Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الثالث 3 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

                              

الفصل (3)

                              

بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

                              

– خلاااااااااص!!!!…

                              

صاحت ندى بحدة وهي تحدج رنا بحنق وغيظ، فابتلعت رنا باقي كلماتها وغطت فمها براحتها وهي تطالع ندى باستسلام، أردفت ندى التي وقفت تضع يديها في منتصف خاصرتها وصوتها مغلف بحنق شديد:

                              

– إيه يا رنا؟.. من ساعة ما جينا هنا عندي البيت وانتي ما فيش وراكي غير سيرة الأخ دا؟.. 

                              

ثم شرعت بتقليدها وهي تحرك يديها بسخرية:

                              

– شوفتيه، سمعتيه، تعرفي عنه إيه؟..

                              

لترجع الى صوتها الطبيعي وهي تتابع فيما تطالعها بسخط:

                              

– أعرفه منين أنا؟.. وكل اللي أعرفن عنه من الآخر يخليني مش عاوزة أعرفه خالص!!.. إنسان في منتهى الغرور وشايف نفسه على الفاضي!!!

                              

أزاحت رنا يدها المكممة فمها جانبا وعلّقت بتوجس من ردة فعل صديقتها:

                              

– هو كل الحكاية بصراحة إني شايفاه.. مُزّ!!!!.. فـ يعني بسألك عنه لأنك قولتيلي انه هو دا اللي عملتي الحادثة معاه ….

                              

فتحت ندى فمها وهمّت بالاجابة عندما قاطعها صوت شهقة عالية اندفعت بعدها والدتها الى الداخل متجهة رأسها اليها وسرعان ما احتوتها بين ذراعيها في لهفة كبيرة وهي تردف بلوعة:

                              

– ايه اللي حصل يا ندى؟.. حادثة إيه اللي عملتيها دي؟..

                              

نظرت ندى من فوق كتف كريمة والدتها الى رنا بعتاب لتطالعها الأخيرة بنظرة أسف صادقة قبل أن تُبعد ندى والدتها عنها قليلا وتجيب بابتسامتها الناعمة:

                              

– مالك بس يا ست الكل، لا حادثة ولا حاجة، انتي عارفة رنا بتحب تهوّل الأمور..

                              

كريمة بنفي تام وهي تهز رأسها يمينا ويسارا:

                              

– لالالا يا ندى، انا من ساعة ما أنور جابك الصبح ولونك مخطوف وقولتيلي أنك تعبتي شوية في الشغل وهو كان عندك بالصدفة وروّحك وأنا حاسة انه فيه حاجة غلط، صارحيني يا قلب ماما.. فيه إيه؟…

                              

افتعلت ندى ابتسامة مرحة وهى تجيبها بينما تدفعها لتسير معها وهى تحيط كتفيها بذراعها لتجلسا فوق الصوفا العريضة بغرفتها:

                              

– يا ماما يا حبيبتي كل اللي حصل إني فرملت مرة واحدة فاللي ورايا كان هيخبط فيّا.. بس الحمد لله الموضوع عدّا على خير، انتى عارفة يا كرملة الأمر ما يسلمش.. يعني.. مطب يطلع فجأة، أو حد بيعدي الشارع والموبايل على ودنه ومش واخد باله، كتير يعني بتحصل والحمد لله ربنا سترها..

                              

كريمة بحزم:

                              

– خلاص، وافقي بقه ان عم حمزة السواق هو اللي يوديكي ويجيبك بعد كدا، انا مش هطمن عليكي إلَّا والسواق معاكي..

                

ندى برجاء وتصميم في ذات الوقت:

– ماما.. انتى عارفة يا حبيبتي أنى مش بحب نظام السواقين والحاجات دي، انا بحس بمتعة وانا سايقة عربيتي، وبعدين يا ستي عم حمزة يعني هيمنع عني قضا ربنا؟.. اللي ربنا كتبهولي هشوفه.. انتي بس ادعي لي وانا إن شاء الله بفضل دعواتك دي يا قمر انتي هكون تمام..

زفرت كريمة بيأس ثم نظرت الى ندى بلوْم قبل أن تقول وعينيها على صغيرتها بينما كلماتها متوجهة الى رنا:

– يرضيكي كدا يا رنا؟.. صاحبتك البكاشة دي أكلت عقلي بكلمتين حلوين وخلاص!!..

لتتابع وهي تحيط وجه ندى بيديها وبحنان بالغ ينبع من بين حروف كلماتها:

– ربنا يخليكي لينا حبيبتي، ويكفيكي شر طريقك، ويوقف لك دايما ولاد الحلال، خلي بالك من نفسك يا ندى.. انتي اللي لينا أنا وباباكي حبيبتي..

لترمي ندى بنفسها بين ذراعي والدتها فتحتضنها الأخيرة في عناق دافئ، ثم ابتعدت عنها ونهضت وهي تتركها مع صديقتها ولا تزال تدعو لهما بأن يديم الله عليهما صداقتهما طول العمر..

نظرت رنا الى ندى وعينيها تغشاهما غلالة رقيقة من الدموع وقالت وهي تحاول افتعال ابتسامة ولكن خانتها شفتاها في آخر لحظة:

– ربنا يخليلك طنط كريمة وأونكل عز يا ندى، صدقيني حضنهم بالدنيا بحالها…

تأسفت ندى على حال صاحبتها والتي لا بد وأن تذكرت والدتها فنقلت جلستها لتجلس بجوارها فوق طرف الفراش وقالت وهي تربت على كتفها:

– هي لسه طنط فريدة ما رجعتش من السفر؟…

هزت رنا رأسها بنفي صامت وهي تبتلع  دموعها لتردف ندى بأسف:

– وعاملة إيه مع طنط عفاف مرات أونكل عبد العزيز؟..

رنا بابتسامة ساخرة وهي تنظر الى ندى بمرارة:

– يعني هعمل إيه؟.. كالعادة.. طول ما أنا عندهم وأنا بحاول أتحاشاها خالص، لدرجة أني أحيانا بابا بيوحشني، مش بشوفه باليومين، برجع من الشغل على أودتي لغاية تاني يوم، حتى بابا نفسه بيجي يقول لي أني وحشته وبيسألني ليه مش بطلع أسهر معهم..

ندى بمواساة:

– طيب ليه يا رنا؟.. باباكي ما شاء الله عليه حنين جدا، انتي مالكيش دعوه بيها، لو هي قاسية أو عصبية وبترمي كلام فأنا متأكدة انها مش هتقدر تعمل كدا في وجود أونكل، وبعدين أخواتك الصغيرين بيحبوكي يبقى ليه تحرمي نفسك منهم؟…

رنا بزفرة يائسة:

– افهميني يا ندى، أنا مش عاوزة مشاكل، انتي فاكرة انها عشان ما بتقدرش تبخ سمها في وداني وبابا قاعد انه الموضوع بيعدي كدا؟.. للأسف يا حبيبتي… أخواتي علاء وسمر مش بتعديهالهم بالساهل، أنا بنفسي سمعتها مرة وهي بتقولهم اني بكرههم واني وحشة وعاوزة أأذيهم عشان غيرانه منهم انه بابا بيحبهم أكتر مني!!…. 

        

          

                

ندى بدهشة:

+

– معقولة؟!!!!

 رنا بلوعة:

+

– وأكتر يا ندى، تتصوريها دي؟.. أنا أغير من أخواتي الصغيرين؟… أنا بيني وبينهم 20 سنة يا ندى، هما توأم 8 سنين وأنا 28 سنة، هغير من أخواتي التوأم؟.. ومع انهم مش بيسمعوا كلامها لكن بردو مش بتسكت، دي وصلت انها مرة ضربت سمر بالقلم عشان قالت لها اني حلوة وطيبة معهم وانها مش مصدقه اني بكرههم!!!

+

ندى بغضب:

+

– دي ست مش طبيعية، وإزاي أونكل عبد العزيز ساكت عليها كل دا؟..

+

رنا بيأس:

+

– هيعمل إيه بس، انتي عارفة انه انفصل عن ماما وأنا عندي 16 سنة، وهي رفضت تتجوز وهو كان رافض لغاية ما عفاف دي وقعت في طريقه وقدرت تخليه يعرض عليها الجواز وطبعا انتي عارفة قابلها إزاي، زميلة بابا في الشغل أو بمعنى أصح صاحبة المحامية اللي بتشتغل عند بابا، وزي ما انتي عارفة بابا يبقى هو رئيس الشئون القانونية في الشركة، الست دي تبقى صاحبة عفاف مرات بابا وهي كان سنها عدّى ال 35 سنة  وعرّفتهم ببعض ومافيش مقابلة والتانية قدرت تقنعه بنفسها وتخليه يعرض عليها الجواز، وبابا مهما كان لسه شباب، يعني 55 سنة مش كبير، وبيهتم بصحته جدا وعلى طول بيلعب رياضة في الجيم، وماما رافضة ترجع له خالص، فاتجوزها، هي بقه قودامه بتعمل قطة سيامي لكن من وراه.. السيامي دي بتبقى قطة شوارع بتخربش وتعض وتعمل أي حاجة، دا غير انها هتموت لأنى شبه ماما وهي حاسة أنه بابا لغاية انهرده بيحب ماما..

+

سكتت قليلا قبل أن تهتف بنزق:

+

– يوووه يا ندى بتفكريني ليه، ما كل حاجة كانت على يدّك، هو انا كان ليا مكان أروحه أيامها إلا هنا!!!…

+

ندى بأسف:

+

–  سوري يا روني معلهش، انما صحيح يا رنا، إزاي أونكل عبد العزيز وطنط فريدة يتطلقوا وكان بينهم قصة الحب الكبيرة اللي يا ما حكيتي لي عنها دي؟!!!..

+

رنا بابتسامة تنضح مرارة وأسى:

+

– السبب في كلمة واحدة.. غيرة جنونية!!.. هو غيرته عليها فاقت الحد، كل شوية خناق ومصمم يقعدها من الشغل وهي أستاذة جامعه، حتى الطلاب بتوعها كان بيغير عليها منهم، لغاية ما يوم الغيرة اتطورت للضرب، مد إيده عليها وضربها، سامحت مرة والتانية انما التالتة بقه ما قدرتش، وطلبت الطلاق وصممت عليه، ويومها قالت لي.. انها تتطلق ولسه ليه في قلبها بقايا حب وذكريات حلوة أهون عليها من انها تعيش معاه وحبها ليه يتحول لكره، يوم ما اتطلقوا كنا عند خالي، بابا كان بيعيط قودام المأذون وماما على أد ما كانت بتحاول تبان أنها متماسكة لكن كانت منهارة من جوّاها، وسنة ورا سنة وبابا يحاول مع خالي محمود أنها ترجع له وهي رافضة، لغاية ما اتجوز بعد طلاقهم بتلات سنين تقريبا، ويومها عيطت في حضني، حاسيت أنى أنا مامتها، واخترت أنى أعيش معها، لكن طبعا بروح لبابا خصوصا في الأجازات، ورفضت ماما انها تتجوز خالص، الفكرة نفسها مش مقبولة من ناحيتها، وطول ماما مش متجوزة وأنا حاسة انه مرات بابا هتموت من القلق أحسن يرجعوا لبعض تاني، ودلوقتي ماما مسافرة في مؤتمر في لندن أسبوعين وعشان كدا بابا صمم إني أروح أعيش معهم، عارفة يا ندى.. الحب دا أكبر كذبة، والجواز أكبر مقلب ممكن الواحد يشربه في حياته!!!..

+

        

          

                

ندى مفتعلة المرح كي تخرج صديقتها من حالة الحزن الواضحة:

+

– يا سلام، أومال يوسف دا اللي انتى قارفاني بيه من ساعة ما دخلنا وهاتك يا أسئلة يبقى إيه؟..

+

استجابت رنا سريعا لمحاولة صديقتها لتغيير جو الحزن المحيط بهم وأجابت بمرحها المعهود:

+

– لا… لو على جو يبقى أنا مستعدة أجازف وبقلب جامد، يا بنتي هو دا بيتكرر دا؟.. دا مافيش منه!!..

+

ندى وقد اغتاظت من ذكر هذا الـ.. جو:

+

– يا سلام!!.. طيب قومى بقه حضرتك اعدلي نفسك عشان أنور زمانه جاي..

+

لينقلب تعبير وجه رنا الى الامتعاض ما ان سمعت اسم أنور قريب صديقتها وأجابت بعدم سرور واضح:

+

– مين؟.. وجاي ليه ان شاء الله؟..

+

ندى ببساطة:

+

– عاوزة آخد رأيه في كم حاجة كدا عشان خط الانتاج الجديد، وبالمرة بابا عاوز يتناقش معاه بخصوص كم حاجة كدا تتعلق بالدعاية لشغلنا ..

+

رنا بتأفف:

+

– خلاص.. يبقى هروّح بيتنا، أنا سمعت كلامك وأخدت إذن بابا أني أروّح معاكي وأبات هنا انهرده، لكن سي أنور وجدي دا طالما جاي.. أنا مش عاوزة كآبة، ابن خالتك لسانه مسحوب منه، وهيتسلى عليّا طول القاعدة!!..

+

ندى برفعة حاجب ولهجة ماكرة:

+

– أنا مش عارفة انتم الاتنين عاملين زي القط والفار ليه؟.. يعني لا هو بيطيقك ولا أنتي كمان، تصدقي.. أنا خايفة يكون اللي جوّة القلب غير اللي برّه خالص!!..

+

هتفت رنا بحنق:

+

– مين دا؟!!!.. جوة إيه وبره إيه؟.. عاوزة تعرفي اللي جوّة القلب…

+

وبتنهيدة عشق زائفة ورفرفة في جفونها أردفت:

+

– جو!!!!!!!!!..

+

ندى باعتراض ساخط:

+

– مين يا ختي؟… واللي بره بقه ان شاء الله؟..

+

لتختفي ابتسامة العشق ويحل بدلا منها تكشيرة كبيرة ورفعة حاجب وهي تجيب بسخط من بين أسنانها:

+

– أنور وجدي.. مش بس برّه القلب..لالا دا برّه الدنيا كمان!!!!!!!!

+

ليقاطعهما دقات هادئة دلفت بعدها سميرة وهي تقول بابتسامتها الهادئة:

+

– أستاذ أنور في الصالون يا بنتي مع عز بيه…

+

ندى بابتسامة وهي تهب واقفة:

+

– تمام يا دادة… ثواني وأنا هحصّلك..

+

نظرت رنا اليها ببرود:

+

– قولي لدادة سميرة تبعت لي كوباية لمون، وانا هقعد أتفرج ع المسلسل على ما تخلصي يا ست ليلى مراد!!!…

+

لتمسك ندى بالوسادة في غفلة من رنا وترميها بقوة في وجه الأخيرة وهي تقول:

+

– ما شي، من عينين ليلى مراد يا نجمة إبراهيم!!!!!!

 وسرعان ما عدلت هندامها وغطت شعرها بوشاحها وانصرفت تاركة رنا تتابعها بذهول وهي تردد:

+

        

          

                

– نجمة إبراهيم!!.. أنا!!!…

+

ثم تابعت وهي تقلّد تلك الممثلة القديرة في فيلمها الشهير ريا وسكينة:

+

– وماااالو يا شاااااااابّة…. كلُّه منك مقبووووووول.. دا احنا هنريّحوووووووكي!!!!!!!!!..

+

   ———————————————————–

+

رجع أنور بظهره الى الخلف يشبك يديه وراء رأسه فيما ظهرت ابتسامة صغيرة على فمه المظلل بلحيته النامية وقد ارتسم أمام عينيه وجه رنا التي مكثت طيلة الأمسية والامتعاض رفيقا ملازما لها!!!!…

+

ضحكة صغيرة أفلتت منه وهو يتذكر وجهها عندما دلفت الى غرفة الطعام لتناول العشاء برفقة ندى وأسرتها وما إن وقعت عيناها عليه حتى كاد يغشى عليه لحظتها من شدة الضحك الذي كتمه بصعوبة جمّة!.. إذ سقط فكّها الى الأسفل في ذهول شديد وطالعته ببلاهة أشد وهي تتمتم بصدمة:

+

– مـ.. مين؟.. فين؟.. ليـ.. ليه؟!!!….

+

فدفعتها ندى بخفة والتي كانت تسير بجانبها لتتابع سيرها الى المائدة التي رُصّ فوقها أطباق طعام العشاء، لتتخذ مجلسها الى يمين ندى التي جلست الى يمين والدتها فيما جلس هو الى يسار والدها الذي ترأس المائدة ليكون مقابلا لها!!…

+

عمدت الى تحاشيه طوال فترة تناول العشاء والذي يكاد يجزم أنها لم تعلم ماهيته، فقد كانت تدفع الطعام الى فمها وكأنه واجبا ثقيلا تبغي الخلاص منه سريعا، ولكن.. لم يكن هو ليدع فرصة كهذه تمر دون أن يستفزها ويثير غيظها!!.. فهي تبدو شهية لغاية حين تغضب خاصة حينما يحمر وجهها الذي يماثل القشدة بياضا حتى يغدو شبيها للون الفراولة الطازجة، ولو أنه يعتقد أنه ليس لون بشرتها فقط ما يحاكي لون القشدة بل ملمس هذه البشرة تبدو ناعمة وطرية.. تماما كالقشدة!!!!..

+

أفلتت منه ضحكة صغيرة حين تذكر نظرة السخط التي حدجته بها وهو يطلب منها أن تناوله الملح من أمامها، لتمسك به وتمد يدها إليه وكأنها تنوي قذفه به، ليزيد من غيظها بابتسامة باردة وهو يقول رافعا حاجبه باستفزاز:

+

– من ايد ما نعدمها…

+

لتمتم بصوت منخفض ظنت أنه لن يسمعه ولكنه وصله بوضوح حتى أنه كاد يغص بطعامه:

+

– من إيد ما تمسكها!!!!!…

+

وما إن علم بأنها ستقضي الليلة لدى ندى حتى سارع بتلبية عرض خالته بالمبيت فقد تعدت الساعة الثانية عشر ليلا وهو من قصد المماطلة في الذهاب لهذا الغرض، فهو يعلم تماما مدى طيبة قلب خالته والتي من المؤكد ستعرض عليه هذا العرض خاصة وأن له غرفة خاصة في منزل خالته منذ أن كان يأتي هو ووالدته وأخيه لقضاء يومي أجازة نهاية الأسبوع سويا، وكان والده رحمه الله يعمل في الخليج مهندسا للبترول على إحدى قاطرات النفط الكبيرة هناك حيث قضى نحبه في حادث قضاء وقدر وتم صرف تعويضا كبيرا للورثة استلمها زوج خالته عز الدين فهو لم يكن لديه أعمام وكان عمره حينها أربعة عشر عاما..

1

        

          

                

لن ينس أبدا مساعدة خالته لأمه لاجتياز هذه الفترة العصيبة، وكانت ندى كالبلسم الشافي له ولأخيه الأكبر الذي كان يكبره بعامين وكان أشد صلابة منه في تحمل هذه الفاجعة، ندى ليست ابنة خالته وفقط بل هي أخته التي لم تلدها أمه، تماما كيوسف من كان سنده وكتفه التي بكى عليها في غفلة عن أمه وأخيه الأكبر، فيوسف هو نفسِه التي لا يخجل من أن يظهر ما يخفيه عن الآخرين أمامها، عكس الأخير.. فهو كتوم شديد الكتمان، وصلب لدرجة تنافس الصخر في قساوته وجلموده، وقد يكون هذا ما جعله يجتاز ألم وفاة والديه وشقيقه وشقيقته في حادث سير مروّع فيما نجا هو وحده وكان عمره لا يتعدى الثانية عشر!!!..

+

وقتها كانا زملاء دراسة وأصدقاء، احتوته والدته وأسبغت عليه من حنانها وكان شقيقه الأكبر بمثابة أخا ليوسف أيضا، ولكن صمم خليل عمّ صديقه على أن ينتقل للعيش لديه لتبدأ مرحلة أخرى من حياة يوسف قد تكون هي السبب فيما هو عليه من برود صقيعي ولا مبالاة بل وجمود قلب واضح!!.. فقد عانى الأمرَّيْن من زوجة عمه، التي كانت تعمد دائما على التقليل من شأنه خاصة وأنه كان متميزا عن ابنها ذلك الغرّ الفاشل، حتى إذا ما شبّ يوسف عن الطوق وأصبح مراهقا ابن السابعة عشر بدأت ابنة عمه ترسل الاشارات عن ميلها الواضح له بل وافتتانها به، ليقف أمامها حائطا سدّا، فهو لا يفكر في مثل هذه الأمور الآن، فتغتاظ وتحيك له مكيدة مع أمها وشقيقها الذي كان يغار منه لتفوقه الدراسي فيما هو فاشل دراسيا، فطرده عمه بعد أن كاد يضربه فوقف يوسف لأول مرة يصد عن نفسه أمام عمه،  ليقرر بعدها العودة إلى شقة والديه ليحيا مع ذكرياته فيها وسطهما ومع شقيقيه، وما إن بلغ يوسف سن الرشد حتى أخبره عمه أنه لا ورث له لديه، فقد استنفذ نقود والده كلها في إكمال تعليمه فهو كان في مدرسة لغات خاصة والذي كان والده قد ألحقه بها فلم ينقله عمه منها، وحينما سأله عن ميراث والده من الأرض هاج وماج وأخبره أنه لا حق له عنده فهذه الأرض هو من يعتني بها ليأتي هو ويأخذها بدون تعب!!.. ونسي أن الميراث حق من حقوق الله، يجب إعطائه لمستحقيه، وأن من يأكل مال اليتيم فكأنه يأكل في بطنه نارا، ولكن ألهاه الشيطان عن ذلك، وبخَّت زوجته في أذنيه سمّها فهي لم تنس أن يوسف قد رفض ابنتها وكانت تريده أن يقع في شباك الأخيرة كي يصبح ميراث يوسف لهم كاملا!!.. ولكن رحمة الله كبيرة، فقد توفرت فرصة عمل نادرة ليوسف في إحدى بلدان الخليج العربي، استطاع أن يوفر فيها مبلغا كبيرا بعد أن اغترب لأكثر من خمس سنوات، ويعود بعدها إلى أرض الوطن وهو يملك شقة فاخرة وإن كان لا يزال يحتفظ بشقة والديه القديمة، وسيارة فارهة على أحدث طراز، ومبلغ لا يستهان به في رصيده البنكي، وأيضا شاركه بنسبة النصف في وكالة الدعاية والاعلان خاصته، ومع أن هذا النجاح كله كفيل بجعله يشعر بالنشوة والفرح ولكنه يشعر أن صديقه لم يعد يعرف مذاق السعادة أو حتى كيفية الشعور بها؟!!!!…

 تنهد أنور عميقا وهو يتذكر كيف كان يلازم صديقه دائما، في جميع مراحل حياته، فهو لم يتركه للحظة، وكيف أن يوسف كما كان متفوقا في الدراسة فقد لازمه تفوقه هذا في الرياضة وتحديدا في رياضة الملاكمة، والتي رعاه فيها أستاذه في المدرسة منذ أن كان في الخامسة من عمره ولم يتركه حتى بعد وفاة والديه وانتقاله لعمه ثم عودته وحيدا مرة أخرى، فقد تنبأ له بمستقبل رياضي باهر، وتدريجيا بدأ يلاحظ مدى القسوة التي غلفت قلب صديقه، خاصة بعد عودته واستقراره في الوطن ثانية، حاول كثيرا أن يجعله يرمي قناع البرودة والصلابة جانبا فهو أكثر من يعلم أي قلب حنون يملك، تذكر كيف كان يوسف يواجه محاولاته هذه بابتسامته الساخرة قائلا له “أن من يموت لا يعود للحياة ثانية وقلبه قد مات بل وشبع موتاً!!!”…

+

        

          

                

صوت رنين هاتفه المحمول أيقظه من ذكرياته لينظر الى شاشته فيطالعه اسم يوسف فابتسم ورفع الهاتف وهو يقول في داخله:

+

– مش كنت افتكرت مليون جنيه!!!..

+

وما إن قال:

+

– آلو….

+

حتى انطلق الطرف الآخر بكلمات حادة على مسامعه، فأغمض أنور عينيه وانتظر قليلا الى أن هدأ الطرف الآخر ثم فتح عيناه وقال بهدوء:

+

– خلصت خلاص؟!!… أقدر أفهم أنت مالك بالظبط؟.. لا تكون فاكر نفسك كاتب عليا عرفي زي البنات بتوعك إياهم؟!!!..

+

يوسف بانفعال:

+

– يا بني آدم بطّل سماجتك دي، احنا مش متفقين اننا هنسهر مع بقية الشلة انهرده عند باهر؟..

+

خبط أنور جبهته براحته اليمنى وكشر قائلا:

+

– آخ!!!.. تصدق نسيت!!

+

يوسف ساخرا:

+

– اللي واخد عقلك يا كابتن، يا ترى إيه اللي نسّاك؟..

+

أنور متمتما بينه وبين نفسه:

+

– حجر كهرمان هو اللي نسّاني نفسي مش المعاد وبس!!!

+

يوسف بتساؤل:

+

– بتقول إيه يا بني أنت؟…

+

أنور بنزق خفيف:

+

– ولا حاجة يا جو، معلهش بقه اعتذر لي من الشباب، نعوضها إن شاء الله..

+

يوسف ببرود ظاهري:

+

– تمام، وانت فين على كدا بقه؟..

+

 أنور ببساطة:

+

– أبدا… الوقت اتأخر وخالتي صممت أني ما أروحش وانت عارف أمي معها البنت حسنات، طول ما هي معها وأنا بكون مطمن عليها، دا غير عم أيوب البواب ومراته  أم صابر، فوافقت.

+

يوسف بمكر:

+

– امممم، قصدك تقول أن خالتك عرضت عليك تبات عندهم عشان الوقت اتأخر وانت وافقت مع اني بيتهيألي كدا انه المسافة بين بيتكم وبيت خالتك يدوب شارعين!!!!!!!!!..

+

أنور بتبرّم:

+

– أووه يا جو.. هو تحقيق، المهم أشوفك الصبح أن شاء الله، واعمل حسابك هنشتغل على فكرة حملة جديدة لخط الانتاج الجديد للمجموعة عند جوز خالتي، هنقدم الفكرة للمسابقة وأنا متأكد اننا هنفوز إن شاء الله، أنا انهرده اتناقشت كتير في الأفكار مع عمي عز وهو مبسوط جدا منها..

+

يوسف ببروده المعهود:

+

– وطالما جوز خالتك مبسوط ما ناخدش ليه الحملة بالأمر المباشر..

+

أنور ببساطة:

+

– ندى معندهاش وسايط..

+

يوسف بسخرية:

+

– يعني هي ندى بنت خالتك دي فاهمه في كل حاجة حتى شغل الدعاية والاعلان؟..

+

أنور بطولة بال:

+

        

          

                

– يا جو لأ.. ندى مش هتتدخل في نتايج المسابقة ولا ليها دعوة خالص، هي عندها مستشار إعلامي للمجموعة وفريق كامل تحت إيده هما دول اللي هيقيموا الأعمال المعروضة عليهم ويختاروا من بينهم أحسن فكرة، يعني ندى برّه الليلة دي كلها…

+

يوسف بملل:

+

– ماشي يا كابتن، اتنورت المحكمة، أنا هسيبك دلوقتي وأشوفك الصبح إن شاء الله..

+

أنور :

+

– تماما يا جو، سلم لي ع الشباب..

+

يوسف بلا تعبير:

+

– لا.. أنا ما سهرتش معهم، انت عارف مش بحب أسهر من غيرك..

+

أنور مقطبا:

+

– أومال انت فين؟.

+

يوسف رافعا طرف فمه في شبه ابتسامة بينما عيناه تتجولان بحرية على تلك التي تتغنج عليه منذ وصوله الى هذا المكان الشديد الخصوصية والذي يملكه يوسف:

+

– أنا بقضي ليلة الدخلة!!!!!!…

1

وأنهى المكالمة فيما كان أنور يجيب ببساطة:

+

– آه.. ليلة الـ….

+

ليهتف عاليا وهو يفتح عينيه على وسعهما:

+

– ليلة إيه؟…. جو… أنت يا بني آدم!!!!!!

+

ولكن قابله نغمة ” طوط.. طوط.. طوط”.. من الناحية الأخرى من الهاتف، ليتمتم أنور بدهشة:

+

– انت لحقت يا بني… دا انت لسّه مفركش مع دوللي امبارح لحقت لَضَمْت مع غيرها؟.. بتلاقيهم فين  جاهزين لك وبالسرعة دي؟.. 

+

ثم تنهد أسفا على حال صديقه وهو يردف بدعاء خالص:

+

– ربنا يهديك يا صاحبي..

+

                     *****************************

+

دلفت رنا الى مكتب رئيستها ووضعت البريد فوقه فيما كانت الأخيرة مشغولة بحاسوبها الشخصي، حتى إذا ما انتبهت لرنا التي تقف أمامها تطالعها بابتسامتها المرحة قالت وهي تخلع نظارتها الطبية وتضعها فوق الأوراق المنتشرة فوق سطح المكتب الخشبي المصقول:

+

– أهلا بالسكرتيرة الفاشلة، عندك تأخير نص ساعة يا هانم…

+

رنا بتوسل زائف:

+

– سماح النوبة دي يا كابيرة، مش مني بجد.. الموب عملها معايا مع إني ظابطة المنبه لكن معرفش إيه اللي حصل؟..

+

ندى بابتسامة ساخرة:

+

– آه… تلاقيكي وكالعادة إيدك كتمت على نفسه، فهيعمل لك إيه يعني؟.. المهم.. أخبار مسابقة الحملة الاعلانية إيه؟..

+

رنا بحماس:

+

– تمام، أول حاجة عملتها لما جيت إني كلمت غسان.. بصراحة بيقول فيه أفكار كتير أوي حلوة، وهو حاليا قودامه فكرتين أو تلاتة بيفاضل بينهم عشان يبتدي ينسق مع وكالة الدعاية اللي هتتولى الحملة بتاعتنا..

+

        

          

                

ندى بسرور:

+

– ممتاز…

+

لاحت من رنا نظرة الى بنصر ندى الأيسر ليشحب وجهها وتقول بابتسامة مرتعشة:

+

– اللاه.. إيه دا يا ندى؟.. أنتي رجعتي لبست الدبلة تاني؟..

+

ندى بطبيعية وهي ترفع يدها تطالعها بنصرها الأيسر الذي يزينه محبس من الألماس الوردي على قاعدة من الذهب الأبيض:

+

– آه يا روني اسكتي، ما صدقتش لما سامي الجواهرجي كلمني وقالي أنه لاقى نفس نوع فصوص الألماس اللي في الدبلة، ما انتي عارفة أنه الألماس الوردي دا نادر أوي ومعرفش إزاي فص وقع من الدبلة، هو بقه ركب لي واحد تاني من نفس النوع بالظبط، يااه يا روني تصدقي إني كنت حاسة أنه فيا حاجة غلط؟.. إيدي كنت بتكسف منها.. كنت بحس أنها عريانة!!!..

+

رنا بشبح ابتسامة مهزوزة:

+

– مبـ.. مبروك حبيبتي، ولو إن كُتر لبسها بردو مش كويس، هو دا اللي خلّا فص يقع منها، إنتي عارفة الحاجات دي لازم التعامل معها بحرص..

+

سكتت لثوان قبل أن تتابع بلا مبالاة زائفة:

+

– ما تبقي تلبسيها في المناسبات بس وخلاص، يعني بلاش عمّال على بطّال!!!..

 طالعتها ندى باستنكار هاتفة:

+

– لا طبعا!!… إيه يا بنتي دا؟.. أنا مش ممكن أفرّط في دبلة معتز، أنا وعدته ومقدرش أخلف وعدي ليه أبدا، إنتي عاوزاه يزعل مني..

+

رنا هاتفة بدون وعي منها:

+

– وهو هيعرف منين بس؟!!!!..

+

لتبتلع لسانها ما إن طالعتها نظرة اللوم والعتاب من عيني ندى التي قالت ببرود مغيرة دفة الحديث:

+

– اطلبي لي غسان يا رنا عشان أشوف آخر الأخبار، وجهزي لي لاجتماع لرؤساء الأقسام، وعرفيهم أنه عز الدين بين هيكون موجود، عشان عاوز بنفسه يراجع شغل المجموعة في الفترة اللي فاتت، انتى عارفة مش بينزل الشغل كتير…

+

رنا بمهنية وقد علمت أن ندى قد قررت تجاهل ملاحظتها عمدا:

+

– تمام.. حالا هكلم مستر غسّان وهرتب للإجتماع، نقول بعد ساعة من دلوقتي؟..

+

رفعت ندى معصمها لتنظر الى ساعة يدها الجلدية ماركة “شانيل” قبل أن تجيب بهدوء:

+

– ساعة ونص، أكون خلصت اجتماعي مع غسان وشربت القهوة بتاعتي..

+

ابتسمت رنا وقالت وهي تهم بالذهاب:

+

– حالا هخلي عم مدبولي الساعي يجيب القهوة لك بتاعتك، وهبعت لمستر غسان…

+

مرت أحداث اليوم في دوامة العمل وكان والدها قد أثنى على حسن إدارة ابنته للمجموعة مع طاقم العمل ككل، كما رشّح غسان وكالة أنور للقيام بالحملة الاعلانية الضخمة لخط الانتاج الجديد الخاص بأزياء المحجبات والأطفال بدءا من سن أربع سنوات وحتى سن السادسة عشر عاما…

+

        

          

                

دلف أنور سريعا الى غرفة مكتب يوسف دون أن يكلف نفسه عناء طرق الباب ليجد الأخير وهو يستريح فوق أريكة مكتبه الجلدية العريضة وكان قد خلع سترته وفك ربطة عنقه وثنى أكمام قميصه الى المرفقين، ورقد رافعا ساقيه فوق ذراع الأريكة وواضعا ذراعه الأيمن فوق جبهته، غير واع لدخول أنور الذي سرعان ما اقترب منه في خطوات سريعة وهتف به في حماس قوي:

+

– جوووو… ليك عندي خبر هيفرحك جدا…

+

جو ببرود من تحت ذراعه الذي لا يزال يغطى نصف وجهه العلوي:

+

– خير يا وشّ الخير… هنعمل دعاية لفيلم السقا الجديد؟…

+

أنور وقد كشّر ممتعضا:

+

– إيه يا جو دا؟. مش لازم لها تريقة..

+

جو بذات البرود الجمّ:

+

– ما احنا بقالنا فترة كل الاعلانات اللي بتجي لنا مش على قد كدا، فخبر إيه يفرَّحك أوي كدا إلا إذا كنا هنعمل اعلان لفيلم السقا أو لـ…

+

ليهتف أنور بسرور:

+

– أو لشركة الندى للاستيراد والتصدير!!!!..

+

سكوت تام أعقب إطلاقه لهذا الخبر  جاء بعده سؤال يوسف المتشكك الذي أدلى به وهو ينزع ذراعه من فوق جبهته بالحركة البطيئة فيما يقطب بين حاجبيه في ريبة:

+

– إيه؟.. بتقول إيه؟..

+

ضحك أنور عاليا وأجاب بحماس:

+

– بقول مستر غسان المستشار الاعلامي لمجموعة الندى اللي أحنا عرضنا عليه فكرتنا لسه السكرتيرة بتاعته مبلغاني إننا فزنا في المسابقة وحددت معاد معه بكرة الساعة تسعة الصبح ان شاء الله عشان نمضي العقد..

+

اعتدل يوسف في جلسته وقد أنزل ساقيه إلى الأسفل واستند بمرفقيه فوق ركبتيه متطلعا إليه بعمق قبل أن يقول بتساؤل:

+

– ويا ترى إحنا أخدناها بالتزكية ولا عشان فكرتنا فعلا حلوة؟. 

+

تأفف أنور وهتف:

+

– يووووه.. إنت يا بني متعرفش تفرح أبدا؟.. لا يا سيدي إطمن.. ندى أساسا مالهاش علاقة بالمسابقة دي خالص، كل حاجة في إيد غسان والفريق اللي معاه.. اتفضل بقه يا حضرة المخرج العظيم علشان نناقش الأفكار اللي أنا حطيتها ونبتدي نشوف التيم اللي هيشتغل معنا..

+

نهض يوسف وهو يقول:

+

 – تمام، بس أنا عاوز وجه جديد للحملة دي، إعمل اعلان مطلوب موديلز، عاوزين كل حاجة تكون جديدة ومبتكرة سواء الأفكار أو العارضات أو ..

+

قاطعه أنور وهو يشير أليه بسبابته غامزا بمكر:

+

– أو الإخراج… صح؟!!!!..

+

أومأ يوسف برأسه بابتسامة غرور لا تليق إلا به، ولما لا وهو أبرع مخرج إعلانات في مجاله!. وشرع الإثنان في البدء في وضع الخطوط العريضة للحملة الدعائية، فهي فرصتهما الذهبية لتلمع إسم وكالتهما الإعلامية بحروف من نور خاصة وأن مجموعة الندى الاستثمارية من أعرق المؤسسات الاستثمارية في البلد..

+

        

          

                

تعالى رنين هاتف يوسف الشخصي، الذي ما إن رأى إسم المتصل حتى تلقى المكالمة وما إن سمعه أنور حتى تسمّر في مكانه، حيث كان يقول ببرود صقيعي:

+

– بقولك إيه يا جمانة… أنا مش فاضي للهرتلة دي.. إيه؟.. عشا إيه وغدا إيه؟.. فوقي يا ماما.. إنتي فاكرانا اتنين متجوزين بجد؟.. 

+

سكت يوسف قليلا تابع بعدها بغضب بارد وقد احتلت وجهه الرجولي الجذاب تكشيرة كبيرة:

+

– بقولك إيه يا جمانة أظن أنا ما كذبتش عليكي، أنت كنت عارفة حدود علاقتنا إيه وموافقة عليها، أنا مش بتاع جواز ومراتك وبيتك وكلام من دا.. نعم؟.. حرام عليا؟.. ليه؟.. أنا مش بعمل حاجة غلط.. دا جواز.. والجواز أساسه الإشهار.. وأنا قلت لك عاوزة تقولي للدنيا كلها براحتك لكن أنا لا بدخل بيوت حد ولا بحط إيدي في إيد حد، إحنا بنقضي يومين حلوين مع بعض، فهمتي الكلام يا بنت الناس ارتحتي، انما شغل الزوجة دا واتأخرت وبيبي ومش بيبي.. يبقى آسف يا…. بيبي!!!!.

+

سكوت أعقبه انهيار من الطرف الآخر حتى أن أنور استطاع سماع صياحها وهي تهتف وقد ظهر البكاء واضحا في صوتها:

+

– قصدك إيه أنا مش فاهمه يا يوسف؟..

+

يوسف ببرود تام:

+

– قصدي اللي فهمتيه يا جمانة.. أرجع ما ألاقيكيش في البيت.. المفتاح تسيبيه تحت الدوّاسة.. 

+

همّ بإنهاء المكالمة قبل أن يردف قائلا بلا مبالاة:

+

– وآه… معلهش كنت هنسى.. أنتي طالق يا جمانة.. طالق… والورقة اللي بيننا كأن لم تكن.. هقطعها، ولو عاوزة تتأكدي هصورهالك وأبعتهالك ع الواتس وهي حتت.. حتت!!

+

صراخ عال صدر جعل يوسف يبعد الهاتف عن أذنه:

+

– بقه كدا يا يوسف؟.. بس افتكر أنك أنت اللي ابتديت.. مش جمانة اللي تلعب بيها الكورة، صدقني هتندم يا يوسف… وابقى افتكر كلامي دا كويس أوي!!!…

+

يوسف ببرود شديد:

+

– لو رجعت ولاقيتك لسه موجودة مش هيحصلك كويس يا.. بيبي!!!

 وأغلق الخط قبل أن يتثنى لها الكلام، ثم رمى بهاتفه جانبا، ليلاحظ سكوت أنور التام ومراقبته له، فنظر إليه قائلا بابتسامة ساخرة:

+

– إيه.. مش هتعمل فيها مصلح إجتماعي زي كل مرة وتقولي حرام عليك يا جو؟..

+

أنور ببرود وهو يرثي في داخله لحال صديقه:

+

– مهما قلت لك مش هتسمع مني يا جو، لكن بجد أنا خايف عليك..

+

يوسف باستهانة:

+

– خايف عليا؟.. من إيه يعني؟.. تكون فاهم أنها هتقدر تعمل حاجة بتهديدها دا؟.. لالا.. دي جعجعة فاضية!!!..

+

أنور بهدوء:

+

– لا يا صاحبي.. خايف عليك من ظلمك لنفسك ولغيرك يا يوسف..

+

        

          

                

هتف يوسف بغضب وقد بدأت واجهة البرود التي يعتمدها دائما بالتصدع:

+

– ظلم لغيري؟. أنا عمري ما كدبت على واحدة من اللي أنا اتجوزتهم يا أنور، كلهم كنت صريح معهم لحد الوقاحه، وهما كانوا أوقح من الوقاحة  نفسها، أنا عرضت وهي قبلت يبقى خلاص، أنما بقه تعيش لي في الدور وتعملهم عليّا وفاكرة نفسها ذكية يبقى آسف… ولا واحدة من اللي أنا اتجوزتها عرفي تستاهل تشيل إسمي أو أأمنها عليه، دا غير إني أساسا موضوع الجواز دا من سابع المستحيلات إني أفكر فيه..

+

أنور بزفرة يأس من تعنت صديقه:

+

– طيب وأفرض قابلت الانسانة اللي حبيت انك تكمل معها مشوار حياتك، يا ترى هتكون صريح معها وتقولها على ماضيك الأسود دا؟.. ولا هتخبي؟.. ولو صارحتها يا ترى هي هتقبل ترتبط بواحد أسهل حاجة عنده أنه يكتب ورقة ويقطعها تاني يوم وحجته في كدا أنه مش بيعمل حاجة حرام مع إنه الجواز العرفي دا حرام وبالتلاتة كمان؟!!!..

+

هتف يوسف بحنق:

+

– يووووه يا أنور، تاني؟!!!.. أنور بقولك إيه.. حتة حلال وحرام دي ابعد عنها، لأنه شيوخ كتير قالوا الأصل في الجواز الإشهار وأنا مش بخبي، هي بقه عاوزة تقول، تخبي، براحتها، أنا مش بتجوز رسمي عشان مش عاوز صداع ووجع دماغ..

+

هتف أنور باستهجان تام:

+

– يا سلام.. متعرفش أنه لازم للبنت اللي هتتجوزها ولي وإلا جوازكم يكون باطل؟!!!

+

يوسف بابتسامة ساخرة:

 – مش لما تبقى بنت الأول؟… البكر هي اللي يلزم ليها ولي لكن اللي سبق لها الجواز قبل كدا فهي وليّة نفسها!!!

 هتف أنور بصدمة:

+

– إيه؟.. سبق لها الجواز؟!!!… أنت كل جوازاتك…

+

قاطعه يوسف باستهزاء:

+

– مدامات قبل كدا، أومال انت فاكر إيه؟.. معقول أتجوز أنا بنت بنوت وأضحك عليها عشان نكتب ورقة عرفي؟.. لا يا صاحبي.. اللي بتجوزهم بتكون مش دي أول ولا تاني ولا تالت مرة حتى بالنسبة لهم، وبكون متأكد من كدا… ما تخافش على صاحبك… المهم خلينا في شغلنا وسيبك من ..

+

أنور بمرح ساخر:

+

– من حريم السلطان صح؟..

+

طالعه يوسف بنصف عين قبل أن يجيب من بين أسنانه:

+

– ماشي يا خويا… يا صاحب السلطان.. نركز بقه شوية خلينا نخلص…

+

وبالفعل مر الوقت بعد ذلك سريعا وهما يعملان بشكل دءوب على أفكار الحملة الإعلانية الضخمة….

+

                 **********************************

+

أنهت ندى كلمتها الافتتاحية للمؤتمر الصحفي الذي عقدته في قاعة الاجتماعات بهذا الفندق الشهير ذو الخمس نجوم، ثم شرعت في شرح فكرة الانتاج الجديد لمجموعة الندى الاستثمارية، ثم فتحت باب الأسئلة للصحفيين الذي قامت بدعوتهم لحضور المؤتمر وبعدها صعد غسان المستشار الاعلامي الى المنبر للترحيب بوكالة الدعاية والاعلان التي تولت الحملة الدعائية وبعدها دعا كل من أنور ويوسف لإلقاء كلمة بهذه المناسبة والاجابة على أسئلة الحضور..

+

        

          

                

وقفت ندى بجوار رنا ومعهما غسان يتبادلون الحديث حول نجاح المؤتمر حينما اقترب منهم أنور مبتسما حتى إذا ما وقف بجوار ندى قال بابتسامة هادئة:

+

– ألف مبروك يا نادو، أنا متأكد أنه أزياء الندى هتنجح تمام زي باقي شغل المجموعة..

+

ابتسمت ندى فيما قال غسان بلهجته اللبنانية:

+

– حَكْيَك مضبوط أستاز أنور… بيكفّي إسم ندى خانوم لا تنجح أي شغلة مما كان يكون..

1

ندى بخجل فطري وقد اصطبغت وجنتيها باللون الأحمر القاني:

+

– ميرسي يا جماعة، النجاح دا هيكون بفضل ربنا سبحانه وتعالى أولا ومجهودنا كلنا ثانيا…

+

رنا بابتسامة مرحة:

+

– لا بس بصراحه مستر غسان عنده حق..

+

ثم تابعت مقلدة اللهجة اللبناينة:

+

– لاك تؤبر ألبي شو مهضومة إسمك وراسمك.. 

+

ضحك غسان بشدة فيما ارتسمت ابتسامة صفراء على وجه أنور لم تعرها رنا بالًا، قال غسان بابتسامته العريضة بينما شعره البني الناعم الطويل الذي يغطي نهاية عنقه يتراقص حول وجهه وعلى كتفيه العريضين في تلك السترة التي تدل على ماركتها الشهيرة والتي تغطي جسدا رياضيا ممشوقا فيما لمعت عيناه اللتان تضاهيان لون السماء الصافية:

+

– لاك ماشا الله عليكي آنسة رنا… اللهجة اللبنانية بتطلع مَعِكْ منيحه…

+

رنا بضحكة مرحة:

+

– تربايتك أستاز غسان..

+

غسان بمرح مشابه:

+

– برافو آنسة رنا… تلميذة مجتهدة فعلا.. بس بلا مستر.. أنا ما بحب الرسميات بشغلي.. أنا غسان وأنتي رنا….

+

ليوجه باقي كلامه الى ندى قائلا:

+

– إنتي شو رايك ندى؟..

+

ندى بابتسامة مرحة:

+

– بصراحه يا غسان انت معنا بقالك أكتر من سنة وفعلا أحنا حاسين أنه إنت واحد مننا…

+

قالت رنا ببساطة متجاهلة الشرارات التي تتقافز في عيني أنور الدخانيتين:

+

– وأنا أكيد معنديش مانع!!!….

+

كاد أنور ينفخ بضيق وهو يرى هذه الحمقاء تقف وتتبادل المزاح بمنتهى الاريحية مع غسان الذي فوجئ به فهو لم يكن يعلم أن من جاء خلفا للسيد فرغلي المستشار السابق الرجل الستيني العمر.. فما هو إلا شابًّا يكبره فقط بعامين حيث يبلغ الخامسة والثلاثين من عمره بل ويمتلك وسامة رجولية مذهلة!!!…

+

قاطعت ندى شروده بصوت منخفض قائلة:

+

– مبروك يا أنور، بجد أنا فرحانة أوي انك أنت اللي فزت في المسابقة..

+

أنور بابتسامة:

+

– الله يبارك فيكي يا نادو، وبعيد عن أي حاجة.. مكسب لينا فعلا الشغل مع مجموعة كبيرة زي المجموعة عندكم وأنا…

+

        

          

                

بتر عبارته فجأة وصمت لثوان فطالعته ندى بتساؤل ليبتلع ريقه بصعوبة ثم يسألها بصوت خرج بالرغم منه مهزوزا:

+

– إيه دا… أنتي لبستي دبلتك تاني؟..

+

حانت منها نظرة الى بنصر يدها اليسرى قبل أن تجيب بتلقائية وابتسامة تنير وجهها:

+

– آه، الحمد لله سامي الجواهرجي قدر يصلحها لي… 

+

هز أنور رأسه بإيماءة شاردة ليقاطع صمته يد يوسف التي أمسكت بمرفقه فيما تحدث الى ندى بصوته الرخيم قائلا وهو يطالعها بنظراته الناعسة بينما يمسك بين أصابع يده الأخرى بسيجارة مشتعلة:

+

– مبروك يا باش مهندسة.. وإن شاء الله شغلنا يعجبك..

+

ندى برسمية بعد أن رمقته بطرف عينها:

+

– الله يبارك فيك، بس المهم الشغل مش يعجبني أنا… المهم أنه يعجب المستهلك…

+

ثم أومأت برأسها وهي ترفع يدها اليسرى لتشير الى رنا بمرافقتها:

+

– عن إذنكم….

+

تابع يوسف انصرافها بنظرات مذهولة، ولم يعي لاستئذان غسان بالانصراف هو الآخر، كما نسي السيجارة المشتعلة بين أصابعه والتي كاد رمادها أن يحرقه، فسارع برميها على الأرض وداس عليها بحذائه الايطالي الفاخر، ثم جذب أنور من مرفقه حتى انزويا في ركن هادئ بعيدا عن ضوضاء الحفل قبل أن يسأله بعقدة جبين عميقة:

+

– هي بنت خالتك مرتبطة؟..

+

لف أنور رأسه اليه فجأة وطالعه في استغراب شديد جعل يوسف يتحدث بحدة:

+

– ما تبصليش كدا… الدبلة في إيدها واضحة زي الشمس، انما.. هي لحقت ترتبط أمتى أنا أول مرة أشوف الدبلة في إيدها؟..

+

أنور بزفرة عميقة:

+

– ندى مرتبطة من زمان يا جو…. 

+

يوسف بلا مبالاة ظاهرة وهو يراقب الناس من حولهما:

+

–  اممم، من امتى يعني؟.. وفين هو خطيبها؟.. مش المفروض يكون موجود إنهرده؟..

+

استدار أنور ووقف كلية أمامه قبل أن يجيبه بجدية:

+

– ندى مرتبطة من أكتر من خمس سنين، ولو حسبنا بالظبط نقدر نقول أنه من أول يوم عرفوا بعض فيه يبقى من أول ما ندى فتحت عينيها على الدنيا وهو جنبها ما سبهاش لحظة…

+

قطب يوسف وقد إزدادت حيرته أضعافا مضاعفة:

+

– إيه الألغاز اللي انت بتتكلم بيها دي يا أنور؟.. وفين خطيبها دا؟.. مش شايفينه يعني!!!.

+

أنور بجمود:

+

– خطيبها يبقى معتز…

+

يوسف باستفهام:

+

– معتز اللي انت قلت لي أنها رهنت له الباقي من عمرها؟.. 

+

أومأ أنور موافقا فأردف يوسف باستفسار وهو يتطلع هنا وهناك:

+

– بس غريبة.. فينه يعني مش شايفه؟..

+

أنور وهو يطالعه بلا تعبير:

+

– ومش هتشوفه يا جو….

+

قطب يوسف وتساءل في توجس وشك:

+

– وليه مش هشوفه؟.. أنت تعرفه طيّب؟..

+

أنور بتنهيدة أسى عميقة:

+

– أيوة يا جو.. أنا أعرفه كويس أوي، وأنت كمان تعرفه!!!..

+

نظر اليه يوسف بتقطيبة حائرة وهو يفكر لتنفك عقدة جبينه وترتفع حاجبيه الى الأعلى حينما أردف أنور بحزن:

+

– خطيبها يبقى معتز… معتز زيدان!!!!..

+

ليهتف يوسف بصوت منخفض بغير تصديق:

+

– انت قصدك تقول أنه خطيبها يبقى….

+

كادت دمعة تفر من عيني أنور وهو يقول باستسلام:

+

– أيوة يا جو… زيزو.. معتز.. أخويا!!!!… 

+

يوسف مرددا بذهول:

+

– إيه؟.. معتز!!!.. مش ممكن!!.. إزاي ما ربطش بين الاسم اللي قلته وبين معتز أخوك؟.. 

+

أجاب أنور بابتسامة أسف صغيرة:

+

– انت ناسي إنك وقتها كنت في دبي، انت قعدت بعيد عنَّا تقريبا خمس سنين، نفس الفترة اللي ارتبطوا فيها وبعدين حصل اللي حصل..

+

يوسف بهزة رأس موافقة:

+

– صح، أنا وقتها ما صدقت جالي شغل دبي ولاقيتها فرصة كويسة أعمل فيها قرشين اللي شاركتك بيهم في وكالة الاعلانات بتاعتنا، يمكن عشان كدا ما حصلش اني شوفت بنت خالتك دي قبل كدا، بس أنا ماجاش في بالي خالص وانت بتحكيلي عنها أنه معتز اللي كلمتني عنه هو نفسه معتز أخوك.. خصوصا أنك بتتكلم عنها وعن الشخص اللي بتحبه وكأنه معها؟!!! أنما معتز أخوك….

+

قاطعه أنور بابتسامة حزينة:

+

– وهو فعلا معها، مش بيسيبها ابدا!!!.. حتى لو سابنا إحنا، المرحوم معتز عايش جواها مامتش!!!!…

 يوسف هاتفا بانفعال:

1

– معها إزاي؟.. معتز مات من تلات سنين تقريبا!!!!!!!!!!

+

أنور بشرود حزين وهو يراقب ندى وهي تتحرك كالفراشة بين الحضور:

+

– لكن عندها هي لسّه عايش وموجود!!!.. معتز غاب عنها بجسمه بس، لكن روحه معها منين ما تروح!!!..

+

ثم التفت الى يوسف الذي أخرسته الصدمة وأردف بابتسامة أسى صغيرة:

+

– من الآخر.. معتز هو الغائب الحاضر بالنسبة لندى، وندى وقّفت حياتها كلها عليه… عرفت بقه يا صاحبي أنا ليه قلت لك انه ندى أمرها منتهي بالنسبة لك؟!!… قلبها مافيش جوّاه غير معتز وبس… قفلته عليه وشمعته بالشمع الأحمر كمان!!!!!!!..

+

تمتم يوسف بشرود وهو يراقب ندى التي كانت لحظتها تقف مع رنا وتميل برأسها الى الخلف في ضحكة صافية:

+

– معقول!!!… ندى ومعتز؟!!!.. مش ممكن، أنا مش مصدق!!!!!!!!…..

+

                        – يتبع –

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى