رواية الم بدون صوت الفصل الحادي عشر 11 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf

رجع يوسف وإيده ماسكة كباية شاي،
قرب من البلكونة بابتسامة بسيطة،
مدّ إيده، وأنا مدّيت إيدي التانية من ناحية تانيه لحد ما أخدت الكباية منه.
الكباية كانت سخنة،
بس الإحساس أول ما لمستها كان فيه دفء غريب…
قعدت على الكرسي،
حضنت الكباية بين إيديا الاتنين كأني بحاول أدفّي قلبي مش بس صوابعي.
كان واقف قصادي، ساكت،
نظراته عليّا كلها تساؤل… كأنه مش عارف يبدأ منين.
قطعت الصمت وأنا ببصله:
– عارف… بابا قالي حاجة غريبة أوي النهارده.
رفع حاجبه باهتمام وسأل بهدوء:
– حاجة إيه؟
تنهدت، ونظري وقع ع الكوباية وأنا بقول بصوت واطي:
– قالي إني السبب في موت ماما.
يوسف رفع راسه بسرعة، ملامحه اتبدلت:
– السبب؟ ازاي يعني؟
هزّيت راسي بارتباك ودمعة خفيفة نزلت غصب عني:
– مش عارفة… حاولت أفهم منه، بس مقالش حاجة.
بصلي وقتها بنظرة كلها تفهم وحنية نادرة،
كملت بوجع:
– تفتكر فعلاً ممكن أكون السبب؟
رد بهدوء وثبات صوته مريح أوي:
– مفيش حاجة اسمها كده يا نور، في معاد بييجي وربنا بيرحم عباده…
وإنتِ مالكيش ذنب ف أي حاجة.
كلامه دخل قلبي،
بس الغصة لسه كانت محبوسة جواه.
رفعت عيني عليه من تاني وسألته بخفوت:
– تفتكر… الحل في اللي أنا فيه ده إيه؟
قال وهو بيقرب شويه:
– في إيه بالظبط؟
أخدت نفس خفيف، وشربت رشفة شاي قبل ما أتكلم،
وصوتي بدأ يتلخبط:
– يعني… ف كلام بابا…
وسكت لحظة، بعدين كملت بتوتر واضح:
– إنه قال إنك تتقدملي.
ابتسامة ظهرت على وشه، فيها خليط بين جدية وسخرية لطيفة:
– طيب، هعمل إيه بقى؟ أتقدملك وأمري لله!
بصيت له بصدمة، وعيني وسعت:
– إيه؟ لأ طبعًا!
ضحك بخفة، لكن نظرته بعدها بقت فيها حتة زعل:
– ليه بقى؟ بتحبي حد تاني ولا إيه؟
اتلخبطت أكتر وردّيت بسرعة:
– لا… بس انت مش مجبر تعمل كده،
أنا بس كنت بفكر نلاقي حل…
عشان لا أنا أتأذي ولا انت تتحط ف موقف محرج.
رد عليّا بنبرة فيها صدق ودفء:
– ومين قالك إنّي مجبر يا نور؟
اتجمدت في مكاني،
قلبي دق بسرعة غريبة،
ماعرفتش أرد.
هو حس بتوتري فكمّل بسرعة وبابتسامة خفيفة:
– قصدي يعني… إني حابب أساعدك، وده جزء من شغلي.
كنت عارفة إنه بيخبي ورا الكلام،
شغل إيه اللي يخليه يفكر يتجوزني بس عشان يحميني؟
في ألف طريقة تانية…
بس هو اختار الطريق اللي بيخليني محتارة أكتر.
بصيت له بعدم اقتناع،
فهو فهم وقال وهو بيحك في رقبته بإحراج بسيط:
– لو مش حابة طبعًا، عادي، أكيد هنلاقي حل تاني.
سكت لحظة،
بعدين قولت بهدوء:
– سيبني أفكر الأول… أشوف إيه الأفضل.
ابتسم، ابتسامة مطمّنة كالعادة، وقال:
– خدي راحتك يا نور.
دخلت السرير بعد ما خلص اليوم الطويل.
عيني كانت مفتوحه، بس عقلي مش سايبني أهدى.
كل كلمه قالها يوسف بتلف ف دماغي، كل نظره، كل ابتسامه، حتى طريقه كلامه الهادية.
مش عارفه أفكر بعقلي ولا بقلبي، يمكن الاتنين بيتخانقوا جوايا.
نفسى أنام وأنسى، بس التفكير كان أقوى.
بعد فتره، دموعي نزلت بهدوء وأنا ببص للسقف…
يمكن أول مره ف حياتي أحس إني مش لوحدي… بس برضه مش مطمنه.
غمضت عيني، وقلبي لسه بيخبط بنفس السرعه اللي بدأ بيها من أول ما قال:
“هتقدملك وأمري لله.”
قعدت أفكر في اللي حصل.
قلبي كان موجوع… مش على نور، لكن على يوسف.
بحبه من وأنا صغيرة، ومع إننا مكنّاش بنشوف بعض كتير، بس دا عمره ما منع قلبي إنه يحبه.
يوسف شخص ناضج، مسؤول، هادي وذكي، ووِسيم… أي واحدة مكاني كانت هتقع في حبه.
بس مكنتش عايزة اللي تقع ف حبه دي تكون صحبتي نور!
خصوصًا إني حاسة إن علاقتهم مش مجرد شغل يوسف بيأديه… حاسة إنه عنده مشاعر اتجاهها.
أنا كمان مشاعري واضحة… بس قعدت أحاول أكبتها.
فكرت كتير أعترف له بحبي… لكن مكنتش عايزة أرخص نفسي.
معرفش هو شايفني إزاي… يمكن مجرد بنت عمه، أو في مقام أخته…
بس قلبي عارف الحقيقة، ومش قادر أكذب على نفسي: أنا بحبه.
تاني يوم صحيت بدري كعادتي، عندي شغل ومواعيد لازم أخلصها.
وأول حاجة جت في بالي كانت نور.
قولت أعدي عليها في طريقي، أوصلها الجامعة… أكيد عندها محاضرات، ومش هينفع تروح لوحدها.
وقفت قدام باب شقتها وخبطت.
عدّت دقيقة… مفيش صوت.
قلبي بدأ يدق أسرع، خبطت تاني بصوت أعلى… برضه مفيش رد.
طلعت نسخة المفتاح من جيبي — كنت واخدها احتياط من يوم ما سكنّاها — وفتحت الباب.
نديت:
__نــــور؟
انتي نايمه؟
لكن الرد كان silence…
هدوء غريب، خانق.
مشيت جوا الشقة، كل ركن فيها بارد وفاضي، كأنها مهجورة من سنين.
دخلت الأوضة، المطبخ، حتى الحمّام — مفيش أي أثر ليها.
طلعت الموبايل بسرعة واتصلت بيها،
رنّ كتير… مفيش رد.
قلبي بدأ يعلى جوّه صدري، كأن في حاجة بتخنقني.
فتحت على طول على “سارة”.
أول ما ردت قولت بصوت متوتر:
__سارة… نور مش موجودة!.
ردت ببرود غريب وجملة كسرتني:
__تلاقيها رجعت لباباها… هي مبتستحملش تقعد لوحدها.
صرخت فيها وقلبي مولّع:
__انتي بتقولي كده ازاي؟ مش خايفه عليها؟!.
ردت ببرود أكتر، نفس النبرة اللي خلت الدم يغلي في عروقي:
__خايفه عليها؟ آه… بس حذرتها وهي اللي أصرت.
هخاف عليها أكتر من نفسها يعني؟.
قولت بغضب مكتوم:
__تمام يا سارة… اقفلي.
قفلت وأنا حاسس النار ماليه صدري.
الخوف والغضب اتجمعوا جوايا في لحظة واحدة.
خايف… ليكون حصلها حاجة.
ولا يكون هو… هو اللي عمل فيها حاجة؟
من غير ما أفكر، جريت على العربية وقلبي سابقني…
متجه ناحية بيتها.
الطريق كان طويل أكتر من العادة،
كل إشارة بتحمر قدامي كنت بحس إنها بتتحدى صبري.
إيدي ماسكة الدركسيون بقوة، ودماغي مليانة صور لنور…
صوتها، ضحكتها، خوفها وهي بتعيط امبارح،
والسؤال اللي كان بيخبط جوايا: هي راحت فين؟
وقفت قدام البيت، نزلت من العربية بسرعة،
دخلت الشارع اللي كنت عارفه كويس…
بس المرة دي، حسّيته مخيف، كئيب، كأن كل بيت فيه بيتخنق.
طلعت السلم بخطوات سريعة،
كل ما أقرب من الباب كان قلبي يدق أكتر.
ولما وصلت… الباب كان مفتوح شوية.
نَفَسِي اتحبس.
زقيت الباب بإيدي بهدوء ودخلت.
البيت ساكت… ساكت بشكل مريب.
الكنبة مقلوبة، وفي كوباية مكسورة على الأرض،
وفي ريحة حاجة شبه العِطر اللي كانت دايمًا بتحطه — ريحة هادية بس فيها وجع.
نديت وأنا صوتي بيرتعش:
“نور؟”
مفيش رد.
دخلت أكتر… كل حاجة مكانها بس في نفس الوقت مش طبيعية.
كأن في حاجة حصلت، ومفيش حد فضل يشهد عليها.
لحد ما عيني وقعت على باب الأوضة نص مفتوح.
زقيته بإيدي، وقلبي بيخبط في صدري كأنه هيكسر ضلوعي.
ولقيتها… مرمية على الأرض!
اتجمدت مكاني ثواني، الدنيا لفت حواليّا،
كل الأصوات اختفت، حتى نفسي اختفى.
رجعت له؟ طب ليه؟ كانت خايفة منه، إزاي تعمل كده؟
جريت عليها، قلبي كان هيوقف،
ركعت جنبها، ناديت اسمها وأنا برجف:
__نور! نور قومي!
بس مفيش أي رد، لا حركة، ولا صوت…
إيدي كانت بتتهز وأنا بحاول أفوّقها،
بس جسْمها بارد، وتعبان.
طرحتها كانت واقعة جمبها،
مددت إيدي بهدوء غطّيت شعرها،
مقدرتش أبص كتير… قلبي وجعني أكتر من المنظر.
شِلتها بإيديا، حاسس إنها خفيفة جدًا…
خفيفة كأنها فقدت كل طاقتها فالحياة.
خرجت بيها بسرعة، خطواتي متلخبطة،
دماغي فاضية إلا من كلمة واحدة بتتكرر:
تلحّقها… لازم تلحقها.
ركبت العربية، حطيتها على الكراسي اللي ورا،
سندت راسها على الكرسي، وشغلت الموتور وأنا برجف.
الشارع قدامي كان ضباب،
وكل دقيقة كانت محسوبة من عمرها.
اتجهت على المستشفى بأقصى سرعة،
وفي قلبي دعاء واحد:
يا رب، بس تكون بخير.


