Uncategorized

رواية قارئة الفنجان كامله وحصريه بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قـارئة الفنجان

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد ( منى لطفي )

+

                              

المقدمة

+

                              

فتحت عيناها لتطالعها أشعة الشمس المشرقة والتي تسللت من خلف الستائر الشفافة التي تحجب النافذة الزجاجية العريضة المطلة على حديقة منزلها الفخم….

+

                              

ابتسمت فيما هي تتمطى رافعة ذراعيها الى أعلى رأسها وهي تتذكر أحداث الليلة السابقة، لقد رأته وجلست إليه بل وتحدثت معه، وفي نهاية لقائهما طبع قبلة رقيقة على جبينها الناصع البياض ورحل على وعد منه برؤيتها الليلة في نفس المكان والزمان….

+

                              

– يااااه يا معتز، وحشتني أوي الكم ساعة دول، مش مصدقة اني كنت معاك بالليل بس، امتى بقه نفضل مع بعض على طول ومنفترقش أبدا؟، بس ولا يهمك حبيبي أنا مش هزهق وهفضل مستنية اليوم دا بصبر، اللي بيهونها عليا مقابلاتنا كل ليلة وأحكيلك اللي جرالي في اليوم كله، ربنا يجمعنا مع بعض على خير قريب أوي يا حبيبي….

+

                              

ثم نفضت الغطاء العريض ذو اللون البنفسجي، كما أصبح سائر أثاث غرفة نومها بنفس اللون، فهو لون حبيبها “معتز” المفضل، ومن العجيب أنه لم يكن يوما هذا اللون من الألوان المحببة لديها، ولكن يكفي أن معتز يفضله ليصبح هو لونها المفضل رقم 1 وبدون منازع!!…

+

                              

اتجهت الى الحمام الصغير الملحق بغرفتها للاغتسال، وبعد ان انتهت.. ارتدت ثيابها استعدادا للتوجه الى عملها كما كل يوم، وأيضا كما كل صباح سمعت طرقات دادة “سميرة” على الباب، تلك السيدة الخمسينية العمر والتي ربتها منذ نعومة أظفارها، والتي تعد فردا من أفراد الأسرة وليست مربيتها الخاصة، خاصة وأن سميرة لم يكن لديها عائلة سوى عائلة ” عز الدين مختار الراوي” والتي التحقت بالعمل لديهم حينما كانت تبلغ من العمر أربعة عشر عاما حيث أتى بها أبوها من البلدة التي كانوا يقيمون بها في الريف، لتساهم براتبها الضئيل في سد رمق جوع أخواتها الستة، وما إن بلغت من العمر الثامنة عشر حتى خسرت أهلها كلهم في ليلة حالكة السواد شديدة البرودة، حيث حدت بهم درجة برودتها العظيمة للتدفئة بموقد الغاز الصغير ليتسلل النوم الى أجفانهم جميعا، ولكن معه… تسلل الغاز من ذلك الموقد ليقبض الموت على أرواحهم جميعا ليطلع صبح يوم جديد والثمانية أفراد بما فيهم الأب والأم… جثثاً هامدة!!..

+

                              

كانت أيام عصيبة تلك التي مرت على سميرة ولكن حنان وكرم السيدة “كريمة” والتي أثبتت أنها اسماً على مسمى هي وزوجها “عز الدين” جعلها تستطيع تجاوز تلك المحنة، لتأتي…”ندى”  بابتسامتها الشقية وعينيها العنبريتين لتملأ حياتها وحياة سيّديْها فرحا وبهجة…

+

                              

كانت ندى قد انتهت من ارتداء ثيابها حينما دلفت سميرة الى غرفتها وهي تبتسم حاملة كوب الحليب الدافئ المحلّى بعسل النحل الصافي قائلة:

+

                

– صباح النور يا قطر الندى، في معادك مظبوط….

+

امتعضت تعابير وجه ندى لدى رؤيتها لذلك السائل الأبيض الرائق التي تحمله سميرة في يدها وهي تتقدم اليها لتناولها الكوب الزجاجي الذي يحتويه، أشاحت ندى بوجهها بعيدا وهي تقول بينما يرتسم على وجهها تعبيرعدم الرضا:

+

– يا دادة هو كل يوم!.. انا بئيت أخاف من الصبح علشان كوباية التعذيب اللي في ايدك دي!!…

3

رسمت سميرة على وجهها علامات التأنيب وقالت بعتاب لتلك الفتاة التي تقف أمامها ترسم تعبير طفولي حانق يخالف سنوات عمرها الثامنة والعشرين:

+

– كدا بردو يا ندى؟.. بقه كوباية اللبن دي بردو بتسميها كوباية تعذيب؟!.. مش كفاية اني بطلع لك بيها مخصوص علشان تشربيها لأني عارفة انك مش هترضي تشربيها على الفطار وكريمة هانم هتزعل وتعملها حكاية، والنتيجة انك تقومي من غير ما تفطري وتهربي على شغلك وعز الدين بيه يبص لك بعتب ويقولك انت مابقيتيش صغيرة يا ندى على كدا!.. بدل المسلسل بتاع كل يوم الصبح دا فضّلت اني أطلع لك بالكوباية واحلف قودام مامتك بعد كدا انك شربتيها، وما ترضيش لواحدة في سني إنها تحلف بربنا كدا وكدا، وبعدين كل يوم نفس الكلام وبردو بتشربيها!.. ياللا ربنا يهديكي هتتأخري على شغلك كدا….

+

زفرت ندى بحنق وتناولت الكوب من يد سميرة لتشربه دفعة واحدة وهي تغمض عينيها وكأنها تشرب دواءا مرّا كالعلقم!!….

+

أنزلت الكوب والذي بقي فيه كمية ضئيلة وهي تقول بصوت أشبه بالبكاء:

+

– خلاص يا دادة، أهو شربته، أنا مش عارفة هتفضلوا امتى تعاملوني إني ندى بنت سنتين؟.. أنا خلاص يا دادة عندي 28 سنة بكالوريوس تجارة انجليش بامتياز مع مرتبة الشرف ودبلوم إدارة أعمال ونائب رئيس مجلس إدارة قد الدنيا، حد يصدق ان ندى مختار اللي اسمها بيرن في دينا البيزنيس واللي ماسكة امبراطورية مختار الراوي، ما تنزلش من بيتها كل يوم الا بعد ما تشرب كوباية اللبن؟….

+

تناولت سميرة الكوب من يدها وأجابت وهي تبتسم بحنو:

+

– ما هو علشان ندى عز الدين الراوي، لازم ما تخافيش من حتة كوباية لبن!.. لكن اللي يشوفك وانتي بتبصي لها يقول انك مش بس خايفة منها لا وبتعملي لها الف حساب كمان….

+

ثم انفرجت أساريرها متابعة:

+

– انما ايه الحلاوة دي كلها، الطقم دا جديد؟..

+

ارتسمت ابتسامة سعادة على وجه ندى وأجابت بحماس وهي تتطلع الى نفسها في مرآة الزينة البيضاوية أمامها:

+

– بجد يا دادة؟.. يعني الفستان عجبك؟..

+

هتفت سميرة:

+

– دا بجد وجد الجد كمان، لونه جديد وشكله حلو أوي عليكي ما شاء الله فعلا..

+

        

          

                

قالت ندى وابتسامة عريضة ترتسم على شفتيها الصغيرتين بلونهما الوردي الطبيعي:

+

– أول ما لمحته في فاترينة المحل عجبني، واشتريته علشان ألبسه انهرده بالذات!!..

+

تساءلت سميرة وهي تطالع الفستان الذي ترتديه ندى ذو اللون البنفسجي والذي يتداخل فيه اللون الرمادي برتوش بسيطة من الاسفل بينما يكسو صدره قماش حريري باللون البنفسجي الصافي، بدون أكمام، محكم من الأعلى وينزل على اتساع الى الاسفل وترتدي سترة قصيرة من ذات لون الفستان ولكنها موشحة باللون الرمادي على أطرافها، وقد غطت شعرها الأسود الليلي القصير والذي يصل الى بداية أكتافها بوشاح رمادي ذو ورود بنفسجية اللون، وقد انتعلت حذاء عال باللون الأسود، لتنهي زينتها بساعة يد عملية مشدودة الى معصمها الرقيق، ولم تضع أيّا من أدوات الزينة فشفتيها ذات اللون الوردي هما صنعة الخالق العظيم، وعينيها برموشهما الطويلة الكثيفة التي تكسب عينيها ذات اللون البنفسجي الغريب جمالا لا تستطيع أي نوع من أنواع الزينة إضفائه عليها…..

2

قالت سميرة متسائلة باهتمام:

+

– وليه انهرده بالذات عاوزة تلبسي فستان جديد؟..

+

التفتت ندى اليها وهي تجيب ضاحكة وان شاب صوتها نبرة عتب خفيفة:

+

– كدا يا دادة؟.. دا يوم يتنسي؟.. طيب ايه رأيك بقه هقول لمعتز؟….

+

لتختفي الابتسامة من فوق شفاه سميرة ويعتلي الوجوم ملامحها وهي تكرر ببلادة:

+

– ايه؟.. معتز!!..

+

أجابت ندى وهي تتجه الى طرف الفراش لتتناول حقيبتها اليدوية العريضة ذات اللون الأسود وحقيبة حاسوبها المحمول:

+

– عموما ما تقلقيش يا دادة، سماح المرة دي، بس ما تتكررش تاني..

+

لتغمزها قبل أن تنصرف قائلة بخبث ضاحك:

+

– سرك في بير يا جميل..

+

وانصرفت تاركة سميرة وقد كسا الوجوم قسمات وجهها المجعد لتشرد بعدها للحظات قالت بعدها بتوسل ورجاء تدعو بخفوت:

+

–  معتز يا ندى!!… ربنا يشيل الغشاوة اللي على عينيكي دي يا بنتي، لأننا مهما قلنا عمرك ما هتسمعي مننا، وهتضيعي أحلى أيام عمرك وإنتي في اللي انتي فيه دا..!!!..

+

                                  – يتبع –

+

=============================================

+

قارئة الفنجان 

+

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)..

+

الفصل الأول

+

امتدت أنامل بيضاء رشيقة تمسّد هذا الظهر الأسمر الصلب الراقد بجوارها بينما يغط صاحبه في سبات عميق، فيما تهمس صاحبة هذه الأنامل بإغواء هامسة في أذن صاحب هذا الجسد العضلي:

+

        

          

                

– يويو، حبيبي، اصحى هتتأخر على معادك…

+

كان نائما منبطحا على وجهه، وما إن سمع عبارتها الهامسة حتى اعتدل راقدا فوق ظهره لينحسر الغطاء عنه كاشفا عن جذعه العار تماما، بينما مد يده يفرك بها وجهه الرجولي الخشن الجذاب وهو يجيب متثائبا مغمضا عينيه:

+

– صباح الخير دوللي…

+

مالت عليه بجسدها المنحوت كإحدى آلهة الجمال وهمست أمام شفاهه الحازمة المحاطة بلحية نامية استفزتها فمدت إصبعها الناعم لتمرره فوقها لتشعر بخشونتها وهي تحتك بجلدها:

+

– صباح النور والورد يا قلب دوللي…

+

 فتح عينيه ناظرا لها لثوان، وقد اكتسى وجهه تعبيرا منغلق، ثم أمسك بإصبعها مزيحا إياه جانبا وقال ببرود:

+

– عن إذنك، يدوب ألحق آخد حمام….

+

نهض من فوق الفراش الوثير، ولم يكن يرتدي سوى شورتا قطنيا يصل الى ركبتيه، توجه الى خزانة الثياب ليخرج ثيابا له، وما إن هم بإغلاق باب الخزانة بعد أن وجد مبتغاه، حتى فاجأته دوللي وهي تقف بجواره بثوب نومها الفاتن والذي يكشف من جسدها أكثر مما يستر، كانت تتلاعب بخصلات شعرها الحمراء وهي تتراقص على قدم واحدة قائلة بابتسامة مشعة:

+

– انا حضرت لك الحمام، على ما تاخد الشاور بتاعك، هكون جهزت الفطار…..

+

لم يجبها، فمالت عليه لتمسك برأسه بين يديها وتخطف قبلة عميقة من بين شفتيه المثيرتين، ثم تركته بابتسامة وهي تؤكد عليه أن يسرع حتى لا يتأخر عن عمله، بينما يوسف يقف كالتمثال، فلم يبادلها أيّا من الابتسامة أو القبلة، فيما برقت عيناه ببريق عزم خطير، إن كانت رأته دوللي كان قلبها لَيهوى بين قدميها!!…

+

أنهى يوسف ارتداء ثيابه المكونة من حلة رسمية سوداء وقميصا أسود وانتعل حذءا ايطاليا أسود اللون، فأكسبه اللون الأسود جاذبية خطرة، يعلم تماما أنها تجذب الإناث اليه تماما كما يجذب اللهب الفراشة، فتتجه من فورها اليه غير آبهة لاحتراقها بعد ذلك، فهكذا هو يوسف، يجذب اليه الفراشات ولكن سرعان ما يحترقن ان خالفن قوانينه، وهذا ما تفعله دوللي، لذلك وجب عليه وضع نهاية لهذا العبث!!..

+

طالعته دوللي وهو يتقدم اليها حيث تجلس في المطبخ الذي يحتوي على طاولة دائرية صغيرة تكفي ثلاثة أشخاص، بينما المطبخ واسع المساحة، يطل على غرفة الاستقبال في تلك الشقة الفارهة، يحتوي كل الأجهزة الكهربائية الحديثة، لكم تتمنى أن تصبح هذه الشقة منزلها هي الأخرى، خاصة وأن يوسف سيكون معها، لا يفارقها ولو لثوان…

+

يوسف..، آآآه من يوسف هذا!.. تمعنت في وجهه الرجولي، هو ليس بالوسيم بمعنى الكلمة، ولكن فيه جاذبية مغناطيسية خطرة، لا تستطيع أية أنثى معها الا النظر اليه وكأنها أمام تحفة رجولية مصقولة، بدءا بوجهه الأسمر المنحوت، وأنفه المرتفع كحد السيف، والذي يدل على الثقة المفرطة والغرور بالنفس، وتلك النغزة العميقة التي تحتل خدّه الأيمن، وشق عميق في منتصف ذقنه التي يغطيها لحية نامية، تكسبه منظرا خطرا تجعله أشبه بالقرصان، بينما يطلق على من أمامه سهاما من عينين بلون الفحم الأسود يسمران من يقف أمامه ويطالع فيهما، تكلل عينيه رموش سوداء كثيفة، يعلو هذا الرأس شعرا أسود ناعما، يصل الى حدود ياقة قميصه، اقترب منها لتستنشق عطره الرجولي الفواح الذي ينبعث منه فيجعلها ترغب بالقاء مئزرها جانبا والارتماء بين أحضانه مجددا، وكأنهما لم يقضيا الساعات الاخيرة من الليلة السابقة بل وساعات الصباح الأولى في أحضان بعضهما.. وليس لمجرد الاستلقاء فقط بالطبع!!..

+

        

          

                

جلس يوسف على الكرسي الخشبي أمامها فسارعت بإعطائه كوب قهوته وهو تقول بابتسامة بينما تطالعها نظراته السوداء بغموض:

+

– قهوتك حبيبي، كنت عاوزة أحط لك عليها شوية لبن بس انا عارفة بتحبها سادة، انما كدا مش كويس علشان صحتك يا حبي…

+

أجاب بصوت رخيم ونظرة ناعسة تحتل فحم عينيه:

+

– أنتي عارفة يا دوللي أني مش بشرب القهوة الا سودة…. تمام زي قلبي!!..

+

أنهى كوبه ونهض قائلا وهو يتناوله مفاتيحه وهاتفه المحمول بينما يضع محفظته النقدية في جيب سرواله:

+

– أنا ماشي…

+

انصرف متجها الى باب المنزل لتلحقه دوللي وهي تمسك بيدها شطيرة صغيرة وتقول بدلال:

+

– طيب علشان خاطري كول الساندوتش دا، مش معقول يا يوسف يا حبيبي تطلع كل يوم من غير فطار، دا غلط علشان صحتك…

+

نقل نظراته ببرود بين وجهها المبتسم الضاحك بعينيها الزمردتين ووجهها الأبيض الوضاء وشفتيها المكتنزتين وشعرها الأصهب الذي ينسدل حتى نهاية خصرها، مرورا بجسد فينوس الذي تمتلكه والذي جعلها آية في الفتنة مع جمالها الشديد، والذي جعلها مطمعا لرجال كثيرين خاصة مع غرورها الأنثوي، ولكنها لم ترض سوى… به وحده!!.. الأمر الذي أرضى غرور الذكر به، ولكنها الآن تتعدى الحدود المتفق عليها، نظر اليها والى ابتسامتها التي يعلم تماما أنها ستنمحي بل وتموت ما إن ينطق بكلماته تلك، فما كان منه الا أن نظر إليها مليا ثم الى الشطيرة في يدها قبل أن يقول ببرود وجمود:

+

– دوللي، لو سمحتِ أرجع انهرده ما ألاقيكيش في البيت!!..

+

وكأنه أطلق عليها الرصاص وليست مجرد كلمات!!.. ماتت إبتسامتها وشحب وجهها وهي تردد بذهول:

+

– إيه؟….  نظر اليها ببرود صامت ثم ومن دون أدنى ردٍّ منه على سؤالها الجزع فتح الباب تأهبا لمغادرته حين سبقته لتغلقه سريعا وتقول بنشيج بكاء قادم بينما تستند بظهرها الى الباب:

+

– يوسف، يوسف انت بتهزر صح؟.

+

نظر اليها مجيبا بجموده المعتاد:

+

– لا، غلط!.. دوللي انتي عارفة حدود العلاقة اللي بيننا كويس أوي، وأنا بلحقك قبل ما تعيشي في الوهم أكتر..

+

انفعلت صارخة وهي تمد يديها لتضعها فوق صدره لتقع الشطيرة من بين أناملها المترجفة من دون أن تنتبه لها:

+

– وهم ايه؟.. يوسف أنا .. انا بحبك يا يوسف.. بحبك، علشان خاطري ما تقتلنيش يا يوسف، ما تعملش فيا كدا..

+

وشرعت تقبله على كل إنش من وجهه بلهفة عاشقة يائسة، بينما وقف هو ساكنا كتمثال شمعي، فيما هي في هستريتها من قبلات له وبكاء يلطخ وجهها الفاتن، فما كان منه إلا أن أنزل يديها بقوة وقال ببرود قاس وكأنه يخبرها بحالة الطقس:

+

        

          

                

– اللي بيننا مش حب، اللي بيننا مجرد ورقة، وانتي عارفة ليه، ووافقت، أنا ما كذبتش عليكي، جواز بورقة بيننا واتنين شهود ووقت ما تخلص العلاقة يخلص الجواز، وأنا ما خدعتكيش، أي حتة بنروحها عارفين انك مراتي، احنا بنكتب ورقة علشان يبقى فسخ العلاقة اللي بيننا سهل من غير تعقيد…

+

بهتت دوللي وأجابت بأسف وحزن بينما دموعها تغرق وجهها الشاحب شحوب الموتى:

+

– يااااه، علاقة!.. ارتباطنا اسمه علاقة؟.. دا.. جواز يا يوسف، أنا مراتك!!..

+

هتف يوسف بغضب ليخرج عن جموده الثلجي ذاك ما إن سمع عبارتها:

+

– عرفي!.. جواز عرفي!!… وانتي عارفة أنى  مش بتاع جواز وعيلة وكلام من دا، ووافقتي من الأول، انتي دلوقتي اللي بتخرجي عن اتفاقنا…

+

أجابت بصوت متقطع وهي تطالعه بنظرات تقطر حزنا ورجاءا ألا يمعن في قتلها:

+

– بس أنا.. أنا حبيتك يا يوسف، حبيتك بجد، حبي ليك في نظرك هو دا الخروج عن اتفاقنا اللي بتقول عليه؟!..

+

سارع للامساك بمعصميها بقبضة حديدية آلمتها وهتف من بين أسنانه بغضب مكبوت وهو يطالعها بنظرات سوداء من بين فحم عينيه المشتعل:

+

– تقدري تنكري انك ابتديتي تحلمي بالبيت والولاد والراجل اللي جاي من الشغل يلاقيكي مستنياه؟..

+

ازداد شحوب وجهها وتلكأت في الكلام، فنفض يديها من قبضته وتابع ببرود يشوبه بعض الحدة المكبوتة:

+

– عرفتي ناقضتي اتفاقنا في ايه؟.. أرجع انهرده ما أشوفكيش هنا، ونسخة المفتاح تسيبيها، والورقة اللي بيننا ….

+

راقبته وهو يخرج ورقة من محفظته النقدية، ثم يشقها نصفين تاركا اياها تسقط على الأرض وهو يقول بجمود تام:

+

– انت طالق يا دوللي، طالق…

+

وخرج صافقا الباب وراؤه بينما ارتمت دوللي على الأرض تلملم بقايا الورقة الممزقة تحتضنها بين ذراعيها وهي تبكي بكاء العويل وتنوح صارخة:

+

– ليه يا يوسف؟.. ليه؟.. انا بحبك يا يوسف، والله بحبك….

+

وارتمت راقدة فوق الأرض الرخامية غير آبهة بالبرودة التي تسربت الى جسدها من خلال ثوبها الرقيق ولسانها لا يكف عن ترديد اسمه، بينما قلبها يتمزق قبل ان تنطلق صرخة عميقة من فمها وهي تقول بحرقة:

1

– حرقت قلبي ليه يا يوسف؟.. ليه؟.. ربنا يحرق قلبك زي ما حرقت قلبي…

+

وكأنها لم تتذكر ربها سوى الآن، ولكن ذلك هو الإنسان لا يذكر ربه الا في وقت شدته فقط، ولم تعلم ما يخبئه القدر ليوسف، فما سيذوقه من ألم وعذاب  سيبلغ أضعافا مضاعفة لما خبرته هي على يديه، بل كانت ستشفق على حاله إن علمت ما المسطور له بين الغيوم، وكانت ستلوم نفسها مئات المرات خوفا من أن دعوتها هي سبباً للشقاء الذي سيحل بيوسف!!..

1

        

          

                

طرقات على الباب تبعها سماحها للطارق بالدخول بصوتها الرقيق الذي لم تُفقده الرسمية التي اكتسبتها بمرور الوقت لعملها نعومته الأنثويّة!…

+

دلفت رنا الى الداخل وتوجهت من فورها الى مكتب مديرتها لتضع أوراق البريد أمامها في انتظار مراجعتها لها، رفعت ندى عينيها لتنظر الى سكرتيرتها الشخصية التي ابتسمت قائلة:

+

– صباح الخير يا أستاذة ندى.. البوستة سيادتك!..

+

نظرت اليها ندى بنصف عين قبل أن تقول بتكشيرة:

+

– دمك تقيل على فكرة… ثم شرعت في تقليد صوت رنا:

+

– أستاذة.. سيادتك!…، لتردف بنبرة صوتها الطبيعي ذو البحة المميزة:

+

– إيه يا بنتي بواختك دي؟.. 100 مرة أقولك احنا أصحاب واخوات وزملا من أولى ابتدائي للجامعة وحتى نفس الكلية وتقوليلي أستاذة، وسيادتك!!.. يابنتي ما ينفعش تكلميني كدا، قولتيلي عشان الناس والشغل شغل ومعرفش ايه وافقت لكن دلوقتي احنا لوحدنا، صدقيني بطلي استظرافك دا بدل ما أستغل بقه أني مديرتك بجد وأعمل لك جزا عشان مش بتسمعي كلام رئيستك يا سكرتيرتي!..

+

صدحت ضحكة رنا وقالت:

+

– يعني هتستغلي منصبك الوظيفي يا نونا؟.. بقه كدا بردو؟.. أنا اللي بقول أني ما شوفتش ولا سمعت عن أصحاب عمل زيّك انتي ووالدك في سماحة أخلاقكم وكرمكم، تطلعي منهم!.. اللي بيستغلوا مناصبهم!.. لالالا.. صدمتيني صدمة عمري بجد..

+

نهضت ندى واستدارت لتقف أمام صديقتها الروحية منذ أن كانا سويّة في المدرسة الإبتدائية وحتى الجامعة، كتفت ندى ذراعيها أمامها وأجابت بجدية زائفة:

+

– والله انتي فيه ناس مش بتيجي بالطيّب!…

+

نظرت إليها رنا بنصف عين وهي تجيب:

+

– والله؟.. قصدك تقولي يعني إني مش باجي غير بالسّكْ؟!…

+

رفعت ندى يديها لأعلى وهي تقول بضحكة لم تستطع كبتها أكثر من ذلك مع مرح رفيقة عمرها  الدائم:

+

– إنتي اللي قلتي يا أم بدوي!..

+

فتحت رنا عينيها واسعا وهي تهتف بصدمة مصطنعة:

+

– هااااا!!!!!.. ندى بنت الحسب والنسب، بنت العز وأكل الوز تقول أم بدوي!!.. أنا مش مصدقة اللي سمعاه بعينيا!!!!!!

+

لتطلق ندى ضحكتها الرائقة فتبادلها رنا الضحك، ما أن هدأت ضحكاتهما حتى قالت ندى وهي تمسح دموعها التي سالت من كثرة الضحك:

+

– مش ممكن، ما فيش فايدة فيكي، هتفضلي كدا على طول كل حاجة تقلبيها هزار، عليكي قفشات بيتهالي ما فيش حد يعرف يغلبك فيها…

+

بادلتها رنا الضحك وهي تقول:

+

– لا فايدة ولا عايدة وغلاوتك عندي، وبعدين يا بنتي أنا معايا شهادة الأيزو في الألش، بذمتك حد بيعرف يخلي ضحكتك تطلع تلعلع كدا زيي؟..

+

        

          

                

ندى بصدق:

+

– بصراحة.. لأ!.. بس للأمانة أنتي و… أنور اللي بجد مش بقدر أكتم ضحكتي معكم!..

+

لتغيب البسمة من وجه رنا ما إن سمعت باسم ابن خالة صديقتها، عدوها اللدود.. أنور زيدان!… تمتمت بأسنان مطبقة:

+

– أنور زيدان مخرج الاعلانات يعرف يعني إيه ضحك؟.. بهرتيني بجد!.. دا كبيره أوي يعرف يبتسم وهو بيعمل حوار صحفي أو في اعلان من اعلاناته، انما ضحك ضحك.. أعتقد أن زوقك بقه سوفاج أوي يا نونا!…

+

رفعت ندى حاجبها الأيمن وقالت بمكر:

+

– اممم.. عيني في عينك كدا؟.. أنتي عاوزة تفهميني أنه أنور زيدان بجلالة قدره ما قدرش يخليكي تبصي ناحيته ولو بطرف عين حتى؟..

+

لتعاجلها رنا بتلقائية شديدة:

+

– ولا بطرف مناخير حتى وغلاوتك!…

+

أشاحت ندى بيدها وهي تضحك مجيبة:

+

– لا لا لا.. أنتي انهرده شكلك كدا مزاجك رايق، وأنا عاوزة أخلص شغلي بسرعة عشان ورايا معاد مش ممكن أتأخر عليه…

+

لتستدير لتعود الى مقعدها الجلدي خلف مكتبها في حين قطبت رنا ومالت عليها بينما كانت ندى تقوم بتناول أوراق البريد من فوق سطح المكتب الزجاجي، سألت رنا بتقطيبة فيما شاب صوتها نبرة ريبة:

+

– معاد؟.. معاد إيه دا؟..

+

رفعت ندى عينيها وهي تجيب بتلقائية:

+

– انهرده 3 في الشهر يا رنا.. 

+

حاولت رنا الهدوء لتتابع تساؤلها بينما بدأت البرودة تزحف الى سائر أطرافها ترقبا مما سوف تسمعه من ندى فيما يلهج داخلها بالدعاء ألا تحقق ندى أسوأ مخاوفها بما ستلقيه إليها، ولكن ندى ألقت قنبلتها غير عابئة بما طرأ على رفيقتها المرحة من وجوم وشرود فيما تهتف هي بعتاب مرح:

+

– معقول يا رنا نسيتي؟.. عيد ميلاد معتز!..

+

لتكتم رنا شهقتها بصعوبة بينما لم تنتبه ندى التي انشغلت بمراجعة أوراق بريدها وهي تتخذ مجلسها فوق مقعدها الجلدي العريض، همست رنا محاولة الهدوء الذي لا تشعر بأيٍّ منه:

+

– عيد ميلاد معتز؟!.. وعلى كدا ناوية تتغدي برّه أكيد، صح؟..

+

رفعت ندى رأسها وهي تومئ موافقة هاتفة بابتسامة جذلة:

+

– أكيد طبعا، اتفضلي بقه على مكتبك عاوزة أخلص شغلي انهرده بدري، مش عاوزة أتأخر على معتز، إلا انهرده بالذات.. مقدرش أتأخر عليه…

+

لم تستطع رنا الحديث وانصرفت وهي تهمهم ببعض العبارات البسيطة، وما 

+

ان انفردت بنفسها في مكتبها حتى ارتمت فوق مقعدها تهتف في دهشة ويأس:

+

– معتز؟.. تاني يا ندى!.. بقالك مدة ما جبتيش سيرته فقلت خلاص.. لكن واضح اني كنت غلطانة..

+

        

          

                

وسكتت قليلا لتبرق بعدها عيناها عزما وهي تمد يدها وتتناول هاتفها المحمول وهي تحمد ربها في داخلها على أنها قد احتفظت برقمه عندما هاتفها للاطمئنان على حال ندى بعد وعكتها الصحية الأخيرة…

+

ضغطت الاسم وانتظرت قليلا قبل أن تسمع الصوت الرخيم وهو يرد بغروره المعهود:

+

– كنت عارف انك مسيرك تكلميني في الآخر..

+

لتجيبه ببضعة كلمات كانت كفيلة بمحو ابتسامته المرحة وإحالة تعابير وجهه الى لوحة رخام بارد ليسرع بانهاء المكالمة وهو يخرج منطلقا كالقذيفة بينما كلمات رنا تتردد في عقله:

+

– ندى رايحه معاد معتز، عيد ميلاده انهرده!…

+

اصطدم وهو في طريقه للخروج بيوسف شريكه في وكالة الدعاية والاعلان ليصيح يوسف هاتفا به:

+

– جرى ايه يا عم أنور ما تبص تشوف انت ماشي فين!..

+

ليلقي أنور ببعض كلمات بسيطة وهو منطلق في طريقه خارجا:

+

– معلهش يا جو ما اخدتش بالي، أنا مستعجل أشوفك بعدين…

+

وتوارى عن أنظاره ليقطب يوسف في حيرة وهو يتساءل بصوت مسموع:

+

– غريبة.. إيه اللي جرى له دا على الصبح؟!!..

+

ليسرع في أثره محاولا اللحاق به ولكن كان أنور وكأنه يسابق الريح ففي اللحظة التي وصل فيها يوسف الى باب المبنى حيث وكالتهم الاعلانية كان أنور ينطلق سريعا بسيارته الرياضية والتي أصدرت صريرا عاليا يدل على مدى سرعة سائقها الجنونية، وقف يوسف يطالع غبار السيارة بعد انطلاقها ثم نفخ بضيق واستدار عائدا الى عمله وفي داخله يتعهد بأن يعرف ماذا حدث لأنور، فأنور ليس بصديق عاديّ بل هو أخاه الذي لم تلده أمه ولولا ذلك لم يكن ليبالي بما يحدث له..

+

————————————————————————-

+

كانت رنا تجلس أمام حاسوبها حينما سمعت صوت فتح الباب الموصل لغرفة مكتب ندى لتراها أمامها وهي تنطلق في طريقها خارجا تشيح لها بيدها وهي تقول في سعادة ومرح:

+

– معلهش يا روني مستعجلة، نتكلم بعدين… سلام..

+

انتظرت رنا لدقائق قبل أن تسارع هي الأخرى بطلب رقم داخلي وبعد أن رتبت من يقوم بمهام عملها فترة غيابها انطلقت في إثر توأمها الروحي.. ندى..

+

حاسبت رنا سيارة الأجرة التي استقلتها ثم وقفت تطالع اسم مطعم الأسماك الشهير قبل أن تدلف الى الداخل حيث فاجأتها الإضاءة الخافتة فأغمضت عينيها لثوان بعد ضوء الشمس المبهر بالخارج، فتحت عينيها على سؤال النادل لها بالدخول، قادها النادل لمائدة منزوية ولكنها تكشف سائر المطعم، اعتذرت منه بابتسامة رقيقة حينما سألها عمّا تفضل تناوله من طعام قائلة أنها بانتظار آخرين…

+

        

          

                

جالت رنا في وجوه الجالسين بعينيها حتى استقرتا على ندى فأسرعت برفع قائمة الطعام لتخفي بها وجهها في حين راقبت ندى من فوق حافتها، كانت ندى تبتسم لمن يواجهها برقة، ولاحظت رنا تمتمة شفتيها الغير مسموعة، جلست رنا وقد ارتسمت على وجهها علامات التحفز استعدادا للحاق بصديقتها إن طرأ ما يعكر صفوها..

+

انتبهت من مراقبتها التامة لندى على صوت زحزحة الكرسي المواجه لها وصوتا رخيم يقول:

+

– أنا رأيي انك كنتي خرمتي المنيو أحسن زي مخبرين زمان!..

+

رفعت رنا عينيها إليها ليبرق لونهما الكهرماني الغريب بشرارات نارية وهي تجيبه ساخرة بينما كان يحتل مكانه أمامها:

+

–  ها ها ها.. خفّة!.. تصدق ضحكتني وأنا ماليش نفس؟!…

+

رفع حاجبه وأجاب بغرور:

+

– عارف طبعا أن خفة دمي مافيش زيّها، إنتي بس اللي بتعاندي، المهم إيه الأخبار؟…

+

وضعت رنا قائمة الطعام فوق المائدة التي تتوسطهما وقالت ببرود:

+

– زي الأهرام!…

+

نظر اليها أنور بنصف عين وقال بتهديد خفي:

+

– أنتي هتخشي لي قافية؟.. انجزي.. طمنيني عليها..

+

رنا بهدوء:

+

– الحمد لله، لغاية دلوقتي الأمن مستتب، بس يا ريت تاخد بالك من كلامك، أنا مش موظفة عندك تتأمر عليها، الحاجة الوحيدة اللي خليتني أعصر على نفسي لمونة هي ندى، لولا كدا ولا كنت كلمتك ولا فكرت أساسا أني أملي عيني بطلّتك البهيّة!..

+

قبض أنور يده وهم بالرد عليها بحدة عندما قاطعه النادل متسائلا عما اختاراه من طعام، اكتفت رنا بطلب حساء فواكه البحر، فيما طلب أنور بجانب الحساء طبقا من الروبيان المشوي وأرز وقطعا من السمك المقلي بالإضافة الى تشكيلة من المقبلات، ما أن انصرف النادل حتى نظرت اليه رنا وهتفت بدهشة:

+

– انت عامل عزومة ولا حاجة؟..

+

حرك كتفيه باستهانة وأجاب ببرود وهو يقلب شفتيه:

 – ليه يعني؟.. أنا اللي طلبته دا مسح زور.. وبعدين أنتي عارفة انه معادهم بيطوّل، يعني ولا ساعتين على ما بنت خالتي تخلص وتقوم، هفضل أنا ان شاء الله قاعد حاطط وشي في المنيو زي سعادتك كدا؟…

+

رنا بسخرية خفيفة:

+

– لا طبعا.. تسلي وقتك!.. وكل دا ومسح زور؟.. مسح!!… أومال معلهش لو غسل زور بقه.. هتغسله يعني مش هتمسحه هتطلب إيه؟… مزرعة سمك على بعضها؟!..

+

ضيّق أنور عينيه ونظر إليها فيما لمع رمادي عينيه وهو يجيب من بين أسنانه:

+

– ها ها ها… ظريفة أوي!.. قصره… مضطر أستحمل الساعتين دول معاكي وأمري لله، طبقك هييجي تبصي فيه وانتي ساكتة، ربنا يصبرني على الوقت دا.. أوووف!..

+

        

          

                

– أخيرااااا….

+

هتفت رنا بهذه الكلمة بجذل، ليعتدل أنور في جلسته أمامها حيث كان راميا برأسه على مسند المقعد خلفه مغمضا عينيه مدعيًّا النوم بعد أن أخفق في تبادل حديثا متمدنا مع تلك الأنثى صاحبة اللسان الطويل والذي يكاد يلتف حولها لطوله!!!.. نظر اليها أنور وهي مندهش في داخله في عدم استجابتها لسحره الرجولي المعهود، فهو قد اعتاد على التفاف الإناث من حوله أنّى ذهب، ولكن هذه الـ.. رنا فهي تشعره وكأنها تتناول كوبا من عصير الليمون المر المذاق أثناء حديثهما سوية إن جاز أن نطلق على بضعة عبارات ساخرة تبادلاها وصف حديث عادي!!!!…

+

تحدث أنور وهو يتنفس الصعداء بدوره:

+

– يعني خلاص إفراج!!!

+

نظرت اليه بنصف عين وقلبت شفتيها تجيبه بابتسامة صفراء وهي تهم بالنهوض:

+

– آه، كفّارة يا كابتن!!!…

+

قطب وزفر بضيق، لتردف هي وهي تخرج بعضا من النقود من حافظتها الجلدية:

+

– أنا هقوم بقه، يدوب ألحق أوصل قبلها، هي لسه يدوب خارجة حالا…

+

همّت بالنهوض قبل أن يعيقها صوته الذي هتف بتساؤل ممتعض وهو يراها وقد وضعت نقودا فوق الطاولة بينهما:

+

– إيه دا؟.. أقدر أعرف الفلوس دي بتعمل هنا إيه؟..

+

مشيرا الى نقودها، لتبتسم ابتسامة لم تصل الى عينيها وتجيبه بابتسامة ساخرة:

+

– أبدا.. طلعت من الشنطة تشم هوا!!!…

+

لتستعيد تعبيرها الجاد مردفة بجدية:

+

– هتكون ليه يعني؟.. تمن الغدا بتاعي…

+

هبّ من مقعده بقوة ونظر اليها وهو يهتف بحنق من بين أسنانه:

+

– تصدقي أنك قليلة الذوق؟!!!

+

فتحت عينيها واسعا وهتفت بغير تصديق:

+

– نعم؟!!!!

+

كرر عبارته وهو يومئ مؤكدا برأسه:

+

– أيوة.. انت قليلة الذوق!!.. هو انا مش مالي عينك ولا إيه؟.. انتي بتشتميني كدا!!!

+

استنكرت مجيبة:

+

– ايه؟.. انت اتجننت؟!! مين دي القليلة الذوق؟.. أنا!!!! – مشيرة الى نفسها بسبابتها قبل أن تتابع بقوة- أولا يا أستاذ أحنا مش أصحاب عشان تدفع لي تمن الغدا حتى لو أصحاب أنا بتعامل مع أصحابي كلهم انجليزي.. يعني كل واحد يدفع لنفسه، تاني حاجة بقه….

+

ورفعت سبابتها أمامها مردفة بمنتهى الجدية وعينيها اللوزتين تطلقان شرارات من لهب:

+

– أوعى تكلمني بالاسلوب دا تاني، أنا اللي بيني وبينك هي صاحبتي وبس، ولولا خوفي عليها صدقني أنا ما كنتش إتوجدت معاك في مكان واحد… عن إذنك…

+

        

          

                

وتناولت حقيبتها اليدوية وقد ارتدت نظارتها الشمسية وانصرفت وتركته وهو يقف مذهولا وفي قمة الغضب من كلماتها الساخرة التي رمتها في وجهه، ليضغط على نواجذه ويعتصر أصابع يده اليمنى في قبضة قوية مرددا بوعيد في نفسه:

1

– ماشي يا رنا هانم… أنا بقه هعرفك  مين هو أنور زيدان بالظبط!!… وانتي اللي ابتديتي.. والبادي أظلم!!!!!!!!..

+

           ****************************

+

لم تكد رنا تجلس الى مكتبها حتى فُتح الباب لتظهر ندى من خلفه، لتتنفس رنا الصعداء في أنها قد استطاعت العودة قبلها شاكرة سائق سيارة الأجرة الذي جاء بها من طريق مختصر وقد وعدته بمنحه بقشيشا سخيا فوق أجرته وقد أثبت لها أنه يستحق كل قرش دفعته له…

+

افتعلت رنا ابتسامة وهي تهتف بمرح مصطنع:

+

– ما تأخرتيش يعني يا نودي؟..

+

أجابتها ندى بابتسامة هادئة:

+

– لا أبدا، بس الغدا خلص بسرعة ولاقيت لسه ساعة بحالها على معاد الانصراف قلت أفوت علة هنا الأول، انتي عارفة الموديلات الجديدة فريق التصميم بتاعنا خلصها والمصنع ابتدى ينفذها فعلا بعد ما قدرنا نوفر كمية القماش اللي عاوزينه، أهم حاجة في المرحلة الجاية دي الدعاية، أنا عاوزة أدخل بحملة اعلانية ضخمة، دي أول مرة لينا في مجال الأزياء وخصوصا المحجبات والأطفال.. نهضت رنا لتلحق بندى التي استدارت متجهة الى مكتبها حيث دلفت وفي أعقابها رنا التي قالت متسائلة:

+

– صحيح يا ندى، ليه فكرتي في موضوع الأزياء والموضة دا؟.. يعني الشركة هنا ماشاء الله عليها في مجال الاستيراد والتصدير سواء موبيليا أو أجهزة كهربائية حتى أجهزة الكمبيوتر والموبايلات بردو ما شاء الله ناجحين فيها جدا، يبقى ليه تاخدي الريسك انك تدخلي في مجال عمرك ما اشتغلتي فيه قبل كدا؟….

+

جلست ندى على مقعد جلدي في جلسة جانبية وأشارت لرنا التي جلست مقابلها قبل أن تجيبها بابتسامتها الهادئة المعهودة:

+

– شوفي يا ستي، تقدري تقولي لأسباب كتيرة أوي.. بس أنا هلخصهالك… أولا.. – ورفعت خنصرها الأيسر مشيرة عليه بسبابتها اليمنى – صاحب البيزنس الشاطر بيحب دايما انه يشتغل في كل المجالات طالما الأساس واحد.. يعني تجارة… بيع وشرا وعملا وبضاعة، تاني حاجة زي ما قلتي… – ورفعت بنصرها الايسر – احنا والحمد لله سمعتنا حلوة اووي في السوق ولينا اسم كبير في مجال الاستيراد والتصدير.. يبقى ليه ما استغلش دا في شغل جديد وأكيد مش هكون زي اللي بيبتدي يكون اسم ليه لأنه اسمنا فعلا موجود والحمد لله، تالت حاجة بقه… – لترفع سبابتها  اليسرى – انه المغامرة لوحدها بيكون ليها طعم تاني خالص، لكن أكيد مش بغامر كدا من غير ما أحسب خطواتي كلها، لا طبعا.. أنا مش بتحرك خطوة واحدة من غير ما أدرس كل خطوة ونتايجها الأول، بدليل اني أول ما فكرت في الأزياء عملت مسابقة لاختيار أفضل فريق تصميم، وعملت دورة تدريبية للموظفين والعمال عندنا لكل حاجة تخص شغلنا الجديد، دا غير اني اخترت العمال بتوع مصنع النسيج بتاعنا على الفرازة زي ما بيقولوا، وأهم سبب بقه في الآخر بصراحة والي استفزني وخلاني أصمم على دخول مجال الأزياء.. هي الموديلات الغريبة اللي بشوفها ماليه الاسواق عندنا وهي لا من صميم مجتمعنا ولا ديننا، وأقربها الجينز المقطوع من الركبة مرة ومن ورا مرة وحاجة مقززة بصراحة، فقلت ايه المانع أني أجرب.. أدخل مجال الأزياء وخاصة المحجبات والأطفال، وبردو الغير محجبات هحاول أعمل السهل الممتنع، بمعنى أني اتماشى مع الموضة بس وفق لتعاليم ديننا احنا وتربيتنا وعادات مجتمعنا، عارفة انه الفكرة ممكن تكون مجنونة شوية، لكن أنا أخلصت النية لله أني أولا هكون سبب في فتح بيوت ناس كتير اللي اشتغلوا عندنا فعلا سواء في مصنع الملابس أو فرع شركتنا الخاص بالموضوع دا، وأني أحاول أني أهذّب من أذواق الناس وخصوصا البنات اللي في سن المراهقة وبيتأثروا وبشدة بكل تقاليع الغرب حتى لو من ورا العقل!!!

 هتفت رنا بحماس:

+

        

          

                

– هاااايل يا نودي، فكرة عبقرية بصحيح، وأنا واثقة ومتأكدة أننا ان شاء الله هننجح فيها، أومال… دا انتي الدماغ الكبير يا بروف!!!..

+

ضحكت ندى وعلقت قائلة:

+

– مش ممكن يا بنتي، ما تبقيش رنا لو ما علقتيش تعليقاتك دي..

+

غمزتها رنا قائلة بضحك:

+

– ما انتي عارفاني يا بوس… لازم أحط التاتش بتاعي!!.. بس بجد شابوه ليكي يا نودي…

+

قالت ندى وعينيها تلمعان وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الصغير:

+

– معتز بردو عجبته الفكرة أووي واتحمس ليها هو كمان، عشان كدا أنا مصرة أني بإذن الله أكمل فيها ورجعت  مخصوص بعد الغدا عشان أختار شركة الدعاية والاعلان اللي هتتولى حملة الاعلانات عن منتجاتنا!!!!

 سكتت رنا تماما ولم تعلق فيما طالعتها بنظرات بلهاء وهي تتمتم ببلاهة:

+

– ها؟!!!.. معتز؟!!!!!

+

أومأت ندى مؤكدة:

+

– أكيد طبعا، انتي عارفة لازم أقوله، واتحمس جدا، عموما ياللا هاتي كشوفات وكالتت الدعاية والاعلان عشان أحصرهم وأختار منهم وبعدين أحدد لهم مواعيد وأحسن واحدة فيهم هتقدم لي خطة الدعاية والاعلان هي دي اللي هخليها تمسك الحملة الدعائية لينا، بس بسرعة عشان بالليل ان شاء الله أقول لمعتز على اللي وصلنا له…

+

ونهضت من مكانها فيما مكثت رنا في مقعدها تتابع ابتعادها عنها بدهشة، لتلتفت ندى اليها هاتفة:

+

– ايه يا بنتي، قومي ياللا، هاتي قايمة أسماء أكبر وكالات للاعلان في البلد… بسرعة!!..

+

نهضت رنا ببطء وقالت وهي تهز برأسها الى الأعلى والى الأسفل:

+

– حا.. حاضر يا ندى.. حا.. حالا…

+

وما ان خرجت وأوصدت الباب خلفها حتى تمتمت بزفرة يأس قوية:

+

– وبعدين يا ندى؟.. يعني نبعده عنك إزاي أو… نبعدك أنت عنه إزاي؟…

+

            *****************************

+

كانت تقود مستمتعة بنسيم الصباح العليل الذي يأتيها من النافذة المجاورة لها، فمع أن سيارتها الأحدث طراز من الـ.. بي.ام.دبيلو.. تتمتع بكافة وسائل التكنولوجيا والراحة والتي تشمل تكييفا عال الجودة ولكنها تفضل التمتع بنسيم الصباح عوضا عن الهواء البارد الصناعي القادم من تكييف السيارة، ابتسمت بنعومة وهي تتذكر الحديث الذي دار بينها وبين معتز ليلة الأمس ككل مساء حيث سردت عليه ما طرأ في أمر العمل وقد منحها دفعة حماس قوية كي تتم ما بدأته وهو يقول بابتسامته الرجولية التي طالما عشقتها:

+

– أنا حاسس يا ندى ان الموضوع دا هيكون ليه أثر كبير أوي في حياتك، مش العملية لوحدها وبس.. لا… والخاصة كمان!!!..

+

        

          

                

وقتها ابتسمت تسأله بحيرة:

+

– خاصة؟.. مش فاهمه يا معتز!..

+

معتز بابتسامته:

+

– ما تستعجليش، اللي عاوزك تتأكدي منه إن دايما معاكي وجنبك يا ندى، وعمري ما هسيبك أبدا مهما حصل…

+

ليسرقها الكرى بعدها وتغيب في عالم الأحلام اللذيذ وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الكرزي ولما لا وفارسها وهو من تدور حولها أحلامها كل ليلة يتراءى لها محتويا لها في عناقه الذي طالما خطف أنفاسها…

+

لأقل من ثانية نست أنها تقود السيارة وسط طريق سريع لتغمض عينيها منتشية بذكرى فارسها لأقل من الثانية ليحدث… الصدام!!!!!!!…

+

كانت لا تزال تتمسك بالمقود بيديها الإثنتين حيث تشبثت أصابعها به حتى ابيضت سلامياتها، فيما عمل حزام الأمان على الحول بينها وبين الارتطام بزجاج السيارة الأمامي، كما كانت حدق أمامها بقوة حينما فُتح بابها بعنف وصوت رجولي خشن يهدر بها بغضب عنيف:

+

– انت مجنونة؟… كنتي هتموتينا احنا الاتنين؟!!!!

+

لتستدير برأسها اليه في حركة بطيئة ثم ترفع عينيها إليه تطالعه في ذهول تام ليقطب هو في حيرة غاضبة قبل أن يتأفف بضيق بالغ ويهتف بها:

+

– انتي يا آنسة… إيه مش عاوزة تردي ولا القطة أكلت لسانك؟…

+

شحوب بالغ كسا وجهها وقطرات من العرق تجمعت فوق جبينها الأبيض، لتزداد عقدة جبينه عمقا، ثم يمد يده يشيح بها أمام وجهها وهو يردف بصوت عال:

+

– هايْ… انتي يا هانم..

+

وقفت السيارات بعد أن أعاقت سيارة ندى الطريق أمامه للعبور، وخرج سائقيها ليستطلعوا سبب وقوف الطريق، وتجمع بعضهم أمام السيارة، سأله أحدهم:

+

– فيه إيه يا أستاذ؟.. الآنسة كويسة؟…

+

أجاب بنفاذ صبر وهو يشير اليها بضيق بالغ:

+

– وانا أعرف منين؟.. زي ما تكون اتحولت لصنم مرة واحدة..

+

ثم أعاد انتباهه اليها مردفا بها:

+

– إنتي يا آنسة..

+

انتبهت ندى على الأصوات من حولها، لتقوم بفتح حزام الأمان بيد ترتعش، فابتعد هو عن الباب مفسحا لها المجال للخروج، وما إن ترجلت من السيارة ووقفت تستند الى بابها حتى هدر فيها بعنف وهو يشيح لها بسبابته:

+

– أنتي اللي زيك لازم يتسحب رخصته فورا، أرواح الناس مش لعبة يا هانم، ولو انتي عاوزة تنتحري يبقى مع نفسك لكن ما تاخديش في وشِّك أرواح ناس تانية مالهاش ذنب، ولعلمك بقه تصليح العربية هيكون على حسابك بالكامل، عشان تتعلمي بعد كدا وانتي سايقة انه عينيكي لازم تكون في وسط راسك، أوووف… الله يسامح اللي سوقكم العربيات يا شيخه!!!!!..

+

        

          

                

وأتبع قوله بنظرة حنق نارية قبل أن ينفخ بضيق بالغ وما إن همّ بالاستدارة حتى تعالى صياح صوت ما يهتف به:

+

– الحق يا أستاذ!!!!

+

فيقطب ويعود بجسده ثانية ليرى ما الأمر لتنفك عقدة جبينه ويرتفع حاجبيه الى الأعلى بينما يتلقى جسد ندى المتهاوي أرضا بين ذراعيه وهو يهتف بها:

+

– يا آنسة….

+

تلقاها بين ذراعيه وقد استحالت كقطعة من رخام بارد، فقام بصفع وجهها بضربات خفيفة ولكن بدون فائدة، قارورة ماء صغيرة وجدها توضع في يده وصوت يخبره بأن يقوم برش بعض منها على وجهها، وأيضا لم تستجب لمحاولاته في إفاقتها، ووسط هذا كله يتعالى رنين هاتفه المحمول في جيبه، فأخرجه بصعوبة محاولا عدم إفلاتها وما إن طالعه إسم المتصل حتى سارع بتلقي المكالمة هاتفا بقوة:

+

– ألو… أيوة يأ أنور، تعالى بسرعة… أنا في (……)….

+

وأنهى المكالمة معيدا الهاتف الى جيبه، ثم أسندها حتى فتح الباب الخلفي ليدخلها ويرقدها فوق الأريكة الخلفية، انتبه الى يد تعطيه زجاجة عطر وتقول صاحبتها:

+

– خد يا بني، رش لها شوية برفان يمكن تفوق..

+

أسرع برش بضعة قطرات فوق راحته ثم قرّبها من أنفها، ليرى استجابة ضعيفة منها فقام برش المزيد فوق راحته وكرر تقريب يده من أنفها ليتعالى أنينها الذي تبعه ارتعاش جفنيها قبل أن تفتحهما ليطالعه عينين واسعتين تنظران اليه بغرابة، ثم تلفتت حولها، قبل أن تعيد انتباهها اليه مرة ثانية محدقة فيه بعينيها بلونهما النادر.. لتأسر عيناه لهنيهة بسيطة وقد تاه في ذلك اللون البنفسجي الغريب لحدقتيها، انتبه بعدها لصوتها الضعيف وهي تتساءل:

+

– أنا فين؟.. إيه اللي حصل؟..

+

قطب قليلا، ثم اتخذ قراره، فقام بشكر الناس المتجمعين حولهم، ثم صعد الى مقعد السائق حيث أبعد السيارة عن عرض الطريق وقام بإيقافها في جانب منه، اعتدلت ندى جالسة فوق الأريكة الخلفية، ليطالعها من المرآة الأمامية  ويراها وهي تتلفت حولها وتتأكد من ترتيب ثيابها قبل أن تنتبه الى عينيه المسلطتين عليها فقالت مقطبة بينما لا يزال صوتها تغلفه نبرة ضعف واضحة:

+

– انت مين؟.. وإيه اللي حصل بالظبط؟..

+

ابتسم بسخرية ثم استدار برأسه اليها مجيبا بتهكّم:

+

– أبدا، أنا السواق الجديد…

+

وسكت لثوان قبل أن يتابع بغضب هادر:

+

– انتى عارفة انك كنت هتتسببي في كارثة انهرده؟.. الحمد لله انه ما كانش فيه عربيات في نفس اللحظة الا عربيتي بس وإلا كان ناس كتير هتأذي بسببك وبسببي، طبعا ما أنا اضطريت ألف عكس الطريق عشان أتفادى عربية حضرتك وهي هاجمه عليا زي الونش!!..

+

        

          

                

حدقت فيه في ذهول وهي تردد بغير تصديق:

+

– ونش؟!!!!…. 

+

كرر ساخرا:

+

– آه.. ونش!!!!!.. إيه مش عارفاه؟… ما سبقلكيش واتعرفتي عليه؟…

+

نظرت اليه بنصف عين لتجيبه بطريقته الساخرة:

+

– لا… بصراحه ما حصليش الشرف قبل كدا!!!!

+

ليقاطع جدالهما رنين هاتفه المحمول فيجيب المتصل ببضع كلمات مقتضبة لم تسمعها ندى وما هي الا ثوان الى وسمعت صوت مكابح سيارة تصطف بجانبهما ليترجل بعدها هو من السيارة ويتعالى صوت رجولي آخر يهتف براحة:

+

– الحمد لله.. انت كويس؟!!!

 قطبت.. فهي تعلم هذا الصوت جيّدا، لتفتح عينيها واسعا وهي تقول بدهشة بصوت منخفض:

+

– أنور…

+

لتصل همستها الخفيفة الى سمعه فيقطب وهو يخفض عيناه ناظرا اليه ليتطلع أنور الى نفس المكان وما هي الا ثوان حتى هتف عاليا بذهول بالغ:

+

– مش معقول، ندى!!!!!!!!!

+

قطب الآخر ونظر اليه متسائلا:

+

– انت تعرفها؟..

+

كانت ندى قد ترجلت من السيارة وهي تحاول التوازن فلا تزال تشعر بضعف قواها، رفعت عينيها تنظر الى أنور بابتسامة شاحبة قبل أن تقول:

+

– إزيك يا أنور..

+

سارع أنور بإسنادها لدى ملاحظته تمايلها الخفيف فقبض على يدها في يده، وأجابها بقلق:

+

– الحمد لله، انتي عاملة إيه يا ندى؟.. وايه اللي حصل بالظبط؟..

+

قاطعهما صوته الساخر يتساءل بحدة:

+

– طيب طالما طلعتوا معرفة بقه مش تعرفني يا عم أنور؟.. على الأقل أعرف مين اللي كانت هتتديني لقب مرحوم!!!!…

+

نظر اليه أنور في توبيخ ليقطب هو بحنق، قبل أن يجيبه أنور قائلا بزفرة خفيفة:

+

– دي ندى… بنت خالتي يا… جو!!!….

+

لمحة ساخرة عبرت عينيها العنبريتين ولكنها لم تفت على يوسف ليطالعها في تحد فتعلق ندى ببرود وان كان صوتها ينبأ عن مدى ضعفها الواضح:

+

– لو سمحت يا أنور، عاوزة أروّح…

+

قاطعها يوسف حانقا:

+

– تروّحي!!!!.. ببساطة كدا؟… انتي يا هانم كنت هتتسببي في كارثة ولا همّك!!!!

+

تحاملت على نفسها ووقفت تطالعه بشموخ أثار اعجابه رغما عنه قبل أن تجيبه بلا تعبير:

+

– والكارثة دي الحمد لله ما حصلتش، بالعكس أنا اللي تعبت في الموضوع دا كله، وانت صاغ سليم ما جرالكش حاجة، وعربيتك هترجع أحسن من الجديدة كمان وعلى حسابي، يعني الموضوع بالنسبة لك مش أكتر من.. رب ضارة نافعة!!!!!

+

        

          

                

هدر يوسف بذهول غاضب:

+

– إيه!!!!!!!!.. رب ضارة نافعة!!!!.. انتي فاكراني هطير من الفرح عشان هتصلحي عربيتي؟..

+

أردف بقوة:

+

– لعلمك يا آنسة.. أنا عندي بدل العربية اللي واقفة دي تلاتة… وأقدر أشتري غيرها وحالا، أنا لما أصرِّيت إنك تتحملي تكاليف تصليحها كنت بعلمك عشان لما تمشي في الشارع بعد كدا تاخدي بالك كويس، دي أرواح ناس اللي ماشيه حواليكي مش قطط، دا حتى القطة الواحد بيتفاداها!!!!!

+

طالعته ببرود من أعلى رأسه الى أسفل قدميه قبل أن تجيبه بجمود:

+

– سوري!!!!!

+

حدق فيها بانشداه قبل أن تستدير وهي تحث أنور على الذهاب قائلة:

+

– ياللا يا أنور..

+

ما إن أولته ظهرها حتى هتف من ورائها:

+

– إنتي أكيد مش طبيعية، ابقوا خدوا بالكم منها يا أنور، شاكلها كدا بايعه القضية وممكن المرة الجاية تلاقوها نازلة بعربيتها في النيل!!!

+

وقفت في مكانها لثوان قبل أن تستدير برأسها تنظر اليه من فوق كتفها وتقول بثقة زائدة بالنفس:

+

–  النيل هيبقى أرحم منك… أنا متأكده!!!!!!!

+

وسارت لينصاع أنور لرغبتها وهو يرمي بنظرة أسف الى يوسف وان كان لم يفهم بعد ماذا حدث تماما بينهما، ما ان صعد أنور بجانبها في سيارته حتى نظرت اليه وقالت بينما كان يدير المحرك:

+

– أنور…

+

طالعها باهتمام وقد انطلقت سيارته بسلاسة بهما، فأردفت بتعب وهي ترمي برأسها الى المسند خلفها:

+

– خدني لمعتز، لازم أقابله!!!!!!!!

4

ليفتح عينيه واسعا وهو يلتفت اليها لثوان قبل أن يتفادى حادث اصطدام بعمود إنارة وبإعجوبة، فأوقف السيارة وهو يردد بذهول:

+

– أيه؟.. عاوزاني أوديكي لمعتز!!!!

+

همست وهي مغمضة عينيها بحكرة بسيطة من شفتيها:

+

– أرجوك!!!…

+

وقبل أن يجيبها كان الباب المجاور له يُفتح بعنف وصوت ساخط غاضب يتعالى هادرا:

+

– هو ايه الحكاية بالظبط؟.. يعني يا تلبسي انتي في حيطة يا تخلي اللي معاكي يلبس فيها؟.. انتي عاوزة إيه انهرده؟!!!..

1

التفت أنور الى يوسف الغاضب وقال بصوت حاول أن يكون هادئا:

+

– معلهش يا جو… محصلشي حاجة، اسبقني انت على الشركة وأنا هحصلك..

+

يوسف بنفي قاطع:

+

– مش هيحصل، أنا هركن عربيتي وأركب معكم، واضح كدا ان قريبتك دي سرّها باتع، وأنا مش مستغني عنك بصراحة..

+

حاول أنور أن يقنعه بالانصراف ولكن يوسف تشبث وبعناد شديد برأيه، فما كان من أنور ألا أن قال باستسلام زائف:

+

– ماشي يا جو، روح اركن العربية وتعالى…

+

وما إن ابتعد يوسف حتى سارع أنور بغلق الباب ثم أدار المحرك وانطلق في أقل من الثانية تحت أنظار يوسف المذهولة والغاضبةـ ليهتف يوسف بحنق وهو يتابع أثر السيارة المنطلقة كالصاروخ:

+

– ماشي يا أنور، بس مش هعديهالك، لما أشوف إيه آخر جنان قريبتك دا؟!!!!

+

بينما هناك داخل السيارة نظرت اليه ندى بأمل هامسة:

+

– هتوديني لمعتز يا أنور؟!!!

+

زفر أنور بيأس وأجابها بقلة حيلة واضحة:

+

– هوديكي لمعتز يا ندى..

+

متابعا في داخله:

+

– سامحيني يا خالتي، لكن هي اللي طلبت مني ولو ما كنتش معها هتروح لوحدها..

+

ثم حانت منه التفاتة اليها تابع بعدها بصوت خفيض:

+

– ربنا يهديكي يا بنت خالتي….

+

                    – يتبع –

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى