رواية الم بدون صوت الفصل الثاني 2 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

البارت التاني
بصيت لها وأنا وشي كله حزن وقلت:
ـ أنا نور صعبانة عليّا أوي يا ماما.
ماما تنهدت وقالت بهدوء:
ـ والله ربنا يكون في عونها… دي بنت بمية راجل.
كنت بطلع حاجتي من الشنطة،
ولقيت فيها فلوس.
اتنهدت وأنا بقول:
ـ كالعادة… حطّتلي تمن الفطار.
ماما ابتسمت وقالت:
ـ عزيزة النفس، مبتحبش حد يكون له جميل عليها.
قلت وأنا حاسة بغصة في صوتي:
ـ بس أنا صاحبتها يا ماما، مش حد غريب.
ردّت ماما وهي بتبصلي بنظرة حكيمة:
ـ ولو، يا بنتي.
زي ما بيقولوا، اللي ليه قرش ما ينامش،
ما بالك بقى باللي عليه؟
بصّيت لها وأنا مش مقتنعة قوي…
جوايا صوت بيقوللي إني لازم أعمل حاجة.
لازم أساعد نور،
مش عشان جميلة ولا واجب،
بس عشان هي… صحبتي،
وصحبتي بتتوجع
قعدت أذاكر، بس ولا حرف كان داخل دماغي.
عقلي كله عندها… عند نور.
كفاية سكوت لحد كده!
مديت إيدي للموبايل، وقلبي بيدق بسرعة.
كتبت رقم حماية الأسرة.
صباعي كان بيرتعش فوق زرار الاتصال، مترددة…
بس أول ما صورتها وهي مضروبة جت في بالي، ووشها اللي كله كدمات،
كل التردد اختفى.
دوست.
رنّ الخط.
جالي صوت ضابط صوته غليظ لكنه ثابت:
— معاكي قسم حماية الأسرة، اتفضلي.
بلعت ريقي وقلت بصوت مبحوح:
— في بنت اسمها نور… باباها بيضربها كل يوم، وبيخليها تشتغل وتصرف عليه.
سمعني باهتمام وقال بهدوء:
— تمام، ممكن أعرف اسمك بالكامل وعنوانك وعنوانها؟
قلت له كل التفاصيل، وأنا بحاول أثبت صوتي رغم الرجفة اللي في قلبي.
قال بثقة:
— تمام… خلال أربعٍ وعشرين ساعة هنكون عندها.
كنت قاعدة ف البيت، عندي محاضرات بعدين، فقلت أنضّف الدنيا شوية.
وإيدي في الشغل، سمعت الباب بيخبط.
استغربت… بابا عمره ما بيرجع في الوقت ده، بيبقى برّه طول النهار.
قربت من الباب بحذر، وسألت:
— مين؟
جالي صوت راجل من ورا الباب:
— أنا يوسف… من شرطة حماية الأسرة كان جالي بلاغ ان في واحده هنا اسمها نور بتتعرض للضرب من باباها.
قلبي وقع!
عرفوا منين؟
عايزين إيه؟
دماغي اشتغلت بسرعة… أكيد حد من الجيران سمع صريخي أو صوت بابا وهو بيزعق فاشتكى.
قلت وانا لسه قافلة الباب، صوتي بيرتعش:
— أيوه حضرتك عايز إيه؟
قال بهدوء:
— محتاجين ندردش مع حضرتك شوية يا آنسة نور.
لما نطق اسمي، رجلي جمدت في الأرض.
هو… يعرف أنا مين!؟
ردّيت بسرعة وأنا مرتبكة:
— لأ والله يا فندم، أنا لوحدي في البيت دلوقتي.
سألني:
— والدك مش موجود؟
الكلمة دي وجعتني، بس رديت بخفوت:
— آه… مش هنا.
سمعته يقول بنبرة متفهمة:
— تمام، هنبقى نيجي في وقت تاني… يكون موجود فيه.
فضلت واقفة ورا الباب أسمع صوت خطواتهم وهما بيبعدوا.
أول ما اتأكدت إنهم مشيوا، اتنهدت بقوة… بس فجأة اتجمدت.
هو قال “هنبقى نيجي تاني وهو موجود”!
الكلمة دي فضلت تدوي في دماغي.
لو جم وهو هنا؟
هعمل إيه؟
رد فعله هيكون إزاي؟
هو ممكن يضربني قدامهم عادي جدًا…
ويمكن لو كان شارب، الموضوع يخرج عن السيطرة خالص.
قعدت ع أول كرسي جنبي، حطيت وشي ف إيديا ودماغي بتلف بيا…
مش عارفة أعمل إيه، ولا أتصرف إزاي.
نزلت السلالم ومزاجي مش أحسن حاجة — حاسس إننا طلعنا على الفاضي. وإحنا بننزل شفت راجل طالع فوق، لفت نظري على طول: عيونه تحتها سودا، ماشي مش مظبوط، شكيت فيه.
قلت لزمايلي بصوت واطي:
— روحوا أنتوا على العربية،وأنا هحصلكوا.
فضلت أتبعه من ورا، الراجل شكله في آخر الأربعينات، جسمه نحيف، ومشيته ملفتة. لحد ما وقف قدام باب الشقة اللي إحنا مسبقًا تردّدنا عليه.
شوفته معاه مفتاح — فتأكدت إنه هو الشخص اللي بندوّر عليه.
وقفت للحظة وبصيت له وهو بيفتح الباب. بعد شوية سمعت أصوات حاجات بتقع، وصراخ وبكاء واضح من جوا. كان هاين عليا اكسر الباب ع دماغه… بس افتكرت وأنا بتكلم مع البنت وهي صوتها بيترعش كأنها خايفه منه او خايفه عليه مش عارف
رجعت خطوتين لورا وأنا سامع صوتها بتعيط جوا، وكل ثانية كانت بتعدّي عليا كأنها نار.
بس كنت عارف إن دخولي دلوقتي ممكن يبوّظ كل حاجة.
لو فعلاً خايفة عليه مش هتنطق، ولو اتكلمت قدامه ممكن يدمرها بعد ما نخرج.
اتنهدت ومسحت على وشي بعصبية وأنا بفكر.
— لا… لازم أرجع تاني، بس المره الجايه مش رسمي.
قررت وقتها إن المره الجايه هاروح لوحدي، من غير ما أحطها تحت ضغط “الشرطة عند الباب”.
هاجي بطريقة تخليها تفتح، وتتكلم، وأقدر أعرف الحقيقة من عيونها قبل كلامها.
لو طلع فعلاً بيضربها… يبقى الموضوع مش بلاغ عادي، دا جناية عنف أسري، ودا معناه سجن مباشر.
بس أهم من كده… إن البنت دي تستحق فرصة تنجو.
كنت قاعدة على أعصابي من الصبح، الخوف مش سايبني لحظة.
كل ما أفتكر صوت الراجل اللي كان على الباب، قلبي يدق أسرع…
طب لو عرفوا الحقيقه؟ طب لو خدوه وسجنوه؟
أنا مش قادرة أتخيل نفسي من غيره، مهما عمل فيّا… هو في الآخر بابا.
كنت محتاجة أتكلم، أفضفض، أخرج اللي جوايا لأي حد،
فقررت أستنى ميعاد المحاضرة وأنزل بدري شوية أقابل سارة.
نزلت واستنيتها تحت بيتها كالعاده…
دقايق عدّت، بعدين ربع ساعه، بعدين نص.
سارة مَنزلتش.
اتصلت بيها مرة ورا التانية، بس مفيش رد.
في المكالمة الأخيرة ردت مامتها بصوتها الهادئ:
— أيوه يا نور، معلش يا حبيبتي… سارة تعبانه شويه.
قلبي وقع:
— ألف سلامة، مالها؟
سكتت طنط لحظة قبل ما تقول:
— شكلها داخل عليها دور برد كده، فمش هتقدر تروح النهارده.
قلت لها وأنا بحاول أخفي قلقي:
— تمام يا طنط، سلميلي عليها، وأنا هكلمها أطمن عليها بعدين.
ردت بلطفها المعهود:
— تمام يا حبيبتي.
قفلت المكالمة وأنا ببص للموبايل في إيدي،
حسيت إن الدنيا ضاقت عليا أكتر، حتى سارة اللي كانت دايمًا جنبي مش هنا النهارده…
رجعت أتنفس بصعوبة، وأنا بقول لنفسي:
“شكلي هواجه كل ده لوحدي.”



