Uncategorized

رواية ليل المستبد الفصل التاسع عشر 19 والاخير بقلم اسماعيل موسي – تحميل الرواية pdf


رواية ليل المستبد الفصل التاسع عشر 19 والاخير بقلم اسماعيل موسي

وحرب ليل لا تبدأ إلا حين تشتم رائحة التحدّي… والتحدي هذه المرة جاء من رجل ظنّت أنها دفنته تحت أقدامها

في تلك الليلة، لم تطق الجلوس. تجولت فى دوارها الكبير مثل لبؤة تبحث عن فريسة تمادت.

ضربت بقدمها الأرض وقالت لرجالها المجتمعين أمامها من كل صوب:

“ناصر فاكر إنى مش هقدر اوقفه … فاكر ليل اللى كانت بتتوسلله!

ناصر لازم يفهم إن القريه ليّا… الأرض ليّا… والدم ليّا.

واللى يمدّ عينه على بيتى او على سلطانى، أقطّع إيده قبل ما يوصل للباب.”

تقدمت، نظرت إلى الوجوه الجديدة التى اشترتها من خارج القرية، رجال بملامح غليظة وأكتاف عريضة، لا يعرفون عن ناصر إلا ما قيل لهم: “عدوّ الكبيره”.

“اسمعونى …

اللى يجيب ناصر تحت رجلى… خاضع، راكع… ليه جايزة خمسين ألف.

ولو جالي وهو بيتنفس، ليه ضعف المبلغ.

بس لو مات؟

يبقى ضيعتوا عليا متعة كسره، وساعتها محدش هياخد ولا مليم.”

دبّ الحماس في القاعة.

رجال ليل ضربوا الأرض بأقدامهم، أصوات البنادق المعدنية اصطدمت ببعضها، وتعالت الهتافات:

“تعيش الكبيرة!”

“أوامرك يا ليل هانم

“هنجيبه لو كان تحت الأرض!”

رفعت ليل يدها، فأطبق الصمت فورًا.

نظرت لهم بعينين تقدحان شررً “الليلة هتكون نهاية غرور ناصر

على الناحية الأخركان بيت ناصر فى طرف القرية أشبه بظلّ قديم ظل صامتًا سنوات، والآن عاد ينفض التراب عن نفسه.

الضوء الضعيف من مصباح غازى كان يترنح مع نسمات الليل، داخل غرفة ضيقة متواضعة جدرانها طين وحصر قديم على الأرض.

جلس ناصر على مصطبة خشبية، بينما وقف أمامه خمسة رجال… لم يكن أحد منهم من رجال ليل، بل وجوه غريبة دخلت القرية فى صمت، مثل دخان يتسلل من شقوق البيوت.

قال أحدهم بصوت خافت: “احنا جاهزين يا ناصر

لكنّ ناصر لم يجب. كان ينظر إلى الرجل الملثّم الواقف في أقصى الزاوية، ثابتًا، لا يتحرك ولا يظهر منه سوى عينين سوداوين تُشعان بيقظة لا تشبه يقظة الرجال العاديين.

رفع ناصر رأسه نحوه وقال:

“إنت… قلتلى إنك جيت مخصوص عشان الليلة دي؟”

لم يتحرك الملثّم، لم يغيّر حتى طريقة وقوفه، فقط قال بصوت منخفض لكنه عميق كأنه صادر من بئر:

جيت… لأن حسابى مع ليل لازم يتصفى

تبادل الرجال النظرات، أما ناصر فاكتفى بهزة رأس بطيئة، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة منذ زمن بعيد… لحظة لا هروب بعدها، ولا رجوع.

ليل لم تكن تتحرك خطوة واحدة بلا غطاء… وبلا دخان يُعمي العيون.

ولأن الشرطة في المركز تُهابهَا لكنها تخشاها في الوقت نفسه، عرفت تمامًا كيف تُغرقهم في فوضى مفتعلة تبعدهم عن أي حركة تقوم بها ضد ناصر.

مع اقتراب منتصف الليل، اتصلت ليل من هاتف قديم لا يُسجَّل باسْمها، بصوت متعمّد أن يبدو مرتجفًا، مجهولًا، امرأة تدّعي أنها “من قرية مجاورة”:

“الحقونا يا باشا… العيلتين عندنا هيموتوا بعض…

عيلة العوضية نزلوا بالبنادق.

وعيلة السعداوي مسلحين…

إحنا بنضيع يا باشا!”

لم تنتظر رد المأمور وأغلقت.

بعد دقائق فقط، اتصلت مرة أخرى من خط آخر، هذه المرة رجل يُقلّد أحد كبار العائلات: “باشا… الوضع خرج عن السيطرة، فيه نار اتولعت في زريبة، والنسوان بتصرخ…

ابعتولنا حمله فورًا!”

ثم بلاغ ثالث… ورابع…

كل بلاغ من رقم مختلف، ومن صوت مختلف، كأن القريتين المجاورتين اشتعلتا في حرب أهلية.

المأمور الذي كان يحاول منذ شهور أن لا يخسر منصبه ” ولا يجرّ غضب رؤسائه ، صدّق بسرعة.

رفع السماعة واتصل بقوة النقطة جهّزوا عربيتين…

القوات كلها تطلع للقرية اللي جنبنا، الشعب هيولّع فى بعض!”

رجال الشرطة تحركوا على الفور.

خرجوا فى سياراتهم، أضواء زرقاء تشق الليل، واتجهوا ناحية القرية المحاورة… تاركين قرية ليل بلا رقابة، بلا دوريات، وبلا عيون.

بعد أن أغلقت ليل الهاتف “تمام…” همست.

“دلوقتي مفيش حد هيقف بيني وبين ناصر.”

أطفأت الضوء…

وبدأ رجالها يتحركون تحت جناح الليل، متجهين نحو أطراف القرية حيث يقف ناصر ورجاله… دون أن يشعر أحد.

كانت الأرض الزراعية التى تفصل بين دوار ليل ومنزل ناصر تمتد كبحرٍ داكن يغمره السكون… لكن السكون لم يدم.

ليل تقدّمت الصفوف بنفسها، عباءتها السوداء تتحرك خلفها كظلّ أطول من الليل ذاته، وحولها رجالها المنتشرون بين الذرة والبرسيم والبوص، يتقدّمون في خطوط طويلة كأنهم جيش صغير.

رفعت يدها إشارة البدء، تحرك الجميع في آن واحد، بخطى محسوبة، بلا صوت، حتى وصلت ليل إلى أول حدود منزل ناصر المبنيّ بالطين الذي بدا هادئًا… أكثر من اللازم.

“حاصروة.”

قالتها بصوت منخفض… لكنه حمل ثقل أوامرها.

تقدّم الرجال، التفّوا حول المنزل من الجهات الثلاث، وما إن أعطت ليل الإشارة الثانية،حتى انشقّت الزراعة بصوت الرصاص.

انطلقت الطلقات الأولى من رجال ليل، كثيفة خاطفة، تضرب جدران المنزل وتخترق الشبابيك المتهالكة ،وبعد ثوانٍ فقط، جاء الردّ من الداخل…

رصاص متقطّع لكنه مُحكم، كل طلقة محسوبة وكأنهم ثلاثة فقط… لكنهم يعرفون كيف يرمون.

صرخ أحد رجال ليل، ورا الشباك! النار جاية من الناحية التانية، ازداد تبادل النيران ،وهتفت ليل وسط الظلام، بصوت يشقّ هدير الطلقات:

“اضربوا! خلّصوا عليه!

وفجأة… دوّى صوت مختلف،صوت ليس كسائر البنادق.

“تِتِتِتِتِتِتِتِتِت!”

رشاش روسى، كلاشينكوف.،انطلق من فوق سطح منزل ناصر بوابل متواصل، دقيق، يتحرك يمينًا ويسارًا كما لو أن عينًا ثابتة تقيس مواقع رجال ليل بلا رحمة.

سقط أول رجل،ثم الثاني، ثم الثالث الذي حاول الاحتماء خلف جذع نخلة لكن الطلقات اخترقت الجذع واللحم معًا.

صرخت ليل بغضب كل واحد ياخد ساتر، لكن الرشاش لم يمنح أحدًا فرصة.

في وسط الفوضى، ظهر الرجل الملثّم،كان يقف خلف رجال ليل تمامًا،لا أحد لاحظه، وكأنه خرج من ظلمة الأرض.

رفع بندقيته السوداء، وبدأ يطلق النار في ظهر صفوفهم دون كلمة، دون أن يكشف وجهه، فقط حركة سريعة وحاسمة.

كل رصاصة منه كانت تصيب رجلًا من رجال ليل دون خطأ.

رجلان… ثلاثة… خمسة… يسقطون تباعًا في الطين.

ليل، في منتصف الجحيم، كانت تصرخ”شدّوا حيلكم ،احنا عددنا كبير، مش معقول كام عيل يقفوا قدّامنا!

أنا ليل، أنا ملكة القرية!”

لكن صرختها لم تعد تجد من يردّ،الطلقات من السطح،والضرب من خلف صفوفها،جعلت المشهد ينقلب عليها بسرعة لم تتوقعها،وبعد دقائق قليلة فقط،بدأت ليل تشعر بذلك الشعور الذي لم تعرفه منذ سنوات: الخطر الحقيقي.

نظرت حولها، كان رجالها ممددين في الطين، بعضهم يصرخ، وبعضهم لا يتحرك،الأرض كلها امتلأت بأجساد رجالها، في كل اتجاه ولأول مرة ،ارتجفت يد ليل.

كانت ليل تتراجع خطوةً وراء خطوة، أنفاسها تتسارع، والظلام يزداد كثافة حولها،الطلقات هدأت، أو لعلها ابتعدت عنها، لم تعد تفرّق،كل ما أدركته أن الأرض التي سيطرت عليها عامًا كاملًا تحولت في دقائق إلى مقبرة لرجالها،نظرت خلفها، لعل ممراً ما بين الزراعات يفتح لها طريق هروب.

سحبت عباءتها، وبدأت تجرى لا تلتفت، لا تصرخ، فقط تهرب

كانت تريد الابتعاد قبل أن يدرك ناصر أنها في قلب الفوضى، قبل أن يلتقطها الرصاص، أو يلتقطها هو.

لكن الظلام لم يكن ظلامًا تمامًا فجأة… ظهر أمامها ظلّ أسود، ثابت، ينتظرها،كأنه كان يعرف طريق هروبها قبل أن تعرفه هي، توقفت ليل فجأة، جسدها اهتز من الصدمة.

“أبعد من وشي يا…”لم تكمل، فجأة هوت صفعة قاسية على وجهها،قوة غير متوقعة جعلت ركبتها تنثني، وسقطت على الأرض الطينية،رفعت رأسها بسرعة، فوجدت الرجل الملثّم فوقها،بندقيته مصوّبة مباشرة إلى جبينها.

كان صامتًا،صمته أشد من الرصاص،ضغط على الزناد نصف ضغطة،كاد يطلق،هي شهقت، لأول مرة تشعر بأن الموت قريب… جدًا.

ثم، في آخر لحظة، انحرفت فوهة البندقية بعيدًا عن رأسها ببطء،انحنى نحوها وهمس بصوت بارد غليظ:

“وعدت ناصر،إنّي أسيب تأديبك… وعقابك…

على إيده هو.”

رفسها بقدمه بقسوة، جعلها تتدحرج في الطين، ثم أكمل الهمس نفسه… بصوت أقرب إلى الزئير:

“اهربي…

يا كلبة

كانت ليل تركض في الزراعات كأن الليل كله يطاردها، قدماها تغوصان في الطين، وعباءتها تمزقت من أطرافها، والبرد ينهش صدرها المرهق،كل ما تعرفه الآن أنها خسرت المعركة وأن عليها الوصول إلى بيتها قبل أن يصل إليها الموت.

وصلت إلى بوابة دارها الكبيرة، دفعتها بكتفها بقوة، وأغلقت القفل خلفها وهي تلهث بجنون،اندفعت إلى الداخل، إلى الغرفة التي تضم هاتف الخط الأرضي.

“الو؟ الو؟ يا باشا… حد يرد، لكن الخط كان صامتًا…

ليس صمت انشغال، ولا صمت ضوضاء… بل صمت قَطع.

رفعت السماعة أكثر من مرة، ضربتها بالحائط، لكنها لم تصدر حتى طنينًا ضعيفًا،اتجهت لهاتفها المحمول الموضوع دائمًا على الطاولة ،لم تجده.

بحثت يمينًا ويسارًا، قلبت الوسائد، فتّشت الدرج، نظرت تحت السرير، لا أثر له.

بدأ قلبها يخفق بطريقة لم تعهدها،كانت ليل دائمًا مصدر الخوف،ولأول مرة، الخوف هو الذي يعرف طريقه إليها.

“لا… مستحيل… ده مش صدفة… ده متعمل.”

همست لنفسها وهي تتراجع للخلف.

قررت الهرب من الباب الخلفي، قبل أن تنهار أعصابها

لكن ما إن أمسكت المقبض،وفتحته…

حتى شعرت بظل كبير يغطي فتحة الباب.

رفعت رأسها،

كان ناصر واقفًا أمامها،هدوءه هو أول ما قتلها قبل أي شيء

يقف بثبات رجل لم يركض قط،عيناه بلا غضب… بلا شفقة…

عينان لرجل جاء فقط لينهي حسابًا مفتوحًا.

وعلى يساره…

الرجل الملثّم، واقفًا بلا حركة، كأنه شبح خرج من قلب المعركة إلى عتبة دارها.

ارتجفت ليل.

تراجعت خطوة… خطوة أخرى،لكن ناصر لم يمنحها وقتًا.

دفعها بيده إلى الداخل، دفعة قوية لكنها محسوبة،

حتى كادت تقع على الأرض،اقترب منها وهمس بصوت منخفض،صوت جعل دمها يتوقف للحظة:

“على فين… يا حلوة؟”،وانغلقت الأبواب خلفهم.

كانت ليل محشورة بين الحائط والمشهد الذي لم تكن تتوقعه حتى في أسوأ كوابيسها.

ناصر أغلق الباب خلفه، والرجل الملثّم تقدّم خطوتين إلى الداخل،ثم وقف في منتصف الغرفة.

وبحركة بطيئة…

رفع يده إلى وشاحه الأسود،ونزعه.

سقط القناع،تجمدت ليل.

عينها اتسعت، وجسدها ارتجف من قدمها حتى كتفيها.

جــــاسر.

زوجها.

الرجل الذي أيقنت أنها دفنته تحت انقلض بيته؟

الذي ظنت أنها سحقته تمامًا…

الذي كانت تعتقد أن اسمه انتهى مثل دخان.

كان واقفًا أمامها… حيًّا.

بابتسامة واسعة، ابتسامة عارف باللعبة من أولها لآخرها.

قال بصوت هادئ… لكنه يقطّع الروح:”لسه فاكرة إنك قتلتيّني يا ليل؟”

سقطت كلماتُه عليها كضرباتٍ من حجر،ظهره المستقيم، عينيه التي لا تحمل ضعفًا،كلها أشياء لم تراها من قبل.

أخرج من جيبه ملفًا سميكًا، فتحه أمامها،كانت فيه أوراق التنازل الكاملة،أرضه، بيته، أملاكه،كل شيء استولت عليه ليل،وقّفه أمامها وهو يبتسم:

“ادي الأوراق يا كبيرة القريه…

وريني هتكتبي توقيعك ازاي وإنتي مرعوبه.”

يداها كانت ترتعش،لكن الخوف كان أقوى من الكبرياء

أمسكت القلم كأنها تمسك سكينًا باردة…

ووقّعت دون أن تنطق بكلمة،بعد أن أنهت التوقيع همست بصوت مكسور:

“انت… لسه حـ… حي؟”

ضحك جاسر ضحكة قصيرة:أنا كده خدت حقّي…

وخدت أرضي…

ومش هقاضيكي على محاولتك قتلي…زي ما أنا قتلت عيلتك كلها.”

شهقت ليل…

لكن قبل أن ترد،ناصر رفع البندقية نحو رأسها وصاح:

“وقّعي هنا!”ارتجفت ليل للمرة الثالثة.

وقعّت على شيك بمبلغ أسطوريرقم خيالي، لا يستطيع عقلها تصديقه،ثم ورقه أخرى معقده ،ورقة انها أصبحت عبدة

ثم ترنحت على المقعد، منهكة، مستسلمة، تظن أن النهاية جاءت،لكن ناصر لم يكن قد بدأ بعد، صرخ بصوت زلزل الغرفة:

“اتفضل يا شيخ!”

انفتح البابودخل المأذون، خلفه شاهدان،ووراءهم…

فارس، أخوها، واقفًا مجبرًا، رأسه منكسرة، عينيه لا تجرؤ على النظر إليها،ماتت الكلمات في حلق ليل،لم تستطع أن تجد حتى الهواء.

المأذون جلس،فتح الدفتر.

قال بصوت رسمي”نشهد زواج ناصر… من السيدة ليل.”

فارس قال الشهادة بصوت متقطع،الشهود وقّعوا.

ووقع ناصر،ووقع المأذون.

وليل كانت تجلس في منتصف الدار الذي ظنّت أنها ملكته يومًا،والذي أصبح الآن قفصًا،يبدأ فيه الفصل الجديد من حياتها:

فصل “ليل… والمستبد”.

انتهت

الجزء الأول





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى