Uncategorized

رواية عاشق قهر النساء الفصل الرابع عشر 14 بقلم صباح عبدالله فتحي – تحميل الرواية pdf


رواية عاشق قهر النساء الفصل الرابع عشر 14 بقلم صباح عبدالله فتحي

أخذ عشق شوق من بين الجميع دون أن يُبالي بأحد، ولم يجرؤ أحد على اعتراض طريقه، حتى نيلي التي حاولت أن تنقذ شقيقتها من بطشه فأخرسها بنظرة واحدة منه.
وقفت نيلي في منتصف ردهة المستشفى تجمّدت مكانها، تراقب عشق وهو يأخذ شوق ويغادر بها، يسير دون أي اهتمام لتعثراتها، ولا لبكائها، ولا لارتجاف جسدها بسبب خوفها منه.
وبمجرد أن استدارت نيلي بالصدفة، لمحت ابتسامة كوثر… تلك الابتسامة التي تغيّرت فور أن التقت أعينهما إلى ملامح حزن وانهيار مصطنع. ضاقت عينَي نيلي بشكّ عميق، وفهمت من تصرفاتها أن لكوثر يدًا فيما قالته شوق… لكن بلا دليل لا تستطيع المواجهة.
تنهدت بيأس، ثم هرولت خلف عشق لتعرف إلى أين سيأخذ صغيرتها شوق.
وعندما وصلت إلى باب المستشفى الخارجي، رأت سيارته تنطلق بسرعة. صرخت بالقهر وضربت الأرض بقدمها يأسًا، وكادت أن تغادر… لكنها تذكّرت ساهر. عادت مسرعة نحو الداخل، تبحث عنه لتعرف ما حدث لشقيقتها لين. توقفت أمام موظف الاستقبال وسألته بنبرة متلهفة:
– لو سمحت… الشخص اللي كان واقف معايا هنا من شوية، راح فين؟
عقد الموظف حاجبيه مستفسرًا:
– مش فاهم قصدك… على مين؟
تنهّدت بحيرة ويأس، هي حتى لا تعرف اسمه. انشغلت بما حدث ونسيت أن تسأله عنه. حاولت أن تصفه وهي تحاول تذكر تفاصيله قدر الأمكان
– هو شخص كان واقف معايا… طويل شوية وعيونه عسلي… شعره بني داكن… وكان لابس قميص أزرق على بنطلون أبيض…
فكّر الموظف لحظات قبل أن يقول بسرعة:
– قصدِك الدكتور ساهر؟ هو كان لابس كده النهارده.
ترددت نيلي، تحاول التأكد:
– بصراحة… مش عارفة هو ولا لأ. بس… هو فين الدكتور دا؟
– والله لسه خارج من ربع ساعة تقريبًا.
ضربت الرخام بكفّها بعصبية. لكن صوت نيل قطع عليها غضبها وهو يقترب منها:
– ممكن أفهم بتسألي عن ساهر ليه؟
نظرت له بحدة وبرود وهي تستعد للمغادرة:
– موضوع ما يخصّكش.
لكنه لحق بها قبل أن تتخطاه، أمسك ذراعها بقوة وسحبها نحوه وهمس عند أذنها بنبرة حادة:
– أظن يخصّني أعرف… ليه مراتي الحلوة بتسأل عن راجل تاني غيري؟
نظرت له بتحدٍّ، وقالت بحنق:
– علشان… بحبّه. ارتحت؟
اتسعت عيناه بصدمة لثوانٍ، سرعان ما انطفأت لتحلّ مكانها نار غضبه. وبلا أي إنذار، سحبها خلفه بقسوة وغادر بها المستشفى. شعرت بالخوف منه، حاولت التملص من قبضته… لكن كانت كل محاولتها بلا جدوى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان عشق يقود السيارة بسرعةٍ جنونية، ملامحه جامدة لا تُظهر أي تعبير، لكن عينيه كانتا تشتعلان غضبًا. وكلما تذكر موت جلال وأتهامه به، ضغط بقدمه أكثر على البنزين، فتزداد سرعة السيارة كوحشٍ منفلت.
لم يُبالِ بتلك التي تجلس إلى جواره ترتجف، وأصوات أنفاسها المسموعة تصعد وتهبط مع صدرها، ودموعها تنهمر بصمت من بين جفونها المغلقة… خوفًا من أن ترى موتها بوضوح.
ضاقت ملامحه أكثر… غضبًا ليس منها، بل من نفسه.
من ذلك الضعف الذي يتسلّل إليه كلما سمع بكاءها،
ومن ضربات قلبه المجنونة التي تعتصر صدره بلا تفسير، وسط الفوضى التي تعصف بداخله وتوشك أن تفقده السيطرة.
وفجأة… انفجر صراخ هادر خرج من أعماقه، جعلها تنتفض في مقعدها رعبًا. ضغط بقوة على الفرامل ليوقف السيارة دون سابق إنذار، فاصطدمت عجلاتها بالأرض فأصدرت صوت احتكاك حادًّا، أفزعها بشدة فتمسكت بقوة بالمقعد ظنًا منها أن السيارة ستنقلب في أي لحظة. ولولا التفاف حزام الأمان حول خصرها… لكان حدث ما لا تُحمد عقباه.
_اخرســــــي بقى! مش عاوز أسمعلك نفس… فاهمه؟!
حاولت كثيرًا أن تتحكم فى رعشتها، وتكتم بكاءها خوفًا منه… لكن الخوف كان يزيدها انهيارًا. فصرخت في وجهه فجأة، كطفلة فقدت القدرة على الاحتمال:
عاوز تقتلني؟! اتفضل اقتلني وخلاصني!… علشان أنا بجد تعبت.
حدّق فيها بغضب مكتوم، وقال بحدة:
انتي مجنونة؟! أنا مستحيل أفكر أذيكي… مهما حصل!
انتي… أختي.
قاطعته بصراخٍ حاد، مليء بالرفض والإنكار.
أنا مِش أختك!… وأنا فاهمة لعبتكم دي من أول ما شوفتك. فاهمة… وعارفة كل حاجة.
عقد حاجبيه باستفهام صادم.
وإيه بقى اللي انتي “عارفاه”؟
فتحت فمها لتتكلم، لكنها تراجعت فجأة… ثم هتفت قائلة بصوت منخفض منكسر:
كل اللي أعرفه… إني مش أختك. وإنت مش أخويا.
ولو سمحتوا… سبونا في حالنا. وكفاية إنكم قتلتوا بابا وماما… وإحنا حتى مش هنفكر ننتقم تاني … بس سبونا في حالنا.
انهارت في البكاء، وكان صوت شهيقها ودموعها كخنجر يطعن قلبه. نظر إليها بتأمل، يتفحص ملامحها ودموعها التي كانت تتساقط كالألماس على خديها المحمرين من البكاء، وعيونها المنتفخة. وفي لحظة ضعف رفع يديه ليمسح دموعها، لكن سرعان ما عاد إلى وعيه، فكور يديه بقوة حتى برزت عروقه، واستقام في جلوسه بشموخ، وهو يبلع ريقه محاولًا إخفاء توتره. طال الصمت للحظة، ثم كسره صوته الحاد قائلاً:
إنتي أختي… أذا برضاكي أو غصب عنك. وسامح ونور مش أهلك… ولو كانوا لسه عايشين، كانوا هم بنفسهم قالولك الحقيقة.
وضعت يديها على أذنيها وهي تصرخ بالبكاء والغضب رفضًا للحقيقة:
كدب… كله كدب! كلكم كدابين! أنا مش أختك، وإنت مش أخويا… مش عندي أهل غير بابا وماما… ولين ونيلي!
قاطعه صوت محرك السيارة العالٍ يعلو فجأة وصوته الغاضب قائلاً:
تمام يا شوق… وأنا عارف إزاي هثبتلك إذا الكلام ده كذب ولا حقيقي.
عاد ليقود السيارة بنفس السرعة الجنونية، وهي ظلت صامتة تراقبه بذهول وخوفًا… أن ينهار عالمها الذي تعتقد أنها تنتمي له، وتنقلب حياتها المدمرة رأسًا على عقب، وأن كل ما قال لها يكون حقيقيًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعتين في المستشفى، عاد الجميع إلى القصر بعد أن تمّ رفض تسليم جثمان جلال قبل انتهاء التحقيقات في سبب موته. بينما بقيت كوثر وليل بجانب غرفة العناية حيث يتواجد نادر.
كان المكان صامتًا…دموع ليل تنهمر على خده بصمت؛ حزنًا على موت جده الذي لم يلحق أن يودّعه، وقلقًا على من ربّاه وكبره. أما كوثر فكانت شاردة، ملامح وجهها جامدة، تفكيرها يشتعل في رأسها بلا توقف…
إلى أين أخذ عشق تلك الحمقاء شوق؟
توترت ملامحها، وفركت كفّيها بخوف عندما هجم على عقلها أسوأ احتمال…ماذا لو حكت شوق لعشق كل شيء؟ماذا لو قالت له إنها هي من سمّمت جلال؟كانت لحظة غباء قاتلة منها في الحظة التي اعترفت لشوق. بذلك.استفاقت كوثر من دوامة أفكارها على صوت الباب يُفتح، لتخرج منه ممرضة تقول بهدوء:
مين ليل؟
تقدم ليل فورًا، واقترب منها سريعًا وهو يقول بقلق:
أنا ليل… خير؟ بابا حصل له حاجة؟
أجابته الممرضة بنفس الهدوء:
هو طالب حضرتك… تدخل له دلوقتي. اتفضل.
لم يتردد ليل لحظة، ولم ينظر حتى إلى كوثر. اندفع مسرعًا نحو الغرفة. حاولت كوثر اللحاق به، لكن الممرضة أوقفتها بجدية:
بعتذر يا مدام… المريض مش عاوز يشوف غير ليل.
وأكد عليّا محدش يدخل غيره
انعقد حاجبا كوثر باستغراب من طلب نادر ورفضه رؤيتها، لكنّها لم تُظهر اعتراضًا. استدارت بسرعة، حملت حقيبتها من على المقعد، وهرولت تغادر المستشفى…وكأنها كانت تنتظر هذه الفرصة على جمرٍ من نار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
دلف ليل إلى الغرفة بهدوء، يتنهد في محاولة يائسة للسيطرة على حزنه ودموعه. اقترب من نادر المستلقي على الفراش، تحيط به الأجهزة من كل جانب. أمسك كفه وقبّله بحب، وقال بصوت حاول جهده إخفاء الألم الذي يعتصره:
بابا…
فتح نادر عينيه بإرهاق شديد، ورفع يده ليبعد جهاز الأكسجين عن وجهه، وتمتم بمزاح ضعيف وصوته بالكاد يُسمَع:
أنا لسه عايش يا ليل… اصبر على العياط لحد ما أموت.
وهنا فقد ليل آخر خيط يمسك به. انفجر باكيًا وهو يعانقه بقوة:
بعد الشر عليك يا بابا. بإذن الله هتخف… وهترجع أحسن من الأول. أنا متأكد.
ربّت نادر على كتفه بحنان وقال بصوت متهدّج:
أنا خلاص… عارف إن وقتي جه. بس… عاوز منك طلب يا ليل.
ابتعد ليل قليلًا ينظر إليه بحزن، يمسح دموعه بكفيه المرتجفتين:
انت عارف لو طلبت روحي مش هتأخر.
انهارت مقاومة نادر، فانسابت دموعه وهو يقول بصوت متقطع محمّل بالتعب والندم:
بناتي… نفسي أشوفهم لو مرة واحدة قبل ما أموت… يا ليل. أنا دورت عليهم كتير… مش قادر أوصل لأي حاجة. دور عليهم… أنت وساهر.
وقبل أن يجيب ليل، قطع حديثهم دخول ساهر الذي أتى ليطمئن على والده بحجّة أنه يقوم بعمله. لكن عندما رأى ليل بجانبه، كوّر يدَيْه بغضب وعاد ليغادر وهو يقول:
آسف.
استدار ليغادر ويغلق باب الغرفة، لكن أوقفه صوت نادر المتعب قائلًا:
تعالى… تعالى يا ساهر… قَرَّب… عاوز… أقولك على حاجة…
أغلق ساهر عينيه لتتسلل دمعة حارقة منه، فمن حكمته كطبيب عرف أنّ والده في أيامه الأخيرة، ورغم ذلك لم يستطع تخطي الماضي والعفو عنه. وقبل أن يستدير رفع كفيه ليمسح دموعه كي لا يراها أحد، لكن ليل لاحظ ذلك، فهطلت دمعة من عينيه ورفع يداه ليمسحها وهو يراقب ساهر يعود للغرفة متظاهرًا بالبرود قائلًا:
أفندم… حضرتك حاسس بإيه دلوقتي؟
أجاب نادر بحزن عميق:
حاسس بنار في قلبي… ومش هتطفي غير لما تسامحني يا ساهر. أنا عارف إني خلاص بودّع… نفسي تسامحني إنت وخواتك… نفسي ألاقيهم وأخدهم في حضني. عارف إني غلط في حقكم وظلمتكم… بس ندمت.
انت يا ساهر كنت صغير مش فاهم حاجة، ولحد دلوقتي إنت مش فاهم حاجة… ولا حتى مرة جيت سألتني أنا عملت كده ليه؟
هتف ساهر بغضب وهو ينظر له باحتقار، ودون وعي كانت دموعه تنهمر مع كل كلمة، وصوته يتصاعد بكُره شديد، ناسيًا أن والده قد يفقد حياته في أي لحظة:
أكيد علشان فلوس مراتك! هي اشترتك بالفلوس تربي لها عيلها، وفي المقابل رميت عيالك في الشارع! وجاي دلوقتي تقولي ندمان؟ ندمك مش هيرجع خواتي اللي انت حرمتني منهم! ممكن أسمحك في حالة واحدة بس… إنك ترجعهم ليا زي ما أخدتهم مني!
تسارعت أنفاس نادر، وصدره يعلو ويهبط ودموعه تنهمر بصمت. أسرع ليل ليضع له جهاز الأكسجين، لكنه رفع يده رافضًا وضعه، ونظر لساهر بحزن عميق وهو يمد يده له ليقترب منه. نظر ساهر إلى ليل الذي لم يستطع التحكم في عواطفه، ثم تردد للحظة قبل أن يقترب ويضع يده في يد نادر على مضض. فهتف نادر بأنفاس متقطّعة:
أنا… ما سبتكش… إنت وخواتك… علشان الفلوس يا ساهر… أنا كنت مجبور… كنت خايف عليكم… في حاجات كتير… في حاجات كتيرة انت مش فاهمها… بس مش مهم… المهم دلوقتي… تلاقي خواتك.
أنا من عشرين سنة بدوّر عليهم… ما عرفت عنهم غير واحد… واحد اسمه سامح… اتبنّاهم…
صمت نادر فجأة، فنظر ليل وساهر لبعضهما في ذهول. ولم تمر ثوانٍ حتى تعالت أصوات إنذار الأجهزة، وتوقف جهاز نبض القلب ليصدر صفير الإنذار.
أسرع ليل ليضع جهاز الأكسجين على وجه نادر وهو يحاول إنعاشه، وانهار صارخًا. أما ساهر فكان غارقًا في دوامة من الصمت وهو يراقب محاولات ليل الفاشلة لإعادة والده للحياة، وصوت صراخه يعلو أرجاء الغرفة وسط صمت ساهر:
باااابااااا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مركز التحاليل الطبية…كان عشق يقف وهو يرفع كمّ قميصه ليمسح بقعة دم صغيرة ظهرت عليه بعد سحب العينة. أما شوق فكانت تجلس على مقعدٍ أمامه، تمسك ذراعها بألم واضح بعد أن أجبرها عشق على إجراء تحليل الدم، ليُثبت لها أنها شقيقته… دون أن يعلم أن النتيجة قد تقلب الحقيقة رأسًا على عقب. مرّت نصف ساعة كاملة وهما ينتظران في صمت متوتر. انفتح باب غرفة صغيرة، وخرج منها طبيب شاب في أواخر الثلاثين، وسيم إلى حدٍّ كبير. اقترب من عشق وتحدّث معه براحة وكأن بينهما معرفة سابقة، وقال بهدوء:
“للأسف يا عشق… النتيجة سلبيّة. مافيش بينكم أي قرابة… لا في الدم، ولا في الـDNA بتاع الحيوان المنوي.”
أغلقت شوق عينيها، وزفرت بعمق وكأن حملًا ثقيلاً انزاح عن صدرها. أما عشق… فاتسعت عيناه بدهشة، وخطف الملف من يد الطبيب بعصبية ليتأكد بنفسه وهو يتمتم بانفعال:
“مستحيل! أكيد في حاجة غلط! أنا متأكد إنها أختي…
تحاليل الدم والـDNA مطابقين لبابا وماما…مستحيل!”
وقفت شوق فجأة، وصاحت بغضب:
“لو سمحت… وقف بقى اللعبة دي! أنا مش أختك! وإنت مش أخويا! وأهلك مش أهلي! سبونا في حالنا بقى!”
لكن عشق كان كالمسحور… متجمّدًا، ملامحه خالية من أي تعبير، ينظر للملف بذهول، وكأنه فقد وعيه للحظات. رفع عينيه للطبيب وسأل بصوتٍ مكسور بالشك:
أنا… متأكد إنها بنت ماما وبابا. ولا كنت دورت عليها السنين دي كلها… أكيد في حاجة غلط.
ردّت شوق بحدّة أكبر:
يعني إيه؟! أنا بنتهم… وإنت مش أبنهم؟! إنت أهبل يابني؟! افهم بقى! أنا مش أختك… وانت مش أخويا! انا مش بنتكم اللي بدوروا عليها.
تجمّد عشق… ونظر للطبيب بذهول، ثم عاد بنظره لشوق. ثم تبادلت النظرات بين الطبيب وعشق بصمت قاتل… صمتٌ لم تفهمه شوق بغبائها أو باندفاعها…
صمتٌ يعني أن كلمة واحدة خرجت من فمها قد فجّرت أكبر سر في حياة عشق… سر قادر على قلب حياته رأسًا على عقب… وأخطأت حين ظنت أن قولها سيحرره منها… بل على العكس، ستكون هي أول ضحية لشعلة غضبه… وسلاح انتقامه القادم.



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى