رواية الم بدون صوت الفصل السابع 7 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

البارت السابع
واليوم عدى كأنه أسبوع.
كل عضلة في جسمي كانت بتصرّخ من التعب،
ولما وصلت البيت، فتحت الباب…
كان فاضي.
اتنهدت تنهيدة طويلة،
ودخلت نمت من كتر الإجهاد، من غير حتى أغير هدومي.
صحيت تاني يوم على صوت الموبايل بيرن،
ولما فتحت، لقيت ساره متصلة كتير.
ردّيت بصوت نايم، قالتلي وهي متحمسة كأنها نسيت كل التعب اللي في الدنيا:
__يلا انزلي بسرعة… نروح الجامعة سوا!
ضحكت من بين النعاس وقلت وأنا بقوم:
__حاضر، هجهز وأنزل.
وقفت قدام المراية وأنا بلبس،
ولوهلة حسّيت إن ملامحي باهتة زي العادة،
بس مهتمّتش… جهّزت ونزلت
ووصلنا…
وياريتني ما روحت الجامعة.
من أول ما دخلت،
كل العيون اتوجّهت ناحيتي.
نظرات فيها شفقة،
وفيها كلام بيتقال من غير صوت.
وشوش بتتوشوش،
نصهم بيبصلي، والنص التاني بيبص على الأرض كأنهم مش شايفيني.
حاولت أداري ضيقي،
بس ساره حست،
مدت إيدها تطبطب عليّا،
وفجأة واحدة وقفتني وقالت بصوت متعاطف:
__احنا كلنا معاكي،
ولو عايزاني أجي أشهد معاكي ضده، أنا هاجي.
اتصدمت،
كنت على وشك أتكلم بعصبية،
لكن ساره سبقتني وردّت بسرعة:
__شكراً، تسلمي.
وسحبتني من قدامها قبل ما أقول أي كلمة.
كنت حاسة إني هعيّط…
العيون اللي بتبصلي مليانة شفقة،
مش دعم.
ساره قالت بهدوء وهي ماسكة إيدي:
__اهدي، ومتزعليش… هما عايزين يساعدوكي.
ضحكت بسخرية مرّة وقلت:
__ساره، هما مش عايزين يساعدوني،
هما مشفقين عليّا!
وأنا عمري ما حبيت حد يشفق عليا.
سكتت ساره،
الكلام وقف على لسانها،
هي عارفة إني عندي حق.
دلوقتي الكل شايفني “البنت المسكينة”
اللي أبوها بيصحّيها ويمسيها بعلقه.
بعد ما خلصنا اليوم في الجامعة اخيرا كان يوم تقيل ع قلبي،
كنت مستعدة أروح على الشغل.
قولت لساره:
__لازم أمشي دلوقتي.
فقالتلي:
__استني، ابن عمي هييجي يوصلني ويوصلك ف طريقه.
بصراحة اتوترت،
أنا مبحبش أركب أو أتعامل مع رجالة غريبه.
فقولت بأسف:
__معلش، بس مش هينفع بجد… ومش عايزة أتعبه معايا.
كانت لسه هترد عليّا،
بس لمحت حاجة ووشها اتغيّر وقالتلي بسرعة:
__أهو يوسف أهو!.
ولما بصّيت… اتصدمت.
قلبي بدأ يدق بسرعة،
مصدقتش عيني!
ده نفس الشرطي اللي ساعدني يومها…
يوسف.!!
لقيته بيقرب ناحيتنا،
اتجمدت مكاني، وكل نبضة في قلبي كانت بتعلى أكتر.
هو كمان بان عليه التوتر،
كأن وجودي قدامه فجأة لخبطه.
ساره لمحتني ووشي اتغير، فسألت بقلق:
__انتي كويسة يا نور؟
يوسف وقف قدامي ومدّ إيده بابتسامة خفيفة:
__أهلاً يا آنسة نور.
بصيت لإيده ثواني،
اتكسفت… أنا مش بسلم على ولاد،
وترددت أعمل إيه.
لكن ساره لحقت الموقف بسرعة وقالت بابتسامة بسيطة:
__نور مش بتسلم على ولاد.
رجع إيده بهدوء وقال بلُطف:
__تمام، عادي جدًا.
بس ساره بصت له باستغراب وقالت وهي مش مصدّقة:
__استنى لحظة…
إنت عرفت اسمها إزاي؟
اتسعت ابتسامة يوسف شوية،
بس عينيه كانت بتقول كلام تاني غير اللي على وشه.
بصّ لساره وقال بهدوء:
__فاكرها من موقف قديم… يوم ما كنت في البلاغ اللي حصل في بيتها.
ساره اتفاجئت،
وبصّتلي بسرعة وهي بتقول بصوت منخفض:
__إنتي… هو الضابط اللي ساعدتك؟
ماقدرتش أرد،
كل اللي قدرت أعمله إني أهو راسي بخفة،
وصوت دقّات قلبي كان أعلى من أي صوت حواليّ.
يوسف حوّل نظره ناحيتي وقال بلُطف:
__ما كنتش متوقع أشوفك تاني،
بس كويس إنك بخير.
كلماته كانت بسيطة… بس جواها دفء غريب.
في اللحظة دي حسّيت كأني رجعت أتنفس بعد صدمة طويلة،
وساره وقفت بينا بنظرات فيها ألف سؤال.
ركبنا العربية،
الجو كان ساكت لدرجة إن صوت الطريق بقى أوضح من أنفاسنا.
لكن فجأة، قطع السكون بصوته الهادي:
__باباكي كويس؟.
اتشد جسمي كله،
ردّيت بسرعة وأنا بحاول أخفي توتري:
__أه… الحمد لله.
هو سكت على طول،
واضح إنه حسّ إن سؤاله وجعني.
عينه راحت ناحية الطريق،
وأنا قعدت أبص من الشباك أحاول أهرب من الموقف.
أما ساره ففضلت ساكته،
نظراتها رايحة جاية بينا،
كأنها حاسة إن في كلام كتير مستخبي
ورا الهدوء ده.
وصلنا قدام شغلي
كنت حاسة إن اليوم ده أطول من اللازم…
كله عيون، وهمسات، وشعور بالاختناق.
بصيت لساره بابتسامة باهتة وقلت:
__شكراً يا ساره… على كل حاجة.
هزّت راسها وقالت بهدوء:
__خدي بالك من نفسك، يا نور.
ودعتها ونزلت من العربية،
الهوا كان تقيل، كأن حتى الشارع عارف اللي جوايا.
دخلت المكان،
الناس حواليّ كانوا بيشتغلوا عادي،
ماحدش يعرف عني أي حاجة، ماحدش يعرف عن اليوم اللي عديت فيه، أو اللي حصل في الجامعة…
وكان ده سبب توتري أكتر.
قعدت على الكاونتر، حاولت أركز في الشغل،
بس جوه قلبي كله كان ضجة:
القلق، التعب، والتفكير في كل حاجة حصلت اليوم.
حسّيت إني لو ضحكت أو كلمت حد، ممكن يبان عليّ كل التعب والمشاعر اللي جوه.
بس لما ارجعت افكر، حسّيت بارتياح خفيف…
على الأقل هنا، بين الناس اللي مش يعرفوا أي حاجة عني، أقدر أكون أنا من غير أحكام أو نظرات شفقة.
____
كنت سايق العربية،ساره معايه، والشارع كله عدى من غير ما آخد بالي.
كنت مركز في حاجة واحدة… نور.
حسيتها مخنوقة ومتضايقة، وقلبي مش قادر حتى يسألها أو يعرف إزاي يساعدها.
ساره كانت بتتكلم، وأنا عايش جوه أفكاري، مش مركز معاها خالص.
لحد م لاحظت وقالت بضيق:
__انت مش مركز معايا؟!
حمحمت شوية ورديت بسرعة:
__لا… مركز معاكي.
ضحكت بمرارة خفيفة وقالت:
__بصراحة… دي صدفة غريبة… يعني أنا أول مرة أعرف إنك بتشتغل ضابط في حمايه الاسره!
رديت عليها بهدوء، وأنا بحاول أخفي جزء من تحفظي:
__مكنتش بتكلم عن مجال شغلي أوي…
يمكن عشان مكنتش حابّة في الأول.
سألتني ساره بفضول وهي مميله راسها ناحيتي:
__طب… ودلوقتي؟..
بصيت قدامي لحظه، وبعدين ابتسمت بهدوء وقلت:
__دلوقتي إحساسي اتغير…
حسّيت فعلاً إني بعمل حاجة ليها معنى،
وبساعد الناس اللي محتاجه حد يقف في صفها.
سكتت ساره ثواني، وبصتلي بنظره غريبة،
فيها إعجاب بسيط، بس كمان فيها تساؤل مش مفهوم.
وأنا… رغم كل اللي حواليّ،
كل اللي كان شاغل بالي وقتها إن نور كانت مضايقه،
وإن عيونها كانت مليانة حزن مش قادر أطلّع صورتها من دماغي.
