رواية قارئة الفنجان الفصل الحادي عشر 11 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf

قارئة الفنجان
+
الفصل (11)
+
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
+
طرقت باب غرفة ابنها لتدلف بعدها، وقفت لوهلة أمام الباب تطالعه بابتسامة حنون فيما كان هو شاردا في البعيد، راقدا فوق فراشه مستندا بظهره الى الخلف فيما يضع ذراعه الأيمن فوق جبهته، تنهيدة عميقة تصاعدت من أعماقه جعلت والدته تقطب قلقا فيما فؤادها يتآكلها على حال صغيرها، نعم هو صغيرها وأن كَبُرَ وأصبح جدّا، فهي لم يعد لها سواه بعد أن فقدت الآخر في ذاك الحادث الشنيع، تقدمت الى الداخل بضعة خطوات ووقفت أمامه بينما عيناه محدقتان في الفراغ أمامها تكاد تقسم أنه لم يسمع صوت طرقاتها على الباب ناهيك عن دخولها إليه!!.. نادته بحنان عدة مرات ولكنه لم ينتبه إليهت فرفعت يدا قد ظهرت عروقها بارزة في ظاهرها وربتت على كتفها هامسة بحنوّ:
+
– أنور حبيبي… أنور ..
+
لينتبه ويلتفت اليها قائلا بشرود واضح:
+
– امممم… أيوة يا ماما…
+
قطبت وقالت وهي تزيح يدها بابتسامة مندهشة:
+
– أيوة يا ماما؟.. لا طالما فيها ماما يبقى الموضوع كبير أوي بقه!!!!.
+
ابتسم أنور واعتدل جالسا فوق الفراش مجيبا:
+
– مالك يا طماطم بس؟.. يعني أقول طماطم تزعلي وتقوليلي ناقص تقول حمرا يا أوطة، أقول ماما أبقى أتغيرت؟..
+
مالت والدته عليه وقالت بمشاغبة الأم الحنون:
+
– طيب عيني في عينك كدا؟.. يعني عاوز تفهمني انه حالتك الغريبة اللي بئالها كم يوم دي مالهاش دعوة باللي حصل عند رنا؟..
+
ليتجهم وجهه ويهرب بعينيه من نظرات والدته الثاقبة ويجيب بجمود:
+
– وهو إيه اللي كان حصل يعني؟..
+
ثم ابتسم ورفع عينيه اليها قبل أن يواصل:
+
– ما تقلقيش نفسك يا ست الكل، أنا كويس أوي، وأي مشكلة أكيد لها حل…
+
هزت والدته برأسها موافقة وقالت وهي تخفض عينيها فيما حاولت جاهدة إخفاء ابتسامتها الماكرة:
+
– أوكي يا حبيبي، بس أنا بجد صعبانة عليا رنا أوي.. ما صدقتش لما ندى حكيت لي!!!..
+
قطب أنور ورفع رأسه يطالع والدته في تساؤل قائلا في استفهام وحيرة:
+
– وهي مالها رنا؟…
+
تطلعت اليه والدته ببراءة مزيفة وهتفت بدهشة مصطنعة:
+
– أنت ما عرفتش أنه باباها مصمم انه يتمم جوازها من اللي اسمه كريم دا حتى بعد ما هي رجعت في كلامها؟!!!.
+
ليقفز أنور واقفا كالملسوع صارخا في دهشة وذهول غاضب:
+
– إيه؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!…..
+
ابتعدت عنه والدته قليلا وأجابته ببساطة:
+
– أيه يا بني؟.. أيوة ندى لسّه حالا مبلغاني بكدا، وقالت لي أنه رنا حالتها النفسية وحشة جدا….
+
هتف أنور في صدمة بالغة:
+
– وإزاي عمي عبد العزيز يجبرها على موضوع خطير زي دا؟.. دا عمره ما عملها حتى لما كان عاوزها تروح تعيش معاه.. يقوم يوم ما يعملها يبقى في حاجة مصيرية زي الجواز؟!!!!..
+
حركت والدته كتفيها علامة الجهل في حين أردف هو بعزم:
+
– أنا لازم أتكلم معاه..
+
وأسرع ناحية الباب لتهتف أمه تناديه:
+
– استنى بس يا أنور رايح فين؟.. هقولك…
+
كان أنور قد فتح الباب وأجابها من فوق كتفه:
+
– ما تقلقيش يا ماما.. أنا مش هتأخر…
+
وبتر عبارته حينما كاد أن يصطدم بندى لدى خروجه من غرفته ليهتف باسمها في توجس وريبة،بينما أجابت ندى بهدوء:
+
– استنى يا أنور زي ما طنط بتقول.. ما ينفعش تتكلم مع أونكل عبد العزيز دلوقتي، خصوصا وأنه في حالة غضب أول مرة أشوفه فيها…
+
أنور عاقدا جبينه في تساؤل وريبة:
+
– وليه؟.. ايه اللي حصل لدا كله؟..
+
همّت ندى بالاجابة لينتبه أنور لوقوفه أمامها فابتعد خطوتين الى الوراء مفسحا لها للدخول، فدلفت الى الداخل ثم استدارت ووقفت أمامه وزفرت عميقا قبل أن تجيبه:
+
– أونكل عبد العزيز غضب جدا من رنا لما عرف أنه كل اللي حصل دا عشان تجبره هو وطنط فريدة أنهم يرجعوا لبعض، وقالها بالحرف الواحد هما مش أطفال عشان هي تحدد لهم حياتهم وإيه المفروض يعملوه، وصمم أنها تكمل ارتباطها بكريم للآخر، يمكن فعلا تكون سبب أنه حاله يتصلّح!!!..
+
زمجر أنور هاتفا بحنق:
+
– نعم؟… إيه دا؟.. زي عمي يعمل حاجة زي كدا؟.. هو مش عارف أنه كريم دا واد بايظ وفلتان وكل يوم مع واحدة شكل؟… دا غير أنه لا شُغلة ولا مشغلة!!… ورنا سكتت؟..
+
ندى بتنهيدة ألم:
+
– رنا الأول عيّطت ورفضت لكن لما لاقيت أنه أونكل مصمم وافقت بكل برود وقالت له اللي تشوفه يا بابا ولو عاوزني أتجوزه من بكرة معنديش مانع!!!!!..
+
ليصرخ أنور بغضب عنيف:
+
– إيه؟!!!!!!!!!!… يعني ايه تتجوزه من بكره دي؟… صاحبتك اتهبلت؟… لالالا أنا لازم أتكلم مع عمي مش ممكن أسيبها تضيّع نفسها في خطة مجنونة ولّا لعبة هبلة زي اللي عملتها!!..
+
رفعت ندى كتفيها وهي تقول:
+
– حاول، ولو أني أعتقد أنك مش هتقدر تعمل حاجة، أنا أول مرة أشوف عمي عبد العزيز متمسك برأيه أوي كدا!!…
+
زفر أنور بضيق قبل أن يقول:
+
– سيبي لي الموضوع دا أنا هتصرّف فيه، بس قولي للمجنونة صاحبتك تبعد عن عمي خالص اليومين دول وبلاش تستفزه، حاكم هي أستاذة استفزاز بصراحة!!..
+
ابتسمت ندى وأومأت بالايجاب ليردف أنور بعدها وهو يطالعها بتساؤل:
+
– أنما دا سبب الزيارة ولا فيه سبب تاني؟.. انتي من مدة طويلة ما شرفتيناش حضرتك، احنا ناقلين هنا من تلات سنين ما زرتناش فيهم الا كم مرة يتعدوا على صوابع الإيد الواحدة!!!…
+
قاطعتهما فاطيما بابتسامة:
+
– بنت خالتك كانت جاية تفضفض معايا شوية، اقعدوا اتكلموا وأنا هعمل لنا عصير مانجة فريش وآجي لكم…
+
ما أن انصرفت والدته تاركة الباب خلفها مشرّعا حتى التفت أنور الى ندى يطالعها مليًّا لوهلة قبل أن يتساءل بابتسامة صغيرة:
+
– إيه يا بنت خالتي؟.. شكله فيه كلام كتير على وشّك!!!…
+
زفرت ندى بيأس وهي تجيبه بقنوط:
+
– خالتك يا سيدي!!!…
+
ابتسم أنور وأجاب بمزاح ساخر:
+
– إيش معنى!!!!!…
+
هتفت فيه ندى بنزق:
+
– انت هتدخلي قافية!!!!…. خالتك حاطاني في دماغها اليومين دول وبزيادة شويتين تلاتة أربعة!!!!..
+
أنور مستفهما بابتسامة:
+
– عريس تاني؟..
+
ندى بحنق:
+
– قول عريس عاشر!!!!.. لا والمرة دي داخله بتقلها كله، رجل أعمال معاه الجنسية الامريكية، عايش في أمريكا وابن صاحبتها الانتيم.. طنط دولت أكيد سمعت عنها من طنط فاطيما…
+
سكت أنور لثوان يتذكر ثم قال:
+
– أيوة أيوة.. مش دا… لؤي شريكك الجديد؟…
+
أومأت ندى مجيبة بيأس:
+
– أيوة يا سيدي هو، كانوا عازمينا انهرده ع الغدا في النادي، وطول الوقت تلميحات من تلميحات خالتك كريمة ما أنت عارفها، وكأنها مش كفاية بقيت هي تغني وطنط دولت ترد عليها!!
+
ضحك أنور وسألها:
+
– المهم عريس الغفلة… لؤي باشا رأي إيه؟…
+
زفرت ندى بيأس وأجابت:
+
– معرفش!!.. غامض كدا، هو قودامي يبان أنه مش فاهم أي حاجة من تلميحاتهم، لكن معرفش ليه عندي احساس أنه فاهم بس بيستعبط!!!..
+
ضحك أنور وهمّ بالكلام حينما قاطعه رنين هاتفه المحمول فأخرجه من جيبه ورفعه ليطالعه اسم المتصل فتلقى الاتصال مرحبا:
+
– أهلا.. جو، أخبارك؟..
+
استمع قليلا قبل أن يقول:
+
– لا أنا ورايا مشوار كدا هعمله وبعدين هفوت عليك، يعني انت خلاص استقريت في شقة عماد الدين؟.. تمام.. لا مشوار هبقى أحكي لك عنه لما أشوفك…
+
وجدت ندى أنه من اللياقة أن تنصرف وتتركه يتابع محاجثته الهاتفية مع صديقه فأشارت له برغبتها في الانصراف ليقول سريعا ليوسف على الطرف الآخر:
+
– ثواني.. ثواني يا جو..
+
ثم وجه باقي كلامه لندى:
+
– استني يا ندوش، لسّه مخلصناش كلامنا، ثواني هكون معاكي..
+
وما أن أعاد الهاتف الى أذنه ثانية حتى سمع صوت يوسف يهتف بذهول:
+
– ندوش مين؟.. اوعى يكون قصدك ندى؟..
+
نظر أنور الى ندى بدهشة لتطالعه بدورها بتساؤل فأجابه بالموافقة قائلا:
+
– آه ليه؟..
+
هدر يوسف بعنف:
+
– انت بتستعبط؟.. انت مش المفروض في بيتك دلوقتي زي ما قلتلي؟.. وبالتحديد في أودة النوم بتاعتك!!!.. أقدر أفهم ندى بتعمل إيه عندك يا سي زفت؟!!!!!!!!
+
هتف أنور بذهول:
+
– زفت!!!!.. هي حصلت للزفت؟!!!!..
+
يوسف بغضب ناري:
+
– ولو زودت في الكلام هخليه يبقى زفت وقطران على دماغك كمان!!.. انطق.. ندى بتعمل إيه عندك؟..
+
ليقاطعه صوت فاطيما وهي تدلف الى غرفته تحمل صينية عليها كؤوس عصير المانجو الطازج وهي تقول بصوت مرتفع:
+
– ياللا يا حبايبي، عملت لكم أحلى عصير مانجة بتحبوه، عقبال ما أبلّ شربات فرحكم بإيدي يارب!!!..
+
إلى هنا وكاد يوسف أن يفقد كامل رشده، فهتف من بين أسنانه المطبقة في حين انتفخت أوداجه غضبا وقهرا:
+
– شربات مين أن شاء الله دا؟.. أنور… في كلمة ونص تقول لي ايه اللي بيحصل عندك بالظبط بدل ما أشرب أنا من دمك!!!!!…
+
نظر أنور الى ندى التي جلست بجانب والدته تحتسيان العصير وأخفض صوته وهو يقول فهو يعلم جيدا أي جنون قد يتلبّس صديقه المجنون:
+
– بقولك ايه يا جو مش طالبة جنانك هي، ندى وأمي الاتنين معايا هنا، وليه ندى هنا فأظن بيت خالتها يعني عادي تيجي في أي وقت..
+
ليقاطعه يوسف هادرا بعنف:
+
– تيجي البيت يا حيلتها مش تدخل أودة نومك!!!!.. قسما عظما يا أنور إما اتصرفت وخليتها تخرج حالا دلوقتي يا هتلاقيني طبيت عليكم زيا القضا المستعجل!!..
+
اغتاظ أنور وأراد أن يلقن يوسف درسا فهو منذ أن تلقى اتصاله وهو تنهال عليه الاهانات جزافاً فقال باستفزاز وإغاظة:
+
– وترضاها لنفسك؟.. لو انت ترضاها أنا مقبلهاش عليك!!!!…
+
يوسف بريبة:
+
– هي إيه دي اللي ما تقبلهاش ان شاء الله؟..
+
أنور بابتسامة ساخرة لم يرها يوسف:
+
– أنك تكون…. – وسكت قليلا عمدا قبل أن يتابع بمكر- عزول!!!!..
+
ليفتح يوسف عينيه على وسعهما ويهدر بعنف:
+
– عز…. إيه؟!!!!
+
لم يتثنى لأنور المتابعة فقد أنهى يوسف الاتصال فتيقن أنور لحظتها أن يوسف على وشك الإتيان بعمل غبي كعادته عندما يتغلب غضبه على أي تفكير لديه، فأسرع الى ندى التي كانت ترفع كأس العصير الى فمها ترتشفه وأمسكه يبعده عنها وهو يقول بصوت غلفه المرح وان خرج متلعثما بعض الشيء:
+
– بقول إيه احنا كدا هنتأخر، ياللا بينا!!!…
+
ووضع الكاس فوق الطاولة الصغيرة في حين طالعته ندى بدهشة وتساءلت:
+
– هنتأخر؟!!!!… هنتأخر على إيه بالظبط؟…
+
ليرفعها من ساعدها وهو يجيبها في سرعة:
+
– انتي لسه هتسألي، ياللا بينا!!!..
+
فاطيما بذهول من حالة ابنها:
+
– فيه إيه يا بني؟.. ما تسيب بنت خالتك تكمل العصير بتاعها، هي جاية تقعد معنا شوية وتفك عن نفسها عاوزها تمشي ليه؟..
+
أنور وهو يحث ندى على السير وكانت قد نهضت بالفعل:
+
– نمشي قبل ما نتفك أنا وهي بتلاتة أربعة، حاكم هو إيده طارشة وما بيتفهمش!!!!..
2
ندى وهي تنظر اليه بهتاف حاد:
+
– جرى إيه يا أنور؟.. أنا ليه حاسّة انك زي ما تكون بتسرّبني، وعاوزني أمشي وخلاص؟!!!..
+
ليقف أنور بجورها ويطالعها ببراءة وهو يجيبها ببساطة مذهلة:
+
– حاسّة؟!!!.. لا لا لا… دا الواقع حضرتك مش إحساس وبس!!!!!… ياللا بينا وهقولك بعدين!!..
+
فهتفت الى خالتها وهي تدلف خارجا معه:
+
– هأكلمك بعدين يا خالتو، لما أشوف آخرتها مع ابنك إيه؟..
+
ثم وجهت تتمة حديثها الى أنور:
+
– أقدر أعرف هاخد عربيتي ولا هنروح موتو رجل في المشوار الغامض بتاعك دا؟..
+
أنور بابتسامة:
+
– هنروح بعربيتي وابقي ابعتي السواق ياخد عربيتك دا كلها شارعين بيننا وبينكم يعني!!..
+
لتحرك ندى كتفيها بقلة حيلة وتنصاع الى رغبة أنور في الذهاب مرغمة وهي في داخلها تكاد تقسم أن أنور بحالته هذه كمن يفر من شيء أخطر من… الموت!!!!!!!!!!…
+
***************************
+
– أقدر أعرف كنت فين لغاية دلوقتي؟.. انت مش بعتني أجيب لك حاجات؟.. بئالي ساعة طالعه نازلة أخبط ع الباب لما قلقت!!!…
+
فتح يوسف باب شقته ودلف دون الرد على سؤال سعادات التي دلفت خلفه دون الانتظار الى سماحه لها بالدخول، ألقى يوسف بمفاتيحه فوق طاولة صغيرة قبل أن يلقي بنفس جالسا فوق الصوفا وهو يتنهد بتعب قائلا:
+
– سعادات… لو ليا خاطر عندك.. أنا معنديش روح لكلامك دا دلوقتي..
+
سعادات وهي تدفع بمنظارها الطبي فوق أنفها والذي يخفي نصف وجهها الصغير تقريبا:
+
– كنت فين يا جو؟.. وليه راجع وشكلك تعبان كدا؟..
+
لم تنتظر سماع جوابه وأردفت هاتفة بحدة وهي تتخصر أمامه:
+
– إوعى تكون قابلت أمنا الغولة؟!!!!!..
+
أسند يوسف رأسه الى المسند خلفه وأجاب ببرود:
+
– أمنا الغولة!!.. أنا أعرف أمنا الغولة بردو؟..
+
سعادات بتلقائية وهي تشيح بيدها:
+
– لا.. ان جيت للحق انت تعرف أمهات الغولة مش أم واحدة بس!!!…
+
ليميل يوسف الى الأمام ويهتف بها ناهرا اياها بغضب وهو يرفع سبابته في وجهها:
+
– سعادات بقولك إيه…. اتمسي على المسا…. أنا العفاريت كلها بتنطط قودامي وعلى أتم استعداد أني أصوّر قتيل حالا!!!…
+
هتفت سعادات بغبائها المعتاد:
+
– تصوّر قتيل!!!.. لا يبقى نبعت نجيب أمنا الغولة حالا دلوقتي عشان نخلص منها مرة واحدة!!!…
+
رفع يوسف رأسه ناظرا الى الأعلى وهو يصيح بتعب:
– يا رب أنا كنت عملت إيه في دنيتي بس عشان أتبلي بيكي؟!!!…
1
سعادات وهي تطالعه بنصف عين وبصوت منخفض:
+
– لا لو على اللي عملته فإنت عملت كتير.. كتير أووي، دا انت هببت مش عملت وبس!!!…
1
أغمض يوسف عينيه ونادى عاليا:
+
– سعادااااااااااااااااات!!!!!!!!!!!…. أقدر أعرف بتبرطمي تقولي إيه بالظبط؟!!!!
+
سعادات وبكل بساطة:
+
– لا طبعا متقدرش!!!.. لأني مش ممكن أقولك أنا ببرطم أقول إيه!!!
+
فتح يوسف عينيه وناظرها بيأس قبل أن يقول محاولا تمالك نفسه فيكفيه أنور الذي اختفى مع ندى ولا يجيب اتصالاته العديدة، فإن كان يظن أنه بهذا قد استطاع الهرب منه فسيتأكد أن يجعله يعلم تماما أن امكانية الهرب من يوسف طاهر فاشل تماما كالهرب من لسان سعادات السليط!!!!..، قال يوسف بهدوء نسبي:
+
– ما علينا يا سعادات، فين اللي بعتك تجيبيه؟..
+
فتناولت سعادات حقيبة بلاستيكية كانت قد وضعتها على الطاولة الصغيرة فوق ولوجهما الى المنزل وناولته إياها، فتح يوسف الحقيبة ونظر فيها مليّا قبل أن يرفع رأسه ويطالع سعادات في ذهول وصدمة وهو يقول بدهشة بالغة:
+
– إيه دا يا سعادات؟!!..
+
سعادات بكل ثقة:
+
– الطلبات اللي أنت طلبتها!!!…
+
مد يوسف يده بداخل الكيس وأخرجها وهو يمسك بعلبة حليب صغيرة قائلا:
+
– جايبالي علبة لبن يا سعادات؟!!!!… أنا طلبت لبن بردو؟..
+
سعادات بنفس الثقة وهي تشمخ برأسها الى الأعلى بكل فخر:
+
– لا طلبت بُن.. لكن القهوة وحشة عشان صحتك، انت بتشرب القهوة زي ما تكون بتشرب مايّه تمام!!!…
+
وضع علبة الحليب جانبا ثم مد يده ثانية قبل أن يخرجها ممسكا بحلوى للأطفال على هيئة ماصة بطعم الفراولة وهتف فيها بذهول:
+
– وإيه دي كمان؟.. مصاصة!!!!!!!!!!…. جايبالي مصاصة يا سعادات!!!!..
+
سعادات بتكشيرة:
+
– مش أحسن من السجاير اللي حارقة قلبك؟…. انت بتقول انك بتفش غلّك في السجاير، خلاص فشّه في المصّاصة.. انبي ما هيقول حاجة، أهو أحسن من السجاير بردو!!!..
+
قطب يوسف متسائلا:
+
– هو مين دا اللي مش هيقول حاجة؟..
1
سعادات ببساطة وهي تحرك كتفيها كمن سمع سؤال اجابته بديهية:
+
– غِلَّكْ!!!!!!!!….
+
الى هنا وبلغ صبر يوسف منتهاه فقفز عن الاريكة صارخا بقوة:
+
– انت جايبة حاجات لابن أختك في الحضانة!!!!!!!!!!… بقولك ايه يا سعادات…. امشي من وشّي السعاة دي أحسن لك، وخدي حاجات ابن أختك دي معاكي ماذا وإلّا…..
2
وترك باقي جملته معلقة فتقدمت سعادات وتناولت الحقيبة البلاستيكية وتمتمت بحنق وهي تعيد الأشياء بداخلها:
+
– انت جالك زهايمر ولّا إيه؟.. كل شوية ابن أختك.. ابن أختك… أختك مين إذا كنت أنا أختك نفسها!!!!… أنا أكبر أخواتي.. يووه دا إيه الراجل دا!!….
+
يوسف وهو يضع يديه في خاصرته:
+
– انتي بتقولي إيه عاوز أفهم أنا؟…
+
نظرت اليه سعادات بغضب وقالت:
+
– ما بقولش….
+
ثم أكملت بصوت منخفض نسبيا ولكنه وصل الى أسماع يوسف:
+
– قال وأبلة ندى عاوزاني أروح معاه الديفليه، ومش بس كدا وأكون معاها من أول اليوم، دا حد واحد بعقله يمشي معاه دا؟…
+
قطب يوسف وقال متشككا وهو يدنو منها:
+
– سعادات.. انت قلتي إيه؟..
+
رفعت سعادات رأسها ناظرة اليه وهتفت بحنق:
+
– ما قولتش!!!..
+
يوسف وقد وقف على مقربة منها بمهادنة:
+
– لا قلتي… سمعتك بتجيبي اسم ندى!!..
+
سعادات بتحد:
+
– آه قلت ندى إيه رأيك بقه؟.. مصممة أني أحضر الديفليه، ولما قلت لها أبويا مش هيرضى عشان هتأخر قالت لي أنك أكيد هتقدر تقنعه، وأنه هيوافق لما يعرف أني هكون معاك، وطلبت مني أني يومها أكون معها من أول اليوم!!!!!…
+
هتف يوسف بقوة فاجأتها وقد ارتسم على وجهه تعبير من نال جائزة اليانصيب:
+
– قالت لك كدا؟.. أنه أنا أقدر أقنع ابوكي؟.. هي كلمتك؟…
+
سعادات رافعة حاجبها الأيمن بتوجس قائلة بريبة:
+
– كلمتها انهرده عشان أطمن عليها، بصراحة في منتهى الاحترام وتخلي الواحد مش عاوز يبعد عنها… ليه.. عندك مانع؟…
+
شرد يوسف في كلمات سعادات التي تصف ندى وهمس بشرود:
+
– عندك يا سعادات.. اللي يعرفها يبقى مش هاين عليه يفارقها لحظة واحدة…
+
سعادات وهي تعقد بين حاجبيها وهي تتساءل ذات سؤاله هو المعتاد:
+
– انت بتقول إيه؟..
+
زفر يوسف بضيق ونظر اليها قائلا من بين أسنانه المطبقة:
+
– ما بقولش يا سعادات….
+
ثم سكت لبرهة قبل أن يقول بابتسامة متملقة:
+
– سعادات… إنتي قلتيلي انتي هتروحي لندى أمتى؟…
+
سعادات وهي تطالعه بطرف عينها:
+
– ما قولتش، هي عاوزاني أكون في الفندق من الصبح، الديفليه الساعة 7 بالليل، وهي حاجزة جناح هناك ليها هي وميس رنا، وعاوزاني معها، لكن أنا مش هروح!!!..
+
صاح يوسف بغيظ:
+
– ليييييييييييه؟!!!!..
+
فطالعته باستغراب ليقول وقد اعتمد ابتسامته الساحرة المألوفة:
+
– ليه يا سعادات بس مش هتروحي؟.. انتي عاوزاها تزعل منك؟.. مش هي اللي طلبت منك بنفسها كدا؟..
+
سعادات بتلقائية:
+
– أيوة، لكن أنا معنديش حاجة تنفع ألبسها هناك، وطبعا ما رضيتش أقولها عشان ما تعرضش عليا فستان ولا فلوس أشتري واحد جديد وتقولي اعتبريه مكافأة لشغلك زي ما بنشوف في الافلام، أنا لو كنت قلت فليك أنت بس، وأنت عارف يا جو أني بعتبرك أخويا الكبير بالظبط وعشان كدا بقولك كل حاجة…
+
ابتسم يوسف واقترب منها وأجابها وهو يبعثر بيده خصلات شعرها المتناثرة حول وجهها:
+
– وأنتي مس أختي الصغيرة وبس.. لأ… أنتي بنتي يا سعادات، وطالما الموضوع كدا.. يبقى جهزي نفسك، هنروح مشوار صغير مع بعض، بس الأول كلميها قولي لها أنك موافقة.. وأنا هنزل أكلم أبوكي على ما تجهزي عشان نروح مشوارنا…
+
******************************************
+
نظر شاهين الى فريدة التي تجلس أمامه بثبات ظاهري في منزل جلال قريب الأخيرة حيث حضر بناءا على طلبه بعد أن أبلغته في عملهما في وقت سابق بجوابها على رغبته في الارتباط بها…
+
شاهين بهدوء:
+
– أنتي متأكدة يا فريدة من قرارك دا؟.. أنا عاوز أقولك أنك بكدا مش بس بتظلمي نفسك لأ.. وبتظلميني معاكي كمان!!..
+
فريدة بدهشة:
+
– أظلمك؟!!… أنت مش معايا أنك بتبالغ شوية بكلامك دا؟..
+
هز شاهين رأسه بنفي قاطع وقال:
+
– لا طبعا، أنا معايا كل الحق في اللي بقوله..
+
ثم استأنف برغبة واضحة في اقناعها:
+
– فريدة… اسمحي لي أتكلم معاكي بصراحة… لو كان عندي نسبة احتمال ولو بسيط أنك ممكن ترجعي لوالد رنا صدقيني أنا ما كنت فاتحت من الأساس برغبتي في الارتباط بيكي، لكن هو بنى له حياة تانية، ومش بس كدا.. الحياة دي بقه فيها أطفال كمان، وأنا عارف كويس أوي انك يستحيل تقبلي انك تهدمي حياة غيرك حتى لو كان الطرف الرئيسي في الحياة دي شريك حياتك أنتي في يوم من الأيام، دا غير أنك مش هترضي انه أولاده يجربوا مرارة الانفصال اللي لغاية دلوقتي رنا بتعاني منها مع أنها عمرها ناضج كفاية أنها تحاول تتجاوز النقطة دي، لكن دا شيء مش بإيدها… أرجوكي يا فريدة.. فكري كمان مرة، ما تخليش احساس وهمي بالذنب يتسبب في أنك تقضي الباقي من عمرك في وحدة قاتلة، وأنا متأكد أنه اللي رنا عملته وعرفته منك بعد ضغط شديد جدا مني كان زي مقامرة… يا صابت يا خابت وهي في قارة نفسها عارفة ومتأكدة باستحالة تنفيذ طلبها..
+
فريدة بوجوم:
+
– وإذا قلت لك أنه طلبها طلع مش بالاستحالة اللي انت فاكرها؟.. وأنه طلبها لاقى تشجيع كبير جدا من والدها، وأنه موافق.. بالعكس بقه.. شايف أنه دي فرصة أننا نعوضها الذنب اللي أذنبناه في حقها لما انفصالنا من غير ما نفكر في نتايج الانفصال دا عليها!!!!..
+
هتف شاهين بغير تصديق:
+
– مش ممكن!!.. عاوزكم ترجعوا تاني لبعض؟.. وأنتي وافقتي يا فريدة؟…
+
فريدة بتعب:
+
– مش عارفة يا شاهين، أول مرة أكون مشتتة بالشكل دا..
+
شاهين بحدة لم يقصدها:
+
– هتوافقي يا فريدة؟.. هوافقي تكوني زوجة تانية وتهدمي حياة تانية؟..
+
فريدة بضيق بالغ:
+
– أنا ما قولتش اني هوافق..
+
شاهين بجدية تامة:
+
– أومال كلامك معناه إيه؟..
+
فريدة بتنهيدة عميقة:
+
– افهمني يا شاهين، أنا إحساسي بالتقصير في حق بنتي الوحيدة مموتني، انفجارها اللي حصل ما كانش وليد اللحظة.. لا… دا جوّاها من سنين، وكتر الكبت يولّد الانفجار، رفضها العرسان اللي بيجوا لها والجواز بشكل عام أنا وعبد العزيز السبب فيه، احنا اللي عملنا عندها عقدة من الجواز، كل البنات بيحلموا بالفارس اللي يحبوه ويتجوزوا الا بنتي… الجواز عن حب دا من أفشل الجوازات في رأيها، عشان كدا هددت بقبولها الجواز من كريم، لكن المشكلة مش هنا.. المشكلة في عبد العزيز نفسه، رنا بعد اللي حصل بيومين جات واعتذرت مني وكلمته وكانت عاوزة تروح له رفض تماما وقالها بالحرف الواحد أنها مخطوبة لكريم وأن جوازهم هيتم في الوقت اللي هو يحدده!!!..
+
شاهين بذهول وحنق:
+
– انتي بتقولي إيه يا فريدة؟.. معقولة؟.. ترموا بنتكم الرمية دي!!!..
+
فريدة وشعور بالاختناق يغلب عليها:
+
– أنا اتكلمت معاه كير ومبرره في كدا أنه رنا لازم تكون أد كلامها، هي مش مراهقة طايشة مش عارفة هي بتقول إيه، لا.. دي شابة عندها 28 سنة، اللي قدها زوجة وأم كمان، وأنا طبعا مش هقف متكتفة لكن بجد أنا مش عارفة أعمل إيه، فأول حاجة قررت أن موضوعنا المعلق دا أنهيه، عشان أتفرغ للمشكلة اللي واقعه فيها بنتي.. لازم عبد العزيز يقتنع أنه جوازها من كريم مش عقاب لغلط عادي لأ… دا بالظبط هيكون عامل زي اللي داس على صباعك فبدل ما تشتمه ولا تزوءه حتى قمت ضربه بالفاس فتحت دماغه وسيّحت دمه!!.. يعني من الآخر كأنه بيحكم عليها بالموت بالحيا… بنتي وعرفاها كويس مش ممكن هتقدر تتأقلم مع الإنسان دا!!!..
+
شاهين بحزم:
+
– بس أنا مش موافقك يا فريدة!!..
+
نظرت اليه الاخيرة بذهول في حين استأنف هو بعزم:
+
– مش عنى كدا أنك ترفضي جوازنا، دا موضوع ودا موضوع، بالعكس بقه، أنا شايف أنه دا أكتر وقت أنتي محتاجاني فيه جنبك، ومتخافيش، مهما كان هو والدها وعمره ما هيأذيها أبدا، وأنا متأكد أنه كلامه دا قرصة ودن ليها بس شديدة شوية، وأنه مش ممكن الأمور توصل للجواز بجد، لكن عشان خاطري فكري مرة تاني في موضوعنا….
+
سكت لثوان ونظر اليها برجاء خلالهم وهو يردف بلهجة لأول مرة تسمعه يخاطبها بها وكأنه يرسل اليها مشاعره بين طيات حروفه:
+
– أنا فعلا عاوز أتجوزك أنتي يا فريدة، ولو صممت على الرفض أنا ههاجر عند ابني، وهنسى موضوع الجواز دا خالص، لأني عاوزك أنتي مش حد تاني!!!…
+
نظرت اليه فريدة بذهول وكلماته تتردد في عقلها، أمعقول ما تسمعه؟!!!!… هل يقصد شاهين أنه…. يحبها؟!!!!!….
+
لتسمع اجابة السؤال الذي كان يدور ببالها بصوت حنون للغاية وهو يطالعها بنظرات أشعرتها بالخجل كفتاة في العشرين من عمرها:
+
– أيوة يا فريدة… أنا.. بحبك – مشددا على أحرف كلمة بحبك – ولو ما اتجوزناش أنا مش هتجوز، لأني عاوز أتجوزك أنتي، مش مجرد جواز والسلام..
+
نظر اليها مليّا كي تستوعب كلماته جيدا قبل أن يردف:
+
– فكري تاني يا فريدة، أنتي هتكوني نمرة واحد في حياتي، بعد المرحومة الله يرحمها، ومش هتكوني لا زوجة تانية ولا.. مرات أب، عن إذنك!!!!!!…
+
ونهض مستأذنا بالانصراف وهي تسمعه يتبادل تحية الوداع مع قريبها، في حين كانت هي جالسة كالمذهولة تحاول استيعاب اعتراف شاهين الصادم لها!!!!..
+
***************************
+
وقفت أمام منضدة الزينة تطالع نفسها، غير مصدقة أن الصورة التي تطالعها هي صورتها هي، همست بسعادة:
+
– إيه الحلاوة دي يا بت يا سعادات، دا أنتي حلويات مش سعادات!!!!!…
+
كان الفستان ينسدل حتى منتصف ساقيها، محكم من نصفه العلوي ويهبط على اتساع مع حزام عريض من نفس قماش ولون الفستان باللون الفضي يحيط بخصرها النحيف، بدون أكتاف، فيما تغطي كتفيها وشاحا من الشيفون مطعما بحبات من الألماس المزيف، وانتعلت حذاءا ذو كعب رفيع عال يقرب من العشر سنتيمترات، فيما ولأول مرة تسدل شعرها بعد أن فردته لدى صالون التجميل ليصل الى كتفيها، وقامت المزينة بوضع زينة وجهها بطريقة حرفية باهرة فأثبتت أن ذلك الصالون الخاص بالتجميل وتصفيف الشعر يستحق المبلغ الذي ولا شك قج غرمه يوسف والذي لم يترك لها فرصة للاعتراض، فقد أخبرها أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يتسوق لها، وأنهت زينتها برش بضعة قطرات من عطر فوّاح برائحة الكراميل، لتبدو وكأنها قطعة من الألماس تبرق في فستانها الفضي!!….
+
صوت طرقات الباب أيقظها من شرودها، لتسمح للطارق بالدخول، فدلفت كلا من ندى ورنا اللتان فغرتا فاهما ذهولا ما أن شاهدتا سعادات في ثوبها الجديد وزينتها التي أكسبتها فتنة وطلة ملائكية مذهلة، قالت ندى وهي تطلق صفير استحسان طويل:
+
– إيه الجمال دا يا سعادات، ما شاء الله عليكي بجد، تجننيني..
+
ابتسمت سعادات وقالت:
+
– صحيح يا أبلة؟!!..
+
رنا وهي تدور حولها من الطرف الآخر:
+
– إلا صحيح يا أبلة!!.. دا صحيح ونص وتلات أربع كمان!!…. تحففة الفستان والاكسسوار والميك أب وكله بصراحة..
+
ندى بابتسامة:
+
– عشان كدا عرفت أنتي ليه استأذنتي على العصر ومشيتي، كنت رايحة تلبسي وتتمكيجي، بس كنت جبتي فستانك وحاجتك هنا والكوافيرة بتاعت العارضات كانت اهتمت بيكي…
+
سعادات ببراءة شديدة:
+
– لا يا أبلة، أنا استأذنت عشان جو هو اللي أخد لي المعاد من صالون التجميل، وهو اللي راح معايا وأنا بشتري الفستان، أساسا هو اللي صمم أنه يشتري لي فستان أحضر به الديفليه لأني بصراحة ما كنتش هاجي، أنما هو اللي صمم!!!!
+
همست ندى:
+
– معقولة؟..
+
سعادات بحماس:
+
– أيوة يا أبلة، مش قلت لك.. جو قلبه طيب أوي!!..
+
انتبهت ندى من شرودها وقالت وهي تساوي خصلات شعر سعادات:
+
– أنتي اللي طيبة أوي وتستاهلي كل خير فعلا، ياللا بقه معنا عشان الناس ابتدوا ييجوا، وربنا يوفقنا انهرده يا رب….
+
ونزل ثلاثتهم الى الاسفل، ندى بفستانها الأسود الذي ينسدل بطولها الى الأرض، مطعم بفصوص من الألماس على الأكمام التي تنسدل بطول ذراعها باتساع، وفي أسفل ذيل الفستان، وقامت بلف وشاحا من اللون الفضي فوق شعرها، واكتفت برسم عينيها بالكحل الأسود وبعض حمرة الوجه الخفيفة وأحمر شفاه باللون الوردي، كما انتعلت حذاءا مفتوحا باللون الأسود يختفي أسفل الفستان، ذو كعب مرتفع..
+
في حين ارتدت رنا ثوبا باللون الليموني الذي ضاهى لون عينيها الكهرماني واللون الأسود في جزئه السفلي، محكم من الأعلى ويهبط الى الاسفل حتى الكاحل، ذو حزام رفيع ذهبي التف حول خصرها الرشيق، وقد غطت شعرها الذي بلون سنابل القمح بوشاح ذهبي يناسب حذائها الذهبي اللون المرتفع الكعبين، وقد زينت وجهها بحمرة وجه خفيفة، ورسمت عينيها باللون البني الداكن الذي أظهر لون عينيها بوضوح وصبغت شفتيها بأحمر شفاه باللون الخوخي..
+
بدأ عرض الأزياء بصعود مايسة الى المسرح، توالى بعدها العارضات، وتعمدت ندى عدم الالتفات ناحية يوسف الذي ظهر كأحد نجوم السنيما في حلته السوداء التوكسيدو والتي أبرزت عرض كتفيه بوضوح، فيما تعمدت رنا التهرب من أنور الذي أكسبته حلّته الشبيهة بحلة يوسف وسامة ظاهرة، ولم تدع له الفرصة في فتح أي حوار جانبي معها، الأمر الذي جعله يجزّ على أسنانه غيظا وكمدا ويتوعدها بأغلظ العقوبات ما أن يستطيع الانفراد بها!!!..
+
– آآآآآآآي!!!!!!!
+
صرخت سعادات متألمة عند اصطدامها فجأة بأحد الحوائط الخرسانية بينما تسير متجهة الى الشرفة الخارجية حيث اجتذبها منظرها، فركت فروة رأسها وهي تتمتم بحنق غاضب:
+
– حد يعمل حيط مسلّح في نص المكان كدا؟!!.. أنا قلت العدسات دي مش هتنفع قالوا لي لأ جربيها هتعجبك، كويس كدا؟.. ولا كعب الفتلة دا اللي عامل زي فتلة الشاي اللي صمموا إني ألبسه، وقال إيه.. موضة!!!.. أديني كنت هفتح راسي أهو وانا ماشية من غير ما آخد بالي من العامود اللي طلع في وشِّي فجأة دا !!!!..
+
كانت لا تزال في استرسالها الهامس بصوتها الساخط حينما قاطعها صوت رجولي رخيم يقول:
+
– يا آنسة… على فكرة.. اللي اتخبطتي فيه دا مش دا عامود ولا حيطة سد، لا… أنا اللي اتخبطتي فيه، انسان من لحم ودم لو بصيتي كويّس!!!!!..
+
لتقف سعادات قاطعة النفس تماما لمدة تقارب الدقيقة حتى أنها لم يطرف لها جفن مما حدا بالرجل الذي اصطدمت به أن يناديها عدة مرات لتنتبه إليه:
+
– يا آنسة، أنتي يا مدموازيل، هو أنتي يا تتكلمي مع نفسك بسرعة 140 كلمة في الثانية يا إما تسكتي خالص!!!!…
+
لتنتبه سعادات من صدمتها وترفع عينيها اليه تطالعه بانشداه واضح وهي تقول بذهول:
+
– أنت بني آدم؟!!… لا بجد… أنت الحيطة اللي خبطت فيها؟..
+
لؤي وقد قلب شفتيه ممتعضا وقال بابتسامة صفراء:
3
– حيطة!!!!.. الله يكرم أصلك!!!…
+
لتفيق سعادات من صدمتها الأولية وتهتف به بتقريع عنيف وهي تشيح بيديها في وجهه:
+
– أنت مش تاخد بالك طيب؟.. يعني ما أنت شايف نفسك؟.. افرض أي حد صغير شوية خبط فيك كان هيبقى إيه الحل دلوقتي؟…
+
لؤي بشبح ابتسامة ساخرة:
+
– كان هيحصل إيه يعني؟..
+
سعادات بجدية تامة:
+
– يا تربنة في المخ يا كسر في عضم الجمجمة على طول، هو دا نتيجة الخبطة في أي حاجة خرسانة حضرتك!!!!!..
+
وقف لؤي متأملا فيها للمرة الأولى منذ ارتطامها به، ليفاجأ بها فتاة لا تكاد تتعدى طول كتفيه، فهو يكاد يقسم أن كعب حذائها يكاد يتعدى العشرة سنتيمترات، هبطت عيناه عليها تفصلانها تفصيلا لتبرقان بعدها استحسانا لما رأته، وتعجب في نفسه، فهو لأول مرة يهتم بما ترتديه النساء، حتى ندى والتي حضر بناءا على دعوتها وإلحاح أمه عليه لم ينتبه لما ترتديه الليلة!!
+
انتبه من شروده على صوتها الساخط وكانت قد انتبهت لنظراته المنصبة عليها:
+
– انت يا أخينا أنت.. انت بتبص فين؟..
+
لؤي وقد تلبسه شيطان مرح لا يعلم أنّى له به:
+
– ببص قودامي، مش زي ناس، ماشية تعد في البلاط تحت رجليها ولما تخبط في حد بدل ما تعتذر تهب فيه!!!…
+
فتحت سعادات عينيها على وسعهما وهتفت بذهول:
+
– هااااااااار أوسد…. انت بتلمّح عليّا؟!!!!!..
+
لؤي بفكاهة:
+
– إيه دا.. وعرفتيها لوحدك؟.. لا بجد أذكى أخواتك!!!!..
1
كادت تصب على رأسه لعناتها حينما قاطعهما صوتا رفيعا جعلها تقطب قبل أن ترى صاحبة الصوت وهي تقترب منهما لتحدق فيها سعادات غير مصدقة لما تراه عينيها، فتلك الفتاة ترتدي ثوبا كاشفا لكتفيها حتى مقدمة صدرها، قصيرا الى منتصف فخذيها، وأسفله ترتدي جوارب سوداء شفافة فيما ما يطلق عليه اسم ثوب مجازا بلونيه الأبيض والأسود يلتصق بثناياها فكأنه جلدا ثانيا لها، نظر لؤي الى صاحبة الصوت ليتطلع فيها بسأم وهو يسمعها تقول بعتاب ولوم:
+
– أنت روحت فين وسيبتني؟.. ما تنساش أني ما كنت عاوزة آجي وأنت اللي ضغطت عليّا، أنت عارف أني مش بستلطف خالص اللي اسمها ندى دي، أنا عارفة ايه اللي عجبك أنت وماما فيها!!!!!!…
+
لؤي ببرود:
+
– أنت عارفة أني رافض لبسك دا، وانتي اللي صممتي تلبسيه، هنا غير أمريكا، وماما هي اللي ضغطت عليا أنى ما أزعلكيش، ولعلمك بقه خروجك معايا انهرده فكرتها مش فكرتي أنا خالص!!!…
+
رشا بسخط:
+
– اللي يسمعك يقول مسهرني في جرين هيلز، كل الحكاية ديفيليه هيثبت فشله قريبلا ان شاء الله، من الفساتين اللي بيعرضوها دي!!!..
+
فتح لؤي فمه ليرد عليها حينما قاطعته سعادات التي نسي وجودها تماما وهى تهتف بحنق غاضب في وجه رشا شقيقته:
+
– والله الفاشل هو اللي بيتمنى الفشل لغيره، وأكيد الفساتين اللي هنا مش هتعجبك، لأن الفساتين المعروضة للبس حضرتك مش للـ…. – وأشارت بسبابتها على ثياب رشا مردفة باشمئزاز واضح – قلع!!!!!!…
+
طالعتها رشا في صدمة قبل أن تهتف بحنق:
+
– إيه؟… انتي ازاي تسمحي لنفسك تتكلمي معايا بالاسلوب دا؟..
1
سعادات ساخرة:
+
– أنا بسمح لنفسي بكل حاجة وأي حاجة طالما مش هجرح غيري، الدور والباقي على اللي مش حاسس بنفسه خالص، أصله بعيد عنك فيه ناس كدا…. جِبِلَّهْ(يعني معدومي الدم بالمصري)!!..
+
رشا بذهول:
+
– إيه؟…
+
ثم نظرت الى لؤي الواقف يتابع الجدل الدائر أمامه باستمتاع يشعر به لأول مرة منذ زمن طويل وأشارت الى سعادات متسائلة بسخط:
+
– مين دي يا لؤي؟…
+
لؤي بهدوء:
+
– هدّي نفسك بس دي…
+
لتقاطعه سعادات هاتفة بدهشة:
+
– يا إيه؟.. هي قالت لك إيه دلوقتي؟..
+
لؤي بغير فهم:
+
– لؤي.. اسمي، ليه؟..
+
سعادات بدهشة بالغة:
+
– ليه إيه!!!… أومال هرقليز ومازينجر راحوا فين؟…
2
لؤي محاولا اخفاء ابتسامته فقد شعر بالاستمتاع فعلا بمشاغبة هذه الفتاة التي تمتلك سحر الأنثى وبراءة طفلة:
+
– وأنا مالي ومالهم؟..
+
سعادات ببساطة:
+
– مالك ومالهم إزاي يعني؟.. المفروض تبقى يا هركليز يا مازينجر مش تقولي.. لؤي!!!!…. حرام عليهم بجد!!!!..
+
قاطعتها رشا صارخة:
+
– انت مالك أنتى باسمه؟.. انتى تبقي مين أساسا؟…
+
لؤي بمحاولا ايقاف أخته التي إن انفلت لسانه من عقاله فإنه لا يصمت الا بعد إيذاء من يقف أمامها:
+
– استني انتى بس يا رشا؟..
+
رشا بانفعال:
+
– أستنى ايه بس، ما انت شايف وسامع بنفسك، هي مالها هي بينا!!
+
سعادات بذهول مشيرة الى رشا:
+
– اسمها رشا؟..
+
هز لؤي رأسه بالايجاب مقطبا بحيرة، فأردفت سعادات بذات ذهولها:
+
– خطيبتك ولا أختك ولا مراتك؟..
+
لؤي وقد رفع يده مسكتا أخته في حين لا يعلم لما كل هذه الأسئلة ولكنه قرر السير معها الى نهاية المطاف:
+
– أختي!!!…
+
سعادات ببلاهة:
+
– اممممم.. انت لؤي، وأختك رشا، على كدا بقه يبقى ماما سحر وبابا تامر.. صح؟!!!!
+
كادت رشا تنهال عليها بالسباب حينما قاطعها صوت ضحكة شقيقها العالية فطالعته بذهول، فلأول مرة ترى أخيها يضحك بهذا الشكل، وما أن هدأت ضحكات لؤي حتى قال والابتسامة لا تزال ترتسم على وجهه:
+
– إيش معنى يعني؟…
+
سعادات ببديهية:
+
– ما هو مش معقولة تبقى الست الوالدة عواطف والسيد الوالد أبو الوفا ويخلّفوا لؤي ورشا يعني!!!!!
+
كتم لؤي ضحكته بصعوبة في حين واصلت سعادات باهتمام ملحوظ:
+
– انما أنت مش زعلان منهم؟..
+
لؤي بعدم فهم:
+
-لا.. وهزعل منهم ليه؟..
+
سعادات بتحسّر على حاله وقد أمسكت نفسها بصعوبة من اصدار صوتا بشفتيها ينبأ عن تحسّرها عليه:
+
– انبي انك صعبان عليّا، فيه حد يعمل في ضناه كدا بردو!!!…
+
لؤي مقطبا بحيرة:
+
– هو إيه دا اللي اتعمل؟…
+
سعادات باستغراب شديد:
+
– يعني انت متأكد انك مش زعلان منهم ولا فيه أي ضغينة خالص في نفسويّتك من ناحيتهم؟!!!!
1
لؤي بصوت حاول اظهاره جدي مبتلعا ضحكته بصعوبة:
+
– لا ما فيش أي ضغينة والحمد لله، ممكن أفهم قصدك إيه بقه؟..
+
سعادات بغباء:
+
– أصلك بصراحة صعبان عليا، يعني لما الحاجة ولدتك أكيد كانت عارفة أنه هيييج يوم تبقى فيه أب يعني أن شاء الله، ولادك هيقولوا لك إيه؟.. بابا لؤي!!!!!… ولو ولادك قالوها… أحفادك هينادوا لك بـ إيه.. جدو لؤي!!!!!.. مش منظر خالص بصراحة!!!!!!!!!…
4
الى هنا ولم يستطع لؤي تمالك نفسه فانطلقت ضحكاته حتى كاد يغشى عليه من فرط الضحك، لتطالع رشا سعادات بكره وبغض وتقول بغيظ:
+
– طيب ممكن نعرف انت اسمك يبقى إيه بقه؟.. ما انت لا عجبك لؤي ولا رشا..
+
لؤي موافقا ولأول مرة اخته:
+
– صحيح.. اسمك إيه؟..
+
سعادات بفخر وهي ترفع رأسها الى الأعلى:
+
– سعادات….
+
لتنطلق ضحكة ساخرة عالية من رشا، فنظرت اليها سعادات بغضب في حين انتفخت أوداجها حنقا ولكنها أبدا لن تظهر لها ضيقها من وقاحتها وسخريتها من اسمها، قال لؤي محاولا تلطيف الجو بعد أن رمى أخته بنظرة تحذير من طرف خفي:
+
– اسم جديد وغريب..
+
سعادات بجدية غريبة عليها لا تستخدمها الا عندما تشعر بالجرح وبشدة:
+
– الاسم مش غريب ولا حاجة، أبويا سمّاني سعادات لأني على حسب ما قالي كان وشّي حلو أوي عليه، وش السعد زي ما بيقولوا، لكن مش مهم الاسم، المهم الواحد يكون حاسس بالسعادة نفسها من جوّه، والحمد لله طول عمري بقول أنهم لما سموني سعادات كأنهم أعطوني السعادة كلها… فيه ناس يبقى اسمها مثلا… حسنات والفعل لسيئات، كتير أوي اسمهم بيبقى اسم على غير مسمى!!!..
+
رشا بريبة وغيظ:
+
– قصدك إيه؟..
+
سعادات بابتسامة استهزاء صغيرة:
+
– ولا قصدي ولا قصدك.. عن إذنك عشان اتأخرت عن زمايلي…. سلام يا…. رشا!!!!
+
وتعمدت نطق اسمها ببرودة تامة، وانصرفت بعد أن هزت رأسها هزة طفيفة للؤي الذي راقب انصرافها بغير رضا، فلأول مرة يشعر بأنه قضى دقائق سعيدة فيها، فكأن سعادات تميمة سعادة لكل من يشاء حسن حظه لقائها، ولهذا فقد راقبها حتى غابت عن أنظاره وهو ينوي بداخله ألا تكون هذه الدقائق هي آخر عهده بالسعادة أو…. بسعادات نفسها!!!!!!!!!..
+
********************
+
وقفت أمامه مزمجرة كهرة شرسة هاتفة بحدة:
+
– أنت عاوز إيه يا أنور بالظبط؟…
+
دنا منها أنور وكانا واقفين في استراحة عارضات الازياء التي خل منهن فقد صعدن جميعا الى خشبة المسرح لتحية الحضور جميعهم، وقف أنور أمامها وهمس بجدية وعينيه تبرقان بعزم واضح:
+
– ابعدي عن كريم يا رنا، مش هكرر كلامي كتير… د آخر انذار ليكي..
+
عقدت رنا ذراعيها ووقفت أمامه تطالعه بابتسامة ساخرة وتقول:
+
– لا بجد؟.. انت متعرفش أنه بابا صمم خلاص أنه يتمم جوازي منه؟..
+
أنور بثقة مفرطة:
+
– عمي أنا أقدر أتكلم معاه، ما تقلقيش من الناحية دي!!!…
+
فكت رنا ذراعيها وهتفت بغيظ:
+
– ومين قالك أنى قلقانه؟…
+
ثم شهرت سبابتها في وجهه متابعة بتحذير:
+
– أنور.. ابعد أنت عني خالص، أنا خلاص، قررت أنى أتجوز كريم زي ما بابا قال، أصلها مش فارقة كتير، كريم راجل زيّه زي غيره…..
+
ولكن قاطعها أنور بوضوح وصرامة وهو يقترب منها حتى كاد يلتصق بها:
+
– لو كريم راجل زيّه زي غيره، أنت مالكيش غير راجل واحد بس…. أنا!!!!!!!!!
+
طالعته بغير تصديق لثوان قبل أن تبتسم ثم تقول وهي تهز بيدها الى اليمين واليسار:
+
– لا لا لا… انت بتهزر صح؟…
+
أنور بجدية شديدة فيما عيناه تلمعان ببريق عزم لا ينضب:
+
– لا طبعا… بتكلم بمنتهى الجدية، وعشان تتأكدي من اللي بقوله… أنا الليلة دي بعد الديفليه ما يخلص هفاتح والدك أني عاوز أتجوزك!!!!….
+
لأول مرة تشعر بمعنى عبارة “غدت ساقيها كالهلام”.. والتي كانت كثيرا ما تقرأها في الروايات، فقد شعرت أن قدميها ما عادتا بقادرتين على حملها، وترنحت في وقفتها فسارع أنور لاسنادها، لترفع عينين بلون الكهرمان إليه، فتغوصان في لجّة عينيه تسبحان في بحر متلاطم أمواجه، وبعد أن كانت يديه تسندانها برفق، اشتدت قبضتيه على مرفقيها، وقرّبها منه بدون وعي منه، في حين كانت هي تطالعه كالمأسورة بنظراته، ليهبط بعينيه الى شفتيها بلونهما الخوخي اللامع، فقرّب وجهه منها ليشتم رائحتها الأنثوية الخاصة، ويهمس أمام وجهها فتلفحها أنفاسه الساخنة:
+
– مش قادر بجد… سامحيني!!!…
+
وقبل أن يتثنى لها الاستفهام منه عن أي شيء تسامحه كان هو قد مال عليها بفمه يقطف خوخ شفتيها في قبلة اعتصرت ثغرها المكتنز، فيما امتدت ذراعيه تطوقان خصرها، وتشدان جسدها أقرب اليه حتى كادا يلتصقان، فيما اعتصرتها ذراعيه تدفعها الى أحضانه بقوة، لتفقد الشعور بأطرافها، ويغزوها احساس فريد من نوعه لم يسبق لها أن مرت به قبلا، إحساس أنها هنا في مكانها الطبيعي، بين ذراعيه وقريبة من دقات قلبه الصاخبة!!!……
+
كانت هي أول من أفاق من الغيبوبة المسكرة التي أحاطت بهما، فأفلتت شفتيها من بين براثن فمه بصعوبة، ولهثت وهي تناديه بخفوت، ليصدر زمجرة معترضة لابتعادها عنها فما كان منها بعد أن بدأ عناقه يتحول الى آخر أصابها بالرعب لما يثيره فيها من رغبات لا قِبل لها بها:
+
– أنور.. أرجوك!!!..
+
فكان إسمه التي نطقته بلهجة رجاء خالص هو من أيقظه من بحر رغباته الذي كان يغوص فيه، ليبتعد عنها قليلا ولكنه ما أن شعر بأنها على وشك الفرار منه حتى اشتدت قبضته عليها، ووضع رأسها على صدره فوق خافقه تماما، بينما رفع يده تربت على راسها وهو يتمتم:
+
– هششش.. آسف، أنا آسف، بس مقدرتش أبعد، أنا الليلة دي هكون محدد مع عمي معاد الفرح.. ما فيش خطوبة ولا كتب كتاب كمان… مش هينفع، هنبقى بنضحك على بعض!!!
+
حاولت رنا الاعتراض فهمست:
+
– بلاش نتسرع يا أنور.. أنا..
+
ليهتف فيها بحنق وهو يبعدا عنه قابضا على ذراعيها:
+
– نتـ.. إيه؟… نتسرّع؟.. رنا احنا نعرف بعض عمرا كله تقريبا، أنتي ناسية أنه ندى تبقى بنت خالتي، أنا كنت بعيش أيامك كلها من حكاياتها عنك، احنا مش هنتسرع يا رنا، بالعكس.. احنا اتأخرنا أوي!!!..
+
صوت جلبة قادمة كان هو من وضع حدّا لنقاشهما سويا، ليبتعد عنها ويهمس قبل أن ينصرف:
+
– هنزل لعمي عبد العزيز دلوقتي، وهو قاعد مع طنط فريدة.. فرصة وهفاتحه في موضوعنا… سلام مؤقت…
+
ورمى اليها بقبلة على الهواء قبل أن يختفي من أمامها، لتدلف في أثره العارضات فيما وقفت رنا تراقب بعينين لا تريان المكان الذي اختفى منه أنور فيما داخله يبكي بشدة، فقد قررت أنها لن تتزوج كزواج والديها، وزواجها بأنور محكوم عليه بالفشل، فهي لا تريد أن ينتهي بتبادل الاتهامات وذكريات شجارات سيئة، فهذا ما سيحدث أن هي وافقته وتزوجت به.. فهي قد عاهدت نفسها منذ انفصال والديها أنها أبدا لن تتزوج عن حب.. مما يعني استحالة زواجها بأنور… فقد اكتشفت لتوّها أنها….. تحبّه وبجنون!!!!!!!!!!!…..
+
**********************
+
وقفت أمام البوفيه المفتوح تضع الطعام في صحنها حينما فاجئها صوت من جانبها يقول:
+
– سلطة بس؟.. لا لا لا انتي لازم تتغذي كويّس يا ندى، أنتي داخله على حياة جديدة لازم لها غِذا كويّس!!!…
+
رفعت عينيها الى محدثها في صمت لتهز برأسها في يأس وتتعمد تجاهله، وتصب اهتمامه على الطعام أمامها، لتفاجأ به ثانية وهو يقول ببساطة مشيرا الى صنف من الطعام أمامهما:
+
– الجمبري دا تحفففة، جربيه…
+
لم تكلّف نفسها عناء الرد عليه وابتعدت عنه متجهة الى مائدتها حيث يجلس والديها لتجدهما قد انضما الى والديّ رنا وانخرطوا في الحديث، لتسمعه وهو يحدثها للمرة الثالثة:
+
– واضح كدا أنهم مش واخدين بالهم منك خالص…
+
ثم وكيف لا تدري وجدت نفسها وقد جلست الى مائدة منعزلة بعض الشيء، فقد انتهز يوسف فرصة شرودها في التطلع الى والديها والتساؤل عن فحوى الحديث الهام الذي جعلهما لا يلتفتان اليها بل ويشارك أنور به أيضا، ليوجهها حيث طاولته المنعزلة والتي قد حجزها خصيصا لهذا الغرض، الانفراد بها!!!!..
+
وضعت صحنها على الطاولة ليزيح لها المقعد فتجلس ثم يجلس بدوره، كانت تنظر اليه بوجوم، فيما كان هو يبتسم ويقول:
+
– ماتخافيش.. هناكل ونتكلم زي أي اتنين متحضّرين، وبعدين هسيبك رجعي لباباكي ومامتك.. حاليا بس!!!!..
+
قطبت وقالت بتوجس:
+
– نعم؟!!!!… حاليا بس!!!!
+
يوسف بتأكيد وهو منهمك بفصل لحم السمك الأبيض عن عظامه الشوكية الرفيعة “الحسك”:
+
– أها… ما تشغليش بالك دلوقتي، دوقي السمك هيعجبك أوي..
+
وقرّب اليها شوكته تحمل على طرفها قطعة من لحم السمك الأبيض الطري، لتهز برأسها نفيا وهي تقول:
+
– لا.. مش بحب السمك..
+
يوسف بإصرار ولا تزال شوكته أمام فمها:
+
– جربي.. النوع دا من السمك بالذات طعمه حلو أوي، لحمه طري ولذيذ…
+
نظرت اليه ندى لثوان لتغيب صورة يوسف ويحتل مكانها وجه آخر لشاب ضاحك يقول:
+
– عشان خاطري يا نودي، مش معقول جوزك يكون أكتر أكلة بيحبها هي السمك وأنتي مش بتطيقيه خالص، طيب هتعمليهولي إزاي؟.. ولا حضرتك ناوية نقضيها دليفري؟!!
لتضحك ندى وتجيبه:
+
– حبيبي أنا أعملهولك ما فيش أي مشاكل، لكن آكل منه.. لأ، مبدأ بقه، أنما أي حاجة حبيبي بيحبها أعملها وأنا في قمة سعادتي المهم… متجبنريش آكل منها لأنه وقتها أنت نفسك مش هتاكلها!!..
+
معتز ضاحكا وهو يرفع يديه باستسلام:
+
– يعني مش هعرف أخليكي تدوقيه حتى؟..
+
لتهز برأسها نفيا بابتسامة مشاغبة فقال:
+
– لا خلاص وعلى إيه، الطيّب أحسن، آكل أنا بس، المهم رضاكي يا جميل!!…
+
نظر يوسف الى ندى المبتسمة بشرود، فناداها عدة مرات قبل أن تنتبه إليه، فنظرت اليه بتقطيبة صغيرة فيما عينيها لا تزالان غائمتين بغلالة رقيقة كاد يقسم وقتها أنها قد غرقت في ذكريات الماضي، فلمعة عينيها وابتسامتها تشي بذلك، مما جعله يشعر بنيران مستعرة تلتهم أحشائه، هو يعلم جيدا أنه من الغباء الشعور بالغيرة من الأموات، ولكنه… يغار!!!!… بل ويموت غيرة عليها، هكذا ببساطة، فهي حبيبته، حتى وإن كان غريمه كان في وقت من الأوقات بمثابة أخ له، وأصبح الآن لا ينتمي الى عالمهم، ولكن تفكيرها فيه بحد ذاته كفيل بإشعال بركان من الغضب والغيرة بداخله، همست ندى بنعومة مجيبة ندائه لها:
+
– نعم…
+
حاول التحكم في غضبه الذي يهدد بالافلات من عقاله، فقال وان خرج صوته مشدودا كالوتر في حين غفلت هي عن ذلك:
+
– شايفك سرحانه يعني ومش بتاكلي، يا ترى سرحتي في حاجة حلوة ولّا….
+
ندى ببساطة استغربتها هي نفسها، فهي لم تكن تظن أنها ستجلس تتبادل الحديث بأريحية مفرطة مع يوسف بهذا الشكل:
+
– حاجة حلوة طبعا، كنت سمعت في مرة أنه الذكريات الحلوة هي اللي بتدّفي أيامنا، فعلا.. الواحد من غير ذكريات زي الميت بالحيا..
+
يوسف بجدية وهو ينظر اليها بتركيز شديد:
+
– المهم أننا نعرف أنه الذكريات دي مجرّد ذكريات لأيام فاتت وعدت بحلوّها ومرّها، ولازم ما تأثرش على حياتنا، لازم نعيش ونكمل ونعمل ذكريات تانية، ذكريات حيّة… موجودة في كل دقيقة بنعيشها…
ندى بريبة:
+
– يعني إيه؟.. قصدك تقول إيه؟..
+
يوسف بتنهيدة عميقة:
+
– اللي أنتي فهمتيه يا ندى… ياللا كلي أحسن الاكل هيبرد…
+
لتشرد في المعنى المستتر وراء كلماته فلا تنتبه لطرف الشوكة التي اقتربت من فمها لتفتح هي فيها تلقائيا وتتناول الطعام على طرفها وتغلق فمها بعدها وتمضغ الطعام لتفتح عينيها على وسعهما بذهول وصدمة، فقد فوجئت بأنها وبدون وعي منها قد تناولت… السمك!!!…
+
ابتلعت الطعام بصعوبة في حين طالعها يوسف بنظرات لامعة وهمس بابتسامة:ط
+
– إيه رأيك؟.. عجبك مش كدا؟…
+
ندى بصدمة:
+
– أنا أكلت سمك!!!!!..
+
يوسف بابتسامة:
+
– مبروك، عقبال السمكة على بعضها المرة الجاية ان شاء الله…
+
ندى ببلاهة:
+
– أنا أزاي أكلت السمك من أصله؟.. أنا عمري ما عملتها، دي أول مرة أدوقه..
+
يوسف بحزم:
+
– ومش هتكون آخر مرة… أكيد!!!!….
+
ندى بغير وعي:
+
– حتى معتز.. مقدرش يخليني أكله مع أنه بيحبه أوي، معتز….
+
ليباغتها بوضع يده فوق فمها فطالعته بدهشة في حين قال هو محاولا التحكم قدر الامكان وبصعوبة شديدة في ذلك الوحش الذي يتخبط بداخله بوحشية يريد الخروج ليعلّمها ألا تنطق بمطلق اسم رجل أمامه حتى وإن كان قد فارق حياتهم بغير رجعة، تبّا لهذا الشعور المسمى بالغيرة أنه يكاد يقتله غضبا وقهرا!!!… همس لها بحزم وعيناه تلسعانها بشرارات فحمهما المشتعل:
+
– الليلة دي اعتبريها خارج الزمن، مش هنفتكر فيها أي حاجة إلا يوسف وندى وبس، ممكن بكرة نرجع للعبة القط والفار تاني، لكن الليلة دي… هتكون ذكرى حلوة.. ووعد مني مش هتبقى آخر ذكرياتنا، لأن ذكرياتنا هنعيشها سوا يوم بيوم وساعة بساعة، دي البداية بس يا…. ندى عمري!!!..
+
أبعد يده عن وجه ندى التي همست بحيرة:
+
– مش فاهمه؟.. قصدك إيه يا يوسف؟…
+
يوسف وهو يميل بوجهه عليها:
+
– أنا ما كنتش ناوي أني أقولها لك دلوقتي، قلت أديكي فرصة تعرفيني كويس الأول، لكن مش قادر أخبيها أكتر من كدا…. ندى….
+
طالعته بترقب وحيرة فيما داخلها يريد الهتاف ربه برجاء ألا يتابع ما يوشك على قوله والذي تشعر به بدون أن ينطقه، ولكن يوسف استرسل بحرارة واضحة وهو يمد يده معتصرا أصابعها بين راحتيه الكبيرتين:
+
– أنا بحبك يا ندى… بحبك….
+
هتفت بدهشة وعدم تصديق نافية:
+
– لا… لا….
+
ولكنه قاطعها بصوت جديّ:
+
– بحبك يا ندى… ومش هقدر أخبي وأداري أكتر من كدا، ولازم تعرفي أني مش هسمح لك أنك تبعدي عني أو تهربي مني، احنا لبعض يا ندى… وقريب أوي هثبت لك كلامي دا يا حبيبتي…
+
وأمام عينيها الذاهلتين رفع يديها مقبلا أطراف أصابعها وهو مغمضا عينيه كمن وصل لهدفه المنشود بعد عناء طويل، بينما خوف مجهول يدق قلبها من أنها لن تستطيع الافلات هذه المرة… فمن الواضح أن يوسف قد اتخذ قراره، ولم يبق سوى التنفيذ، ولكن أكثر ما يخيفها هو قلبها، الذي من الواضح أنه قد بدأ يتمرد عليها ويهدد برفع راية العصيان لترفع هي يدها عن مشاعرها الحبيسة والتي بدأت تشم نسائم الحياة على يدي… يوسف طاهر، لتصبح وحدها في مواجهة حامية الوطيس بين عقلها من جهة والاعصار الملقب بيوسف طاهر الذي يكاد يدك آخر حصون قلبها من جهة أخرى!!!!!!!!…
+
– يتبع-
+

