رواية اكرهك الفصل السابع عشر 17 بقلم ميريام عريفه – تحميل الرواية pdf

رواية اكرهك الفصل السابع عشر 17 بقلم ميريام عريفه
الحلقة 17
دخل غرفته يجرّ أذيال الخيبة ، تأكد أن رشا لم تنسى فعلته الشنيعة والأخطر أنها لن تغفر له. وجدها تغط في النوم تتحرك كثيرا كعادتها وكأنها تعيش كابوسا ، ابتلع ريقه بصعوبة ومرر يده على شعره بقوة حتى كاد يقتلعه. ارتمى على الأريكة متعبا وأغلق عينيه على هذا اليوم أن ينتهي . عليه أن ينتهي فيُنهي معه جرحا نازفا يأبى الشفاء .
——————————————-
مرّ أسبوعان على مغادرة نبيل المنزل وأسبوع على المواجهة المؤلمة بين رشا و حسام .
لم يُغير حسام من تعامله مع رشا فقد ظلّ السند لها. يساعدها دون أن تسأل و يحاول تخفيف وطأة المواجهة عليها ، حتى انه أخذها إلى الجامعة و حرص على متابعتها لدراستها وكأنه يصلّح خطأه خطوة تلو أخرى . كلّف سائقا ليكون تحت أمرها ، لكنه حرص على أخذها كل صباح حتى أنها سألته يوما
” لازمتو ايه السواق لما انت بتاخدني في سكتك و أوقات كتير بنروّح البيت مع بعض “
ابتسم لها مطولا ” انا عايز كدا. انا بفرح لما بنروح مع بعض. بأرتاح لما أعرف انك وصلت جامعتك بخير وسلامة . مش ممكن أشتغل وأنا قلبي مش مطمن “
التفتت له وابتسمت تم قالت ” حسام. انت انسان رائع . “
هل حقا قالت ” رائع” ؟ هل سمع جيدا ، لا لا اكيد خُيّل له ذلك . نظرة الدهشة فضحته لذلك أكملت رشا ” انت بتحاول تصلّح اللي فات وأنا متشكره لده. “
وقفت السيارة وترجلت منها رشا ولوّحت له بيدها وهي مبتسمة. ابتسامة صادقة لمست روح حسام وطببتها . ثم توجهت الى باب الجامعة والتفت مجددا تودعه .
أما هو فتابعها كعادته حتى تدخل وحين التفتت تودعه لوّح لها بيده و قال وهو يوقن أنها لن تسمعه . ” بحبك .. بحبك وبموت فيك .. “
دخلت جامعتها فانطلق هو يسابق الريح من فرحته . أحس بارتياح، فهاهو جهده في مساعدة رشا قد أثمر وقد شكرته فعلا. شعور لايوصف ، لوّنت الفرحة وجهه وانشرح مُحيّاه. لقد أكمل مهمّته ، وقد شكرته رشا .
رفع رأسه وقال ” الحمد للله ” وأعادها مجددا ومجددا. عندما ركّز ثانية على الطريق وجد فراشة زرقاء قد وقفت على زجاجة السيارة .
” ريما الفراشة ؟ جيتِ تزوريني ؟!”
أوقف سيارته على الرصيف ، ولكن الفراشة لم تتحرك. وبقي ينظر لها ، وكأنها أحسّت أنها استحوذت على انتباهه، طارت مبتعدة وعندما تبعها بعينيه صدم مما رأى.
طفل صغير ترك يد والدته التي انشغلت تحمل أكياس المشتريات . وتقدم رويدا رويدا نحو الطريق. لم يدري من أين أتته السرعة لفتح باب السيارة التى اندفع منها راكضا نحو الطفل الصغير .
لم يكن الطفل يعي بخطورة الموقف بل ظل يتقدم حتى وقف من هول الصدمة و على بعد أمتار من سيارة مسرعة .
لم يُسمع سوى صوت الأم وهي تصرخ ” مراااد ، ابني “
——————————————-
كان نبيل في مكتبه يتابع عمله . قد أعتاد المتعاملون معه على دقّة وسرعة عمله. وماذا يفعل غير العمل ؟ أخذ ملفّ المناقصة الجديدة . عليه أن يكسبها مهما كان الثمن . لم يعتد الدخول في مناقصة ولم يربحها. كان كلما وقف الموظفون لتهنئته ، يكتفي برسم ابتسامة بليدة على ثغره و يحرّك رأسه و يتمتم بالشكر . في حين يقفز بعض الموظفين فرحا لزيادة الربح وتوسّع الأعمال .
فوزه و اصراره على القضاء على اي منافسة جعله يحصد عددا لا يُحصى من الأعداء . وأهمهم جميل الوافي ، هو خصمه في هذه المناقصة وعليه أن يسحقه سحقًا.
دائما ما تصله اشاعات بتهديدات جميل الوافي ولا يعبّرها ، فجميل الوافي ينسى عنصرا هاما في المعادله ، نبيل لا يحسّ ولا يخاف لذلك لا يهتم ولا يتراجع تحت أي تهديد. فليفعل ما يريد .
وضع الأوراق في درجه الخاص وأغلقه . حينها اندفع الباب بقوة ليدخل عليه مراد بيه صارخا
” الحقني يا نبيل ، اخوك بيموت !”
ترك مابيده وتوجه نحو والده بطريقة عادية . وبصوت جاف قال ” خير ؟ جرا ايه ؟ “
لم يعقب مراد بيه على تصرف و قول نبيل ، فهو أدرى بإبنه ” عمل حادثه ، كلموني من المستشفى دلوقت “
” خلينا نروحلو ، أنا نازل وراك بالعربيه”
توجها الاثنان الى المستشفى ، لسان مراد بيه لم يكف عن ترديد الدعاء ولم تكف دموعه عن النزول ، وقد تذكر زوجته وابنته . لم يّرد أن يخسر ابنه أيضا.
أما نبيل فقد كان يقود سيارته بصورة عادية ، يلحق بسيارة والده ولاشيء يُقلقه.
وصلا الى المستشفى وتوجها الى غرفة الانعاش . هناك حيث يرقد نبيل مستسلما لأيدي الأطباء .
بعد الاستفسار عن الحادثة . جلس نبيل على كرسي وكأن الامر لا يعنيه، وكأن من يُواجه الموت ويُقاتل من أجل الحياة ليس أخاه ولا يتشاركان شيئا . أما مراد بيه فقد رفض الجلوس وبقي واقفا رغم سنه ينتظر خبرا مفرحا أو بصيص أمل يَرُدّ له روحه ، لن يَخسر ابنه ، لا لن يخسره ليس بعد أن عاد اليه . بقي يدعو الله سرا وجهرا ، يطلالمغفرة والعفو علّهما يشفعان لإبنه.
بعد ساعات من الانتظار ، خرج الاطباء مرهقين من العملية . توجه مراد بيه اليهم وعينيه دامعتان تنظران بترجي ، علّهم يشفقون على حاله و يخبروه أن ابنه ، حبيبه قد تجاوز مرحلة الخطر وهو الأن بخير معافى . لكن الطبيب قاطعه قائلا
” نحنا عملنا اللي علينا وزيادة كمان ، العملية كلنت صعبة و معقدة ، ابن حضرتك بيعاني من ارتجاج عنيف و نزيف داخلى . “
” يعني ابني حيعيش ؟ طمني وحياة ربنا “
” زي ما قلت لحضرتك ، حالتو سيئة وعمّال تسوء ، ربنا قادر على كل شيء قدير ، انت ادعيلو دلوقت”
” هو اتجاوز مرحلة الخطر صح ؟ “
” ال48 ساعة الجايين ، مهمين ، هما هيحددو اذا كان اتجاوز مرحلة الخطر أو لا. “
” طب نقدر نشوفو “
” للأسف هو دلوقت نايم بمفعول الدوا وأساسا هيفضل تحت المراقبة ، لما يفوق هخلي الممرضة تندهلك “
” ربنا يكرمك يا ابني “
استأذن الطبيب وغادر.سمع نبيل ما قاله. توجه مراد بيه نحو الكرسي وارتمى يُريح حملا قد أثقل كاهله . وضع يديه بين رأسه وتمتم حمدا لله على الابتلاء . ثم التفت الى نبيل وقال
” انا نسيت أخبّر رشا ، ممكن تكلّمها ؟”
ردّ عليه ببرود ” مش معايا نمرتها”
أخرج مراد بيه هاتفه ، وضغط على بعض الأرقام ، ندِم لأنه طلب منه الاتصال ، وندم لأنه أخبره بحادثة حسام، هذا جماد يجلس أمامه ، لا تظهر عليه احاسيس . كتلة من اللحم تتكلم وتفكر فقط ، لا تشعر ! تنهّد مطولا ثم أتاه صوت رشا
” ألو ، أيوا بابا مراد ازيّك ؟”
” الحمد للله، رشا انت في الجامعة والا رجعت للبيت ؟”
” خلاص أنا في سكتي للبيت ، دقائق وأكون هناك ، عايز حاجة ؟”
” امم ، ممكن تقولي للسواق يخدك لمستشفى …. ، أصل حسام عمل حادثه “
” ايه ؟ قلت ايه ؟حسام ؟جرا ايه ؟ازاي ؟ وامتى ؟ طب هو كويس؟ حالتو خطيرة ؟”
وانتظرت الأسوأ كردٍ على سُؤالها ، فآخر مرة سمعت كلمة حادثة ومستشفى ، تلتها كلمة موت
” رشا… رشا … سامعاني يا بنتي ؟ “
” ايوا ، قلت ايه ، حالتو عامله ازاي ؟ “
” كويسه ماتخفيش ، لما تيجي هنتكلم ، مستنيك “
” حاضر ، مسافة السكه “
تابع نبيل حديث والده كعادته وكأنه من عالم أخر.
وبعد نصف ساعة أيقظه من بروده ، صوتها وهي راكعة على ساقيها امام مراد بيه تمسك يديه ودموعها تنسكب بغزارة
” هيبقى كويس مش كدا ؟ حسام قوي ، أنا عارفه “
” ربنا يشفيه ، ربنا يشفيه “
صوتها المختنق ودموعها ، تحرّك حاجباه استنكارا . ونبيل لا يستنكر شيئا ، ثم عادت تلك الدقّة الخفيّة . ولكنّه سرعان ما وقف وابتعد عنهما ، وضع يده على صدره وأردف ” ولا حاجة ، ولا .. حاجة ” .
بينما بقي مراد بيه و رشا على أحرّ من الجمر ينتظران خروج حسام .
لن تنكر ما تشعر به ، حزنت كثيرا وتألمت لمصيبته ، تذكرت كيف ودّعها باسما وكيف لوّح بيده كطفل صغير تشعّ من عينيه السعادة . خانتها دمعة وأخرى فاخرى حتى تزينت وجنتاها دمعا. توقفت عن كرهه منذ مدّة لم يعد وحشا لها ، بل كان انسانا قست عليه الدنيا فلم يجد مخرجا الا القسوة.
وقررت لحظتها أن تسامحه ، بل سامحته، ودعت من قلبها أن يّنجيه الشافي ويُرجعه سليما.
وهو هناك يُراقبها ، لا تميّزه عن العمادة التي يقف بجانبها ، في الجمود والبرود واللاحياة شيء .



