رواية الم بدون صوت الفصل الرابع 4 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

البارت الرابع
بصلي يوسف بنظرة فيها جدّية وقال بهدوء محسوب:
— مش مهم اللي قالت، المهم دلوقتي إننا نقدر نساعدك.
ساعديني انتي كمان واحكيلي بالتفصيل… هو بيعمل معاكي إيه بالظبط؟
كل ما أعرف أكتر، أقدر أساعدك أكتر.
نزلت دمعة من غير ما أحس، رديت وأنا صوتي مكسور:
— بس أنا مطلبتش مساعدة من حد.
رد عليّا بثقة هادية بس حاسمة:
— مش لازم تطلبي، ده شغلي.
وبعدين قرب مني نص خطوة وقال بصوت أخف بس ثابت:
— ولو مساعدتنيش، هضطر أفتح محضر بكل اللي شوفتُه النهارده.
حسيت الأرض بتتهز تحتيا.
مش قادرة أتكلم… عايزة أصرخ “سيبوني فحالي”،
بس الكلام مش طالع.
دماغي بتلف بين خوف وصدمة ووجع.
أنا خلاص مش عارفة أبدأ منين ولا أروح لمين.
بصيتله لحظات طويلة، كنت بحاول أقرأ نواياه، بعدين قولت بصوت واطي وأنا ببص ناحية الباب:
— بابا ممكن ييجي في أي لحظة… وساعتها هيفهم غلط.
ابتسم ابتسامة بسيطة وقال بهدوء:
— مفيش مشكلة، خدي رقمي، وممكن نتقابل في أي مكان برا البيت، واحكيلي براحتك.
فضلت ساكته، قلبي بيخبط، كنت مترددة…
مش عارفة أعمل إيه، بس في الآخر قررت.
مش علشان أثق فيه،
ولا علشان عايزة مساعدة،
لكن علشان أحمي بابا.
لو اتفتح محضر رسمي، هيتبهدل ويتسجن، وأنا مش هقدر أشوفه كده.
مديت إيدي وخدت الرقم منه وأنا ببصله بحذر،
وقولت بهدوء:
— تمام…
بصلي قبل ما يخرج وقال بنبرة حازمة وهو بيقفل الباب:
— خدي بالك… لو ما اتصلتيش، ردي مش هيعجبك.
فضلت واقفة مكان، عيوني متسعة وقلبي بيدق بسرعة.
هو مين عشان يهددني بالطريقة دي؟!
ده مجرد ظابط جاي يساعدني يا اقبل المساعده او لا…
فضلت ثواني أحاول أستوعب اللي حصل،
لحد ما جه في بالي اسم واحد،
اسم هزني من جوايا.
ساره!
هي اللي عملت كده؟!
عدّى اليوم وأنا عقلي مشغول بيها… كل ما أفتكر اللي عملته بحس قلبي بيتقبض.
إزاي هواجهها؟ إزاي هبصّ في وشها بعد كل دا؟
تاني يوم، جه الصبح… حضرت شنطتي كالعادة وجهزت عشان عندي محاضرات.
وأنا خارجة من الصالة، لقيته نايم على الكنبة.
فضلت أبصله شوية، والدموع محبوسة جوا عيني.
هو فعلاً يستحق الحبس؟
نفضت الفكرة من دماغي بالعافية، وخرجت بسرعة عشان متأخرش.
ما استنتهاش زي كل يوم…
بس صوتها جه من ورايا، هادي ووحشني في نفس الوقت:
“إي يا بنتي، مستنتنيش ليه؟”
قربت مني بابتسامة فيها ملامح الطيبة اللي كنت دايمًا بحبها،
بس أنا مقدرتش أرد غير بكذبة باهتة:
___افتكرتك تعبانه ومش هتروحي.
هي بصّت لي بنظرة حاسة كل اللي جوايا، وقالت:
___كنت عايزة أحكيلك على حاجة.
ساعتها قلبي وجعني أكتر… عرفت إنها ناوية تبرر قبل ما أواجهها.
ضحكت ضحكة مكسورة، وقالت ملامحي قبل صوتي:
___هتقوليلي عن البلاغ؟
ردّت عليّا بصوت متسرّع بتحاول تبرّر…
بس تبرّر إيه؟ وبعد إيه؟ بعد ما البوليس جه لحدّ بيتي؟
سارة بصوتها المرتبك:
— والله أنا كان غرضي إني أحميكي من الأذى اللي بتتعرضي له، محسبتش أي حاجة غير خوفك ووجعك.
بصّيت لها بعيون مليانة عتاب وقلت:
— عارفة المشكلة في إيه؟
المشكلة إني حكيتلك عن حياتي وتعبِي، وفهمتك بالتفصيل أنا ليه باقيه عليه…
لكن إنتِ، بغبائك وتهورك، وصلّتينا للي إحنا فيه دلوقتي!
ردّت بعصبية واضحة:
— على فكرة، إنتِ المفروض تشكريني! أنا عملت كده عشان أساعدك، وده جزاتي؟
ردّيت وأنا صوتي بيعلو أكتر:
— أنا ما طلبتش منك مساعدة يا سارة!
ولو كنت عايزة مساعدتك كنت طلبتها من زمان!
وقلت بسخرية موجوعة:
— بس عارفة؟ دا كله متوقع منك.
بصّت لي بعدم فهم، وأنا كملت بغضب كاتم جوّايا بقاله كتير:
— إنتِ عايزة تبعديني عن بابا عشان باباكي ميت، مش كده؟
لقتها بصت لي بصدمة، وعيونها اتملت دموع كأنها مش مصدقة إن الكلمة دي خرجت مني.
وبيني وبينكم… أنا كمان مش مصدقة.
إزاي قدرت أقول كده؟
إزاي كسرتها بالشكل دا؟
يمكن كنت عايزة أوجعها زي ما هي وجعتني…
من غير ما أفكر إنها فعلاً عملت كده عشاني، عشان تحميني.
وفجأة، وسط دوامة التفكير، حسّيت بقلم نازل على وشي.
هي ضربتني؟
سمعت صوتها المكسور من البُكا:
— إزاي تقولي كده؟ أنا بجد… مش عايزة أعرفك تاني.
مشيت وهي سابتني مصدومة،
حطّيت إيدي على خدي مكان الضربة،
يمكن عشان أوقف الوجع…
بس الحقيقة إن الضربة مكانها مش على وشي…
كانت في قلبي.
________
سارة
هي إزاي بجد تقول كده؟
إزاي جالها قلب تكسّرني بالشكل ده؟
إزاي تعايرني بحاجة مش بإيدي؟
كنت بعيط… مش من كلامها،
قد ما كنت بعيط على الشخص اللي خرج منه الكلام ده.
يعني لو حد تاني قاله، والله ما كنت هتأثر كده.
بس هي؟!
هي الوحيدة اللي كنت فاكره هتفضل صحبتي طول العمر …
مسحت دموعي بالعافية وقلت لنفسي:
هروح المحاضرات، ومش هبصلها…
ولا حتى هقعد جنبها.
كفاية كلامها اللي سم بدني.
وبالفعل رُحت الكلية،
ولقيتها قاعدة بتضحك وتهزر مع صاحبنا عادي…
ولا كأننا لسه متخانقين!
بصيتلها بصدمة…
يعني إزاي؟!
طب حتى بيّني إنك زعلانة شوية!
بس لأ، كانت بتضحك كأن مفيش حاجة حصلت.
لما شافتني ببصلها،
بعدت نظري بسرعة…
وكملت المحاضرة وأنا حاسة بغُصة في قلبي.
خلصنا، ومحدش فينا كلم التاني.
كنا دايمًا بنرجع من نفس الطريق،
بس المرة دي…
ملقتهاش.
فهمت وقتها إنها مش عايزة تشوفني.
ضحكت بسخرية…
على نفسي، وعليها، وعلى كل اللي حصل.
ورُحت البيت، بس المرة دي كنت حاسة إني راجعة لوحدي
كنت حاسّة بالفراغ…
البيت هو هو، الشوارع زي ما هي، بس هي مش موجودة.
افتكرت اللي عملته، ومهما حاولت أبرر لها، مش قادرة أسامحها.
عارفة إنها كانت بتحاول تحميني، بس برضه… شايلة منها قوي.
كنت بضحك وبهزر قدام الناس،
مش عشان مبسوطة،
لكن عشان أُقنع نفسي قبلهم إني تمام،
إني قادرة أكمّل من غيرها.
بس الحقيقة… أنا مش تمام.
ولا بخير.
كانت الركن الهادي اللي بلجأ له لما الدنيا كانت بتضيق عليا.
ودلوقتي…
مبقاش في ركن هادي.
بقي في دوشة في دماغي، وصمت في قلبي وبس
__________
جه اليوم اللي هقابل فيه البنت دي عشان أساعدها.
بصراحه مش عارف أنا ليه مدوّنتش محضر وخلصت الموضوع من أوله؟
بس يمكن لأنها كانت خايفه… وأنا حسّيت إني لازم أطمنها.
يمكن عشان أنا شهم؟ ولا يمكن عشان في حاجه فيها شدتني؟ مش عارف.
وصلت المكان اللي اتفقنا عليه، دورت حواليّا بعيني لحد ما لمحتها قاعدة على ترابيزة في الركن، شكلها متوترة جدًا،
كأنها نازلة ديت، مش مقابلة ظابط شرطة!
قربت منها وقعدت على الكرسي المقابل، ابتسمت ليها بهدوء يمكن تهدى شوية،
لكن بالعكس… توترها زاد أكتر.
قولت بصوت هادي وأنا بحاول أطمنها:
– اهدي، حاسس إنك متوترة. متخافيش، أي حاجة هتقولِيها هتفضل بينا.
بصيتلي وسكتت لحظة، وبعدها بدأت ملامحها تهدى شوية.
قولت وأنا بحاول أفتح الكلام:
– احكي.
ردت بصوت خافت وهي بتحاول تمسك نفسها من الارتجاف:
– احكي من أول فين؟
ابتسمت وقلت بهدوء:
– من أول ما تحبي… أنا سامعك.
قالت بصوت مكسور:
– من ساعه ما ماما ماتت… وهو كده، ضرب وزعيق، وكل حاجه اتغيّرت.
موتها كان بالنسباله صدمه، بس بالنسبالي كانت بداية جحيم.
سكتت لحظه كأنها بتحاول تبلع الغصه اللي في حلقها،
وبعدين كملت بمرار:
– فاكره اليوم ده كأنه امبارح، كان أول مره يضربني فيها.
كنت بسأل وأنا بعيّط: هي ماما خلاص مشيت؟ خلاص مش هشوفها تاني؟
بس بدل ما يطمني… ضربني.
وقتها اتصدمت، قولت يمكن عشان زعلان، يمكن مش واعي اللي بيعمله.
بس بعدها فهمت إن الموضوع مش لحظه غضب،
ده بقى عادة عنده…
بقى يشرب كل يوم، وما بيقعدش في البيت غير يجي ينام.
الشغل سابه، وأنا بقيت المسؤوله.
بنت لسه مكملتش تمنتاشر سنه،
باشتغل أكتر من 12 ساعه علشان أصرف عليه وعليا.
سكتت شويه، وبصت لي بعينين كلها وجع وقالت:
– وأنا لو فضلت أحكيلك من هنا لبُكره… مش هيكفّي الوجع اللي جوايا.
سكتت بعد الكلام دا، وصوتها كان لسه بيرتعش، كل كلمة قالتها كانت بتخبط ف قلبي قبل وداني.
وجعها صعب عليا أوي… كانت مكسورة قدامي وأنا مش قادر أعمل حاجه.
كان هاين عليا أخدها في حضني وأقولها “خلاص، انتي بأمان”، بس مينفعش.
اتنفست بهدوء وقلت بصوت واطي:
– يمكن ربنا بعتني ليكي… عشان أساعدك.
حسيت بالمسؤولية على أكتافي أكتر من أي وقت فات.
مش بس كظابط… كإنسان، مش قادر أشوفها بتتألم كده.
قلت لها بهدوء:
– نور… أنا مش جاي أعمل محضر دلوقتي، مش هسيبك لوحدك، ولا حاجة هتحصلك.
شوية صمتت، وبصتلي بعينين فيها شك وحزن… بس لاحظت فيها رغبة في الثقة.
كملت:
– هنعمل كذا خطوة، خطوة خطوة… الأول، هنتأكد إنك آمنة في البيت. لو حسيت يوم إنك مش مرتاحة، هتلاقي مكان تاني تروحي له، بعيد عن أي أذى.
نور شوية ارتخت، وأنا حسيت إن قلبي بيخف شوية لما لقيتها بدأت تسمع.
– تاني حاجة، هساعدك تلاقي شغل تقدر تعيشي منه من غير ما تتحملي كل الضغوط دي لوحدك. ومش هسيبك لو احتجتي حد… حتى لو الموضوع طويل أو صعب، هفضل جنبك.


