Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الخامس 5 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

+

                              

الفصل (5)

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

+

                              

دلفت ندى برفقة رنا الى داخل المطعم الشهير، تقدمهما النادل الى طاولة معدّة لأربع أشخاص فقد أخبرته ندى عن فردا إضافيًّا سينضم إليهما، بعد أن ارتاحتا في مقعديهما قام النادل بوضع لائحتي الطعام أمامهما ولكن ندى – من اعتادت على ارتياد مثل تلك الأماكن – بابتسامة خفيفة أخبرته أنهما ستنتظران رفيقهما الثالث، لتقاطعها رنا هاتفة بغيظ مكبوت:

+

                              

– ممكن تجيب لنا السلطات لغاية ما يشرف الباقي…

+

                              

رمقتها ندى بلوم قبل أن تهز برأسه بالايجاب فطلبت رنا لكل منهما سلاطة سيزار، انصرف النادل لإحضار الطلبات، بينما قالت ندى بعتاب رقيق:

+

                              

– أنا مش عارفة انتي هتفضلي لحد أمتى حاطه أنور في دماغك؟.. يا بنتي أنور دا  أطيب  وأحن منه مافيش، مش عشان ابن خالتي على فكرة.. لكن بجد راجل بمعنى الكلمة، أنتو الاتنين أقرب اتنين ليا ولما بشوفكم مش بتطيقوا بعض كدا بتضايق..

+

                              

رنا بلا مبالاة:

+

                              

– عادي يا نادو، ما تضايقيش نفسك حبيبتي، الموضوع بسيط، احنا الاتنين الكيميا بتاعتنا مش متظبطة سوا، ما فيش مشكلة..

+

                              

قاطعهما صوت يقول بمرح:

+

                              

– ايه حكاية الكيميا والفيزيا هنا؟..

+

                              

رفعت رنا أنظارها لتقع على عينين تلمعان ببريق شيطنة مرحة، فامتنعت عن الرد وهي تدير وجهها جانبا في حين أجابت ندى قائلة:

+

                              

– أهلا يا أنور، أبدا دي حكاية كدا…

+

                              

جلس أنور في المقعد المجاور لندى مقابلا لرنا التي تشاغلت بالنظر الى هاتفها الشخصي، قال أنور مجيبا تحية ندى فيما نظراته مسلطة على كهرمانية العينين:

+

                              

– منورة يا بنت خالتي والله.. 

+

                              

وعن عمد منه أردف موجّها حديثه الى رنا المتشاغلة عنه قصدا:

+

                              

– إزيك يا رنا.. أخبارك؟..

+

                              

رفعت رنا عينيها وببرود تام أجابت:

+

                              

– بتكلمني؟!.. معلهش ما أخدتش بالي، أصلي كنت مشغولة في الفون شوية..

+

                              

أنور بعفوية زائفة:

+

                              

– هو مش رنا بردو ولا غيرتيه؟.. أعتقد ما فيش رنا هنا غيرك؟.. إلا إذا كنت غيرتي الإسم واختارتي اسم تاني كدا يليق بيكي..

+

                              

لم تستطع لجم فضولها فسألته ببرود زائف:

+

                              

– ويا ترى أي اسم في رأيك ينفع لي غير رنا؟..

+

                              

أنور ببساطة وكأن الإجابة أمرا بديهيّا:

+

                              

– أم سحلول!!!!!!!!!

+

                                      

                

لتغص ندى بضحكتها وكانت تهم بتناول كوبا من الماء الذي وضعه النادل أمامهما فور جلوسهما، بينما هتفت رنا بحنق وعينيها تحدقان به بذهول غاضب:

+

– مين؟.. أم مين؟.. ودا على أساس انك سحلول بقه ولا إيه؟…

+

لمعة اعجاب ومضت في عينيه قبل أن تزول سريعا ويرد ببساطة وهو يتمدد في جلسته مكتفا ساعديه أمامه:

+

– دا على أساس لو انك شايفة نفسك… ماما؟!!!!!!!!

+

همّت رنا بالرد عليه بعبارة تخرسه حينما قطعت جدالهما الساخر ندى بكلماتها الرقيقة:

+

– عشان خاطري، ممكن تاخدوا هدنة شوية وتاخدوا نفس كمان؟.. من لحظة ما جيت يا أنور وانتو الاتنين عاملين زي اللي بيحطوا أجوان في بعض!!!… هدنة بس لغاية ما الغدا يخلص ولما نخرج من هنا ارجعوا زي ما أنتم وأكتر، لكن بجد لو فضلتم بالاسلوب دا.. أنا هسيبكم وأمشي..

+

أنور ورنا في نفس الوقت وبغيظ مكتوم:

+

– موافقين.. هدنة عشان خاطرك..

+

زفرت ندى بعمق، ليلتفت أنور اليها وهو يقول بابتسامة:

+

– بالمناسبة.. هنبتدي تصوير الاعلان من بكرة إن شاء الله، فلو عاوزة تحضري.. أهو تشوفي الشغل بيبقى إزاي..

+

ندى بابتسامة هادئة:

+

– أكيد ان شاء الله، انت بس عرفني امتى بالظبط، وأنا هكون موجودة..

+

قطب أنور في ريبة، فجوابها ليس ما توقعه منها، فهي دائما ما تكون ممتلئة حماسا لأي شيء خاص بالعمل، الأمر الذي جعله يتذكر صوتها الحزين والذي جعله يصمم على لقائها، ما إن فتح فمه ليسألها عن سبب حزنها ذاك حتى زادت عقدة جبينه عمقا وهو يلاحظ لأول مرة منذ جلوسه عينيها اللتين كساهما الاحمرار التام، فسأل بجدية تامة:

+

– ندى.. إنتي معيّطة؟!!!

+

ندى بتلعثم وهي تفتعل ابتسامة خرجت مهزوزة رغما عنها بينما رفعت يديها تحاول التأكد من عدم وجود دموع خائنة:

+

– ها!.. لا لا لا … هعيّط ليه يعني؟.. دا دور برد بس مش أكتر!..

+

قطب أنور متشككا، ليلاحظ أرنبة أنفها التي يكسوها اللون الأحمر، نظر الى رنا في تساؤل وريبة ، لتقابله رنا بنظرة محذرة، علم منها أن يتجاوز هذا الأمر، بينما شردت ندى فلم تنتبه للنظرات المتبادلة بينهما، ليقطع النادل الصمت السائد بحضوره لتسجيل طلباتهم، أنور بحزم لا يقبل النقاش:

+

– هتتغدوا إيه يا جماعة؟.. وقبل أي كلام أنا اللي عازمكم… 

+

ونظر الى رنا نظرة خاصة فهمت منها أنه يُذكّرها بلقائهما في مطعم الاسماك يوم عيد ميلاد معتز يوم أن رفضت أن يدفع لها ثمن غذائها وما كان منها إلا أن تركت له النقود وانصرفت غير آبهة لغضبه، ولكنه يكون مخطئا إن ظن أنها ستسمح له بدعوتها بمثل هذه البساطة والسهولة، فقالت وقد ارتفع حاجبيها في تحد:

+

        

          

                

– ميرسي يا أنور، لكن أنا عازمة ندى انهرده…

+

قاطعها أنور بغضب قلّما رأته ندى عليه:

+

– أنا مش هعيد كلامي كتير، وانجزي عشان الجرسون واقف… 

+

ثم وجه حديثه الى ندى بدون أن يحيد بعينيه عن تلك العنيدة الحمقاء:

+

– أنا عارف انك بتحبي الميكس جريل يا ندى، عاوزين اتنين ميكس جريل… 

+

ثم أشار لرنا بيده مردفا بزهق:

+

– خلّصي.. عاوزة إيه؟.. انجزي!!..

+

قلبت رنا شفتها السفلى في امتعاض وهي تقول:

+

– إيه دا؟.. خلّصي وانجزي!!.. ، ثم زفرت بضيق قبل أن تتابع وهي تنظر للنادل الذي كان يقف بهدوء وكأنه لم يسمع أيا مما دار أمامه:

+

– عاوزة تشيكن فاهيتا ولازانيا…

+

أومأ النادل برأسه وانصرف لإحضار الطلبات، في حين ابتسم أنور وعلّق بسخرية:

+

– اوعي يكون دا مسح زور ولما تروّحي هتتغدي؟..

+

قضمت رنا لسانها وهى تكاد تغلي حنقا، فها هو يعيد عليها كلماتها التي رمته بها ذاك اليوم، فعمدت الى رسم ابتسامة بلهاء على وجهها وهي تقول:

+

– لو أنا بمسح ففي غيري بيغسل ويمسح ويشطف وينشّف وكل دا.. في بؤ واحد!!!!!!!

+

كتم أنور شتيمة كادت تنطلق من شفتيه، لتحين منه التفاتة الى ندى الشاردة في وجوم حزين، فنظر الى رنا نظرة صارمة ثم نظر بعدها الى ندى، فتتبعت رنا مسار عينيه، لتغيب نظرتها المشاكسة وتحتل نظرة حزن وعطف عينيها فقد شعرت بالأسى على حال صديقتها في حين أسرت نظرتها عيني أنور فلم يستطع الإشاحة بعيدا عنها!!…

+

أفاق من شروده على صوت جلبة خفيفة بالقرب منه ليرى يوسف ومايسة تتأبط ذراعه وقد قادهما النادل الى طاولة بالقرب منهما، فرفع يده بالتحية الى يوسف الذي رد بالمثل، لتنتبه رنا الى حركة أنور فالتفتت لترى الى من يشير بيده لتفاجأ بيوسف والذي هز لها رأسه في تحية صامتة ففعلت المثل بينما فغرت فاها دهشة من تلك الباربي التي تجلس أمامه!!!..

+

 قال أنور بفكاهة وقد لاحظ وجوم ندى وابتسامتها الحزينة:

+

– ايه يا نادو.. مالك بقه؟.. أنا جيت مخصوص عشان حاسيت من صوتك انه فيكي حاجة، حالا دلوقتي قري واعترفي..

+

ندى بابتسامة صغيرة وهي تنظر اليه:

 – أبدا يا ابن خالتي، أحيانا الواحد كدا بيحس بخانقة بس طالما معه حد زيّك انت ورنا كدا يبقى أكيد خانقته بتفُك بسرعة…

+

رنا بغضب زائف:                                               

+

– بقه بتحطيني أنا وابن خالتك في كفة واحدة؟.. هزلت يا نادوش..

+

أنور بغرور:

+

– وانتي تطولي أساسا؟.. دي كمان قالت عليكي كدا جبر خواطر، أنا الأساس يا آنسة..

+

        

          

                

ضيقت رنا عينيها وأجابته بسخرية:

+

– لا في دي أنت غلطان، هو عمر الواحد يقدر يهرب من خياله؟.. ولا… ديله؟!!!!

+

وعند هذه الكلمة لم تستطع ندى كتم ضحكتها التي استطاع كلا من رنا وأنور بجدالهما المشاغب من انتزاعها منها، لتنطلق كزقزقة عصفور الكناري فيما هتف أنور بغيظ وهو ينظر الى ندى بلوم:

+

– احم.. ديل وخيال؟!!.. بتسلميني تسليم أهالي ليها كدا يا بنت خالتي؟…

+

ندى وقد بدأت تندمج في حوارهما الساخر:

+

– انت اللي جبته لنفسك!!

+

ليهز أنور برأسه إيجابا مرددا عبارة ندى بحنق:

+

 – فعلا، أنا اللي جبت دا كله لنفسي!!!..

+

فهتفت رنا بجزل وهي تشير الى ندى:

+

– مش قلت لك؟.. ما بقاش رنا إما خليته يقول” أنا اللي جبت دا كله لنفسي”..

+

ثم رفعت كفّها وخبطت بكفّ ندى بظفر بينما كشّر أنور ممتعضا وهتف بسخط:

+

– بتتراهنوا عليّا؟…

+

رنا بتلقائية:

+

– بقولك إيه.. ما تعملناش فيها بقه شارع الحب!.. يعني حليم يا خيْ اترهنا عليك بإزازة كاكولا!!!..

+

ليفتح أنور عينيه على وسعهما محدقا في رنا بانشداه فيما تشاغلت عنه الأخيرة بتناول سلطتها، ليعلق أنور أخيرا بصدمة:

+

– كاكولا!!!!.. 

+

رنا وكأنها تشرح مسألة عسيرة على الفهم:

+

– ومالها الكاكولا؟.. مُنكر لا سمح الله؟.. كاكولا يعني بيبسي لمعلوماتك يعني!!

+

دمعت عينا ندى من كثرة الضحك بينما استمر أنور ورنا بالتراشق بالكلمات الساخرة حتى حضر النادل ومعه أطباق الطعام، لينشغلوا بعدها بتناول الطعام مع تبادل بعض الأحاديث الخفيفة وقد تبدّل مزاج ندى كليّة، بينما لم ينتبهوا لعينين تسترق لهما النظرات الفضولية رغما عن أنف صاحبهما والذي ما إن يحاول التركيز في حديث رفيقته حتى يشده صوتها الذي يشبه تغريد البلبل فيشرد فيه، ليعود وحاول مجددا الانتباه لكلام رفيقته ولكنه عبثاً يحاول!!!..

+

استأذنت ندى للذهاب الى دورة المياه، لينتهز أنور الفرصة ويسأل رنا عن سبب الحزن الذي رآه على ندى حال أن رآها، متغاضيّا عن جدالهما الساخر، فندى هي القاسم المشترك بينهما، وهي ما يهمه أمرها حاليا، فقد تأثر عند رؤيته لوجهها الشاحب الحزين وخاصة عينيها الحمراوتين واللتان تدلان على تعرضها لنوبة بكاء غير بسيطة، فسأل رنا لأنه يعلم أنها صديقتها الوحيدة ومحل أسرارها، بينما لم ترد رنا أن تفصح عن أسرار صديقتها ولكنها تعلم في نفس الوقت أن أنور بمثابة الأخ لندى، وأن وقوفه بجوارها ومساندته لها في أزمتها كان لها أبلغ الأثر في شفائها منها، لذا ارتأت أن تقول السبب الرئيسي دون الدخول في التفاصيل، فأجابته بهدوء:

+

        

          

                

– افتكرت معتز الله يرحمه..

+

قطب أنور متسائلا:

+

– غريبة، وإيه اللي خلّاها تفتكره دلوقتي؟..

+

رنا بابتسامة أسى صغيرة على حال صديقتها:

+

– وهي من امتى نسيته عشان تفتكره؟.. ندى بتحاول قودامنا انها تبان قوية، لكن صدقني قودام أقل موقف بتتعرض له قناع القوة اللي هي حاطّاه طول الوقت دا بيقع في ثانية، حتى لو كان الموقف دا مشهد في مسلسل أو فيلم، أو حكاية بتسمعها أو تقراها!!

+

أنور زافرا بضيق:

+

– طيب وبعدين؟.. أنا بفكّر نروح للدكتورة اللي كانت بتتابع معها، أنا خايف عليها، مش بس خايف لا مرعوب كمان!!.. كل ما تمر ذكرى ليهم سوا، زي يوم عيد ميلاده لما راحت المطعم بتاعهم زي ما كانوا متعودين، بكون قلقان يحصل لها انتكاسة، انتي بنفسك بتقولي مع أقل حاجة بينهار تماسكها، فأنا جديّا بفكر أستشير الدكتورة بتاعتها، على الأقل أطمن عليها، إيه رأيك؟..

+

استغربت رنا لسؤاله لها عن رأيها وهو من لا يعتد بكلامها أبدا، ولكنها أخفت دهشتها بمهارة وقد سجلت له اهتمامه وخوفه على ندى كنقطة في صالحه، لتجيبه بابتسامة خفيفة:

+

– فكرة مش بطالة، ولو عاوز أي مساعدة أنا معنديش مانع..

+

هتف أنور وهو يبسط يده أمامها لتصافحه:

+

– ديل؟!!!!!

+

لتقبض رنا يدها على الفراغ وكأنها تصافحه قائلة بابتسامة صغيرة:

+

– ديل، بس انت عارف إني مش بسلّم..

+

شعر أنور بالحرج فمرر أصابعه في خصلاته المموجة وهو يقول بابتسامة أسرت عيني رنا رغما عنها:

+

– صحيح، عندي أنا دي!!… 

+

قاطعهما حضور النادل لرفع أطباق الطعام الفارغة فطلب أنور طبق التحلية والذي اختاره “شيز-كيك” بالفراولة، وحالما انصرف النادل نظر الى رنا وقال بابتسامة:

+

– ايه؟.. اوعي يكون مش بتحبي الـ.. تشيز- كيك؟…

+

رنا بابتسامة عريضة:

+

– تصدق انه دي الحاجة الوحيدة اللي بحبها في الحلو اللي عندهم هنا؟.. لا وبالفراولة كمان!!.. بجد.. نشِّنت ونشانك رشق!!!..

+

لتتعالى ضحكات أنور ترافقها ضحكات ناعمة من رنا..

+

دلفت ندى خارج غرفة السيدات وهي تنظر الى موضع قدميها لترتطم فجأة بأحدهم فرفعت عينيها وفتحت فمها تهمّ بالكلام لتموت كلمات الاعتذار على شفتيها ما إن أسرت عينيها نظرات أبنوسية حادة، فسكتت لوهلة ثم تمتمت بكلمة “آسفة” صغيرة، قبل أن تبتعد عن طريقه مواصلة سيرها ولكنها ما إن خطت خطوة الى اليمين حتى قابلها بمثلها!!… فعدلت سيرها وخطت لليسار لتفاجأ به أيضا أمامها، فرفعت عينين تطلقان شررا وزفرت بحنق وهمست من بين أسنانها المطبقة:

+

        

          

                

– ممكن تعديني؟..

+

يوسف بابتسامته الساخرة:

+

– تصدقي.. طمنتيني، افتكرتك نسيتيني، قلت زهايمر مبكر!!!!

+

كشرت ندى وأجابته باستياء:

+

– أفندم؟!!.. وأنا أفتكرك ولا أنساك بمناسبة إيه يعني؟…

+

لا يعلم يوسف أي شيطان يدفعه لإستفزازها ولكن ما يعلمه جيدا أن ندى عز الدين مختار الراوي تكون شهيّة جدا وهي مغتاظة فيما وجهها بلون ثمرة الفراولة الطازجة!.. فقال رافعا طرف شفته العليا بسخرية:

+

– تقدري تقولي زُملاء في شغل واحد، فالمفروض لما يتقابلوا صدفة يسلموا على بعض دا أبسط شيء، مش تاخدي في وشّك وتمشي من غير ما تردي على تحيتي!!..

+

قطبت ندى باستغراب، متى ألقى عليها التحية؟.. وكيف لم تسمعها؟.. يظهر من نبرة صوته الساخرة أنه صادق فيما يقول، كتمت زفرة ضيق بداخلها، بماذا تجيبه؟.. هل تخبره أنها شعرت بالحرج لدى رؤيته وكأنها مراهقة في السابعة عشر من عمرها؟.. نعم، فهي لا تعلم ماذا دهاها ما إن وقعت عينيها أسيرة لفحم عينيه المشتعل، لتشعر باضطراب غريب عليها، وانصب تركيزها على كيفية الانصراف من أمامه دون أن ينتبه لما أصابها، فكان أن فاتها أن تسمع تحيته، ولكنها أبدا لن تخبره السبب في عدم ردها التحية، لتشد نفسها وترفع رأسها ناظرة إليه وقد رسمت ابتسامة سمجة على وجهها وقالت كمن يداهن طفلا صغيرا:

+

– يا سلام، بس كدا!!.. كل الحكاية اني ما سمعتش، وعموما… أهلا بيك يا أستاذ يوسف، أقدر أمشي بقه؟..

+

كتم غيظه بصعوبة، وهو يكاد يطحن ضروسه من شدة غضبه، ما بالها تلفظ تحيتها كمن يشرب دواء مرّ علقم!!.. هو يوسف من تتهافت عليه الإناث من كل حدب وصوب تأتي هذه المتحذلقة التي لا يكاد يتعدى طولها كتفيه تتحدث إليه من أسفل طرف أنفها!!!… ولكن، مهلا… لو أراد أن يوقعها عن قديمها فسيقدر وبمنتهى البساطة والسهولة، فلا أنثى استعصت على سحره سابقا ولن توجد لا الآن أو لاحقًا!!.. ، ولكنه هو من يأبى هذا، مُسكِتاً وبقوة صوتا بداخله يخبره أنه يريد التذرع بأي سبب كي يكون مبررا لتقربه منها!.. ، لا يعلم لما هي الوحيدة التي تثير فيه نوازع الغضب والحدة؟.. منذ وقت طويل وهو يعتمد قناع البرودة ولم يحدث أن نجح أيٍّ كان في جعله يتركه، ما عداها، ففي المرات القليلة التي قابلها فيها تنجح وبشدة في استفزازه بل واخراجه عن طوره كليّة، والعجيب أنها تنجح في ذلك ببرودها الذي يضاهي بروده هو!!!.. ترى… هل سيصاب على يديها بمرض “الانفصام في الشخصية أو الشيزوفيرنيا”؟!!!…

+

أعاد انتباهه اليها وأجاب وقد وضع قناع البرود ثانية، وبسخرية تامة وهو يتنحى جانبا ليدعها تمرّ:

+

– اتفضلي يا… أستاذة ندى!!!!!

+

نظرت اليه ببرود ثم سارت من جانبه متجهة الى طاولتها فيما أكمل هو سيره الى دورة مياه الرجال، ليقف كلا منهما في مكانه حين وصل الى سمعهما صوت… أنور و.. رنا!!!

+

        

          

                

رفعت ندى عينيها لتقابلها عيني يوسف ونطق الاثنان في صوت واحد وبريبة وقلق:

+

– أنور/ رنا؟!!!!

+

وانطلق الاثنان من فورهما تجاه مصدر الصوت ليفاجآ بأنور وهو يقف ووجهه لا يبشّر بالخير، بينما رنا لا تزال قابعة في مكانها وإن كانت ترفع وجهها تنظر بحقد وغلّ الى…

+

– كريم!!!!…

+

كانت تلك همسة ندى المندهشة، ليطالعها يوسف قاطبا بغرابة وتساؤل، وكان قد وصلا حيث أنور ورنا ومن يقف معهما، ندى بلهفة تتساءل:

+

– إيه يا جماعة.. صوتكم عالي ليه؟..

+

رنا بتشفٍّ وهي تنظر الى كريم الواقف أمامها يطالعها بحنق:

+

– صدقتني… ندى أهي، أنا مش بكذب يا أستاذ.. وبابا عارف أنا فين..

+

تبادلت يوسف وندى نظرات الحيرة، ثم سمعا كريم يقول مشككا:

+

– والله؟.. يعني عاوزة تفهميني انه عمي عبد العزيز يعرف انك قاعده دلوقتي مع واحد؟..

+

ليسارع أنور بالقبض على تلابيبه هاتفا بغيظ:

+

– ما تحسّن ملافظك يا جدع أنت، إيه قاعده مع واحد دي؟.. ما قلنا لك أنا أبقى أنور ابن خالة ندى، وندى واقفة أهي.. لِمْ الدور وما تخالينيش أتغابى عليك…

+

سارع يوسف بفك قبضة أنور وهو يقول بحزم:

+

– خلاص يا أنور، الناس بتتفرج علينا..

+

ثم أبعد كريم عنه وأردف موجها حديثه الى الأخير:

+

– وانت يا سيد… أنا معرفش انت مين، بس اللي أعرفه انك كائن غير مرغوب فيه هنا… فاتفضل مع السلامة..

+

نقل كريم نظراته بينهم بحنق واستياء، فرفعت رنا يدها وهي تقول:

+

– استنى يا كابتن.. ثانية واحدة.. 

+

ثم سارعت بالضغط على أزرار هاتفها الشخصي، ليجيبها الطرف الآخر، ففتحت مكبر الصوت وقالت بصوت حاولت أن يكون عاديًّا:

+

– السلام عليكم، إزيك يا أحلى زيزو؟..

+

عبد العزيز بصوت مرح:

+

– وعليكم السلام يا روح زيزو، تصدقي.. أنت اللي بتديني الاحساس اني لسه شباب..

+

رنا بمرح:

+

– انت شباب على طول يا عم الشباب… بقولك يا بابا معلهش، أنا مع ندى بنتغدى برّه..

+

عبد العزيز بتساؤل:

+

– أيوة يا حبيبتي ما انتي كلمتنيني قلتيلي قبل ما تطلعوا تتغدوا.. فيه حاجة ولا إيه؟..

+

نظرت رنا نظرة ظفر لكريم الذي احتقن وجهه غيظا قبل أن تجيب ببساطة:

+

– لا يا بابا أبدا، بس حبيت أقولك أني ممكن أتأخر شوية، أنور جالنا على المطعم والموضوع شكله هيقلب بغداء عمل..

+

        

          

                

ضحك عبد العزيز وقال:

+

– ابن الإيه دا وحشني أوي، بقالي كتير ما شوفتوش، من آخر مرة كنا عند عمك عز وكان هناك وغلبته في الطاولة، قولي له بابا مستنيك عشان تكملوا العشرة، مُصرّ هو اللي يفوز بيها..

+

ابتسمت رنا وقالت:

+

– يوصل يا زيزو، سلام يا حبيبي…

+

وأغلقت الهاتف ثم أسندت ذقنها الى يدها وقالت بسخرية واضحة:

+

– ها.. اتأكدت يا سيد كريم اني مش بخبي على بابا حاجة؟…

+

كريم وهو يسحب مقعد ويجلس أمامها فيما أشار يوسف لندى بالجلوس التي جلست بدون نقاش لدهشتها من هذا المتطفل.. كريم:

+

– جرى إيه يا رانو… مش بنت جوز أختي وحقي أخاف عليكي؟…

+

طالعه أنور وهو يود لو يقبض هذه المرة على عنقه في يده فيخرج مزمار رقبته ويتركه يسير بدون… مزمار!!!.. ، بينما أجابت رنا وهي تقلب وجهها بامتعاض:

+

– ايه؟.. رانو!!!… ودا صابون غسيل دا ولا مبيد حشري؟.. طيب قول راني على الأقل عصير طبيعي فريش وطعمه حلو…

+

كريم بابتسامة لزجة وهو يغمزها بخبث:

+

– وافقتي انتي بس وأنا مش هسيب أي عصير طازة إلا وأدلعك بيه!!..

+

تدخل يوسف ببرودته المعهودة وقد شعر أن صديقه على شعرة واحدة من أن يفتك بهذا السنفور:

+

– معلهش يا كابتن، الكلام دا مش مكانه دلوقتي، فيا ريت من غير كتر كلام… تهوِّينا!!

+

كريم بحنق:

+

– نعم؟.. وانت بتتكلم بصفتك إيه ان شاء الله؟..

+

هتفت رنا بنفاذ صبر:

+

– أووف يا كريم، بقولك إيه.. عارف لو ما قمتش من وشّي الساعة دي وديني لا أكون قايله لبابا.. وابقى قابل بقه اللي هيعملوا فيك…

+

ليقفز كريم واقفا وهو يقول:

+

– لا وعلى إيه، أقوم أحسن..

+

وما إن هم بالابتعاد حتى استدار مجددا وقال ناظرا اليها بعبث:

+

– لكن هتروحي منِّي فين؟.. وراكي وراكي يا جميل!!..

+

وانصرف وهو يطلق صفيرا عاليا، لفت أنظار رواد المطعم له، خاصة بطوله الفارع وشعره البني الفاتح وعينيه بلونهما الأخضر الزرعي وكأنه نجما سينيمائيا، ولكنه أبدا لم يستطع نيل قبول رنا، يريد الزواج بها وبشدة، فهي من تصدت له ورفضت أي علاقة به، فهو معروف عنه أنه زير نساء وعابث من الطراز الأول، أما بالنسبة له فوالدها يملك ثورة لا بأس بها، ووالدتها كذلك، فسترث من الناحيتين، كا أنها تجذبه وبقوة بجمالها الواضح وجسدها الممشوق لذا فهي عروس مناسبة للغاية.. أو كما يقولون.. “مال وجمال”… !!…

1

        

          

                

ربتت ندى على يد رنا وقالت بابتسامة صغيرة:

+

– روقي يا روني بقه، أهو مشي أخيرا، ولا أقولك راني؟… بس راني مانجة بقه ولا أناناس؟..

+

أنهت عبارتها بسؤالها المرح لترفع رنا عينيها إليها وتجيبها بسخرية لطيفة:

+

– لا.. خاليها كابي خوخ أحسن!!!!…

+

قلبت ندى شفتها وقالت كمن يهادن طفلا صغيرا:

+

– خلاص بقه، ما تزعليش يا منار!!… فكك بقه!!..

+

نظرت اليها رنا بنصف عين وهتفت بوعيد:

+

– اتريقي، اتريقي…

+

ضحكت ندى وعلقت:

+

– يا بنتي مالك بس، بقه بذمتك مش كسفتيه في الآخر؟.. يبقى خلاص، ما تقول حاجة يا أنور…

+

فأجابها أنور وهو يركز بصره على رنا:

+

– أنا بقول كدا بردو، هو أتفه من انك تشغلي نفسك أو تضايقي نفسك بيه..

+

هتفت ندى بحماس:

+

– يا سلام يا ابن خالتي، احيانا بتقول حكم..

+

أنور ممتعضا:

+

–  أحيانا!!!!!.. عموما تشكري يا بنت خالتي، فعلا بترفعي من روحي المعدنية..

+

ندى بابتسامة:

+

– ولا يهمك يا ابن خالتي، أي خودعة!!!..

+

مَنْ هذه التي تتبادل العبارات المازحة مع صديقه؟.. أهي.. ندى حقيقة؟… من أين لها هذا المزاج المرح وخفة الدم الظاهرة؟.. لم يسبق له وأن رآها وهي تتحدث بمثل هذه العفوية والمرح، ففي المرات القليلة التي جمعتهما كانت الجدية والبرودة هما واجهتها الوحيدة، ولكنها أثبتت له أنه لم يعرف بعد من هي.. قطر الندى فعلا؟!!!!!

+

صوت أنور انتشله من شروده وهو يميل عليه هامسا في وقفتهما بجوار بعضهما البعض:

+

– جو، بتهيألي انك نسيت حاجة كنت داخل بيها هنا؟..

+

قطب يوسف وما لبث أن سمع صوتا ناعما يقول من خلفه:

+

– إيه يا جو، أنت نسيتني ولا إيه؟..

+

أنور بابتسامة عريضة:

+

– معقول ينساكي؟.. هو اللي زيك يتنسي أبدا؟..

+

لتطالعه ندى ورنا بتقطيبة عميقة، الأولى بدهشة وتساؤل والثانية بغيظ وحنق!!.. تكلم يوسف قائلا ببروده المعهود:

+

– لا، موضوع كدا مع أنور، أعرّفك…

+

أشار الى ندى ورنا قائلا:

+

– آنسة ندى نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة الراوي واللي انتي هتصوري أول اعلان ليك خاص بهم بكرة أن شاء الله، ورنا صديقتها ومديرة أعمالها..

+

ثم أشار لمايسة بالمقابل مردفا:

+

– مايسة، الموديلز اللي هتصور الاعلان بتاعكم الخاص بالازياء..

+

        

          

                

فتحت ندى عينيها على وسعهما وتمعنت النظر في تلك الـ.. مايسة بدءا من أعلى رأسها وحتى أسفل قدميها، ثم هزت رأسها بتحية خفيفة وهى تمد يدها لمصافحتها وحذت حذوها رنا، أنور بابتسامة وقد استشعر ذبذبات من التوتر في الجو:

+

– طيب ما تقعد معنا يا يوسف، اتفضلي يا مايسة..

+

ولكن مايسة تأبطت ذراع يوسف وقالت وهي تنظر الى الاخير بنظراتها الناعسة:

+

– نو، thanks darling إحنا مش خلصنا كلام لسه، صح يا جو؟…

+

لاح الغضب على وجه يوسف ونظر اليها نظرات سوداء فيما الغضب يلوح بين مقلتيه ولكنه لم يظهر على تقاسيم وجهه الباردة، فقد أغاظه منها أنها أخذت البادرة في الموافقة أو رفض عرض أنور بالانضمام إليهم وكأنه لا رأي له مع أن الرأي الأول والأخير هو له وحده وبدون منازع، ليجيبها بحدة مكبوتة:

+

– أعتقد الكلام خلص يا مايسة..

+

مايسة بمكر الأنثى مالت عليه أمام أنظار الجميع وهمست بصوت منخفض ولكن التقطه أنور ورفاقه:

+

– لكن بنود العقد لسه ما اتفقناش عليها، صح؟…

+

يوسف بنظرة عابثة وشبح ابتسامة ارتسم فوق شفتيه:

+

– امممم.. العقد، قولتيلي!!.. بس بيتهألي انتي رفضتي العقد؟…

+

مايسة بنعومة شديدة:

+

– تؤ تؤ تؤ، حد يقدر يرفض عقد تكون انت طرف تاني فيه يا جو، المسألة وما فيها أنه فيه بعض البنود عاوزة توضيح مش أكتر!!!!!…

+

مال أنور على أذن يوسف وهمس:

+

– جو، بيتهألي تاخدها وتروحوا تناقشوا العقد عندك، في الخُنّ بتاعك!!!

 فوكزه يوسف بمرفقه في خاصرته ليتأوه أنور بألم، في حين هتفت رنا بذهول:

+

– بنود إيه وعقد إيه؟.. انتو متأكدين انكم بتتكلموا عن عقد شغل؟..

+

مايسة بغرور وهي ترمي بخصلاتها الحمراء الى الخلف:

+

– شور، أكيد… أومال انتي فاكراه عقد إيه؟..

+

رنا بعفوية شديدة:

+

– عرفي!!!!!

1

كان أنور يرتشف بعضا من الماء وما إن سمعها حتى بخّ ما بفمه من مياه لتنتابه نوبة سعال شديدة بعدها، فضربه يوسف بقوة على ظهره، وما ان انحسرت نوبة السعال التي أدمعت عيناه حتى همس له بصوت مبحوح:

+

– ذكية أوي البت رنا دي!!!… لقطتها من الهوا!!!!…

+

ليحدجه يوسف بنظرة محذرة فابتلع كلماته، بينما ابتسمت مايسة ابتسامة عريضة وقالت وهي تحث يوسف على الذهاب:

+

– nice to meet you..

+

يوسف وهو يشعر ولأول مرة بالتردد في ترك هذا الجو من الألفة والذي أشعره بالبهجة خاصة مع مزاج ندى الساخر والذي اكتشفه فيها، فقال بشبح ابتسامة:

+

        

          

                

– ياللا بينا يا مايسة، فرصة سعيدة يا… ندى، ورنا!!!..

+

ثم أومأ بهزة خفيفة من رأسه قبل ان ينصرف بينما شعرت ندى بالتوتر لسماعها اسمها مجردا منه، وكأنه…. يدغدغها وهو يتلفظ به!!!…

+

هبط أنور جالسا وهو يقول زافرا براحة:

+

– اوووف، إيه أحداث 24 ساعة اللي كانت شغالة دي…

+

ندى بتقطيبة عميقة وريبة:

+

– أنور… انتو بتتكلموا بجد؟.. دي اللي هتعمل اعلان عن أزياء الندى؟… بتهرجوا صح؟..

+

أنور ببساطة:

+

– أبدا، هي دي الموديلز اللي يوسف اختارها عشان الاعلان..

+

هتفت ندى باستنكار:

+

– انتو بتستعبطوا؟.. انت مش شايف شكلها ولا استايل لبسها؟.. بقه دي هتقنع البنات بأزيائنا واستايل اللبس بتاعنا ولا ….

+

لتقاطعها رنا مكملة ببساطة:

+

– استايل عدم اللبس؟!!.. دي شاكيرا يا بابا!!!!..

+

أنور محاولا اقناعهما بما لم يقتنع به هو شخصيا:

+

– ما تقلقوش، جو بروفيشنال في شغله، وهو مختارها من وسط أكتر من 100 بنت، وعموما العبرة بالنتيجة…

+

ندى بتشكك:

+

– نتيجة؟!!!.. ما الجواب باين من عنوانه أهو!!!!!…

+

رنا بعفوية:

+

– ما تقلقيش يا نادو، لو معجبناش شغلها نطلب تغييرها، انت رأس المال حبيبتي، وصاحب المال هو اللي بيتكلم..

+

ندى بتفكير:

+

– اممم، هنشوف، كله هـيْبان!!..

+

أنور بزفرة راحة:

+

– ان شاء الله هيعجبكم شغلنا…

+

ثم اختلس نظرة الى رنا قبل أن يقول بعفوية مزيفة:

+

– انما صحيح.. مين سي كريم دا إن شاء الله؟.. أول مرة أشوف طلّته البهيّة..

+

نظرت اليه رنا وأجابت ساخرة:

+

– ما تشوفش وحش، دا حضرتك يبقى أخو طنط عفاف مرات بابا، الولد الحيلة عندهم زي ما بيقولوا، وعشان كدا تلاقيه متعوّد انه لو عاوز لبن العصفور ييجي له في وقتها، لكن للأسف..

+

سكتت لتقلب شفتها العليا بحزن مفتعل:

+

– جه لغاية عندي وقابل حيطة سد!!.. عشان كدا تلاقيه هيتجنن، انما على نفسه مش عليّا!!..

+

أنور وهو يحاول كتم غضبه المتفاقم من شبيه الرجال هذا المدعو.. كريم:

+

– وعمي عبد العزيز مش بيوقفه ليه عند حدّه؟..

+

رنا ببساطة:

+

– عمره ما بيتجاوز معايا في الكلام قودام بابا، هو لما شافني معاك لوحدنا افتكر انه كدا علّم عليّا ويضغط عليا بقه وكدا، يعني حاجة اتهرست في الافلام العربي 100 مرة قبل كدا، وأنا قلت له بدل المرة ألف.. مش رنا عبد العزيز الكومي اللي يتعمل معها عمايل العيال دي، وأهو.. انت شوفت بنفسك قدرت أوقفه عند حده..

+

        

          

                

قاطعها أنور هاتفا بحدة وهو يميل على الطاولة التي تفصل بينهما:

+

– وافرضي اتمادى معاكي أكتر من كدا؟.. الموضوع دا لازم عمي عبد العزيز يعرف بيه، هو اللي هيقدر يوقفه عند حده..

+

أجابت رنا بسخط:

+

– وأنا مش عيّلة صغيرة أجري على بابا أقوله الحقني يا بابا الواد الوحش دا بيغلس عليّا!!.. أنا أقدر أحمي نفسي كويّس أوي، ومحدش يقدر يدوس لي على طرف..

+

همّ أنور بالصراخ عليها تلك العنيدة الحمقاء الغبية الـ… فاتنة!!!!… تباًّ وسحقاً واللعنة!!!.. ألن يقف جمالها عن الازدياد يوما عن يوم؟!!!… لا يدري ماذا يصيبه ما إن تقع عيناه عليها، ومنذ الصغر، وقت أن كانت تأتي للعب مع ندى وكان يتواجد بالصدفة، وقتها كان يحب كثيرا مشاكستها ولكنها لم تكن لتترك حقّها، فكانت ترد له الصاع صاعين، ولكنها الآن ليست طفلة صغيرة بجديلتين، بل هي… أنثى… جميلة، تملك خفّة ظل واضحة وشخصية قوية، أي غباء حلّ عليه جعله يتعمد الظهور أمامها مبررا لنفسه بأسباب واهية سخيفة بأنه يحب اغاظتها، مع أن السبب الحقيقي لتعمده استفزازها هو  كي يمتع نظره بتلك العينان الكهرمانتين وهما تبرقان فيما تطالعانه بلوم وشرارات من غضب ناري تتقافز بين مقلتيهما!!!…

+

قاطعت ندى شروده وقالت بعفوية زائفة تجس نبض أنور لتتأكد من ظنونها الخاصة به و..رنا:

+

– ما تروّق يا أنور، وبعدين بصراحة يا رنا أنتي بكلامك عنه خليتني آخد فكرة عنه تانية خالص!!.. يا بنتي دا ولا حسين فهمي، ما تفكري تاني كدا، يمكن يتربى على إيديكي..

+

لم يتثنى لرنا الاجابة إذ هدر أنور غاضبا في وجه ندى:

+

– جرى إيه يا ندى؟.. حسين مين وفهمي إيه؟.. هو الراجل بشكله؟…

+

ندى بجدية زائفة محاولة إخفاء ابتسامة نصر صغيرة فقد تأكدت الآن فقط من شكوكها من أن أبن خالتها يحمل شعورا عميقا لصديقتها قد لا يكون هو نفسه منتبها له:

+

– لا طبعا، الراجل برعايته لبيته وأسرته!!!…

+

كتم أنور لعنة كادت تفلت منه وقال من بين أسنانه بغيظ مكتوم:

+

– ندى، واضح كدا أن سي كريم دا لفت نظرك، ما كنتش أعرف انه ذوقك وحش أوي كدا!!..

+

ندى نافية بجدية مصطنعة:

+

– لا لا لا يا أنور، خليك حقّاني، الولد ما شاء الله عليه ألوان، يعني شعر أصفر وعينين خضرا وكدا يعني..

+

“ما كنتش أعرف انك بتحبي الألوان، كنت فاكرك بصراحة من أيام الأبيض والأسود!!!”…

+

هتف صوت ساخر مغلف بالبرودة بهذه العبارة ليهتف أنور في دهشة وهو ينهض واقفا:

+

– جو!!!… إيه اللي رجعك؟..

+

يوسف وهو يريه هاتفه المحمول بيده:

+

        

          

                

– أبدا… نسيت الموبايل والحمد لله ما كنّاش بعدنا كتير، رنيت عليه رد عليّا الجرسون ورجعت عشان آخده….

+

ثم حانت منه التفاتة الى ندى التي كسا البرود وجهها وأردف بابتسامة ساخرة:

+

– اممم… يعني طلعت من أيام الألوان، وأنا اللي كنت فاكرك من أيام السينما الصامتة!!!

+

ندى محاولة ألا تفقد هدوئها:

+

– أفندم؟!!!… مع إني مش فاهمه قاصدك إيه لكن عموما الحاجة الحلوة بتفرض نفسها ومحدش يقدر ينكرها!!!!!

+

ليفغر يوسف فاه دهشة ثم ما لبث أن هتف باستنكار تام وهو يشير باتجاه الباب:

+

– نعم!!!!… حاجة حلوة؟… بقه الكائن اللي كان هنا من شوية.. حلو؟.. عجبك فيه إيه عاوز أفهم؟..

+

تبادل أنور ورنا نظرات الدهشة في حين عقد الذهول لسان أنور، فلأول مرة منذ أمد بعيد يرى يوسف وقد تخلّى عنه بروده وهو يقف كما التنين يكاد ينفث نارا من فمه وأنفه سويّة!!!

+

أجابت ندى بهزة كتف علامة اللامبالاة:

+

– والله دي أذواق، هما مش بيقولوا الناس فيما يعشقون مذاهبُ؟!!!!

+

فتح يوسف عينيه على وسعهما وكاد يصرخ فيها ليكبح جماح نفسه في آخر لحظة ويميل تجاهها وهو يجيب من بين أسنانه المطبقة غيظا وحنقا فيما عيناه تطلقان شرارات من لهب ناري يكاد يحرق من أمامه حيًّا:

+

– هي حصلت لـ.. يعشقون؟!!!

 ثم التفت لأنور الذي كان يراقبهما وتعبير من البلاهة يعتلي وجهه وأشار لندى وهو يهتف به باستهجان:

+

– ما تشوف بنت خالتك يا أنور؟..

+

ندى مقاطعة له ببرود:

+

– أنا مش فاهمه إيه اللي مضايقك انت دلوقتي؟.. أنت مش عجبك كريم.. عادي جدا براحتك، وأنا الست شاكيرا اللي انت معلقها في دراعك دي ما بلعتهاش.. بردو عادي جدا جدا… خلِّي عندك روح رياضية!!..

+

ابتسم يوسف قائلا باستهزاء:

+

– وانتي مش عجبك شاكيـ.. أقصد مايسة ليه يعني؟.. 

+

ندى ببرود وهي تحرك كتفيها باستهانة:

+

– أنا ما أقصدش على المستوى الشخصي لأني معرفهاش، أنا أقصد على الشغل!… أنت تفتكر أنها مناسبة عشان تقوم بحملة الاعلانات عن شغلنا؟.. 

+

يوسف عاقدا حاجبيه في توجس وريبة وقد بدأ يحتد فقد شعر أن ما ستقوله سيثير حنقه وغضبه وقد كان:

+

– بيتهيألي أنه دا شغلي وأنا أفهم فيه أكتر من أي واحد تاني..

+

أجابته باستفزاز:

+

– بس للأسف أعتقد المرة دي فاتك حاجة مهمة أوي…. الأزياء بتاعتنا بتدمج بين آخر صيحات الموضة بس مع الحفاظ على عروبتنا وعادتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا، والمفروض تكون شفت الموديلات بتاعتنا، لأن المصنع فعلا تقريبا خلّص الكوليكشن اللي هننزل بيه قريب، في رأيك اللي كانت واقفة معاك هنا دي هتنجح أنها تقنع الزباين بتوعنا؟.. هتنفذ فكرتنا زي ما احنا عاوزين؟..

+

        

          

                

يوسف وقد بدأ غضبه بالتفاقم سريعا فهو لا يكره أكثر من أن يتدخل أحد ما في طريقة عمله:

+

– أولا دا شغلي أنا زي ما سبق وقلت لك، تاني حاجة أنا مش هحط اسمي على اعلان غير لما اكون متأكد من نجاحه وانه هيكون سابقة في مجاله كمان، اسم يوسف طاهر  علامة مسجلة لوحده، مش ممكن هخاطر بيه، تالت حاجة ودي المهمة.. ممكن تريحي نفسك خالص، وسيبك من شغل الاعلانات، بلاش تفتي في اللي انتي متعرفهوش، اللي ليكي انه النتيجة تكون ناجحة، انما الطريقة دي شغلتي أنا بقه!!!!

 أخفى أنور وجهه بين يديه أثناء كلمات يوسف التي انهال بها قصفا على ندى التي جلست تطالعه في صدمة، فلم يسبق لها أن خاطبها أحدهم بهذا الشكل من السخرية بل والأمر أيضا، قال أنور وهو يبتسم محاولا تغيير دفة الحديث:

+

– بقولك إيه يا جو، انت نسيت شاكيرا بره ولا إيه، تلاقيها قلقت يا راجل..

+

لينهره يوسف بنظرة قوية فاستدرك أنور:

+

– أقصد.. مايسة، مايسة!!!

+

وهو يرفع يديه الاثنتين أمامه لتهدئته، وهمّ بمرافقته الى الخارج حين أوقفه يوسف بحركة باترة من يده وقال بابتسامة استهزاء:

+

– ما تتعبش نفسك يا أنور، أنا مش في بيتك عشان توصلني للباب، وخلي بالك من بنت خالتك والأفلام الألوان.. المرة الجاية هتلاقيها عاوزة تمثل لها فيلم منهم والكارثة لتختار دور البطولة!!!

+

ثم انصرف بعد إيماءة ساخرة من رأسه تجاهها، فكادت ندى تطحن ضروسها غيظا، بينما فاتها رؤية التعبير الذي ارتسم على وجه يوسف ما أن أولاهم ظهره، فقد سطر الغضب علاماته على تقاسيم وجهه الرجولي، بينما داخله سؤال يتردد “لماذا شعر بالصدمة ما إن ذكرت كلمة –عشق- ولماذا راودته الرغبة في هزّها إلى أن تصطك أسنانها وهي تجلس أمامه بكل تبجح تذكر عبارتها الغبية تلك بل وتخص بها نفسها مع آخر؟.. يعشقون!!… هي طرف والكائن المسمى.. كريم ذاك طرف آخر!!!!…

+

سار في طريقه مرفوع الرأس وهو يلعن غبائه الذي جعله ينتهز فرصة رجوعه لأخذ هاتفه الشخصي فتوجه الى مائدتهم ليسمع ما جعله يشعر بالغيظ والحقد، واصل طريقه يضرب الأرض بكل قوة وقد تجاهل هذا السؤال الذي ما انفك يتردد بداخله وينخر رأسه “لماذا يشعر بحرارة تتصاعد في داخله وبحنق كبير من إعجاب تلك الحمقاء العنيدة بذلك الصبي الفسل؟!!”، ليتوجه رأسا الى مايسة التي تنتظره في السيارة وهو يعد نفسه أنه سينسى أي هراء يتعلق بكتلة الاستفزاز تلك والمسماة “قطر الندى” ما إن يضم مايسة بين ذراعيه وذلك ما أن تقوم بوضع توقيعها على… عقدهما الخاص.. الخاص جداً!!!!!..

+

              **************************************

+

دلفت رنا الى منزل والدها وما إن خطت الى الداخل حتى سمعت زوجة أبيها عفاف وهي تقول مرحبة باستهزاء:

+

– أهلا، أهلا، نورتي يا ست البنات، ما بدري!!..

+

زفرت رنا بعمق مغمضة عينيها وما لبثت أن نظرت اليها وقالت بابتسامة صفراء:

+

        

          

                

– أهلا بيكي يا طنط، أنا قلت لبابا أنا فين فما تشغليش بالك بيّا…

+

عفاف بحدة:

+

– يعني إيه ما أشغلش نفسي بيكي دي؟.. انتي هنا في بيتي يا حبيبتي، مش وكالة هي من غير بواب، وبعدين تقدري تقوليلي ايه اللي انتي عملتيه مع كريم أخويا دا؟.. 

+

تمتمت رنا بصوت منخفض وهي تدير وجهها بعيدا عنها:

+

– اممم.. بقه هو كدا، كريم أخوكي!!.. قولتيلي بقه!!!..

+

هتفت عفاف بغضب:

+

– انتي مش بتردي عليا ليه؟..

+

تنهدت رنا والتفتت اليها تجيبها ببرود:

+

– عاوزاني أقولك إيه يا طنط؟.. أقولك انه اتصرف معايا تصرف في منتهى قلة الذوق قودام صحبتي؟.. أخوكي هو اللي ابتدى يا طنط، 100 مرة أقوله يبعد عن طريقي لكنه مصرّ أنه يضايقني، خلاص يستحمل بقه..

+

اقتربت منها عفاف ووقفت أمامها وهي تصيح بانفعال وسخط:

+

– انتي شايفة نفسك على إيه أنا عاوزة أفهم أنا؟.. ماله كريم أخويا؟.. شباب وجمال وما فيش بعد كدا، انتي المفروض تحمدي ربنا.. اللي قدك دلوقتي متجوزين وعندهم بدل العيّل اتنين، وانتي يا حسرة قربت تقفلي التلاتين ولسه في بيت أبوكي، عارفة اللي زيّك بيسموها إيه؟..

+

سكتت تطالعها بتشف قبل أن تردف وهي تضغط على حروف الكلمة:

+

– ع ا ن س.. عانس يا حبيبتي!!..

+

“عفاف!!!!!!!!”… صيحة قوية هدرت من خلفهما فشهقت عفاف بوجل واستدارت لتفاجأ بزوجها يقف أمام باب المنزل وهو يرميها بنظرات استنكار وغضب ناري، نظرت اليه بوجل وهو يتقدم منهما بينما تلعن غبائها فقد انشغلت بتلك الغبية رنا فلم تنتبه لحضوره، بينما دنا عبد العزيز حتى وقف بجوار ابنته ليحيط كتفيها بذراعه قبل أن يهدر غاضبا في زوجته التي وقفت تطالعه بقلق وخوف:

+

– انت اتجننتي يا عفاف؟.. ايه الكلام اللي بتقوليه لرنا دا؟.. بقولك إيه.. رنا بنتي أنا، ودا بيتها زي ما هو بيت علاء وسمر، وأنا ما أسمحش لأي حد أنه يدوس على طرفها حتى، اتفضلي… اتأسفي لها!!!!!

+

الى هنا وكفى!!!!.. لم تستطع  أن تحتمل أن يكيل لها زوجها الاهانات وأمام من؟.. ابنته!!.. ابنة غريمتها… فريدة!!!.. تلك الشوكة في خاصرتها والتي لا يزال زوجها يهيم عشقا بها حتى بعد انفصالهما منذ أكثر من اثني عشر عاما، بل وزواجه بها وانجابها لولديهما التوأم، فلا يزال اسم فريدة يحوم حولهما، تقسم أنها كثيرا ما تشعر به وكأنه يعيش مع فريدة وإن من خلالها هي، وهي لم تستطع الافصاح له عمّا يؤرقها، فهي قد أحبته!!.. قد تكون في البداية قد ارتضت به فهي كانت قد تخطت سن الزواج وقاربت على الاربعين عاما، لذا ما إن سنحت لها الفرصة عن طريق صديقتها والتي كانت زميلته في العمل حتى سرعان ما رمت شباكها حوله، ليستجيب لها وبمنتهى السهولة، فهو أولا وأخيرا رجل وفي عنفوان رجولته وقد حُرم من حنان الأنثى لفترة طويلة تتخطى الثلاث سنوات منذ طلاقه، ولكن بعد أن مرّت الأيام الأولى لزواجهما بدأت تشعر بأن هناك طرفا ثالثا يقف بينها وبين زوجها، أو بمعنى أدق.. شبحاً يحول بينها وبين التمتع بعاطفة زوجها خالصة لها، لتتضح لها الصورة كاملة ما إن رأت طليقته أول مرة مع ابنتها رنا وكانت هي بصحبته.. في النادي، لن تنسى ما حيَت نظرته اليها، كان وكأنه يحتضنها بعينيه، نبرة صوته المرتجفة بغير وعي منه وشت به وهو ينطق اسمها، وهي قد هالها أن ترى غريمتها بمثل هذا الجمال الذي لم يذوي مع تقدم السن، فكأنها تعود صبية كلما مرّت عليها الأعوام!!!!… وعاشت مع زوجها وقد أرغمت نفسها على القبول برنا نسخة مصغرة عن والدتها في جمالها وشخصيتها التي تسحر كل من يراها، وها قد أسرت ابنتها أخيها العابث من الطراز الأول، والذي رماها بقنبلته منذ قليل قبل أن تعود هذه، إذ أفصح لها عن رغبته بالارتباط برنا، وأنه لن يتزوج أبدا إن لم تكن رنا هي عروسه، ولكن أن يصل الحال الى حد أن ينهرها زوجها كما لو كانت طفلا صغيرا وأمام ابنته فكلا وألف كلا، لتقف تشد من نفسها وتتطلع الى زوجها وهي تقول ببرود:

+

        

          

                

– رنا زي بنتي بالظبط، وأنا لما بوجّهها لحاجة أو حتى بلومها أو بعتب عليها في أي شيء مش معناه إني بغلط فيها، وتوصل لدرجة اني أعتذر لها، مافيش أم بتعتذر لولادها!!..

 قاطعتها رنا بنظرة تحد:

+

– لا.. فيه!!.. ماما فريدة لما بتتعصب عليا ويكون بسبب ضيقها من الشغل مثلا، بتقولي “آسفة، ما تزعليش مني”… لكن زي ما قلتي يا طنط.. دي ماما مش.. زي ماما!!.. والأم الحقيقية بس هي اللي بتعمل كدا، عارفة ليه؟.. عشان بتعوّد ولادها وتربيهم أنهم لما يغلطوا يعتذروا، لازم تزرع فيهم الاعتراف بالخطأ من صغرهم عشان ما يكابروش في الغلط، لكن للأسف الام اللي بتترفع عن انها تعمل كدا يبقى ما تزعلش من ولادها لما يكبروا وما يسألوش فيها، ويبجحوا في وشّها، ما هو فاقد الشيء لا يعطيه!!!

+

عفاف بحدة وهي تشير الى رنا:

+

– عاجبك المحاضرة اللي ادتهالي بنتك دي في الأخلاق؟… أنا ولادي هيطلعوا بجحين ومش بيقدروا الكبير!!!

+

رنا ببساطة:

+

– يا طنط أنا جبت سيرة علاء وسمر دلوقتي؟.. أنا بقول كلام علمي، دي أحدث نظريات التربية الحديثة على فكرة، ناس خبراء في التربية اللي قالوا الكلام دا مش أنا، أنا زي ما أنت قلتي لسه ما دخلتش دنيا، ولو إني يا طنط معترضة على كلامك.. مين اللي قال 28 سنة تبقى عانس؟.. فيه ناس اتجوزوا وهما عندهم أكتر من 35 سنة وجوازة ما كانوش يحلموا بيها، المهم يطلع النصيب يستاهل انه الواحدة تتنازل عن حريتها علشانه!!!….. عن إذنكم…

+

وهمّت بالذهاب ليشد عليها والدها وهو يقول بجدية وصلف:

+

– استني يا رنا… عفاف… انتي غلطتي في حق بنتي، واللي غلط لازم يعتذر، عشان ولادي يكبروا عارفين انه الاعتراف بالحق فضيلة..

+

اقتربت عفاف وتمتمت بشفاه ترتعش رغبة في البكاء ولكنها ضغطت عليا بقوة:

+

– آسـ.. آسفة!!!

+

نظر اليها عبد العزيز وأردف بصرامة:

+

– تمام.. دا أولا، تاني حاجة بقه… لو سمعت انه كريم أخوكي اتعرض لبنتي بأي طريقة ما تلوميش الا نفسك ساعتها، أنا بحذرك… قوليله يبعد عن بنتي خالص، نجوم السما أقرب له منها، لما يبقى راجل الأول وقادر يفتح بيت ويشتغل زي الرجالة وقتها يبقى ييجي يكلمني، انما غير كدا ما أشوفوش خالص، ولو عاوزة تشوفيه يبقى في بيت أهلك، انما بيتي.. ما يدخلوش!!!

+

شحب وجه رنا وهي لا تفهم ماذا يعني والدها، لتترجم عفاف تساؤلاتها الصامتة الى أخرى منطوقة وهي تقول بتوجس:

+

– ليه يا عبد العزيز؟.. إيه اللي حصل لدا كله؟..

+

عبد العزيز بحدة بالغة:

+

– إسألي البيه أخوكي، البيه المحترم جالي وأنا قاعد تحت في الكافيه مع فهمي صاحبي، وعاوزني في موضوع مهم، خلّا فهمي يعتذر  ويقوم، واستنيت أعرف موضوع إيه المهم دا، عشان ألاقي أخوكي المحترم بيجيب في سيرة بنتي!!.. وأني عاطيها حرية زيادة عن اللزوم، ولما احتديت عليه فاجئني أنه عاوز يخطبها!!!.. أخوكي اللي عنده 30 سنة ولسه بياخد مصروفه منك شوية ومن أمه شوية!!.. اوعي تكوني فاهمه اني نايم على وداني ومعرفش فلوسي بتروح فين؟.. أنا اللي بطنش بمزاجي، يبقى بعد دا كله.. أخوكي عاوز يتجوز بنتي أنا ويمرمطها معاه!!… أنا بقولك أهو… قوليله يشيل رنا من حساباته خالص، وما يقفلهاش في طريق ولو صدفة، ولو حصل وشافها قودامه يغير طريقه مخصوص، ماذا وإلا.. انتي اللي هتدفعي تمن عمايل أخوكي دي…. ياللا يا رنا…

+

وحثّ رنا على السير معه في حين طالعتهما عفاف بنظرات مليئة بالغضب والكراهية، الغضب منه والكراهية لابنته تلك التي تكاد تقسم أنها لو خيرته بينها وبين ابنته لاختار الأخيرة وبدون تردد حتى لو ضحّى بابنيه الأخريين، فهي.. رنا.. ابنة حبه الأول والأخير!!!!..

+

دلف عبد العزيز الى غرفة رنا ووقف أمامها ثم مال عليها لاثما جبهتها قبل أن يقول بحنان أبوي:

+

– اوعي تشيلي هم حاجة يا روح بابا طول ما أنا عايش، وعايزك دايما واثقة في نفسك زي ما إنت، وتأكدي من حاجة مهمة جدا.. أنا ثقتي فيكي مالهاش حدود، وعمرها في يوم ما هتتأثر لا بكلام فلان ولا علان.. أنا عارف أنى أنا ومامتك أذنبنا في حقك، لكن اللي حصل حصل، وكل اللي بتمناه إنك ما تكونيش زعلانه مني أو محملاني ذنب أنفصالي عن والدتك..

+

أسرعت رنا بالقاء ذراعيها حول عنق والدها هاتفة باعتراض ونفي قاطع:

+

– ابدا يا بابا، إزاي حضرتك تفكر في حاجة زي كدا، أنا عمري ما أقدر أزعل لا منك ولا من ماما، أنتو الاتنين أبويا وأمي اللي مقدرش أستغنى عنهم أبدا، ربنا يخليكم ليا يا رب وما يحرمنيش منكم ابدا…

+

عانقها والدها بحنان فياض، ثم أبعدها عنه واتجه لينصرف حينما وقف أمام الباب المفتوح ونظر اليها من فوق كتفه وقال بهدوء:

+

– أخبار ماما إيه يا رنا؟.. بتكلميها؟..

+

رنا بعفوية:

+

– الحمد لله يا بابا، آه.. كل يوم لازم نتكلم الصبح وبالليل، هي قربت ترجع بالمناسبة..

+

عبد العزيز بابتسامة صغيرة ونظرة شاردة:

+

– ترجع بالسلامة إن شاء الله، ابقي سلميلي عليها…

+

وانصرف مغلقا الباب خلفه، فطالعت رنا الباب حيث غاب والدها وراؤه وهمست في نفسها بغير تصديق:

+

– معقول يا بابا تكون لسّه بتفكر في ماما؟.. بعد السنين دي كلها؟!!!!!! 

+

                          – يتبع –

+

     





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى