Uncategorized

مكتملة – رواية إنه النمر – أفلام سكس مصري محارم جديد


p9257670_p_v10_ab.jpg

الفصل الأول: النمر في الظلال (مكتمل)​

المكان: دبلن، أيرلندا

الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا عندما هبطت الطائرة في مطار دبلن، تحمل في جوفها رجلًا لا يحمل سوى جواز سفر مزيف وذاكرة ثقيلة كحقيبة مليئة بالرصاص. أفيناش سينغ راثور، أو “تايغر” كما يعرفه رجال الظلال في جهاز الاستخبارات الهندي RAW، خرج من المطار مرتديًا معطفًا أسود طويلًا يتساقط منه المطر كدموع متعبة. كانت دبلن تستقبله بأحضان باردة: رياح تعوي كذئاب جائعة، وأضواء المصابيح النيونية تتأرجح في الضباب كفراشات محتضرة. استنشق تايغر الهواء، فاختلطت رائحة التربة الرطبة برائحة الديزل والخث المنبعثة من المدينة القديمة. لم يكن هنا من أجل السياحة. لم يكن هنا من أجل الحياة. كان هنا لأن النمر لا يختار فريسته؛ الفريسة تُختار له.

استقر تايغر في شقة متواضعة فوق صيدلية قديمة في شارع كلارنس، حيث كانت لافتة النيون الخاصة بالصيدلية تومض بكسلة متقطعة، كأنها تحاول إرسال رسالة مشفرة إلى أحد ما. الشقة كانت صغيرة، جدرانها مغطاة بورق جدران أصفر باهت، ملطخ ببقع الزمن وأحلام المستأجرين السابقين. في الزاوية، سرير مفرد يصرخ عندما يجلس عليه، ومكتب خشبي متصدع يحمل آثار حبر كخريطة لأحلام منسية. على المكتب، وضع تايغر جهاز اتصال مشفر بحجم علبة سجائر، خريطة دبلن مطوية بعناية كأنها كنز، ومسدس سيغ سوير P226 لامع كعين قطة في الظلام. جلس على الكرسي المهترئ، أشعل سيجارة واحدة – العادة الوحيدة التي سمح لنفسه بها – وفتح ملف المهمة.

الدكتور أنور كيداوي، فيزيائي هندي في الأربعينيات من عمره، كان هدف المهمة. رجل ذو عينين غائمتين كالسماء قبل العاصفة، وذكاء يجعل من معادلاته سلاحًا أخطر من أي قنبلة. كيداوي، الذي اختفى من رادار RAW قبل عامين، كان يعمل الآن في جامعة ترينيتي كوليدج، يطور صيغًا رياضية تحول الصواريخ إلى مذنبات تتحدى قوانين الفيزياء. الهند تريد هذه المعادلات لتعزيز ترسانتها الدفاعية. باكستان، كما أخبره رئيسه شنوي عبر مكالمة مشفرة، تريدها لأغراض أخرى. “لا تفشل، تايغر,” قال شنوي بصوت كالرمل الجاف، صوت رجل رأى الكثير من الدماء ليؤمن بالكلمات. “لأن الفشل يعني أنك ميت، وأنا لا أحب كتابة تقارير عن الجواسيس الموتى.” تايغر لم يرد. لم يكن بحاجة إلى ذلك. كان نمرًا، وصيد النمور لا يتطلب كلمات، بل مخالب.

أطفأ السيجارة في منفضة زجاجية متصدعة، ونظر من النافذة. الشوارع الرطبة لدبلن كانت تعكس أضواء المدينة كمرآة مكسورة. كان يحسب خطواته كقناص: خمس خطوات إلى الباب، ثلاث إلى السلالم، سبع إلى الشارع. كان يعرف أن المدينة ليست ملعبه؛ كانت ساحة حرب، وكل وجه غريب قد يكون عدوًا. لم ينم تلك الليلة. بدلاً من ذلك، أخرج صورة قديمة من جيبه الداخلي – صورة لأمه في قرية راجستان، تقف أمام بئر جاف، عيناها تحملان وعدًا لم يستطع تحقيقه. “ابقَ حيًا، أفيناش,” كانت تقول دائمًا. لكنه لم يكن متأكدًا إن كان يعيش أم ينجو فقط.

في صباح اليوم الثالث، بدأ تايغر مراقبة منزل كيداوي، وهو منزل ضيق من الطوب الأحمر في شارع بيرس، حيث تنبعث رائحة الكارداموم والورق القديم من النوافذ المغلقة. كان يجلس في مقهى صغير عبر الشارع، يتظاهر بقراءة “آيريش تايمز” بينما عيناه ترصدان كل حركة. المقهى كان دافئًا، يعج برائحة القهوة المحروقة وصوت أحاديث الزبائن المتقطعة: طالب يشكو من امتحاناته، ونادلة تغني أغنية أيرلندية قديمة بصوت منخفض. حمل تايغر قلمًا ودفترًا صغيرًا، يكتب ملاحظات وهمية لدعم غطائه ككاتب: “المدينة تنام تحت المطر، لكنها لا تحلم.” لكنه لم يكن يكتب قصصًا؛ كان يكتب أسماء، أوقات، وجهات. كيداوي لم يظهر. بدلاً من ذلك، ظهرت هي.

زويا نذر جونغ خرجت من محطة الترام على بعد عشرين مترًا، تحمل حقيبة قماشية مليئة بالبقالة: تفاح أحمر، علبة حليب، وكيس دقيق يبدو ثقيلًا أكثر مما ينبغي. كانت ترتدي معطفًا أزرق داكنًا، وشعرها الأسود الطويل يتطاير مع الريح كعلم متمرد. صوتها كان حادًا وواضحًا وهي تتجادل مع موظف الترام: “سيدي، هذه التذكرة للمحطة التالية فقط! هل تظنني أحمق؟” كانت لهجتها مزيجًا غريبًا من الإنجليزية المصقولة والنبرة الباكستانية الناعمة، كأنها تعلمت اللغة من الكتب والأغاني البوليوودية التي كانت أمها تغنيها في طفولتها. تايغر رفع الجريدة قليلاً، يراقبها من فوق حافتها. لاحظ الطريقة التي تمشي بها: خطوات واثقة، لكن كتفيها مشدودتان كأنها تحمل ثقلًا غير مرئي. عيناها، داكنتين كالليل قبل العاصفة، كانتا تلمعان بالتحدي والذكاء. لاحظ الندبة الصغيرة على يدها اليسرى، وهي تمسك بحقيبة البقالة، وتساءل عن قصتها. لم يكن من المفترض أن يهتم. لم يكن من المفترض أن يلاحظ.

تبعها بخطوات صامتة، حذاءه الجلدي ينزلق على الأحجار الرطبة دون إصدار صوت. كان قد تدرب على ذلك لسنوات: أن يكون ظلًا، شبحًا، شيئًا لا يُرى ولا يُسمع. وصلت زويا إلى منزل كيداوي، أدخلت مفتاحًا في الباب، واختفت داخله. انتظر تايغر عشر دقائق، يحسب نبضات قلبه – ثمانية وخمسون نبضة في الدقيقة، هادئة كآلة – ثم تسلل إلى الزقاق الخلفي. كان المطر قد توقف، لكن الهواء لا يزال ثقيلًا برطوبة تخترق العظام. تسلق جدارًا منخفضًا مغطى بالطحالب الزلقة، مستخدمًا أطراف أصابعه للتشبث بالطوب المتآكل. نافذة المطبخ كانت مفتوحة قليلاً، تتسرب منها رائحة الكاري وصوت أغنية قديمة من فيلم هندي يعزفها راديو صغير. نظر تايغر من خلال الفجوة: زويا كانت هناك، تضع البقالة على الطاولة، وتشعل موقد الغاز لتعد شايًا. تحركت بسلاسة، كأنها ترقص، خطواتها دقيقة كراقصة باليه. للحظة، نسي تايغر المهمة. نسي المعادلات. رأى فقط امرأة تحمل عالمًا من القصص في عينيها.

ثم التفتت فجأة، كأنها شعرت بوزنه في الهواء. “أنت مبكر,” قالت، صوتها هادئ لكنه حاد كسكين. كانت تقف، يديها على خصرها، عيناها تتفحصانه كما لو كانت تقرأ صفحة من كتاب مشفر. تايغر، الذي كان قد تسلل عبر الباب الخلفي دون صوت، وقف في إطار الباب، يمسح قطرات المطر عن معطفه. لاحظ الندبة على فكه، التي حاول إخفاءها بلحية خفيفة، وشعر بها كعلامة خيانة. “أنا دائمًا مبكر,” رد بهدوء، صوته عميق كصوت رعد بعيد. اقترب خطوة، لاحظ الطريقة التي أمسكت بها بكوب الشاي، أصابعها مشدودة قليلاً، كأنها تستعد للقتال. “أنت لست كاتبًا,” قالت، وكانت ابتسامتها ماكرة، كأنها تعرف سرًا هو نفسه لا يعرفه بعد. “لا,” اعترف، عيناه لا تفارقان عينيها. “لكنني جيد في التظاهر.”

توقف الزمن للحظة. المطر بدأ يهطل مجددًا، يدق على النوافذ كإيقاع طبل بطيء. تايغر شعر بشيء غريب في صدره، شيء لم يشعر به منذ سنوات: نبضة إضافية، كأن قلبه قرر أن يعيش لحظة خارج السيطرة. لم يكن من المفترض أن يشعر بهذا. الحب، كما علمه عالم الجواسيس، كان نقطة ضعف، ثغرة أمنية، رصاصة تنتظر إطلاقها. لكنه لم يستطع إنكار الجذب الغريب نحوها، كأنها مغناطيس يسحب بوصلته بعيدًا عن الشمال الحقيقي. تراجع خطوة، أعاد تركيزه إلى المهمة. “أنا هنا لرؤية الدكتور كيداوي,” قال، صوته محايد الآن. “للأسف، هو ليس هنا,” ردت زويا، وهي تميل رأسها قليلاً، كأنها تتحداه أن يسأل المزيد. لم يسأل. بدلاً من ذلك، أدار ظهره وخرج إلى المطر، ظله يذوب في الزقاق كحبر في الماء.

لكنه لم يذهب بعيدًا. في تلك الليلة، جلس على سطح شقته، يراقب أنوار دبلن وهي تنطفئ واحدة تلو الأخرى. فكر في زويا، في عينيها اللتين تحملان قصة لم يكتبها بعد. فكر في النمر داخل صدره، يتجول، غير مطمئن. كان يعلم أن هذه المهمة لن تكون مثل غيرها. لم تكن المعادلات هي الخطر الوحيد. الخطر الحقيقي كان يقف في مطبخ صغير، يعد الشاي، وينظر إليه كأنه لغز يستحق الحل.

الفصل الثاني: راقصة تحت المطر​

المكان: دبلن، أيرلندا

اليوم الرابع في دبلن كان كأنه صفحة من رواية لم تُكتب بعد، مليئة بالكلمات غير المكتملة والحبر الذي يتسرب ببطء. كان تايغر يقف في زقاق خلفي، يراقب منزل كيداوي من بعيد، عيناه مثبتتان على النافذة التي تسربت منها رائحة الكاري ليلة أمس. اليوم، كان الهواء أقل رطوبة، لكن السحب لا تزال ثقيلة، معلقة فوق المدينة كستارة رمادية تمنع الشمس من إلقاء نظرة. كان قد قضى اليوم السابق يجمع معلومات عن الدكتور أنور كيداوي: رجل غامض، يعيش حياة منعزلة، يظهر في الجامعة مرة واحدة في الأسبوع، ويترك وراءه أوراقًا مليئة بالمعادلات التي تبدو كأنها خريطة للكون نفسه. لكن تايغر لم يكن يفكر في المعادلات الآن. كان يفكر فيها – زويا، اللغز الذي ظهر دون سابق إنذار، بعينيها اللتين تحملان عاصفة صامتة.

