رواية قارئة الفنجان الفصل الرابع 4 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf

قارئة الفنجان
+
الفصل (4)
+
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
+
كانت منهمكة على حاسوبها الشخصي تنهي العالق من أعمالها حينما سمعت صوتا حانيا يقول بالقرب منها:
+
– ايه يا نادو يا حبيبتي، خضتيني عليكي؟.. بقالي مدة بخبط على الباب وما ردتيش!!!..
+
رفعت رأسها من أمام شاشة الحاسوب وابتسمت وهي تخلع نظارتها الطبية وتضعها جانبا فوق سطح طاولة حاسوبها، قبل أن تجيب والدتها وهي تفرك بيديها الصغيرتين عينيها:
+
– معلهش يا ست الكل، كنت مركزة أوي في الشغل اللي بعمله فما سمعتش..
+
كريمة بحنان أمومي فياض وهي تميل على ابنتها تداعب خصلاتها السوداء الناعمة المنفلتة من عقدة شعرها المحكمة:
+
– يا بنتي بالراحة على نفسك شوية، مش كدا، المهم… ياللا عشان نتعشى، وفيه مفاجأة ليكي على العشا…
+
قطبت ندى واستفهمت بابتسامتها الرقيقة:
+
– مفاجأة؟!!!.. مفاجأة إيه يا ماما.. خير إن شاء الله؟!!!..
+
كريمة بحماس جعل بؤبؤيها يلمعان بشدة:
+
– فاكرة طنط دولت؟..
+
تعبير تائه احتل وجه ندى لتردف والدتها بحماس أكبر:
+
– طنط دولت مامت رشا ولؤي، جيراننا اللي كانوا ساكنين في الفيللا اللي قودامنا قبل ما يهاجروا مع أونكل فاضل لأمريكا!!!.
+
ندى بعد أن بدأت تتذكر هذه الأسماء وأصحابها:
+
– آه.. آه.. افتكرت، بس دول مهاجرين من زمان يا ماما تقريبا أنا كنت في أولى ثانوي وقتها؟!!
+
كريمة مؤكدة على كلام ابنتها:
+
– أيوة يا حبيبتي، رشا قدّك ولؤي كان في ثانوية عامة وسافروا بعد نتيجته على طول، هو هناك درس إدارة أعمال والحمد لله ربنا وفقهم بعد ما والده كان شغله هنا مش ماشي كويس، اتفق مع أخواته يسافر هناك ويفتحوا فرع لشركته هناك وهو اللي مسكه، ودلوقتي لؤي ابنه اللي ماسك فرع الشركة بعد ما عمك فاضل تعب وعمل عملية قلب مفتوح والدكاترة أمروا بالراحة التامة ليه..
+
ندى بغير فهم وابتسامة متسائلة:
+
– إيه دا يا كرملة.. إنت عملتي عليهم تحريات ولا إيه؟.. وبعدين مالي أنا ومال اللي بتقوليه دا؟..
+
كريمة بلهفة غريبة عليها:
+
– مالك إزاي بس؟.. انتي ناسية انك كنتي انتي ورشا أصحاب الروح بالروح؟.. دا أنا ما صدقتش نفسي لما شوفت دولت بالصدفة في النادي انهرده الضهر، كانت وحشاني أوي..
+
ندى وهي تنهض من مكانها لتقف أمام والدتها وهي تقول ببساطة:
+
– أولا أنا ورشا عمرنا ما كنا أصحاب!!… بالعكس بقه دي كانت بتنتهز أي فرصة عشان تضايقني، يمكن لؤي هو اللي كان طيب معايا، بس علاقتي بيهم مش أوي يعني، انما طنط دولت طول عمرها بتحبك وعلاقتكم زي الاخوات بالظبط، دا حتى طمطم كانت على طول تقولك “أنا حاسة انها هي اللي أختك مش أنا!!”….
+
ضحكت كريمة وقالت بعتاب مرح:
+
– يا بنتي طمطم دي تبقى خالتك، فينك يا أنور تيجي تسمع، بقه فاطيما الاسم اللي كله دلع ما لاقيتيش الا طمطم تدلعيها بيه؟!!
+
ندى بسخرية مرحة:
+
– أنور!!!.. دا مش بيقولها غير طماطم!!!.. ولما بيحب يرخّم أوي عليها بتبقى أُوطة!!.. وبعدين طمطم كدا تحسي أنها واحدة من سننا مش هكبرها وأقولها آنتي يعني!!!!
+
كريمة وهي تنهي النقاش:
+
– المهم اتفضلي غيري هدومك عشان الضيوف اللي جايين لنا ع العشا انهرده..
+
رفعت ندى حاجبها الأيمن ونظرت الى أمها بريبة وهي تقول بتوجس:
+
– مش عارفة ليه يا كرملة شامّه ريحة حاجة مش مرياحاني؟!!!
+
كريمة وهي تتهرب من عيني ابنتها الحادتين وبصوت يحمل رنة تردد خفيفة:
+
– ريـ.. ريحة!!.. ريحة إيه دي ان شاء الله؟..
+
ندى وهى تدنو من والدتها وتحيط كتفيها بذراعها الأبيض النحيل:
+
– أصله غريبة يعني، ما طول عمرك أصحابكم بتعزموهم وأنا مش لازم أكون موجودة، ايش معنى دلوقتي يعني كرم الضيافة الحاتمي دا؟.. يعني أنا أعرف انك تعزمى عليهم بالعشا، بالحلو، مش ببنتك؟!!!!
+
لتنال صفعة خفيفة على يدها شهقت بعدها وهي تبعد يدها عن والدتها الي رمقتها بتأنيب فيما هي قطبت بحنق، قالت أمها بجدية تمارسها فقط حين تريد ندى أن تنصاع لرغبتها:
+
– ندى.. بقولك إيه.. ضيوف وجايين على العشا وبنتهم قدك… هتنزلي تقابليهم وتقضي السهرة معنا، ودا أمر مفروغ منه…
+
ثم استدارت وتركتها وما إن غابت خلف الباب الذي أوصدته خلفها حتى زفرت ندى بتأفف بالغ وهي تتمتم بنزق:
+
– ماشي يا ست ماما، عارفاكي أنا لما بتحبي تخليني أنفذ حاجة بتستخدمي منصبك كأم!!!..
+
لتسكت لثوان وتتابع بعدها وهي ترفع يدها اليمنى التي رفعت منها الخنصر والبنصر والوسطى في حين ضمت السبابة والابهام وكأنها تقسم قسما غليظا:
+
– بس عارفة لو الموضوع فيه عريس… أنا مش هسكت، أنا مش فاهمه.. عاوزين يجوزوني إزاي.. وأنا أصلا متجوزة؟!!!!!!!!!!…
3
ثم حانت منها التفاتة الى صورة ببرواز فضي موضوع على الطاولة أمامها فرفعته ليطالعها وجها رجولي وسيم، مررت سبابتها على تقاسيم وجهه التي أمامها، بدءاً من شعره القصير الأسود المجعد ثم عينيه الضاحكتين بلونهما البندقي، ونزولا على وجهه النحيل وفكه العريض المغطى بشارب خفيف، وأنفه المرتفع علامة الشموخ والأنفة والذي كان كثيرا ما يثير استفزازها وهو يشاكسها به بأنه يمتلك أنفا أكبر من أنفها هي الصغير الرقيق!!..
