رواية قارئة الفنجان الفصل الرابع عشر 14 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf

قارئة الفنجان
+
الفصل (14)
+
بقلمي/ احكي ياشهرزاد (منى لطفي)
+
صوت طرقات على باب غرفة المكتب الخاص به ليأذن للطارق بالدخول فدلفت والدته وهي ترسم ابتسامة ناعمة على وجهها قائلة بحبور:
+
– صباح الخير يا حبيبي..
+
رفع لؤي رأسه عن حقيبته الجلدية الثمينة والتي كان يقوم بوضع بعض الأوراق والملفات الهامة بها ليرد بابتسامة مماثلة:
+
– صباح النور يا أمي..
+
اقتربت دولت من ابنها تاركة الباب مشرّعا وراءها وقالت وهي قتف أمامه:
+
– الفطار جاهز… ياللا عشان تفطر معايا أنا وباباك..
+
لؤي وهو يرمقها بنظرة سريعة ثم يعيد انتباهه الى الأوراق التي بين يديه وبابتسامة خفيفة:
+
– اعذريني يا أمي هتأخرطن هبقى آخد أي حاجة لما أوصل الشركة… انهرده لازم أكون موجود من بدري هناك..
+
دولت بامتعاض ورفض:
+
– مينفعش يا لؤي كدا، صحتك يا بني، أومال انت مشغّل ناس تحت إيدك ليه؟.. مش عشان همّا اللي يشتغلوا؟.. أنت كل اللي عليك انك تاخد بالك منهم..
+
ابتسم لؤي وأجابها وهو يغلق حقيبته ويضعها جانبا:
+
– رجل الأعمال الناجح هو اللي يتابع كل حاجة في شغله بنفسه، الصغيرة قبل الكبيرة، وماتنسيش يا أمي أني لسّه ببدأ في السوق هنا، لازم أكون على دراية بسوق العمل بالكامل، أومال عاوز أنجح هنا أزاي وأنا بعتمد على موظفين عيّنتهم، في الأول والآخر همّا موظفين لكن أنا صاحب راس المال.. المهم.. فاضل بيه أخباره إيه؟..
+
ابتسمت دولت وهزّت كتفيها باستسلام فابنها من الصعب أن يثنيه أي شيء أو أي أحد عن قرار اتخذه، لتجيبه بهزة رأس طفيفة:
+
– الحمد لله كويّس، بس زهق من هنا وعاوز يرجع العزبة تاني، بيني وبينك هناك هدوء وخضرة وهوا نضيف مش زي هنا خالص، مع أن القصر هنا في منطقة جديدة وجميلة لكن بردو.. الريف له سحر تاني، ولولا أنت وأختك أنا كنت سافرت معاه..
+
لؤي وهو يسير مبتعدا عن مكتبه يحمل حقيبة أوراقه:
+
– وإيه المانع يا ماما أنك تروحي معاه؟.. أنا ورشا مش صغيرين، عنّي أنا أنت شايفه بنفسك أنا مشغول أد إيه، ولو على رشا أنا شايفها فرصة حلوة أنها تبعد شوية عن جو هنا والشلّة اللي هي ملمومة عليها دي..
+
قالت والدته بتفكير وهي تسير بجواره خارجين من الغرفة:
+
– امممم… والله فكرة مش بطّالة، وأنت كل ويك أند تيجي تقضيه معنا هناك.. هقول لفاضل وأكيد هتعجبه الفكرة.. وربنا يهدي رشا وتوافق..
+
لؤي بتقطيبة صغيرة:
+
– ماما.. أنت مش هتقولي لها بمعنى تاخدي رأيها.. لا.. أنت هتقولي لها بمعنى أنك هتبلغيها, وبطريقتك أنت هتعرفي إزاي تقنعيها..
+
تنهدت دولت عميقا وقالت:
+
= ان شاء الله، أختك اللي دايما قلقاني عليها يا لؤي.. ربنا يهديها وأفرح بيها عشان أطمن عليها..
+
لؤي بتمتمة:
+
– ان شاء الله يا ماما..
+
ليقف فجأة ويتساءل بشرود:
+
– أنما صحيح يا ماما… ليه سميتيني لؤي؟.. يعني ليه الاسم دا بالذات؟..
+
قطبت دولت وأجابت بضحكة مندهشة:
+
– غريبة!!!… أول مرة يعني تسألني السؤال دا؟.. عادي يعني اسم عجبنا أنا وباباك، كنت قريت معناه وعجبني، وصفات الاسم عجبتني جدا، بيقولوا أنه شديد وبيحب الضحك لكن لو اتعصب… ابعدوا من قودامه!!!…
+
وضحكت أمه وتابعت:
+
– وفعلا.. أنت طيب جدا ودمك خفيف، وجنتل أوي، لكن لو اتنرفزت أو اتعصبت محدش يقف قصادك!!!..
+
ثم سكتت وأردفت بتساؤل حائر:
+
– أنما غريبة.. إيه اللي فكرك تسأل السؤال دا دلوتقي؟.. إلا ما عملتها وأنت صغير؟..
+
لؤي بشرود وابتسامة خفيفة تزين فمه وهو يتذكر تلك السعادات التي أدخلت السعادة الى قلبه لبرهة قصيرة من الوقت:
+
– أبدا.. فيه شخص علّق على اسمي.. فاتفاجئت أني معرفش ليه أنا اتسميت بالاسم دا؟…
+
لاحقا وهو في سيارته حيث يقوده سائقه للذهاب الى شركته وقد رفع الزجاج السميك الحائل بينه وبين مقعد السائق أخرج هاتفه الشخصي وضغط بعض الارقام ليأتيه صوت مساعده يهتف مرحبا فقال لؤي بلهجة رجل الأعمال الذي يعلم جيدا ما يريده ويضع هدفه نصب عينيه وبكلمات قصيرة.. باترة.. حازمة:
+
– عاوز كل المعلومات عن شخص معيّن .. لا… معرفش الاسم بالكامل.. هو كان امبارح في الديفليه– ابتسامة خفيفة أعقبها قوله – لا ما تخافش دا بالذات مش ممكن تغلط في جمع بياناته.. لأنه اسمه مش ممكن يتكرر… عاوزك تعرف عنه كل حاجة من يوم ما اتولدت لغاية اللحظة دي.. عاوز المعلومات دي في أسرع وقت ممكن.. أنا متأكد يا أيمن.. تمام.. أه… صحيح أسمه أو.. اسمها…
+
وسكت لثوان أتبع بعدها وهو يقول فيما عيناه تلمعان بعزيمة لا تقهر:
+
– سعادات!!!!!!!!!!!….
+
وأنهى المكالمة وبريق ظفر يلمع بين دخاني عينيه ليبتسم وهو يتخيّل ردة فعلها عندما يراها ثانية.. لا يعلم متى أو أين.. ولكن المؤكد لديه أنه سيراها فمقابلته لسعادات بالأمس لن تمر مرور الكرام أبدا!!!!!!!!!!!!!!!..
+
*************************
+
– يعني إيه يا بابا؟…
+
عز الدين بهدوء يمتص به غضب وحيدته في حين رمقتها أمها بغير رضا وذلك أثناء جلوسهم في غرفة المعيشة بعد انتهائهم من تناول طعام الافطار والذي بالكاد ابتلعت ندى منه بضعة لقيمات صغيرة:
+
– يا بنتي انتي عاملاها مشكلة ليه؟.. عريس واتقدم لك.. عادي.. بتحصل في أحسن العائلات كمان!!..
+
ندى وهي تحاول التحكم في شعورها بالضيق من تأكدها من صدق هذا المتبجّح المغرور الذي يظن أنه هبة الله للنساء على الأرض:
+
– أيوة يا بابا.. بس يوسف دا مش عريس عادي، وبعدين احنا نعرفه منين عشان يفاتح حضرتك في جواز وكلام فاضي من دا؟..
+
ألى هنا ونفذ صبر والدتها والتي لم تتدخل في الحديث بناءا على نصيحة زوجها فندى عنيدة وهي أن احتدت عليها سيزداد عنادها ولكن أن تقف مكتوفة اليدين فيما ابنتها تضيع منها الفرص في الزواج واحدة وراء الأخرى فهذا ما لا تحتمله، لتقول بحدة واضحة:
+
– الجواز مش كلام فاضي يا ست ندى، وبعدين أنتي لاقيتينا داخلين عليكي بالمأذون وبنقولك أمضي؟.. لسّه فيه خطوبة وكتب كتاب، وبعدين حكاية أننا منعرفوش دي بسيطة وسهلة بابا من انهرده هيسأل عليه ومتنسيش أنه صديق عمر أنور ابن خالتك وأنا متأكدة أنه أنور مش هيكدب ولا يغشّنا عشان صاحبه لو صاحبه دا مش كويّس، ولو على أنك أنت اللي متعرفهوش فمحلولة.. أومال الخطوبة اتعملت عشان إيه؟.. مش عشان العرسان يعرفوا بعض؟…
+
هتفت ندى بحنق:
+
– بردو بتقولي عرسان!!!!!!!!..
+
وسكت لثوان لتتمالك أعصابها تزفر في ضيق مغمضة عينيها وهي تستغفر في سرّها قبل أن تفتح عينيها ثانية ناظرة ألى أمها تردف وهي تحاول أفهام والدتها قصدها:
+
– يا ماما يا حبيبتي أنتي عارفة كويس أوي رأيي في الموضوع دا، ولو أنا هوافق على مجرّد المبدأ في حكاية الجواز دي يوسف دا من سابع مش رابع.. ها.. من سابع المستحيلات أني أوافق عليه؟…
+
أمها رافعة حاجبها بتحد في حين يطالعها عز الدين بغير رضا عن اقتحامها للحديث ومقاطعته أثناء كلامه مع ابنته:
+
– ومستحيل ليه؟.. تقدري تقوليلي أيه سبب رفضك ليه؟.. شاب سنّه مناسب وما شاء الله عنده شركة اعلانات كبيرة يعني ماديّا ما فيش مشاكل، دا غير أنه شكلاً ما شاء الله عليه ولا عمر الشريف في زمانه، يبقى رافضة ليه؟.. لو رفض لمجرد الرفض يبقى احنا اللي آسفين يا ندى يا بنتي.. المرة دي مش زي كل مرة.. الراجل شاريكي جدا.. ولو عليه عاوز يتجوزك انهرده قبل بكرة… الفيْصل بيننا وبينه لما نسأل عليه، لو طلع أخلاقه كويّسة وابن ناس يبقى خلاص، على خيرة الله، ولو أني أعتقد أنه هيطلع ممتاز طالما صاحب أنور الروح بالروج دا غير أنه خالتك فاتيما فرحت جدا لما قلت لها، وقالت لي أنه انسان طيب جدا وابن حلال…
+
ندى بهتاف ورجاء حار:
+
– يا ماما أرجوكي ما تضغطيش عليا، يوسف دا أنا شوفته طريقته في التعامل مع الناس، دا غير بصراحة بقه شكله كدا دون جوان عصره وبتاع بنات، وهنروح بعيد ليه، الموديلز اللي اشتغلت معاه أنا متأكدة أنه بينهم شيء مريب، كفاية نظراتها ليه ولّأ وهي بتكلمني،شكلها بيكون عامل زي الست الغيرانة على جوزها!!..
2
كريمة وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة:
+
– وإيه يعني؟.. عادي.. أي شاب بيكون في شبابه طايش، لو هي أعجبت بيه عادي، مخرج ووسيم وغني واسمه مشهور، وبعدين هي اللي بترمي نفسها عليه لكن السؤال هو… يا ترى هو مشجعها على كدا؟.. فيه دليل عندك أنه علاقتهم مش شغل وبس؟..
1
ندى بهزة نفس ونبرة يأس:
+
– لا.. بس…
+
قاطعتها أمها بصرامة:
+
– مافيش بس… أنت هتفكري، وباباكي هيسأل عليه كويّس وأنور هخليه يقول لي تاريخ حياته كله… ودا آخر كلام عندي!!!!..
+
هتفت ندى وهي تقفز واقفة بحنق:
+
– وأنا آسفة يا ماما، أنا مش كنبة ولا كرسي واحد جِه يشتريها فقلت له شيل ياللا من غير رأيها، أنا بني آدمة من لحم ودم، وموضوع الجواز دا حضرتك وبابا عارفين رأييي فيه كويّس أوي، أنا مش هتجوز… ولو يوسف دا آخر رجل في الدنيا.. مش هتجوزه يعني مش هتجوزه!!!!!!!!1
+
نظرت اليها كريمة بغضب ونهضت وهي تقول بصرامة:
+
– انتي بتزعقي في وشّي يا ندى؟.. ما تجيبي مسطرة كمان وتضربيني على إيديا زي العيال الصغيرين ما أنا أصلي اتدخلت في اللي ماليش فيه!!!
بهتت ندى وهمست بأسف وندم حقيقيين:
+
– لا والله يا ماما أنا آسفة ما أقصد، بس حضرتك لهجتك أنك رافضة أي نقاش في الموضوع دا، وحكاية الجواز دي انتو عارفين رأيي فيها كويّس أوي، فأرجوك…
+
رفعت أمها يدها توقف استرسالها وقالت بحزم:
+
– خلاص يا ندى، أنا قلت اللي عندي… ما فيش رفض من غير سبب قوي، وبقولك قودام باباكي أهو.. لو يوسف طلع كويّس وما فيش أي شيء عليه جوازك منه هيتم!!!!
+
همست ندى بصدمة وهي تتراجع الى الخلف:
+
– إيه؟!!!!!… يعني إيه يا ماما؟..
+
كريمة بجدية وصرامة:
+
– اللي سمعتيه!!.. ودا آخر كلام عندي…
+
ندى برفض تام:
+
– بس أنا مش موافقة!!!
+
ابتسمت كريمة وقالت ببساطة:
+
– عادي يا حبيبتي.. الحب بييجي بالعشرة الحلوة.. مش لازم أنت تحبيه.. المهم أنه بيحبك.. وأوي كمان!!!
سكتت لثوان في حين صمتت ندى في ذهول لتقترب منها أمها تحاوطها بذراعها وتقول بابتسامة:
+
– أنا أم يا حبيبتي، وقلبي يقدر يحس باللي بيحبك، يوسف بيحبك يا ندى، وبجد، ولو طلبتي منه لبن العصفور هيجيبه، بيحبك يعني شاريكي يا بنتي، ونصيحة من أمك أوعي تفرّطي في اللي بيحبك، واللي يشتريكي ما تبيعوهوش يا ندى.. الشاري غير البايع يا حبيبتي، الشاري كسبان واللي بيبيع هو اللي بيخسر!!!
+
ندى وهي تنظر الى أمها بذهول متمتمة في صدمة:
+
– ومعتز!!!!!…
+
أمها بقوة:
+
– الله يرحمه يا ندى، أنتي مؤمنة وموحدة بالله يا بنتي، احنا كلنا هنروح فين؟.. دي النهاية الطبيعية لينا كلنا، ما دايم إلا وجهه سبحانه وتعالى، وأنتي باللي أنتي بتعمليه دا بتعترضي على مشيئته سبحانه، كدا ربنا يغضب عليكي، وكأنك بتعترضي على أمره سبحانه وليعاذ بالله!!..
+
لتستغفر ندى بخوف:
+
– أستغفر الله العظيم، لا يا ماما أنا مش ممكن أعمل حاجة زي كدا..
+
الأم بحنان:
+
– أومال اللي بتعمليه دا اسمه إيه؟.. رافضة تلتفتي لنفسك وتكملي حياتك وموقفاها على ذكريات مش هتدفيكي لما العمر يعدي وتبصّي تلاقي نفسك لوحدك، أنا وباباكي مش عايشين لك العمر كله يا ندى..
+
هتفت ندى برجاء:
+
– طيب.. بلاش يوسف، أوكي أنا اقتنعت بكلام حضرتك.. بس أنا مش موافقة على العريس دا، أظن دا ما فيهوش اعتراض على حكم ربنا أنا بقول رأيي في عريس متقدم لي!!..
+
الأم بتحدّ:
+
– وليه لأ؟!!!
لتهتف ندى بيأس:
+
– وليه آه؟!!!!!!!!!..
+
زفرت أمها بضيق وابتعدت عنها وهي تهتف بقوة مشيرة اليها بسبابتها:
+
– بقولك إيه يا ندى هي مش سيرة أبو زيد هنقعد نعيد ونزيد فيها… يوسف عريس اتقدم وهنسأل عليه طلع انسان محترم وابن ناس هنتمم الجوازة..
+
ندى تكاد تبكي وهي تهتف:
+
– بس يا ماما…
+
ليقاطعها عز قائلا وهو ينهض من مكانه قائلا بجدية:
+
– خلاص يا كريمة.. ممكن تسيبينا شوية؟..
+
نقلت كريمة نظراتها بين ابنتها وزوجها قبل أن تهتف بنزق:
+
– أهي عندك أهِه، بس عشان تعملوا حسابكم.. يوسف عريس لقطة.. الولد كويس وبيحبها وشاريها، بنتك عندها 28 سنة اللي في سنّها دلوقتي متجوزة وعندها بدل الطفل اتنين وتلاتة، دا غير أنه رفضها ما لوش أي مبرر، وعشان تكونوا عارفين… أنا موافقة على يوسف ومن قبل ما تسأل عنه أي عز، لأنه أنا عارفة أخلاق ابن أختي كويّس أوي، لو يوسف وحش ما كانش صداقته هتستمر بأنور لغاية دلوقتي.. وما كانتش فاتيما أختي اعتبرته زي ابنها ودخلته بيتها…
+
وسكتت قليلا قبل أن تتابع مسلطة عينيها على ندى:
+
– وما كانش معتز الله يرحمه اعتبره أخوه تمام زي أنور، لأنه اللي متعرفهوش يا ندى واللي خالتك قالتهولي أنه كان صديق لمعتز كمان، مش بس صديق لأ.. معتز كان في مقام أخوه الكبير ويا ما كان بيقضي معهم أجازات بعد ما عيلته اتوفت في الحادثة!!..
+
قطبت ندى هامسة:
+
– حادثة؟!!.. حادثة إيه؟..
+
الأم بتنهيدة عميقة:
+
– اسمعي منه يا بنتي، أنا فاتيما حكيت لي حكايته من أول يوم دخل فيه البيت هنا، كنت لازم أعرف عنه كل حاجة لما حاسيت باحساس الأم أنه ميال لك، أو بمعنى أصح جوّاه شعور معين من ناحيتك، يوسف تعب كتير يمكن أكتر منك، لو كنت أنتي خسرتي حبيب أو خطيب، هو خسر عيلته كلها واتعرض لظلم على إيدين أقرب الناس ليه.. عمه ومرات عمه، خالتك كانت تقريبا أم تانية ليه، وهي اللي حكيت لي حكايته، أنا مش هحكي حاجة… اسمعيها منه هو.. اسألي واسمعي وافهمي وفكري كويّس أوي يا ندى قبل ما تتسرعي في قرارك..
+
واقتربت منها تربت على كتفها قبل أن تستدير منصرفة وتركتها تواجه أباها الذي تقدم منها حتى وقف أمامها ثم رفع يديه يمسك كتفيها ويقول بابتسامة أبوّة حانية:
+
– حبيبة بابا حاجة واحدة بس عاوزك تحطيها في دماغك كويس أوي.. أننا أنا وماما عمرنا ما هنفكر في أي حاجة تضرّك، وأنه ما فيش أي حد هيحبك ويحب لك الخير زيّنا، والقرار اللي هتاخديه مهما كان أنا هقف معاكي فيه، ولو على ماما فهي في الأول والآخر أم أمنيتها أنها تشوف بنتها الوحيدة عروسة مع عريس يستاهلها، نفسها تشوف أحفادها ودي أمنية محدش يقدر يغلّطها فيها، وعشان أكون صريح معاكي مش هي لوحدها، أنا كمان نفسي أكون بابا جدو وأشيل أحفادي، لكن تحقيق الأمل عمره ما هيكون على حساب سعادتك أنتي، فكري كويّس يا بنتي وصلّي استخارة مرة واتنين، واقعدي معه، اسأليه على كل اللي قلقك وبيدور في دماغك واسمعي منه، وزي ما مامتك قالت تمام… اسمعي وافهمي وفكري وبعدين قرري… وأنا هستناكي تيجي تبلغيني بقرارك ولو عاوزة تناقشيني وتسمعي رأيي أنا بردو مستني… ربنا يطمنا عليكي حبيبتي..
+
ومال عليها مقبلا جبهتها قبل أن يتركها ويستدير بابتسامة منصرفا لتنظر في إثره فقد أسقط في يدها فمن الواضح أن يوسف قد فاز برضا والديها عنه، فمن حديث والدها استشفت أنه يوافق عليه كعريس محتمل لابنته فهو لا يرى أي عيب فيه، تماما كما أمها والتي زادت أن أشعرتها أنها أمه هو وأنها تحمد ربها أن فكرّ هو في الاقتران بها!!..
+
***********************
+
تسير مسرعة في أروقة الشركة بعد أن أبلغت الأمن في الخارج أنها تريد مقابلة السيّدة ندى مختار، ليقوم رجل الأمن بالاتصال بمساعدة رئيسته رنا والتي وافقت من فورها على صعودها إلى الأعلى، فاتجهت الى المصاعد حيث أشار اليها وهي تسير في خطى سريعة، وما أن وصلت الى المصعد حتى وجدته يغلق أبوابه لتضع يدها تمنعه وهي تدفع بنفسها الى الداخل من دون أن ترفع رأسها وهي تتمتم باعتذار خفيض، ووقفت مولية وجهها لأبواب المصعد التي أغلقت أمامها، وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوتا رجوليّا لم تخطئه أذناها يهمس خلفها بصوت خفيض وابتسامة تلوّن شفتي صاحبه:
+
– أظن المرة دي جات سليمة.. ما خبطتيش لا في هركليز ولا حيطة ولا سد!!!!!
+
فتحت عينيها على وسعهما ذهولا من صاحب الصوت وتمتمت بغير تصديق:
+
– هو أنت!!!!!!!…
+
تقدم لؤي الذي كان يقف خلفها ليقترب منها واقفا بجانبها يجيب ساخرا:
+
– أنتي شايفه إيه؟…
+
لتستدير ببطء وترفع رأسها بالحركة البطيئة تطالعه بريبة وهي تجيبه بامتعاض بعد أن تيّقنت من حدسها الصائب:
+
– آه… أنت!!!…
+
لؤي بابتسامة زادته وسامة:
+
– إيه… عندك مانع؟!!!!
+
سعادات وهي تنظر اليه بسخط:
+
– لا.. عندي صداع وزنّ في وداني وأنت الصادق!!!!!!!!!
+
رمى برأسه الى الخلف مطلقا ضحكة عميقة فهذه الفتاة تذهله، فلديها جواب ساخر لكل تعليق منه، لتهدأ ضحكاته بعدها فيما لاحظ أنها تسترق اليه النظرات الساخطة مع تمتمة خافتة لم يسمعها ولكنه رأى تحرك شفتيها فاستنتج أنها تهمس في سرّها وعلى الأرجح أن هذا الحديث السري يخصّه هو أن لم تكن تشتمه حاليا!!!!!!!..
+
نظر اليها مليّا ليرى أنها ليست بالفاتنة التي تأسر القلوب بجمالها، ولكن هناك شيء ما فيها يجعلها مختلفة عن غيرها، بل يرغمك على النظر اليها دون ملل، قد تكون براءتها المتمثلة في عينيها الواسعتين بنظراتهما الطفولية التي تأسر القلب، وقد يكون لسانها الطليق ولن يقول “السليط”.. هو السبب في أغاظته لها عمدا لتخرج ما في جعبتها تثير ضحكه الذي اشتاق هو شخصيا لسماعه، ولكنه لم يقف كثيرا عند معرفة السبب، ففي النهاية هذه الفتاة.. “سعادات”.. تدخل اسلعادة إليه كلما تقابلا، فهو لم يصدق حسن حظّه عندما فتحت أبواب المصعد ثانية وكاد يزفر حانقا ليفاجئ بها وهي تدلف برأس منخفضة ولكنه عرفها… لم يحتاج لرؤية ملامحها للتعرف عليها، فدقات قلبه التي تقافزت ما أن رآها في تحفّز وهو يخمّن بينه وبين نفسه أنها هي ذات الفتاة التي قابلها بالأمس قد جعلته يتأكد من أنها هي… وما أن وقف خلفها ومال عليها حتى استنشق عبيرها الأخاذ والذي علقت رائحته في ذهنه منذ الأمس، ليجد نفسه يتحدث إليها وتؤكد هي حدسه بجوابها عليه… جواب حلو.. لاااااااذع!!!!!!!!!!!!..
+
تأففت سعادات وهمست بصوت منخفض ولكنه استطاع هذه المرة سماعه فيما ترمقه بطرف عينها:
+
– أستغفر الله العظيم.. ودا هيفضل واقف زي أسدين قصر النيل كدا!!!!
+
كتم لؤي ابتسامته بصعوبة وافتعل بدلا من ذلك تعبيرا جديّا وقال بصرامة زائفة:
+
– أقدر أعرف أنتي جاية لمين؟…
+
نظرت اليه سعادات باستغراب ثم أجابته بلا مبالاة:
+
– وأنت مالك!!!.. إيه الحشريّة دي!!!
+
رفع حاجبيه دهشة من جوابها فلأول مرة يتهمه أحدهم بالفضول ليهتف بذهول:
+
– أفندم؟!!!!.. أنت قلتي إيه؟…
+
زفرت باختناق وقالت:
+
– أنت بتسألني جاية لمين.. شيء ما يخصك في حاجة..
+
لؤي بحزم وقد تأكد من أنها ذات لسان منفلت ويجب الحزم معها عند اللزوم:
+
– لا يخصني… خصوصا لو كانت الشركة دي تبعي!!!
+
فغرت سعادات فمها وأجابت في ذهول:
+
– إيه؟.. هما باعوا الشركة؟.. لحقت تفلّس؟!!!.. دا لغاية امبارح بالليل كانوا كويسين..
+
وسكتت لثوان أردفت بعدها بسخط وهي تخاطب نفسها بصوت مرتفع:
+
– هي أكيد مايسة السمّاوية دي بوز الاخص ووش النحس.. أنا قلت.. مش ممكن هتعدي بالساهل.. أعمل إيه دلوقتي؟.. يا ترى يا أبلة ندى عاملة إيه و….
+
هتف لؤي الذي كان يطالعها بذهول وصدمة:
+
– هشششش!!!!!!!!!!!!.. إيه.. بالعه راديو؟..
+
سعادات بتمتمة ساخطة وقد سكتت فجأة خيفة وتوجّسا منه:
+
– لا… بالعه ريقي!!!!!!!!!!…
+
نفخ لؤي في ضيق وهو يقول بحنق:
+
– أوووف.. مش ممكن.. أنا عمري ما شوفت كدا قبل كدا… إيه… الرد جاهز على طول؟!!!..
+
سعادات هامسة بنزق:
+
– ما تشوفش وحش يا ضنايا!!!!
+
قطب لؤي ومال ناحيتها وهو يتساءل بريبة وهو يتجه بأذنه لها:
+
– يا.. إيه؟…
+
سكتت سعادات وهي تسب وتلعن في سرّها لسانها السريع الطلقات كما دأب يوسف على تسميته ولم تجبه ليعيد سؤاله بلهجة أقوى وأعلى:
+
– انتي قلتي إيه دلوقتي؟..
+
لتنتفض خوفا من صوته المرتفع وتجيبه بحنق مشيرة الى المصعد:
+
– بقول هو احنا وقفنا في اشارة؟… أنا طالعه الدور السادس مش طالعه السما… كل دا الاسانسير بيطلع؟…
+
لينتبه أيضا أن المصعد قد استغرق أطول من المعتاد في الصعود بهما، لتزداد عقدة جبينه عمقا، وما لبث أن نظر اليها في شك قال بعدها بريبة:
+
– سعادة… عاوزة تعرفي فعلا الاسانسير ليه ما وصلش لغاية دلوقتي؟…
+
سعادات باعتراض ساخط وهي تشيح بيدها:
+
– نعم؟.. سعادة!!!.. قلنا سعادات… سعادااااااااااات… يعني سعادة وسعادة وسعادة.. جمع سعادة.. تخسفها أنت وتعملها سعادة واحدة!!!!..
+
زفر بحنق وأجابها من بين أسنانه:
+
– بقولك إيه.. مش ناقصة أصلها.. المهم أعصابك جامدة؟…
+
قطبت سعادات ثم هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت:
+
– جامدة ولا طريّة مالك أنت؟..
+
تنهد لؤي فمن الواضح أن هذه الـ سعادات لا تفشل أبدا في ايجاد الرد المناسب الذي يوقفه عند حده، ليشعر بالسخط والضيق ويهتف بغلظة:
+
– تصدقي أنا اللي غلطان… ما شي يا أم أعصاب جامدة ولا طرية… أنا هقولك انتى لسه موصلتيش ليه…
+
وقفت تطالعه باستهانة ليتابع وهو يطالعها ببرود:
+
– الاسانسير اتعطل.. من الآخر وقف بينا… وتقريبا بين الأدوار كمان… إيه رأيك بقه؟… عرفتي ليه كنت بسأل عن أعصابك؟…
+
سكوت تام جابهه من ناحيتها ليستدير يوليها ظهره وهو يتابع متجها الى الزاوية في المصعد حيث الهاتف موضوع على حامل للطوارئ:
+
– عموما أنا هكلم الصيانة أبلغهم… وحاجة بسيطة وهتلاقيه اشتغل…
+
وأيضا لم يسمع أي كلمة منها، فهز كتفيه نافخا بسأم ورفع سماعة الهاتف لطلب الصيانة حين سمع صوتا مكتوما فاستدار وهو يمسك بسماعة الهاتف بيده لتجحظ عيناه ويرمي بالسماعة جانبا ويخطو لسعادات التي هوت مغشيّا عليها، فقبض على كتفيها يرفعها من فوق أرض المصعد وهو يناديها بلهفة وقلق:
+
– سعادة.. سوري.. سعادات…
+
ولكن… لا حياة لمن تنادي، فضرب بخفة بيده الأخرى فوق وجنتيها الشاحبتين ولكن ما من مجيب، فكرر ندائه بصوت أكثر الحاحا:
+
– سعادات… فوقي… ما تخافيش…
+
ولكن وكأن سعادات قد غطّت في نوم عميق حتى أنه يكاد يقسم أنه يسمع صوت انتظام أنفاسها الثقيلة، ورغما عنه شردت عيناه على محياها وهي تقبع بين ذراعيه في سكون غريب عليها لأول مرة منذ أن شاهدها، ففي المرتين اللتين شاهدها فيهما لم تكن تقرب للهدوء بأي صفة، بل كانت كزوبعة شديدة في يوم عاصف شديد الريح!!…
+
سافرت عيناه على طول جسدها حتى حطت على ملامحها الصغيرة، ليفاجأ بأهدابها التي تكاد تصل الى وجنتيها، فرفع أصابع يده الطليقة يتلمس بهما أطراف رموشها وهو يزدرد بريقه في صعوبة فيما أنفاسه تسارعت وهو يميل عليها مدفوعا برغبة بدائية لم يسبق له اختبارها، رغبة في احتضانها والشعور بها بين ذراعيه، ليترك نفسه وللمرة الأولى الانسياق وراء رغبته هذه دون ضابط من عقل أو أخلاق يخبره بخطأ ما ينتويه، ولكنه وللمرة الأولى يرغب بالخروج عن العقل والمنطق، يريد التهوّر… والتهوّر مع متهوّرة أساسا مثلها لا يعد تهوّرا… بل هو أمر بديهي.. أليس كذلك؟…
+
مال بوجهه عليها ليستنشق عميقا أنفاسها التي تخرج محملة بعبقها، وكالمنوّم مغناطيسيا، رفعها يقربها منه، حتى احتواها كلية بين ذراعيه، ثم اقترب بوجهه منها ليميل بفمه يلثم عينيها، وينتقل بخفة بعدها على وجنتيها، ثم يقطف فمها في قبلة أرادها سريعة ولكن ما أن تلامس فمه بثغرها الكرزي شعر كأنه قد أمسك بسلك كهربائي عار أصابه بصدمة على طول جسده بدءا من عموده الفقري حتى أطرافه الأربعة فيما جرى الدم ساخنا في عروقه كالعسل الدافئ، وليكتشف أنه كمن سقط في وسط رمال متحركة يستحيل الخروج منها، فشفتيها قد كبّلته فلا يستطيع للفكاك منها سبيلا… أو كما ظن هو!!.. فقد أفاق من سكرته بين شهد شفتيها على ألم مبرح شديد، ليفتح عينيه على وسعهما ويضع يده على فمه يتحسسه ففوجئ بالدم يلطخ أصابعه ليطالعها بعدها بدهشة غاضبة فيما ترد عليه نظراته بأخرى منتصرة ظافرة، فالمجنونة قد انتبهت من اغماءتها لتقضم بأسنانها شفتيه حتى أدمتهما!!!!!!!…
+
دفعته بيدها ونهضت بصعوبة تغالب هذا الدوار اللعين الذي أصابها وجعلها تسقط مغشيا عليها كالبلهاء لينتهز هذا الوغد الفرصة و… يقبلها!!!!…
+
كادت تلمس بأصابعها فمه موضع قبلته حينما انتبهت لنفسها فرمته بنظرة سخط غاضبة فيما نهض هو الآخر واقفا على قدميه وقد استطاع اخفاء ما اعتراه من أحاسيس – لم يسبق له اختبارها قبلا- بنجاح مرتديا قناعا ساخرا وهو يقول:
+
– حمد لله على السلامة.. دا أنتي أعصابك طلعت مش طرية وبس.. لا… وهوا كمان!!!..
+
سعادات بتحفز رافعة سبابتها:
+
– بقولك إيه يا سي هراكليز أنت… ابعد عني خالص، ماذا وإلا هتبقى جنيت على نفسك، ميغرّكش أني بنت وكدا، أنا بعون الله أقدر أتوّبك الصنف كله، فابعد بعيد عني أحسن لك، واتفضل شوف لك حل في الاسانسير دا.. مش جاية أمثل أنا فيلم بين السما والأرض هنا!!!!!
+
حرّك لؤي رأسه بيأس منها فواحدة غيرها كانت افتعلت ضجة كبيرة لعناقه لها وليست تقف أمامه تهدده بكل ثقة وكأن شيئا لم يكن!!..
+
قال لؤي بسخرية:
+
– حاضر يا جمع سعادة… بس يا ريت تمسكي نفسك بقه لغاية ما الموضوع يتحل.. دا انت طلعتي كلام وخلاص!!!!
+
شهقت سعادات هاتفة بسخط:
+
– إيه جمع سعادة دي ان شاء الله؟.. ما تقولِّي درب سعادة أحسن؟.. وبعدين عادي يعني.. من المفاجأة.. ومش مفاجأة وبس.. لا… دي مصيبة سودة كمان… كفاية أني لما صحيت لاقيتك مستغل الفرصة… يا انتهازي… فعلا… ما كدبش اللي سمّاك لؤي!!!
+
فتح لؤي عينيه على وسعهما وهدر بغضب صارخا:
+
– نعم!!!!!!!!… وماله لؤي ان شاء الله؟…
+
سعادات وهي تحرك كتفيها بغرور وببساطة تغيظ:
+
– طبعا.. ما أنت لو أبو الوفا ولّا عبد القادر ما كنتش عملت اللي عملته… تتعدى على بنت وهي مغمَنْ عليها، أنما هقول إيه.. ما أنت قاااااادر!!!!
+
هتف في ذهول وصدمة:
+
– نعم؟… أتعدى!!!!!!!.. ليه أن شاء الله؟.. دا كل اللي حصل بوسة… – ما ان رمته بسهام عينيها حتى تجارك قائلا وقد أدهشه خروج الكذبة من فمه بمنتهى السهولة وهو الذي لم يتعد الكذب مطلقا في حياته بل ويكره من يتعامل به – أو بمعنى أصح تنفس صناعي!!!.. أنا كنت بعمل لك تنفس صناعي لما لاقيتك قاطعه النفس خالص!!!!!
1
صراخه الغاضب وثقته فيما قاله حتى أنه لم يطرف بعينيه وهو يسلط نظراته عليها كلها أمور جعلتها تصدقه لتقطب ناظرة اليه في ريبة فيما حمرة الحياء والخجل تخضب وجنتيها، فهو كان يحاول انقاذها في القوت الذي اتهمته فيه بمحاولة التحرّش بها!!!.. لتعنّف نفسها بصوت منخفض مسموع كعادتها دائما:
+
– كويّس دلوقتي؟.. أديكي اتسرعتي، عقلك كان فيه وانتي بتتهميه بكدا؟.. معقوله لؤي هيبص لسعادات؟.. دا هيبقى زي اللي بيغمس الآيس كريم بالعيش!!!!!!!!!!
+
كتم لؤي ابتسامته في حين أشفق عليها في داخله من لومها لنفسها ولكن لم يجد حل أمامه سوى هذا حتى لا يفقد أي أمل له في الاقتراب منها فبعد أن ارتشف رحيقها لن يهدأ حتى تكون الزهرة كلها ملك يمينه… والأيام بينهما!!!!