عاد إلى منزل كيداوي في الصباح، هذه المرة بغطاء أكثر جرأة. طرق الباب، ممسكًا بدفتر ملاحظات مزيف وقلم رخيص، متظاهرًا بأنه كاتب يبحث عن قصص محلية لرواية عن المهاجرين في دبلن. الباب فتحته زويا، مرتدية قميصًا أبيض بسيطًا وبنطالًا رماديًا يعانق خصرها بنعومة. شعرها الأسود كان مربوطًا بعشوائية، خصلات متمردة تتساقط على جبهتها كأنها تتحدى النظام. وقفت في إطار الباب، يديها متشابكتان، عيناها تتفحصانه كما لو كان لوحة مليئة بالشقوق. “مرة أخرى؟” قالت، نبرتها مزيج من السخرية والفضول. “يبدو أنك مهتم جدًا بالدكتور كيداوي.”

تايغر ابتسم، ابتسامة صغيرة لم تصل إلى عينيه. “ليس بالدكتور،” قال، صوته هادئ كسطح بحيرة قبل العاصفة. “بالقصص. أنا كاتب، تذكرين؟” تقدم خطوة إلى الداخل، متجاهلاً التوتر الذي يملأ الهواء بينهما. المطبخ كان صغيرًا، مضاءً بضوء خافت من نافذة تطل على فناء خلفي مغطى بالطحالب. على الطاولة، كانت هناك أكواب شاي زجاجية، وبجانبها طبق يحتوي على بقايا سمبوسة محروقة قليلاً. رائحة الكمون والكزبرة تملأ المكان، ممزوجة برائحة الورق القديم المنبعثة من كتب مكدسة في الزاوية. “يبدو أنكِ طباخة جيدة,” قال تايغر، محاولًا تخفيف التوتر. زويا ضحكت، ضحكة قصيرة كأنها نغمة من أغنية لم تكتمل. “أمي كانت الطباخة. أنا فقط أحاول ألا أحرق المنزل.”

جلسا على طاولة المطبخ، وكأن الزمن قرر أن يمنحهما لحظة للتنفس. تحدثت زويا عن نفسها، كلماتها حذرة لكنها صادقة جزئيًا. كانت طالبة رقص في جامعة ترينيتي، تحمل حلمًا ورثته عن أمها المتوفاة: إعادة إحياء أكاديمية رقص صغيرة في لاهور، لكن الديون التي تركتها أمها كانت مثل حجر يسحبها إلى القاع. “الرقص هو الحرية الوحيدة التي أملكها,” قالت، وهي تنظر إلى كوب الشاي بين يديها، كأنها تبحث عن إجابات في أوراق الشاي. تايغر استمع، صامتًا، لاحظ الطريقة التي تتحرك بها يداها، كأن كل إيماءة هي جزء من رقصة لم تبدأ بعد. كان يعرف أن عليه أن يسأل عن كيداوي، عن الأوراق، عن السبب الذي يجعلها في هذا المنزل. لكنه لم يفعل. بدلاً من ذلك، قال: “في قريتي في راجستان، كانوا يرقصون تحت النجوم. لم تكن رقصات معقدة، لكنها كانت… صادقة.” توقف، مدركًا أنه قال أكثر مما ينبغي.

“صادقة؟” كررت زويا، عيناها تلتقطان عينيه كصياد يمسك بفريسة. “هل أنت صادق، يا سيد الكاتب؟” كانت نبرتها لعوبة، لكن فيها شيء أعمق، كأنها تحاول قراءة الصفحات التي يخفيها. تايغر شعر بنبضة إضافية في صدره، شيء لم يشعر به منذ سنوات. “أحيانًا,” قال، وابتسم ابتسامة جعلت الندبة على فكه تبدو أقل قسوة. لم تكن هناك إجابات واضحة في ذلك المطبخ، فقط أسئلة معلقة كالضباب الذي يغطي شوارع دبلن.

في اليوم التالي، وجد تايغر نفسه يتبعها مرة أخرى، هذه المرة إلى مسرح جامعي صغير في قلب ترينيتي كوليدج. كانت زويا قد أخبرته عن عرض مسرحي بعنوان “ابني، بينوكيو”، حيث كانت مسؤولة عن كوريغرافيا الراقصين. اشترى تايغر تذكرة مزيفة من أحد الطلاب في الشارع، وتسلل إلى المسرح، مختبئًا خلف الكواليس بين الستائر المخملية الثقيلة التي تفوح منها رائحة الغبار والخشب القديم. المسرح كان صغيرًا، مضاءً بأضواء خافتة تجعل الوجوه تبدو كأنها أقنعة. على المسرح، كان الطلاب يؤدون قصة الدمية الخشبية التي تحلم بأن تصبح إنسانًا. لكن تايغر لم يكن يشاهد العرض. كان يشاهد زويا.

كانت تقف على جانب المسرح، ترتدي سترة سوداء بسيطة، شعرها مربوط بإحكام هذه المرة. كانت توجه الراقصين بحركات يد دقيقة، كأنها قائدة أوركسترا صامتة. عندما بدأت الموسيقى – مزيج من الكمان والطبول البطيئة – تحركت زويا مع الراقصين، خطواتها خفيفة كأنها تطفو فوق الأرض. كانت ترقص كما لو كانت تحكي قصة، قصة عن الحرية، عن الأحلام المكسورة، عن قلب ينبض رغم الثقل. تايغر، المختبئ في الظلال، شعر بشيء يتحرك داخله، شيء لم يكن مدربًا على مواجهته. لم تكن زويا مجرد هدف في ملف مهمة. كانت لغزًا، لوحة، أغنية لم يسمعها من قبل. للحظة، نسي المعادلات، نسي كيداوي، نسي النمر الذي يعيش في صدره.

بعد انتهاء العرض، وجدت زويا تايغر في الممر الخلفي للمسرح، حيث كانت الأضواء الخافتة ترسم ظلالاً طويلة على الجدران. “جئت,” قالت، وفي صوتها مزيج من المفاجأة والرضا. “قلت إنني سأفعل,” رد تايغر، وهو يحاول أن يبدو عاديًا، لكن عينيه خانتاه. كانت تنظر إليه كأنه كتاب مفتوح، رغم أنه قضى حياته يتعلم كيف يبقى مغلقًا. “لم يكن عليك,” قالت، وهي تمشي بجانبه، خطواتهما متزامنة دون قصد. “أردت أن أرى إن كنتِ حقيقية,” قال، وكانت الكلمات أكثر صدقًا مما كان ينوي.

مشيا معًا في شوارع دبلن المضاءة بمصابيح الصوديوم، التي تحول العشب إلى لون العملات القديمة. كان المطر قد توقف، لكن الهواء لا يزال رطبًا، يحمل رائحة الأحجار المبللة ودخان المقاهي. تحدثت زويا عن أمها، عن الأكاديمية التي كانت ملاذها في لاهور، عن الديون التي تجعلها تشعر كأنها سجينة. “كانت أمي ترقص كأنها تملك العالم,” قالت، وهي تنظر إلى السماء الرمادية. “أحيانًا، أحاول أن أرقص مثلها، لكنني أشعر أنني أغرق.” تايغر استمع، صامتًا، لكنه شعر بثقل كلماتها. شاركها قصة صغيرة عن قريته في راجستان، عن النجوم التي تبدو قريبة لدرجة أنك تعتقد أن بإمكانك لمسها. “كنت أجلس على سطح منزلنا، أحصي النجوم، وأتساءل إن كان هناك شيء أكبر من ذلك,” قال، صوته منخفض، كأنه يشارك سرًا لم يكن يعرف أنه يملكه.

توقفا أمام جسر صغير فوق نهر ليفي، حيث كانت المياه تعكس أضواء المدينة كلوحة مائية متلاشية. زويا التفتت إليه، عيناها تلتقطان ضوء المصابيح. “من أنت حقًا؟” سألت، صوتها هادئ لكنه حاد كشفرة. كان السؤال مثل رصاصة، لكنه لم يكن مستعدًا لها. تايغر نظر إليها، شعر بنبضه يتسارع للحظة، ثم عاد إلى هدوئه المعتاد. “أنا مجرد رجل يحب القصص,” قال، وكانت الكذبة ناعمة كالحرير، لكنها تركت طعمًا مرًا في فمه. زويا ابتسمت، ابتسامة لم تكشف عن شكوكها أو إيمانها. “حسنًا، سيد القصص,” قالت، وهي تبتعد خطوة. “لا تنسَ أن القصص الحقيقية دائمًا لها نهاية.”

تركته واقفًا على الجسر، ظله يمتد على الأحجار الرطبة كخط مكتوب بحبر غير مرئي. تايغر أشعل سيجارة أخرى، وهو يراقبها وهي تختفي في الضباب. كان يعلم أنها ليست مجرد طالبة رقص. كان هناك شيء في طريقتها، في عينيها، في الطريقة التي تمسك بها كوب الشاي كأنها تستعد لمعركة. لكنه لم يكن مستعدًا للسؤال الحقيقي: لماذا كان قلبه، النمر الذي لا يهدأ، يهدر بهدوء عندما كانت قريبة؟

الفصل الثالث: القبلة الأولى​

المكان: دبلن، أيرلندا

الأيام في دبلن كانت تمر كأنها أحجار مبللة تنزلق تحت أقدام متعجلة، كل واحدة تحمل وزنًا لا يُرى. كان تايغر، أفيناش سينغ راثور، يعيش في حالة من اليقظة الدائمة، عيناه ترصدان كل زاوية في شوارع المدينة الضيقة، أذناه تلتقطان كل همسة تحمل رائحة الخطر. لكنه لم يكن مستعدًا للخطر الذي يتسلل إلى قلبه، خطر يحمل اسم زويا نذر جونغ. منذ لقائهما الأول في مطبخ كيداوي، ثم مشاهدته لها وهي ترقص كأنها تتحدى الجاذبية في عرض “ابني، بينوكيو”، أصبحت زويا أكثر من مجرد اسم في ملف مهمته. كانت أغنية عالقة في رأسه، نغمة لا يستطيع طردها مهما حاول.

كانت لقاءاتهما المتكررة في دبلن تبدو كأنها صدفة، لكنها لم تكن كذلك تمامًا. في اليوم السادس من وجوده في المدينة، وجد تايغر نفسه يجلس في مقهى صغير يُدعى “القط الأسود”، على بعد شارعين من جامعة ترينيتي كوليدج. المقهى كان ملاذًا دافئًا وسط برد دبلن، جدرانه مغطاة بلوحات زيتية باهتة تصور بحارة أيرلنديين وغابات خضراء. رائحة القهوة المحمصة تمتزج برائحة الكعك المخبوز حديثًا، وصوت راديو قديم يعزف أغنية لفرقة U2 يملأ الهواء. جلس تايغر في زاوية بعيدة، أمامه كوب قهوة أسود لم يمسه، ودفتر ملاحظات مفتوح يتظاهر بأنه يكتب فيه. كانت عيناه مثبتتين على الباب، ينتظر ظهور زويا.

دخلت زويا المقهى بعد عشر دقائق، مرتدية معطفًا أخضر داكنًا يبرز لون عينيها. كان شعرها مبللاً قليلاً من المطر الخفيف الذي بدأ يهطل خارجًا، وخصلة متمردة تلتصق بجبهتها كأنها خط من قصيدة. لاحظت تايغر على الفور، وجلست مقابله دون دعوة، وكأنها تعرف أنه كان ينتظرها. “تكتب قصة جديدة، أيها الكاتب؟” سألت، نبرتها لعوبة لكن عينيها حادتين كشفرتين. تايغر أغلق الدفتر ببطء، وابتسم ابتسامة لا تكشف شيئًا. “ربما. لكنني بحاجة إلى شخصيات مثيرة للاهتمام.” ضحكت زويا، ضحكة خفيفة كأجراس الرياح، لكنها سرعان ما تحولت إلى صمت مدروس. “وأنا؟ هل أنا مثيرة للاهتمام؟” سألت، وهي تميل إلى الأمام، كأنها تحاول قراءة ما وراء عينيه.

