رواية بين الامس واليوم الفصل الثامن 8 بقلم انفاس قطر – تحميل الرواية pdf

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن
+
صباح الدوحة
+
يوم يحمل الكثير
+
قلوب تُفجع.. وقلوب تتأمل..
+
وقلوب ليس لديها سوى فتات الأمل!!
+
ينزل السلالم بخطوات ثابتة..
+
يبتسم وتشرق روحه المثقلة حين يرى العينين الدافئتين الحنونتين تطلان من خلف برقعها
+
تحيط بهما تجاعيد رقيقة جعلت هيئتها تبدو أكثر ضعفا وهي تنحني بوهن..
+
أو ربما وحشة أمام قهوتها الصباحية!!
+
ابتسمت بشجن ورحبت قبل أن يصلها: حيا الله أبو خالد.. صبحك الله بالخير
+
يصلها لينحني على رأسها مقبلا.. ثم يهمس باحترام ودود: صباحش أخير جعلني فدا أرجيلش.. كيف أصبحتي يأم صالح؟؟..
+
ابتسمت بحنو: إذا قدك بخير أنت وأخوانك ما أشكي باس
+
ابتسم لها بمرح حنون: هذا أنا وأخواني قدامش قرود تنطط
+
همست بحزن عميق مسرف في العمق.. وكأن هذا الحزن المقيم يأبى الإنزياح أو التراجع أو الإنكماش:
+
جعل ربي ما يفجعني في حد(ن) منكم..
+
من عقب ماراح عبدالله والخاطر كلش(ن) يجيبه ويوديه
+
همس بحنين موجوع وهو يتذكر شقيقه الأصغر الذي رحل قبل أكثر من ثلاثة أعوام:
+
جعلها برايد عليك يابو حسن..
+
أنا أشهد إن الموت خذ له وليدة.. (الوليدة= الرجل النادر)
+
همست أم صالح بحنين: صالح يأمك.. جيب لي حسن اليوم فديتك..
+
قد لي كم يوم ماشفته.. وأنا بأكلم أمه تجهزه وتلبسه
+
ثم أردفت بألم شفاف: ما أدري لمتى ربى كاتب علي ماحد من عيال عيالي يقعد عندي!!
+
ذبحتني الشحنة لهم!!
+
ابتسم لها صالح: خلاص ولا يهمش خلي أم حسن توافق علي.. ونجيب حسن عندش
+
حينها نظرت له والدته بعتب: يعني تجيب حسن وأمه.. وأم خالد وعزوز وخويلد ؟؟
+
حينها أنزل صالح فنجانه وهو يشعر بضيق كتم على صدره أخفاه خلف هدوء صوته:
+
وش أسوي بنجلاء هي اللي معندة.. ومعية ترجع لي.. هي اللي حدتني أخطب عليها
+
نظرت أم صالح لابنها نظرة مباشرة وهمست بعتب مقصود:
+
نجلاء مرة عاقلة.. وماحدها على ذا كله إلا شي(ن) كايد
+
شوف وش أنت مزعل(ن) بنت عمك فيه؟؟
+
صالح بعتب: يعني رجعتي على ولدش.. وش بزعلها فيه يعني؟؟
+
لا عمري مديت يدي عليها ولا قصرت عليها بريال
+
أم صالح بذات النبرة المقصودة: أنت أخبر يأمك.. السالفة مهيب سالفة ضرب وفلوس
+
ثم أردفت بمودة: ياحيها نجلاء.. ليت كل النسوان مثلها..
+
كانت كافيتني غثى عزايمك أنت وأبيك.. وشاله البيت كله مني..
+
وين من هي مثلها؟؟
+
ابتسم صالح: إذا السالفة على كذا.. زوجي الجباوة الثنين اللي أخنزوا من الرقاد فوق..
+
أم صالح باستنكار: هزاع توه صغير.. أنت صاحي؟؟ خله يخلص الثانوية ذا الحين
+
ثم أردفت بابتسامة حنونة: أما أخيك الفاسخ كل ما قلته أعرس قال لي……….
+
“هذا حضرت العقيد عزابي.. وأنا مأنا بأحسن منه”
+
ارتفعت الأعين لمصدر الصوت الواثق المرح وصاحبه ينزل بخطوات سريعة عن الدرج
+
بلباسه العسكري الأنيق والنجمتين اللامعتين على كتفيه العريضين
+
ليصلهم خلال ثوان ليقبل رأس والدته وشقيقه الأكبر بينما كان صالح يهتف بابتسامة:
+
والله ياملازم فهد..ترا منصور آل كسّاب تزوج بدل المرة ثلاث..
1
يعني جرّب مثله.. ما تضر التجربة.. يمكن يعجبك الحال عقب
1
فهد يسكب لنفسه فنجانا من القهوة ويرد بابتسامة مشابهة:
+
هذا أكبر دليل إني لازم ما أتزوج
+
لأنه إذا حضرة العقيد بنفسه جرب ثلاث مرات وما صلحت له مرة..
+
معناتها النسوان كلهم مافيهم خير..
5
ثم استدرك وهو يعاود تقبيل رأس والدته ويقول بمرح حنون:
+
إلا أم صويلح.. المصنع عقبها سكروه
+
أم صالح بحنان: إيه إلعب على أم صويلح بدل ما تبرد خاطرها بشوفت عيالك..
+
صالح يضحك: وأشفيش أنتي وولدش.. شايفيني أصغر بزرانكم.. صويلح وصويلح…
+
فهد يعاود تقبيل رأس والدته للمرة الثالثة ويهمس باحترام ودود:
+
لاحقين خير يا الوالدة.. ما يصير إلا اللي يرضيش.. بس خلوني الحين على راحتي
+
صالح يبتسم: إيه يمه خليه.. وادعي في كل صلاة إن منصور آل كسّاب يتزوج..
+
صدقيني يا ساعة يأتي إخبره متزوج..
+
يافهيدان إن قد يجيش يعدي كنه سلقة يبي العرس…
+
أم صالح بغضب: يكرم ولدي عن السَلق..
+
ثم أردفت بابتسامة لطيفة: بس ما يضر ندعي لمنصور.. اللي فهيدان يحبه أنا أحبه
+
فهد يقفز ويقبل رأس والدته للمرة الرابعة ويقول بمرح:
+
إيه جعلني فدا عويناتش.. ادعي لحضرت العقيد.. يستاهل..
+
وادعي لي ما أتاخر اليوم على طابور اليوم.. ويعطيني حضرت العقيد جزا
+
صالح يبتسم وهو يرى شقيقه يغادر: أستغرب حبك لقائدك على كثرة ما يجازيك.. المفروض تكرهه
+
فهد بابتسامة واثقة: أنا أدري إن حضرة العقيد يعزني ويقدرني.. لكن العسكرية مهي بلعب..
+
ولو هو ما تعامل معي ومع الفرقة كلها بذا الطريقة ما كان حبيناه
+
لأنه يعرف يمسك العصا من النص..
+
يعطينا حقنا.. ويأخذ حق العسكرية منا
+
ثم أردف فهد (بعيارة) : بعدين يأخي سيادة العقيد كله كاريزما.. يئبر ئلبي شو مهضوم..
+
صالح يضحك بصوت عالٍ: أمحق عسكرية تعرفها ياهيفا
+
فهد يشير له بيده مودعا وهو يضحك
+
بينما دعوات والدته ترتفع خلفه أن يكتب لكل من ابنها وقائده الزوجة الصالحة والذرية البارة..
+
بينما صالح يتذكر شيئا… ويهتف وراء فهد بصوت عالٍ حازم يختفي خلفه قلق عميق:
+
فهيدان الله الله في الركادة وأنت تسوق ياولد..
+
**********************************
+
مستشفى حمد
+
الساعة العاشرة صباحا
+
غرفة جميلة الخالية من جميلة!!!
+
نحيبها المكتوم الموجوع حينا ينخفض.. وحينا يرتفع
+
وهمهمات متقطعة تصدر متحشرجة من حنجرتها التي تمزقت من طول النحيب الذي لم يتوقف مطلقا منذ يوم أمس:
+
راحت.. راحت بدون حتى ما أسمع صوتها.. يا حر جوفي حراه
+
مزون تحاول كتم عبراتها: شتسوين يا خالتي؟؟
+
عادها ما وعت من تخديرتها البارحة عقب ما خدروها عشان ما تشيل المغذي من يدها
+
تغرس أظافرها في معصم مزون التي تجلس جوارها تحتضن كتفيها تهدهدها
+
وهي تهمس بصوت مبحوح ممزق: بأموت يأمش يامزون بأموت..
+
حاسة إني ماعادني بشايفة بنتي..ياحي جميلة حياه
+
“قومي الحين جهزي أغراضش..
+
والله ما تمسين إلا عندها واللي رفع سبع(ن) بليا عمد”
+
الاثنتان نظرتا بدهشة للواقف بجوار النافذة الطويلة ينظر للخارج وهو يوليهما ظهره ويكمل بحزم شديد:
+
أنتي تأشيرتش جاهزة.. وأنا عندي تأشيرة شنغن مجهزها عشان لو جاتني سفرة شغل مفاجئة
+
قومي يالله..
+
عفراء وسط عبراتها: لا يأمك ماني برايحة.. هي عبرة وانقضت.. بفضي رأسي من دموعه وعقبه بأهدأ
+
كسّاب بذات الحزم البالغ: أنتي تحسبيني حلفت وبأفجر؟؟.. لا والله إن قد تروحين..
+
عفراء بضعف: يأمك ما أبي أروح.. لو أبي أروح كان رحت معها من أول..
+
كساب يدير وجهه ناحيتهما وعيناه ممتلئتان بتصميم غريب حازم.. ويقول بقسوة:
+
خالتي لا تضيعين وقتي ووقتش..
+
يالله قومي أوديكم البيت وتجهزين وأنا بأروح أحجز لنا على طيارة فالليل
+
لأنش بتروحين يعني بتروحين
+
مزون بتردد: كسّاب خلها على راحتها
+
كسّاب ينظر لها نظرة مباشرة شعرت كما لو كانت نظرته ستسلخ جلدها عن عظمها
+
وهو يقول بقسوة أكبر: أنتي تلايطي ولا تتدخلين في شيء ما يخصش
1
مزون تراجعت بجزع.. وعبراتها تتضخم في حنجرتها
+
بينما انتفضت عفراء بغضب لم يمنعها منه استغراقها في الحزن:
+
ما أسمح لك تكلمها بذا الطريقة وقدامي.. أنا ما لي حشمة عندك
+
كسّاب يتجه للباب وهو يقول بذات الحزم القاسي:
+
أقول لش خالتي.. الأحسن اتصلي في سواقتش توديكم
+
أنا طالع أجيب التذاكر.. الساعة 7 في الليل تكونين جاهزة..
+
كسّاب خرج.. لتنفجر مزون في بكاء حاد مترع بالشهقات في حضن خالتها..
+
عفراء تهمس لها بحنان.. وحزن مزون يأخذها من حزنها:
+
بس يا قلبي لا تزعلين على كسّاب.. أنتي صرتي عارفته..
+
مزون تهمس بألم ووجهها مختبئ في كتف خالتها:
+
حتى لو كنت مستوجعة من قسوة كسّاب وتقصاده إنه يوجعني..
+
مهوب ذا سبت زعلي
+
أنتي عارفة إني كنت عاملة حسابي إني بسافر معش أنتي وجميلة
+
لكن الحين أشلون بأقدر أقعد على أعصابي من غيرش ومن غير جميلة..
+
لا وبعد من غير كسّاب وعلي
+
عفراء بحنان وهي تحتضنها بحنو: ماني برايحة يأمش.. بأقعد عندش..
+
أنتي عارفة إني من لما تزوجت جميلة خليفة قررت إني ما أروح
+
حينها مزون انتفضت بجزع: لا خالتي تكفين.. لا يرجع كسّاب ويلاقيش ما تجهزتي بيعصب..
+
انا ما أستحمل أشوف عصبيته.. تذوب ركبي من الخوف
+
ثم أردفت بوجع: يا سبحان الله.. مع إن كساب طول عمره عصبي..
+
بس فرق السما عن الأرض بين عصبيته مع حنانه وعصبيته مع قسوته!!
+
ثم مسحت دموعها وأردفت بتشجيع: خلينا نرجع البيت.. أغراضش تقريبا جاهزة
+
روحي على الأقل تطمني على جميلة.. لو حبيتي تقعدين مرخوصة
+
ولو بغيتي ترجعين لي.. هذا أحب ما على قلبي
+
بعد دقائق في سيارة كساب الذي يزفر غضبه في زفرات محرقة
+
توشك أن تحرق لشدة لهيبها الهواء العابر أمام أنفاسه:
+
“تريدني أن أراها على هذه الحال وأتركها
+
تريدني أن أرى روحها تذوي وأتركها
+
هل تريد أن تتركني كما تركتني وسمية؟!!
+
هل تريد أن تعذبني بحزنها كما عذبتني أمي بمرضها
+
أعلم أن للاثنتين قلب سرعان ما يذيبه الحزن كما يذيب الماء الملح
+
إن لم أستطع أن أبقي أمي جواري..
+
فلن أسمح لعفراء أن تتركني وحيدا في هذا العالم.. مخلوق مشوه الروح.. مشبع بالأسى والأحقاد
+
ما زالت هي نافذة الضوء التي تأخذني من عتمة أيامي المظلمة إلى فضاء يبصق بعض الضوء
+
الذي يبقيني على تواصل مع كينونتي الإنسانية
+
لن أسمح لروحها أن تغرق في الحزن..
+
لن أسمح لابتسامتها أن تنطفئ
+
فكيف تنطفئ ابتسامة أيامي الوحيدة؟!!!”
+
*****************************
+
“صبحش الله بالخير يأم امهاب”
+
ترفع رأسها للقامة المديدة التي تنحني عليها وهو بكامل ألقه في لباس الطيارين الأنيق وتهمس بهدوء: صباحك أخير يامك
+
ثم أردفت باهتمام: ما قلت لي إنك عندك رحلة اليوم..
+
مازال واقفا وهو يقول بهدوء: واحد من الزملاء اعتذر عنده ظرف وكلموني.. رحلة قصيرة للبحرين.. قبل المغرب باكون راجع إن شاء الله
+
أم مهاب بمودة: تروح وترجع بالسلامة يأمك..
+
تفكير معين يدور في ذهن مُهاب..
+
يتردد للحظات ثم يهتف بثقة: يمه فيه موضوع أبي أكلمش فيه
+
مزنة تعتدل بفرحة وهي تشهق: تبي تعرس؟؟
+
ابتسم مُهاب: يعني مافيه موضوع أكلمش فيه إلا موضوع عرسي
+
مزنة عاودت الجلوس وهي تقول بخيبة أمل: مهوب القصد.. بس المقدمة حسيت فيها ريحة عرس
+
مازالت الابتسامة مرتسمة على وجهه: هو من حيث ريحة عرس فيها ريحة عرس.. بس مهوب أنا
+
صمت لثانية ثم همس بحذر: عرس تميم
+
مزنة بضيق: شوف يا امهاب تقول لي ياخذ طرماء صمخاء لا..
+
عندك سالفة غيرها.. وإلا لا تعطل روحك على شغلك
+
مهاب يتنهد بعمق ثم يقول بثبات: يمه اسمعيني جعلني الاول.. ذا المرة العروس غير والله غير..
+
بنت دكتور مع عبدالرحمن في الجامعة.. عبدالرحمن يقول شافها مع أبيها..
+
يقول مزيونة ومخلصة ثانوية.. وإبيها يمدحه عبدالرحمن واجد
+
تقاطعه مزنة بنفاذ صبر: والزبدة إنها طرماء صمخاء..
+
توكل يا ولد بطني.. توكل الله يحفظك
+
مهاب باحترام لم يخلُ من رائحة الاستجداء اللطيف:
+
يمه ما يصير تسكرينها في وجه تميم.. الولد يبي يتزوج
+
مزنة بغضب: اسمعني امهاب.. يا ويلك تزين ذا البنت ولا ذا السالفة كلها في عين تميم
+
والله إنه زعلي عليك دنيا وآخرة..
+
تميم يبي يعرس.. بأزوجه أحسن بنت اليوم قبل بكرة.. وغير ذا الحكي ما عندي
+
*************************
+
مطار الدوحة الدولي
+
سيارة الإسعاف التي تحمل جميلة تصل وتدخل إلى داخل أرض المطار
+
فالمرضى لا يعبرون عبر القنوات الاعتيادية
+
فسيارة الإسعاف تقف تماما تحت الطائرة..
+
وجاء ضابط الجوازات للتأكد من الجوازات وأخذ بياناتها لإدخالها في الحاسوب..
+
ومن ثم لأخذ زايد معه الذي أخذ إذنا خاصا ليدخل معهم لأرض المطار
+
خليفة يكاد يذوب توترا..
+
مازال حتى الآن لم يرَ المخلوقة المسماة زوجته.. ولا يشعر مطلقا بأي رغبة لرؤيتها
+
يشعر بالجزع يخنق روحه.. على أي حال هي؟!!
+
قالو له أنها مريضة جدا.. ما مدى مرضها؟!
+
كيف هي هيئتها التي يشعر بالرعب من فكرة رؤيتها؟!!
+
منذ علم بوزنها وهو لا تفارق أفكاره صور موجعة لضحايا المجاعات
3
ولكن .. فرق شاسع بين من ترك الطعام مجبرا وهو يستميت ليبحث عنه
+
وبين من تركه مخيرا وهو يُجبر عليه
+
فكيف هذه التي قررت تجويع نفسها اختيارا ؟!!
+
الطاقم الطبي رفع جميلة لسطح الطائرة..
+
بينما بقي خليفة مع زايد الذي أثقل على روحه بكثرة الوصايا:
+
ترا جميلة أمانتك ياخليفة.. والأمانة ثقيلة وتُسأل عنها يوم القيامة
+
هذي بنت الغالي.. وتراها أمانتك يأبيك
+
خليفة بثقة يذوب خلفها توترا: في عيوني ياعمي.. لا تحاتيها
+
زايد غادر.. وخليفة صعد بخطوات أكثر توترا وثقلا إلى متن الطائرة
+
قابل الطبيبة في الممر.. فزايد أصر أن تسافر طبيبتها معها..
+
وتبقى معها حتى يستقر وضعها هناك.. ودفع من أجل ذلك مبلغا مهولا من المال
+
همس خليفة بتوتر متعاظم: أشلون وضع جميلة الحين؟؟
+
ثم أردف وهو يحاول ابتلاع ريقه الذي يرفض عبور حنجرته الجافة: صاحية الحين؟؟ ممكن أشوفها؟؟
+
رغم أنه في داخله كان يهرب من اللقاء.. ويريد أن يؤجل هذا اللقاء المحتوم لأطول وقت..
+
ربما حتى يعتاد على الفكرة..
+
أو ربما حتى يكون قادرا على التحكم في تيارات مشاعر قلقه وتوتره المتزايدة بعنف
+
.. ولكن حتى متى الهروب؟؟
+
فهذه الشابة أصبحت زوجته.. أمانته.. وهو المسؤول الأول عنها..
+
فلمن يترك مسؤولياته الإجبارية التي ورّط هو نفسه فيها؟!!
+
أجابته الطبيبة بمهنية ودودة رتيبة: صاحية لا..
+
بس أكيد تقدر أشوفها..
+
أصلا تركنا المقعد اللي جنب سريرها فاضي عشانك
+
انتفض خليفة في داخله بجزع ( أ سأبقى مقيدا لجوارها طوال الرحلة؟!!)
+
توجه خليفة بخطوات مترددة ناحيتها..
+
ليجلس جوارها وهو يشيح لا إراديا بنظره عنها
+
يحاول الإلتفات لها ليجد نظره يهرب إلى كل مكان إلا مكانها
+
يعاود الإلتفات ليعاود نظره المتخاذل القلق رحلته في الهروب..
+
يكثر الدعوات في قلبه أن يلهمه الله الصواب ويمنحه القوة
+
يسمي بسم الله ويلتفت نحو المخلوقة الممدة بلا حراك جواره..
+
لتكون هذه الإلتفاتة هي المحاولة الجادة لإكتشاف رفيقة سفره
+
انتفض بعنف..والمنظر الصادم يبعثر تفكيره كاعصار عاتٍ
+
وهو يشعر بشيء ما يسد بلعومه ويجعله عاجزا عن التنفس..
+
شعوران تصاعدا في روحه حتى خنقاه..
+
الشفقة والرعب..
+
كان ينظر بشفقة كاسحة لوجهها الخالي من الحياة..
+
مظهرها البائس وعظامها البارزة.. عنقها شديد النحول.. أناملها اليابسة الموصلة بأجهزة التغذية
+
كان يفتح عينيه ويغلقهما وهو عاجز عن استيعاب المنظر أمامه
+
ليقفز له حينها إحساس الرعب الموجع..
+
“هذه المخلوقة توشك على الموت
+
توشك على الموت
+
فما هذا الذي أدخلت نفسي فيه
+
كيف أستطيع أن أنجو من الإحساس بالذنب ومن عتب والدتها وزايد.. لو حدث لها شيء؟!!
+
أي مخلوقة جافة هذه كغصن خشب متحطب بُتر من شجرته لتغادره كل معالم الحياة ونضارتها؟!!
+
أ يعقل أنها من فعلت بنفسها هذا؟!! أي مجنونة هذه؟!
+
أي مجنونة؟!!
+
بل أي مسكينة؟!!
+
أي مسكينة؟!!”
+
حاول خليفة أن يمد يده ليمسح على خدها ترجمة لشعور الشفقة المتزايد ناحيتها
+
ولكنه لم يستطع.. لم يستطع
+
مشاعر كثيفة معقدة متداخلة تمور في جوانحه المثقلة..
+
نفور ربما..!!
+
خوفا من أن يؤذيها وهي تبدو هشة لدرجة التكسر السريع ربما!!
+
أرجع ظهره للمقعد وهو يربط حزامه..
+
ويشعر في داخله برغبة حقيقية في البكاء
+
على حاله.. على حالها.. على هذا الوضع غير الإنساني الذي أدخل نفسه فيه
+
ولكنه نهر هذه الرغبة المضادة لإحساس الرجولة الثمين
+
الذي لابد أن يتمسك به حتى النهاية!!
+
وما بعد النهاية..!!
+
**************************
+
نهار عمل اعتيادي يقترب من ختامه بخطى حثيثة..
+
ترفع كاسرة الهاتف وتتصل بنبرة عملية رسمية: فاطمة لو سمحتي باقي أي شغل؟؟
+
فاطمة السكرتيرة ترد عليها بذات النبرة الرسمية: لا أستاذة كاسرة الحين مافيه شيء..
+
حينها انقلبت نبرة كاسرة للنقيض تماما..النقيض تماما.. مودة رقيقة شديدة العذوبة :
+
زين فطوم قولي للساعي يجيب لنا قهوة.. وتعالي تقهوي معي
+
فاطمة ترد عليها بذات النبرة ولكن مغلفة بالمرح:
+
زين سوسو.. دقيقة بس.. أقول لسماح تجي تمسك مكاني.. وأجي لش
+
بعد دقيقتين تدخل فاطمة ومعها الساعي الذي يحمل القهوة..
+
ويضعها على المكتب ويخرج لتخلع كاسرة نقابها وتعلقه جوارها
+
همست فاطمة بمرح شفاف وهي تخلع نقابها بدورها لتجلس:
+
كم صار لنا متصاحبين؟؟.. أكثر من عشر سنين..
+
تأثير خلعتش للنقاب علي مثل أول يوم شفتش داخلة المدرسة وتشيلين نقابش
+
يومها قلبي وقف.. شهقت وقلت نعنبو هذي من وين جايه..
+
لا تكون مضيعة الدرب وتحسب مدرستنا مكان انتخاب ملكات الجمال
+
ضحكت كاسرة: والله أيام يافطوم..
+
ثم أردفت بهدوء عذب فيه رنة حزن لا تكاد تُلحظ: ماطلعت من كل دراستي في المدارس ثم الجامعة إلا بش أنتي وبس
+
فاطمة تضحك: ياحظش.. أنا أكفي عن العالم كله.. مو؟؟
+
كاسرة تبتسم: إلا مو.. ومو.. ومو..
+
ثم أردفت بذات نبرة الحزن الـمُخبئة: الحين ماعاد يهمني.. بس زمان وأنا صغيرة تمنيت يكون عندي صديقات كثير..
+
تمنيت أكون مثل أختي وضحى الحين ماشاء الله وش كثر صديقاتها..
+
فاطمة تضحك بمرح: زين يا بنت الحلال إني رفيقتش الوحيدة.. عشان ما تتوسطين إلا لي.. وتشغليني
+
لولاش وإلا كان قاعدة الحين في البيت أشد شعري..
+
كاسرة تبتسم: أنا من يوم انطردتي من الجامعة عقب الانذار الثالث
+
وحن أخر فصل.. ومهوب باقي لش إلا 12 ساعة على التخرج وأنا محترة
+
فاطمة بحزن: لا تذكريني.. ضاع عمري في الجامعة وعقبه يطردوني ماباقي شيء على تخرجي..
+
تقارير مرض أمي وانشغالي فيها ماشفعت لي عند إدارة الجامعة بشيء..
+
وعقب ذا كله هذا أنا اضطر اشتغل بالشهادة الثانوية
+
ثم أردفت وهي تتناسى هذا القهر الذي لا تستطيع تناسيه:
+
بس أكيد الفصل اللي خليتش فيه بروحش في الجامعة.. كان فصل ممل
+
كاسرة هزت كتفيها بسخرية موجوعة: ممل؟؟.. كان مأساة..
+
كانت روحي بتطلع من الحزن على فراقش والقهر عليش..
+
وأنا أمشي في الجامعة بروحي ماحد داري عني ولا معبرني
+
ثم أردفت بحزن أعمق: يعني فطوم لهالدرجة أنا ما أتعاشر..
+
مثل ما أصيد وضحى وتميم وامهاب وحتى أمي دايم يقولون علي كذا..
+
وأبين إني ما شفت شيء ولا سمعت شيء
+
فاطمة بتساؤل حنون: زين وليش تكونين كذا قدامهم..؟!!
+
كاسرة بسخرية مرة: على قولت جدي (إذا سموك كلب، فصر نباح)..
+
يعني أمي ربتني كذا.. لكنها يوم شافت الحالة زادت عندي.. ماحاولت تعدلني..
+
كانت مبسوطة فيني.. لأني أذكرها بنفسها
+
وعقب صار الكل ينتقدني.. يعني أنا صرت الكلب اللي لازم يرعب بنباحه..
+
وصرت ما أعرف أتصرف إلا كذا..
+
مثل يوم كنا في المدرسة تذكرين.. والبنات يقولون لش.. أشلون مصاحبة ذا المغرورة..
+
يعني البنات يوم شافوني حلوة.. على طول قالوا: مغرورة..
+
فقلت خلاص الغرور حق مكتسب لي.. ومن هي مثلي يحق لها تصير مغرورة
+
فاطمة بذات الحنان: بس لو سمحتي لهم يعرفونش عدل.. لو حاولتي تنازلين أنتي عن عنادش..
+
بينتي لهم داخلش.. كان حبوش..
+
الإنسان لازم يظهر أحسن مافيه للناس..
+
مهوب وأنتي راسمة نفسش نجمة في السما وتبين الناس يفهمونش بدون ما تقدمين مقابل
+
كاسرة بعناد: ما أعرف أسوي كذا..
+
وأنا ماني بمستعدة أتنازل عشان أغير صورة الناس حطوني فيها وعقبه أنا لبستها بجدارة
+
فاطمة تهز كتفيها بمودة صافية حقيقية: الناس مالهم إلا الظاهر..
+
كاسرة بحزم لطيف: خلاص خل الظاهر لهم.. أنا عاجبني حالي..
+
الاثنتان مستغرقتان في حديثهما الودي.. ليرن هاتف كاسرة.. تلتقطه بهدوء: نعم وضحى
+
………………
+
نعم
+
………………
+
بحزم شديد: لا.. العصر أنا أوديش..
+
………………….
+
خلاص وضحى قلت لا يعني لا
1
كاسرة أنهت الاتصال.. وفاطمة ابتسمت بتساؤل: وين تبي تروح وضحى وأنتي ما رضيتي كالعادة؟؟
+
كاسرة بهدوء لم يخل من بعض غضب: اليوم تدري إنه أمي في مدرسة تحفيظ القرآن..
+
وماحلا لها تروح إلا وأنا وأمي مهوب موجودين في البيت
+
ابتسمت فاطمة وهي تتذكر: خالتي أم امهاب كم جزء وصلت لين الحين؟؟
+
كاسرة بحنان غامر: فديتها.. ختمت 20 جزء.. عقبال العشرة الباقية بإذن الله..
+
يا الله ياني ناوية أسوي لها شيء كبير إذا ختمت حفظ القرآن إن شاء الله
+
فاطمة بتحسر: بس حرام إن أمش ما دخلت الجامعة..
+
تذكرين واحنا في ثالث ثانوي وهي تمتحن معانا منازل..
+
والله العظيم كنت على طول أسألها قبل الامتحان ماشاء الله إجاباتها على طول جاهزة
+
وبعدين جابت أحسن مني.. ماشاء الله منازل وجابت 87 %.. وانا ياحظي 76 بس..
+
كاسرة بحنان عميق: والله حاولت فيها تدخل بس هي مارضت..
+
قالت بادخل مدرسة تحفيظ أروح يومين في الأسبوع..
+
الجامعة تبي انتظام ومقابل.. وما أقدر أخلي إبي بروحه..
+
ثم أردفت بمودة غامرة: فديت إبيها ..جعلني ما أذوق حزنه يوم..
+
فاطمة بحذر: كاسرة جدش رجال عود واجد.. يعني توقعي ذا الشيء.. وأنتي إنسانة مؤمنة
+
كاسرة بغضب: فاطمة سكري ذا السالفة..
+
فاطمة بمرح: زين زين يمه منش..
+
ثم أردفت لتنسي كاسرة الموضوع الذي تعلم أنه مصدر ضيقها الأول :
+
زين خلاص قولي لي وين كانت وضحى تبي تروح..
+
كاسرة تحاول أن تهدأ بعد الخاطر المزعج: المكتبة تبي تطبع بحث..
+
فاطمة بتساؤل رغم أنها تعرف الإجابة: زين ليه ماخليتيها تروح.. يعني لازم تكسرين بخاطرها كل مرة
+
كاسرة بهدوء: يعني فطوم كنش ما تعرفين أسبابي..
+
فاطمة بهدوء مقصود: أنا أعرف بس هي ما تعرف.. وترا مبرراتش ممكن تكون مقنعة لش..
+
لكن لها أو حتى لي مهوب مقنعة.. وضحى ماعاد هي بزر.. عمرها 22 وكلها أسبوعين وتتخرج من الجامعة إن شاء الله
+
كاسرة بحنان موجوع: يا فطوم.. طيبة زيادة عن اللزوم.. إلا هبلا..
+
العام اللي فات راحت تسوي نفس الشغلة بروحها..
+
تدرين الطباع النصاب.. خذ على طباعته اللي ما تجي خمسين ريال..خذ 400 ريال.. وما عطاها حتى وصل
1
ولما رجعت أنا له.. يقول إنها كذابة وماعطته إلا سبعين ريال.. تخيلي!!
+
ومهوب هذي السالفة الوحيدة.. ياختي مكتوب عليها مقصة..
+
ماتروح مكان إلا يقصون عليها.. وما تتوب ولا تتعظ.. عندها حسن ظن بالناس غير طبيعي
+
وأنا ما ابي حد يستغفل أختي
1
ثم أردفت بحزم: يأختي عدا أني أخاف عليها واجد.. أدري بتقولين كبرت وأخلاقها ماعليها كلام..
+
صدقيني أدري.. بس طيبتها تخوفني.. أخاف حد يلعب عليها بكلمتين.. حد يضايقها في الطريق وما تعرف تتصرف
+
تدرين إني مستحيل أخليها تسهر مقابلة الكمبيوتر عقب ما أنام أنا..
+
أخاف تدخل شات.. وإلا حد يلعب بعقلها.. وضحى بريئة بزيادة وتصدق كل شيء
+
فاطمة تضحك: والله إنش غريبة.. وش ذا التفكير الحجري اللي عندش..
+
فكي عن البنية شوي..وضحى ما ينخاف عليها ..وتراش منتي بأمها
1
فليش تخنقنينها بذا الطريقة.. لو أنا منها.. اخنقش وأنتي نايمة..
+
ابتسمت كاسرة: عاد هذا اللي الله عطاني… خليها لا تزوجت.. بتنفك من غثاي..
+
ابتسمت فاطمة: وافقت على عبدالرحمن؟؟
+
كاسرة بهدوء رقيق: مابعد عطت رأيها..
+
تدرين فطوم في داخلي أتمنى وأدعي ربي إنها توافق على عبدالرحمن
+
سبحان الله هي وعبدالرحمن فولة وانقصت نصين..
+
ابتسمت: طيبين ومهبل
+
ثم أردفت بتوجس: بس أخاف إنه سالفة إنه عبدالرحمن خطبني أكثر من مرة تخرب عليهم حياتهم..
+
عشان كذا أنا ما شجعتها.. وقلت لها سوي اللي أنت مقتنعة فيه
+
تدرين فطوم لو كنت أنا الحين متزوجة كان اقنعتها توافق على عبدالرحمن.. بس بما أني لحد الحين عانس على قولتش
+
أخاف إنها تحس في وجودي خطر عليها وعلى زواجها..
+
فاطمة بمرح: زين ضحي بعمرش يالعانس وتزوجي عشان أختش واحد من اللي حرقتهم الشمس عند بابكم
+
ثم أردفت بجدية: ماتعبتي من كثر ما تردين الخطاب..
+
كاسرة العمر يجري.. أنا الحين عندي ولدين وأفكر إن شاء الله أحمل بالثالث
+
ما تبين لش ولد تضمينه لصدرش.. والله العظيم الأمومة بروحها تكفي عن أي شيء..
+
كاسرة بألم: اكيد نفسي أتزوج ويكون عندي عيال..
+
ثم أردفت بابتسامة: بس أول خليني ألقى الأبو المناسب لعيالي..
+
فاطمة بسخرية: إيه شايب منتهي مخرف.. يموت عليش ويخليش أنتي وعيالش..
+
كاسرة تضحك: ول عليش.. على طول موتي رجّالي.. إلا عمره طويل إن شاء الله لي ولعياله
+
طريتي علي العيال.. فديته حسون اشتقت له..
+
فاطمة تبتسم: ما أدري وش حببش في ذا الولد اللي أمه ما تطيقش
+
كاسرة تهز كتفيها: المحبة من الله.. ومهوب أنا بس اللي أحبه.. الكل يحبونه..
+
ياسبحان الله يمكن عشان أبيه مات وهو في بطن أمه.. يخلينا كلنا حاسين بحنان عليه
+
وبعد هو ماشاء الله أدب وحلاوة ودش تأكلينه من قلب..
+
لكن أمه الله يهداها.. يوم تشوفيني أشيله وإلا أحبه تركبها العفاريت.. كني ذابحة لها أحد
+
بس جوزا بالذات ما أقول لها شيء.. والله العظيم فطوم.. أول مرة أحس بوجيعة حد مثلها..
+
بنت صغيرة توها عروس ما تتهنى حتى شهرين ويموت رجّالها وهي حامل في شهر
+
لا ويقطون عليها كلام إنها وجه نحس.. وحدادها 8 شهور كاملة
+
تغيرت كثير عقب موت زوجها.. كنها وحدة ثانية.. بس نعنبو لايمها.. قلبها احترق
+
عشان كذا يوم تقط هي علي كلام.. أحط نفسي ما سمعت.. أو ما انتبهت..
+
أو أرد رد عادي على أني ما فهمت قصدها
+
ما ألومها مقهورة وتبي تفضي قهرها..وشكلي صرت كبش الفدا
+
بس اللي جرحني بجد تخيلي فطوم قبل كم اسبوع جايبة لحسن هدية..
+
تخيلي وأنا طالعة من بيتهم لقيتها مرمية في الزبالة اللي قدام البيت بعلبتها ما انفتحت…
+
هذا تصرف وحدة عاقلة؟!!
+
أحيان كثيرة أسأل نفسي أنا وش سويت لها.. والله العظيم فاطمة عمري ما ضايقتها بشيء
+
ثم أردفت وهي تبتسم لفاطمة وتقول هذه المرة بغرور تمثيلي مرح باسم:
+
بس واثق الخطوة يمشي ملكا.. خل اللي كاسرة مهيب عاجبته يحترق بحرته
+
فاطمة تضحك: يالله ياكريم لا تحرمني أشوف كاسرة عند واحد كاسر خشمها
+
تذوب فيه وتذبحها الغيرة عليه
+
كاسرة باستنكار: من هو ذا اللي أغار عليه.. مابعد جابته أمه..
+
ثم أردفت بغرور: ياحبيبتي تغار اللي خايفة رجّالها تزوغ عينه..
+
لكن أنا الحمدلله واثقة إنه عينه بتكون عايفة خلق الله عقب ما يشوفني
+
فاطمة تبتسم: اللهم علي الدعاء ومنك الاستجابة..
+
************************************
+
“خلاص خالتي.. كل شيء جاهز؟؟”
+
عفراء بتوتر وهي تلبس عباءتها: جاهز..
+
ثم أردفت بحرج: يافضيحتي من خليفة.. أقول له ماني برايحة معكم.. مع أن الولد ترجاني..
+
ثم ما يوصلون إلا يلاقيني ناطة عندهم.. وش يقول ذا الحين؟؟ إني مابغيت خوته؟!!
+
مزون بابتسامة: وهذي الصراحة.. أنتي ما بغيتي خوته
+
عفراء بغيظ: عيب مزون!!
+
يتعالى صوت بوق سيارة قريب.. تقفزان معا بتوتر..
+
وتهمس مزون بتوتر أكبر : يالله خالتي شكله كسّاب يستعجلش
+
عفراء بحنان: ماتبين شيء يأمش
+
تحاول مزون أن تمنع الدموع من التقافز لعينيها وهي تهمس بثبات قدر ما استطاعت:
+
لا فديتش.. روحي وتطمني على جميلة..
+
وأنا الحين بأخلي خدامتش تكمل ترتيب البيت وعقب بأسكره..
+
واخليها تروح تنام هي والسواقة مع خدامات بيتنا
+
عفراء تتنهد وهي تحتضن مزون ثم تنزل نقابها على وجهها وتسحب خلفها حقيبتها الصغيرة..
+
فهي مصرة أن تكون زيارتها قصيرة وتعود مع كسّاب
+
ما أن غادرت وأغلقت الباب.. حتى انهار تماسك مزون الهش
+
لتتهاوى جالسة بيأس وهي تنخرط في بكاء خافت عميق الشهقات..
+
“أما تعبتِ يا مزون من كثرة البكاء..؟!
+
تبدين كما لو كنتِ عقدت معاهدة دائمة مع الدموع..
+
يكاد طعم الدمع المالح لا يفارق حنجرتي
+
فقدت الإحساس بطعم كل شيء.. فقط طعم مرٌّ كالعلم يتضخم ويتضخم
+
حتى بتت أبصق هذه المرارة داخل أوردتي وشراييني
+
كان يجب أن أكون أقوى من ذلك.. مررت بأقسى الظروف.. وتخصصت أصعب التخصصات
+
تخصص لا يجرؤ عليه إلا الرجال.. وتفوقت عليهم فيه
+
كان لابد أن أكون أقوى
+
ولكن بقيت أنثى بدمعة حائرة لا تجف
+
كسّاب لماذا كسرت ظهري هكذا؟؟
+
كيف أستطيع الوقوف وأنا أعلم أنك لست خلفي لتسندي
+
لماذا علمتني أن أعتمد عليك بينما كانت مساندتكِ لي مشروطة أن أنفذ أنا شروطك؟؟
+
لماذا عجزت عن تفهمي .. عن مسامحتي.. عن احتوائي؟!!
+
أ لم تقل لي دائما أنني ابنتك؟؟
+
فكيف يقسو قلبكِ هكذا على ابنتك؟؟ كيف؟؟”
+
تحاول الوقوف وهي تتنهد وتمسح دموعها وتنظر حولها بحنين عميق وتهمس بشفافية:
+
” الله يرجعش يا خالتي على خير
+
والله المكان والدنيا من غيرش ما تسوى”
+
بعد دقائق.. في سيارة كسّاب المنطلقة التي يتبعها سيارة أخرى فيها اثنين من سائقي شركته حتى يعيد أحدهما سيارة كسّاب للبيت
+
عفراء تشعر براحة عميقة وحال مختلفة عن حالها خلال اليومين الآخيرين..
+
حتى وإن كان كسّاب أجبرها على السفر.. فكم هي شاكرة له أنه أجبرها!!
+
كم هي ممتنة لإصراره عليه!!
+
فرفضها الهش سرعان ما تهاوى أمام إصراره
+
لأنها كانت تتمنى في داخلها أن يجبرها.. وفعل!!
+
كان هذا التفكير يدور ببالها وهي تلتفت لكسّاب بحنان متعاظم..
+
لتهمس بعدها بامتعاض: كسّاب يأمك.. ليه مالبست لك لبس غير ذا؟؟
+
كسّاب يلقي نظرة خاطفة على لباسه الانيق والبسيط في آن
+
(تيشرت أبيض نصف كم) بخطوط سوداء عشوائية وبنطلون جينز أسود
+
ويهمس بهدوء وهو يعاود النظر للطريق: وش فيه لبسي خالتي ؟؟
+
عفراء بذات الامتعاض وهي تلمس عضلات عضده الشديد الصلابة:
+
يأمك كان لبست لك قميص كمه طويل وواسع..
+
أخاف عليك من العيون ما تشوف أشلون التيشرت لاصق بصدرك وزنودك..
+
حينها ضحك كسّاب: خالتي عيب.. والله العظيم عيب.. تراني رجال ماني ببنية..
+
عفراء بحنان: وشيخ الرياجيل ماقلنا شيء.. بس العين حق..
+
وأنت بعد يأمك مربي لي ذا العضلات بزود.. اللي ماعنده عيون بتطلع عيونه
+
ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: وإيه وتذكرت سالفة ثانية حارتني..
+
لا وهذاك اليوم في عزبة أبيك شايفتك رايح للرياجيل شايل سرندلين كبار كنك شايل قواطي بيبسي..
+
ياولدي الناس مامن عيونهم خير
+
ابتسم كساب وهو يقول (بعيارة): الحين أنتي اللي أم عيون.. عاد السرندلات قواطي بيبسي؟!..
+
ول عليش ياخالتي (سرندل=أنبوبة غاز)
+
عفراء قرأت بعض آيات القرآن و نفثت عليه ثم همست باستفسار مبهم:
+
خاطري أعرف السنة اللي أنت قعدتها في أمريكا وش سويت فيها؟!
+
كسّاب بثبات وثقة: درست الماجستير.. وش سويت بعد..
+
عفراء بنبرة ذات مغزى: ودراسة الماجستير تخلي الواحد عضلات كذا..
+
شكلك كنت تشل حديد 24 ساعة في اليوم طول ذا السنة.. ولا ظنتي بعد تكفي
+
كساب يبتسم ويهمس بنبرة مقصودة: خالتي اخلصي علي.. وش تبين تقولين؟؟
+
عفراء بجدية: حلفتك بالله ثم حلفتك بالله ثم حلفتك بالله.. أنت كنت تاكل بروتينات وإلا ضارب إبر هناك..؟؟
+
يأمك أنت عارف ذا الأشياء أشلون خطرة وتضر الصحة وتجيب الأمراض الخبيثة.
+
حينها انفجر كسّاب ضاحكا: وهذا الموضوع اللي دايم تحومين عليه؟؟
+
تحلفيني عشانه وثلاث مرات؟؟
+
ثم أردف ببساطة: ها والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم
+
إنه عمره ماطب حلقي أي حبوب ولا كلت بروتينات ولا ضربت إبر..
+
ارتحتي يالغالية؟؟؟
+
حينها عاودت عفراء لمس عضده وهي تتساءل باستغراب: زين من وين جات ذي.. ؟؟
+
كسّاب يبتسم: رياضة ياخالتي.. مابعد سمعتي بالرياضة؟؟
+
عفراء بعدم ارتياح له زمن يرافقها: سمعت بالرياضة.. بس ماسمعت عن رياضة تسوي في الواحد كذا
+
*********************************
+
طرقات خافتة على الباب
+
همست وضحى المستغرقة في استذكارها: ادخل
+
ولكن الطرقات تكررت.. حينها ابتسمت وضحى بصفاء حقيقي
+
وهي تقف لتفتح الباب بنفسها ثم تشير بعلامة ترحيب متحمسة وتهمس في ذات الوقت:
+
هلا والله إني صادقة..
+
يدخل إلى غرفتها بخطوات هادئة ويشير بإشارات هادئة:
+
أمي تقول ما تعشيتي .. ليه؟؟
+
أشارت بابتسامة وهي تهمس ذات العبارة كما اعتادت :
+
عندي دراسة كثير والله..
+
إذا خلصت نزلت كلت لي شيء
+
تميم بهدوء عذب: يعني مهوب شيء ثاني؟؟
+
ابتسمت وضحى: الشيء الثاني كان أمس.. وأنا خلاص اليوم لاهية في دروسي
+
أشار تميم وفي عينيه نظرة مقصودة:
+
وموضوع أمس بيقعد أمس.. وماراح ينحل اليوم يعني؟!!
+
وضحى مع تميم مخلوق آخر.. محررة من التردد والخوف والتوتر..
+
علاقتها مع تميم شيء فريد وكأن كل منهما يأخذ من عبق روح الآخر
+
فروح هذا الشاب الشفافة الصافية تنعكس عليها لتبعث في أوصالها إحساسا حانيا بالإحتواء والمساندة والصفاء
+
أشارت وهي تستعد للجلوس: أبي لي يومين.. قبل أبلغ امهاب رفضي..
+
عشان ما يأكل كبدي ويقول لي استعجلتي في التفكير
+
يجلس تميم جوارها: وأنتي كذا تشوفين إنش ما استعجلتي..
+
عبدالرحمن ما ينرفض.. حرام تروحينه من يدش
+
حينها انتفضت وضحى بغضب: حتى أنت يا تميم.. حتى أنت..
+
شايف إنه من المفروض إني أحب يدي ألف مرة إن واحد مثل عبدالرحمن قرر يفكر فيني
+
لأني ما أناسب مستواه العالي.. لازم أستغل الفرصة..عشان أدبسه فيني قبل ترجع له الذاكرة
+
لأنه أكيد واحد مثله ماخطب وحدة مثلي إلا لأن فيه خلل في عقله لازم نستغله قبل يتصلح الخلل… ولأنه……
+
تميم قاطعها وهو يمسك بيديها ليوقف سيل إشاراتها العصبية وكلماتها المتدافعة بغضب
+
وهو يشير لها ببساطة: سواء كنتي أحلى وحدة في العالم وإلا أشين وحدة في العالم
+
في كلا الحالتين عبدالرحمن ما ينرفض..
+
أما إذا رجعنا لش.. أنا أبي أعرف أنتي من وين جايبة ذا النظرة السلبية عن نفسش..
+
هذا أنتي قدامي وشايفش حلوة ومافيه أحلى منش
+
وضحى بأسى: هذا عشانك تحبني.. شايفني في عيونك حلوة
+
تميم يشير بحنان ومودة: وعبدالرحمن بعد بيحبش وبيشوفش في عيونه حلوة مع أنش حلوة بدون عيون حد
+
وترا عمر الجمال ماكان هو سبب لنجاح الزواج
+
الحين كاسرة هل فيه وحدة أحلى منها..
+
مع كذا ما أتوقع إن الرجّال اللي بيتزوجها بيكون مبسوط معها.. لأن عشرتها صعبة
+
لكن أنتي ياحظه اللي بتكونين زوجته
+
ابتسمت وضحى: الله لا يحرمني منك.. دايم رافع معنوياتي..
+
ثم أردفت بجدية: بس يا تميم والله أنا مأني بمقتنعة بذا السالفة كلها
+
حينها أشار تميم بجدية: إيه كذا معقول.. منتي بمقتنعة.. حقش..
+
وعلى العموم وضحى.. ماحد بجابرش على شيء
+
بغيتي توافقين أو ترفضين هذا شيء راجع لش.. وتأكدي إني واقف معش وفي صفش مهما كان قرارش..
+
*****************************
+
“أوف جننوني عيالش.. مابغوا يرقدون..
+
وش معطية عيالش أنتي؟؟ من وين جايبين ذا الطاقة كلها..
+
نطينا على السرير.. وتطاردنا ولعبنا..
+
أنا انهديت وهم يقولون مثل خالي هريدي: كمان”
+
صرخت سميرة بهذه العبارة وهي تلقي بنفسها على سرير نجلاء التي كانت واقفة تجفف شعرها المبلول..
+
ضحكت نجلاء: ما دريت إنه عندنا خال اسمه هريدي..
+
سميرة تضحك: كنت بصراحة أحلم يكون عندي خال اسمه هريدي
+
وواحد ثاني اسمه محمدين.. وحسنين بعد.. وابو المعاطي.. وعوضين
+
نجلاء تضحك بهستيرية: من جدش؟؟.. عصابة مطاريد الجبل مهوب خوال ذولا..
+
حينها اعتدلت سميرة جالسة وهي مازالت تضحك:
+
وش سوي بأبيش.. اللي يوم حب له مصرية..
+
خلا كل المصريات اللي أخوانهم أكوام أكوام.. وراح يتزوج وحدة (مئطوعة من سجرة)..
+
نجلاء بمودة عميقة: فديتها أمي.. ليه هو كان بيلاقي أحلى منها..
+
سميرة تضحك: إيه وأبيش عاد ما يطيح الا واقف..
+
وين لقى له مصرية شقراء وبيضاء كذا كنها روسية؟؟ وش ذا الحظ اللي يفلق الصخر عنده؟!!
+
نجلاء باستنكار باسم: ماعاد باقي الا أمش وأبيش تبطحينهم بعينش.. عقب ما بطحتي هل شارعنا كلهم
+
سميرة (بعيارة): إيه وش عندش؟؟ مبسوطة في أمش.. ماحد خذ الشقار إلا أنتي..
+
وأبيش عاد يموت على الشقار.. خليتوني أروح أصبغ شعري عشان ما أصير شاذة في البيت
+
سميرة تضحك: أمي قسمتها بالعدل بيننا.. أنتي أبيض وحدة فينا.. وأنا خذت الشعر الأشقر.. وغنوم العيون العسلية
+
حينها وضعت سميرة يدها على قلبها وهي تصرخ باصطناع: أه يا قلبي.. يا قلبي لا تذكريني…
+
ماحد حارني إلا غنوم.. صحيح (يدي الحلئ للي بلا ودان)
+
غنوم الخايس يأخذ العيون العسلية.. وأنا عيوني سود تروع في بياضي
+
لا وبعد مهوب عاجبه لون عيونه… يا حرتي حرتاه
+
لا وأنتي بعد عادش متمننة علي بالبياض.. هذا أنتي قدش بتنفقعين من البياض اللي بحمار
+
نجلاء تضحك: ماتعرفين تذكرين ربش أنتي..
+
سميرة تنزل حاجبا وترفع آخر: عارفته قدام أشوف وجهش يالطماطة..
+
كانت نجلاء على وشك الرد عليها لولا صوت رنين الرسالة التي وصلت هاتفها
+
حينها صرخت سميرة وهي تقفز لتلتقطه: والله ما يفتحه إلا أنا..
+
تراجعت سميرة بحزن وهي تترك جهاز الهاتف لها وتقول بغصة:
+
إذا قريتيه امسحيه ومافيه داعي تقولين لي وش فيه..
+
سميرة بمرح: كذبش كذباه.. قال ما تبي تدري وش فيه… عليّ يانجول؟!!
+
بس تدرين نجول.. صويلح هذا المفروض يعطونه جائزة أكثر رجال العالم مثابرة..
+
9 شهور كاملة مامل.. يوميا نفس الوقت مسج..
+
وأنتي بعد يعطونش جائزة أكثر نساء العالم تحجرا.. إذا قلبش مابعد ذاب من ذا المسجات.. و أنا قلبي ذاب منذو مبطي..
+
ثم تنهدت وهي تفتح الرسالة: يارب ابعث لي من عندك واحد كلامه حلو مثل صويلح
+
ما أن قرأت الرسالة حتى أغمي عليها أحد إغماءتها التمثيلية التي لا تنتهي:
+
آه آه ياقلبي.. لا عاد رجالش ذبحني الليلة.. والله ذبحني..
+
إن ما جهزتي شنطتش ورجعتي لصويلح عقب ذا المسج.. يكون ما عندش قلب
+
وعليه العوض ومنه العوض في قلب أختي اللي انتقل إلى رحمة الله
+
حينها لم تستطع نجلاء مقاومة الفضول..
+
تناولت الهاتف الملقى بجوار سميرة التي مازالت مغمى عليها في تمثيليتها ..
+
لترفعه إلى مستوى نظرها بتردد
+
#أنفاس_قطر#
+


