Uncategorized
رواية عاشق قهر النساء الفصل الحادي عشر 11 بقلم صباح عبدالله فتحي – تحميل الرواية pdf

رواية عاشق قهر النساء الفصل الحادي عشر 11 بقلم صباح عبدالله فتحي
خرج عشق من دورة المياه عاري الصدر، لا يستره غير منشفة بيضاء كبيرة تلتف حول خصره، وقطرات الماء تتساقط من أعلى صدره وخصلات شعره. ضاقت عيناه استغرابًا عندما لمح نيلي عبر شاشات المراقبة المثبتة على الحائط. كانت تقف خارج الباب، متوترة ومترددة، وكلما حاولت طرق الباب تراجعت في اللحظة الأخيرة. زفر بضيق، وهتف بصوت كافٍ لأن تسمعه:
– ادخلي يا نيلي.
ثم توجه إلى خزانة ملابسه، التي كانت عبارة عن غرفة مخصصة للملابس. بينما ظهرت نيلي من خلال الشاشة تتلفت حولها في تعجب، ظنت أنه خلفها في مكان ما، وعندما لم تره تنهدت بعمق ورفعت يديها بحركة مترددة على مقبض الباب زفرت ثم فتحته، وهي تقول بهدوء:
– أنا آسفة إنّي بزعجك في الوقت ده، بس في حاجة…
توقفت قبل أن تكمل حديثها عندما لم تجده في الغرفة، عقدت حجابها مستغربة وهي تتمتم:
– هو أنا اتجننت ولا إيه؟
شهقت بفزع وانتفضت في مكانها عندما جاءها صوته من مكان ما لا تراه قائلاً:
– اقعدي يا نيلي خمس دقايق وهطلعلك.
اتسعت عيناها خوفًا وهي تنظر في أرجاء الغرفة محاولة العثور عليه، وعرق وجهها وأرتجف صوتها وهي تقول بخوف:
– هتطلعلي منين… مش فاهمة.
فتح عشق باب الخزانة وخرج منها وهو يغلق أزرار قميصه الأسود، الذي زاد من وسامته، ثم هتف بضيق وبعض السخرية وهو متجهًا إلى المرآة ليمشط شعره:
– هطلعلك من تحت الأرض مثلاً… جايه، عاوزه إيه؟ مش ناقص غباء؟
وقفت نيلي لبعض الوقت صامتة، تحاول استجماع تركيزها لتخبره بما تريد، بينما كان هو يقف يمشط شعره بهدوء، وعينيه تتابعها من خلال المرآة. وبعد وقت من الصمت، خرج صوتها متهدجًا:
– أنا مش عارفة إذا كان لازم أثق فيك أو لا… بس مش عندي حل تاني. في حاجة كان لازم تعرفها من يوم ما اتقبلنا.
تركت عشق ما يفعله والتفت له باهتمام وفضول، قائلاً:
– حاجة إيه دي يا نيلي؟
أجابته ودموعها تنهمر على خديها بهدوء:
– أنا بصراحة مش عارفة… بس دي كانت وصيّة بابا الله يرحمه ليا قبل ما يموت.
نظرت له وهي تسرد ما حدث في ذلك اليوم، ودموعها تتساقط على ملابسها، بينما عقلها يسترجع ذلك اليوم بكل تفاصيله التي قلبت حياتها رأسًا على عقب.
(ذكريات نيلي / رجوع ما قبل خمس أشهر)
في ذلك اليوم الذي عادت فيه نيلي وشوق من الخارج، رأوا عشق ورجاله يغادرون منزلهم. لكن لم تراه سوى نيلي. وفي نفس اللحظة التي غادروا فيها، صدح صوت إطلاق الرصاص من داخل البيت. نظر الفتاتان لبعضهما بفزع وذهول، وبعد ثوانٍ من الصدمة، هرولا لدخول المنزل ليشاهدا أفزع مشهد مر عليهما في حياتهما: رأوا والدتهما ووالدهما مستلقيين على الأرض، والدماء تغرقهما. صرخ الاثنان بفزع وهما يهرولان نحو والديهما:
– مااااامااا… بااااابااا…
أخذت شوق أمها من على الأرض إلى أحضانها، وهي تصرخ بجنون وتحتضنها وتهزها، وتلطخت ملابسها وكفيها بدماء أمها التي فارقت الحياة بالفعل. بينما ركضت نيلي نحو أبيها، الذي كان لا يزال يتنفس، امسك يدها بقوة وهو يهتف بأنفاس متقطعة، ونيلي تبكي بحرق:
– اسمع… ني… كو… يس… كويس يا نيلي. في… في مكتبي… ملف مهم جدًا… عاوزك تاخديه وتسلمي لعشق الجوكر… وو… وواوعي يقع في إيد حد تاني…
وصمت صمتة أبدية، ولم يستطع إكمال حديثه، ويداه اللتان كانت تشدان يد نيلي تركتاها إلى الأبد. نظرت له نيلي بدهشة ودموعها تتساقط على جسد أبيها، وهي تناديه بصوت بالكاد يخرج:
– بااا… بااا بابا… بااا… با
ثم عانقته بقوة ودموعها تنهمر بمرارة وهي تصرخ بجنون:
– باااااابااااا
الحاضر
أفاقت نيلي من تلك الذكرى المؤلمة وهي تهشّق بالبكاء، رفعت يديها على وجهها ولم تقدر على إيقاف دموعها أو السيطرة على صوت شهيقها الذي كان مسموعًا بما يكفي. نظر لها عشق، وتأثر ببكائها، سحبها برفق وجعلها تجلس على أطراف الفراش، ثم تحرك إلى الثلاجة الصغيرة الخاصة بالمشروبات الباردة والخمر وأحضر كوب ماء بارد، وعاد ليعطيها إياه وهو يقول بهدوء:
– ممكن تهدي شوية… أنا عارف إن اللي حصل ما كانش سهل، بس اللي بتعمليه ده مش هيغير حاجة.
مسحت نيلي دموعها بظهر يديها، وأخذت شهيقًا وزفيرًا عميقًا، ثم أخذت منه كوب الماء لتشرب منه القليل. جلس عشق بجانبها وهو يقول متعجب:
– طيب… هو الملف ده فين، وفيه إيه، وأشمعنا أنا بالذات اللي والدك طلب يوصللي؟
أجابت نيلي بصوت باكي:
– ما عرفش… حتى أنا مش عارفة… لحد دلوقتي الملف ده فين، ومين أخده بعد موت بابا. طلعت مكتبه علشان آخده، بس ما لاقتهوش، ولا لاقيت أي ملف في المكتب.
عقد عشق حاجبيه بتعجب، وضاقت عينيه بغموض.
– تفتكري الملف ده له علاقة بموت سامح ونور؟
نظرت له نيلي بصمت لثوانٍ، ثم أضافت بتفكير:
– ممكن… بس في رأيك، الملف ده فيه إيه؟ ومين له مصلحة في موت بابا وماما؟ أنا متأكدة إن اللي خد الملف هو اللي قتلهم.
نظر لها عشق لثوانٍ، ثم نظر إلى اللاشيء وهو يقول بشرود:
– متأكد من كده… بس هو مين… ده اللي لازم تعرفيه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد وقت، خرجت نيلي من داخل جناح عشق، وبالصدفة قابلت سلوى التي كانت متوجهة لتري شوق. ضاقت عيناها بنظرة غامضة، بينما وقفت نيلي وهي ترفع يديها لتمسح دموعها بحركة متوترة.
أثناء ذلك، لاحظت سلوى القلادة الذهبية التي صممت على صندوق صغير على هيئة قلب، معلقة حول عنقها. رفعت سلوى القلادة بأطراف أناملها، وعلامات الدهشة ظهرت على ملامحها. نظرت نيلي إليها باستغراب وهي تقول بهدوء بينما نظرة الي أنامل سلوى مستغربة:
– خير في حاجة يا طنط؟
أغلقت سلوى عينيها لثوانٍ لتهدئة ملامحها، ثم فتحتها بابتسامة عريضة وقالت بهدوء، عكس ما بداخِلها:
– لا أبداً، يا حبيبتي… بس السلسلة بتاعتك جميلة أوي.
نظرت نيلي إلى القلادة بابتسامة دافئة، وقالت بنبرة حزينة:
– شكرًا لحضرتك، بس ذكريات السلسلة دي أجمل منها بكتير. السلسلة دي في منها اتنين: واحدة معايا، وواحدة كانت مع لين أختي الله يرحمها.
رفعت عينيها لتنظر إلى سلوى وهي تكمل:
– تعرفي حاجة يا طنط، السلسلة دي كانت في رقبتي من يوم ما تولدت، وعمري ما خلعتها أبدًا أنا أو لين.
عينا سلوى مذهولتان وهي تنظر إلى نيلي، لكن حاولت جهدها أن تحافظ على ابتسامتها، ولم تلاحظ نيلي يد سلوى التي كانت تفركها بشكل متوتر، وهي تقول:
– ياروحي، في حاجات كتير ما نعرفش إنها غالية علينا غير في وقت الشدة…
رفعت كفيها على كتف نيلي لتعنقها بحنان زائف، لتتلاعب بعقلها وعواطفها كما فعلت مع عشق. لكنها لم تعرف أن عقل نيلي راشد بما يكفي لتفهم ما يدور حولها، ولم يشعر قلبها بالراحة اتجاه ما فعلته سلوى، بل شعرت بالضيق والاستغلال العاطفي، خصوصًا عندما أكملت سلوى حديثها بنبرة شاردة تحمل في طياتها الغازًا لم تفهمها نيلي:
– وعاوزكِ دايمًا تتأكدي إني هفضل جنبك، أنتي وشوق، ومش هسبكم لوحدكم أبدًا. وحقكم لازم تخدوه من اللي قتل أهلكم، وماتنسوش حق لين.
ظلت نيلي صامتة لثوانٍ، تذكرت حديث شوق معها منذ قليل. ربط عقلها حدث شوق بحديث سلوى معها لتفهم السبب الحقيقي خلف التغيير المفاجئ لشوق، تنهدت وابتعدت عن صدرها بهدوء ونظرت لها بنظرة لما تستطيع سلوى تفسيرها، وهي تقول بنبرة هادئة، لكن كلماتها خرجت كرسالة غير مباشرة:
– شكرًا أوي لحضرتك، بس أنا وشوق مش محتاجين حد. ما تشغليش بالك بينا. أما بالنسبة لحق لين، فده أكيد هناخده من ابن حضرتك، ما تقلقيش.
ضاقت سلوى عيناها بغضب، وهي تضغط على أسنانها، لكنها ابتسمت ورفعت يديها على وجه نيلي برفق، قائلة:
– ده أكيد، ياروحي، وإذا كان ابني أو غيره، بوعدك حقها هيرجع لها.
ثم نظرت إلى ساعة يدها، وقالت بهدوء:
– عن إذنك يا روحي، عندي مشوار مهم.
غادرت سلوى وهي تزفر بغضب، ولم تنتبه إلى نيل الذي كان يقف خلفها على بُعد خطوات. رأته نيلي من البداية، لكنها لم تُبالِ به. اقترب نيل منها بخطوات ثابتة، وكالعادة كانت يداه داخل جيب بنطاله، وابتسامته المتعجرفة تزين خده وهو يقول بسخرية:
– للحظة، فكرت إن الحيّة هتلف عليكي، بس ما تخيلتش إنك هتجيبي أجلها.
ضمّت نيلي ذراعيها إلى صدرها بغرور، ورمقته باشمئزاز قائلة بجمود:
– طيب خد بالك، علشان قادرة أجيب أجلك إنت كمان.
ابتسم نيل ليغيظها، واقترب منها ليهمس بالقرب من أذنها قائلاً:
– بموت فيكي وإنتِ بتخربيشي.
نظرت له بغضب وكره، فأكمل بسخرية:
– عادي يا روحي… ما إنتي خلاص مراتي.
اقتربت منه بتحدٍ، تنظر إلى ملامحه وكأنها تقرأ ما يدور في عقله من خلال عينيه، ثم قالت بنبرة جامدة تحمل بين طياتها الألم ومرارة:
– تقدر تنزل تقول لجدك وعيلتك إني مراتك؟ روح قول لهم إنك كسبتني في الرهان في الكابريه، واتجوزتني غصب عني علشان تكسرني!
تجمد نيل في مكانه، وثبتت عيناه على ملامحها كأن الزمن توقف للحظة. ظل شارداً يفكر في كل حرف قالته…هل سيجرؤ أن يعترف أمام جده وعائلته بأنها أصبحت زوجته سراً دون علم أحد؟ وهل سيتقبلون فكرة أنها كانت تعمل في الكابريه قبل ذلك؟ تبسمت نيلي بسخرية، لكن دموعها انهمرت بحسرة وهي تقول بصوت مختنق:
– لما تتعلم تبقى راجل صح، تعالَ قولي إني مراتك…
إنت بالنسبالي مجرد واحد حقير كسبني في رهان… لان ما يشرفنيش واحد حقير وجبان زيك يكون جوزي.
دفعت كتفه الأيسر بغضب وهي تمر من أمامه، محاولةً أن تسبق دموعها قبل أن تنهار أمامه. اهتز جسده قليلاً من أثر دفعتها، وظل واقفاً مكانه، غارقًا في صمته، يفكر في مصيبته…ماذا سيفعل إذا عرف جده أنه تزوج بعاهرة؟
كل ذلك كان يحدث أمام عيني عشق، الذي كان يراقب المشهد من بدايته من خلال شاشة المراقبة في غرفته، بهدوء مريب وغموضٍ قاتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت شوق تجلس في غرفتها تشعر بالملل، لا تجد ما تفعله.خرجت إلى الشرفة، فوقفت منبهرة بجمال الحديقة التي أمامها، وقد تزيّنت بأزهارٍ مختلفة الألوان والأشكال، يتوسطها مسبحٌ صُمّم بدقّة واحترافية عالية، يبرق تحت أشعة الشمس الذهبية كأنه صُنع من اللؤلؤ والألماس.
أغلقت عينيها تستمع إلى تغريد البلابل والعصافير المختلف انواعها واللوانها. فوق أشجار الورد، تسلّلت إلى شفتيها ابتسامة هادئة، ولم تشعر إلا وقد قادتها قدماها لتجلس، وتمتع بعينيها عن قرب بتلك اللوحة الخلّابة من جمال الطبيعة.
كانت شوق تهبط الدَّرج بسعادة كطفلةٍ كانت تعاني من ألم الأسنان، فبهجت عندما تخلَّصت منه لتأكل ما تشتهي. لكن لم تَدُم سعادتها طويلًا، إذ تلاشت ابتسامتها تدريجيًا عندما استمعت إلى حديث جلال مع ابنيه قاسم وحازم وهما يتوجهان لصعود الدرج، ولم يروها لأنها كانت تقف في منتصف الدرج من الطابق الثاني.
قال جلال بصرامة:
“اسمعوني كويس، عاوز كل حاجة تتم بسرية تامة، مش عاوز حد يعرف حاجة… بالأخص شوق، فاهمين؟”
كان جلال يقصد الحفل والمفاجآت السعيدة التي يخطط لها ليبهج قلبها، لكن شوق فهمت الأمر على نحوٍ أخرى، فقَبَضَت كفّيها بقوة، وارتسم الغضب على ملامحها، وهي تتمتم بكرهٍ وحقد:
“اعملوا اللي أنتم عاوزينه… وأنا كمان هعمل اللي أنا عاوزاه. مش هستنى لحد الحفلة علشان تخلصوا عليّ أنا وخواتي. ما كنتش شوق لو ما خلتكم تدفنوا قبلها!”
التفتت لتعود أدراجها بغضب، وكأنها كرهت ما أحبته منذ قليل.كانت تعترف من أعماق قلبها أن كل شيء في هذا المنزل يبهجها بجماله، لكنها لن تنسى أبدًا أن أصحابه هم السبب في تعاستها منذ البداية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الدكتور ساهر نائمًا بعمق وإرهاق شديد، بعد يومين من البحث المستمر عن تلك الفتاة الغامضة، وانتهى به الأمر إلى إبلاغ الشرطة بعد ما يئس من فكرة العثور عليها. استيقظ بفزع وقلق على صوت طرقٍ متكررٍ على الباب من الخارج. قال بصوتٍ مبحوحٍ بالنوم:
“ادخلي يا نرمين… في أخبار جديدة؟”
دلفت الخادمة التي نظرت إليه باستغراب وقالت:
“بعتذر يا دكتور، بس أنا اسمي صفاء مش نرمين.”
نظر حوله متوترًا، كأنه يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا، ثم تذكّر أنه عاد إلى منزله، وتلك نرمين هي إحدى الممرضات ضمن طاقم العمل الذي يشرف عليه.
حك جبينه بملل، وفرك عينيه من آثار النوم، ثم نهض جالسًا في مكانه قائلاً بهدوء:
“آسف… ماخدتش بالي. خير؟ في حاجة؟”
أجابت صفاء بهدوء:
“حصل خير يا دكتور، كنت جاية أقول لحضرتك إن نادر بيه وصل تحت ومستنيك.”
زفر ساهر بملل، وعاد ليستلقي وهو يقول ببرود:
“اطلعي يا صفاء، وخدي الباب في إيدك… معلش.”
لكن قاطعه صوت نادر وهو يدخل الغرفة، دافين في صوته حزن عميق:
“معقولة لسه مش عاوز تشوف أبوك يا ساهر بعد الغياب ده كله؟ ده أنا بقالي سبع سنين غايب!”
نهض ساهر فجأة، وقال بغضبٍ مكتوم:
“وإيه الجديد؟! طول عمرك غايب… عن إذنك.”
تحرك ساهر بخطوات سريعة وحمل الجاكيت الخاص به من على الكرسي، وارتداه وغادر الغرفة دون أن ينظر خلفه. بينما وقف نادر في مكانه، ودموعه تنهمر على وجهه الشاحب الذي بدا عليه المرض. كان وجهه نحيفًا، بشرته سمراء، عيناه سوداوان صغيرتان، ولحيته مختلطة بين الأبيض والأسود. هتف بصوتٍ متهدّجٍ مليء بالحزن:
“مش ناوي تسامح أبوك بقى يا ساهر؟ عارف ان غلط بس ندمنت وربنا بيسامح”
توقف ساهر للحظة عند بداية الدرج، وكان كلا منهم يعطي ظهره للأخري. ورد ساهر بصوتٍ غاضبًا:
“مستحيل أسامح… قبل ما اللي ضاع يرجع. رجعلي اللي اخده وانا اسامحك؟”
تركه ساهر وهبط الدرج بخطواتٍ سريعة، ودموعه تنهمر على خديه. رفع كفيه ليمسحها بسرعة قبل أن يراه أحد.
وبينما كان يهمّ بالخروج، كان في الوقت ذاته يدخل شاب في السابعة والعشرين من عمره، ملامحه هادئة لكنها قوية. وسيم، قمحي البشرة، عيناه سوداوان، له رموش كثيفة وحاجبان عريضان، وشعره أسود ناعم، يرتدي بدلة سوداء تُبرز عضلات جسده الفتّاك. تجمّد ساهر في مكانه، ينظر إليه بذهول، وصوته خرج بالكاد مسموعًا:
> “ليل…؟”
يتبع
يا ترى ليل له علاقة باغتصاب لين؟
وشوق… هتقتل الكل فعلاً؟ ولا خطط سلوى هي اللي هتنجح؟ هل نيلي هتلحقها قبل فوات الأوان؟
والسؤال الأكبر…إيه هو الملف الغامض؟!
وليه سامح طلب إن عشق هو اللي يوصله بالذات؟
– ادخلي يا نيلي.
ثم توجه إلى خزانة ملابسه، التي كانت عبارة عن غرفة مخصصة للملابس. بينما ظهرت نيلي من خلال الشاشة تتلفت حولها في تعجب، ظنت أنه خلفها في مكان ما، وعندما لم تره تنهدت بعمق ورفعت يديها بحركة مترددة على مقبض الباب زفرت ثم فتحته، وهي تقول بهدوء:
– أنا آسفة إنّي بزعجك في الوقت ده، بس في حاجة…
توقفت قبل أن تكمل حديثها عندما لم تجده في الغرفة، عقدت حجابها مستغربة وهي تتمتم:
– هو أنا اتجننت ولا إيه؟
شهقت بفزع وانتفضت في مكانها عندما جاءها صوته من مكان ما لا تراه قائلاً:
– اقعدي يا نيلي خمس دقايق وهطلعلك.
اتسعت عيناها خوفًا وهي تنظر في أرجاء الغرفة محاولة العثور عليه، وعرق وجهها وأرتجف صوتها وهي تقول بخوف:
– هتطلعلي منين… مش فاهمة.
فتح عشق باب الخزانة وخرج منها وهو يغلق أزرار قميصه الأسود، الذي زاد من وسامته، ثم هتف بضيق وبعض السخرية وهو متجهًا إلى المرآة ليمشط شعره:
– هطلعلك من تحت الأرض مثلاً… جايه، عاوزه إيه؟ مش ناقص غباء؟
وقفت نيلي لبعض الوقت صامتة، تحاول استجماع تركيزها لتخبره بما تريد، بينما كان هو يقف يمشط شعره بهدوء، وعينيه تتابعها من خلال المرآة. وبعد وقت من الصمت، خرج صوتها متهدجًا:
– أنا مش عارفة إذا كان لازم أثق فيك أو لا… بس مش عندي حل تاني. في حاجة كان لازم تعرفها من يوم ما اتقبلنا.
تركت عشق ما يفعله والتفت له باهتمام وفضول، قائلاً:
– حاجة إيه دي يا نيلي؟
أجابته ودموعها تنهمر على خديها بهدوء:
– أنا بصراحة مش عارفة… بس دي كانت وصيّة بابا الله يرحمه ليا قبل ما يموت.
نظرت له وهي تسرد ما حدث في ذلك اليوم، ودموعها تتساقط على ملابسها، بينما عقلها يسترجع ذلك اليوم بكل تفاصيله التي قلبت حياتها رأسًا على عقب.
(ذكريات نيلي / رجوع ما قبل خمس أشهر)
في ذلك اليوم الذي عادت فيه نيلي وشوق من الخارج، رأوا عشق ورجاله يغادرون منزلهم. لكن لم تراه سوى نيلي. وفي نفس اللحظة التي غادروا فيها، صدح صوت إطلاق الرصاص من داخل البيت. نظر الفتاتان لبعضهما بفزع وذهول، وبعد ثوانٍ من الصدمة، هرولا لدخول المنزل ليشاهدا أفزع مشهد مر عليهما في حياتهما: رأوا والدتهما ووالدهما مستلقيين على الأرض، والدماء تغرقهما. صرخ الاثنان بفزع وهما يهرولان نحو والديهما:
– مااااامااا… بااااابااا…
أخذت شوق أمها من على الأرض إلى أحضانها، وهي تصرخ بجنون وتحتضنها وتهزها، وتلطخت ملابسها وكفيها بدماء أمها التي فارقت الحياة بالفعل. بينما ركضت نيلي نحو أبيها، الذي كان لا يزال يتنفس، امسك يدها بقوة وهو يهتف بأنفاس متقطعة، ونيلي تبكي بحرق:
– اسمع… ني… كو… يس… كويس يا نيلي. في… في مكتبي… ملف مهم جدًا… عاوزك تاخديه وتسلمي لعشق الجوكر… وو… وواوعي يقع في إيد حد تاني…
وصمت صمتة أبدية، ولم يستطع إكمال حديثه، ويداه اللتان كانت تشدان يد نيلي تركتاها إلى الأبد. نظرت له نيلي بدهشة ودموعها تتساقط على جسد أبيها، وهي تناديه بصوت بالكاد يخرج:
– بااا… بااا بابا… بااا… با
ثم عانقته بقوة ودموعها تنهمر بمرارة وهي تصرخ بجنون:
– باااااابااااا
الحاضر
أفاقت نيلي من تلك الذكرى المؤلمة وهي تهشّق بالبكاء، رفعت يديها على وجهها ولم تقدر على إيقاف دموعها أو السيطرة على صوت شهيقها الذي كان مسموعًا بما يكفي. نظر لها عشق، وتأثر ببكائها، سحبها برفق وجعلها تجلس على أطراف الفراش، ثم تحرك إلى الثلاجة الصغيرة الخاصة بالمشروبات الباردة والخمر وأحضر كوب ماء بارد، وعاد ليعطيها إياه وهو يقول بهدوء:
– ممكن تهدي شوية… أنا عارف إن اللي حصل ما كانش سهل، بس اللي بتعمليه ده مش هيغير حاجة.
مسحت نيلي دموعها بظهر يديها، وأخذت شهيقًا وزفيرًا عميقًا، ثم أخذت منه كوب الماء لتشرب منه القليل. جلس عشق بجانبها وهو يقول متعجب:
– طيب… هو الملف ده فين، وفيه إيه، وأشمعنا أنا بالذات اللي والدك طلب يوصللي؟
أجابت نيلي بصوت باكي:
– ما عرفش… حتى أنا مش عارفة… لحد دلوقتي الملف ده فين، ومين أخده بعد موت بابا. طلعت مكتبه علشان آخده، بس ما لاقتهوش، ولا لاقيت أي ملف في المكتب.
عقد عشق حاجبيه بتعجب، وضاقت عينيه بغموض.
– تفتكري الملف ده له علاقة بموت سامح ونور؟
نظرت له نيلي بصمت لثوانٍ، ثم أضافت بتفكير:
– ممكن… بس في رأيك، الملف ده فيه إيه؟ ومين له مصلحة في موت بابا وماما؟ أنا متأكدة إن اللي خد الملف هو اللي قتلهم.
نظر لها عشق لثوانٍ، ثم نظر إلى اللاشيء وهو يقول بشرود:
– متأكد من كده… بس هو مين… ده اللي لازم تعرفيه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد وقت، خرجت نيلي من داخل جناح عشق، وبالصدفة قابلت سلوى التي كانت متوجهة لتري شوق. ضاقت عيناها بنظرة غامضة، بينما وقفت نيلي وهي ترفع يديها لتمسح دموعها بحركة متوترة.
أثناء ذلك، لاحظت سلوى القلادة الذهبية التي صممت على صندوق صغير على هيئة قلب، معلقة حول عنقها. رفعت سلوى القلادة بأطراف أناملها، وعلامات الدهشة ظهرت على ملامحها. نظرت نيلي إليها باستغراب وهي تقول بهدوء بينما نظرة الي أنامل سلوى مستغربة:
– خير في حاجة يا طنط؟
أغلقت سلوى عينيها لثوانٍ لتهدئة ملامحها، ثم فتحتها بابتسامة عريضة وقالت بهدوء، عكس ما بداخِلها:
– لا أبداً، يا حبيبتي… بس السلسلة بتاعتك جميلة أوي.
نظرت نيلي إلى القلادة بابتسامة دافئة، وقالت بنبرة حزينة:
– شكرًا لحضرتك، بس ذكريات السلسلة دي أجمل منها بكتير. السلسلة دي في منها اتنين: واحدة معايا، وواحدة كانت مع لين أختي الله يرحمها.
رفعت عينيها لتنظر إلى سلوى وهي تكمل:
– تعرفي حاجة يا طنط، السلسلة دي كانت في رقبتي من يوم ما تولدت، وعمري ما خلعتها أبدًا أنا أو لين.
عينا سلوى مذهولتان وهي تنظر إلى نيلي، لكن حاولت جهدها أن تحافظ على ابتسامتها، ولم تلاحظ نيلي يد سلوى التي كانت تفركها بشكل متوتر، وهي تقول:
– ياروحي، في حاجات كتير ما نعرفش إنها غالية علينا غير في وقت الشدة…
رفعت كفيها على كتف نيلي لتعنقها بحنان زائف، لتتلاعب بعقلها وعواطفها كما فعلت مع عشق. لكنها لم تعرف أن عقل نيلي راشد بما يكفي لتفهم ما يدور حولها، ولم يشعر قلبها بالراحة اتجاه ما فعلته سلوى، بل شعرت بالضيق والاستغلال العاطفي، خصوصًا عندما أكملت سلوى حديثها بنبرة شاردة تحمل في طياتها الغازًا لم تفهمها نيلي:
– وعاوزكِ دايمًا تتأكدي إني هفضل جنبك، أنتي وشوق، ومش هسبكم لوحدكم أبدًا. وحقكم لازم تخدوه من اللي قتل أهلكم، وماتنسوش حق لين.
ظلت نيلي صامتة لثوانٍ، تذكرت حديث شوق معها منذ قليل. ربط عقلها حدث شوق بحديث سلوى معها لتفهم السبب الحقيقي خلف التغيير المفاجئ لشوق، تنهدت وابتعدت عن صدرها بهدوء ونظرت لها بنظرة لما تستطيع سلوى تفسيرها، وهي تقول بنبرة هادئة، لكن كلماتها خرجت كرسالة غير مباشرة:
– شكرًا أوي لحضرتك، بس أنا وشوق مش محتاجين حد. ما تشغليش بالك بينا. أما بالنسبة لحق لين، فده أكيد هناخده من ابن حضرتك، ما تقلقيش.
ضاقت سلوى عيناها بغضب، وهي تضغط على أسنانها، لكنها ابتسمت ورفعت يديها على وجه نيلي برفق، قائلة:
– ده أكيد، ياروحي، وإذا كان ابني أو غيره، بوعدك حقها هيرجع لها.
ثم نظرت إلى ساعة يدها، وقالت بهدوء:
– عن إذنك يا روحي، عندي مشوار مهم.
غادرت سلوى وهي تزفر بغضب، ولم تنتبه إلى نيل الذي كان يقف خلفها على بُعد خطوات. رأته نيلي من البداية، لكنها لم تُبالِ به. اقترب نيل منها بخطوات ثابتة، وكالعادة كانت يداه داخل جيب بنطاله، وابتسامته المتعجرفة تزين خده وهو يقول بسخرية:
– للحظة، فكرت إن الحيّة هتلف عليكي، بس ما تخيلتش إنك هتجيبي أجلها.
ضمّت نيلي ذراعيها إلى صدرها بغرور، ورمقته باشمئزاز قائلة بجمود:
– طيب خد بالك، علشان قادرة أجيب أجلك إنت كمان.
ابتسم نيل ليغيظها، واقترب منها ليهمس بالقرب من أذنها قائلاً:
– بموت فيكي وإنتِ بتخربيشي.
نظرت له بغضب وكره، فأكمل بسخرية:
– عادي يا روحي… ما إنتي خلاص مراتي.
اقتربت منه بتحدٍ، تنظر إلى ملامحه وكأنها تقرأ ما يدور في عقله من خلال عينيه، ثم قالت بنبرة جامدة تحمل بين طياتها الألم ومرارة:
– تقدر تنزل تقول لجدك وعيلتك إني مراتك؟ روح قول لهم إنك كسبتني في الرهان في الكابريه، واتجوزتني غصب عني علشان تكسرني!
تجمد نيل في مكانه، وثبتت عيناه على ملامحها كأن الزمن توقف للحظة. ظل شارداً يفكر في كل حرف قالته…هل سيجرؤ أن يعترف أمام جده وعائلته بأنها أصبحت زوجته سراً دون علم أحد؟ وهل سيتقبلون فكرة أنها كانت تعمل في الكابريه قبل ذلك؟ تبسمت نيلي بسخرية، لكن دموعها انهمرت بحسرة وهي تقول بصوت مختنق:
– لما تتعلم تبقى راجل صح، تعالَ قولي إني مراتك…
إنت بالنسبالي مجرد واحد حقير كسبني في رهان… لان ما يشرفنيش واحد حقير وجبان زيك يكون جوزي.
دفعت كتفه الأيسر بغضب وهي تمر من أمامه، محاولةً أن تسبق دموعها قبل أن تنهار أمامه. اهتز جسده قليلاً من أثر دفعتها، وظل واقفاً مكانه، غارقًا في صمته، يفكر في مصيبته…ماذا سيفعل إذا عرف جده أنه تزوج بعاهرة؟
كل ذلك كان يحدث أمام عيني عشق، الذي كان يراقب المشهد من بدايته من خلال شاشة المراقبة في غرفته، بهدوء مريب وغموضٍ قاتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت شوق تجلس في غرفتها تشعر بالملل، لا تجد ما تفعله.خرجت إلى الشرفة، فوقفت منبهرة بجمال الحديقة التي أمامها، وقد تزيّنت بأزهارٍ مختلفة الألوان والأشكال، يتوسطها مسبحٌ صُمّم بدقّة واحترافية عالية، يبرق تحت أشعة الشمس الذهبية كأنه صُنع من اللؤلؤ والألماس.
أغلقت عينيها تستمع إلى تغريد البلابل والعصافير المختلف انواعها واللوانها. فوق أشجار الورد، تسلّلت إلى شفتيها ابتسامة هادئة، ولم تشعر إلا وقد قادتها قدماها لتجلس، وتمتع بعينيها عن قرب بتلك اللوحة الخلّابة من جمال الطبيعة.
كانت شوق تهبط الدَّرج بسعادة كطفلةٍ كانت تعاني من ألم الأسنان، فبهجت عندما تخلَّصت منه لتأكل ما تشتهي. لكن لم تَدُم سعادتها طويلًا، إذ تلاشت ابتسامتها تدريجيًا عندما استمعت إلى حديث جلال مع ابنيه قاسم وحازم وهما يتوجهان لصعود الدرج، ولم يروها لأنها كانت تقف في منتصف الدرج من الطابق الثاني.
قال جلال بصرامة:
“اسمعوني كويس، عاوز كل حاجة تتم بسرية تامة، مش عاوز حد يعرف حاجة… بالأخص شوق، فاهمين؟”
كان جلال يقصد الحفل والمفاجآت السعيدة التي يخطط لها ليبهج قلبها، لكن شوق فهمت الأمر على نحوٍ أخرى، فقَبَضَت كفّيها بقوة، وارتسم الغضب على ملامحها، وهي تتمتم بكرهٍ وحقد:
“اعملوا اللي أنتم عاوزينه… وأنا كمان هعمل اللي أنا عاوزاه. مش هستنى لحد الحفلة علشان تخلصوا عليّ أنا وخواتي. ما كنتش شوق لو ما خلتكم تدفنوا قبلها!”
التفتت لتعود أدراجها بغضب، وكأنها كرهت ما أحبته منذ قليل.كانت تعترف من أعماق قلبها أن كل شيء في هذا المنزل يبهجها بجماله، لكنها لن تنسى أبدًا أن أصحابه هم السبب في تعاستها منذ البداية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الدكتور ساهر نائمًا بعمق وإرهاق شديد، بعد يومين من البحث المستمر عن تلك الفتاة الغامضة، وانتهى به الأمر إلى إبلاغ الشرطة بعد ما يئس من فكرة العثور عليها. استيقظ بفزع وقلق على صوت طرقٍ متكررٍ على الباب من الخارج. قال بصوتٍ مبحوحٍ بالنوم:
“ادخلي يا نرمين… في أخبار جديدة؟”
دلفت الخادمة التي نظرت إليه باستغراب وقالت:
“بعتذر يا دكتور، بس أنا اسمي صفاء مش نرمين.”
نظر حوله متوترًا، كأنه يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا، ثم تذكّر أنه عاد إلى منزله، وتلك نرمين هي إحدى الممرضات ضمن طاقم العمل الذي يشرف عليه.
حك جبينه بملل، وفرك عينيه من آثار النوم، ثم نهض جالسًا في مكانه قائلاً بهدوء:
“آسف… ماخدتش بالي. خير؟ في حاجة؟”
أجابت صفاء بهدوء:
“حصل خير يا دكتور، كنت جاية أقول لحضرتك إن نادر بيه وصل تحت ومستنيك.”
زفر ساهر بملل، وعاد ليستلقي وهو يقول ببرود:
“اطلعي يا صفاء، وخدي الباب في إيدك… معلش.”
لكن قاطعه صوت نادر وهو يدخل الغرفة، دافين في صوته حزن عميق:
“معقولة لسه مش عاوز تشوف أبوك يا ساهر بعد الغياب ده كله؟ ده أنا بقالي سبع سنين غايب!”
نهض ساهر فجأة، وقال بغضبٍ مكتوم:
“وإيه الجديد؟! طول عمرك غايب… عن إذنك.”
تحرك ساهر بخطوات سريعة وحمل الجاكيت الخاص به من على الكرسي، وارتداه وغادر الغرفة دون أن ينظر خلفه. بينما وقف نادر في مكانه، ودموعه تنهمر على وجهه الشاحب الذي بدا عليه المرض. كان وجهه نحيفًا، بشرته سمراء، عيناه سوداوان صغيرتان، ولحيته مختلطة بين الأبيض والأسود. هتف بصوتٍ متهدّجٍ مليء بالحزن:
“مش ناوي تسامح أبوك بقى يا ساهر؟ عارف ان غلط بس ندمنت وربنا بيسامح”
توقف ساهر للحظة عند بداية الدرج، وكان كلا منهم يعطي ظهره للأخري. ورد ساهر بصوتٍ غاضبًا:
“مستحيل أسامح… قبل ما اللي ضاع يرجع. رجعلي اللي اخده وانا اسامحك؟”
تركه ساهر وهبط الدرج بخطواتٍ سريعة، ودموعه تنهمر على خديه. رفع كفيه ليمسحها بسرعة قبل أن يراه أحد.
وبينما كان يهمّ بالخروج، كان في الوقت ذاته يدخل شاب في السابعة والعشرين من عمره، ملامحه هادئة لكنها قوية. وسيم، قمحي البشرة، عيناه سوداوان، له رموش كثيفة وحاجبان عريضان، وشعره أسود ناعم، يرتدي بدلة سوداء تُبرز عضلات جسده الفتّاك. تجمّد ساهر في مكانه، ينظر إليه بذهول، وصوته خرج بالكاد مسموعًا:
> “ليل…؟”
يتبع
يا ترى ليل له علاقة باغتصاب لين؟
وشوق… هتقتل الكل فعلاً؟ ولا خطط سلوى هي اللي هتنجح؟ هل نيلي هتلحقها قبل فوات الأوان؟
والسؤال الأكبر…إيه هو الملف الغامض؟!
وليه سامح طلب إن عشق هو اللي يوصله بالذات؟