بدأ الحديث بينهما كرقصة حذرة، كل منهما يحاول قياس الآخر دون كشف أوراقه. تحدثت زويا عن أحلامها، عن الرقص الذي يجعلها تشعر كأنها طائر حر في سماء لا حدود لها. “عندما أرقص، أنسى الديون، أنسى الخوف، أنسى كل شيء,” قالت، وهي تنظر إلى كوب الشاي أمامها، أصابعها تتبع حافة الكوب بحركة دائرية بطيئة. تايغر استمع، صامتًا، لكنه شعر بشيء يتحرك داخله، كأن كلماتها كانت مفاتيح تفتح أبوابًا أغلقها منذ زمن. شاركها قصة صغيرة عن طفولته في راجستان، عن ليالي قضاها يراقب النجوم مع أمه، التي كانت تحكي له قصصًا عن أبطال يقاتلون التنانين. “كنت أؤمن بهذه القصص,” قال، صوته منخفض، كأنه يعترف بخطيئة. “لكن التنانين الحقيقية لا تُهزم بسهولة.” نظرت إليه زويا، عيناها تلتقطان ضوء المصباح فوق الطاولة، ولم تسأل عن معنى كلماته. لكنها علمت أن هناك ظلالاً في قصته لم يكشف عنها.

غادرا المقهى معًا، يمشيان تحت سماء دبلن الرمادية، حيث كان المطر الخفيف يترك قطرات صغيرة على معطفه الأسود وشعرها الأسود. كانا يتحدثان عن أشياء بسيطة – عن الموسيقى الأيرلندية، عن الشوارع المرصوفة بالحجارة، عن رائحة البحر التي تصل أحيانًا إلى المدينة. لكن تحت السطح، كان هناك تيار من التوتر، كأن كلاهما يعرف أن هذه اللحظات مسروقة من عالم لا يسمح بها. توقفا أمام متجر صغير لبيع الكتب، حيث كانت الواجهة الزجاجية تعكس وجهيهما كلوحة مزدوجة. “لماذا أشعر أنني أعرفك من قبل؟” سألت زويا فجأة، صوتها هادئ لكنه مليء بالتساؤل. تايغر لم يجب على الفور. بدلاً من ذلك، نظر إلى انعكاسهما في الزجاج، ورأى رجلاً لم يعد متأكدًا من هويته. “ربما لأننا كلانا نبحث عن شيء لا نستطيع تسميته,” قال أخيرًا، وكانت الكلمات أقرب إلى الحقيقة مما كان ينوي.

في تلك الليلة، كان المطر قد تحول إلى زخات ثقيلة، يدق على شوارع دبلن كإيقاع طبل حربي. كانا يقفان أمام الجاليري الوطني، تحت مظلة مقهى مغلق، حيث كانت لافتة النيون الخاصة بالمقهى تومض بشكل متقطع، ترسم ظلالاً متقلبة على وجهيهما. زويا، التي كانت تمسك بالمظلة، اقتربت منه قليلاً، حتى أصبحت رائحة عطرها – مزيج من الياسمين والمطر – تملأ الهواء بينهما. “أنت لست مثل الآخرين، أليس كذلك؟” همست، عيناها تبحثان في عينيه كأنها تحاول فك شفرة. تايغر شعر بقلبه ينبض بشكل أسرع، كأن النمر داخله قرر الركض لأول مرة. “ولا أنتِ,” رد، وكان صوته منخفضًا، كأنه يخشى أن يسمعه العالم.

ثم حدثت القبلة. كانت عفوية، كأنها لحظة هربت من قبضة الزمن. اقترب تايغر، يده تمسك بحافة المظلة، وشفتاه تلتقيان بشفتيها في لحظة مشحونة بالعاطفة. كانت القبلة دافئة وسط برودة المطر، طعمها مزيج من الشاي الذي شربته في المقهى وقطرات الماء التي تساقطت على وجهها. للحظة، توقف العالم: لا معادلات، لا جواسيس، لا مهمات. فقط هو وهي، ظلان متشابكان تحت مظلة تتسرب منها قطرات المطر. لكن اللحظة انكسرت كزجاج هش بصوت طلقة نارية من زقاق قريب.

تحرك تايغر غريزيًا، كما لو كان جسده مدربًا على الخطر قبل أن يفكر عقله. دفع زويا خلف صندوق قمامة معدني، جسده يغطيها كدرع. سحب مسدسه من تحت معطفه، عيناه تفحصان الزقاق المظلم. الطلقة كانت تحذيرًا، لكن المهاجم اختفى في الضباب قبل أن يتمكن تايغر من رؤيته. صوت صفارات الشرطة بدأ يقترب، لكنه كان بعيدًا بما يكفي ليعطيه لحظة للتنفس. نظر إلى زويا، التي كانت تتنفس بسرعة، عيناها واسعتان لكنها لم تبدُ خائفة. “من أنت؟” سألت مرة أخرى، لكن هذه المرة كان السؤال أكثر إلحاحًا. “شخص يحاول إبقاءكِ على قيد الحياة,” رد، وهو يساعدها على الوقوف.

عاد تايغر إلى شقته تلك الليلة، لكنه لم ينم. جلس على سطح الشقة، تحت سماء دبلن التي لا تكشف عن نجومها. المطر كان قد توقف، لكن الهواء لا يزال ثقيلًا برطوبة تخترق العظام. أشعل سيجارة، ودخانها يتصاعد كأرواح تائهة. فكر في زويا، في عينيها اللتين تحملان قصة لم يكتبها بعد، في القبلة التي كانت مثل رصاصة لم يكن مستعدًا لها. فكر في المهمة – الدكتور كيداوي، المعادلات، الخطر الذي يتربص في كل زاوية. لكنه لم يستطع إنكار أن المهمة بدأت تتلاشى أمام شيء أكبر، شيء لم يكن مدربًا على مواجهته: الحب، أو على الأقل، شبحه.

في تلك اللحظة، اتخذ قرارًا. كان عليه مغادرة دبلن. ليس لأن المهمة تطلب ذلك، بل لأنه كان يعلم أن البقاء سيجعله يفقد أكثر من غطائه. لكنه، قبل أن يغادر، كتب رسالة صغيرة على ورقة ممزقة من دفتر ملاحظاته: “سأراكِ مرة أخرى.” وضعها في ظرف، وأودعها في صندوق بريد قريب من منزل كيداوي، متأملًا أن تجدها زويا. ثم عاد إلى شقته، حزم حقيبته، ونظر إلى المدينة للمرة الأخيرة. كان النمر داخله يهدر، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان يهدر من الغضب أم من شيء آخر، شيء لم يجرؤ على تسميته.

الفصل الرابع: السر المزدوج​

المكان: دبلن، أيرلندا

اليوم السابع في دبلن كان كأنه لوحة ناقصة، ألوانها مشوشة بالمطر والشك. تايغر، أفيناش سينغ راثور، كان يقف في شقته المستأجرة فوق الصيدلية، يحزم حقيبته ببطء كأنه يحاول تأخير لحظة الرحيل. الشقة، التي كانت ملجأه المؤقت، بدت الآن كقفص: جدرانها الصفراء الباهتة، السرير الذي يصرخ عندما يجلس عليه، والنافذة التي تطل على شارع كلارنس حيث لافتة النيون تومض كقلب متعب. كان المطر قد توقف، لكن الضباب استقر على المدينة كغطاء من الرصاص، يخفي النجوم ويجعل كل شيء يبدو غامضًا، كأن دبلن نفسها كانت تخفي سرًا. لكن السر الحقيقي لم يكن في المدينة. كان فيها – زويا نذر جونغ.

في الساعات الأخيرة، تلقى تايغر تقريرًا مشفرًا من شنوي، رئيسه في RAW. كانت الرسالة قصيرة لكنها مدمرة كرصاصة: “زويا نذر جونغ، طالبة رقص، مرتبطة بـISI. مهمتها: حماية معادلات كيداوي. لا تثق بها.” كانت الكلمات مثل طعنة في صدره، ليست لأنها كانت مفاجأة – فقد كان يشك منذ البداية – بل لأنها جعلت القبلة التي تبادلاها أمام الجاليري الوطني تبدو ككذبة. زويا، الراقصة التي تحدثت عن أحلامها بإعادة إحياء أكاديمية أمها، التي ضحكت كأن العالم لا يزال يحمل أملًا، كانت جاسوسة. مثلها مثل تايغر، كانت تعيش في عالم من الأقنعة، حيث الحقيقة هي العدو الأول.

لكن الشك لم يكن من طرف واحد. في اليوم نفسه، كانت زويا تجلس في غرفتها الصغيرة في منزل كيداوي، تحدق في شاشة هاتفها المشفر. رسالة من رئيسها في ISI كانت واضحة: “أفيناش سينغ راثور، المعروف بتايغر، عميل RAW. هدفه: سرقة المعادلات. راقبيه عن كثب.” كانت يداها ترتجفان قليلاً وهي تقرأ الرسالة، ليس من الخوف، بل من الغضب. غضب على نفسها لأنها سمحت له بالاقتراب، لأنها شعرت بشيء حقيقي في عينيه عندما تبادلا تلك القبلة تحت المطر. كانت تعلم أن عليها أن تكون حذرة، لكن قلبها، الذي دربته على الصمت، بدأ يهمس بصوت لا تستطيع تجاهله.

قرر تايغر أن يراها مرة أخيرة قبل مغادرته دبلن. لم يكن يعرف لماذا – ربما ليختبرها، ربما ليثبت لنفسه أنها مجرد جزء من المهمة، أو ربما لأنه لم يستطع مقاومة الجذب الذي يشعر به نحوها. اختار مقهى “القط الأسود” مرة أخرى، المكان الذي التقيا فيه من قبل، حيث رائحة القهوة المحمصة والكعك الطازج تملأ الهواء، وصوت الأحاديث المتقطعة يخلق ستارًا مثاليًا للمحادثات السرية. أرسل لها رسالة نصية قصيرة من هاتف مؤقت: “القط الأسود، الخامسة مساءً. لدي قصة أخيرة لكِ.” لم يكن متأكدًا إن كانت ستأتي، لكنه كان يعلم أنها لن تستطيع مقاومة الفضول.

دخلت زويا المقهى في الخامسة والنصف، متأخرة عن قصد، كما لو كانت تريد أن تتحكم في إيقاع اللقاء. كانت ترتدي سترة صوفية رمادية ووشاحًا أحمر يعانق رقبتها كشريط من الدم. شعرها كان مبللاً قليلاً من المطر الخفيف الذي بدأ يهطل مجددًا، وعيناها كانتا حادتين كأنها تستعد لمعركة. جلست مقابله، دون أن تنزع وشاحها، ووضعت يديها على الطاولة كأنها ترسم خطًا غير مرئي بينهما. “قصة أخيرة؟” سألت، نبرتها ساخرة لكن فيها ظل من القلق. “يبدو أنك على وشك المغادرة.” تايغر أمال رأسه قليلاً، يدرسها كما يدرس خريطة معقدة. “ربما,” قال، صوته هادئ لكنه مشحون بالتوتر. “لكن القصص الجيدة لا تنتهي بسهولة.”

بدأ الحوار بينهما كلعبة شطرنج، كل خطوة محسوبة، كل كلمة تحمل معنى مزدوجًا. حاول تايغر استجوابها بشكل غير مباشر، يسأل عن كيداوي، عن أوراقه، عن سبب وجودها في منزله. “الدكتور رجل مشغول، أليس كذلك؟” قال، وهو يحرك ملعقة القهوة في كوبه دون أن يشرب. “يبدو أن لديه أسرارًا كثيرة.” زويا ابتسمت، ابتسامة لم تصل إلى عينيها. “الجميع لديه أسرار,” ردت، وهي تنظر إليه مباشرة. “حتى الكتاب.” كانت كلماتها مثل سيف، حادة لكن مغلفة بالنعومة. حاولت هي الأخرى اختباره، تسأل عن رحلاته، عن القصص التي يكتبها، عن السبب الذي يجعله يظهر ويختفي كشبح. “أنت لا تبدو كرجل يعيش في مكان واحد,” قالت، وهي تميل إلى الأمام، عيناها تبحثان عن صدع في قناعه.

كان التوتر بينهما ملموسًا، كأن الهواء في المقهى أصبح كثيفًا بالكهرباء. كلاهما كان يعرف الحقيقة عن الآخر، لكنهما رفضا الكشف عنها. كانت كلماتهما مشفرة، جمل تحمل معاني مخفية، كأنهما يتحدثان بلغة لا يفهمها إلا الجواسيس. “أحيانًا، القصص التي نحكيها ليست لنا,” قال تايغر، وهو ينظر إلى كوب القهوة أمامه، كأنه يرى انعكاس ماضيه فيه. “وأحيانًا، نحن مجرد شخصيات في قصة شخص آخر.” زويا أومأت ببطء، كأنها تفهم أكثر مما ينبغي. “وماذا لو كانت القصة خطيرة؟” سألت، صوتها منخفض، كأنها تخاف أن يسمعها العالم. “إذًا علينا أن نكون حذرين في كتابتها,” رد، وكانت عيناه مثبتتين عليها، كأنه يحاول حفظ ملامحها قبل أن يفقدها.

غادرا المقهى معًا، لكن هذه المرة لم يكن هناك مشي تحت المطر أو ضحكات خفيفة. كان هناك صمت ثقيل، كأن كلاهما يعرف أن هذا اللقاء هو الأخير في دبلن. وقفا أمام جسر ليفي، حيث كانت المياه تعكس أضواء المدينة كلوحة مكسورة. “لماذا أشعر أنك لن تعود؟” سألت زويا، وكانت عيناها تلمعان بالضوء المنعكس من النهر. تايغر لم يجب على الفور. بدلاً من ذلك، أخرج سيجارة من جيبه، لكنه لم يشعلها. “القصص الحقيقية لا تنتهي هنا,” قال أخيرًا، وكانت كلماته وعدًا وتحذيرًا في الوقت ذاته. زويا ابتسمت، ابتسامة حزينة كأنها تعرف نهاية القصة قبل أن تبدأ. “أتمنى أن تكون على حق,” قالت، ثم أدارت ظهرها واختفت في الضباب.

عاد تايغر إلى شقته، حيث كانت حقيبته جاهزة بالفعل. لكنه، قبل أن يغادر، أخرج هاتفه المؤقت ونظر إلى صورة التقطها خلسة لزويا في المسرح، وهي ترقص تحت الأضواء الخافتة. كانت تبدو كأنها طائر يحاول الطيران في قفص. شعر بثقل في صدره، كأن النمر داخله بدأ يدرك أن الفريسة ليست دائمًا ما تبدو عليه. في الطائرة التي أقلته خارج دبلن، جلس بجانب النافذة، يراقب المدينة وهي تتلاشى تحت السحب. كانت السماء سوداء، لا نجوم، لا أمل. تساءل إن كان الحب عدوًا أم حليفًا. لم يكن لديه إجابة، لكن النمر داخله كان يهدر، كأنه يعرف أن القصة لم تنته بعد.

الفصل الخامس: لقاء في إسطنبول​

المكان: إسطنبول، تركيا

كانت إسطنبول مدينة معلقة بين عالمين، حيث يختلط صوت الأذان برائحة الكباب المشوي وأنفاس البوسفور التي تحمل رذاذ الملح والتاريخ. كانت السماء فوق المدينة مزيجًا من الأزرق العميق والبرتقالي الناري للغروب، كأنها لوحة رسمتها يد إله متردد. تايغر، أفيناش سينغ راثور، وصل إلى المدينة قبل ثلاثة أيام، حاملاً هوية جديدة: وفد باكستاني يُدعى أمير خان، بلحية مزيفة متقنة تُخفي الندبة على فكه، وعينين تحملان ظلال دبلن التي لم يستطع نسيانها. كان في إسطنبول لحضور مؤتمر الأمم المتحدة حول الأمن النووي، وهو غطاء مثالي لتعقب المعادلات السرية التي يطورها الدكتور أنور كيداوي. لكن في أعماقه، كان يعلم أن هناك شيئًا آخر يدفعه: زويا. اسمها كان مثل نغمة عالقة في رأسه، لحن لا يستطيع طرده مهما حاول.

مركز المؤتمرات كان مبنى زجاجيًا حديثًا على ضفاف البوسفور، جدرانه تعكس الماء كمرآة سائلة، وأضواؤه الداخلية تلمع كنجوم محاصرة. كان الهواء داخل المبنى يحمل رائحة شمع الأرضيات المصقولة، ممزوجة برائحة العطور باهظة الثمن التي يرتديها الدبلوماسيون والجواسيس المتنكرون. تايغر، مرتديًا بدلة رمادية أنيقة وشارة مزيفة تحمل اسمه الجديد، تحرك بين الحشود كظل، عيناه تفحصان كل وجه، كل حركة. كان قد تلقى تقريرًا من شنوي قبل يومين: المعادلات ربما انتقلت إلى طرف ثالث، وكيداوي نفسه قد يكون في إسطنبول. لكن كل هذه المعلومات تلاشت عندما رآها.

زويا نذر جونغ دخلت القاعة كأنها عاصفة نارية. كانت ترتدي ساريًا أحمر يتدفق حولها كلهيب، حوافه الذهبية تلتقط ضوء الثريات وتعكسه كشرارات. شعرها الأسود كان مرفوعًا بعناية، لكن خصلة متمردة تتساقط على جبهتها، كأنها ترفض أي قيود. تحركت بين الحضور بثقة راقصة، خطواتها دقيقة كأنها تمشي على حبل مشدود. كانت تحمل شارة تحدد هويتها كممثلة عن منظمة غير حكومية باكستانية، لكن تايغر عرف الحقيقة: كانت هنا كجاسوسة لـISI، بنفس المهمة التي يحملها هو – المعادلات. لكنه لم يكن مستعدًا للطريقة التي جعلته يشعر بها رؤيتها: كأن قلبه، النمر الذي دربه على الصمت، قرر أن يهدر بصوت عالٍ.

التقيا في ممر جانبي للمركز، بعيدًا عن أعين الحاضرين. كان الممر مضاءً بضوء خافت، جدرانه مغطاة بلوحات تصور مناظر بحرية قديمة، ورائحة القهوة التركية تملأ الهواء من غرفة مجاورة. وقف تايغر، ظهره إلى الجدار، يتظاهر بأنه يقرأ برنامج المؤتمر. لكنه شعر بها قبل أن يراها – رائحة عطرها، الياسمين الممزوج بالتوابل، وصوت خطواتها الناعمة على الأرضية الرخامية. توقفت على بعد مترين، يديها متشابكتان أمامها، عيناها تلتقطان عينيه كصياد يعرف فريسته. “أمير خان؟” قالت، نبرتها ساخرة، كأنها تعرف أن الاسم مزيف كقناعه. “لم أكن أتوقع رؤيتك هنا.”

تايغر أمال رأسه قليلاً، يدرسها كما يدرس خريطة معقدة. “ولا أنا أتوقع رؤيتكِ،” رد، صوته هادئ لكنه مشحون بالتوتر. “لكن يبدو أن إسطنبول تجمع القصص المثيرة.” كانت كلماته مزيجًا من التحدي والشوق، كأنه يحاول قياس المسافة بينهما – ليس المسافة الجسدية، بل تلك التي تفصلهما بين الحب والواجب. زويا اقتربت خطوة، الساري الأحمر يتحرك معها كموجة نارية. “القصص المثيرة غالبًا ما تكون خطرة,” قالت، وكانت عيناها تلمعان بالذكاء والحذر. “خاصة عندما يعرف الجميع النهاية.”

كان الحوار بينهما كرقصة على حافة الهاوية، كل كلمة تحمل معنى مزدوجًا، كل نظرة اختبارًا. كلاهما كان يعرف الحقيقة عن الآخر: تايغر، جاسوس RAW المكلف بسرقة المعادلات؛ زويا، جاسوسة ISI المكلفة بحمايتها. لكنهما رفضا الكشف عن أقنعتهما، كأن الحفاظ على الكذبة كان الشيء الوحيد الذي يحميهما من انهيار العالم. حاول تايغر الحفاظ على مسافة عاطفية، يركز على المهمة، على المعادلات، على الخطر الذي يتربص في كل زاوية. لكن عيني زويا، الداكنتين كالبوسفور في الليل، جعلتا ذلك مستحيلاً. كانت تنظر إليه كأنه لغز يستحق الحل، كأنه رجل وليس مجرد جاسوس.

“لماذا أنت هنا؟” سأل تايغر، صوته منخفض، كأنه يخشى أن يسمع الجدران. “نفس السبب الذي أتى بك,” ردت زويا، وكانت ابتسامتها صغيرة لكنها حادة كشفرة. “لكن ربما هناك أسباب أخرى.” كانت كلماتها مثل رمية سهام، دقيقة ومباشرة، لكنها تركت مجالًا للتأويل. تايغر شعر بقلبه ينبض بشكل أسرع، كأن النمر داخله قرر أن يركض نحو شيء لا يستطيع السيطرة عليه. “الأسباب الأخرى غالبًا ما تكون الأخطر,” قال، وكان ينظر إليها مباشرة، كأنه يحاول أن يرى ما وراء قناعها.

دون كلمات أخرى، تحركا معًا نحو شرفة صغيرة تطل على البوسفور. كان الهواء خارج المبنى باردًا، يحمل رائحة الملح والديزل من السفن التي تعبر المضيق. وقفا جنبًا إلى جنب، أيديهما لا تتلامسان، لكن المسافة بينهما كانت مشحونة بالكهرباء. الماء أمامهما كان يعكس أضواء المدينة، كأنه مرآة مكسورة تحكي قصصًا لم تُروَ. “أحيانًا، أتمنى لو كنا شخصين آخرين,” قالت زويا فجأة، صوتها هادئ لكنه مليء بالحنين. كانت تنظر إلى البوسفور، لكن عينيها كانتا بعيدتين، كأنها ترى عالمًا آخر، عالمًا حيث لا توجد وكالات، لا معادلات، لا أقنعة. تايغر لم يجب على الفور. بدلاً من ذلك، نظر إلى الماء، ورأى انعكاسهما معًا، كأنهما لوحة لم تكتمل. “وأحيانًا، أتمنى لو كان العالم مختلفًا,” قال أخيرًا، وكانت كلماته اعترافًا لم يكن مستعدًا لقوله.

للحظة، كانا صامتين، يستمعان إلى صوت الماء وهو يصطدم بالضفاف، إلى صوت الريح التي تحمل همسات المدينة. كانا قريبين بما يكفي ليشعر كل منهما بدفء الآخر، لكن بعيدين بما يكفي ليظلا أعداء. تايغر أراد أن يمد يده، أن يلمس يدها، لكنه توقف. كان يعلم أن اللمسة الواحدة قد تكون كافية لتحطيم كل شيء. زويا، كأنها شعرت بتردده، التفتت إليه، وعيناها تلتقطان ضوء القمر المنعكس على الماء. “إذا كنت ستختفي مرة أخرى، أخبرني الآن,” قالت، وكان صوتها مزيجًا من التحدي والضعف. “لن أختفي,” رد تايغر، وكانت الكذبة ناعمة لكنها ثقيلة على لسانه.

فجأة، انطفأت الأضواء في المركز، وغرقت القاعة في الظلام. صوت همهمة الحاضرين ارتفع، ممزوجًا بأصوات خطوات متعجلة وهمسات متوترة. تايغر أمسك بذراع زويا غريزيًا، يده مشدودة بحزم لكنها لطيفة. “ابقي قريبة,” همس، عيناه تفحصان الظلام كعيني نمر. كان يعلم أن انقطاع الكهرباء ليس صدفة. كان تحذيرًا، أو بداية هجوم. زويا لم تقاوم، لكن يدها تحركت إلى جيبها، كأنها تبحث عن شيء – سلاح، ربما، أو جهاز اتصال. في تلك اللحظة، كانا جاسوسين مرة أخرى، لكن الشوق الذي تبادلاه على الشرفة ظل معلقًا في الهواء، كنجمة لا تستطيع السقوط.

الفصل السادس: الهروب من إسطنبول​

المكان: إسطنبول، تركيا

الظلام الذي غمر مركز المؤتمرات كان كأنه حبر أسود انسكب على لوحة إسطنبول النابضة، حيث تحولت الأضواء اللامعة إلى فوضى من الهمسات والصراخ المكتوم. كان انقطاع الكهرباء في مركز الأمم المتحدة ليس مجرد عطل تقني؛ كان إشارة، تحذيرًا، كأن المدينة نفسها تعلن بدء معركة. تايغر، أفيناش سينغ راثور، شعر بالخطر قبل أن يسمعه، كما يشعر النمر برائحة الصياد في الريح. يده، التي كانت لا تزال تمسك بذراع زويا، شدّت قبضتها غريزيًا، وعيناه، المدربتان على رؤية الظلال في الظلام، فحصتا الممر الذي كانا يقفان فيه. صوت خطوات ثقيلة، أنفاس متسارعة، ونقرة معدنية خافتة – صوت سلاح يُجهز – كانت كافية لتؤكد شكوكه. “اركضي!” همس بحدة، ودفع زويا نحو مخرج طوارئ، جسده يتحرك كدرع بينها وبين الخطر الغامض.

خرجا إلى شوارع إسطنبول المزدحمة، حيث كانت المدينة تنبض بحياة لا تهدأ حتى في الظلام. رائحة الكباب المشوي والقهوة التركية تملأ الهواء، ممزوجة برائحة الديزل من السيارات التي تمر بسرعة. الأضواء النيونية للمحلات كانت ترقص على الأرصفة المبللة، تعكس ألوانها كأنها لوحة سريالية. تايغر وزويا ركضا عبر حشد من السياح والمتسوقين، أجسادهما تنزلق بين الناس كما تنزلق الأسماك في تيار. صوت طلقة نارية أخرى مزق الهواء خلفهما، تلتها صرخة مختنقة من أحد المارة. “لا تلتفتي!” صرخ تايغر، وهو يسحب زويا إلى زقاق ضيق، حيث كانت الجدران مغطاة بملصقات ممزقة وروائح التوابل القديمة. كان قلبه ينبض بسرعة، ليس من الركض، بل من الوعي بأن زويا، الراقصة التي أصبحت لغزًا في حياته، كانت الآن شريكته في هذا الهروب.

تسلقا سلمًا معدنيًا صدئًا يؤدي إلى أحد الأسطح، أحذيتهما تصدر صوتًا معدنيًا خافتًا يتردد في الزقاق. السطح كان فوضويًا، مليئًا بالأطباق الفضائية القديمة وأسلاك الكهرباء المتشابكة كعش عنكبوت. من هنا، كانت إسطنبول تبدو كبحر من الأضواء، مع مآذن المساجد تخترق السماء كرماح. لكن لم يكن هناك وقت للتأمل. تايغر أمسك بيد زويا، وقفزا معًا إلى سطح مجاور، أجسادهما تتحرك بانسجام غريب، كأنهما يرقصان رقصة لم يتدربا عليها من قبل. “من هم؟” سألت زويا، صوتها متقطع من الركض، لكن عينيها كانتا حادتين، كأنها مستعدة للقتال. “لا يهم,” رد تايغر، وهو يفحص الزقاق أسفلهما. “هم يريدوننا، وهذا كافٍ.”

بعد مطاردة محمومة عبر الأسطح والأزقة، وصلا إلى منزل آمن فوق محل كباب صغير في حي أكسراي. كان المنزل غرفة صغيرة بجدران متصدعة، تفوح منها رائحة الدهان القديم والدخان. سرير مفرد في الزاوية، طاولة خشبية عليها شمعة محترقة نصفها، ونافذة تطل على شارع مزدحم حيث كانت أصوات الباعة الجائلين تختلط بصوت القطط التي تتجول في الظلام. تايغر أغلق الباب خلفهما، وفحص الغرفة بسرعة، يده لا تزال تمسك بمسدسه. زويا، التي كانت تتنفس بصعوبة، انهارت على كرسي، يديها ترتجفان قليلاً. لم تكن ترتجف من الخوف، بل من شيء أعمق، شيء كان يمزقها من الداخل.

“لا أستطيع الاستمرار هكذا,” قالت فجأة، صوتها متكسر كزجاج محطم. رفعت عينيها إلى تايغر، وعيناها تلمعان بالدموع التي رفضت السقوط. “أنا جاسوسة، أفيناش. أنا ISI. لكن كلما أراك، أشعر أنني أخون شيئًا أكبر من واجبي.” كانت الكلمات مثل اعتراف في محكمة، كل كلمة تقطع شيئًا داخله. تايغر وقف صامتًا، ينظر إليها كأنه يراها لأول مرة. كان يعرف أنها جاسوسة، لكنه لم يكن مستعدًا لصدقها، للطريقة التي جعلت بها الحقيقة تبدو كسلاح. جلس بجانبها، المسدس لا يزال في يده، لكنه أبعد نظره عنها، كأنه يخشى أن يرى انعكاسه في عينيها.

“أنا أيضًا متعب,” قال أخيرًا، صوته منخفض، كأنه يعترف بخطيئة. “أحيانًا، أريد أن أكون مجرد رجل. لا مهمات، لا أقنعة، لا دماء على يدي.” توقف، يده تمر على الندبة على فكه، كأنها تذكير بكل المعارك التي خاضها. “لكنني لا أعرف كيف.” كانت كلماته مثل جسر، يمتد بينهما عبر الهاوية التي تفصلهما. زويا مدّت يدها، أصابعها تلمس يده بحذر، كأنها تخاف أن تحرقها. “ربما يمكننا أن نتعلم,” قالت، وكان صوتها ناعمًا كالريح التي تهب عبر البوسفور.

للحظة، كانا قريبين، أقرب مما كانا عليه من قبل. تايغر أمال رأسه، جبهته تلمس جبهتها، أنفاسهما تختلطان في الهواء الثقيل برائحة الشمعة المحترقة. كانت لحظة حميمة، كأن العالم توقف ليمنحهما فرصة ليكونا بشرًا، لا جواسيس. لكن اللحظة انكسرت بصوت طرق عنيف على الباب. تايغر قفز على قدميه، مسدسه جاهز، بينما تراجعت زويا، يدها تتحرك بسرعة إلى خصرها حيث كانت تخفي سكينًا صغيرة. “ISI,” همست، عيناها تلمعان بالغضب والخوف. “وجدونا.”

الباب انفجر مفتوحًا، ودخل ثلاثة رجال، وجوههم مغطاة بأقنعة سوداء، أسلحتهم موجهة نحوهما. تايغر تحرك كالبرق، قبضته تصطدم بوجه الرجل الأول، مسدسه يطلق رصاصة دقيقة تصيب الثاني في كتفه. لكن ما أثار إعجابه حقًا كان زويا. تحركت بسرعة ودقة راقصة، ركلاتها مرنة كأنها تمارس كوريغرافيا، سكينها تلمع في ضوء الشمعة وهي تصيب الرجل الثالث في ذراعه. كانا يقاتلان كفريق، أجسادهما تتحركان بانسجام غريب، كأنهما يعرفان خطوات الآخر قبل أن تبدأ. عندما سقط الرجل الأخير، كان المحل يعج برائحة البارود، والشارع أسفلهما بدأ يمتلئ بأصوات الصراخ والفوضى.

“علينا الذهاب الآن!” صرخ تايغر، وهو يسحب زويا من يدها. ركضا عبر الشارع، تسللا بين السيارات المتوقفة حتى وصلا إلى سيارة قديمة مهجورة، مفاتيحها لا تزال في القفل. كانتا سيارة فيات زرقاء متآكلة، رائحتها الداخلية مزيج من الجلد القديم والسجائر. تايغر أدار المحرك، والسيارة انطلقت بصوت يشبه السعال. زويا جلست بجانبه، يدها لا تزال تمسك بالسكين، عيناها تفحصان الطريق خلفهما. “إلى أين؟” سألت، صوتها ثابت رغم الفوضى. “مكان لا يعرفونه,” رد تايغر، وهو يضغط على دواسة البنزين، السيارة تندفع عبر شوارع إسطنبول كسهم في الظلام.

كانا يهربان، ليس فقط من رجال ISI، بل من أنفسهما، من الأقنعة التي ارتدياها لسنوات. لكن في تلك اللحظة، وهما يركضان معًا، يقاتلان معًا، كانا أقرب إلى الحرية مما كانا عليه من قبل. إسطنبول، بأضوائها وأزقتها، تلاشت خلفهما، لكن الطريق أمامهما كان مجهولًا، كأنه صفحة بيضاء تنتظر أن تُكتب.

الفصل السابع: ملاذ في أستانا​

المكان: أستانا، كازاخستان

أستانا كانت مدينة تبدو وكأنها ولدت من حلم مستقبلي، حيث تتداخل ناطحات السحاب الزجاجية مع البرد القارس كأنها تنتمي إلى عالم آخر. الأضواء المنعكسة على المباني كانت تشبه نجومًا محطمة، متناثرة على الأرض بدلاً من السماء. الرياح التي تجتاح المدينة كانت تحمل عواءً خافتًا، كأنها تهمس بأسرار السهوب الممتدة حولها. تايغر، أفيناش سينغ راثور، وزويا نذر جونغ، وصلا إلى هذه المدينة بعد هروبهما المحموم من إسطنبول، كأنهما طيران هاربان من عاصفة. كانا يحملان جروحًا غير مرئية: جروح الخيانة، الشك، والحب الذي لا يزال ينمو رغم كل المحاولات لقتله. لكن في أستانا، للحظة عابرة، قررا أن يتظاهرا بأنهما مجرد رجل وامرأة، وليسا جاسوسين مطلوبين من وكالتيهما.

استأجرا شقة صغيرة في مبنى رمادي في حي هادئ بعيد عن صخب وسط المدينة. كانت الشقة متواضعة، جدرانها بيضاء بلا زينة، باستثناء بقعة رطوبة في الزاوية تشبه خريطة بلد لم يولد بعد. الأثاث كان قليلاً: سرير مفرد ببطانية صوفية خشنة، طاولة خشبية متذبذبة، وموقد غاز قديم يصدر أصواتًا كأنفاس رجل عجوز. النافذة الوحيدة كانت تطل على شارع مغطى بالثلج الخفيف، حيث كانت الأضواء المنعكسة من المباني المجاورة ترسم أنماطًا متغيرة على الزجاج. تايغر أغلق الستائر بحركة حذرة، كأنه يحاول إغلاق العالم الخارجي، لكن البرد تسلل إلى الغرفة مثل ضيف غير مدعو.

كانا يعلمان أن وقتهما في أستانا محدود، كأن الزمن نفسه كان يطاردهما. جلسا على الأرض، على بساط صغير باهت، يحاولان التخطيط لخطوتهما التالية. كانا قد تلقيا معلومات جديدة من مصادر مشبوهة: المعادلات التي يطاردها كل من RAW وISI لم تعد بحوزة كيداوي. كانت قد أُرسلت إلى طرف ثالث غامض، ربما منظمة دولية، أو ربما تاجر أسلحة يعمل في الظل. هذه المعلومة جعلت المهمة أكثر تعقيدًا، لكنها أيضًا منحتهما لحظة للتنفس، كأن العالم قرر أن يمنحهما استراحة قصيرة.

في تلك اللحظات الهادئة، حاولا أن يجدا ملاذًا في الأشياء البسيطة. تايغر أخرج مجموعة أوراق لعب قديمة من حقيبته، أوراق متآكلة الحواف، كأنها تحمل قصصًا من حياته السابقة. “هل لعبتِ الرامي من قبل؟” سأل، وهو يوزع الأوراق على الطاولة. زويا، التي كانت جالسة متقاطعة الساقين، ابتسمت ابتسامة خفيفة، كأنها تتذكر شيئًا من طفولتها. “أمي كانت تلعبها مع الجيران في لاهور,” قالت، وهي تمسك بالأوراق بحذر، كأنها تخاف أن تكشف عن شيء أكثر من مجرد لعبة. علّمها تايغر القواعد، صوته هادئ كما لو كان يحكي قصة قبل النوم. كانا يضحكان عندما أخطأت زويا في ترتيب الأوراق، وكان ضحكهما نادرًا، كأنه كنز مسروق من عالم آخر.

في المقابل، أصرت زويا على تعليمه خطوات رقص بسيطة. أشعلت جهاز راديو قديم وجدته في الشقة، وبحثت عن محطة تبث موسيقى كلاسيكية هادئة، مزيج من الكمان والبيانو يبدو كأنه ينتمي إلى عصر آخر. وقفت في وسط الغرفة، يدها ممدودة نحوه. “لا يمكنك أن تكون في أستانا دون أن ترقص,” قالت، وعيناها تلمعان بشيء يشبه المرح، لكن فيه ظل من الحزن. تايغر، الذي كان معتادًا على الحركة فقط في القتال أو المطاردة، تردد للحظة. لكن عندما أمسك يدها، شعر بدفء أصابعها، كأنها الشيء الوحيد الحي في هذه المدينة الباردة. علّمته خطوات بسيطة، حركات دائرية بطيئة، وكانا يتحركان في مساحة الغرفة الصغيرة، أجسادهما قريبة لكنها لا تتلامس تمامًا. “أنت لست سيئًا لجاسوس,” قالت زويا، وضحكت عندما تعثر في خطوة. “وأنتِ لست سيئة لمطاردة,” رد تايغر، وكانت ابتسامته نادرة، كأنها نجمة ظهرت فجأة في سماء أستانا.

في تلك الليلة، جلسا على السرير، يتشاركان قصصًا من طفولتهما، كأنهما يحاولان إعادة كتابة ماضيهما. تحدث تايغر عن قريته في راجستان، عن الليالي التي قضاها يراقب النجوم مع أمه، التي كانت تحكي له عن أبطال يقاتلون من أجل الحرية. “كنت أظن أنني سأكون واحدًا منهم,” قال، صوته منخفض، كأنه يعترف بخيبة أمل لم يشاركها مع أحد من قبل. زويا تحدثت عن لاهور، عن أمها التي كانت ترقص في الفناء تحت ضوء القمر، وعن الديون التي تركتها وراءها كإرث ثقيل. “كنت أريد أن أكون مثلها,” قالت، وهي تنظر إلى الشمعة على الطاولة، اللهب يتراقص في عينيها. “لكنني أصبحت شيئًا آخر.” كانت الحقيقة معلقة بينهما، ثقيلة كالثلج الذي يغطي المدينة: كلاهما مطلوب من وكالتيهما، RAW وISI، وكلاهما يعيش حياة لا تسمح بالأحلام.

في اليوم التالي، بينما كانا يناقشان خطة لتعقب الطرف الثالث الذي استلم المعادلات، لاحظ تايغر شيئًا غريبًا. ضوء صغير، بالكاد مرئي، يومض في زاوية السقف. اقترب بحذر، قلبه ينبض بسرعة كأن النمر داخله استيقظ. كانت كاميرا مراقبة صغيرة، مخفية بمهارة خلف مصباح سقف متصدع. “زويا,” قال، صوته منخفض لكنه حاد كشفرة. نظرت إليه، ثم إلى الكاميرا، وتجمدت. “وجدونا,” همست، وكانت عيناها تلمعان بالغضب أكثر من الخوف. لم يكن هناك وقت للنقاش. حطم تايغر الكاميرا بضربة سريعة، وسحب زويا من يدها. “خذي حقيبتك,” قال، وهو يفحص النافذة. الشارع أسفلهما كان هادئًا، لكن الهدوء كان مخادعًا، كأن المدينة كانت تنتظر لتبتلعهما.

جمّعا أغراضهما بسرعة، قلوبَهما تنبضان بنفس الإيقاع المحموم. تايغر ألقى نظرة أخيرة على الشقة، على الطاولة حيث لعبا الرامي، على الأرض حيث رقصا كأنهما أحرار. كانت تلك اللحظات مثل حلم قصير، والآن كان الواقع يطاردهما مرة أخرى. خرجا من الشقة، نزلا السلالم بسرعة، واندفعا إلى شوارع أستانا الباردة. الثلج كان يتساقط بخفة، يغطي خطواتهما كأنه يحاول إخفاء أثرهما. لكن تايغر وزويا كانا يعلمان أن لا مكان آمن الآن، وأن الهرب هو الخيار الوحيد.

الفصل الثامن: هافانا، ملاذ العشاق​

المكان: هافانا، كوبا

هافانا كانت مدينة تنبض بالحياة كأغنية سالسا، حيث تتداخل ألوان المباني الاستعمارية المتقشرة مع رائحة الروم الحلوة والبحر المالح. كانت الشوارع تعج بالحركة: سيارات شيفروليه قديمة تصدر أصواتًا كأنها تتنفس، بائعو الفاكهة ينادون بصوت عالٍ، وأصوات الموسيقى تتسرب من كل زاوية كأنها دم المدينة. الشمس كانت تحرق الأرصفة، لكن نسيم البحر كان يحمل لمسة من الراحة، كأنه يهمس بوعود بالهروب. تايغر، أفيناش سينغ راثور، وزويا نذر جونغ، وصلا إلى هافانا بعد رحلة مضنية من أستانا، بحثًا عن ملاذ مؤقت من العالم الذي يطاردهما. هنا، في هذه المدينة التي تبدو منفصلة عن الزمن، قررا أن يتظاهرا، ولو للحظات، بأنهما ليسا جاسوسين، بل مجرد زوجين عاديين، عاشقين ضائعين في إيقاع السالسا.

استأجرا غرفة صغيرة فوق متجر لبيع السيجار في حي هافانا القديمة. كانت الغرفة متواضعة، جدرانها مغطاة بطلاء أزرق باهت يتقشر كجلد ثعبان قديم، وسقفها مزين بمروحة خشبية تدور ببطء كأنها تتنهد. السرير كان قديمًا، مرتبته تصدر أصواتًا خافتة، لكن البطانيات القطنية كانت نظيفة، تفوح منها رائحة الصابون والشمس. النافذة المطلة على الشارع كانت مفتوحة دائمًا، تسمح بدخول أصوات المدينة: ضحكات الأطفال، إيقاعات الكونغا، وصوت الأمواج البعيدة. تايغر، الذي اعتاد العيش في الظلال، وجد نفسه مفتونًا بهذه المدينة التي لا تخفي شيئًا. وزويا، التي كانت دائمًا مشدودة كوتر قوس، بدأت تتعلم كيف تضحك دون خوف، كأن هافانا كانت دواءً لروحها.

في أول ليلة لهما، قررا استكشاف المدينة. خرجا إلى المليكون، الجدار البحري الشهير الذي يمتد على طول ساحل هافانا، حيث كان البحر يصطدم بالصخور بإيقاع ثابت، كأنه يحكي قصة لا تنتهي. كان الغروب يرسم السماء بلون المانجو الناضج، وكانا يمشيان جنبًا إلى جنب، أيديهما لا تتلامسان لكن المسافة بينهما كانت مشحونة بشوق صامت. جلسا على الجدار، أرجلهما تتدليان فوق الماء، وتحدثا عن حلم لم يجرؤا على تصديقه: حياة جديدة، بعيدًا عن الجاسوسية، بعيدًا عن الأقنعة. “تخيل لو كنا نعيش هنا,” قالت زويا، وهي تنظر إلى البحر، شعرها الأسود يتطاير مع الريح. “أفتح متجرًا صغيرًا للرقص، وأنت… ماذا ستفعل؟” تايغر ابتسم، ابتسامة نادرة جعلت الندبة على فكه تبدو أقل قسوة. “ربما أصبح صيادًا,” قال، ناظرًا إلى الأفق. “أو ربما أتعلم السالسا.”

في تلك الليلة، أخذته زويا إلى نادٍ صغير في الزاوية، حيث كانت الموسيقى تعزف بإيقاع السالسا الحار، والأضواء الخافتة ترسم ظلالًا متمايلة على الجدران. كان النادي مكتظًا، يعج برائحة الروم والعرق والعطور الرخيصة. زويا، مرتدية فستانًا أحمر بسيطًا يعانق جسدها كجلد ثانٍ، أمسكت بيده وسحبته إلى حلبة الرقص. “لا تفكر، فقط تحرك,” قالت، عيناها تلمعان بالمرح والتحدي. تايغر، الذي كان معتادًا على الحركة في القتال لا الرقص، شعر بالتردد للحظة. لكن عندما وضعت يدها على كتفه، ويد أخرى على خصره، وجد نفسه يتبعها. تحركا معًا، خطواتهما مترددة في البداية، لكن إيقاع السالسا كان معديًا، كأنه يسحبهما إلى عالم آخر. كانت زويا ترقص بسلاسة، جسدها يتحرك كموجة، بينما كان تايغر يحاول مواكبتها، ضحكتهما تمتزج بصوت الموسيقى. للحظة، كانا مجرد زوجين، ليسا جاسوسين، ليسا أعداء، فقط رجل وامرأة يرقصان تحت أضواء هافانا.

اللحظة الحميمة:

في الليلة الثالثة، عادا إلى الغرفة بعد يوم طويل قضياه في استكشاف الأسواق المحلية. كان الهواء في الغرفة دافئًا، مشبعًا برائحة السيجار من المتجر أسفلهم ونسمات البحر التي تتسلل من النافذة. كانا متعبين، لكن التعب كان مختلفًا هذه المرة – ليس تعب المطاردة، بل تعب الحياة التي حاولا عيشها ولو للحظات. جلسا على السرير، أجسادهما قريبة، وكانت الشمس قد غربت تاركة الغرفة مضاءة بضوء خافت من مصباح زيتي على الطاولة. زويا، التي كانت ترتدي قميصًا قطنيًا خفيفًا وبنطالًا قصيرًا، نظرت إليه، عيناها تلمعان بالشوق والخوف. “أفيناش,” قالت، نادرًا ما تستخدم اسمه الحقيقي، “هل يمكننا حقًا أن نكون هكذا؟” كانت كلماتها مثل سؤال لم يكن لديه إجابة له.

تايغر لم يجب بالكلمات. بدلاً من ذلك، مد يده، أصابعه تلمس خدها بحنان لم يكن يعرف أنه يملكه. كانت بشرتها ناعمة، دافئة، كأنها تحمل شمس هافانا بداخلها. اقترب، شفتاه تلتقيان بشفتيها في قبلة بطيئة، عميقة، كأنها تحمل كل الكلمات التي لم يستطع قولها. زويا استجابت، يداها تنزلقان إلى كتفيه، أصابعها تعتصر قميصه كأنها تتشبث بحلم. القبلة تصاعدت، أصبحت أكثر جوعًا، أكثر إلحاحًا. تايغر رفعها بحذر، وضعها على السرير، جسده يغطي جسدها بحركة طبيعية، كأنهما يتحركان في رقصة أخرى. أزال قميصها ببطء، أصابعه تتبعان منحنيات كتفيها، ثم خصرها، كأنه يكتشف خريطة جديدة. كانت بشرتها ناعمة، مضيئة تحت ضوء المصباح، والندبة الصغيرة على يدها اليسرى بدت كعلامة سرية يعرفها هو وحده.

زويا، بدورها, سحبت قميصه، كاشفة عن صدره العضلي المليء بالندوب، كل واحدة تحكي قصة معركة. أصابعها تتبعت هذه الندوب بحنان، كأنها تحاول قراءة ماضيه. “أنت لست مجرد جاسوس,” همست، وكانت عيناها تلمعان بالدموع التي لم تسقط. تحركت يداها إلى حزامه, فكته بحركة بطيئة، وكأنها تخاف من سرعة اللحظة. تايغر ساعدها, وسحب بنطالها, كاشفًا عن ساقيها الطويلتين, الناعمتين, اللتان كانتا ترقصان بسلاسة في نادي السالسا. استلقيا معًا, أجسادهما متشابكة, جلدهما يحترق بالرغبة. تايغر تقلبها بحذر, فأصبحت هي فوقه, شعرها الأسود يتساقط على صدره كستارة من الحرير. تحركت بإيقاع راقصة, بطيئة في البداية, ثم أسرع, أيديهما متشابكتين, أنفاسهما تتسارع كإيقاع طبل. كانا يتحركان معًا, كأنهما يحاولان نسيان العالم, أجسادهما تتحدث بلغة لا تحتاج إلى كلمات. اللحظة كانت خام, عاطفية, كأنها محاولة أخيرة للاحتفاظ بشيء حقيقي في عالم من الأكاذيب.

لكن الواقع، كالعادة, لم يتركهما. في صباح اليوم التالي, بينما كانا يتجولان في سوق محلي مليء بروائح المانجو والتوابل, لاحظ تايغر انعكاسًا غريبًا في زجاج متجر. كاميرا مراقبة, مخفية بعناية خلف لافتة إعلانية. قلبه توقف للحظة, وأمسك بيد زويا, يدها لا تزال دافئة من ليلتهما. “لا تنظري,” همس, وهو يسحبها إلى زقاق جانبي. لكن كان الوقت قد فات. صوت خطوات ثقيلة, وظهور ثلاثة رجال يرتدون ملابس مدنية لكن أسلحتهم مخفية بمهارة تحت معاطفهم, أكد شكوكه. كانوا رجال ISI, وكانوا هنا من أجل زويا.

تحول الزقاق إلى ساحة معركة. تايغر تحرك كالنمر, قبضته تصطدم بوجه الرجل الأول, بينما ركل الثاني في صدره, أرسله إلى الحائط. زويا, التي أثبتت في إسطنبول أنها ليست مجرد راقصة, استخدمت سكينها الصغيرة بحركة دقيقة, تصيب ذراع الرجل الثالث. لكن رصاصة طائشة أصابت كتفها, جرحًا سطحيًا لكنه كافٍ ليجعل الدم يتساقط على فستانها الأحمر. صرخت زويا بصوت خافت, لكنها استمرت في القتال, عيناها تلمعان بالغضب. تايغر, عندما رأى الدم, شعر بشيء ينفجر داخله. كان النمر داخله يهدر, غضبه كالنار التي تحرق كل شيء. أنهى القتال بضربة سريعة, كسر معصم الرجل الأخير, ثم هرع إلى زويا, يده تمسك كتفها المجروح. “أنتِ بخير,” قال, صوته خشن, كأنه يحاول إقناع نفسه أكثر منها.

سحبها إلى سيارة أجرة متوقفة, واندفعا بعيدًا عن السوق, تاركين خلفهما فوضى من الصرخات والباعة المتحيرين. في السيارة, ضمد تايغر جرحها بقطعة قماش مزقها من قميصه, عيناه مليئتان بالقلق والغضب. “لن أتركهم يؤذونكِ مرة أخرى,” قال, وكانت كلماته وعدًا, لكنها أيضًا تحذير من الرجل الذي أصبح أكثر من مجرد جاسوس. زويا, رغم الألم, وضعت يدها على يده, وابتسمت ابتسامة ضعيفة. “أنت لا تستطيع حمايتي دائمًا,” قالت, لكن عينيها قالتا شيئًا آخر: أنها تثق به, رغم كل شيء.

الفصل التاسع: الطلقة الأخيرة​

المكان: هافانا، كوبا

هافانا، في ساعات الفجر الأولى، كانت كأنها لوحة نصف مكتملة، حيث يمتزج الضوء البرتقالي الناعم للشمس المشرقة مع ظلال المباني الاستعمارية المتآكلة. الهواء كان مشبعًا برائحة البحر المالحة ودخان السيجار المنبعث من النوافذ المفتوحة، بينما كانت أصوات المدينة لا تزال نائمة، باستثناء همهمة بعيدة لمحركات السيارات القديمة وبضع صيحات الديكة في الأحياء الريفية. تايغر، أفيناش سينغ راثور، وزويا نذر جونغ، كانا يعيشان على حافة الزمن، كل لحظة في هافانا كانت مسروقة من عالم لا يرحم. بعد المواجهة العنيفة في السوق، كانا يعلمان أن المدينة التي احتضنتهما كعاشقين لم تعد آمنة. لكن الخطر الحقيقي لم يكن في شوارع هافانا، بل في رسالة وصلت إلى تايغر في تلك الليلة.

كانا في غرفتهما فوق متجر السيجار، الغرفة التي شهدت لحظاتهما الحميمة والرقص تحت ضوء المصباح الزيتي. تايغر كان يجلس على حافة السرير، يفحص هاتفه المؤقت، عندما وصلت الرسالة المشفرة من غوبي، زميله في RAW. كانت الرسالة قصيرة لكنها كالرصاصة: “RAW وISI اتفقتا. أنتما خطر على الجميع. سيتم القضاء عليكما. اهربا الآن.” كانت الكلمات مثل سكين تقطع الهواء الدافئ في الغرفة. تايغر أغلق الهاتف، عيناه مثبتتان على الجدار الأزرق المتقشر، كأنه يحاول استيعاب الخيانة. لم يكن مفاجئًا أن تتخلى الوكالات عن عملائها – كان ذلك جزءًا من اللعبة – لكن الشعور بالهجران كان ثقيلًا، كأنه حجر يسحبه إلى قاع البحر.

زويا، التي كانت تجلس على الأرض، تضمد جرح كتفها بضمادة مؤقتة، لاحظت التغيير في وجهه. “ماذا حدث؟” سألت، صوتها هادئ لكنه حاد، كأنها تعرف أن الأخبار ليست جيدة. تايغر نظر إليها، عيناها الداكنتين كالبحر في الليل، وشعر بثقل الحقيقة. “لقد أصبحنا أهدافًا,” قال، صوته خشن كالرمل. “وكالتينا تريداننا أمواتًا.” زويا تجمدت للحظة، يدها تتوقف عن لف الضمادة. ثم ضحكت، ضحكة قصيرة مريرة. “كنت أظن أننا سنحصل على يوم آخر على الأقل,” قالت، وكانت عيناها تلمعان بالغضب والحزن. “ماذا سنفعل؟”

خططا لهروب أخير. كان لدى تايغر جهة اتصال قديمة في هافانا، رجل يُدعى كارلوس، مهرب سابق تحول إلى ميكانيكي طائرات. كان كارلوس يملك طائرة صغيرة، سيسنيا قديمة، مخبأة في مدرج ترابي على مشارف المدينة. كانت الخطة بسيطة: الوصول إلى المدرج قبل الفجر، والطيران إلى مكان لا تعرفه الوكالتان. لكن البساطة في عالم الجواسيس كانت دائمًا وهمًا. جمّعا أغراضهما بسرعة – حقيبة صغيرة تحتوي على جوازات سفر مزيفة، بعض النقود، ومسدس تايغر – وخرجا إلى الشوارع المظلمة، حيث كان الهواء يحمل رائحة الملح والخوف.

المدرج الترابي كان على بعد ساعة من المدينة، في منطقة ريفية تحيط بها حقول قصب السكر. كانت الطائرة، سيسنيا ذات محرك واحد، تقف في الظلام كطائر جريح، أجنحتها متآكلة لكنها لا تزال قادرة على الطيران. كارلوس، رجل قصير ببشرة محروقة من الشمس، استقبلهما بصمت، عيناه تفحصان الظلام كأنه يتوقع الخطر. “الوقود جاهز,” قال، وهو يشير إلى الطائرة. “لكنكما بحاجة إلى التحرك بسرعة.” تايغر أومأ، لكنه شعر بشيء في الهواء – رائحة الخطر، مثل رائحة المعدن قبل العاصفة. أمسك بيد زويا، وسحبها نحو الطائرة، لكن قبل أن يصلا إلى الباب، انفجر الظلام بصوت طلقات نارية.

كانوا أربعة رجال، ظلال سوداء تتحرك بسرعة من بين حقول القصب. كانوا رجال ISI، وربما RAW، أو ربما مزيج من الاثنين – لم يعد الأمر مهمًا. تايغر دفع زويا خلف الطائرة، جسده يغطيها كدرع. أطلق رصاصتين من مسدسه، أصاب أحدهما في الصدر، لكن الرجال كانوا مدربين، يتحركون كالذئاب. زويا، رغم جرحها، أخرجت سكينها الصغيرة، وعيناها تلمعان بالتصميم. “اذهبي إلى الطائرة!” صرخ تايغر، لكنها رفضت، تقاتل بجانبه بحركات راقصة دقيقة، سكينها تلمع في ضوء الفجر.

في لحظة درامية، أدرك تايغر أن الطائرة لن تنتظر. كان هناك الكثير من الرجال، والمزيد قادمون من بعيد – أصوات محركات السيارات كانت تقترب. نظر إلى زويا, عينيها مليئتان بالخوف والعزيمة, واتخذ قرارًا لم يكن مستعدًا له. “اركضي!” صرخ, وهو يدفعها نحو باب الطائرة. لكن عندما أطلق رجل من الظلال رصاصة, تحرك تايغر غريزيًا, جسده يعترض طريق الرصاصة. شعر بألم حارق في كتفه, لكنه تظاهر بأن الإصابة أسوأ, سقط على ركبتيه, يده تمسك صدره كأن الرصاصة اخترقت قلبه. “اذهبي, زويا!” صرخ, صوته متكسر, عيناه مثبتتان عليها. “لا تتركيني!” ردت زويا, دموعها تسقط كالمطر, لكن كارلوس سحبها إلى الطائرة, وهو يصرخ: “لا وقت!”

زويا صعدت إلى الطائرة, يداها ترتجفان وهي تمسك بالمقعد, عيناها مثبتتان على تايغر وهو ملقى على الأرض. كانت تصرخ باسمه, صوتها يختلط بصوت المحرك وهو يدوي. الطائرة بدأت تتحرك, عجلاتها تثير الغبار على المدرج الترابي. تايغر, ملقى على الأرض, رفع رأسه ببطء, عيناه تتبعان الطائرة وهي تقلع, صورة زويا في النافذة محفورة في ذهنه. ابتسم, ابتسامة صغيرة مليئة بالألم والرضا. كان الجرح في كتفه حقيقيًا, لكنه لم يكن مميتًا – لقد تظاهر, لأنه كان يعلم أنها لن تتركه إلا إذا اعتقدت أنه مات. كانت هذه التضحية الوحيدة التي يستطيع تقديمها: أن يعطيها فرصة للحياة, حتى لو كانت تعني أن يفقدها إلى الأبد.

الطائرة اختفت في سماء الفجر, تاركة خلفها خطًا من الغبار والضوء. تايغر ظل ملقى على الأرض, يستمع إلى صوت أنفاسه, إلى صوت الرجال وهم يقتربون. لكنه لم يكن خائفًا. كان النمر داخله هادئًا لأول مرة, كأنه يعرف أن الحب, حتى لو كان لحظة عابرة, كان يستحق كل هذا. أغلق عينيه, وصورة زويا, راقصة تحت المطر, ظلت محفورة خلف جفنيه, كأنها النجمة الوحيدة في سماء حياته.

الفصل العاشر: أسطورة النمر​

المكان: البندقية، إيطاليا؛ كيب تاون، جنوب إفريقيا؛ زيوريخ، سويسرا

سنوات مرت كالريح التي تعبر القارات، تحمل معها أسرارًا لا تُروى إلا في الهمسات. تايغر، أفيناش سينغ راثور، وزويا نذر جونغ، تحوّلا إلى أسطورة في عالم الجاسوسية، كأنهما شبحان يتحركان في الظلال، لا يتركان وراءهما سوى قصص متفرقة وشائعات تتردد في أروقة وكالات الاستخبارات. لم يعد أحد يعرف أسماءهما الحقيقية، لكن الجميع سمع عنهما: رجل بندبة على فكه، عيناه كالنمر في الليل، وامرأة بعيون تحمل عاصفة المانسون، ترقص كأنها تتحدى العالم. كانا يظهران ويختفيان في مدن مختلفة، كأنهما يكتبان قصة حب لا تنتهي، حيث الحب هو السلاح الوحيد الذي لا يحتاج إلى ذخيرة.

البندقية: رقصة على الجسر

في البندقية، حيث تتدفق القنوات كأوردة المدينة، شوهد تايغر وزويا على جسر ريالتو في ليلة ضبابية. كانت الأضواء الخافتة تعكس على الماء كنجوم ساقطة، ورائحة الملح والبندق المحمص تملأ الهواء. تايغر، مرتديًا معطفًا أسود طويلًا يخفي الندبة على فكه، كان يقف بجانب زويا، التي كانت ترتدي فستانًا أخضر داكنًا يعانق جسدها كموجة. كانا يرقصان ببطء على إيقاع كمان بعيد، أيديهما متشابكتين، خطواتهما خفيفة كأنهما يطفوان فوق الحجارة القديمة. السياح كانوا يظنونهما عاشقين عاديين، لكن العيون التي تتبعهما من بعيد عرفت أن هذين الشخصين ليسا عاديين.

في تلك الليلة، عادا إلى غرفة صغيرة استأجراها فوق مقهى مهجور يطل على القناة. كانت الغرفة ضيقة، جدرانها مغطاة بورق جدران زهري باهت، والنافذة مفتوحة تسمح بدخول نسيم البندقية البارد. السرير كان صغيرًا، لكنه كان كافيًا لهما. زويا أغلقت الباب، وابتسمت ابتسامة لعوبة، عيناها تلمعان تحت ضوء المصباح الوحيد. “هل تعتقد أننا سنظل هكذا إلى الأبد؟” سألت، وهي تزيل وشاحها، كاشفة عن كتفيها الناعمين. تايغر اقترب، أصابعه تتبعان خط رقبتها، كأنه يرسم خريطة جديدة. “طالما أنتِ معي، لا يهم الأبد,” رد، صوته خشن لكنه مليء بالدفء.

بدأت القبلة ببطء، شفتاه على شفتيها، طعمها مزيج من النبيذ الذي شرباه في العشاء ورائحة البحر. زويا سحبت قميصه، أصابعها تتحرك بسرعة وهي تكشف عن صدره العضلي، الندوب عليه مثل قصص محفورة على جلده. تايغر رفع فستانها، كاشفًا عن ساقيها الطويلتين، ثم خصرها، حتى أصبحت عارية أمامه، بشرتها تلمع كاللؤلؤ تحت الضوء الخافت. استلقيا على السرير، أجسادهما متشابكة في الوضع التبشيري، تايغر فوقها، يديه تدعمان جسده بينما كانت عيناه مثبتتين على عينيها. تحركا معًا، بإيقاع بطيء في البداية، ثم أسرع، أنفاسهما تتسارع كإيقاع الموسيقى البعيدة. زويا، بشغفها، تقلبته فأصبحت هي الفارسة، شعرها الأسود يتساقط على كتفيها، يديها تضغطان على صدره بينما كانت تتحرك بحرية، جسدها يرقص كما لو كانت على خشبة مسرح. تايغر، مفتونًا بها، مد يده ليمسك ثدييها، أصابعه تتحسسان الحلمات بلطف، مما جعلها تتأوه بهدوء.

تقلبا مرة أخرى إلى الوضع الجانبي، زويا مستلقية على جنبها، تايغر خلفها، يده تمسك خصرها بينما كانا يتحركان في انسجام تام. كانت أنفاسهما تملأ الغرفة، ممزوجة بصوت الماء في القناة أسفلهما. في لحظة شغف، تحول الوضع إلى الكلبي، زويا على يديها وركبتيها، تايغر خلفها، يديه تمسكان وركيها بحزم. كانا يتحركان كأنهما في معركة، لكنها معركة من الحب، كل حركة تعبر عن رغبة لا يمكن كبحها. أنهيا الليلة في الوضع الفارسة المعكوسة، زويا تواجه القناة، ظهرها إليه، بينما كانت يداه تتجولان على ظهرها، أصابعه تتبعان عمودها الفقري. كانت اللحظة خام، عاطفية، كأنها محاولة لإثبات أنهما ما زالا أحياء، أن الحب بينهما أقوى من الأقنعة التي ارتدياها.

كيب تاون: دروس الملاكمة

في كيب تاون، حيث يلتقي المحيط الأطلسي بجبال تيبل المهيبة، شوهد تايغر وزويا في حي فقير، يعلمان مجموعة من الأطفال الملاكمة في ساحة ترابية. كانت الشمس تحرق الأرض، لكن نسيم البحر كان يخفف الحرارة، يحمل معه رائحة الأعشاب البحرية والملح. تايغر، مرتديًا قميصًا قطنيًا مبللًا بالعرق، كان يوجه الأطفال بحركات دقيقة، يعلمهم كيف يحمون أنفسهم. زويا، ببنطال جينز وقميص خفيف، كانت تضحك وهي تساعد **** صغيرة على ربط قفازاتها. كانا يبدوان كزوجين عاديين، لكن العيون التي تتبعهما من بعيد عرفت أن هذين الشخصين هما النمر والراقصة.

في إحدى الليالي، عادا إلى كوخ صغير استأجراه على شاطئ خليج كامبس. كان الكوخ متواضعًا، جدرانه من الخشب المطلي بالأبيض، وسقفه من القش. النافذة المطلة على البحر كانت مفتوحة، تسمح بدخول صوت الأمواج كأغنية مهدئة. بعد عشاء بسيط من السمك المشوي والخبز المحلي، جلسا على الأرض، أجسادهما متعبة لكن مليئة بالحياة. زويا أشعلت شمعة، وكان ضوءها الخافت يلقي ظلالًا على جدران الكوخ. “أنت جيد مع الأطفال,” قالت، وهي تميل نحوه، شعرها الأسود يتساقط على كتفها. تايغر ابتسم، ومد يده ليمسك يدها. “وأنتِ تجعلينهم يؤمنون بالأحلام,” رد، صوته هادئ لكنه مليء بالإعجاب.

بدأت اللحظة الحميمة عندما اقتربت زويا، شفتاها تلتقيان بشفتيه في قبلة عميقة، طعمها مالح من نسيم البحر. أصابعها تسللت إلى قميصه، تزيله ببطء، بينما كانت يداه تتحركان إلى فخذيها، يرفعان تنورتها القصيرة. استلقيا على بساط منسوج، زويا فوقه في الوضع الفارسة، جسدها يتحرك بإيقاع الأمواج أسفلهما. تايغر، مفتونًا بها، مد يده ليمسك ثدييها، أصابعه تتحسسان الحلمات بحركات دائرية، مما جعلها تتأوه بنعومة. تحولا إلى الوضع الكلبي الكسلان، زويا مستلقية على بطنها، تايغر خلفها، حركاتهما بطيئة، كأنهما يحاولان إطالة اللحظة. ثم، في لحظة شغف، جربتا الوضع الشرجي، بحذر وتفاهم، أجسادهما متزامنة في رقصة من الثقة والرغبة. كانت أنفاسهما تملأ الكوخ، ممزوجة بصوت الأمواج، كأن البحر نفسه كان يحتفل بحبهما.

زيوريخ: ورود في الشتاء

في زيوريخ، حيث يغطي الثلج المدينة كبطانية بيضاء، شوهد تايغر وزويا في سوق زهور صغير على ضفاف بحيرة زيوريخ. كان الهواء باردًا، يحمل رائحة الصنوبر والشوكولاتة السويسرية. تايغر، مرتديًا معطفًا ثقيلًا، كان يحمل باقة من الورود الحمراء، يقدمها إلى زويا التي كانت ترتدي معطفًا أسود طويلًا ووشاحًا صوفيًا. كانا يبدوان كزوجين عاديين، لكن الطريقة التي كانا يفحصان الزوايا بعينيهما، كأنهما يبحثان عن كاميرات خفية، كشفت عن طبيعتهما الحقيقية.

في غرفتهما في فندق صغير، كانت النوافذ مغطاة بستائر مخملية، والمدفأة تصدر صوتًا خافتًا يملأ الغرفة بالدفء. بعد يوم طويل، جلسا على الأريكة، زويا تمسك بكأس نبيذ، بينما كان تايغر ينظر إليها كأنها الشيء الوحيد الحقيقي في العالم. “أنت تجعلني أنسى البرد,” قالت، وهي تميل نحوه، شفتاها تلتقطان شفتيه. القبلة تحولت إلى شغف، زويا تقدم له هاندجوب بلطف، أصابعها تتحركان بخبرة، مما جعل تايغر يتأوه بهدوء. رد بالمثل، شفتاه تتحركان إلى رقبتها، ثم ثدييها، يلحس الحلمات بحركات دائرية بطيئة، ثم نزل إلى أسفل, شفتاه تتذوقان شفاه كسها, لسانه يتحرك بحركات ناعمة جعلتها ترتعش. زويا, بدورها, أعطته بلوجوب, شفتاها تحيطان بقضيبه بحركات بطيئة ثم أسرع, حتى أصبحت أنفاسهما متقطعة. استلقيا على السرير, في الوضع التبشيري, تايغر فوقها, يتحركان معًا كأنهما يكتبان قصة لا تنتهي. تحولا إلى الوضع الجانبي, زويا مستلقية على جنبها, تايغر خلفها, أجسادهما متلاصقة كأن البرد لا يمكن أن يفصلهما.

مدينة بلا اسم: النهاية

السرد ينتقل إلى مدينة بلا اسم, ربما وهم, ربما حقيقة. كانا يمشيان يدًا بيد في شارع ضيق, الريح تحمل رائحة الغبار والزهور البرية. تايغر, بندبته التي أصبحت الآن جزءًا من أسطورته, وزويا, بعينيها التي تحملان عاصفة صامتة, كانا يبدوان كشخصيتين من قصة لم تُكتب بعد. لم يعد هناك RAW أو ISI, لم يعد هناك معادلات أو مهمات. كان هناك فقط الحب, سلاح لا يحتاج إلى ذخيرة, قوة جعلتهما يتحديان العالم. تركا أثرهما يُمحى بالريح, كأن قصتهما كانت مجرد همسة في أذن الزمن.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى