلّ السيطرة. رفع يده نحو شفتها وحررها ببطء و رقة بالغتين ، وكانه يتعامل مع قطعة بلّور ستنكسر بين لحظة وأخرى.
ثم مرر سبّابته على شفتها وكأنه يراضيها من ألم الأسنان التي كانت مغروسة فيها. رفع يده الأخرى التي استقرت على وجنتها اليمنى وأقترب حتى اختلطت أنفاسهما. وبدون سابق انذار ، روى عطشا لم يكن يدري انه موجود.
لم تدرك نفسها إلا وهي أسيرة قبلاته المتلاحقة المتواصلة ، وكأنه ينتظرها منذ الأزل ، ضعفت أمام رغبته وبادلته القبلة . ليسترجع عقلها ما حصل منذ شهرين والألم الذي تسبب لها به. فدفعت صدره براحتها لكنه احكم شدّها الى صدره بقوة، ” ابعد ، عني انا.. انا.. ” كان جسدها ينتفض ودموعها تنهمر بغزارة و حتى ان لونها قد شابه الليمون في اصفراره، شعُر حسام بحتمية الابتعاد ، فابتعد مُكرها.
” انا .. انا ماسمحلكشي تلمسني ، انت فاهم “
” مالمستكيش”
” هو انت واعي والا ايه ؟”
” انت اللي لبساه دا عبارة عن دعوه وانا ماقدرش ارفض دعوة زي دي “
“اخرس، انا كنت فاكراك نايم ، وانت استغليتني وعايز تاخد اللي مارضاش اديهولك”
” بس انت رضيت ، انت استجبت و.. ” قطع كلامه وضعها ليديها على اذنيها تصدّ صوته. وهي تتمتم
” انا ماغلطتش، انا ماغلطتش ، انا ماليش ذنب ، انا ماغلطتش، ” استمرت تعيد هذه الكلمات ، حتى ادرك حسام أنها على وشك الدخول في هستيريا وعليه التصرف.
” رشا ” صاح مزمجرا و نزع يديها وأحكم قبضته عليهما وأجبرها على النظر في عينيه.
” انت ماغلطيش، انت مالكيش ذنب “
أعادت كلماته في شرود
” انا ماغلطتش، انا ماليش ذنب “
“بصيلي في عينيا ، انت ماغلطتيش”
ركزت بصرها عليه ، وقد خارت قواها ” انا تعبت. “
اخذها من يدها ووضعها على الفراش و دثرها جيدا و. تمتم أكثر لنفسه ” انا اللي غلطت ، انا اللي اتحمل الذنب. “
كانت الصدمة العصبية اكبر من ان يتحملها جسدها المنهك ، فأغمضت عينيها ونامت. أما هو فقد تسمر هناك ينظر لها ، ولأول مرة يدرك أنه قد اقترف خطأ جسيما ، عندما ظن أنه يأخذ ما كان حقه، لم يفهم يومها كلمة ” لا” أما الان فكلمة ” لا ” تعذبه و تطعنه بدل المرّة ألف .
توجه نحو الاريكة ، وضع رأسه بين يديه واسترجع احداث البارحة وكيف كانت حالته ، ثم ابتسم عندما تذكر ان أخته هي من اهتمت به و نام محتضنها، لكن ابتسامته سرعان ما بهُتت عندما أيقن أن رشا هي من طبّبتْه واعتنت به طوال الليل ، حتى انها ورغم نفورها وخوفها سمحت له ان يحتضنها . أعاد النظر اليها
” ظلمتها، انا ماكنتش عارف ان بعد اللي عملتو فيها حتهتم بيا و تساعدني ، دي مانمتش عاشاني وبتتعامل مع بابا كأنو ابوها ، دي رشا اللي كنت بخاف عليها من النسمة ، “
ارجع رأسه للخلف ، قائلا ، “أنا غلطت ، والغلطان لازم يعترف ويصلح غلطو “