+
همست ندى تخاطب الصورة وقد غشت عينيها غلالة رقيقة من الدموع:
+
– هما ليه مش عاوزين يفهموا إنك عايش؟.. حبيبي أنا مش مجنونة والله، كل الحكاية إنك سبقتني وأنا هحصلك، الموضوع سهل وبسيط، فاكرين أنا مش فاهمه رعبهم كل ما بجيب سيرتك؟.. يوم عيد ميلادك شوفت رنا وأنور في المطعم بتاعنا، وعملت نفسي مش واخده بالي، لأني بردو مقدره قلقهم عليا وحبهم ليا، أنا لما بروح الاماكن اللي فيها ذكرياتنا سوا بجدد الذكريات دي، أيامنا مع بعض محفورة جوايا وعمرها ما هتموت، أنا كل اللي بطلبه أنه زي ما أنا بحترم وبفهم خوفهم وقلقهم عليا أنا كمان عاوزاهم يحترموا رغبتي، أنا مش مجنونة.. أنا واحدة بتحب جوزها جدا، وربنا أراد إنك تروح له قبلي، إحنا كلنا في نفس الطريق، قطر واللي بييجي محطته بينزل، وأنا مستنية محطتي، وعاوزة لما أنزل ألاقيك مقابلني وأنت فاتح لي دراعاتك، عاوزاك تاخدني في حضنك اللي أنا ما لحقتش أشبع منه في الدنيا، وبدعي ربنا في كل وقت إني أكون زوجتك في الآخرة… أنا صحيح مراتك بس بالاسم في الدنيا، يدوب كان مكتوب كتابنا، لكن ما تتصورش أنا بحمد ربنا قد إيه أنه ما اختاركش إلا وأنا شايله إسمك، عشان أكون زوجتك في الدنيا والآخرة بإذن الله..
1
ثم رفعت البرواز في مواجهتها وقربته من وجهها لتطبع بشفتيها الصغيرتين قبلة عميقة على صورة حبيبها قبل أن تنزل البرواز وتضعه مكانه وهي تردف بابتسامة من بين دموعها التي خضبت وجنتيها العنبريتين:
+
– عن إذنك بقه يا قلبي، هروح أجهز عشان حماتك مستحلفالي….
+
ثم قبلت سبابتها وطبعتها على صورته وهي تتمتم بحب خالص:
+
– بحبك…
+
لتتسع ابتسامتها وقد خيّل اليها أن ابتسامة حبيبها قد كبرت وأن عينيه تبرقان بحبها تماما كحالها، وابتعدت بعدها لتستعد لاستقبال الضيوف وهي تجدد عهدها لحبيبها في نفسها أنها أبدا لن تكون لسواه.. وأن قلبها لن ينبض بحب آخر غيره!!!…..
+
*****************************************
+
وقف ينفخ دخان سيجارته في الشرفة وهو يستند بقدمه اليمنى على حافة السور السفلى فيما يضع يده اليسرى فوقه بينما اليمنى فهي تمسك بين أصابعها بسيجارته التي يحترق رمادها فيما هو بعيد آلاف الأميال بعقله، صوت صديقه أيقظه وهو يناوله قدح القهوة السريعة قائلا:
+
– اتفضل يا صاحبي، ماج نسكافيه محدش يعرف يعمله إلا أنا..
+
ارتفع طرف شفة يوسف العليا فيما يشبه الابتسامة وقال وهو يعتدل في وقفته مادا يده ليتناول قدحه:
+
– شكرا يا أنور…
+
ومجّ نفسا عميقا من سيجارته، قطب أنور قبل أن يجلس على المقعد الخيزران الموجود بالشرفة وسأله:
+
– مالك يا جو؟..
+
يوسف بلا تعبير:
+
– ما فيش..
+
أنور بتصميم:
+
– مافيش حاجة اسمها ما فيش!.. من يوم المؤتمر الصحفي وانت متغيّر، وبالتحديد من ساعة ما عرفت عن ندى ومعتز الله يرحمه… صاحبي ومش هتوه عنّك..
+
زفر يوسف بضيق ثم سار ليجلس على المقعد الخيزران الآخر المقابل له ومال أمامه ليضع قدح قهوته على الطاولة التي تفصل بينهما فوق سطح الزجاجي، ثم أجاب بلا مبالاة زائفة:
+
– وأنا قلت لك ما فيش، ومش متغير ولا حاجة، يمكن وقتها استغربت بس من الحكاية اللي حكيتهالي لكن بعد كدا خلاص، الموضوع اتنسى من دماغي..
+
مال أنور على الطاولة التي تفصلهما وقال برفعة حاجب متشككاً:
+
– بجد؟… مش عارف ليه مش مصدقك؟!!!..
+
نفخ يوسف بضيق وقد بدأت عصبيته في الظهور ونادرا ما يحدث فهو دائما وأبدا لا يفارقه قناع البرود واللامبالاة وهتف بحدة خفيفة:
+
– عاوز إيه يا أنور بالظبط؟.. ماشي يا سيدي أنا هريّحك.. آه.. بنت خالتك شغلت بالي، ومش عشان حاجة.. لكن لأني مش مصدق.. معقولة بنت في جمالها وشبابها تدفن كل دا عشان ذكرى واحد ميّت؟!!!
+
قبل أن يتثنى لأنور الكلام رفع يوسف يده ليوقفه وأردف بجدية:
+
– معلهش يا أنور مش قصدي، أنت عارف أنا كنت بعز معتز أخوك الله يرحمه أد إيه وبحترمه، كان أخويا بالظبط زي ما كان أخوك، لكن معقول فيه وفاء وإخلاص بالشكل دا؟!!..
+
أنور بابتسامة صغيرة:
+
– لأنه حبهم كان أقوى حتى من الموت!!!
لا يعلم يوسف لما هذا الشعور بالضيق المفاجئ الذي داهمه ما إن سمع عبارة أنور، لينهض واقفا ويقول بابتسامة ساخرة:
+
– لا وانت الصادق، دا جنون رسمي!!… واحدة موقفة حياتها كلها على ذكرى واحد ميّت مهما كان اللي مات دا وهو عايش كان بالنسبة لها إيه، العمر أقصر مما نتخيل يا أنور، وفي لحظة كله بيروح، يبقى ليه أضيّع أيامي كلها في بكا وحزن على حاجة عمرها ما هترجع تاني….
+
أنور باستفسار يحمل بعضا من السخرية:
+
– وفي رأيك المفروض تعمل زيّك مش كدا؟… ، همّ يوسف بالكلام ليقاطعه أنور مردفا بجدية بالغة:
+
– انت كمان جربت انت تفقد انسان عزيز عندك، ودوقت مرارة دا، والدك ووالدتك وأخواتك، فعملت إيه؟.. بقيت تاخد من الدنيا اللي تقدر عليه، وحجتك في دا انه العمر قصير، مش عاوز تتجوز ولا تحط إيدك في إيد عيلة وتناسبها عشان مسيرك هييجي عليك يوم وتسيبهم يبقى ليه توجع قلوبهم عليك، مش كدا يا صاحبي؟…
+
نظر اليه يوسف بغموض فيما أكمل أنور بزفرة عميقة:
+
– عارف يا جو.. انت وندى وجهين لعملة واحدة، بس للأسف كل واحد منكم بيتعامل مع الموضوع من وجهة نظر عمس التاني خالص، هي زهدت في دنيتها وعاشت تتمنى اليوم اللي هتحصل فيه معتز، وانت طنشت كل حاجة وبقيت عايش لنفسك وبس، اللي انت عاوزه بتعمله، ومش مهم عندك أي حاجة، مش هقول انك بتوعد ولا بتكدب بالعكس انت صريح جدا مع نفسك ومع غيرك، بس صدقني مهما كان في قلوب بتدوس عليها ومشاعر بتجرحها، أنا فقدت أبويا الله يرحمه وبعده بكم سنة أخويا، لكن ايماني بربنا خلّاني أكمل وأحاول أعمل توازن في حياتي، يمكن ما نجحتش أوي لكن بحاول.. انت بقه..
+
قاطعه يوسف بحدة مكتومة:
+
– انا بقه زي ما قلت بالظبط، مهما عشنا عمرنا قصير، يبقى استمتع بكل دقيقة تمر عليا طالما مش بجور على حق حد ولا بخدع حد، واللي بيتخدع أو قلبه بيتداس زي ما قلت هو اللي بيخدع نفسه.. مش أنا اللي بخدعه!!..
+
زفر يوسف بعمق ثم تابع بجدية:
+
– شوف يا أنور، نصيحة مني، عرّف بنت خالتك انه اللي بيموت عمره ما بيرجع تاني، اعمل معروف فيها وخليها تفهم كدا كويس أوي، مهما عملت عمرها ما هتقدر ترجع ولا يوم من أيامهم سوا، خلّيها تفوق لنفسها، وبلاش دور الشهيدة اللي هي عايشة فيه دا، وعشان تبقى عارف لو كانت الاول لفتت نظري زيّها زيّ أي بنت حلوة، لكن بعد اللي عرفته عنها فتأكد أني شيلتها من حساباتي نهائيا، أنا مش غبي زيّها عشان أضيع ولو ساعة من عمري بفكر في واحدة عايشة في الماضي… لو في إي احساس جوايا من ناحيتها يبقى مش أكتر من شفقة على واحدة غلبانة، عن إذنك!!!!!…
1
وترك أنور خلفه وهو مصدوم من انفجاره الناري ودلف خارجا من الشرفة وما هي الا ثوان حتى سمع أنور باب غرفته وهو يصفع بقوة دليلا على أن يوسف قد غادر منزله، فنفخ بضيق وتنهد عميقا قبل أن ينهض بدوره وقد عزم على اللحاق برفيق دربه فهو يعلم أين يجده وهو في هذه الحالة التي نادرا ما يراه عليها.. فهو لا ينزع عنه قناع القسوة والصلابة والجمود إلا في أوقات نادرة جدا ومن الواضح أنه الآن يمر في وقتا من هذه الأوقات!!!!..
+
******************************************
+
دلفت ندى الى غرفة الجلوس فسكت الجميع لتتكلم والدتها بحبور وهي تشير الى ندى بالتقدم قائلة:
2
– أهي نادو جات أهي..
+
تقدمت ندى لمصافحة دولت التي صافحتها بحب وابتسامة صافية جعلتها تشعر بالود ناحيتها فورا، بينما رشا فقد صافحتها بأطراف أصابعها وابتسامة باردة تحتل وجهها بينما تنظر اليها من أعلى رأسها المغطى بوشاح رمادي بتطريز أصفر على حوافه مرورا بفستانها القماشي باللون الرمادي المطبوع عليه أزهار كبيرة باللون الأصفر بينما ترتدي فوقه سترة صيفية ذات أكام طويلة باللون الرمادي الداكن من قماش الجينز، ولم تضع أية زينة باستثناء الكحل الأسود الخفيف، واكتفت بساعة يدها الجلدية البيضاء كحلِّية، الى أن وصلت الى قدميها الصغيرتين المختبئتين داخل حذاءا صيفيا خفيفا باللون الفضي…
+
فيما كانت تبادلها النظر بالمثل، بداية من شعر رشا الأصفر الذي يصل الى كتفيها الظاهرتين من أسفل بلوزة بدون أكمام باللون الأزرق الداكن محكمة على نصفها العلوي بالكاد يغطي خصرها ثم بنطالا باللون الأبيض محكم التفاصيل على ساقيها، وكأنه جلد ثان لها، وحذاءا صيفيا ذو كعب رفيع عال يضيف الى طولها ما لا يقل عن عشرة سنتيمترات، لترفع عينيها الى وجهها فتطالعها زينة وجه الأخيرة والتي جعلتها أشبه بدمية ملونة، واضطرت الى الابتعاد قليلا حينما داهمتها رائحة عطر ثقيل يزكم الأنوف!!!…
+
ما إن ابتعدت ندى عن رشا حتى اصطدمت عيناها بعينين بلون العسل الصافي، وابتسامة تحتل وجه رجولي أقل ما يقال عنه أنه.. وسيم، فسريعا ما غضت ندى بصرها واكتفت بإيماءة خفيفة من رأسها في تحية صامتة له ففهم هو وبالتالي لم يمد يده لمصافحتها منعا من إحراجها وإحراج نفسه عندما ترفض مصافحته!!!..
+
أشار لها والدها لتحتل المقعد المجاور له، بدأ الكلام ببعض الأحاديث الخفيفة حتى حضرت سميرة تخبر كريمة بأنه قد تم إعداد مائدة الطعام، فنهضوا جميعا لتناول طعام العشاء…
+
بعد الانتهاء من الطعام والذي تم وسط حديث عن العمل وآخر مستجدات السوق، وقد انخرطت ندى في الحديث مع لؤي والذي شعرت أنه عقلية عملية فذة، لتتبادل دولت وكريمة النظرات الفرحة والابتسامات المتفائلة….
1
أثناء عودة لؤي ووالدته وشقيقته التي كانت تشعر طوال الأمسية بأن الوقت يمر ثقيلا عليها قطعت دولت الصمت السائد وحدثت ابنها الجالسة بجواره فيما كان يقود هو عائدا بهما الى قصرهم المنيف:
+
– إنما إيه رأيك في ندى يا لؤي؟..
+
لؤي بابتسامة جانبية وهو يختلس النظر الى أمه قبل أن يعيد انتباهه الى الطريق ثانية:
+
– رأيي فيها من أي ناحية بالظبط يا أمي؟..
+
دولت ببساطة:
+
– يعني أنا حاسة أنه البنت عاقلة وهادية ورزينة، دا غير انها جميلة وصغيرة ومن عيلة كبيرة و…
+
لتقاطعها رشا الجالسة في المقعد الخلفي هاتفة بحنق وهي تشير بيدها:
+
– إيه.. إيه يا مامي كل دا؟.. دا ناقص تشعري فيها؟…
+
لؤي بهدوء:
+
– وإيه اللي مضايقك أوي كدا يا رشا؟…
+
هزت رشا كتفيها بلا مبالاة وأجابت ببرود زائف:
+
– وأنا إيه اللي هيضايقني يعني؟.. أنما حاسة أنها أوفر أوي بصراحة، شوف ستايل لبسها ولا كلامها، She is not the girl that I want my big brother to marry!!
+
ضحك لؤي وقال بدهشة:
+
– إيه يا بنتي؟.. بنت مين دي اللي مش عاوزاني أتجوزها؟.. ندى!!.. دا على أساس أنك شايفاني كنت واخدكم ورايح أخطبها؟!!!
دولت بجدية وهي ترمق ابنتها القابعة بغيظ في الخلف:
+
– ومالها ندى؟.. وبعدين أنا عاوزة أعرف أنتي مالك بيها؟.. البنت ما تتعايبش بصراحة..
+
أنهى لؤي الجدل الحاصل أمامه بقوله الحازم:
+
– ماما هو احنا كنا رايحين عشان نجدد العلاقات مع مدام كريمة وعز بيه والا عشان أشوف بنتهم إذا كانت تنفع عروسة ولا لأ؟!!!
+
هتفت رشا وهي تتقدم في جلستها لتخرج برأسها بين أخيها وأمها:
+
– Right.. Loay, u ‘ve got it!!
+
لؤي من بين أسنانه:
+
– رشا… احنا مش في نشر الاخبار كل شوية تنطي تعلقي، وبعدين الموضوع واضح جدا، والنظرات اللي كانت بينك يا ماما وبين طنط كريمة وانتو شايفيني أنا وندى بنتكلم، هي اللي كشفتكم على فكرة..
+
دولت باحباط:
+
– إيه دا؟.. يعني مش عاجباك؟.. يا بني أنت عندك 35 سنة هفرح بيك أمتى؟.. واحنا في أمريكا انت كنت رافض تتجوز خالص وبتقول مش هتتجوز غير من بنت بلدك، وما صدقتش نفسي لما شوفت كريمة في النادي وعرفت أنه ندى مش متجوزة، وبصراحة البنت أول ما شوفتها دخلت قلبي على طول..
+
لؤي بفضول لم يستطع كتمانه:
+
– بس غريبة يا ماما، عروسة بالمواصفات دي كلها ولغاية دلوقتي ما ارتبطتش حتى، ليه؟..
+
تنهدت دولت بعمق قبل أن تجيبه بحزن:
+
– يا عيني عليها يا حبيبتي، اتخطبت لابن خالتها، كانوا يدوب كاتبين كتابهم من وقت بسيط لما عمل حادثة فظيعة وربنا افتكره، كريمة بتقولي أنها قعدت تتعالج من انهيار عصبي فترة طويلة جدا…
1
أصيب لؤي بالدهشة مماس معه لتختفي الدهشة ويحل بدلا منها التفكير العميق، فمن الواضح أن ندى شخصية مليئة بالمفاجآت!!!….
+
قاطعهم صوت رنين هاتف دولت الشخصي التي سرعان ما أجابت لتجد أن المتصل فاضل زوجها والذي كان قد آثر المكوث في بلدته الريفية قليلا هناك في مزرعتهم فجو المدينة بالنسبة له خانق خاصة وقد أمره الأطباء بالجلوس في هواء صحي بعيدا عن عادم السيارات والهواء الملوث، فكان أن عادت دولت وولديها من الريف تاركين فاضل ولكن قد عزمت دولت الى العودة اليه سريعا ولكن مقابلتها لكريمة وظهور ندى والتي تحمست لها كعروس مرتقبة لإبنها جعلها ترجئ أمر سفرها لزوجها قليلا…
+
تبادلت دولت معه بعض الكلمات ثم مررت الهاتف للؤي والذي اطمئن على صحة والده وأن الممرض الذي وظفه للبقاء مع والده والعناية به على مدار اليوم يقوم بعمله جيدا، ثم أعطى الهاتف لرشا التي تدللت عليه كعادتها وطلبت منه في المرة القادمة وطلبت منه في المرة القادمة لمجيئها الى المزرعة أن يسمح لها بالتريض على ظهر الخيل، فلديهم بالمزرعة حظيرة للخيول فأخيها وأبيها من هواة الخيول العربية كما أن أخيها قد تقلّد ميداليات عديدة في حقل ترويض الخيول ونافس فيها مدربين مشهورين على مستوى العالم، كما أنها هي أيضا على دراية كافية بركوب الخيل ولكن والدها رافض معللا ذلك بأنها في منطقة غريبة عنها ولا تعلم جيدا الأماكن، فسمح لها بالتنزه فوق الخيل في حدود المزرعة فقط وعدم تخطي حدودها..
+
وصلوا الى قصرهم ليطلق لؤي زمور السيارة فيسارع رجل الأمن بفتح البوابة الحديدية الضخمة، لينطلق لؤي الى الداخل حيث التف حول نافورة كبيرة تحتل المساحة الأمامية أمام القصر ليقف أمام الباب الداخلي له ويرتجل من السيارة فيساعد والدته وشقيقته على النزول بينما هرع أحد حراس الأمن المنتشرين في الحديقة الكبيرة وتناول مفاتيح السيارة ليهتم بوضعها في موقف السيارات الخاص في الباحة الخلفية من القصر…
+
ما إن دلفوا الى الداخل حتى هرعت إحدى الخادمات ترحب بوصولهم في انتظار أوامر سيدتها الكبيرة التي صرفتها بابتسامة بسيطة، لتتجه الى الدرج حيث غرفتها بالاعلى هي ورشا فيما اتجه لؤي الى غرفة مكتبه بالطابق السفلي لمتابعة بعض الأعمال العالقة..
+
ما إن انفرد لؤي بنفسه حتى جلس الى حاسوبه الشخصي وشرع بالاطلاع على سير العمل من خلال البريد المرسل اليه على بريده الاليكتروني، فهو قد كلّف أحد أكفأ مُدرائه بالهتمام بفرع الشركة في أمريكا، ولكن هذا لا يمنع أن يكون على اطلاع بكل شيء يحدث هناك..
+
كان يقرأ في رسائله على بريده الاليكتروني حينما قفزت صورة ندى من حيث لا يدري أمامه، ليشرد في أحداث الأمسية، لا ينكر أنها قد استطاعت جذب نظره من الوهلة الأولى، فلباسها المحتشم مع شخصيتها العملية وابتسامتها الهادئة وثقتها الكبيرة في نفسها إضافة الى ثقة وفخر والديها بها وهو ما لمسه أثناء حديث والدها عنها أو من نظرات والدتها الحانية لها، كل هذا استطاع جعله يلتفت وبقوة لها، ولكن الأمر لم يصل الى حد الزواج، قد تكون لفتت نظره كشخصية آسرة، ولكن لا يزال الوقت مبكرا للغاية للقول أنها مناسبة له كزوجة، ليهز برأسه بعدها بابتسامة محاولا التركيز على ما أمامه من عمل منتظر….
+
**************************************
+
– كنت عارف ومتأكد إني هلاقيك هنا…
+
نظر يوسف خلفه الى أنور الذي تقدم منه وهو يضع يديه في جيبي بنطاله الجينز، سحب في يده كرسيّا خشبي وضعه أمامه وهتف قائلا:
+
– السحلب بتاعي يا روءة..
+
ابتسم يوسف ومال ليطفأ سيجارته في المطفأة المعدنية الموضوعة على الطاولة الخشبية التي تفصل بينهما ليميل عليه أنور قائلا بظفر وهو يغمزه:
+
– عشان تعرف بس اني أقدر أقرا أفكارك..
+
هز يوسف رأسه بيأس من صاحبه وقال بنصف ابتسامة:
+
– ماشي يا أبو العريف… يعني مش هعرف أهرب منك؟..
+
أنور بابتسامة غرور:
+
– للأسف.. ما تحاولش…
+
ضحك يوسف، ليقاطعهما صبي المقهى وهو يضع طلب أنور هاتفا بحبور:
+
– وعندك واحد سحلب أبيض من الصيني بعد غسيله للأستاز أنور وصلّاحوووو…
+
ضحك أنور وقال:
+
– تُشكر يا زوء..
+
رفع فاروق الصبي ذو الخامسة عشر عاما يده فوق رأسه محييا أنور بابتسامة عريضة ثم انصرف سريعا لتلبية نداء أحد الزبائن…
+
التفت أنور الى يوسف وقال:
+
– ها… وصلت لفين؟…
+
سحب يوسف نفسا عميقا من سيجارته قبل أن يلقي برمادها في المطفأة المعدنية أمامه وأجاب ببروده المعهود:
+
– ولا لأي مكان…
+
ابتسم أنور وعلق وهو يتابع منظر الناس الذين يسيرون حولهم في تلك المنطقة الشعبية الذاخرة بالسكان والمليئة بعبق التاريخ:
+
– عارف يا جو.. أجمل مكان ممكن تنسى فيه نفسك وأي حاجة مضايقاك هنا..
+
يوسف وهو يطالع المكان من حوله بتأكيد على كلامه:
+
– الفيشاوي مش مجرد قهوة عادية ولا الحسين مجرد مكان جميل، لا… أنا هنا بحس أني في مصر بجد، بشمّ ريحة التاريخ في الهوا… بحس أني في قلب مصر.. بأهلها وناسها الجدعان الطيبين…
+
أنور بمرح:
+
– طيب يا حضرة المخرج الهمام، هنبتدي أمتى تصوير الكليبات بتاعت الاعلانات لمجموعة الندى؟… المسابقة بتاعت أجمل موديلز أعلنا عنها فعلا، واتقدم لنا بدال الواحدة 100 واحدة، وبإذن الله عاوزين نصفيهم في يوم!!
+
يوسف بهزة كتف:
+
– ماشي.. إحنا ورانا إيه يعني، بكرة نكون استقرينا على الموديلز ونبتدي الشغل من بعد بكرة على طول إن شاء الله….
+
أنور بحماس:
+
– تمام… هو دا الكلام..
+
يوسف ببرود ظاهري:
+
– ويا ترى غسّان هيحضر تصوير الاعلان؟..
+
ابتسم أنور بمكر وأجاب:
+
– امممم… مش عارف، لكن أنا بفكر أقول لندى… إيه رأيك؟..
+
نظر اليه يوسف من خلف سحب الدخان التي تدور بينهما وأجابه ببرود:
+
– إيش معنى يعني؟.. هتتصور مع الممثلين ولا إيه؟..
+
زفر أنور بضيق منه وخبط يديه في بعضهما هاتفا:
+
– انت مالك بيها بس؟.. لا يا سيدي.. أنا اللي عاوز أعرض عليها، حاجة جديدة.. إيه المشكلة يعني؟..
+
هز يوسف كتفيه بلامبالاة وقال:
+
– ما فيش مشكلة.. بس أنا بقولك أهو… شغلي خط أحمر.. مش عاوز حد يتدخل في شغلي.. مفهوم؟…
+
أنور بزفرة حانقة:
+
– اطمن يا حضرة المخرج الكبير، ندى مالهاش في شغل الاعلانات، مش بتدخل في شغل غيرها من الآخر، لو كانت بتتدخل كان من باب أولى اتدخلت في اختيار وكالة الاعلانات اللي هتنفذ لهم الحملة، لكن هي عندها فريق اعلامي للمجموعة… فارتاح من الناحية دي خاااالص!!!….
+
************************
+
بدأ أنور ويوسف في استقبال الوجوه الجديدة منذ الصباح الباكر، ومرت ساعات الصباح حتى انتصف اليوم ولم يستقرا على واحدة بعينها، زفر أنور بتعب وهتف بيوسف:
+
– وبعدين يا جو؟.. يا بني كل واحدة دخلت أحلى من اللي قبلها، مش عاجبينك في إيه عاوز أفهم أنا؟..
+
يوسف ببرود:
+
– كلهم وشّ على الفاضي، أنا عاوز واحده تخطف الكاميرا خطف…
+
زفر أنور بيأس قبل أن يضغط على زر الاستدعاء الداخلي آمرا مساعدته بإدخال آخر الموجودات بالخارج، ومنذ أن وطئت بقدمها عتبة الغرفة أيقن أنور أن صديقه لن يدعها تخطو بقدمها خارجا قبل أن توقع معه عقد العمل… فالنظرة على وجه يوسف أكدت له أن الأخير لن يدعها تمر عليه مرور الكرام، وتمتم في داخله:
+
– آه يا خوفي منك يا جو، شكلك كدا والله أعلم مع عقد الشغل هتخليها تمضي عقد الجواز العرفي!!!!!..
+
كانت “مايسة” وهذا هو اسمها أقل ما يقال عنها أنها فاتنة، أخبرتهما أن أمها أسبانية بينما والدها مصري، ولهذا اكتسبت البشرة البرونزية والشعر الأحمر مع عينين في لون الزمرد، بينما تمتلك جسد مصقول جعلها تشبه آلهة الجمال فينوس قديما عن الإغريق، كانت ترتدي فستانا يصل الى ما فوق ركبتيها باللون الأبيض محكم من الأعلى والأسفل، بأزرار عريضة من الأمام تنتهي تحت الصدر، وحزام جلدي أسود عريض على الوسط يحدد خصرها الدقيق، كما أطلقت شعرها الثائر لينسدل حتى نهاية كتفيها، واكتفت ببعض رتوش من الزينة فجمالها لا ينقصه أي زينة اصطناعية، وان طلت شفتيها بحمرة غامقة جعلت شفتيها شهيتين للناظر إليهما، وكان لصوتها بحة مثيرة وكأنها تتغنج في كلامها، بعد أن انتهت الأسئلة التقليدية قال يوسف والذي لاحظ اعجابها به منذ وطئت الغرفة بقدميها المخبئتين في حذاء مفتوح ذات سيور تصل لما أسفل الركبة بقليل وذو كعب مرتفع عال:
1
– مبدئيا أنا شايف انك مناسبة ، لكن لازم نعمل اختبار الكاميرا الأول..
+
وبالفعل اجتازت الاختبار الأخير بنجاح ساحق، لتقوم بعدها بتوقيع عقد العمل، قال يوسف بعدها وهو يشعل سيجارته:
+
– تمام، روح انت بقه يا أنور، شوف باقي التيم، ومن بكرة إن شاء الله هنبتدي التصوير، بلغ غسان وفريقه…
+
أنور وهو يعلم أن يوسف يريده أن ينسحب فقام على الفور وهو يغمز يوسف بخبث:
+
– تمام يا صاحبي، فرصة سعيدة يا مايسة وان شاء الله تنبسطي معنا..
+
مايسة بهزة رأس واثقة وبنظرة غرور تامة:
+
– ميرسي… وأنا متأكدة ان الشغل معكم هيكون مش ممل أبدا!!!!!
+
وهي تطالع يوسف من بين نظراتها الناعسة، ليبتسم الأخير نصف ابتسامة، فهتف أنور بالتحية وهو يغادر فيما مال يوسف الذي كان يجلس فوق حافة المكتب فيما جلست هي على المقعد أمامه:
+
– أنا عازمك على الغدا بالمناسبة دي..
+
مايسة بنظرة ناعسة:
+
– ودا أمر ولا طلب؟..
+
يوسف ببرود وهو ينفخ دخان سيجارته المشتعلة في وجهها:
+
– أول حاجة تعرفيها عني… أنا ما بطلبش!!!..
+
مايسة وهي تنهض من مكانها حتى كادت تلتصق به:
+
– امممم… يعني أمر؟..
+
همس يوسف بصوت رخيم وهو ينظر الى زمردتيها لا يكاد يفصل بينهما الا انشات بسيطة حتى أنه اشتم رائحة عطرها الفواح:
+
– ايه.. عندك مانع؟….
+
مايسة بجرأة زائدة وهي تميل بوجهها ناحيته حتى اختلطت أنفاسهما سوية:
+
– تؤ تؤ تؤ… حد يقدر يرفض أمر… لمديره؟… بيزنس إز بيزنس..
+
يوسف بجرأة مماثلة:
+
– بس دا مالوش دعوة بالشغل…
+
مايسة بهزة من كتفيها مجيبة ببساطة:
+
– امممم.. اوكي… نقدر نقول تعارف، وأنا معنديش مانع..
+
ليبتسم يوسف بثقل مجيبا:
+
– ماشي هنمشيها انهرده تعارف… بس بعد كدا….
+
لتسكته واضعة سبابتها بأظفرها المطلي بالأحمر الداكن على فمه هامسة:
+
– بعد كدا هيبقى بيننا عيش وملح و……
+
لتغمزه بطرف عينها بخبث مردفة بمكر:
+
– وحاجات تانية كتيييييير!!!!!!!!!
+
قبض يوسف على سبابتها وأزاحها جانبا قبل أن يقول ببروده المعهود:
+
– نبتدي الأول بالتعارف وبعدين نبقى نشوف….
+
كان أنور يتحدث في هاتفه الشخصي خارج المكتب حينما دلف يوسف خارجا مع مايسة ليطالعه أنور بذهول وقد نسي محدثه على الهاتف، ليشير اليه يوسف مودعا فانتبه أنور الى هاتفه فهتف وهو يهرول للحاق بيوسف:
+
– أيوة يا نادو، خلاص، أيوة عارفه، مسافة السكة هكون عندك… سلام…
+
كان قد وصل الى المصعد ليجد يوسف ومايسة في انتظاره، فابتسم لهما بينما قال يوسف ببرود ظاهري وكان قد استمع الى نهاية المكالمة:
+
– انت خارج ولا إيه؟..
+
أنور ببساطة:
+
– آه.. ندى مستنياني في إسبكترا Spectra- – اللي في (…….)..
+
ثم مال على أذن يوسف متابعا بهمس فيما يطالع مايسة من طرف خفي:
+
– ماشية معاك حلاوة يا عم، شكلك كدا هتروح سي- جل صح؟.. مالكش بصراحة الا سمك وجمبري واستكوزا، ما شاء الله دي عاوزالها وزارة الصحة بحالها!!!
وكزه يوسف بمرفقه في خاصرته فتأوه أنور لتنتبه مايسة فتقطب ناظرة إليهما قائلة بتساؤل:
+
– سوري!!!!
+
أنور بضحكة خافتة من بين تأوهاته المتألمة:
+
– …don’t worry!!.. لا تقلقي يعني خالص!!!!..
+
يوسف بغيظ مكتوم:
+
– ممكن تبطل خفة دمك دي يا ظريف..
+
قاطعهما وصول المصعد فتنحى يوسف جانبا ليدع مايسة تمر أولا، ابتسم أنور وقال وهو يهم بالابتعاد:
+
– طيب معطلكوش أنا بقه.. أنا بقول أنزل ع السلم وأهو رياضة بردو يعني..
+
لم يكد ينهي جملته إلا وكان يوسف قد سحبه من مرفقه ودفع به الى المصعد قائلا بحزم:
+
– ادخل وخلصنا…
+
وصل المصعد الى موقف السيارات بأسفل المبنى فخرجوا وتوجه يوسف وهو يدفع مايسة بخفة في ظهرها أمامه حيث سيارته بينما يسحب أنور بيده الأخرى!!.. همس له أنور بصوت منخفض:
+
– أنا دلوقتي عاوز أفهم.. انت شابك معايا أنا ليه؟.. ما كفاية الموززة اللي جنبك، إيه تكون عاوزني أشهد على عقد جوازكم؟!!!
+
يوسف بصرامة:
+
– اتلهي!!!..
+
ثم أردف بجدية:
+
– انت مش بتقول انك رايح Spectra؟..
+
أومأ أنور بالايجاب فيما قطب بحيرة ليتابع يوسف ببرود:
+
– يبقى طريقنا واحد، احنا كمان هنتغدى هناك!!…
+
أنور وقد وقف في مكانه رافضا التحرك منتزعا مرفقه من قبضة يوسف:
+
– ولو!!!… أنا هروح في عربيتي أنا حر يا أخي، محبش أكون عزول… ارتحت!!!..
+
ثم سارع بالابتعاد عنهما وهو يرفع يده مشيرا إليه هاتفا بصوت عال:
+
– سلام يا جو…. أشوفكم هناك إن شاء الله..
+
تمتم يوسف بشتيمة منخفضة من بين أسنانه ولم ينتبه من شروده إلا على لمسة ناعمة من يد مايسة التي مالت عليه تسأله بحيرة:
+
– فيه حاجة يا يوسف؟..
+
يوسف بهزة رأس نافية مواصلا سيره فيما يضع يده خلف ظهرها بخفة يحثها على مواصلة السير معه:
+
– لا.. أبدا، ما فيش…
+
ليقف أمام سيارته الفارهة ويفتح لها الباب المجاور لمقعد السائق فصعدت هي بأناقة وأغلق الباب خلفها ثم اتجه الى مقعد السائق حيث صعد إليه وما هي إلا ثوان حتى كان ينطلق بسيارته في طريقهما لتناول طعام الغذاء….
1
********************************
+
في وقت سابق من هذا اليوم…..
+
جلست ندى الى مكتبها تراجع بعض الأوراق الخاصة بالعمل، كان التجهم والجدية التامة يعلوان ملامحها الرقيقة، دقات تصاعدت على الباب لتصدر أمرها للطارق بالدخول، فدلفت رنا التي أوصدت الباب خلفها، ومع اقترابها من صديقتها كانت تستشعر شرارات الغضب المتطايرة منها، لتحين منها نظرة إلى أصابع الأخيرة فتفاجئ بها وهي تضرب على مفاتيح حاسوبها الشخصي بقوة غريبة عليها، فعلمت أن هناك خطب ما قد أصابها، لتبتسم وتدنو منها حتى إذا وقفت بجوارها قالت وهي تميل عليها:
+
– ممكن أعرف الجميل مكشّر ليه؟..
+
ندى من دون أن تحيد بنظرها عن شاشة حاسوبها:
+
– ما فيش، بس براجع شوية حاجات…
+
رنا والتي سحب الأوراق التي تمسك بها ندى بيد بينما يدها الأخرى تقوم بالكتابة على الحاسوب:
+
– معلهش الحاجات والمحتاجات دي سيبيها دلوقتي، وقومي معايا…
+
تأففت ندى ورفعت إليها عينيها وهي تعترض بحدة خفيفة:
+
– يووه يا رنا.. عندي شغل..
+
لتشهق رنا بقوة وهي ترى عيني ندى البنفسجيتين وقد استحالتا الى اللون الأحمر الدامي، وقد أحاطتهما هالات سوداء كبيرة، لترمي قناع المرح جانبا وتهتف فيها بحزم وهي تنتزعها انتزاعا من مكانها خلف مكتبها الماهوجني الضخم:
+
– إيه دا؟.. قومي معايا حالا يا ندى…
+
متأففة بحنق زائف أطاعت صديقتها، بينما في داخلها فهي تشكر رنا لتواجدها في اللحظة المناسبة!!..
+
بعد أن استقرت ندى في جلسة جانبية على الأريكة الجلدية السوداء العريضة، حتى سارعت رنا بالسير الى البراد الصغير الموجود بالزاوية وقامت بإخراج علبة عصير، ثم تناولت كأسا وعادت الى ندى، فتحت علبة العصير وسكبت قليلا منها في الكوب الزجاجي قبل أن تمد يدها به الى ندى التي شردت أمامها، نادتها بهمس حان عدة مرات قبل أن تهزها بشكل خفيف لتنتبه إليها، ناولتها الكوب التي أخذته ندى بابتسامة مرتعشة، رنا وهي تربت على كتف الأخيرة:
+
– مالك يا نادوش حبيبتي؟.. أول مرة أشوفك بالشكل دا؟..
+
مالت ندى الى الأمام لتضع كأس العصير على الطاولة المنخفضة أمامها قبل أن تجيب بصوت مهتز:
+
– مافيش يا رنا، تعبانه بس شوية..
+
رنا بتقطيبة قلق:
+
– تعبانة؟.. من إيه بعد الشر؟..
+
رفعت ندى أهدابا مبللة تكشف عن مقلتين سابحتين في غلالة من الدموع الشفافة قبل أن تتكلم بصوت خرج بالرغم منها مرتعشا فيما عضّت بأسنانها اللؤلؤية الصغيرة على طرف شفتها السفلى:
+
– ماما يا رنا… ماما!!!!
+
زادت تقطيبة رنا وهتفت بوجل:
+
– مالها طنط كريمة يا ندى بعد الشر؟…
+
ندى وهي تمسح عينيها بيدها كالأطفال:
+
– ماما.. اتخنقت معايا امبارح، وسمعتني كلام صـ…. صعب أوي يا رنا، أوووي!!!
وكأنها بعبارتها قد أعطت الإذن لدموعها بالانهمار، لتدفق غزيرة على وجهها، فسارعت رنا باحتوائها بين أحضانها وهي تهدهها مربتة على ظهرها، ابتعدت ندى قليلا عنها بعد ثوان وهتفت من بين دموعها وبكائها الحار وهي تشير الى نفسها:
+
– أنا.. أنا مش.. مش مجنونة يا رنا، والله ما مجنونة!!..
+
رنا وقد انقبض قلبها لهذيان صديقتها وبقلق شديد:
+
– فيه إيه يا ندى بس يا حبيبتي؟.. مين قال إنك مجنونة؟.. انت عاقلة وست العاقلين كمان..
+
ندى بهتاف حاد:
+
– ماما يا رنا، ماما قالتهالي، وانتو…
+
وسكتت مشيرة الى رنا بإصبع الاتهام لتشحب الأخيرة فيما تابعت ندى بلوم وعتاب كبيرين:
+
– انتو كمان يا رنا، بتتعاملوا معايا كأن مخي مش مظبوط..
+
رنا بنفي تام:
+
– مين قال كدا بس..
+
ندى بصياح وقد فرغ صبرها:
+
– أنا شوفتكم يا رنا!!!
قطبت رنا فيما واصلت ندى بقوة:
+
– شوفتك أنت وأنور يوم عيد ميلاد معتز، وما رضيتش أتكلم، عارفة ليه؟.. لأني قدرت خوفكم عليا، مارضيتش أتخانق معكم وكنت أقدر أخليكم تمشوا، لكن قلت لا.. أنا عارفة هتقلقوا عليا إزاي، فما يكونش المقابل انكم بدل ما تحترموا مشاعري تسخروا منها وتتهموني بالجنون!!!!
+
رنا وهي لا تفهم ما سبب انهيار ندى:
+
– يا بنتي مين قال اننا مش بنحترم مشاعرك بس؟…
+
حاولت تهدئتها فأردفت وهي تربت على كتفها:
+
– حبيبتي افهميني، احنا خايفين عليكي مش أكتر، يوم عيد ميلاد – وترددت لثانية وهي تنطق اسم حبيب صديقتها – الله يرحمه معتز.. كنا خايفين عليكي، خايفين تتعبي أو نفسيتك تتعب، ودا شيء وارد، كلنا عارفين معتز كان إيه بالنسبة لندى وندى كانت إيه بالنسبة لمعتز…
+
اتهمتها ندى ببحة بكاء:
+
– شوفتي انتي قلتي إيه؟.. كان!!.. ومعتز عمره ما كان ماضي بالنسبة لي، معتز هنا – وأشارت على قلبها – عايش جوايا، بحلم بيه كل يوم، بحكي له كل اللي بيحصل لي، بنتكلم وبنضحك سوا، معتز عايش مع ندى لغاية آخر نفس فيّا.. يا ريت تفهموا دا عشان ترتاحوا وتريّحوني… أنا تعبتّ!!!!!!!
+
رنا وهي تكاد تبكي لبكاء صديقتها:
+
– طيب معلهش إيه اللي حصل لدا كله؟..
+
ندى وقد بدأت تتمالك نفسها بعد انهيارها وبابتسامة تقطر مرارة وأسى:
+
– اللي حصل أنه امبارح ماما عزمت طنط دولت صاحبتها على العشا، وكان معها ولادها.. أنا كنت شاكة لما صممت إني أرحب بيهم، وبعد العشا خليتني أقعد مع لؤي ابن طنط دولت بحجة أنه يعرف السوق هنا في مصر ماشي إزاي، هو ماسك فرع شركتهم اللي في أمريكا، وعاوز يفتح أسواق جديدة هنا في مصر، الأول كنت شاكة بس بعد كدا لاقيت السهرة ماشية عادي وهو ما لمحش خالص بأي حاجة، بالعكس كل كلامه كان جد جدا وفي الشغل، لغاية بعد ما مشيوا من عندنا، وابتدت ماما بقه… ايه رأيك فيه؟.. ربنا يرزقك بعريس زيّه، كل اللي قلته وقتها إني مش محتاجة عريس لأن عريسي موجود فعلا!!.
+
رنا باهتمام ملحوظ:
+
– وبعدين يا ندى؟..
+
ندى وهي تمسح وجهها بمنديل ورقي تناولته من صندوق المناديل الموضوع فوق الطاولة أمامها:
+
– ولا قبلين.. لاقيتها بصيت لي بذهول وسألتني عريس مين دا؟.. قلت لها وأنا بضحك جرى إيه يا ماما.. هو معتز مش عريسي….
+
لتعود الدموع تملأ مقليتها ورفعت عينيها الى رنا تردف بحزن يقطع نياط القلوب:
+
– ما تتصوريش الكلام اللي ماما قالته ساعتها، عمري ما كنت أتصور أن ماما تبقى بالقسوة دي كلها عليّا، تصدقي انها أول مرة تصرخ في وشِّي جامد وهي بتقولي فوقي بقه معتز… – وارتجفت شفتيها وهي تنطق بكلمة والدتها – مات!!!!….
+
لتسيل دموعها ثانية في صمت وهي تتابع بينما سالت دموع رنا هي الأخرى حزنا على حال صديقتها الوحيدة:
+
– أنا.. أنا عارفة أنه مات، بس هو فارقني بجسمه بس، ليه مش قادرين يقتنعوا بدا، تتصوري أن ماما تقولي أني باللي بعمله دا كأني بعترض على مشيئة ربنا؟.. أنا يا رنا؟.. – وتشير الى نفسها بسبابتها متابعة في ذهول وتساؤل – أنا يا رنا أعترض على حاجة ربنا كتبها؟.. هو أنا يعني يا إما أوافق أني أكمل مع واحد هظلمه معايا وهظلم نفسي أنا كمان ومش بس كدا لا هخونه في كل دقيقة وأنا بقارنه بينه وبين معتز يا إما أطلع مجنونة وجاحدة وبغضب ربنا؟…
+
لتلتفت ناظرة أمامها وهي تهتف بقوة:
+
– يا ناس افهموا.. أنا عريسي موجود….
+
أعادت نظراتها الى رنا الباكية في صمت مردفة بإيمان عميق:
+
– معتز… زوجي في الدنيا والآخرة.. مستنيني هناك… وأنا وعدته… وعدته إني عمري ما هكون لواحد تاني غيره، المسألة بالنسبة لي مسألة وقت مش أكتر، وبدعي ربنا إنه لما الأوان ييجي أكون مستعدة، عشان أقابله في الجنة ان شاء الله، مش الشهيد بيروح الجنة؟.. ومعتز شهيد!… عشان كدا بدعي ربنا دايما بحسن الخاتمة… فهماني يا رنا؟.. أنا مش مجنونة… – ليرتعش صوتها في نهاية كلماتها – والله ما مجنونة ولا جاحدة ولا بعترض على إرادة ربنا!!!
+
لتنخرط في بكاء حاد فسارعت رنا لضمها بين ذراعيها، مربتة على كتفها، حتى إذا ما بدأت موجة البكاء الحاد بالانحسار همست قائلة:
+
– ندى حبيبتي، طنط كريمة مهما كانت أم.. أم خايفة على بنتها الوحيدة، ما تتصوريش هي كانت عاملة إزاي الفترة اللي كنت فيها في المصحة بعد حادثة معتز ربنا يرحمه، تخيلي حالة أم وحيدتها بتتعالج من انهيار عصبي في مصحة نفسية والانهيار دا خلّاها فقدت النطق!!!.. ست شهور يا ندى واحنا كل يوم نقول يا رب، ومامتك ما فارقتش المستشفى، حتى والدكتور مانع عنك الزيارة، كانت على طول ماسكة المصحف وبتدعي لك، وبالعافية لما كانت بترضى تروح مش عشان ترتاح لأ.. عشان تغيّر هدومها وترجع لك تاني، حتى أونكل عز… على أد ما كان منهار في الأول لكن اتماسك بسرعة، وأول ما ربنا عافاكي واتكلمتى من تاني سَجدِت شكر لربنا وهي بتغسل الأرض بدموعها، خوفها عليكي خوف طبيعي، خصوصا وهي بتسمعك بتتكملي عنه على أنه موجود، رعبها أنك بعد الشر عنك تمري باللي كنت فيه قبل كدا، ونفسها زي أي أم تفرح ببنتها وتشوفها عروسة في الكوشة…
+
ابتعدت ندى عنها وقالت بحزم:
+
– بس أنا عمري ما هكون عروسة لحد غير معتز!..
+
رنا وهي تحاول امتصاص غضبها وحزنها:
+
– طيب تفتكري لو معتز الله يرحمه كان عايش كان وافقك على اللي بتعمليه في نفسك دا؟..
+
ندى بعناد شديد:
+
– أنا ما بعملش حاجة، مالي؟.. ما انا عايشة أهو وبخرج وبشتغل وبتكلم وبضحك، ما دفنتَّش نفسي بالحيا زي ماما ما قالت لي، أنا كل اللي عاوزاه أني زي ما بحترم وبقدر خوفكم عليا، قدروا أنتو كمان مشاعري، وبلاش تجريح فيّا..
+
رنا بمواساة:
+
– طيب عشان خاطري بطلي عياط، وأونكل عز كان رأيه إيه؟..
+
ندى وهي تمسح وجهها براحتيها:
+
– بابا هو اللي نهى الكلام في الموضوع دا، قالها لسه أساسا ما فيش عريس اتقدم، وواضح أنه لؤي الموضوع مش في دماغه لأنه كان بيتكلم ويتعامل عادي، فمش هتتخانق ولسه ما حصلش حاجة… سكتت طبعا بس وهي متضايقة مني، لأني بعد كلام بابا قلت لهم ولو حصل واتقدم أنا رافضة، وطلعت أودتي بعد كدا وسيبتهم، وانهرده الصبح نزلت من بدري قبل ما أشوف حد فيهم، حاسيت بيهم بالليل وهما بيطمنوا عليا بس عملت نفسي نايمة…
+
رنا بابتسامة عاتبة:
+
– طيب شوفتي بقه؟.. يا بنتي إنتي عندك أحن أب وأم، صدقيني كل دا من خوفهم عليكي، كلنا هنموت يا ندى، دي محطة واللي بييجي وقته بينزل، فلازم نبقى صامدين ونعيش عمرنا زي ما ربنا أمرنا، معتز الله يرحمه مات شهيد ودا عزاء كبير أوي ليكي، “ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”.. صدق الله العظيم..
+
ندى بأسى:
+
– ومين كان السبب في اللي حصل؟.. مش أنا؟!!!!
+
رنا بحدة شديدة:
+
– استغفري ربك يا ندى دا يومه ” وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”..
+
ندى بزفرة أسى عميقة:
+
– أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم وأتوب إليه، أنا مش قصدي، لكن انتي ناسية انه يومها كان جاي عندي بعد ما كلمته وكنت تعبانة، الوقت كان متأخر وهو كان سهران في مكتبه الهندسي بيخلّص مشروع مهم، ولما سمع صوتي وقلت له إني تعبانة صمم أنه ييجي مع أني طمنته انه بابا جاب الدكتور وقال نزلة برد، لكن هو ما كانش مطمن، وهو جاي طلع عليه بلطجية نزلوه من العربية، وهو بيحاول يقاومهم ضربوا عليه نار، وهربوا، لو ما كنتش كلمته ما كانش هينزل ( أستغفر الله من كلمة لو )، لأنه كان ناوي ينام يسهر للصبح في المكتب..
+
رنا باعتراض:
+
– يا بنتي حرام، لو بتفتح عمل الشيطان، دا عمره، أجله وانتهى لحد كدا، لحد امتى يا ندى هتفضلي عايشة في دايرة الاحساس بالذنب دي؟…
+
ندى بحزن:
+
– أنا مش عايشة بإحساس بالذنب ولا حاجة، أنا عايشة معه هو، الوجع على فراقه جوايا زي الوشم بالظبط، الألم بيهدى لكن مش بيروح، وعمر الوشم ما بيروح… أنا بقضي حياتي يا رنا، بقول أيام بحاول أني أقضيها بما يرضي الله، عشان لما أموت عاوزة أكون معه في الجنة ان شاء الله..
+
هتفت رنا بانقباضة قلب:
+
– بعد الشر عنك يا ندى…
+
ندى بعينين دامعتين وشفاه ترتجف:
+
– وحشني أوي.. أوي أوي أوي يا رنا…
+
سارعت رنا باحتوائها بين ذراعيها لتنخرط ندى في بكاء حار يقطع نياط القلوب وقالت بصوت متقطع من بين شهقات نواحها الحاد:
+
– مش قادرة يا رنا، والله ما قادرة، بحاول ما أفكرش، تلات سنين يا رنا ومش مصدقة إني مش هشوفه تاني!!.. تعبانة أوي يا رنا.. اشتقت لحضنه أوي، حضنه اللي كان بالنسبة لي الأمان والحنان… اللي يشوفني بشتغل وبضحك يفتكر إني خلاص، نسيته، لكن ربنا العالم باللي جوايا يا رنا، وجع… وجع بيزيد مش بيقل، بدعي.. بدعي ربنا في كل وقت أنه يرحمه ويصبرني.. ادعي لي يا رنا بالصبر.. ادعي لي يا أختي..
+
لم تستطع رنا كبت دموعها أكثر من ذلك فانحدرت على وجنتيها ترسمان خطوطا لؤلؤية من دمعاتها الشفافة، حتى إذا ما بدأت شهقات ندى تخفت قالت بابتسامة خفيفة:
+
– حبيبتي، احنا ما نملكش دلوقتي إلا اننا ندعي له بالرحمة والمغفرة، صدقيني.. اللي بتعمليه دا أنا متأكدة أنه أول واحد هيعاتبك عليه معتز، ندى أنتي طول عمرك قوية، وأنا عارفة انتي أد إيه ايمانك قوي بربنا، ربنا عمره ما بيعمل حاجة الا ولها حكمة، احنا كبشر مش فهمنها، لكن دايما يكون عندك يقين.. إنه أمر المؤمن كله خير، وبعدين عايزة إيه أكتر من أنه الله يرحمه راح شهيد، شوفتي كرم من ربنا أكتر من كدا، اجمدي كدا بقه، أنا عارفة كله من لؤي.. وبعدين دا إسم دا؟.. الناس لما تسألك اسم جوزك إيه تردي تقولي لهم إيه؟.. لؤي!!!.. بذمتك دا إسم دا؟.. دا كاسفة مش إسم!!!
+
لتبتسم ندى من وسط دموعها، فناولتها رنا منديلا ورقيا لتتمخط فيه وتمسح دموعها، نظرت ندى إليها وقد ارتسمت إبتسامة صغيرة على وجهها وقالت بصوت مبحوح:
1
– أنتي بجد فظيعه، يعني من وسط اللي أنا فيه دا وقدرت تضحكيني!!!
+
ابتسمت رنا وقالت بثقة مفرطة:
+
– طبعا يا بنتي، مش أي أي ولا زي زي.. دا أنا رنا والأجر على الله!!!
+
ثم أردفت هاتفة بسخط مصطنع:
+
– بقولك إيه بقه… سيبينا من الموضوع دا، لما يبقى .. سي لؤي يتقدم لك وقتها يحلها الحلّال، وانتي لازم تصالحي بابا وماما، دول مالهومش غيرك يا نادو، ربنا يخليهوملك يارب..
+
ارتمت ندى في حضن صديقتها وهي تهتف بصدق:
+
– أكيد يا حبيبتي، أنا كمان ماليش إلا هما وإنتي، ربنا ما يحرمني منهم ولا منك يا أحن وأجمل أخت…
+
ابتسمت رنا قبل أن تبعدها عنها وتقول بجدية زائفة:
+
– ولا منك يا أجمل نادو، المهم.. قومي حضرتك وضبي شكلك كدا واغسلي وشّك عشان الأمة لله عازماكي على أحلى غدوة في أحلى مكان بتحبيه!!..
+
ندى بابتسامة صغيرة:
+
– لا مالوش لزوم..
+
رنا باعتراض مرح:
+
– لا والله ما ينفع، عليّا الطلبات لا انتي جاية يا شيخه.. هو احنا كل يوم يعني هنروح اسبكترا!!!
+
ندى بضحكة ضعيفة:
+
– ياااااه… اسبكترا مرة واحدة!!!
+
رنا بمرح وهي تشيح بيدها:
+
– ياللا.. ان شالله ما حد حوّش!!!
+
قاطعهما رنين هاتف ندى لتجد أن المتصل أنور والذي كان يتصل للاطمئنان عليها ولكن لفت انتباهه صوتها الذي لا يزال فيه أثر البكاء وصمم على رؤيتها فاضطرت لاخباره بأنها ستتناول غدائها في اسبكترا فأقفل معها وهو يؤكد أنه سيسبقهما الى هناك!!!!
+
نظرت ندى الى الهاتف في يدها وهي تقطب بحيرة في حين قالت رنا بسخط:
+
– قلتي له بردو!!.. يعني مينفعش أتهنى باللقمة يا ربي؟.. أهو ابن خالتك دا هيقف لي زي العضمة في الزور!!
+
لم تعلق ندى على كلامها فهزتها رنا تناديها لتلتفت اليها الأخيرة وهي تتساءل في ذهول:
+
– غريبة، عرف منين انك هتكوني معايا؟.. أنا قلت له أنا.. هتغدى!!..
+
رنا بعقدة جبين:
+
– ما سألتهوش ليه؟..
+
ندى بشرود:
+
– أنا لحقت!!!… قبل ما أسأله لاقيته بيقول لي وقبل ما تقوليلي احنا مين هقولك انتي وصاحبتك… ومش عاوزة لها ذكاء… ما هي أصلها عاملة زي خيالك منين ما تروحي في ديلك!!!!!!!
+
لتقفز رنا واقفة وهي تصيح بسخط منفعل واضعة يديها في منتصف خصرها:
+
– نعم!!!!!!!!!!!…
+
ثم برقت عينيها بوعيد وأردفت وهي تتوعّد له رافعة يدها اليمنى باسطة الخنصر والبنصر والوسطى فيما تضم السبابة والابهام:
+
– أنا… ديل!!!!.. ماشي يا أنور… أنا بقه هوريك الديل دا هيعمل فيك إيه، وهخليك تقول “أنا اللي جبت دا كله لنفسي”!!!!!!!!!..
+
– يتبع –
+

