رواية الم بدون صوت الفصل الخامس 5 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

البارت الخامس
حاولت أطمنها فقولت بهدوء:
__متقلقيش، سواء الشغل أو الشقة اللي ممكن تروحيها وقت ما تحسي إنك محتاجة تفصلي شوية من الضرب أو الزعيق، فهتبقى جمب بيتك برضه… يعني مش هتبعدي عنه، بس تبقي في أمان مؤقتًا.
فضلت ساكتة وعيونها فيها خوف وتردد.
اتنهدت وقولت وأنا ببصلها:
__أنا مش بطلب منك تسيبي بيتك ولا تبعدي عن أبوكي، أنا عارف قد إيه بتحبيه…
بس أوقات بنحتاج نختار نفسنا شوية، عشان نقدر نكمّل ونحافظ حتى على اللي بنحبه.
ردّت عليّا بصوت مخنوق:
— تمام.
حسّيت إنها قبلت حلّي المؤقت، بس كمان كنت عارف إن القصة مش هتقف هنا — ممكن يتكرر الضرب عادي.
قررت أطمّنها شوية دلوقتي، وأديها مساحة تتنفّس، لحد ما أشوف هتتصرف إزاي مع أبوها وإيه الخطوات اللي هتاخدها بعد كده.
رجعت القسم بعد ما سبتها، بس دماغي كانت معاها مش هنا.
كل كلمه قالتها وهي بتحكي كانت بتوجعني… بنت في السن دا شايله وجع الدنيا لوحدها!
قعدت على المكتب قدام ورق البلاغات، قلبي بيقولّي أتحرك، وعقلي بيقولّي استنى متتسرعش.
بس المره دي مش قادر أطنّش.
فتحت اللاب وبدأت أجهز استمارة مبدئية لـ بلاغ عن عنف أسري، بس من غير ما أقدّمه لحد دلوقتي.
كتبتها باسم “قاصر في خطر” مش لازم أذكر اسمها دلوقتي.
بعدها كلمت “هدى” — زميلة في وحدة حماية الأسرة — وقلت لها:
__عندي حالة محتاجه متابعه، بس لسه البنت مترددة تقدم بلاغ… أقدر أجهز أوراق مبدأية لو وافقت؟.
ردت عليا هدى وقالت:
__طبعًا، بس خليك حذر، الأب لو عرف قبل ما نتحرك ممكن يؤذيها أكتر.
قولت وانا بتنهد:
__عارف، عشان كده هتابع الموضوع بنفسي خطوة بخطوة.
قفلت مع هدى، واتكيت في الكرسي بتنهيدة طويلة.
كنت حاسس إني داخل في دايرة هتغير حياتي وحياتها هي كمان، بس المره دي… كنت مستعد أواجه أي حاجة.
_______
بعد ما رجعت البيت، قعدت على سريري أفكّر في اللي حصل.
يمكن لأول مرة من زمان أحسّ إن قلبي مطمن، إن في حدّ في ضهري بجد.
حدّ أقدر أحكيله وجعي من غير ما يخاف مني أو يبعدني عن بابا.
في اللحظة دي بس، حسّيت إن سارة كان عندها حق…
اللي عملته وجعني، آه عشان خبت عني، بس يمكن من غير اللي عملته ماكنتش هقابل يوسف،
ولا كنت هلاقي حدّ يسمعني ويساعدني كده.
كنت قاعدة على السرير، بذاكر شويه، الهي نفسي ف المذاكره.
الموبايل رن، لقيت اسمه على الشاشة.
اترددت ثواني، بس رديت.
قالّي بصوته الهادي:
__اسمعيني يا نور، ده عنوان الشقة، المفتاح مع صاحب العمارة،
تقدري تروحي هناك في أي وقت تحبي ترتاحي فيه،
وكمان ظبطتلك شغل بسيط قريب من المكان.
قعدت ساكتة، مش قادرة أستوعب.
يعني هو فعلاً عمل كده؟
من غير ما أطلب؟
من غير ما يستنى مني مقابل أو شكر؟
قلبي وجعني بس وجع حلو…
النوع اللي بيخليك تحسي إن لسه في أمان ف الدنيا.
قولت بصوتي المتلخبط:
__انت… عملت كده إمتى؟.
رد بابتسامه باينه ف صوته:
__من ساعه ما قولتي إنك لوحدك، قررت إنك مش هتفضلي كده تاني.
الدنيا سكتت بعدها،
مكنتش عارفه أرد.
كل اللي عرفته إني دموعي نزلت لوحدها…
بس المره دي مش من وجع.
من إحساس بسيط… إن في حد أخيرًا شايفني.
قررت إني هتأسف لساره…
يمكن تسامحني ع الكلام القاسي اللي طلع مني.
هي كانت بتحاول تحميني بطريقتها، وأنا وجعتها بكلامي.
يمكن لو كنت هديت شويه كنت فهمت نيتها، بس وجعي ساعتها كان أكبر من أي تفكير.
كان عندي محاضرة أونلاين، فتحت اللاب توب عشان أحضرها،
حاولت أركز ف الكلام، بس دماغي كانت لسه مشغولة بكل اللي حصل.
بعد دقائق، سمعت صوت بابا وهو داخل الأوضة.
وقف عند الباب، ملامحه جامدة، وصوته القاسي كسر سكون المكان:
– كنتي فين امبارح؟
اتجمدت مكاني، مش قادرة أرد…
كل اللي جوايا ارتبك، قلبي دق بسرعة وأنا بحاول أسيطر على رعشة صوتي.
قلت بهدوء مصطنع:
– كنت عند واحدة صاحبتي…
قاطعني بنبرة أعلى:
– بتكدبي عليا يا نور؟
قلبي دق أكتر، حسّيت بدمي بيجري ف عروقي بسرعه مكنتش عارفه أرد اقول اي
بصلي بجفاء، عيونه كلها شك وغضب:
– انتي مش قولتي إنك اترفدتي من الشغل امبارح؟ رجعتي متأخر ليه بقى؟
حاولت أبرر وأنا ببص ف الأرض:
– كنت بدوّر ع شغل تاني يمكن ألاقي…
بس مكمّلتش، حسّيت بإيده بتخبط ف وشي،
الصوت كان أعلى من أي صوت في الأوضة،
وهو بيزعق ويقول كلام مش سامعاه من كتر الخضة.
كل حاجه جوايا كانت بتتهز، دموعي نزلت غصب عني وأنا بحاول أتكلم:
– بابا بالله عليك…
بس هو مكانش سامع،
فضل يزعق ويضرب وأنا حاسه كل نفس بيطلع مني وجع.
بعد ما خلص وخرج، كنت مش قادرة أتنفس،
دموعي كانت مغرقه وشي، وإيدي بترتعش وأنا بمسحها بسرعة،
بس كل مسحة بتزود الوجع مش بتقلله.
لفيت وشي ناحية اللاب، المحاضرة لسه شغالة،
ولا سمعت منها حرف، كنت ف عالم تاني خالص.
مديت إيدي برجفة عشان أقفله،
بس أول ما بصيت للشاشة…
الصدمة جمدتني مكانى —
المايك كان مفتوح!
كل اللي حصل،
كل صوت زعيق،
كل تنهيدة خوف،
كل حاجة اتسمعت.
قلبي وقع، حسيته بيدق بسرعة مش طبعية،
العيون اللي عالشاشة أكيد سمعوا…
أكيد شافوا!
فضلت ثواني مش مصدقة…
الشاشة قدامي فيها الوشوش، بعضهم مطفي الكاميرا،
بس فيه كام عيون كانت بصالي بصدمه… وفيه اللي عامل نفسه مش واخد باله.
إيدي كانت بتتهز وأنا بقفل المايك بسرعة،
بس خلاص… اللي حصل حصل.
سمعت صوت الدكتوره بتقول بخفوت:
__انتي تمام يا نور؟
الدموع نزلت غصب عني،
قولت وأنا بحاول أمسك نفسي:
__آه يا دكتور، تمام… كان في بس… صوت في البيت.
هي سكتت،
بس نبرتها قالت كل حاجة: تصديق، قلق، وشوية شفقه.
قفلت اللاب من غير ما أقول كلمه تاني،
رميت نفسي على السرير،
وحسيت إن الدنيا كلها بتلف بيا.
مش كفاية الوجع اللي جوايا،
دلوقتي كمان كلهم عرفوا.
عرفوا السر اللي كنت بدفنه جواي من سنين.
سمعت صوت دوشه برا… كأن الشقة كلها بتتهز.
طلعت أشوف في إيه، لقيته قاعد مع صحابه،
صوت ضحكهم عالي، والزجاجات مرميّه على الترابيزة،
والدخان مالي المكان.
وقفِت عند الباب، محدش منهم حتى لاحظ وجودي!
كنت شبه شبح بالنسبالهم…
مشهد مكرر، بس كل مرة بيوجعني أكتر.
كل مرة كانوا بييجوا فيها، كنت بلبس طرحة وأخرج ألف في الشارع بالساعات
عشان أستنى اللحظة اللي يمشوا فيها،
بس المرة دي مكنتش قادرة.
اتخنقت من ريحة السجاير، من الضحك العالي،
من إحساسي إني غريبة في بيتي.
وف وسط الدوشة، افتكرت كلام يوسف…
الشقة اللي ممكن تروحيها وقت ما تحبي تفصلي شويه.
القرار جه من غير تفكير،
لبست وخرجت بسرعة،
من غير حتى ما أخد شنطتي .
كل اللي كنت عايزاه…
مكان أقدر أتنفس فيه.
روحت، ولما وصلت تحت العمارة أخدت المفتاح من البواب وطلعت.
أول ما فتحت الباب، نسمة هادية خبطت في وشي، ومعاها إحساس غريب… راحة، وسكون، وأمان كنت مفتقداه من زمان.
الشقة كانت نضيفة ومتوضبة بعناية، كأن حد حضّرها مخصوص عشان أرتاح فيها.
لفّيت بعيني في كل ركن، لمحت كنب بسيط لونه بيج، وستاير لونها سماوي نازلة بنعومة ع الشباك، والمكان كله ريحته فريش ومريحة للأعصاب.
خطيت خطوتين جوه، قلبي كان
بيهدى مع كل نفس، كأن كل وجع الأيام اللي فاتت بيتسحب من جوايا بهدوء.
الحيطان لونها دافي، والستاره نازله بنعومه ع الشباك، والهدوء مالي المكان كأنه بيحضني.
خطوت خطوتين لجوه، لمحت كنب بسيط بس شيك، وفي ركن الترابيزه عليها فازة ورد صناعي شكلها مبهج.
دخلت المطبخ، ريحته فريش ونضيف كأنه جديد ما اتستخدمش قبل كده، وكل حاجه متوضبه ف مكانها.
رجعت للأوضه، السرير مفروش بملايه لونها أبيض ناصع، والمخده متكويه بعناية…
حسيت كأن المكان دا حضن، حضن من غير وجع ولا خوف.
قعدت ع السرير ودموعي نزلت بهدوء، بس المره دي مش من الخوف…
كانت دموع راحه، يمكن أول مره أحس إن في مكان ليا،
مكان محدش هيزعقلي فيه،
مكان أقدر أتنفس فيه براحه.
توهت ف النوم وأنا قاعدة، من غير سابق إنذار، كأني أول مرة جسمي يرتاح بجد.
ما حسّيتش بنفسي، ولا بعد الوقت قد إيه، كل اللي فاكرهه إن دموعي كانت لسه على خدي، وقلبي أخيرًا هدي بعد دوشة طويلة.
مكنش في لا صوت زعيق ولا كسر ولا خوف…
بس هدوء، وسكون، ونوم تقيل، كأني كنت محتاجة اللحظة دي من سنين.
رفعت راسي من على الوسادة وأنا قلبي يدق بسرعة.
هو أنا نمت بجد؟! الساعه كام؟!
لمحت الساعة… 10 الصبح!
اتنهدت، كنت عارفة إن عندي محاضرات، بس بعد اللي حصل في السيشن الأونلاين… مكنتش ناوية أحضر.
وفجأة، افتكرت… أكيد رجع وهيشوف إنّي مش في البيت!
بسرعة مسكت تليفوني، ولقيت نور الشاشة تلمع… اتصال فائت.
بصيت… ساره!
قلبي اتسارع، ومشاعري اختلطت بين القلق والغضب والفضول… هل اتصلت عشان تطمن عليّ، ولا عشان تكمل كلام اللي حصل قبل كده ولا يكونش عرفت باللي حصل ف السيشن الاونلاين؟
قومت وأنا بضغط على زر الاتصال، وقبل ما أنزل السلالم تأكدت إني قفلت الشقة كويس.
سمعت صوتها قلق من السماعة:
__نور، انتي بخير؟.
حمحمت شوية، وحاولت أبين لها إني لسه متضايقة من آخر مرة، ورديت بصوت متماسك:
__اه، كويسة.
قالت وهي بتحاول تهدي الكلام: __الكليّة مقلوبة عليكي يا نور، بسبب اللي حصل في السيشن… أنا لسه عارفة من زمايلنا.
قلبي وقع نسيت الموضوع خالص واللي حصل!
عيوني بدأت تدمع

