رواية غابة الذئاب الفصل الثلاثون 30 بقلم ولاء رفعت – تحميل الرواية pdf

رواية غابة الذئاب الفصل الثلاثون 30 بقلم ولاء رفعت
الثلاثون الجزء الأول التكمله
الحمدلله بخير، ما بترديش ليه أنتي وطه علي تليفوناتكم؟، آدم أتصل بيه وما بيردش، قالي أكلمك وأتصلت مرتين ما بترديش”
أشارت إلي ابنتها لتذهب وإلي ابنها أن يكمل كتابة درسه وتتابع المكالمة
“معلش والله ما سمعته، أصل كنت بذاكر لسالم و مغلبني بقالنا ساعتين بنكتب في واجب العربي، و أخوكي مريح دماغه مننا وقاعد في البلكونة بيشرب سجاير، هتلاقيه ناسي موبايله في أي حتة ومش سامعه”
و بداخل الشرفة كان يقف مستنداً علي حافة السور بساعده، ويده الأخري يمسك بها سيجاره التي ينفث دخانها، يستمع إلي ألحان أغنية شهيرة صادرة من الشقة المجاورة وصوت أنثوي يسحر الفؤاد قبل السمع، تُردد كلمات الأغنية بنبرة عذبة، و رائحة عطرها المثيرة تفوح من داخل منزلها لتصل إلي أنفه الذي كان يشم رائحة دخان سيجاره، ألتفت رغماً عنه نحو الشرفة المجاورة لا سيما بعد أن استمع إلي خطوات قرع نعليها وصوتها الذي يقترب.
أخذ ينتظرها ريثما تخرج إلي الشرفة وتطل ليتفاجئ بمظهرها الذي أرغمه بعدم غض البصر، ترتدي كنزة قطنية ذات لون أحمر قرمزي بدون أكمام تلتصق بجذعها وتبدي كل تضاريسها، كما ترتدي بنطال أسود ملتصق بساقيها، تجمع خصلات شعرها لأعلي علي هيئة ذيل حصان، فيتراقص شعرها مع كل حركة أو خطوة لها.
تجرع لعابه مزامنة مع تحرك تفاحة آدم في منتصف عنقه، اغمض عينيه للحظات ووجد عليه أن يترك الشرفة ويدخل إلي زوجته وابنائهما بدلاً من وقوفه أسيراً لهذه الفتنة.
كادت قدمه تخطو إلي الوراء فأوقفته بصوتها الرنان وابتسامة تزيد من بهائها سحراً جذاباً
“Bonjour
طه”
أخذ يطلق اللعنات سراً وعيناه تنظر إلي أسفل، يجيب بحرج وتوتر:
“صباح النور يا مدام روميساء”
نظرت إليه عابسة
“مش أتفقنا تقولي يا روميساء من غير ألقاب؟ وأنا هقولك يا تيتو، دلع طه”
وضع كفه علي جانب عنقه، و كأن الكلمات تلاشت من علي لسانه، فضحكت بدلال
“ليه الإحراج ده كله، خلاص كنت بهزر معاك، ممكن طلب؟”
اقتربت واستندت بمرفقيها فوق السور الفاصل بينهما، مدت يدها إليه بهاتف جوال
هنا رفع عينيه فسألها
“إيه ده؟”
“هعمل لايف أصبح بيه علي الفولورز بتوعي، معلش أصل الـ stand اللي بثبت عليه الفون أتكسر ولسه هاشتري واحد جديد، فممكن أنت تمسك الفون لحد ما أخلص اللايف، دقيقتين مش أكتر”
أومأ لها بالموافقة علي الفور، و يتمني أن ينتهي من هذا الأمر سريعاً قبل أن تراه زوجته
“حاضر، ممكن تقوليلي أضغط فين؟”
اقترب منها ولا يفصل بينهما سوي السور وذلك لينظر في شاشة الهاتف وتشير إليه نحو علامة تصوير البث المباشر
“أضغط هنا علي طول أول ما أقولك go”
كان قربها مُهلك للغاية، كان عطرها يأسر حاسة الشم لديه والآن أنفاسها تسلب روحه مما جعلته غير متحكم في أعصاب يده فكاد الهاتف يقع من قبضة كفه، فاسعف الموقف حتي لا يدمر لها هاتفها الثمين، امسك به وكذلك هي، لمست يدها يده ، فتلاقت حينها العيون وأخذ كل منهما ينظر إلي الآخر
“آسف، وقع غصب عني”
“و لا يهمك، فداك”
تفوهت الأخري بتلك الجملة بإغواء فأجبرته للنظر إلي شفتيها الممتلئة، ابتلع لعابه بصعوبة ونظر إلي أسفل قبل أن يخضع لأمر هويٰ نفسه، هيهات ووصل إلي مسامعه صوت فتح زجاج الباب الزجاجي واتبعه صياح مثل دوي الإنفجار
“مش كنت تقولي يا جوزي يا حبيبي أعملكم كوبيتين ليمون؟!”
ابتعد طه و في يده هاتف روميساء، ألتفت إلي زوجته التي بلغ غضبها إلي الحلقوم
“وطي صوتك يا شيماء وتعالي ندخل جوة وهافهمك كل حاجة”
لوحت بيديها وتشدقت
“تفهم مين يا عينيا، ما هي كل حاجة واضحة زي الشمس، مخليني قاعدة جوه طالع عيني مع ابنك وأنت هنا واقف هنا بتخوني مع السنيورة”
“يخونك إيه بس، أنتي حضرتك فاهمة غلط”
أخبرتها روميساء بذلك، وليتها ما تحدثت إليها فكانت نظرات شيماء إليها كقذيفة من اللهب الحارق، بل ازداد غضبها أكثر عندما تذكرت الأخري عندما رأتها في النادي، نظرت إلي زوجها تسأله بسخرية و إهانة موجهة لذات الكنزة الحمراء
“مش دي البت الشمال اللي كانت عمالة تتصور بين أحضان الشباب في النادي؟!”
شهقت روميساء وصاحت بغضب
“أنا ما أسمحلكيش يا بتاع أنتي تتكلمي عليا بالألفاظ البيئة دي”
اقتربت شيماء منها وكادت يديها تقبض علي ذراعها
“نعم ياختي؟!، بيئة مين يا أم بيئة يا…
أمسك طه بكتفيها ويدفعها نحو الداخل
“عيب يا شيماء، تعالي ندخل جوة وأفهمك”
ثم نظر إلي روميساء معتذراً
“معلش يا مدام روميساء”
“و كمان بتعتذر لها”
كانت تدفعه ليبعد عنها، فصاح بها وصوته الغاضب جعل الجيران يخرجون من النوافذ والشرفات ليروا ما يحدث.
انتبه طه إلي هذا الأمر مما جعله يشعر بالحرج أمام جيرانه، جز علي أسنانه وقال بصوت منخفض يحمل تهديداً ووعيداً لن يتراجع عنه
“أدخلي جوة بدل وقسماً بالله…
رفعت كفها أمام وجهه ليتوقف عن تهديده إليها مقاطعة إياه
“أنا فعلاً داخلة جوة وهلم هدومي وهاروح علي بيت أبويا، أهو يخلالك الجو معاها”
وحدجت نحوها بازدراء ولم يسلم هو أيضاً من تلك النظرة، بينما شيماء عادت إلي الداخل لتنفيذ ما تفوهت به للتو، وقبل أن يلحق بها أعطي روميساء الهاتف
“آسف مرة تانية، عن إذنك”
كانت تقف أمام الخزانة بعد أن خلعت خلعت العباءة وأصبحت بمنامة قصيرة، تأخذ ثيابها المعلقة و المطوية تلقي بهم علي السرير وتتمتم
“أنا مش قاعدالك فيها، أبقي خلي الحلوة بتاعت الشباب اللي فاكرة نفسها نجمة الجماهير تنفعك”
“هدومك دي ترجع مطرح ما كانت يا إما مش هيحصل كويس”
كان يقف لدي باب الغرفة المفتوح، ينظر إليها وهي تقف بتلك المنامة ذات النسيج الشفاف، كان خلفه صغيريه فانتبه إلي وجودهما فقال لأحدهما:
“ممكن يا ريتاچ تاخدي سالم وتقعدوا جوة في أوضتكم”
أمسكت الصغيرة بيد شقيقها الذي تذمر برفض
“لاء، أنا عايز ماما”
“أنا قولت تدخل جوة أنت وأختك، يبقي تسمع الكلام”
أجفل صوته الجهوري ابنه مما جعله أجهش في البكاء وركض إلي غرفته، لحقت به شقيقته وفعلت كما أمرها طه والذي دخل إلي الغرفة وأغلق الباب.
“بتشخط في الواد ليه؟!، هو أنت فاكر لما تقعد تشخط وتهدد أنا أخاف مثلاً؟!”
أخذ يضغط علي قبضته ويستعين بالصبر
“أتقي شري يا شيماء أحسنلك”
ألقت ما في يدها علي الأرض
“عايز إيه شر أكتر ما أنا داخلة عليك البلكونة، لاقيتك لازق في الولية اللي معندهاش بربع جنيه ذرة أخلاق، ووشك لازق في وشها، إيه كنت ناوي تبوسها وجيت قطعت عليك اللحظة؟!”
زفر من أعماقه وأخذ يردد
“استغفر الله العظيم”
ثم تابع:
“أنا هقولك وعايزة تصدقي ما تصدقيش براحتك، أنا كنت واقف بشرب سيجارة وهي خرجت شافتني صبحت عليا وكانت طلبت مني أصورها لايف”
كان صدقه زاد الطين بلاء
“و أنا مالي بالحوارات دي كلها، اللي أعرفه فيه أنك راجل متجوز و المفروض لما تشوف واحدة زي الست دي تغض بصرك وتدخل علي طول تقعد مع مراتك و عيالك اللي سايب مسئوليتهم فوق دماغي لوحدي، أقولك من ساعتين تعالي أقعد ذاكر لابنك شوية هو بيسمع كلامك تقولي أنا مخنوق وهاروح أولع سيجارة، أومال أنا اللي علي أخري أروح أولع في نفسي؟!”
“يوه ما خلاص بقي”
أمسك قنينة عطر وأطاح بها علي الحائط فتحطمت إلي فتات علي الأرض وسائل العطر تناثر علي الحائط.
شعرت بالفزع عندما رأته في تلك الحالة، اكتفت بالصمت واستدارت لتأخذ الحقيبة من الخزانة ووضعتها علي السرير لتضع داخلها الثياب، تمد يدها نحو السحاب فقبض علي ساعدها
“مش قولتلك ترجعي الهدوم مكانها، و لا أنا كلامي ما بيتسمعش؟!”
حدقت إليه بغضب وتحدي في آن واحد
“ايوه مش هاسمع كلامك لأن أنا مش طيقاك و هسيبلك البيت والعيال وما….
جذبها إلي صدره وابتلع بقية الأحرف التي تفوهت بها داخل فمه عبر قُبلة أخرج بها كل ما يشعر به من غضب و إثارة و خليط من المشاعر المتناقضة، يعلم داخله أن زوجته علي حق، كل ما أخرجته من بين شفتيها ينبع عن حب وغيرة ضارية كالنيران المشتعلة وعليه أن يطفئها بنفسه.
ابتعد عنها بعد أن انقطعت أنفاس كليهما، نظر إلي عينيها ثم إلي شفتيها الوردية والمنتفخة:
“حقك عليا ما تزعليش مني”
اعتذاره الصريح والمصاحب بقبلة كانت كالمطر الذي هطل فوق نيران تلتهم الأخضر واليابس، جعل كل مشاعرها السلبية من غضب وغيرة تخبو ويحل بدلاً منها الهدوء والطمأنينة
“لسه زعلانة مني؟”
اكتفت بهز رأسها بالنفي ثم أكملت
“أنا لو زعلت منك بجد هيبقي ساعتها كل واحد فينا في طريق، ياريت ما تخلنيش أزعل منك في يوم من الأيام، لأن لو قلبي قفل عمره ما هيفتح تاني، إياك والخيانة يا طه، وياريت ترجع بالذاكرة زمان وتاخد اللي حصل عبرة”
تذكر في الحال ما حدث بينها وبين طليقها عبدالله، عندما أنتهي الأمر بينهما بعد خيانته لها مع سماح والتي كانت زوجة طه، ذلك الأمر جعلها تلقي الحب خلف ظهرها وابتعدت وحينما لم يتحمل الابتعاد ذهب ليأخذها من منزل والدها وانتهي الأمر بمقتل والدها الذي فارق الحياة بطعنة من يد مَنْ كان يوماً زوجها وحبيبها.
“عايزك تطمني قلبك، عمري ما هخونك يا شيماء”
………
يُتبع…
※الفصل الثلاثون ~الجزء الثاني~※
غابة الذئاب «ما بعد العهد» ![]()
“الجزء الثالث من رواية صراع الذئاب”
بقلم: ولاء رفعت علي
«بعتذر عن التأخير والسبب إن كنت فاكرة الجزء التاني من الفصل هيبقي زي الجزء الأول في كم الاحداث وعدد الكلمات، لكن لاقيت ماشاء الله الجزء بقي أكتر من 7000 كلمة وسياسة الفيس ما بتسمحش نشر بوست بالعدد ده،فقسمته علي جزئين يعني فيه جزء تالت للفصل الثلاثون تم نشره بالتزامن مع الجزء الثاني ومكمل ليه
تمنياتي لكم بقراءة ممتعة ومفيدة أعزائي»
يصدح صوت القرآن الكريم من المذياع والذي يسبق صلاة الجمعة، وأصوات صاخبة بين شد وجذب ينتهي بشجار ما بين هذين الصغيرين، بينما هي تجلس علي المقعد المرتفع تحتسي القهوة وتجري مكالمة مرئية مع ابنة خالتها
“إيه يا جوجو مش ناوية تجيبي دكتور آسر و الأولاد وتيجو تقضوا لكم يومين هنا في الجونة؟”
كانت تشعر بالضيق داخلها، تتذكر كان أخر مرة لهما في السفر عندما كانت ابنتها في عمر الثالثة، ومن بعد ذلك كم تمنت أن تحظي بنزهة ترفيهية و لو ليوم واحد، لكن كيف يحدث هذا و زوجها يعمل ليلاً ونهاراً في المشفى ما بين إجراء عمليات للمرضي و فحوصات!، وقته ليس ملكاً له وهي علي دراية بذلك جيداً، لذا كان قرار ترك عملها منذ فترة حتي تهتم بصغيريها والمهام المنزلية التي لن يقضيها أحد سواها.
ابتسامة باهتة تظهر علي شفتيها
“هنسافر بإذن الله بس مش دلوقتي، أصل آسر عنده مؤتمر في لندن بعد كام يوم”
“يا حرام يا جوجو بجد أنتي صعبانة عليا، أنتي والولاد من الفيلا لخالتو و من خالتو للفيلا، إيه الخنقة دي يا بنتي، ما أنا عندي عيالي وبنخرج و نتفسح و بنروح مصايف”
اكتفت هاجر بهز رأسها و داخلها ألسنة من اللهب، تلاحظ أن الأخري تجعلها تشعر بالحنق الشديد، و هنا لجأت لفن الرد لتكف الأخرى عن مضايقتها
“وهاصعب عليكي ليه؟!، أنا جوزي دكتور جراحة مشهور وقته مش ملكه، و أنا مقدرة ضغوط الشغل عنده في المستشفي، لكن أنتي جوزك من وقت ما خسر فلوسه في البورصة وشركته فلست بقي قاعد من غير شغلة و لا مشغلة، و لولا شغلك و اللي خالتي بتبعته لك كان زمانكم بتصيفو في البانيو”
أطلقت الأخرى ضحكة تظهر أسنانها الصفراء وتخفي خلفها كم الحقد
“يخرب عقلك يا جوجو، لسه زي ما أنتي دمك زي العسل”
داهم هاجر الشعور بالاختناق فأرادت أن تنهي تلك المكالمة
“تسلمي يا هالة، أبقي سلميلي علي خالتو لما تشوفيها”
انتبهت الأخرى بأن ابنة خالتها تنهي معها الحديث، ابتسمت بمكر وتخبرها بالآتي
“يوصل، إحنا هنرجع علي آخر الأسبوع وهنروحلها عشان كريم أخويا راجع من السفر، أصله من وقت ما أتجوز و هو ومراته مش مبطلين سفر و فُسح كل weekend، لفوا أوروبا وأمريكا ودلوقتي هو وهي في المالديف كان واخد أجازة أسبوع من الشغل وراجعين بعد يومين، مش كنتي يا خايبة لو وافقتي علي أخويا كان زمانك مكان مراته دلوقتي”
كان الحديث تعدي كل الحدود مما جعلها تفقد أخر ما تبقي من الصبر لديها، وهنا قد انفجرت
“بصي يا هالة أنا عمالة أعديلك كلامك اللي من تحت لتحت و غرضك إنك تغيظيني، لكن هتفتحي موضوع أتقفل من زمان وملوش لازمة تفتحيه لحد هنا و stop، ما تخليش حقدك عليا يعميكي، وأنا غلطانة عشان كلمتك وبطمن عليكي بس للأسف أنتي ما تستاهليش وكان ليها حق علياء إنها تقاطعك، و من غير سلام”
أنهت المكالمة تاركة الأخري في صدمة وعدم استيعاب، لكن هذا لم يكن يكفي لإطفاء ما تشعر به هاجر من داخلها، ذرفت عينيها الدموع رغماً عنها، و حتي لا تعطي إلي عقلها فرصة للتفكير فيما يرفع ضغط الدم لديها، نهضت وذهبت إلي صغيريها
ركضت إليها ابنتها تشكو من شقيقها
“مامي أمجد خد العروسة بتاعتي وخباها ومش عايز يقولي هي فين”
اقترب الصغير ليخبر والدته
“يا مامي هي خدت مني التاب ومسحتلي اللعبة وقولتلها هقول لمامي طلعتلي لسانها”
مدت يديها إليهما
“تعالوا”
اقترب كليهما منها فقامت بمعانقتهما
“مش أنا قولتلكم قبل كدة، بلاش حد فينا يضايق التاني، و كونوا حنينين علي بعض؟!”
هز كل منهما رأسه فأشار ابنها نحو شقيقته
“هي اللي بدأت الأول من غير ما أعملها حاجة”
عقبت الصغيرة بإنكار
“أنا مسحتله اللعبة دي يا مامي عشان أنتي كنتي قايلالي أي لعبة أو فيديو فيها حاجة وحشة أو علم رينبو ما تتفرجيش عليها أو إحذفيها، واللعبة اللي كان بيلعبها فيها اعلام رينبو وحاجات شكلها تخوف”
ابتسمت والدتها إليها وبداخلها تشعر بالفرح، فالنصائح التي تقدمها لصغيرتها رغماً من عمرها الصغير قد تجني ثمارها.
ربتت علي رأسها
“شاطرة يا كارما برافو، و ليكي عندي هدية”
ثم ألتفت برأسها نحو صغيرها وقالت
“أختك صح يا أمجد، و أنا نبهتك قبل كدة مفيش كارتون و لا ألعاب و لا نتفرج علي فيديوهات فيها حاجة وحشة”
“حاجة وحشة إزاي، مش الرينبو دي ألوان الطيف اللي بتظهر بعد المطر، إزاي تبقي حاجة وحشة؟”
“بص يا أمجد يا حبيبي، ألوان الطيف مخلوق من مخلوقات ربنا و حاجة شكلها حلو جداً، بس فيه ناس وحشة خدو الألوان دي عملوا بيها علم ليهم”
تدخلت الصغيرة لكي تفهم أكثر
“و مين دول الناس الوحشين يا مامي؟”
“فاكرين لما حكيت لكم إن ربنا خلق سيدنا آدم و خلق له حواء؟”
أجاب الصغير:
“أيوه فاكر، و فاكر قولتلنا إنهم لما كلوا من الشجرة اللي ربنا نهاهم عنها ربنا زعل منهم وخلاهم ينزلوا من الجنة ويعيشوا علي الأرض هما والشيطان”
ابتسمت هاجر وقالت:
“برافو يا أمجد، و بعد ما سيدنا آدم وزوجته حواء حسوا بالذنب طلبوا من ربنا يغفر لهم، عاشوا وخلفوا، السيدة حواء جابت مرة ولد وبنت و مرة تانية ولد و بنت، يعني اللي أقصده إن عشان يبقي فيه أطفال لازم راجل و ست يتجوزوا، لكن الناس الوحشة أصحاب علم الرينبو مش عايزين كدة، عايزين الرجل يعيش مع راجل و الست تعيش مع الست، وده ضد اللي ربنا خالقنا عليه وهي الفطرة، والشيطان الشرير هو اللي خلي الناس الوحشين يعملوا كدة من زمان لحد دلوقتي، عشان مش يبقي فيه أطفال، و ربنا خلقنا للعبادة وعشان نعمر الأرض، فهمتوا؟”
هز كلا منهما رأسه
“فهمنا يا مامي”
وتابع أمجد
“و أنا مش هلعب أي لعبة فيها علم رينبو تاني و لا هاتفرج علي كارتون فيه كدة”
“حبيبي ربنا يحميك ويباركلي فيكم أنت وأختك، يلا روحوا أغسلوا إيديكم عشان عملتلكم مولتن كيك اللي بتحبوها”
هلل الصغيران بفرح، ونفذ كليهما أمر والدتهما التي أعدت إليهما أطباق الكيك وعصائر طازجة لذيذة.
༺※※※༻
تفتح عينيها بعد أن داعبتها أشعة الشمس، تقلبت لتطمئن علي ابنها الذي بات منذ الأمس نائماً بين ذراعيها، و إذا بها تهرع عندما لم تجده بجوارها، نهضت سريعاً وذهبت تغسل وجهها وترتدي وشاحها، خرجت تقصد الغرفة التي خصصتها السيدة شيري إلي حفيدها، فتحت باب الغرفة ولم تجده هنا أيضاً.
“حمزة؟، يا حمزة؟”
تناديه بصوت مرتفع، فظهرت إحدى الخادمات تخبرها
“حمزة مش موجود يا مدام علا”
اتسعت عينيها والخوف تملك من قلبها الذي خفق بقوة من الرعب
“راح فين؟”
“شيري هانم خدته وراحوا النادي”
صاحت والغضب داخلها كألسنة اللهب تريد حرق كل ما يقابلها
“تاخدو إزاي من غير ما تقولي”
لم تجد الخادمة رداً علي سؤال الأخرى، لكنها همت بالذهاب وقالت
“عن إذن حضرتك”
ذهبت من أمامها و تركتها تشتعل من الغضب، فما كان لعلا سوي أن تبحث عن زوجها لتجعله يهاتف والدته، أخذت تبحث عنه في كل غرفة حتي وصلت إلي الأسفل وانتبهت إلي صوت الموسيقي الصادر من الغرفة الرياضية الخاصة به.
فتحت الباب فوجدته يجلس علي مقعد جهاز جذب الأثقال باليدين، يرتدي سروال رياضي فقط وجذعه عارياً تنزل قطرات العرق علي صدره، فكان يجذب المقابض إلي أسفل فترتفع الأثقال وتصدر صوت اصطدامها الذي اجفلها، دخلت واقتربت منه فوقفت أمامه تسأله بنظرة تنضح بالعداء
“أمك تاخد ابني وتروح بيه النادي إزاي من غير ما تقولي؟”
توقف فجأة عن ما يفعله ونهض ليلتقط المنشفة القطنية ليجفف بها عرق جبهته وصدره، يخبرها بلهجة حادة
“اسمها مامتك أو تقولي حماتي، أمك دي تتقال في الحارة اللي كنتي عايشة فيها”
ابتلعت الإهانة المتوارية في حديثه
“و لما أنت عارف بالفرق اللي ما بينا و أنا كنت عايشة في حارة و كنت خدامة أخوك، ليه سيادتك أتنازلت عن برجك العالي وأتجوزتني؟!”
كان يتجرع الماء من الزجاجة حتي انتهي وأجاب ببرود
“مزاجي كدة”
“و أنا عمري ما هابقي علي مزاج حد أو يجبرني أعمل حاجة غصب عني، اللي خلاني وافقت هو ابني اللي خوفت عليه من شركم وجبروتكم أنت والست شيرين، مامتك”
للمرة المائة تخبره إنها مجبرة علي الزواج أو الحياة معه، فقد سأم من نفورها منه وهذا يجعله يتراجع إلي الوراء آلاف الخطوات عن ما يشعر به نحوها و من المستحيل أن يخبرها في يومٍ ما عن هذا الشعور طالما هي تكرهه إلي هذا الحد، وأكبر مخاوفه والدته، إذا علمت بذلك سوف تقف من جديد أمامه، و لما لا فالماضي خير معلم وقد حفظ الدرس جيداً وليس بحاجة إلي الغرق في دوامة عذاب مرة أخري.
تردد بداخله قبل أن يلقي عليها إهانة أشد من السابقة، لكن لسانه سبق تفكيره كالعادة
“طالما أنتي قوية أوي كدة وما بتحبيش تبقي علي مزاج حد، أومال بقيتي علي مزاج أخويا إزاي، و لا كان ساعتها اللي عمله علي هواكي”
لم تشعر بنفسها و كفها يهوي نحو خده لكن قبضته الفولاذية قد سبقتها وعيناه يتطاير منها الشر، أثني ذراعها خلف ظهرها ودفع جسدها إليه حتي كاد وجهها يلتصق بصدره العاري.
“أقسم بالله لو كانت إيدك لمست وشي لكنت خليت حياتك جحيم، أوله أحرمك من ابنك وأخره مش هاتشوفي الشمس تاني”
كانت تحدق إليه بتحدي وتظهر له كراهية واهية، تثأر لكرامتها التي بعثرها بحديثه المهين لها عن عمد
“و لا أنت و لا الست الوالدة ولو كان مين في عيلتك كلها، محدش يقدر ياخد مني ابني”
رفع جانب فمه بسخرية، قبض بيده الأخري علي وجنتيها ويخبرها بثقة
“ما بلاش تعملي فيها شبح وتتحديني، عشان لو وريتك وشي التاني هخليكي تتحايلي عليا عشان أموتك وأخلصك من العذاب اللي هاتشوفيه”
وضعت يدها علي قبضته التي تؤلم فكها وخديها، تجيب بصعوبة
“و مستني إيه، موتني دلوقت”
أخذ يجول علي ملامحها بعينيه ونظراته التي لا تدرك منها شيئاً، فكانت تعابير وجهها الشئ ونقيضه، القوة والضعف، الخوف والشجاعة، التحدي والخضوع، وبداخل عينيها آلاف الكلمات التي لو دونها بقلمه سوف ينتهي من مجلدٍ مكون من آلاف الصفحات.
صوت أنفاسه تتصاعد، فتصطدم بوجهها، حرر خديها من قبضته ويده الأخري أعاد وضع ذراعها الطبيعي فتأوهت، رفع يدها وألقي نظرة علي الرسغ وجد أنامله تركت علامات جلية علي بشرتها، كانت تراقب ما يفعله ولاحظت تحول نظراته من الشر والتهديد إلي اللين.
رفع معصم يدها نحو شفتيه، أغمض عينيه وقام بتقبيل موضع الشرايين أثر أنامله، همس إليها ولم تصدق ما يهمس به
“آسف”
أراح كفها علي خده ومازال مغمض العينين، يشعر بدفء ملمس يدها، ارتجف جسدها وأخذ قلبها ينبض بقوة، كليهما يخفي مشاعره تجاه الآخر خشية من توابع هذا الحب الذي ربما ينتهي بعواقب مؤلمة كما سبق!
“عايزني أسامح علي إهانتك ليا دي بسهولة أوي كدة؟!”
اهتز قلبه من سؤالها، كم هو أحمق عندما قام بفتح جرح لديها مازالت تدفع ثمنه إلي الآن، فالكلمة بمثابة رصاصة إذا انطلقت لم تعود، عليه أن يطلب الغفران كما أمره فؤاده
“أنا أكبر عيب فيا لما بتعصب ما ببقاش شايف قدامي، و بيخرج مني كلام أفضل أندم عليه، قوليلي إيه يرضيكي وأنا هعمله، بس بلاش أشوف نظرة الكره دي في عينيكي”
تقسم إنها تري العجب مع هذا الرجل، تارة يكون حنوناً وتارة أخري قاسياً، أوقات يصبح كجبل الجليد و أخري يكون كالجحيم تتأجج نيرانه وتلتهم كل شئ أمامها، تعترف بداخلها إنها قد أحبت الجانب الطيب منه و في ذات اللحظة تكره وبشدة الجانب السيئ فيه، فماذا عساها أن تفعل؟
“لو عايزني أسامحك بجد، خرجني من الفيلا وخليني أعيش أنا وابني بعيد عن هنا، إن شاء الله حتي تشوفلي أوضة”
وجدت عليها استغلال الفرصة أو بالأحرى من الجانب الطيب الحنون لديه، أخذت تحدق إليه و تنتظر أن يجيب علي طلبها، تغمض عينيها وتتوقع الإجابة بالرفض لطلبها
“موافق”
فتحت عينيها والصدمة تعتلي ملامح وجهها، فتابع ليطمئن قلبها
“أنا عندي شقة في المهندسين، محدش يعرف عنها حاجة، هاخدك أنتي وحمزة ونعيش هناك”
“نعيش؟”
ترددها لتأكيد ما يخبرها به حدسها، فأجاب بالإثبات
“أه، أنا وأنتي وحمزة، مش أنا المفروض جوزك؟”
قطعت التواصل البصري بينهما ونظرت في إتجاه آخر، فعاد الوحش كما تسميه من جديد
ويخبرها
“فاكراني عبيط عشان أسيبك تقعدي لوحدك، وهوب ألاقيكي هربتي، أنا هعملك اللي أنتي عايزاه أه عشان أنا عايز كدة، و رجلي علي رجلك في أي مكان هتروحيه”
زفرت بضيق
“إيه مش عاجبك كلامي و لا هاسيبك تعيشي هنا في الفيلا، وشك في وش شيري هانم اللي هي أمي؟!”
ابتسمت رغماً عنها، وتذكرت أمر والدته التي استطاعت أن تأتي بها إلي هنا بكل سهولة
“طب و هتقولها أو هتقنعها إزاي بالموضوع ده؟”
“ما تقلقيش أنا هخليها تقتنع بطريقتي، أمي وعارفها”
شعرت بالقلق والخوف خاصة علي صغيرها
“أنا خايفة لما تقولها تاخد مني حمزة وتبعده عني”
“ماتخافيش، طول ما أنا عايش محدش يقدر ياخده منك أو يمسه بأذي، حتي أنتي مش هسمح حد يقرب منك”
كانت ليست مجرد كلمات بل قطرات من الماء تروي حلقها بعد شعور بالجفاف الشديد، كم تتمني أن ما ينبع منه يكون الصدق، فحديثه كان كالسحر، لا تعلم كيف و متي أصبحت بين ذراعيه، وشفتيه تعانق خاصتها في قبلة يخبرها بها إنه الأمان والسند حتي إذا لم يعترف لها بحبه فيكفي الفعل الذي يقدمه إليها، فالحب والعشق أفعال وليست أقوال.
“ماما، ماما”
نداء ابنها جعلها تعود إلي وعيها، دفعت بيديها صدر أحمد وركضت نحو الخارج حتي وصلت إلي البهو، وجدت ابنها يقف جوار جدته، و عندما رآها اندفع راكضاً إليها، دنت منه واحتضنته بقوة
“حمزة خايف ماما”
ربتت علي ظهره ليطمئن
“ما تخافش يا حبيبي، محدش هيقدر ياخدك مني تاني”
كانت تنظر إلي والدة زوجها وكأنها تخبرها هي بتلك الجملة، فظهر لها أحمد وبدون أن تنتبه إليه أمه أشار إلي علا بوضع كفه علي فمه وهذا يعني أن لا تزيد في الحديث مع والدته حتي يوفي بوعده إليها ويبعدها عن جحيم هذه المرأة.
༺※※※༻
دخلت إلي غرفة النوم لتوقظ زوجها فلم تجده علي مضجعه، انتبهت إلي باب الحمام قد فُتح و هو يخرج منه ليراها فسألها:
“ما صحتنيش ليه من بدري؟”
“أنت راجع من المستشفي و الفجر بيأذن، فسيبتك تنام وتاخد كفايتك من النوم”
إجابتها تحمل الحزن بين ثنايا الكلمات وتأكد عندما ولت إليه ظهرها وتظاهرت بترتيب الأشياء علي طاولة الزينة، اقترب منها وأمسك ذراعها برفق ليجعلها تلتفت إليه
“مالك فيكي إيه؟”
أخفت ما تشعر به من حزن و صنعت بسمة علي شفتيها لكنها لم تستطع التحكم في دموعها التي تجمعت، فتهربت من النظر إليه وخفضت بصرها إلي أسفل، تجيب علي سؤاله بإنكار
“مالي إزاي، أنا كويسة”
وضع كفه علي وجنتها ورفع وجهها ولا يخفي علي بصره تلك الدموع التي علي وشك النزول من عينيها
“و من إمتي و أنتي بتكدبي عليا يا هاجر؟، نبرة صوتك الحزينة و دموع عينيكي بتقول إن فيه حاجة و حاجة كبيرة كمان مزعلاكي، و أنا مش هاسيبك غير لما أعرف”
أبعدت يده عن وجهها وابتعدت بمسافة
“مفيش حاجة يا أسر ويلا عشان تفطر وتلحق صلاة الجمعة”
نفث بقوة من أنفه وتلك علامة تنذرها بأن صبرها علي وشك أن ينفذ، أخبرها باصرار واضح
“طب إيه رأيك أنا مش هفطر و لا خارج من الأوضة غير لما أعرف فيه إيه، و لا أنا عشان ما بقعدش معاكم يبقي خلاص ماليش حق اعرف اللي بيحصل في غيابي؟!”
تركته دون أن تنطق بكلمة واتجهت نحو الباب فصاح بغضبٍ هادر:
“هاجر؟”
ألتفت إليه ولم تتحمل أكثر من ذلك فأجابت من بين دموعها:
“أنا مكنتش عايزة أتكلم، و أنت مصمم تعرف، أيوه أنا مخنوقة ونفسيتي زي الزفت، مش عارفة أقعد معاك و لا نقعد نتكلم زي أي اتنين متجوزيين، تصحي من النوم علي المستشفي و ترجع منها علي النوم، أجازتك تفضل قاعد قدام اللاب تتفرج علي مؤتمرات وبرامج طبية و ناسي إن ليك زوجة وأولاد عايزين يقعدوا معاك أو يخرجوا يتفسحوا”
ضم يديه معاً وزفر بينهما
“هو جديد عليكي طبيعة شغلي؟!، ده أنتي المفروض أكتر واحدة عارفة إننا كدكاترة معندناش رفاهية الوقت والخروج والفسح، أنا عارف إن مقصر معاكي أنتي و الأولاد، و قايلك فترة وهتعدي استحمليني فيها لحد ما تخلص تجهيزات الفرع الجديد”
صاحت باكية:
“الكلام ده داخل علي 3 سنين، أخري فيهم أروح أزور ماما أو نروح النادي عشان تدريبات كارما وأمجد، قولي أنت أخر مرة سافرنا مصيف أو أتفسحنا في أي حتة أمتي؟”
لم تعط إليه فرصة للإجابة أو إعطاء مبررات واهية فتابعت:
“أنا جيت علي نفسي وقفلت العيادة عشان ولادنا يتربوا قدام عيني وما أحسسهمش بأي تقصير، مش يبقي أنت وأنا، أنت بقي بتعمل ألف حساب لشغلك ومش مهم إحنا، كل الناس عايشة حياتها طبيعي بيخرجوا و يقعدوا مع بعض لكن إحنا لازم نستحمل شغل ساعدتك”
ظل ينظر إليها وعلم بل كان علي يقين سبب تلك الثورة التي أمامه، فسألها:
“هي هالة بنت خالتك كلمتك؟”
أخذت تمسح دموعها من علي وجنتيها ثم أجابت
“و إيه علاقة هالة بكلامنا؟”
رفع حاجبيه بتعجب فقال
“عشان هي اللي كل ما تكلمك تقعد تسخنك عليا، و مش بعيد تقعد تجيبلك سيرة الأستاذ كريم أخوها”
“أنا ماليش دعوة بهالة ولا أخوها، أنا كلامي معاك واضح وصريح”
اقترب منها والغضب يتملك منه
“لاء مش واضح و لا صريح، لأن قبل كدة قولتلك بلاش كلام مع بنت خالتك و لو كلمتك قصري معاها لأنها واحدة حقودة مهما ربنا أنعم عليها”
زفر وحاول أن يهدأ من روعهِ ليتابع حديثه
“و لا ناسية لما كانت بتسلط علياء علي يوسف ودخلت في دماغها إنه يعرف واحدة عليها، و علياء لما فهمتها بعد ما كانت هتخرب بيتها بسبب أوهام قاطعتها خالص، أنا كان ممكن أحلف عليكي تقاطعي بنت خالتك دي، لكن بقول لنفسي لاء حرام دي صلة رحم و مراتك ست عاقلة و مش هاتسمح لأي حد يوسوس لها”
“و أنا الحمدلله عاقلة يا دكتور آسر، و مش كلام بنت خالتي اللي هيقومني عليك، هي مجرد ضغطت علي الجرح مش أكتر”
ابتسم بسخرية من هذا التشبيه البالغ في التعبير
“ياه للدرجدي تقصيري بقي بالنسبة لك جرح؟!، أومال لو عملت حاجة كبيرة مثلاً لو خونتك كنتي سمتيها إيه؟!”
سحبت هاتفها من جيب ثوبها وأخذت تلمس علي عدة ملفات فقامت بفتح رسالة نصية واردة
“أنا لو مش عاقلة كان زماني صدقت رسالة من حد عايز يخرب بيتنا بجد، و مش هسمح لأي مخلوق يدخل ما بيننا أو يهز الثقة اللي ما بينا”
رفعت شاشة هاتفها أمام عينيه، فأخذ يقرأ الرسالة
«خلي بالك من جوزك لأن الضربة مش بتيجي غير من أقرب الناس ليكِ حتي لو من دمك»
لاحظ الرقم غير مسجل، بحث بعينيه عن هاتفه فذهب نحو الكمود وتناول الجوال، نقل الرقم علي تطبيق يظهر هوية المتصل، لاحظ أن هذا الرقم قد أتصل عليه من قبل.
و قبل أن تعمل ذاكرته ظهر له هوية صاحب أو صاحبة الرسالة، علياء!!
سألته زوجته والشك يساور قلبها
“أنت تعرف مين صاحب الرقم؟”
كان يدور داخل عقله تحليلاً لم يجد له سوي استنتاج وحيد وعليه التأكد من ذلك قبل أن تأخذ الأمور مجري لايريد الوصول إليه.
سرعان قام بحذف خلية التطبيق والتي يظهر بها الاسم، أغلق شاشة هاتفه وأعاده في مكانه السابق، ألتفت إليها يخبرها كذباً
“لاء، مفيش اسم ظاهر، و لو رن عليكي الرقم تاني أو بعتلك رسايل أعملي له بلوك، عشان واضح ده حد قاصد يخرب لنا حياتنا”
نظرت إلي عينيه التي تحاوطها الهالات السوداء مؤخراً نتيجة السهر المتكرر في عمله، سألته
“تفتكر مين من مصلحته يعمل كدة؟”
جذبها بين ذراعيه، وجد عليه أن يراجع الأمر جيداً ويحتوي زوجته، فلديها حق في شكواها و كم هو مقصراً نحوها ونحو ابنائه
“حقك عليا يا حبيبتي، أنا عارف إني مقصر جامد و خليت شغلي يسيطر علي كل وقتي، لكن من هنا و رايح هخصص ليكم وقت نعمل فيه اللي عايزينه، و هرتب أموري بإذن الله و بعد ما هارجع من المؤتمر، هاخدكم نقضي أسبوع في الشالية بتاعنا في الجونة”
و كطفلة صغيرة تبدد حزنها وحل مكانه سعادة تغمرها، ابتعدت قليلاً والفرح يقفز من عينيها، تسأله
“بجد يا أسورتي؟”
ابتسم إليها ووضع كفيه علي كتفيها قائلاً
“بجد يا عيون أسورتك، مفيش شكراً بقي؟!”
“شكراً يا حبيبي و ربنا يخليك لينا”
عبس بمزاح و أخبرها
“و أنا مش عايزك تشكريني بالكلام”
ضحكت وأدركت ما يريده، أشار إليها نحو وجنته، وضعت قبلة بشفتيها علي خده، فأشار إليها علي خده الأخر فكررت ما فعلته في الأول، أشار أخيراً إلي شفتيه وقال
“دي بقي أنا اللي هاخدها بنفسي عشان وحشاني أوي”
احتضنها بين ذراعيه وغمر شفتيها بين قُبلاته، فهي عشقه الذي أسر قلبه من أول مشاكسة دارت بينهما منذ سنوات، ومقالب انتهت بزواج سعيد إنجاب صغيرين قد ورث كليهما صفات الوالدين.
༺※※※༻
هناك بعض الهدوء يسود بينهما منذ أن أنهي علاقته بهذه الأسيل التي قامت بخداعه وتم هدم كل ما بينه و بين زوجته بالطلاق، و بعد معاناة وتوسل لطلب الغفران منها، أعاد ما تم هدمه ليصبح رباط قوي وسيظل محافظاً علي ذلك مهما كان الثمن وحتي تفيض روحه إلي الخالق.
يفتح باب السيارة ويجلس خلف المقود، يضغط علي الزر المسئول علي فتح حقيبة سيارته لتضع زوجته الحقيبة الخاصة بابنها وابنتها، أغلقت الحقيبة وذهبت لفتح باب المقعد المجاور لمقعد القيادة، سبقتها ابنتها
“أنا اللي هاقعد جمب بابي”
دفعها شقيقها وقال باصرار أيضاً
“لاء، أنا اللي هاقعد جمب بابي”
صاحت كارين بهما
“و لا أنت و لا أختك، ده مكاني و أنتم أقعدوا ورا”
قوست ابنتها شفتيها إلي أسفل وأذعنت إلي أمر والدتها، دخلت إلي المقعد الخلفي ويتبعها شقيقها
أخبرهما والدهما
“كل واحد فيكم يربط الحزام كويس، ومش عايز خناق زي كل مرة”
أجاب الصغير
“حاضر بابي”
“يونس ما تنساش وإحنا في الطريق تعدي علي محل الحلويات اللي بتجيبلنا منه”
ألتفت إليها برأسه
“أومال كمية الحلو والحادق اللي صاحية من الفجر تعملي فيها ده تبقي لمين؟!”
ترتدي حزام الأمان قائلة
“دي أنا عاملها لولادنا وولاد أخواتك، هما بيحبو الحلويات والحادق اللي بعمله لهم، لكن اللي هاتشتريه ده لأخواتك، ماتبقاش بخيل بقي”
“نعم؟!، وبالنسبة للـ credit card اللي كان فيها 10آلاف جنيه وسيادتك خدتيها إمبارح عشان تتسوقي من الهايبر لغاية ما بقت رصيدها زيرو؟!”
نظرت إلي الأمام وترتدي نظارتها الشمسية ذات العدسات سداسية الشكل
“محسسني إن صرفتهم في تافهات، أنا نزلت أجيب حاجة الشهر ومكونات المخبوزات اللي عملتها، مكنتش أعرف إن الأسعار زادت عن الشهر اللي فات”
أخذ يتمتم بصوت غير مسموع
“هي بتزيد كل شهر بس؟!، دي كل يوم كأنها أسهم في البورصة، الجنيه يعوم وإحنا نغرق لحد ما بقينا عايشين في قاع المحيط مع سبونج بوب وسلطع برجر، وأنتي بالنسبة لك الـ 10 آلاف كأنهم 10 جنيه، يارب عدينا منها علي خير”
انتبه إليها وتنظر إليه
“أنت بتقول إيه؟”
ألتفت إليها مبتسماً
“فداكي، فداكي يا روحي 10 آلاف مليار دولار، المهم تكوني مبسوطة”
ابتسمت وعقبت بزهو
“ربنا يخليك ليا يا حبيبي يا يويو”
تمتم مرة أخري كالسابق
“و أخرتها بقيت يويو كمان”
أنطلق بالسيارة وبعد أن قطع منتصف المسافة التي بين منزله و بين القصر، لفت انتباهه وميض مؤشر الوقود يضوي وينطفئ
“إيه ده إزاي؟!”
“فيه إيه؟”
سألته وتنظر نحو الشاشة الرقمية، فأخبرها
“ده مؤشر الوقود بينبهني إنه يقرب يخلص، بس إزاي و أنا مفول العربية و أنا راجع من الجاليري إمبارح؟!”
“ليكون فيه مشكلة في التانك وسرب الغاز”
“أنا لسه كنت في الصيانة من أسبوع و عملت check عليها ومفيش أي حاجة”
“خلاص أقف علي جمب لحد ما نشوف أي محطة بنزين قريبة مننا”
توقف وترجل من السيارة قائلاً
“أقرب محطة بنزين في طريق مقطوع زي ده علي بعد كيلو ونص من هنا”
“مامي إحنا هننزل”
كان سؤال ابنتها فأجابت كارين
“لاء يا چولي، خليكم مكانكم وأنا هطلب أوبر”
نزلت من السيارة تلتفت يميناً ويساراً، لاحظت اقتراب سيارة سوداء، فقالت لزوجها المنشغل بهاتفه
“يونس، فيه عربية جاية علينا، ما نقوله يسحبنا معاه لحد محطة البنزين”
و قبل أن يجيب توقفت السيارة بالقرب منهم وأخرج لهما السائق رأسه من النافذة، شبه مبتسم
“أستاذة كارين، فيه مشكلة؟”
نظر يونس إليه يتأمل ملامح هذا الرجل الغريب الذي يبدو إنه علي معرفة بزوجته، فكان يرتدي نظارة شمسية فقام بخلعها
“أستاذ مهند إيه الصدفة السعيدة دي؟”
ألتفتت إلي زوجها وأخبرته
“أستاذ مهند عبدالرحمن، من أهم العملاء للجاليري و هيبقي فيه ما بينا مشروع قريب”
ابتسم يونس علي مضض وكأنه يمضغ حبة هيل مُرة
“أهلاً وسهلاً”
ألتفت إلي مهند لتخبره أيضاً
“طبعاً بالتأكيد عارف الفنان يونس البحيري جوزي من يوم الحفلة اللي عزمت حضرتك عليها وجيت”
بادله مهند ابتسامته الصفراء
“أهلاً بحضرتك”
تجاهل التحدث مع يونس وظل ينظر إلي كارين، يسألها ليعرض عليها المساعدة
“هي العربية فيها مشكلة ولا إيه؟”
“محتاجة تتفول ومحطة البنزين بعيدة عن هنا”
أجابت هي بدلاً عن زوجها الذي يمقت هذا الرجل دون سبب، بينما مهند لا يهتم إليه علي الإطلا
الفصل الثلاثون الجزء الثاني التكمله
“محتاجة تتفول ومحطة البنزين بعيدة عن هنا”
أجابت هي بدلاً عن زوجها الذي يمقت هذا الرجل دون سبب، بينما مهند لا يهتم إليه علي الإطلاق
“ممكن تسيبوها مكانها وتقفلوها كويس، و تعالوا معايا أوصلكم للمكان اللي أنتم عايزينوا”
ترددت كارين وتشعر بالحرج، فقال زوجها
“شكراً، أنا طلبت أوبر وأكدت علي الرحلة”
“و ليه أوبر و أنا موجود؟، ممكن تكنسل الرحلة عادي، و لا يا مدام كارين بتعتبروني غريب؟!”
ابتسمت بحرج وأخبرته
“ليه حضرتك بتقول كدة؟، هو يونس بس مش راضي يتعبك معانا”
“و لا تعب و لا حاجة، أنا كدة كدة رايح التجمع”
عقبت بدهشة
“إيه الصدفة دي، إحنا كمان رايحين التجمع”
زفر يونس لعلها تدرك أن تكف عن التحدث مع هذا الرجل ذو النظرة القاتمة، لاحظ مهند شعور الأخر إتجاهه لكنه لا يبالي مرة أخري وقال
“خلاص يلا أركبوا”
اقتربت كارين من زوجها:
“فيه إيه يا يونس، عمال تنفخ ومش طايق الراجل، يعني الحق عليه إنه عايز يوصلنا؟!”
أجاب بصوت خافت
“أيوة مش طايقه، و مش مرتاحله نفسياً خالص، و أنتي عمالة تاخدي وتدي معاه في الكلام و لا كأني قرطاس لب واقف جمبك”
“يخربيت تشبيهاتك اللي بتموتني من الضحك، معلش عشان خاطري تعالي علي نفسك ويلا نركب معاه، وأتصل بالإنقاذ يجوا ياخدوا العربية، بليز بقي الأكل اللي في شنطة العربية ممكن يبوظ غير إننا هنتأخر علي أخواتك”
قال علي مضض والامتعاض يعلو ملامح وجهه
“ماشي يا كارين و لما نروح بيتنا حسابك معايا”
يتبع…
※الفصل الثلاثون ~الجزء الثالث~※
غابة الذئاب «ما بعد العهد» ![]()
“الجزء الثالث من رواية صراع الذئاب”
بقلم: ولاء رفعت علي
و بعد أن قام يونس بنقل الحقائب التي تحتوي علي الطعام من حقيبة سيارته إلي حقيبة سيارة الأخر، دخل هو وزوجته وابنائهما إلي سيارة مهند، حيث جلس بجواره يونس، وكارين وصغارها في المقعد الخلفي، كان مهند كل فينة والأخري ينظر إلي كارين عبر المرآة الأمامية، لكن دون أن يلاحظ يونس ذلك، فكانت النظارة الشمسية تخفي تجاه ما ينظر، يتأمل ملامح ابنتها التي تشبهها كثيراً، علي نقيض ابنها الصغير الذي يشبه والده تماماً، وبالرغم من أنها ترتدي نظارة شمسية أيضاً لكنها تلاحظ جيداً نظراته إليها والتي تسبب القلق والتوتر نحوه، رجل غريب الأطوار وتحيطه هالة مخيفة، و هي حتي الآن تفترض حسن النية نحوه إلي أن يثبت لها عكس ذلك.
“أيوة هنا”
قالها يونس بعد أن ألتزم الصمت طوال الطريق، هلل الصغيران
“هييه، وصلنا، وصلنا”
ترجلت كارين لتساعد ابنتها في الخروج من السيارة، و ترجل يونس أيضاً وبعد أن أخذ الحقائب قال باقتضاب
“متشكرين يا أستاذ مهند”
نظر الأخر إلي كارين ثم إلي زوجها
“العفو يا فنان”
تقدم إحدى حراس الأمن لدي البوابة من يونس يأخذ من يديه الحقائب قائلاً بترحاب
“أهلاً وسهلاً يا يونس بيه، أهلاً وسهلاً يا هانم نورتم القصر”
أومأت كارين إليه مبتسمة و كذلك يونس
“تسلم يا عم مؤمن”
وقبل أن ينطلق مهند نظر إلي كارين ولوح بيده و ألقي ما يسبر أغوار زوجها
“مع السلامة يا مدام كارين، وبكرة هاكون عندك عشان دراسة الجدوي الخاصة بالمشروع اللي ما بينا”
أومأت إليه قائلة
“إن شاء الله هستني حضرتك، باي”
لوح إليها بيده ثم ألقي بنظرة وعيد إلي يونس وعاد ببصره من أسفل النظارة إلي كارين
“خدي بالك من نفسك باي”
أنطلق بسيارته وكارين تتابعه وتخشى أن تلتفت إلي الذي يقف علي يمينها، فكان يهمس إليها بوعيد
“أنا هعدي اليوم بس عشان خاطر أخواتي، لكن والله يا كارين لما نروح بيتنا هيكون ليا معاكي كلام تاني”
نظرت إليه بضيق
“قصدك إيه بكلامك ده؟!، كل اللي ما بيني وبينه شغل و بس، لو أنت بقي نيتك رايحة لحتة تانية يبقي أنت كدة أتجننت وأنا اللي مش هاسكت، عشان معني كلامك أنك ما بتثقش فيا”
“أنتي أتجننتي في مخك و لا إيه؟!، طبعاً واثق فيكي، بس معنديش ذرة ثقة في أي حد من اللي حواليكي وخصوصاً البني آدم التنح ده، قال اسمه مهند قال”
نطق كلماته الأخيرة بنبرة ساخرة مما جعلها تضحك رغماً عنها، لكنه أتخذ ضحكتها استهزاء وسخرية علي حديثه
جز علي أسنانه وداخله يشتعل من الغيظ، أشار إليها بيده إلي البوابة المفتوحة يقول من بين أسنانه
“قدامي يلا”
أدركت أنه علي وشك أن يفقد صبره، و إذا حدث ذلك فلم تأمن حدود غضبه إلي أين سوف تصل!
أمسكت صغيريها، كل منهما في يد و عبر جميعهم البوابة في صمت.
༺※※※༻
يتجمع رجال العائلة في الحديقة وصوت ضحكاتهم يتردد في الإرجاء، فكان يونس يعيد من ذكريات الماضي عندما كانوا أطفالاً
“فاكر يا ياسين لما كنا وإحنا صغيرين، روحت وقفت أمام باب التويليت وفاكر إن أنا اللي جوه وقعدت تقول بتعمل إيه جوه يالا، ده أنت لسه عاملها علي نفسك علي السرير، و لسه هاتكمل كلامك هوب لاقيت الباب أتفتح وبابا الله يرحمه واقف في وشك”
عقب ياسين من بين دموع ضحكته
“الله يخرب عقلك، ده أنا علي طول كل ما كنت أعمل أي حاجة فيك أنت بالذات ألاقي بابا في وشي، وساعة الموقف ده أول ما شوفته طلعت أجري وأستخبيت في أوضة داده سميرة من كتر الإحراج”
“و لا طه اللي دايماً كل ما يجي عندنا علي طول باصص لنا بقرف و مش طايقنا، ببقي نفسي أقوله والله يا بني إحنا لسه واخدين shower ، روح أكشف علي مناخيرك”
حدق يونس إلي طه الذي يضحك وتابع:
“ألا قولي يا طه كل مرة نفسي أسألك ليه كنت قرفان مننا وبنسي”
ماذا سيخبره، هل يقول له إنه كان حاقداً عليهم حتي وفاة والده وتبدل حاله علي النقيض؟!
حمحم ثم أجاب
“كنت طفل رخم بعيد عنك، حتي مكنتش طايق نفسي”
قهقه الجميع وكان قصى الذي كان يقف بجوار مصعب حول فرن الشواء ذو الفحم المشتعل، كان يستمع إلي سرد شقيقيه لمواقفهم الكوميدية، علي وجهه ابتسامة لكن داخله ذكريات طفل عاش مواقف أكبر من عمره حينها، يكفي إنه عاش أول العشر سنوات من عمره في ذلك القصر علي إنه ابن الخادمة، كم تلق الإهانة من المفترض إنه جده «حكيم البحيري»، و عندما قام بطرده مع والدته خارج القصر و كان مصيريهما حادث بشع أدى إلي وفاتها فأخذه الرجل الثري رسلان العزازي، كان حنوناً وعطوفاً عليه لكن كان أيضاً حازماً، جعله فتي قوياً وماهراً في فنون القتال والرماية وخاصة إطلاق الرصاص صوب الهدف بكل دقة ومهارة، جعله يحتك ويتعامل مع عالم رجال مافيا السلاح داخل وخارج البلاد، رأي الموت والأهوال بعينه حتي أصبح كجلمود صخر لا يخشى شيئاً، بل كان الجميع يهابونه كما كان أعدائه يخشون مواجهته، تمُر السنين ويصير الفتي شاباً ثم رَجُلاً يافعاً، و جاء العشق ليجعل هذا الوحش يترك عالمه المظلم ويسير في درب النور من أجل زوجته التي يعشقها وانجبت إليه ابنه وابنته فأصبحوا الهواء الذي يتنفسه ويحيا به.
عاد من بحر ذكرياته المظلم علي صوت آدم
“إيه يا قصى، سرحت في إيه وسايب اللحمة هتتحرق”
أنتبه إلي قطعة اللحم فقام بتقلبيها علي الجهة الأخري و ألتفت إلي أشقائه قائلاً
“كنت بفتكر ذكريات طفولتي”
سأله ياسين بفضول
“طبعاً كنت أعقل واحد فينا و مكنتش بتعمل الهبل اللي كنا بنعمله أنا ويونس”
“هي مش مسألة عقل، لكن الظروف وقتها هي اللي أجبرتني علي كدة”
أكتفي بتلك الكلمات والتي جعلتهم جميعاً يشعرون بالأسف نحوه، فضحك قصى حتي يُبدد تلك الغيمة
“الحق يتقال، الأتنين اللي كانوا عاقلين وواخدين الحياة جد من صغرهم، آدم و يوسف”
عقب آدم
“أنتم واخدين عني فكرة غلط، بالعكس أنا كنت شقي ومتهور بس كنت بعمل المصيبة من غير ما حد يعرف”
عقب يونس
“قصدك تقول كنت سوسة ولئيم”
ضحك آدم وأخبرهم
“أعترف كنت سوسة آه، بس لئيم دي لاء، اللئيم كان يوسف، ذكي وحويط، و كان يعمل المصيبة و يلبسها لحد فينا، بسببه كلت كذا علقة من بابا الله يرحمه، أو كنت بتعاقب بالحبس في أوضتي باليومين والتلاتة”
“ده مين ده اللي حبسك؟”
ألتفت جميعهم إلي صاحب الصوت فقال مصعب
“ابن حلال والله يا دكتور، كانوا لسه بيجيبوا في سيرتك و بيشكروا فيك، صح يا آدم؟”
سألهم يوسف وهو ينظر إلي شقيقيه يونس وياسين وهما يكتمان الضحك
“و ياتري سيرتي كانت بالخير ولا بالشر؟”
حدق آدم إلي ياسين ويونس بوعيد ثم ألتفت إلي يوسف قائلاً
“خير طبعاً، حمدالله علي السلامة”
༺※※※༻
وهناك بداخل القصر حيث تتجمع النساء والأطفال يلهون قريباً منهن
“والله أنا فرحانة جداً، أخيراً أتجمعنا من بعد أخر مرة في عزومة مامي وأونكل عابد”
كان حديث ملك التي تشعر بالسعادة، فعقبت خديجة
“إن كان علينا ممكن نتجمع كل يوم، لكن الرجالة هم الشغل اللي واخدهم”
اعتدلت علياء وتركت قدح القهوة فوق الطاولة التي أمام الأريكة
“بالنسبة ليا أنا ويوسف الشغل فعلاً واخد كل وقتنا، هو في المستشفي و أنا في المركز، بجد مهنة الطب عايزة قوة ومجهود جبار، و في نفس الوقت لازم أخد بالي من عزالدين ولوچي، وشكلي هاخد اجازة قريب عشان إمتحانات لوچي”
تناولت كارين قطعة شيكولاتة من الإناء الزجاجي المزخرف قائلة
“بالنسبالي الجاليري بحس فيه براحة نفسية، و لما بكون مضغوطة أو نفسيتي تعبانة بخرجها في الرسم، و سبحان الله بتبقي أكتر لوحات بتتباع و بيبقي عليها الطلب مخصوص”
ألتفت نحو صبا التي تمسك بالهاتف وتتابع شيئاً ما، فسألتها كارين
“خير يا صبا، ساكتة و مش بتتكلمي معانا، طبعاً مشغولة بالشركة الجديدة”
نظرت إلي البقية وتابعت بسعادة
“باركوا لصبا يا جماعة، أخيراً قصى سابها تعمل مشروع شركة للـ fashion design، و بالتأكيد هاتبقي من أكبر الشركات في الشرق الأوسط و مش بعيد هتبقي تريند”
ابتسمت إليها علياء وقالت بتهنئتها
“ألف مبروك يا صبا”
أجابت الأخري بسرور
“الله يبارك فيكي يا دكتور”
“ألف مبروك يا صبا، و أنا هاكون من أول زباينك، بس ياريت تصمموا حاجة تناسب المحجبات”
“الله يبارك فيكي يا ملك، ما تقلقيش ده أول ستايل ههتم بيه وهيبقي ليه قسم خاص في خط الإنتاج”
عقبت خديجة
“خلاص كدة مش هلبس غير من عندك، ألف مبروك”
“بس كدة من عينيا أنتي وملك هيتصمم ليكم أحلي شغل”
كانت شيماء تجلس وتتابع في صمت منذ أن جاءت، تتأمل صبا التي ترتدي ثياباً أنيقة تنم عن زوق رفيع لسيدة أستقراطية وكذلك الأمر لدي علياء و كارين، و ملك رغماً أنها ترتدي ثوب محتشم وحجاب لكن أيضاً أنيق وجذاب.
عادت ببصرها إلي صبا مرة أخري ثم اقتربت من خديجة وسألتها بصوت خافت
“بت يا خديجة، مش دي البت بنت عمة جوزك اللي كان بيحبها و قام جوزها خدها منه عافية وأتجوزها؟!”
لكزتها خديجة بمرفقها دون أن يلاحظ البقية وأخبرتها بهمس
“وطي صوتك الله يسامحك”
“هو أنا قولت حاجة غلط؟!، أنا بسألك هي و لا لاء، أصلها حلوة و جميلة أوي، بالتأكيد جوزها الراجل القمر المز اللي واقف مع جوز ملك و بيشوا اللحمة”
حدقت إليها الأخرى بامتعاض وقالت بتهديد
“أيوة هي، و لو ما سكتيش هاروح لجوزك و اقوله عماله تقولي علي ابن عمه إنه قمر ومز، خليه يوريكي القمر و النجوم في عز الضهر”
ابتلعت شيماء لعابها بخوف أخفته خلف ابتسامة
“كدة يا ديجا، أخس عليكي أنا كنت بهزر و بفضفض معاكي بكلمتين، عايزة تقولي لطه عشان يعمل من لحمي شاورما”
ضحكت خديجة رغماً عنها من حديث صديقتها المضحك فقالت لها
“بدل ما تخافي من أخويا، خافي من ربنا الأول حتي لو قصدك هزار، ما ينفعش تتأملي في راجل مش من محارمك و تقعدي توصفيه كدة”
“ما خلاص بقي يا شيخة خديجة مكنوش كلمتين قولتهم، بس سيبك أنتي مني دلوقتي، هو أنتي بتعرفي تتعاملي معاهم إزاي، قصدي عرفتي تتأقلمي علي عيشتهم؟”
تعلم الأخرى بمدي طيبة زوجة أخيها التي تجعلها تتحدث بأسلوب ينفر منه البعض، أو يأخذونه علي محمل سيئ.
“أنا و آدم بقالنا تسع سنين متجوزين، يعني كل واحد فينا عارف طباع وعادات التاني، أي نعم أتربيت في الحارة بس أتعلمت بسرعة إزاي أتعايش وأبقي منهم، و في نفس الوقت محافظة علي تعاليم ديني”
“الله يقوي إيمانك أكتر وأكتر يا أخت خديجة”
قالتها شيماء بسخرية مازحة، نهضت الأخري وأخبرتها بمزاح أيضاً
“أنا حاسة بسخرية في كلامك، لما أقوم أطمن علي أخويا و أقوله علي القمر”
قبضت صديقتها علي رسغها بكلا يديها
“رايحة فين يا مجنونة، أنا بهزر معاكي”
جلست خديجة وتبتسم بانتصار
“و أنا كمان كنت بهزر، يلا يا جبانة”
༺※※※༻
وبالعودة إلي الخارج، ينبعث الدخان من الفحم بقوة بعد أن ألقي مصعب عليه الماء
“أخيراً خلصنا شوي”
“أنا هاروح أغسل إيدي و هاغير هدومي اللي بقت كلها ريحة دخان”
تفوه قصي فقال له آدم
“أطلع أوضتي فوق وألبس اللي يعجبك”
“أنا عامل حسابي وجايب معايا هدوم إحتياطي”
فقال يوسف
“و أنا كمان هاطلع أخد shower وأغير و نازلكم علي طول، بس أوعوا تاكلوا من غيري”
ضحك يونس وقال
“أنت بتقول لمين ما تاكلوش، ده مصعب وآدم هيقوموا بالسفرة لوحدهم”
رد آدم ويلكز شقيقه بالهوائية ذات الريش
“لما إحنا كدة أومال أنت تبقي إيه”
عقب ياسين وقد تملك الضحك منه
“يونس يبقي من نسل يأجوج ومأجوج، يقضي علي الأخضر واليابس”
دنا يونس نحو أسفل الشجرة حيث يوجد غصن خشبي غليظ، رفعه لأعلي وكأنه سيضرب أحد به
“ده مين ده ياض اللي من نسل يأجوج و مأجوج، و ربنا لوريك “
ركض ياسين وخلفه يونس في الحديقة، ركض الأطفال ليروا الأثنين فأخذوا يضحكون
و في الداخل، مر يوسف وألقي التحية علي النساء، فرد جميعهن، وقفت علياء منادية
“يوسف أستني”
نهضت واقتربت نحوه
“حمدالله علي السلامة يا حبيبي”
رد باقتضاب
“الله يسلمك”
“أنجي عاملة إيه دلوقتي؟”
“تمام كويسة، خرجت الصبح بعد ما غيرتلها علي الجرح”
تنفست الصعداء ثم قالت
“الحمدلله، أنا كنت خايفة أوي”
سألها و نظرة غموض جلية داخل عينيه
“خايفة عليها و لا منها؟”
لم تفهم مغذي سؤاله
“قصدك إيه؟، أنا كنت فعلاً خايفة عليها، مهما كان دي أم لوچي و عمري ما أتمني الموت لأي حد حتي لو عدوي، و بعدين هخاف منها ليه، أنا عمري ما هحتك بيها تاني خالص”
“حصل خير يا علياء، عن إذنك أنا طالع أغير هدومي”
“طيب ممكن طلب و ياريت ما تنسي؟”
“قولي”
“أنا نسيت الفون بتاعي فوق علي التسريحة ممكن تجيبو معاك و أنت نازل؟”
أومأ لها قائلاً
“حاضر”
“حبيبي ربنا ما يحرمني منك”
ربت علي كتفها ثم تركها واتجه نحو الدرج، لاحظت لوچي أن والدها سيصعد إلي أعلي، نهضت فأوقفتها علياء
“رايحة فين يا لوچي، إحنا هنتغدي دلوقت”
أجابت الأخري والتوتر يبدو واضحاً علي ملامحها
“نسيت حاجة فوق، هطلع أجيبها ونازلة علي طول”
كانت خطواتها أقرب إلي الركض، و السبب إنها قد نست هاتفها في الأعلى في غرفة والدها وعلياء، تذكرت أمر عمر إذا قام بالاتصال بها ووالدها في الغرفة.
كان يوسف قد دلف للتو، يخلع سترته وربطة العنق ثم ساعة يده، اتجه إلي الحمام، أوقفه صوت رنين هاتف، ألتفت إلي مصدر الصوت وجد هاتفين علي طاولة الزينة أحدهم لزوجته والأخر لابنته.
رأي أن الرنين صادراً من هاتف علياء و المتصل
«أسر»!
أمسك الهاتف وتردد في أن يجيب أم لا، أنتهي الرنين و ما هي إلا ثوان وجاءت رسالة واردة، يظهر نصها المتحرك علي شاشة القفل
«علياء لما تشوفي المكالمات والرسالة كلميني ضروري، عايزك في حاجة مهمة»
قرأ ذلك النص مراراً وتكراراً، الوسواس ينهش أذنه و يحتل رأسه، كلمات طليقته قد يكون بعضها صدق، عليه أن يترك الأمور تسير بشكل طبيعي دون أن يتدخل أو يجعل زوجته تنتبه إلي مراقبته لها، حيث قرر إنه سيأخذ وضع المراقب حتي يمسك ولو دليلاً واحداً وحينها سيكون لها القاضي والجلاد!
فُتحَ الباب فجاءة و ظهرت لوجي التي رأت والدها يمسك بهاتف زوجته وتركه بمجرد رؤيته لها
“فيه حاجة يا لوچي؟”
أجابت وعينيها ما بين النظر إلي هاتفها ثم إلي والدها
“كنت بدور علي الفون بتاعي”
أمسك بالهاتف ومد يده به إليها
“أتفضلي”
أخذته وحاولت إخفاء القلق والتوتر خلف ابتسامة قائلة بإمتنان
“thank you dad”
ذهبت سريعاً وأغلقت الباب ورائها.
༺※※※༻
تجتمع العائلة حول المائدة، و علي رأسها قصي لأنه كبير العائلة الآن و علي يمينه صبا ومالك و علي شماله مصعب جواره ملك ويليها ابنتيها مليكة ونور، ثم يوسف وجواره علياء وابنها عزالدين وشقيقته لوچي، وفي الجهة المقابلة جوار مالك عمه آدم و يليه خديجة وجوارها يوسف الصغير والتي تجلس بجانبه زينب الصغيرة بينه و بين عمتها كارين ويليها ابنتها چوليانا و ابنها رسلان ثم يونس الذي يجلس في الجهة المقابلة له طه وجواره شيماء وابنها سالم وتليه شقيقته ريتاچ وتجلس بجوارها ياسمين الصغيرة والتي بجانب والدها الذي يتأمل هذا المكان، يشم رائحة ياسمين زوجته عندما كانت تعمل هنا، كيف كان يقترب منها ويشاكسها، حتي حدث المحظور، وبرغم ندمه الشديد علي ما فعله بها، لكنه كان و مازال يعشقها.
“بالمناسبة السعيدة دي و إننا كعيلة متجمعين يارب ديماً في كل خير، أقولكم باركوا لياسين هيخطب رودينا صاحبتي”
تفوهت ملك بكلمات انتبه إليها شقيقها الذي جز علي أسنانه و حدق إليها معاتباً وغاضباً في آن واحد، فهو لا يهتم بهذا الأمر فلماذا هي تخبرهم بشأن يخصه هو؟!
هل تخشي أن يتراجع عن قراره و بإعلانها هذا تجعله مُقيد بالإجبار في زواجه من صديقتها؟!
“ده أنا مش مصدق نفسي أخيراً، ما كنا قاعدين معاك من بدري ما قولتش يعني”
قالها آدم فعقب يونس قائلاً
“و رودي قصدي رودينا بنت زي القمر وعاقلة وهادية”
لكزته كارين بمرفقها في ذراعه فتأوه
“أتلم”
“والله ما قصدي أعاكسها، أنا بقوله علي مميزاتها بس”
“ألف مبروك يا ياسين”
قالها قصى، فأجاب ياسين
“الله يبارك فيك”
تلقي التهنئة من الجميع فسألته صبا
“و أمتي الخطوبة؟”
“لسه هاقابل باباها وهانحدد مع بعض، و غالباً هتبقي خطوبة وكتب كتاب”
“كتب كتاب علي طول كدة، ليك حق ما أنت عازب بقالك أكتر من سنتين”
قالها مصعب فضحك الجميع ما عدا ياسين الذي نهض بعد أن شعر بالضيق والاختناق
“الحمدلله”
سأله يونس الذي فطن السبب
“أجي معاك نتمشي شوية ونشربلنا سيجارتين”
“لاء خليك كمل أكلك، أنا شوية وراجع”
ذهب تحت أنظارهم جميعاً، فقالت ملك
“أنا حاسة إنه أتضايق لما قولتلكم”
أخبرها آدم
“مش أنتي السبب، كلنا عارفين إنه لسه متعلق بذكرياته مع ياسمين الله يرحمها، و متأكدين عمره ما هيقدر ينساها”
مسح قصي فمه بالمحرمة وعلق علي حديث أخوته
“أنا شايف إنكم تسيبوه علي راحته، دي حياته، و هو ما حبش غير مراته، يعني لما يتجوز صاحبة ملك هيعاشرها بالمعروف ويمكن من معاملتها الكويسة ليه يحبها، بس مش هيكون بنفس درجة حبه لمراته الله يرحمها”
تدخلت كارين بنبرة تنبع من الحزن والأسف علي حال شقيق زوجها
“بس ده هيبقي ظلم لرودينا وظلم لنفسه في نفس الوقت”
قالت ملك التي شعرت بالحيرة والقلق علي صديقتها، تخشي ما قاله قصي، فقالت
“ليه بنسبق الأحداث، مش يمكن مع العِشرة يحبها، كلنا بنحب ياسمين الله يرحمها، بس برضو ده أخويا و مش هفضل شيفاه متعذب بسبب فراق مش بإيديه وعايش علي الأطلال، و لا أنت إيه رأيك يا مصعب؟”
كان مصعب مندمجاً في تناول الطعام، تدخلت زينب الصغيرة قائلة
“عمو مصعب مش هايسمعك يا عمتو عشان عمال ياكل الطبق بتاعك”
نظر الجميع إلي مصعب الذي كان يأكل بالفعل الطعام من صحن ملك، قهقه آدم وقال مازحاً
“كدة يأجوج ومأجوج زادوا واحد بعد يونس”
نهض يونس وصاح مازحاً
“إيه يا باشمهندش آدوم، هي الحفلة النهاردة عليا و لا إيه؟”
أمسكت كارين يده ليجلس وتكتم ضحكتها، فجلس زوجها وأخذ يبحث بعينيه في الصحون الكبيرة، فقال إلي ابنة شقيقه
“بالله عليكي يا لوچي ناوليني حتة الريشة الكبيرة عشان من بدري هاموت عليها”
انفجرت كارين ضحكاً وتبعها الجميع..
༺※※※༻
بعد انتهاء الغداء، تجمعوا في الحديقة وتبادلوا الأحاديث، و أخذ الأطفال يمرحون ويتناولون الحلوى و الحادق التي صنعته كارين.
ذهب كل من قصى وآدم ومصعب لدي الإسطبل وركب ثلاثتهم الخيول، كل واحد علي حده، و قاموا بالمسابقة تحت تشجيع زوجاتهم، وفي النهاية تفوق عليهم قصي ليصبح في المقدمة.
و في مكان قريب قام كلا من يوسف و طه ويونس يلعبون ألعاب إلكترونية «playstation»
وبعد انتهاء كل منهم من ممارسة ما يحبونه تجمعوا داخل القصر، و تبادلوا السمر من ذكريات أو التكلم عن أحداث هامة.
حتي قاطعتهم ملك جميعاً
“كفاية بقي كلام عن الحوادث والبيزنس، إحنا جايين نقعد مع بعض ونفرح، بس إحنا نسينا أهم حاجة المفروض كنا بدأنا بيها أول ما اتجمعنا”
سألها قصي
“إيه هي؟”
“إننا نقرأ الفاتحة لبابا الله يرحمه، بالتأكيد هو حاسس بينا ومبسوط إننا مهما أنشغلنا عن بعض وبعدنا بنتجمع من تاني، الدنيا والمشاغل بتلهينا وبتخلينا نفقد أحلي أوقاتنا مع أهلنا وحبايبنا، ولما يجري بينا العمر أو بنفقد اللي بنحبهم نقول ياريت”
عقبت خديجة
“فعلاً عندك حق، عشان كدة لازم نعملها عادة كل أسبوع أو كل شهر حتي، نتجمع كلنا و يبقي فيه ود ما بينا وبين أولادنا، عشان لما يكبروا يبقوا مع بعض عيلة وعزوة ومفيش حاجة تفرقهم”
قال طه
“نقرأ الفاتحة علي روح عمي وروح بابا الله يرحمهم”
رفع الجميع أياديهم وقاموا بتلاوة سورة الفاتحة، فقال يونس
“و لا الضالين آمين، صدق الله العظيم”
لاحظ أن ياسين مازال غير موجود، فنهض وأخبرهم
“أنا طالع أطمن علي ياسين”
༺※※※༻
و في الأعلى في غرفته القديمة، يتمدد علي مضجعه، يضع يديه علي الفراش ويتأمل كل ركن وكأنه يراها في كل مكان داخل الغرفة،
يمسك إطار خشبي صغير يحمل صورة تجمعه مع زوجته علي شاطئ البحر، كم كان يشعر بالسعادة حينها، كأنه يملك كنوز العالم بين يديه، و بين ليلة وضحاها تحولت الكنوز إلي الثري.
طرق علي الباب وقام بالإستئذان
“ياسين، أفتح أنا يونس”
أخبره الأخر بصوت مرتفع
“أدخل يا يونس، الباب مفتوح”
دخل ليري شقيقه يجلس في حالة يرثي إليها، جلس بجواره وقال
“لما أنت مش قادر تنسي مراتك الله يرحمها، ليه هتظلم معاك صاحبة أختك؟!”
نظر إليه ياسين والحزن يفيض من عينيه
“أنا مش هظلمها، هي بتحبني وعايزاني ليها”
“طيب وأنت؟”
نظر الأخر أمامه وظهرت ابتسامة يسخر بها من حاله
“أنا؟!، أنا موتّ مع ياسمين من زمان، اللي قدامك ده مجرد واحد عايش حلاوة روح”
“أنا بجد مش فاهمك، و لما أنت زي ما بتقول إيه لازمتها تتجوز واحدة وتعيشها في المآساه اللي أنت عايش فيها”
نظر إليه في صمت لثوان ثم ترك قلبه هو من يجيب
“مش لما حد بيتعب والمرض بيتملك منه و يبقي بين الحيا والموت، بيروح للدكتور يديله الدواء؟”
“قصدك إن…
قاطعه ياسين بإيمائه من رأسه
“رودينا هي الدوا اللي ممكن يرجعني للحياة”
يتبع…