صوت حركة واضحة في المصعد أوضحت أنه قد عاد للعمل ثانية، فتنفست براحة، في حين رمقته بطرف خفي وهي لا تدري أتعتذر منه أم لا، ولكنها عزمت أمرها على تجاهله فهو السبب فيما حدث، يكفي أنه هو من فاجئها بخبر تعطل المصعد فما كان منها إلا أن أغمى عليهلا للمرة الأولى في حياتها، في حين رسم هو ابتسامة حازمة مزيفة على وجهه، حتى إذا ما وصل المصعد الى الطابق المنشود، أسرعت هي بالخروج أمامه، ليباغتها بالقبض على مرفقها ويميل على أذنها هامسا بعبث مخالف لطبيعته الجادة ليفاجئها ويفاجئ نفسه قبلها غامزا بمكر:
+
– على فكرة… الآيس كريم بالعيش مش وحش أبدا…
+
وسكت لتنظر اليه بذهول من فوق كتفها في حين أردف هو بابتسامته التي سرقت نظراتها:
+
– دا لذييييييييييذ… جدا!!!!!!!!!!!!!!!!!!…
+
لتنتفض في وقفتها وتسرع في سيرها حتى بدت شبه راكضة من دون تعليق في حين راقب هو اختفائها عن عيناه اللتان برقتا بشدة وهو يهمس بداخله متذوقا اسمها:
+
– سعادات… دخلتي حياتي صدفة.. معرفش ليه وإزاي.. مش مهم، لأن اللي أنا متأكد منه كويّس أوي… أنك مش ممكن تخرجي منها… لازم أعرف إيه اللي فيكي شدّني أوي بالشكل دا… وهعرف يا سعادات.. استعدي… هراكليز هيقتحم حياتك وفي أسرع مما تتخيلي!!!!!!!!!..
+
*********************************
+
+
قارئة الفنجان
+
الفصل (14) – الجزء الثاني-
+
بقلمي/ احكي ياشهرزاد (منى لطفي)
+
جلست تطالعها بذهول وكأنها لم تفجر في وجهها قنبلة عاتية، فيما التزمت رنا الهدوء وكأنها أخبرت صديقتها لتوّها بموعد الاحتفال بعيد ميلادها وليس دعوتها لحفل عقد قرآنها!!!!
+
همست ندى وهي على ذهولها الشديد:
+
– رنا.. انت بتتكلمي بجد؟..
+
رنا بابتسامة مريرة:
+
– ودي حاجة ههزّر فيها بردو يا نادو؟… عمك عبد العزيز قرر أنه خطوبتي وكتب كتابي يبقوا الخميس اللي جاي، يعني بعد تلات أيام!!!!!
+
ندى وقد أفاقت من ذهولها هاتفة بغير فهم:
+
– وأنت وافقتي؟.. ولو وافقتي أزاي طنط فريدة توافق على كدا؟… أنتي بكدا يبقى بتحكمي على نفسك بالتعاسة طول عمرك، أنت مش بتحبي كريم ولا عمرك هتحبيه مهما حصل حتى لو هو اتغيّر وبقه زي ما أنت عاوزة..
+
رنا بجمود:
+
– ما بقيتش فارقة كتير، كله محصّل بعضه، وبعدين بابا عنده حق.. أنا اللي اخترت يبقى لازم أكون أكيد قراري في الاختيار، أنا مش بنت صغيرة ولا مراهقة وهو ما أجبرنيش أنا اللي أجبرته أنه يلتزم بكلمة مع واحد هو من الأساس كان رافضه وأخته اللي هي مراته مقدرتش تخليه يوافق عليه لغاية ما بنته اللي هي أنا صغّرت بيه وافتكرت أنها خلاص كبرت وتقدر تفرض شروطها على أبوها وأمها!!!
+
ندى بشفقة:
+
– دا كلام أونكل عبد العزيز؟..
+
هزت رنا رأسها بموافقة بسيطة فتابعت ندى وهي تربت على كتفها حيث جلست بجوارها على الأريكة الجلدية في الجلسة الركنية بغرفة مكتبها:
+
– معلهش يا رنا… أنا مش عارفة أقولك إيه، لكن أنا من الأول كنت ضد كلامك كله وأنك تحطي باباكي ومامتك في خانة اليك وتجبريهم على حاجة هما مش عاوزينها، هما مش صغيرين يا رنا… لكن عموما مش هنعيد الكلام في اللي فات، أنتي دلوقتي لسّه وقت على يوم كتب الكتاب، أنا هتكلم مع بابا وهخلّيه يكلم عمي عبد العزيز مش معقولة عشان غلطة أنتي غلطتيها في حقهم وفي حق نفسك باختيارك الغلط قبلهم انك تدفعي تمن دا تعاسة وحزن طول حياتك!!..
+
رنا برفض تام:
+
– لا يا ندى، أرجوكي.. أنا عاوزة الموضوع يتم، عموما ما تقلقيش عليّا، لو كريم اتغيّر وبقه إنسان كويّس هبقى أنا الكسبانة، ولو فضل على حاله مش هعدم وسيلة أني أبعده عني، أنما عارفة اللي يضحك في الموضوع إيه؟..
+
نظرت اليها ندى باستفهام حائر لتجيب رنا بضحكة ساخرة صغيرة:
+
– أني بكلّم البيه في الموبايل مش بيرد عليّا!!!… من وقت اللي حصل وفرمان بابا وأنا قلت دلوقتي هو هيكلمني لكن ما حصلش، قلت يا بت خليها عليكي وكلميه أنتي، موبايله مقفول على طول، تفتكري ممكن يستندل فيها وما يجيش يوم كتب الكتاب؟.. أو يعمل مشهد خايب زيّه من أفلام الابيض والاسود بتوعه ويقف قودام المعازيم ويقول أنه مش عاوزني؟.. أو مشهد فاكس تاني وبعد ما يكتب يقول لبابا “بنتك عندك أهي اشبع بيها أنا مش عاوزها”!!!!..
+
هتفت ندى بحنق:
+
– إيه با بنتي الأفلام الفاشلة اللي انتي بتتفرجي عليها دي؟… دي مش بس مشاهد قديمة.. لا… دي مشاهد اتهرست في خمس تلاف فيلم قبل كدا (5000)!!!…
+
أشاحت رنا بيدها وأجابت بتعب:
+
– بقولك إيه يا نادو.. فكك مني أنا دلوقتي، حظي وعرفته، المهم أنتي بقه.. صحيح محطم قلوب العذارى جو باشا اتقدم لك!!!!
+
حدجتها ندى بنظرة ساخطة وأجابت بنزق من بين أسنانها المطبقة:
+
– أنت بتتريقي حضرتك؟.. مش ناقصة أصلها… أيوة يا ستي… كازانوفا عصره وأوانه ما لاقاش من بين بنات حوا إلا أنا عشان تنول الرضا السامي بتاع جنابه والمفروض بقه أني يغمى عليّا من فرحتي وأتهبل كمان وما صدقشي نفسي!!!!…
+
صدحت ضحكة رنا فيما صاحت ندى باستنكار غاضب:
+
– أقدر أعرف أنتي بتضحكي ليه دلوقتي؟…
+
رنا وهي تمسح عينيها من دموع الضحك التي ذرفتها:
+
– أصله بصراحة.. هم يضحّك وهمّ يبكّي!!!…
+
طالعتها ندى بغيظ هامسة من بين شفتيها بنزق:
+
– هو همّ وبس، دا مراااااااار وطافح يا أمي!!!!!!!
+
تعالت ضحكات رنا وقالت بدهشة بالغة من بين ضحكاتها:
+
– ندى.. مش ممكن.. أنتي اللي بتقولي كدا!!.. من أمتى ندى الكيوت الرقيقة العاقلة تقول الـ expressions التعبيرات دي؟…
+
ندى بسخط:
+
– من يوم ما كابتن جو بتاعك أتكعبلت فيه في طريقي، ولسّه.. طول ما هو في سكتي هتسمعي مني ما لا يُسمع!!!..
+
قاطعهما صوت طرقات عالية فأذنت ندى للطارق بالدخول والذي لم يكن سوى “سعادات”.. التي دلفت بابتسامتها الواسعة، نهضت ندى ورنا لاستقبالها، وبعد كلمات الترحيب المعتادة هتفت سعادات بحماس:
+
– أنا جيت مخصوص انهرده عشان حاجتين.. أول حاجة أبارك لكم على نجاح المعرض، من يومها وأنا معرفتش أشوفك يا أبلة، وتاني حاجة.. أبارك بردو… قلت أنا لازم أكون أول واحدة أبارك وأهني..
+
ابتسمت ندى وقالت بتساؤل:
+
– تباركي وتهني على إيه يا سعادات؟..
+
سعادات ولمعة الفرح تبرق في عينيها:
+
– عليكي أنتي وجو يا أبلة!!!…
+
لتغيب الابتسامة رويدا رويدا من وجه ندى فيما تابعت سعادات غافلة عن تغير مزاج ندى للجمود التام:
+
– أنتي نسيتي ولا إيه يا ابلة؟.. مش جو قال أن فرحكم قريب بأمارة الاستاذ فُوزي ما كان موجود؟…
+
قطبت رنا ومالت على ندى الواجمة هامسة بتساؤل وهي ترفع حاجبها الايمن بريبة:
+
– مين فُوزي دا يا ندى؟…
+
ندى بوجوم:
+
– دا أبو حفيظة بس على مدرّس لغة عربية!!!..
+
نظرت اليها رنا بتوجس في حين هتفت سعادات بفرح بالغ:
+
– ما تتصوريش يا أبلة ندى فرحتي أد إيه أنك هتتجوزي جو، أنا من زمان بدعي ربنا أنه يوفقه في بنت حلال تكون هدايته على إيديها، وتبعد عنه بوز الإخص البعيدة!!!!
+
تبادلت ندى ورنا نظرات التساؤل والريبة لتبادر رنا بابتسامة مرسومة:
+
– مين بوز الاخص دي سعادات؟..
+
سعادات ببساطة شديدة وهي تحرك كتفيها:
+
– البعيدة!!!!!!!!…
+
كادت رنا تصرخ حنقا ولكنها تمالكت نفسها بصعوبة شديدة وقالت بابتسامة لم تصل الى عينيها:
+
– سعادات حبيبتي، ركزي يا ماما… بعيدة ولّا قريبة مش موضوعنا دلوقتي، احنا عاوزين نعرف مين بالظبط في بنات حوا؟..
+
سعادات بتكشيرة وهي تتذكر تلك الـ.. “بعيدة”:
+
– هو في غيرها؟.. مايصة.. قصدي مايسة لادوس!!!!
+
نظرت ندى الى رنا التي سألت بدورها:
+
– وهي مايسة لادوس كان عينها من جو ولا إيه؟..
+
سعادات بغيظ:
+
– هي عينها وبس؟.. دي عينها ومناخيرها وودانها وكلها وأنتي الصادقة!!!!!
+
افتعلت ندى ابتسامة وتقدمت من سعادات وقالت وهي تقف بجوارها:
+
– ويا ترى هو كان عينه ومناخيره منها بردو ولا هي بس؟…
+
سعادات هاتفة بحماس:
+
– مش مهم عينه ومناخيره كانوا فين، المهم أنه كله دلوقتي عاوزك أنتي يا أبلة ندى..
+
همست ندى بتفكير:
+
– بس الأهم بقه.. يا ترى وصل لفين مع مايسة لادوس للدرجة اللي تخليها تتكلم معايا يوم المعرض بالكره والحقد اللي أنا شوفته في نظراتها وسمعته في صوتها؟!!!..
+
سعادات بتساؤل:
+
– بتقولي حاجة يا أبلة؟..
+
ندى مفتعلة ابتسامة:
+
– ها؟.. لا أبدا يا سعادات ولا حاجة.. بس عاوزة أقولك أنه الكلام في الموضوع دا سابق لأوانه، يوسف فعلا اتقدم لي لكن أنا لسّه ما قولتش رأيي.. وإذا كان.. آه، ولّا.. لأ!!!..
+
سعادات برجاء:
+
– وافقي يا أبلة عشان خاطري، والله جو طيّب أوي هو بس اللي حنبلي حبتين، لكن قلبه أبيض زي العيّل الصغير، وافقي وصدقيني مش هتندمي.. اللي زي جو دا لما بيحب بيحب أوي، وأنا حاسة لا.. مش بس حاسّة.. أنا متأكدة أنه بيحبك وأووي أووي كمان!!!
+
ندى بابتسامة صغيرة:
+
– ربنا يعمل اللي فيه الخير يا سعادات…
+
رنا بابتسامة:
+
– طيب هروح أنا أشوف شغلي بقه، واعملي حسابك يا سعادات هتتغدي معانا انهرده أنا وندى أن شاء الله…
+
ما أن سارت رنا عدة خطوات حتى سمعن صوت طرقات على الباب ففتحت رنا ليطالعها وجه لؤي، لتبسم له وترد له كلمات الرحيب ثم عادت للداخل ثانية وهي تشير اليه بالدخول قائلة لندى التي طالعتها بنظرات متسائلة بابتسامة صغيرة:
+
– مستر لؤي…
+
دف لؤي بخطوات واثقة راسما ابتسامة ترحيب قوبل بمثلها من ندى التي تقدمت اليه في حين لم يسمع أحدهم شهقة الدهشة التي صدرت عن سعادات والتي تراجعت للخلف فيما تطالعه في تساؤل وذهول.. “هل كان هراكليز صادق حينما أخبرها أن هذه الشركة له؟”!!!!..
+
لتجيب ندى تساؤلاتها الصامتة وهي ترحب بلؤي قائلة:
+
– أهلا بشريكي الحاضر الغائب!!!!
+
لؤي وقد انتبه لوجود سعادات فابتسم لها بخفة في حين أجاب ترحيب ندى قائلا:
+
– أهلا بيكي شريكتي العزيزة… أنا جاي انهرده مخصوص عشان أقولك أني فرغت لك نفسي خالص لمدة شهر كامل، هكون معاكي هنا والشركة عندي المساعد الايمن بتاعي هياخد باله من الشغل وأي حاجة هيحتاجوها هيبقى يكلمني.. يعني تقدري تقولي أني هكون بين هنا وهناك بس الأغلب هنا… يا ترى مكتبي جاهز؟..
+
ندى بإيماءة موافقة من رأسها وهي تشير لرنا:
+
– أكيد، من يوم ما مضينا العقود ومكتبك جاهز، ورنا هتاخدك ليه فورا، وشوف أي حاجة انت محتاجها واحنا هنوفرهالك على طول…
+
ثم انتبهت الى أنها لم تقدمه لسعادات فاستدركت قائلة وهي تشير لسعادات بالتقدم والتي لبّت رغبتها بخطوات بطيئة متثاقلة فيما كانت ترمي لؤي بنظرات كالسهام من تحت رموشها المسدلة:
+
– آه صحيح.. نسيت أعرفكم.. سعادات مساعد مخرج، أستاذ لؤي.. رجل أعمال وشريكي هنا في المجموعة..
+
حركت سعادات رأسها في إيماءة طفيفة وقالت بصوت رسمي:
+
– تشرفنا…
+
مد لؤي يده وقال:
+
– أهلا آنسة سعادات…
+
نظرت سعادات ليده الممدودة أمامها بغرابة ثم انتبهت الى أنها قد أطالت في عدم مصافحته فمدت يدها ليتناولها في راحته العريضة ضاغطا عليها بقوة كادت تهشّم أصابعها الصغيرة مردفا بابتسامة بمعنى مبطن لم يفهمه سواها:
+
– اسمك جديد وغريب، سعادات… يعني.. جمع سعادة!!
مذكّرا إيّاها بمناداته لها في المصعد بـ “جمع سعادة”.. عندما تذمرت من ندائه لها بـ “سعادة” فقط!!..
+
ابتسمت سعادات ابتسامة صفراء وقالت:
+
– شكرا يا… لؤي بيه… ولو أن لؤي بردو غريب.. انما مش غريب يعني أول مرة أسمعه، لا… غريب عليك أنت حضرتك!!!!!!!!….
+
فغرت رنا فاها دهشة في حين قطبت ندى باستغراب بينما ضحك لؤي الذي لا يزال يحتبس يد سعادات في راحته القوية ثم قال:
+
– أول مرة حد يقول لي أنه اسمي غريب عليّا!!!!
+
بصعوبة انتزعت يدها من قبضته وقاطعته قائلة لندى التي وقفت تنقل نظراتها بينهما في حيرة:
+
– عن إذنك يا أبلة ندى، شكلك مشغولة…
+
واتجهت من فورها الى الباب لتناديها ندى من خلفها ألا تذهب وتنتظرها لدى رنا في مكتب الاخيرة، ليتناولوا طعام الغذاء كما اتفقن سويّة، فابتسم لؤي الذي جاءته هذه المعلومة على طبق من ذهب كما يقولون ودون أدنى مجهود منه!!..
+
خرجت بعدها رنا ترافق لؤي لتريه غرفته، وما أن مرّ أمام سعادات الجالسة بالخارج حتى غمزها بعبث ليمتقع وجهها خجلا في حين كتم هو ضحكته بصعوبة فهذه السعادات تجعله يتصرّف كالمراهقين تماما وهو الذي لم يمر بمرحلة المراهقة تلك أبدا حتى حينما كان في سنين مراهقته، أتراه الآن يمر بمرحلة “مراهقة متأخرة”.. كما يقولون؟!!!!!!!..
+
*********************
+
نظر اليها فيما كان النادل يضع الطلبات فوق الطاولة التي تفصل بينهما، ليقول بابتسامة هادئة بعد انصراف النادل وهو يرفع قدح القهوة التركي الساخن الى شفتيه:
+
– من وقت ما كلمتيني وطلبتي أننا نتقابل في النادي هنا وأنا عندي إحساس الطالب اللي مستني نتيجة الامتحان!….
+
وارتشف رشفة بسيطة قبل أن يعيد القدح مكانه فوق صحنه الصغير، لتبتسم فريدة بدورها وترتشف بعضا من عصير الليمون الطازج خاصتها قبل أن تجيبه قائلة:
+
– مش أوي كدا يا شاهين..
+
شاهين بهزة نفي صغيرة من رأسه:
+
– لا.. أوي يا فريدة، صدقيني، المهم… – وعقد ساعديه مستندا على الطاولة التي تفصلهما مائلا بجذعه العلوي الى الأمام ناحيتها حيث تجلس مقابلا له وأردف بابتسامة يشوبها بعض التوتر وأن احتفظ صوته بهدوئه:
+
– ندخل في الموضوع على طول.. أنت طلبتي نتقابل انهرده عشان تبلغيني بقرارك.. صح؟..
+
أومأت فريدة برأسها إيجابا وهي تتشاغل بكأس العصير أمامها ثم رفعت عينيها إليه تطالعه بابتسامتها الناعمة وقالت:
+
– صح يا شاهين، الأول أنا عاوزاك تعرف أنه أنت أنسان أي واحدة تتشرف بيك، وأنه يمكن الظروف هي اللي…
+
ليقاطعها شاهين بابتسامة مضطربة بعض الشيء بينما شابه صوته توتر ملحوظ:
+
– من غير مقدمات يا فريدة.. يا ريت تدخلي في الموضوع على طول، ولو أني تقريبا عرفت الرد على طلبي..
+
فريدة بزفرة عميقة ويه تطالعه بابتسامة أسى صغيرة:
+
– أنا اخترت بنتي يا شاهين!!…
+
قطب يطالعها بتساؤل فيما أردفت هي بابتسامة أسف صغيرة:
+
– ما هو مش معقول أشتريها عمري كله وآجي على الآخر وأفرّط فيها، أنا اخترت رنا من البداية، مقدرش أخسرها، أنا عارفة أنه لو وافقت عليك بنتي عمرها ما هتقف ضدي، لكن نظرة عينيها وقتها هتعذبني، بنتي وعارفاها، مش هتعاند معايا ولا هتلوم وتعاتب لكن عينيها هتعمل كدا، أنا اخترت أكمل مشواري مع بنتي، أكيد أنها هتتجوز ان شاء الله وهيكون لها عيلة وولاد، هكون جدّة وأستمتع بدوري الجديد، وزي ما ربيت أمهم أكيد هيكون ليا دور في تربيتهم، هيحصل نقلة مختلفة في حياتي بطعم تاني خالص، مين اللي قال أنه جواز بنتي الوحيدة هيكون نهاية حياة ليا وحكم عليّا بالوحدة طول العمر؟.. ليه نبص لها من المنظور الضيّق دا؟.. بالعكس…
+
سكتت لثوان لمعت فيها عينيها قبل أن تتابع بحماس جعل شاهين يبتسم بإعجاب:
+
– جواز رنا بداية حياة جديدة ليّا، احنا اللي دايما ناخد الامور من منظور ضيّق ونبص لنص الازازة افاضي، مع أننا لو بصِّينا للنص المليان الدنيا هتختلف معانا كتير، يعني أنا مثلا هكون اطمنت على بنتي الوحيدة وبدأت أجني ثمار تربيتي ليها وتضحيتي بأحلى سنين عمري عشانها، هشوف ولادها وهما بيجروا حواليا، هشوفها هي نفسها وهي بتبتدي حياتها الجديدة، هكون معها يوم بيوم ولحظة بلحظة تمام زي كل مرحلة مرّت بيها، وهي صغيرة أول كلمة وأول خطوة وأول سن، أول يوم مدرسة وأول يوم جامعة، وأول يوم شغل، أنا مش هتحرم منها أو من حياتي معها بالعكس، أنا حياتي هتتغير للأحسن، الأول كان عندي بنت واحدة، لكن لما تتجوز هيكون عندي بنت وولد، عرفت أني هكون كسبانة؟.. وأن مش زي ما أنت متخيّل جواز بنتي مش معناه أني أكون زي خيل الحكومة لما بتكبر بيضربوه بالنار، لأ… أحنا بإيدينا اللي ممكن نعيش السعادة أو التعاسة!!..
+
صمت شاهين لوهلة قبل أن يتكلم وصوته تلوّنه نبرة أسف واضحة:
+
– أنا بجد حاسس أني خسرت حاجة كبيرة أوي، كفاية طريقة تفكيرك دي يا فريدة، أنت مكسب يا فريدة، مكسب كبير وأنا للأسف ماليش نصيب فيه!..
+
ابتسمت فريدة وقالت:
+
– شاهين.. أنت عندك ابنك وأسرته، ليه مفكرتش أنك تعيش حياة جديدة برّه الروتين اللي خنقنا فعلا؟.. ممكن تقولي أمتى آخر مرة زرته فيها؟.. إيه اللي يمنع أنك تسافر له في الصيف مثلا وتقعد معهم شهور الأجازة كلها؟.. منها تغيير ومنها ممكن تلاقي نقطة جديدة تبدأ بيها حياة تانية خالص، شاهين أنا طول عمري مؤمنة أنه كل دقيقة بيعيشها الأنسان تعتبر بداية جديدة ليه وفرصة لحياة أفضل، فكّر في كلامي كويس، ومهما حصل أتمنى أننا نفضل أصدقاء، لأنك بجد أخ عزيز وصديق أعتز بصداقته..
+
ابتسم شاهين وأجاب بهدوء يغلفه الحزن:
+
– أنا اللي يشرفني أني أكون صديق لإنسانة غاية في الأدب والاحترام وقمة في التواضع والرقيّ ورجاحة العقل زيّك يا فريدة….
+
فابتسمت فريدة بدورها قبل أن يرفع شاهين يده للنادل طالبا فاتورة الحساب، ثم أخفضها يبادلها الابتسامة فيما داخله يعتصر حزنا على حلم تمناه ولكنه ظهر أنه محض حلم…. والأحلام نادرا ما تتحقق!!!!!..
+
*************************
+
مالت سعادات على أذن رنا تهمس بسخط فيما ترمق بغيظ ذلك الذي يجلس أمامها يتبادل الحديث مع ندى بأريحية مستفزّة:
+
– أقدر أعرف كابتن هراكليز دا بيعمل هنا إيه؟.. أو أحنا بنعمل معه إيه؟.. أنتو مش قولتوا لي أنكم عازمني على الغدا؟.. إيه اللي جابنا معه؟…
+
رنا بهمس مماثل:
+
– ما على يدك يا سعادات، مش هو اللي قال أنه عزمنا على الغدا بمناسبة أنه أول يوم له أنهرده في الشغل؟.. ندى اضطرت توافق وطبعا أحنا مش ممكن نرفض!!
+
سعادات بامتعاض وهي تختلس النظر اليه:
+
– يعني أول يوم له في المدرسة يا خيّ؟.. وبعدين مش ممكن نرفض ليه يعني؟..
+
رنا بصبر:
+
– عشان شكلنا يا سعادات؟..
+
سعادات بغير فهم:
+
– شكلنا!!!!.. وما له شكلنا؟.. أحمر مدّي على برتقالي؟!!!!!!!
+
زفرت رنا بيأس وهتفت بخفوت وقد شاب صوتها الحنق:
+
– لا مش كدا، بس هيبان أننا مش عاوزين نروح معه في مكان لأننا كنا فعلا خرجنا مع ندى لما قابلناه على الأسانسير وعرف أننا رايحين نتغدى وعزمنا، ما كانش ينفع نرفض، كنا هنكسفه وهو ما عملش حاجة تخلينا نتعامل معه بقلة ذوق..
+
سعادات بنزق:
+
– أنا كنت عاوزة أرفض لكن لسّه هفتح بؤي لاقيت أبلة ندى بتقولي خلاص يا سعادات هنروح سوا نتغدى، بس أنا مش مبسوطة، مش عاوزة الغدوة دي.. الله الغني يا ستي، يعزمني بتاع إيه؟… أولا هو ما يقربليش حاجة، تاني حاجة مش هينفع أرد له العزومة!!!
+
رنا بحزم:
+
– خلاص يا سعادات خلصنا، هو مش عازمك لوحدك يعني عشان كل دا، وبعدين يا ستي محدش قالك ردي له العزومة، الكلام دا لو عزومته دي ليكي انتي بس، لكن أحنا معاكي أهو، دا غير أنه شريك ندى في الشغل، فرفضنا هيكون احراج لندى نفسها، ترضي تحرجي ندى؟..
+
هتفت سعادات من فورها بنفي قاطع:
+
– لا لا لا طبعا، أحرج أبلة ندى!!… لا لا لا..
+
ثم تنهدت بيأس وتابعت بقنوط:
+
– ياللا.. عشان أبلة ندى أستحمل وأمري لله، مع أني حاسة أنه الأكل اللي هاكله مش هيتبلع ولا يتمضغ لا يهنفع أكح أطلعه ولا أمضغه أبلعه!!.. لكن أهو نقول إيه… عشان خاطر الورد..
+
ابتسمت رنا وقالت:
+
– بتحبي ندى أوي كدا يا سعادات؟..
+
استطاعت رنا بسؤالها الاستحواذ على انتباه سعادات التي نست أمر دعوة الغداء الغير مرحب بها وهتفت بحبور:
+
– بحبها؟.. إلّا بحبها!!.. هو فيه حد يشوفها وما يحبهاش؟.. طيب دا أنتي ما تتصوريش فرحتي أد إيه لما عرفت أنها هتتجوز جو، فرحت من قلبي والله وربنا العالم..
+
رنا بتساؤل:
+
– صحيح يا سعادات.. جو انسان طيب أوي كدا زي ما بتقولي؟..
+
سعادات بابتسامة:
+
– دا أطيب قلب شوفته، هو فيه زيّ جو!… طيب وحنين بس هو اللي بيداري طيبته وحنيته دي في بروده، ودايما واخد الدنيا بصدره، كنت على طول بتخانق معاه عشان كدا، بقوله أنت لسّه صغير ليه تضيّع أجمل أيام حياتك بالشكل دا، ما كانش بيسمع الكلام، لكن من ساعة ما أبلة ندى دخلت حياته وهو اتغيّر.. وأبسط دليل على كدا أنه بعد عن السلعوة اللي اسمها مايسة لادوس دي!!!
+
كان لؤي يستمع لندى بنصف انتباه فيما يحاول التقاط الكلمات التي تتبادلها سعادات مع رنا، ولم يفته النظرات الساخطة التي كانت سعادات ترميه بها خاصة حين دعاهن الى الغداء، ولكنهما كانا يتبادلان حديثا هامسا لم يلتقط منه سوى اسم رجل “جو”!!.. ثم سمع بضعة كلمات أخرى تمدح فيها سعادات ذلك الـ “جو” لينظر اليها وقتها فيجد ابتسامة شاردة تحتل محياها فيما عيناها تلمعان ببريق أخاذ، ليصرّ على أسنانه بقوة، وسؤال يتردد في ذهنه كالنحلة الطنّانة “ترى.. من هو.. جو؟”….
+
انتبه لؤي من شروده على حضور النادل لتسجيل طلباتهم، فقالت ندى بابتسامة:
+
– ميكس جريل..
+
ليحذو حذوها رنا وسعادات، فيما طلب لؤي بالاضافة الى المشويات حساء فواكه البحر، مر الوقت بعدها في تبادل الأحاديث الخفيفة قبل أن يقاطعهم رنين هاتف ندى التي أجابت:
+
– ألو.. أهلا.. أزيك أنت، لا احنا في مطعم “…”، أها… أنا ورنا وسعادات ولؤي!!
+
قطبت ثم همست بتساؤل:
+
– وإيه المشكلة؟.. لؤي عزمنا على الغدا…. اللاه… فيه إيه يا أنور؟.. ألو.. ألو…
+
ولكن كان أنور قد أنهى المكالمة، فابتسمت ندى ابتسامة صغيرة، قبل أن تنخرط في الحديث معهم….
+
كانوا يتناولون الطعام حينما هبط عليهم ظلّا كبيرا، كانت ندى أول من رفعت عينيها لتشاهد أنور وبجانبه… يوسف والأخير يرميها بسهام نارية من بين فحم عينيه المشتعل، فيما يطالع أنور رنا ببرودة تامة، أخفضت سعادات يدها التي تحمل الملعقة وهي تطالع الوجوه حولها في ريبة، كان لؤي أول من قطع الصمت إذ نهض قائلا وهو يشير إليهما بالانضمام لهم:
+
– اتفضلوا…
+
رفض أنور بهزة من رأسه فيما نطق يوسف من بين أسنانه بغيظ:
+
– لا شكرا..
+
ثم مال على ندى هامسا لها بحدة:
+
– قومي!!!…
+
نظرت اليه ندى في دهشة ليكرر قائلا بحزم أكبر:
+
– قومي يا ندى عاوزك!!..
+
لم ترد ندى لفت الانظار اليهما، فابتسمت وقالت للؤي:
+
– عن إذنك يا لؤي.. ثواني بس…
+
وما أن نهضت من مكانها حتى سارع يوسف بالقبض على مرفقها، فيما مال أنور على رنا وهمس بجدية بالغة:
+
– عاوزك يا رنا..
+
تطلعت رنا اليه بحيرة ثم قالت ويه تشير الى المائدة:
+
– تقدر تقعد وتقول اللي انت عاوزه، أنا بتغدى لو واخد بالك يعني؟!!!!
ليمسك بالشوكة من يدها ويضعها جانبا ثم يشير بيده اليها قائلا بأمر لا يقبل النقاش:
+
– الغدا مش هيطير… اتفضلي قومي حالا…
+
قطب لؤي وهو يتابع الجدال الدائر أمامه ولم يشأ التدخل إلى أن يرى إلى ماذا سيسفر هذا الجدل الحامي، همست رنا من بين أسنانها وهي تنظر الى أنور لأول مرة منذ دخوله:
+
– أنت بأي حق…
+
لتبتر عبارتها شاهقة بذهول وأردفت وهي تشير بسبابتها الى وجهه حيث كدمة كبيرة تحيط بعينه اليسرى مشكّلة ظلالا حولها من الألوان متدرجة ما بين الأزرق والبنفسجي الداكن:
+
– إيه دا؟… إيه اللي شلفطك بالشكل دا؟…
+
أزاح أنور كرسيها الى الخلف وأجاب بفتور:
+
– لما تقومي هقولك..
+
فانصاعت رغبته ليس عن رضا ولكن حفاظا على ماء وجها أمام لؤي!!..
+
كانت سعادات تتابع بوجوم وفم مفتوح انصراف كل من ندى ورنا مع يوسف وأنور بالتتابع، لتهمس بذهول بعدها:
+
– هو إيه أصله دا؟.. دول لو قاعدين مع اتنين كيلو جوافة مش هيسيبوهم ويمشوا بالشكل دا!!!
+
أما بالنسبة للؤي فقد شعر أن انفراده بسعادات بدون تخطيط منه فرصة ذهبية من السماء وهو من كان يحاول طوال الجلسة إيجاد طريقة يستطيع به الجلوس معها بمفردهما، فقال لؤي بابتسامة:
+
– أول مرة حد يشبهني بالجوافة!!!!..
+
نظرت اليه سعادات بتكشيرة وأجابت ممتعضة:
+
– وأنت حد كلمك أساسا؟… الجوافة دي مش ليك، لكن لو على التشبيه يبقى سُباطة موز قليلة عليك!!!!!
+
لؤي بتفكّه:
+
– سُباطة مرة واحدة!!!!… دا أنتي كريمة أوي، ويا ترى بقه موز بلدي ولا مستورد؟…
+
سعادات وهي تشيح بيدها وبتلقائية:
+
– لا بلدي إيه.. البلدي الواحد ياكل صباع منه على بؤ واحد، أنت المستورد.. اللي بمقام تلاتة من البلدي والواحد لو أكل منه موزة مرة واحدة يحس أنها سدّت مجرى التنفس عنده لأنها نازلة من البؤ لفُم المعدة دوغري!!!!!…
+
مال لؤي على المائدة التي تفصلهما وقال:
+
– ممكن أسألك سؤال؟…
+
سعادات بزفرة تعب كمن تتفضّل عليه بالاجابة:
+
– يوووه… سؤال وجواب وهيعمل لي فيها وكيل نيابة، أسأل يا سيدي..
+
سلّط لؤي عينيه عليها وقال بصوت منخفض:
+
– أنتي ليه مش طايقاني؟.. يعني ليه كل كلامك معايا فيه حدة وزي ما أكون عدوّك؟…
+
ابتسمت سعادات بتعجّب وأجابت:
+
– وأنا ليه مش هطيقك؟.. أحنا في الاول والأخر اتنين اتقابلوا صدفة حتى لو اتكررت الصدفة دي مرة ولا اتنين لكن في الاول والآخر طرقنا عمرها ما هتتقابل، لكن أنا هكون صريحة معاك.. أنا بصراحة…
+
وسكتت لهنيهة قبل أن تتابع بصراحتها المعهودة:
+
– معرفش!!!!.. كل اللي أعرفه أني بأُستفَزّ لما بشوفك، ليه.. الله أعلم!!.. لكن انا بحس أنك شايف نفسك كدا وكأنك الحاكم بأمره، مع أن اسمح لي يعني.. أنت في الأول والآخر… لؤي!!
1
كشّر لؤي وغابت ابتسامته وهتف بدهشة غاضبة:
+
– أفندم؟!!!!…
+
سعادات ببساطة:
+
– ما تتزرزرش بس… أنت مش بتسأل؟.. آه… سمعت المثل اللي بيقول الاسم لموسى والفعل لفرعون؟.. دا بيتقال لما يكون واحد اسمه حاجة وأفعاله عكس اسمه خالص، أنت كمان اسمك ما يجيبش خالص صفتك!!!!
+
لؤي بغيظ من بين أسنانه:
+
– امممم… طيب لو عاوزة تسميني.. رأيك يكون إيه أسمي؟.. لو طبقنا نظرية سعادتك..
+
سعادات بعد تفكير لثوان:
+
– السلطان مارينجوس الأول!!!!!!!!
+
لؤي بذهول وصدمة:
+
– ودا يبقى مي ندا ان شاء الله السلطان مارينجوس الأول؟…
+
سعادات بحماس وهي ترفع يدها كمن يدلي بقسم:
+
– طويل العمر يطوّل عمره ويزهزه عصره وينصره على مين يعاديه.. هايْ هيييييِ!!!!!
4
حدق فيها لؤي بغير تصديق كمن يرى أمامه كائن خرافي مرددا بدهشة:
+
– هايْ.. هيييييِ!!!!
+
سعادات بتكشيرة وقد غابت ابتسامتها المرحة:
+
– انت مش من مصر ولا إيه يا كابتن؟.. مش فاكر فيلم صاحب الجلالة وفوؤاد المهندس وفريد شوقي؟..
+
ولكن لؤي ظلّ على حاله من تحديقه الشديد بها فقطبت قائلة:
+
– لا انت تدخل على اليوتيوب وتتفرّج على الفيلم أحسن، لأني لو فضلت كدا مش بعيد ييجي لي شلل أطفال!!
+
لؤي مقطبا:
+
– شلل أطفال؟!!!.. ودا هيجي لك إزاي دا أن شاء الله؟.. دا بيييجي للأطفال اللي ما اتطعموش منه لكن أنت…
+
لتقاطعه سعادات هاتفة بحدة:
+
– هييجي… على إيديك هييجي…. دا انت بالذات هتجيبه ليا بالمستعجل!!!!…
+
ثم همّت بالنهوض ليفاجئها بالقبض على معصمها وهو يهتف بها:
+
– رايحه فين؟..
+
سعادات وهيى تحاول سحب يدها ولكن دون جدوى:
+
– همشي قبل ما يجي لي حاجة أكتر من شلل الاطفال.. أنا مش ناقصة فارسة!!!!
+
ليفاجئها لؤي بالانتقال والجلوس الى جوارها في حين تابعته هي بعينيها بدهشة وتساؤل، ليهمس أمام وجهها بحزم:
+
– مش هتقومي من هنا ولا هتتحركي خطوة واحدة من غير إذني، ييجي لك شلل أطفال، ييجي لك الأطفال نفسهم.. مش مهم!!.. مفهوم يا.. جمع سعادة؟!!!!…
+
قطبت وهتفت به وقد نجحت في افلات معصمها من قبضته:
+
– ليه.. هتحبسني في الكرسي؟..
+
لؤي ببساطة:
+
– وأربطك في رجل الكرسي كمان لو حبيتي!!!!..
+
همست سعادات تحدث نفسها وهي تختلس اليه النظرات المرتابة:
+
– إيه دا.. دا باينه كدا هربان من الخانكة.. عنبر 9!!!!… ودا الواحد يعمل معاه إيه دا؟…
+
لؤي باستفزاز:
+
– أنتي بتقولي إيه؟.. سمعك على فكرة.. مش من الشجاعة انك تتكلمي على حد وقودامه وبصوت واطي!!!
+
سعادات وقد أغاظها بروده:
+
– معلهش مش عاوزة أجرح مشاعيرك!!!!!… لكن أنت اللي جبته لنفسك أنت…
+
قاطعتها ضحكة رجولية عميقة من جهته جعلتها تطالعه فاغرة فاها ولسان عقلها يهتف في انبهار”ايه الضحكة دي؟.. يا نهاااااري على ضحكتك… أومال راسم 111 على طول ليه؟””..
+
لتفيق من شرودها على صوته وهو يقول ولا يزال بقايا ضحكته يلوّن نبرته:
+
– مشاعيرك؟!!!!.. اسمها مشاعرك…. جبتي مشاعيرك دي منين؟…
+
سعادات وهي تأبى الاعتراف بخطئها اللفظي:
+
– أنا بقولها كدا.. هي كانت اشتكت لك يعني؟..
+
قطب لؤي متسائلا:
+
– مين دي اللي اشتكت لي؟…
+
سعادات بتلقائية:
+
– مشاعيرك!!!!!
+
جز لؤي على أسنانه وقال وهو يميل عليها لتضرب أنفاسه صفحة وجهها الحليبية فيما يركز عينيه على عينيها التي تغيم بلون الليل البهيم:
+
– جمع سعادة… مش هنقعد كتير احنا في مشاعيرك ومشاعرك.. مش حصة عربي هي!!!..
+
سعادات وهي تحاول الهروب من أسر عينيه:
+
– طيب ممكن أعرف انت عاوز إيه بالظبط؟..
+
لؤي وهو يمسك بيدها الموضوعه أمامها فوق المائدة يداعب بابهامه ظهر يدها مثيرا في حناياها شعورا لم يسبق لها وأن اختبرته:
+
– عشان تعرفي أني واضح وصريح زيّك بالظبط ومش بعرف ألوّن كلامي… أنا عاوز مبدئيا أننا نكون أصحاب، هتسأليني ليه وإزاي هقولك معرفش، لأول مرة أبقى مش عاوز أحسب خطوتي، لأول مرة أبقى عاوز أسيب نفسي من غير حسابات عقل ومنطق ومطرح ما رجليا توديني، لأول مرة أضحك من قلبي معاكي يا سعادات.. ومش ناوي أرجع أكشّر تاني… عاوز أعرف إيه اللي فيكي شاددني أوي كدا… عرفتي عاوز إيه؟..
+
ازدردت سعادات ريقها بصعوبة وهمست وهي تحاول التغلب على شعورها بالدوار نتيجة مداعبة ابهامه ليس لظاهر يدها وحسب بل أن حركة ابهامه تلك قد أرسلت الفوضى في سائر حواسها حتى أنها تشعر أنها إذا ما نهضت على قدميها فأنهما لن يستطيعا حملها، فطالعته برجاء هامسة:
+
– أنا أسنانة أبسط من البساطة، مينفعش يكون فيه بيننا أي علاقة من أي نوع، ولو حتى صداقة، أنت رجل أعمال كلمتك سيف على الرقاب، أنا بنت بسيطة من عيلة أبسط من البساطة… ومش ممكن حد يوافقك على الجنون اللي بتقوله دا، اللي انت فيه دا مش حاجة غريبة ولا حاجة كل اللي حصل أنك لأول مرة تقابل حد غير النوعية اللي انت متعود تتعامل معهم، صدقني أنا آخر واحدة ينفع تبقى ليك بها أي صلة..
+
هتف لؤي وقبضته تشتد على يدها:
+
– ليه؟.. إيه اللي يمنع؟..
+
سعادات بوضوح فيما سكنت مقاومتها:
+
– أنت عارف أبويا بيشتغل إيه؟… – لم تترك له فرصة الاجابة وواصلت – أبويا يبقى صاحب كشك سجاير وجرايد، وأمي بوابة، احنا ساكنين في أودة في بدروم السلم تحت عمارة في وسط البلد!!..
+
سكت لؤي يطالعها في صمت للحظات قبل أن يقول ببرود:
+
– وإيه المشكلة؟..
+
سعادات هاتفة بغضب:
+
– إيه المشكلة؟… المشكلة أنه م فيش بيننا أي شيء مشترك، أنت ساكن في قصر وأنا في بير السلم، عمر اللي فوق ما يبص لتحت واللي تحت لو بص لفوق رقبته توجعه وتتلوِحْ!!..
+
لؤي بإصرار:
+
– أنا عشت سنين طويلة في أمريكا، هناك ما فيش بير سلم أو فوق السطوح، هناك الانسان بعمله، أحنا مش في فيلم أبيض وأسود وأنا ابن الباشا وأنت بنت الجنايني!!.. سعادات… أبوك يدا راجل يفتخر بيه أي واحد، كفاية انه ربّأكي وعلّمك وهتتخرجي من كلية قمة، أنا مش مهم عندي كلام الناس، الناس في أي مكان وعلى أي وضع بتتكلم، أنت بالنسبة لي زي ما انتي قلتي تمام، نوع جديد أول مرة أتعامل معه، كفاية صراحتك ووضوحك، عاوزك جنبي، أحيانا بحس أني محتاج فرامل لأني طوحي زي العربية الطايشة، عيشتي في الغربة قسّت قلبي، محتاج اللي يقف قودامي لما أكون غلطان ويصدّني، للأسف ما فيش حد قابلته بيتعامل معايا على أساس أني لؤي الانسان، الكل بيعمل للؤي بيه ألف حساب، أنا محتاجك يا سعادات.. محتاج صراحتك ووضوحك ونقائك… أنا اللي محتاج لوجودك في حياتي.. ومش مستعد أني أتنازل عن رغبتي دي مهما كان!!!
+
سعادات بهمس:
+
– مش عارفة أقولك إيه، لكن صعب اللي انت بتطلبه دا، أنا..
+
سارع لؤي برفع يده يضعها على فمها لتلمس راحته طراوة شفتيها فيتذكر مذاق هذه الشفاه التي ارتشف رحيقها في وقت سابق من هذا اليوم، حاول التركيز على ما سيقوله في حين وعد نفسه أن هذه الشفاه لن يمتلكها غيره، فهو يقسم انه لم يسبق أن قبّلها أحد قبله وسيعمل على ألا يمسها غيره، همس أمام شفتيها:
+
– مش صعب… صدقيني مش صعب، وعموما جربي مش هتخسري حاجة، لكن مينفعش تستسلمي من غير محاولة…
+
سعادات ببراءة سلبت لبّه جعلته يريد احتوائها بين ذراعيه:
+
– توعدني أني لو اخترت أبعد.. هتسيبني أبعد؟!!..
+
ثوان مرت قبل أن يهمس لؤي وهو يسلط نظراته عليها:
+
– أوعدك أني هحترم كلمتك… وأنك مش هتندمي معايا أبدا…
+
ابتسمت سعادات بتردد في حين هتف لؤي بداخله:
+
– أوعدك أني هحترم رأيك مهما كان… لكن مش ممكن أوعدك أني أسيبك تبعدي عني مهما كان!….
+
***********************
+
– أقدر أعرف أنت واخدني كدا ورايحين على فين؟…
+
أوقف يوسف ندى في الحديقة المحيطة بالمطعم أسفل شجرة ضخمة في زاوية منعزلة بالحديقة قبل أن يقف أمامها هاتفا بغضب:
+
– عاوز أشوف آخرتها معاكي إيه؟.. أنا مش قلت لك بدل المرة ألف ما تروحيش في أي مكان من غير إذني؟.. أتفاجأ أن حضرتك معزومة على الغدا ومع مين؟.. راجل غريب!!!
+
ندى بغيظ:
+
– أولا مش من حقك أنك تطلب مني حاجة زي كدا، تاني حاجة بقه.. لؤي مش غريب.. لؤي يبقى شريكي وابن صاحبة ماما، يعني أعرفه من زمان…
+
مال عليها يوسف سائلا بتوجّس وغضب:
+
– يعني إيه؟..
+
عقدتى ندى ساعديها وأجابت بتحد:
+
– يعني معرفتي بيه أقوى بكتير من معرفتي بغيره!!!…
+
وكأنها بكلماتها قد صبت الزيت على النار فقد زاد لهيب غضبه ومال عليها بوجهه فلفحتها أنفاسه الساخنة بينما يهدر بداخله موجات غضب شرس.. عنيف:
+
– وأنا بقه.. غيره!!!!… قصدك أنك تعرفيه هو أكتر مني؟…
+
سكت لتطالعه بغرور وتشيح بوجهها الناحية الأخرى فأردف بابتسامة شريرة:
+
– ماشي يا ندى… أنا بقه هصلّح الغلط دا حالا، وهخليكي تعرفيني أحسن من أي واحد!!!!
+
نظرت اليه ند بريبة وتشكك وسألته عاقدة جبينها بتوجّس:
+
– قصدك إيه بالظبط؟…
+
باغتها بأن قبض على كتفيها وجذبها بقوة ناحيته جعلت رأسها ترتطم بصدره العضلي الواسع هامسا بفحيح من بين أسنانه:
+
– قصدي أني سيبتك بمزاجك وقت كتير أوي، لكن واضح كدا أني لازم أحط حد لخوفك وترددك دا، أنا مش هضيّع أجمل أيام عمرنا وأنا مستني ردّك لأنك للأسف.. جبانة!!!
شهقت ندى تطالعه بذهول غاضب قبل أن تهتف به حانقة:
+
– إيه؟… جبانة!!!!!.. أنت مين اللي سمح لك أساسا أنك تهينني بالشكل دا؟… جبانة عشان موافقتش عليك؟…
+
يوسف بحزم وهو يقربها منه:
+
– ومين قال أني هدِّيكي الفرصة أنك ترفضي؟… أنا صبرت عليكي كتير أوي، لكن خلي بالك أنا صبري قرّب ينفذ، فما تدفعنيش لآخري معاكي، لأنك وقتها صدقيني هتتمني أنك كنت سمعتي كلامي…
+
ندى وهي تحاول التحرر من قبضته لكتفيها:
+
– وأنا مش بتهدد يا حضرة، وعشان تتأكد أنا انهرده هبلغ بابا رفضي لطلب حضرتك، تقدر تروح تتقدم لأي واحدة من السناكيح بتوعك لكن أنا… انسى!!!!!!!!!….
+
ضغط يوسف بقوة آلمتها جعلتها تطلق تأوها رغما عنها قبل أن يميل عليها زارعا عينيه في عينيها قبل أن يهمس بوعيد وابتسامة شريرة تحتل ملامحه:
+
– لا وانتي الصادقة… أنتي اللي تنسي!!!!!!!!
+
وقبل أن يتثنى لها التساؤل عمّا يعني كان قد كتم تساؤلاتها بشفتيه في قبلة أقل ما يقال عنها أنها نارية، فيما احتضنتها ذراعاه في قوة ضاغطة على ضلوعها حتى خيّل اليها أنها قد سمعت صوت طرقعة ضلوعها من شدة الضغط، وحاولت مرارا الافلات من قبضته ولكن هيهات فلقد أفلتت الوحش من مربضه، وكان هو لا يزال كلامها ورفضها الذي رمته في وجهه يتردد في ذهنه فكان يعمّق من قبلته وكأنه بحر هائج يرغب بابتلاعها بداخله فلا تبصر سواه ثانية!!…
+
بعد فترة حررها لتبتعد وهي تشعر بساقيها رخوية لا تكاد تحملها فما أن ابتعد عنها حتى أوشكت على السقوط فسارع على اسنادها وهو يضمها بحنو دافئ بين ذراعيه واضعا رأسه فوق صدره مربتا على رأسها وهو يهمس لها بكلمات حانية، بينما قذفته هي بشتائم عديدة حتى إذا ما أفرغت ما في جعبتها من غضب وهدأت ابتعد عنها قليلا لترفع عينيها إليه تطالعه بتساؤل هامسة بيأس:
+
– ليه أنا؟…
+
نظر اليها يوسف مليًّا قبل أن يجيبها بصدق تام:
+
– لأني.. بحبك!!!!!!!..
+
نظرت اليه ندى بتشكك وريبة في حين ابتسم هو ابتسامة رجولية مهلكة ونظراته تعدها بالمزيد من نيران حبه!!!!!!..
+
*********************
+
منذ أن أرغمها على الصعود الى سيارته وهي قد التزمت الصمت التام، لتقف السيارة بعد برهة فطالعت حولها لتفاجأ بأنها تقف أسفل بنايتها السكنية، فالتفتت الى أنور الصامت منذ أن سحبها من المطعم وتساءلت:
+
– أنت رجعتني بيتنا ليه؟…
+
أنور بجمود:
+
– ما فيش خروج من بيتك الا بأمري أنا… حتى الشغل ما فيش شغل اليومين دول خالص…
+
ثم التفت اليها وأردف بوعيد:
+
– ويكون رجلك تخطي برّه البيت يا رنا… ساعتها صدقيني هتتمني أنك ما كنتيش اتحدتيني!!.
+
سكتت رنا تطالعه بذهول قبل أن تهتف بصدمة:
+
– وأنت مالك؟.. أخرج.. أدخل براحتي!!.. مش كفاية عملتك السودة اللي خلِّت بابا يصمم يتمم الجوازة؟.. ومن يومها مش قادرة أرفع عيني في أي حد فيهم؟…
+
أنور ببرود وهو ينظر أمامه:
+
– أظن عملتي ما كنتيش رفضاها أوي يا رنا… خليكي شجاعة واعترفي باللي أنا وأنتي عارفينه كويس أوي، بطلي جُبن بقه!!!
+
رنا بتوتر واعتراض:
+
– أنت… أنت قصدك أيه؟.. أنا مش فاهمه..
+
ليقاطعها ناظرا اليها بتركيز:
+
– لا فاهمه يا رنا كويس أنا عاوز أقول إيه….
+
زمجرت رنا كهرة غاضبة قبل أن تفتح الباب وتترجل صافعة الباب خلفها بقوة فناداها من نافذته وهتف فيها بحزم:
+
– اللي أنا قلته يتنفذ يا رنا… ماذا وإلا هتكوني أنتي الجانية على نفسك!!!
+
نظرت اليه بغلّ قبل أن تضرب الارض بقديمها في سخط كالاطفال ثم تندفع الى الداخل في حين راقب أنور انصرافها ببرود ثم أدار المحرك منطلقا بقوة جعلت عجلات السيارة تصدر صريرا قويّا!!!…
+
*******************
+
وقفت رنا يوم عقد قرآنها وهي تشبك يديها وتفكهما في توتر شديد، فقد سمعت صوت زغاريد تتعالى إيذانا بوصول المأذون الشرعي، لتدلف اليها ندى وسعادات التي هتفت بفرح:
+
– أبلة رنا المأذون جه..
+
سألت رنا بتوتر:
+
– كريم لسّه ما ظهرش يا ندى؟..
+
اقتربت منها ندى ترتب ياقة الفستان الأحمر التي تكسف عن عنق كالمرمر، وينسدل محكما من نصفه العلوي يم يهبط على اتساع الى الاسفل، مطرّز بالألماس فوق الصدر ويخف على النصف السفلي ثم يزداد التطريز فوق الذيل، وتنتعل حذاءا ذو كعب عال باللون الفضي وقد وضعت على كتفيها وشاح خفيف فضي اللون غطى كتفيها العاريتين فيما رفعت شعرها على هيئة شنيون تاركة بعض الخصلات المتطايرة تحيط بوجهها، فيما ارتدت قرطا من اللؤلؤ وتركت جيدها من دون حلي فيكفي تطريز الفستان، وزينت وجهها بألوان مناسبة فعينيها قد رسمتهما باللون الأخضر مما أبرز لونهما الكهرماني، وطلت شفتيها باللون الأحمر القاني، وتعطرت ببضع قطرات من عطرها الثمين برائحة خشب الورد الثقيلة…
+
قالت ندى بابتسامة:
+
– ما تقلقيش يا عروسة.. العريس وصل وقاعد بره مع أونكل عبد العزيز…
+
صوت طرقات على الباب دلف بعدها فريدة وعبد العزيز الذي أمسك ابنته من كتفيها ونظر اليها قائلا بأبوة:
+
– مش عاوزك تكوني زعلانة مني… صدقيني يا رنا، أنتي أغلى حاجة في حياتنا، سامحينا لو كنا من غير ما نقصد قصّرنا معاكي، وما تقلقيش.. جوزك هيحافظ عليكي بروحه، هو وعدني بكدا…
1
ليبتعد تاركا فريدة تأخذ مكانه فقالت وهي تحارب دموها لئلا تفسد زينتها:
+
– حبيبتي أنا فضلت طول عمري أحلم بيوم ز يدا… عاوزاكي تكوني سعيدة عشان أنت تستحقي السعادة… وعاوزاكي تسامحيني أنا وبابا لأنه زي ما هو قال أي حاجة حصلت كانت مش بقصدنا، وأنت في الاول والاخر أغلى مخلوق عندنا…
+
تناول عبد العزيز كتاب العقود والذي تناولته منه سعادات عند دخوله، ومد يده به الى ابنته مشيرا لها في خانة التوقيع لتقوم بكتابة اسمها سريعا من دون أن تعطي نفسها لحظة تفكير فما أن لمحت اسما في خانة الزوج حتى شعرت بالاضطراب الشديد وخافت أن ترفض اتمام الزواج أن هي قرات اسمه، فأسرعت بالتوقيع ليقبل والدها رأسها، ثم يخرج أعقبه جميع من بالغرفة إذ قالت فريدة بابتسامة ودموع الفرح تملأ عينيها:
+
– ياللا يا بنات.. العريس قال أنه عاوز يكون أول واحد يشوف العروسة بعد كتب الكتاب على طول..
+
لتخرجن جميعا، فيما وقفت رنا تفرك يديها من شدة التوتر، تعطي ظهرها الى الباب، لتسمع صوت فتح الباب ثم صفقه، أتبعه صوت خطوات تقترب، فابتلعت ريقها بصعوبة، لتشعر بأنفاس ساخنة تقف خلفها وصوت رجولي رخيم يهمس بالقرب من أذنها:
+
– مبروووك يا عروسة!!..
+
تسمرت مكانها للحظات قبل أن تلتفت ببطء ليطالعها وجه زوجها وهو يبتسم ابتسامة عريضة فشهقت بقوة وهي تشير اليه متمتمة بتلعثم:
+
– مش.. مش ممكن.. أنـ… أنور!!!!
+
ابتسم أنور قائلا:
+
– جوزك يا.. زوجتي العزيزة!!!
+
قطبت هاتفة باستفهام حائر:
+
– بس.. إزاي؟…
+
أنور وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة:
+
– زي الناس.. المأذون جه.. وكتبنا الكتاب وعلينا الجواب!!..
+
هتفت رنا بحنق:
+
– دا غش!!.. المفروض كريم…..
+
لتشهق بينما قبض هو على فمها بقوة هامسا من بين شفتيه:
+
– لو نطقت الاسم دا تاني هنسيكي الكلام لمدة طويلة… كفاية أني بحاول أنسى أنك كنت موافقة على أشباه الرجال دا، عموما هو خد جزاؤه الدور والباقي عليكي انتي يا حرمنا المصون!!
ثم ترك فمها فسألته بتوجس:
+
– خد جزاؤه؟.. قصدك إيه؟…
+
أنور بابتسامة متشفية:
+
– لا أبدا… كسر في الذراع، دا غير تلات أضلاع في القفص الصدري، وشرخ في الحوض، وطبعا شوية كدمات كدا زينت وشّه!!!
+
ثم رفع يده مشيرا الى الكدمة المحيطة بعينه والتي بدأ لونها في الزوال:
+
– عشان تعرفي أنه شبيه رجال بجد…. ما سابشي الا الكدمة دي وأنا اللي سهيت لحظتها، تقريبا صعب عليا يخرج من المطحنة دي من غير أي منظر خالص… قلبي حنين ما أنتي عارفة!!!
+
رنا بذهول:
+
– قلبك حنين!!!.. انت هتقولي؟.. انما ليه اللي حصل له دا كله؟.. داسته مقطورة؟..
+
أنور ساخرا:
+
– لا وأنتي الصادقة… عجنه واحد بيغير موووووت على مراته!!!!
ليمتقع وجه رنا بشدة مرددة:
+
– إ.. إيه؟..
+
أنور بهدوء:
+
– اللي سمعتيه يا حرمنا المصون!!!
صاحت رنا:
+
– حرمنا المصون.. حرمنا المصون… بطّل الكلمة دي!!
+
أنور ببراءة زائفة:
+
– اللاه… مش هي دي الحقيقة؟.. وبعدين أحنا لسه في أول حياتنا الزوجية ينفع نبتديها خناق كدا؟…
+
لتدفعه رنا بعيدا عنها وتقف متخصرة أمامه وهي تهتف فيه بتحد:
+
– احنا هنبتدي حياتنا الزوجية بطلب.. الطلاق!!!!!!!
+
ليصرخ أنور في ذهول غاضب:
+
– نعم!!!!!!!!!!!!!!!!!…
+
وفجأة قاطعهما صوت ضجة عالية قادمة من الخارج، فأسرعت رنا التي ميّزت صوت والديها، الى الباب ولكن وقف أمامها أنور مشيرا اليها بعينيه، ثم انسلّ خارجا من سترته يضعها على كتفيها لترفع هي وشاحها تغطي شعرها ثم يهرعا الى الخارج ما أن وضحت الاصوات جلية، ليقفا متسمرين في مكانهما فأمامهما كانت تقف عفاف تصرخ مشيرة الى فريدة هاتفة بشر:
+
– يا خطافة الرجالة… يا شايبة يا عايبة، عاوزة تتجوزي ياختي مع بنتك في يوم واحد؟.. تاخدي واحد من على مراته وعياله وتهدي بيته بسهولة كدا؟..
+
هدر صوت عبد العزيز عاليا:
+
– عفاااااااااااااااااف!!!
+
نظرت اليه عفاف تقول بسخرية:
+
– إيه يا أبو ولادي.. تنكر أنك طلبت منها ترجعوا لبعض؟…
+
ثم تقدمت من فريدة وأمسكت بكم فستانها الأزرق المطرز مردفة بغلّ:
+
– تنكر أنك اشتريت لها الفستان دا عشان كتب الكتاب؟..
+
عبد العزيز آمرا:
+
– عفاف.. امشي من هنا… لو عاوزة فعلا ما تخربيش على بيتك وولادك!!!
ليجن جنون عفاف وتصيح بغيظ عاليا مشيرة الى الناس والجيران اللذي تجمعوا على صوتها فحفل عقد القرآن كان في منزل فريدة:
+
– اشهدوا يا نااااااااااس… جووزي أبو ولادي بيهددني، عاوز يطلقني أنا أم عياله ويتجوز خطافة الرجالة دي..
+
ثم نظرت الى فريدة التي سالت دموعها أنهارا وأردفت وهي تصيح:
+
– أنتي دكتورة جامعة أنتي؟.. دكتورة في إيه يا ختي بالظبط؟.. بتدرسي لهم إيه؟.. إزاي يخربوا البيوت ويخطفوا الرجالة؟.. مش مكسوفة على دمك ولا على سنّك.. يا مرضعة ابليس يا حيزبون يا………
+
لتقاطعها يد عبد العزيز التي جذبتها بقوة لترتفع يده الأخرى وتهوى على وجهها في صفعة قوية أدمت شفتيها لتشهق ألما ولكن سرعان ما تحولت شهقة الألم لصرخة فزع قوية وهي تسمعه يصرخ عاليا بغضب مستعر:
+
– أنت طالق يا عفاف.. سامعه؟.. طالق.. طالق.. طالق!!!!!!!!!!!!!
+
– يتبع-
+


