رواية الم بدون صوت الفصل الثالث 3 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

البارت التالت
حاولت أهرب من نظرتها وقلت بسرعة:
— أهو اللي حصل يا ماما وخلاص.
قالتلي وهي بتتنفس بغضب مكبوت:
— وعلى كده هتفضلي تستخبي منها لحد إمتى يا فالحه؟
رديت وأنا ع وشك أبكي:
— مش عارفة… بجد مش عارفة.
قالت وهي خلاص فاقدة صبرها:
— نور لو عرفت وقطعت علاقتها بيكي… مش هيبقى عليها غلط.
انفجرت فيها وأنا متعصبة:
— دا ليه بقى؟! دا أنا بحميها! دا جزاتي؟
بصتلي بحدة وقالت:
— إنتي مش بتحميها يا سارة، بالعكس إنتي بتأذيها.
افرضي أبوها اتحبس بعد البلاغ دا؟
تقدري تقوليلي هتعيش إزاي من غير راجل في البيت؟
ضحكت بسخرية وأنا مش قادرة أقتنع:
— ع أساس إنه كان راجل معاها أوي!
رفعت صوتها وقالت بحُرقة:
— كفاية إن الناس تكون عارفة إن ليها أب،
عشان كلاب السكك متنهشهاش لما تلاقيها لوحدها!
ولو اتحبس؟
مين هيرضى يتقدملها وأبوها مسجون؟
ولو خرج؟
مين هيتجوز بنت أبوها رد سجون؟
كلامها كان زي السكين في قلبي…
مكنتش شايفة اللي هي شايفاه، كنت بفكر بقلبي بس،
وقلبي كان بيقولي “أنقذيها”، يمكن تكوني طوق النجاة الوحيد ليها.
محسبتش حاجة، ولا خفت من العواقب، كل اللي كان في بالي إنها ترتاح…
إنها تعيش يوم واحد من غير خوف.
بصيت لماما ودموعي خلاص نازلة، وقلت بصوت مكسور:
— طب أعمل إيه دلوقتي؟
قالت بهدوء الأم اللي خلاص قررت تسيبك تواجه مصيرك:
— تعترفي باللي عملتيه ليها يا سارة.
اتبلعت ريقي وقلت بغُصّة:
— طب افرض قاطعتني؟
قالت وهي تبصلي بثبات:
— ساعتها هيكون عندها حق…
المهم إنك تعترفي بغلطك وتواجهي، وتتحمّلي النتيجة.
اقتنعت بكلامها وقررت اني احكيلها كل حاجه أول م اقابلها
__________
خلصت محاضراتي وروحت الشغل كالعاده، ووسط الزحمة والطلبات اللي مش بتخلص، قررت أتصل بسارة أطمن عليها.
رنّيت عليها، وجالي صوتها حزين ومتردد:
— أيوه يا نور.
ردّيت بسرعة وأنا قلبي مقبوض:
— إيه، لسه تعبانه؟
صوتها اتلخبط وقالت بخفوت:
— الحمد لله.
ابتسمت رغم التعب وقلت لها:
— إن شاء الله تقومي بالسلامة، أنا سجلت كل المحاضرات وهبعتهالك.
وقلت بخفة دم أحاول أطلعها من مودها:
— يلا ياستي، أي خدمة تانية؟
ضحكت ضحكة صغيرة، والضحكة دي ريّحتني شوية.
بس بعدها صوتها اتغير وقالت بهدوء:
— محتاجة أتكلم معاكي في حاجة يا نور.
كنت هسألها مالك، بس لمحت المدير جاي من بعيد، فقلت بسرعة وأنا بقفل الموبايل:
— طب اقفلي دلوقتي، المدير جاي.
قفلت الخط وهو وصل.
حاولت أعمل نفسي مش واخدة بالي ونضف الترابيزات، بس صوته جه حاد كالعادة:
— هو إيه الاستهتار ده؟ ألاقيكي بتتكلمي في التليفون وأنا داخل؟
ردّيت وأنا بحاول أكون هادية:
— حضرتك إحنا في البريك.
قال بعصبية:
— البريك خلص يا أستاذة!
قلتله وأنا متماسكة:
— يا فندم لسه بدأ من دقيقتين بس.
رد بانفعال أكبر:
— وأنا هستنى لما يبقى نص ساعة يعني؟
نفخت وأنا متضايقة، بس واضح إن النهاردة هو اللي مش طبيعي.
وشه محمّر وصوته بيعلى أكتر. فجأة صرخ وقال:
— إنتي مطرودة! وجودك هنا ملوش لازمة!
اتصدمت، ولسه كنت هتكلم، لقيته راح مكتبه ورجع بسرعة، ورماني بورق الفلوس على الأرض:
— خدي دول باقي حسابك… يلا غوري من هنا!
كل الناس اللي في المطعم وقفوا يتفرجوا، هو كان مبسوط كأنه كسرني أو أخد حقه.
بس أنا متهزّتش.
بصيت له بثبات، وقلتله بصوت فيه كل الكرامة اللي فايا:
— أنا مش محتاجة شوية الملاليم دي.
قلعت الزيّ ورميته على الأرض، وبصيت له في عينه وأنا بقول:
— إنت مدير فاشل… وما تطاقش.
لفّيت وخرجت وأنا سامعة الصمت اللي ورايا، الصمت اللي بييجي لما حد يتصدم إن اللي كان بيحاول يكسرك… فشل.
رجعت البيت وكنت حاسة كل خطوة تقيلة كأني شايلة الدنيا على كتافي.
كسبت كرامتي… بس خسرت شغلي.
قعدت على السرير وقلبي بيغلي بالحيرة: “هصرف منين؟ هعمل إيه بعد كده؟”
كل ده وأنا بحاول أتماسك، بس جوايا صوت بيهمس: “هل كنت استحملت اهانته وخلاص؟”
هزّيت راسي بعصبية ومسحت دمعة نزلت غصب عني.
وفجأة الباب اتفتح.
بابا دخل، عيونه تقيلة ومليانة غضب، قلبت وشي الناحية التانية.
كنت عايزة أصرخ “مش وقتك دلوقتي!”، بس سكت… لأني عارفة إن أي كلمة ممكن تولّع الدنيا.
بصلّي وقال بجفاف:
— هاتي فلوس.
قلتله وأنا صوتي بيرتعش:
— والله يا بابا مش معايا، أنا… أنا اتطردت النهارده.
ما لحقتش أكمل، صوته اتغير فجأة، بقى أعلى من كل حاجة:
— عليّا الكلام دا يا روح *مك؟
قبل ما حتى أتنفس، كان إيده سبقت صوته.
ضرب… وضرب… وكأنه بينتقم مني على حاجة أنا ماليش ذنب فيها.
كنت بحاول أغطي وشي بإيدي، بس الضرب كان بييجي من كل ناحية.
لما خلص، بدأ يقلب الأوضة يدور على فلوس، ولما ملقاش خرج وساب الباب مفتوح وراه.
وقعت على الأرض، وإيدي على شفايفي اللي بتنزل دم، ووشي مولّع.
وبكيت… بكيت بجد.
مش بس من الوجع، لكن من احساسي بالعجز وان حتى الصرخه مش قادره اطلعها!.
قمت بالعافية، كل عضلة في جسمي بتوجعني.
غسلت وشي، المايه كانت بتلسع الجروح، بس كملت.
بصيت في المراية…
عيني حمرا، وتعبانة، وشكلي كله بيقول “أنا خلاص تعبت.”
مسحت وشي بالفوطة، وكنت ناوية أرجع السرير لما صوت خبط الباب قطع الصمت.
وقفت لحظة، قلبي بدأ يدق بسرعة.
روحت عند الباب وقلت بصوت واطي:
— مين؟
جالي صوت راجل مألوف:
— أنا يوسف… اللي جيت لحضرتك امبارح.
قلبي اتقبض فورًا، رجّعت خطوة لورا:
— عايزين إيه تاني؟
قال بهدوء مريب:
— أنا جاي لوحدي المره دي، نحل الموضوع ودي… ومتخافيش من أي حاجه.
كلماته المفروض تطمن، بس العكس حصل.
رديت وأنا بحاول أثبت صوتي:
— مفيش حاجه نحلها يا فندم… وبابا مش موجود ف البيت.
قال بثقة غريبة:
— بس والدك معايا أهو، أقدر أدخل دلوقتي؟
قلبي وقف لحظة.
بابا معاه؟!
جريت بسرعة، خطفت الطرحة ورميتها على راسي، ومديت إيدي على الكالون.
فتحت الباب بهدوء…
لكن الصدمة خلت نفسي يتقطع.
ماكانش بابا واقف.
كان هو… لوحده.
ابتسم ابتسامة باهتة، وقال بنبرة فيها خبث:
— آسف إني كدبت… بس كان لازم أعمل كده علشان تفتحي.
حسيت الدم بيهرب من وشي.
مديت إيدي عشان أقفل الباب، بس لقيته سبقني وحط رجله عند العتبة.
الباب اتثبت… وأنا اتجمدت مكاني.
قولتله بصوت متوتر وأنا بخطوة لورا:
— لو سمحت… مينفعش اللي بتعمله ده.
رد عليّا بهدوء غريب وثقة:
— ده شغلي يا آنسة،
هتكلم معاكي دقيقتين وهمشي،
وممكن تفضلي سايبة باب الشقة مفتوح لو خايفة.
كنت ناوية أرفض، بس قبل ما أنطق كان هو دخل!
كأن وجودي في المكان مش محسوب أصلًا.
دخلت وراه وقلبي بيغلي:
— حضرتك إيه اللي انت بتعمـ…
بس سكت لما قاطعني فجأة بصوت حاد وهادي في نفس الوقت:
— بيضربك من إمتى؟
الهواء اتحبس ف صدري.
وقفت مكانى، قلبي دق بسرعة غريبة.
بلعت ريقي وأنا بحاول أثبت نفسي:
— هو مين ده اللي بيضربني حضرتك؟
ابتسم ابتسامة فيها سخرية واطمئنان:
— باباكي.
وبهدوء كأنه بيقول حاجة عادية:
— مفيش داعي للخوف، أنا جالي بلاغ إنك بتتعرضي للعنف الأسري، وجيت أساعدك.
كل كلمة قالها كانت بتخبط ف وداني زي الطلق.
رديت بعصبية وأنا حاسة بدمي بيغلي:
— ومين بقى اللي بلّغ الكذِب ده؟
سرح كأنه بيتذكر الاسم، وقال:
— سـ… سارة. واحدة اسمها سارة.
هنا الزمن وقف.
الكلمة خرجت من بُقه وأنا اتصلبت مكاني.
صوت دق قلبي كان أعلى من أي صوت في الدنيا.
سارة؟
سارة صحبتي؟ اللي عارفة كل حاجة عني؟
اللي كانت بتسندني لما الدنيا بتوقعني؟
هي اللي عملت كده؟
وشي اتسحب منه الدم، عيوني دمعت من غير ما أحس.
هو لسه بيتكلم، بس أنا مبقتش سامعة حاجة.
كلامه بقى بعيد… بعيد أوي.
كل اللي سامعاه صوتها وهي بتضحك، وهي بتقولي “أنا جنبك يا نور”.
وانا دلوقتي… مش قادرة أصدق إنها عملت كدا!
