Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل السابع عشر 17 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

                              

الفصل (17)

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

                              

– مايسة… إيه مدى علاقتك بيها بالظبط؟!!!!!!!!!!…

                              

تردد هذا السؤال في عقله وهو يقف يطالع ندى في وجوم فيما تقف ندى في انتظار سماع إجابته والتي سيترتب عليها جوابها النهائي..

                              

نادته برقتها المعهودة عدة مرات قبل أن ينتبه إليها فطالعته بتساؤل ليتنفس بعمق وهو يحاول التحدث بهدوء لا يشعر بأدنى قدر منه فهو يشعر كمن يسير على وتر مشدود أو في حقل من الألغام، أية خطوة خاطئة منه قد تودي بحياته، فإن لم تقتنع ندى بكلامه فسترفضه مما يعني بالفعل.. نهاية حياته حتى وإن كان حيًّا!!!!…

                              

قال بهدوء نسبي محاولا قدر ما يستطيع تحرّي الصدق بصرف النظر أن كان هذا الصدق.. جزئي:

                              

– كنّا.. مرتبطين!!..

                              

قطبت ندى بعمق قبل أن تسأله بشك:

                              

– مرتبطين؟.. غريبة!!.. أي نوع من الارتباط؟.. وليه ما سمعناش عنه واحنا الفترة اللي فاتت دي كلها كان شغلنا كله سوا؟.. 

                              

زفر يوسف بعمق فهو يعلم أن ندى لن ترضى برؤوس الأقلام وستطلب منه معرفة جواب شاف لسؤالها، فأجابها محاولا التحكم في أعصابه بصعوبة:

                              

– لأنه الموضوع انتهى بسرعة، عادي يعني، واحدة شوفتها أعجبت بيها وبعدين لما اتعاملت معها لاقيت أننا مش مناسبين لبعض، دي كل الحكاية!!…

                              

فيما كان يتحدث داخله بأنه لم يكذب، فهو بالفعل ما أن لمس مدى حقد تلك الـ مـايسة وشخصيتها الملتوية حتى سارع بإنهاء ارتباطه بها، هو لم يكذب في شيء بل كان واضحا معها حتى وإن كان أخفى عن عمد شرح كيفية هذا الارتباط ولكن النتيجة واحدة فهو لم يعد مرتبط بغيرها أما عن التفاصيل فهي لا تهمها فعلاقته بتلك اللعينة كانت قبل وقوعه رأسا على عقب في هوى تلك المتنمرة المتحفزة التي تطالعه كالقطة المتوثبة، وما أن شعر بأولى بوادر هذا العشق حتى سارع بفك ارتباطه بتلك الحقيرة تماما كمن ينفض ذرة غبار فوق كُم سترته!!!!…

                              

ندى بتساؤل أعمق:

                              

– أي نوع من الارتباط بالظبط؟…

                              

إلى هنا وطار هدوء يوسف المزيّف أدراج الرياح، وعمد الى تغيير خطته في الحديث معها فقد بدأت بالتشكك الأمر الذي كان كقرع جرس الانذار بداخله، فهو يعلم جيدا أنها لن تترك الأمر دون أن تحلل وتفحّص وتستنتج ثم…. ترفضه جملة وتفصيلا، ولكنه سيكون ملعونا إن تركها تفلت من بين يديه، فكما أسرته هو من لم يعترف يوما بمسمى حب بسحر غرامها فحان الوقت ليسجنها هو داخل قضبان عشقه!!…

                              

ولأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ويوسف طاهر أفضل من يجيد هذه اللعبة فقد رمى ثوب الهدوء جانبا وفاجئها بهجومه الحاد وهو يهتف بها مشيرا اليها بسبابته باتهام واضح:

  

          

                

– يعني إيه أي نوع من الارتباط؟.. ندى.. أنا كنت واضح وصريح معاكي، وعلاقتي بمايسة عشان تعرفي كانت قبل ما أعرف أني بحبك، وأول ما اعترفت لنفسي قطعت أي صلة أو كلام بيني وبينها إلا في حدود الشغل وبس، ولأني راجل مش بحب أخلط الأوراق ببعض فعلاقتي بيها اقتصرت على الشغل وبس، مع أني فكرت في وقت من الأوقات أني أفسخ العقد اللي بيننا وبينها وأتحمل أنا الشرط الجزائي لكن لأني عمري ما دخلت الشغل في العلاقات الشخصية تراجعت في آخر لحظة عشان اللي يعمل كدا بيكون دا بداية النهاية ليه في عالم البيزنس!!

تقدمت منه ندى ووقفت أمامه تطالعه بتركيز بينما أفلتت خصلة شعر سوداء من أسفل وشاحها لتطير حول وجهها دون أن تنتبه فيما قالت بهدوء شديد:

– مش ملاحظ انك كررت كلمة علاقة أكتر من مرة في كلامك؟!!!.. ممكن بقه أعرف إيه نوع العلاقة دي؟!!!!!!!

كتم شتيمة نابية كادت تنطلق من بين شفتيه ورمقها بسخط قبل أن يهتف بها وهو لا يزال يعتمد مبدأ الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ليشن يوسف هجومه وبضراوة هاتفا:

– أي نوع من الارتباط بأي حد بيتقال عليه علاقة يا ندى هانم، لكن واضح كدا أنك بتقفي لي على الواحدة وعاوزة تتلككي وخلاص في أي كلمة عشان ترفضي، كلن أنا مش هسيبك تعملي اللي في دماغك يا ندى، وكتب الكتاب هيتكتب في المعاد اللي هحدده مع باباكي، لأنه رفضك غير عقلاني ولا موضوعي يا سيدة الأعمال اللي المفروض أنها بتعرف كويس إزاي تتفاوض في صفقات بملايين لكن للأسف فاشلة أنها تتناقش في أهم صفقة في حياتها.. لكن أنا بقه مش فاشل…

قاطعته ندى التي فوجئت بهجومه العنيف عليها صارخة باستهجان:

– صفقة!!!!!!!!!…

لتردف بسخرية:

– الجواز عمره ما كان صفقة يا سيادة المخرج العظيم!!!

يوسف بجدية تامة وحزم شديد:

– كل حاجة في حياتنا عبارة عن تجارب وصفقات يا تنجح.. يا تفشل، وجوازي بيكي صفقة عمري… وأنا ما سبقش وخسرت قبل كدا، وأكيد مش هبدأ دلوقتي خصوصا لو اللي بنتكلم فيه دا يعتبر بالنسبة لي.. مسألة حياة أو موت!!!!

شهقة مكتومة صدرت عنها وهي ترى العزم يشع من عينيه لتشعر رغما عنها بقلبها وقد اضطربت دقاته ووقفت عاجزة عن الكلام لثوان لينتهز يوسف الفرصة وهو يراها تتخبط في معاني كلماته التي هاجمت مشاعرها الأنثوية وكما الملاكم المحترف في حلبة الملاكمة تماما كما كان يفعل عند نزال خصومه حيث ينتهز فرصة ترنح خصمه ولو للحظات ليجهز عليه بالضربة القاضية فيعلن الحكم فوزه الساحق، فقد تابع هاتفا بضربته القاضية والتي شتت مقاومتها وجعلتها تقف عاجزة أمامه:

– ندى… أنا حالا هروح أحدد مع باباكي معاد كتب الكتاب، وابقي انطقي بكلمة، صدقيني وقتها هتتمني ما كنتيش وقفتي قصادي واتحدتيني!…

        

          

                

واستدار منصرفا فيما طالعته هي ببهوت وهو يبتعد عنها، لتفيق من جمودها صارخة به أن يقف بينما تركض لتلحق بها، حتى إذا ما وصلت اليه كان قد وقف فجأة فكادت ترتطم بظهره، ودون شعور قبضت بيديها على ساعده وهي تقول بلهاث حاد:

+

– أنت.. أنت رايح فين؟.. وكتب كتاب إيه دا اللي بتقول عليه؟.. احنا قلنا خطوبة وبس!!!!!!

+

كتم يوسف الذي كان يقف موليا إياها ظهره ابتسامة الفوز التي كادت تشي بخطته التي اعتمدها ليجعلها تهتف بتلك الكلمات التي قالتها الآن، ولكنه يوسف طاهر أو.. “الفهد”.. كما يلقبونه في ساحات الملاكمة لقبضته التي لا ينتبه إليها خصمه لشدة سرعتها تماما كالفهد الذي ينقض على فريسته كالشهاب الطائر!!…

+

أخفى ابتسامته بمهارة والتفت إليها فجأة لتتراجع خطوتين الى الخلف حتى أنها تعثرت في ذيل اسدالها فكادت تهوى لولا أنه سارع بالقبض على رسغها وجذبها ناحيته ومال عليها يقول مشددا على كل حرف يخرج منه وهو يركز نظراته على عينيها اللتان نظرتا إليه بنظرات تائهة سرقت أنفاسه:

+

– وأنا موافق حاليا على الخطوبة، لكن تأكدي أنه كتب الكتاب هيكون أقرب مما تتصوري، لأني مش هجازف أني أسيب حياتي بين إيدين واحدة متهورة.. زيّك!!

+

قطبت ساخطة وهتفت وهي تحاول افلات رسغها من قبضته دون نجاح:

+

– وطالما أنا متهورة يبقى عاوز تتجوزني ليه؟..

+

يوسف ببرود وهو يعتدل واقفا:

+

– القلب له أحكام… مش بإيدي صدقيني!!…

+

لتطالعه محدقة فيه بعينين واسعتين وقبل أن يتثنى لها التعقيب على كلماته كان يشدها بقوة راكضا بها وهو يصرخ عاليا:

+

– عمي عز…. وافقت يا عمي…. وافقت!!!!!!!!!!!!

1

بينما تركض هي محاولة اللحاق به وهي تتعثر في إسدالها أكثر من مرة وهو يطير راكضا بها فيما هي تناديه برجاء ولكنه لم يلتفت إليها أو لرجاءاتها في التمهل فهي قد أعلنت لتوّها عن موافقتها على الخطبة حتى وأن كان هو من دفعها لهذا ولكن يكفيه أنها وافقت مهما كانت الأسباب التي دفعتها لذلك والذي كان هو المحرك الأوحد لها!!!!

+

وصلا لدى والديها وكانا يلهثان بقوة وفيما كانت تحاول ندى التقاط أنفاسها المتعثرة تحدث يوسف بلهفة من بين أنفساه المتقطعة مواجها نظرات عز وكريمة المتسائلة:

+

– ندى.. ندى وافـ.. وافقت يا عمي، خطوبتنا.. الخمـ.. الخميس اللي جاي!!!!!!

+

ليشحب وجه ندى تماما فيما نهضت كريمة تحتضنها بفرحة طاغية تهنئها بينما وقف عز يصافخ يوسف الذي لم يترك يد ندى التي يقبض عليها بقوة في راحته اليسرى الكبيرة، مباركا له، والتفت بعدها الى ابنته يحتويها بين ذراعيه مهنئا لها بينما هي وقفت في وسطهم كالتمثال الشمعي وقد أصابها الوجوم التام ليغمزها يوسف بمكر ما أن وقعت عينيها عليه!!!..

+

        

          

                

عز بفرحة:

+

– ألف ألف مبروك، ربنا يتمم بخير..

+

كريمة بلهفة وفرحة طاغية:

+

– ما تتصوروش فرحتي أد إيه يا ولاد، عقبال فرحكم يا رب..

+

يوسف بابتسامة واسعة تعبر عن مدى سعادته:

+

– والله يا كريمة هانم أنا لو عليا الخطوبة وكتب الكتاب والفرح يبقوا في يوم واحد!!!

+

ضحكت كريمة وقالت بعتب خفيف:

+

– كدا بردو… إيه هانم دي؟.. أنت بقيت أبنتي يا يوسف، وبعدين على مهلك علينا، أولا الخطوبة مينفعش يوم الخميس اللي جاي دا، احنا انهرده الأحد.. مش هنلحق نعمل حاجة، مش كدا يا عز؟…

+

همّ عز بالاجابة ليقاطعه يوسف باصرار ولهفة:

+

– معلهش يا… أمي – قالها بعد أن طالعته كريمة لينطق بالكلمة التي شعر بها فكريمة كانت معه كوالدته تماما منذ بداية تعرفه بها وحتى اللحظة – أنا مش شايف سبب للتأجيل، دي خطوبة، ليكم عليا أحلى قاعة في البلد وكروت الدعوة تكون جاهزة في ظرف 24 ساعة، وفستانها أجيبه من باريس لو عاوزين، صدقوني الخطوبة هتكون حاجة تليق بيكم وبيها..

+

ليرمقها بنظرة حنونة أسرت عينيها بالرغم منها ليقطع تواصلهما البصري صوت والدها قائلا:

+

– أيوة يا بني لكن الخطوبة المفروض احنا اللي نعملها، عموما لو المعاد انتو متفقين عليه مالكش دعوة بالترتيبات انا هتصرف..

+

يوسف بجدية وحزم ولا تزال الابتسامة تفترش وجهه:

+

– بعد إذنك يا عمي.. الخطوبة هتكون هديتي لندى، وأتمنى ما ترفضهاش، أنا لو أطول أهديها عمري كله ومش هبخل عليها بيه!!!.

+

ليمتقع وجهها خجلا من هذا التصريح المباشر منه بمشاعره ناحيتها أمام والديها وخاصة والدها فكادت تسبّه لاحراجها أمامه، ابتسم الوالد وقال وهو يربت على كتف يوسف:

 – ربنا يتمم لكم على خير يا ولاد…

+

ما ان أنهى عز كلماته حتى تعالى جرس المحمول الخاص بيوسف ليخرجه من جيبه فطالعه اسم أنور فقال بابتسامة:

+

– دا أنور..

+

وتلقى المكالمة وهو يهتف فرحا بينما لا تزال يد ندى بقبضته ينعم بطراوتها:

+

– ابن حلال.. كنت هكلمك حالا…

+

ليبتر عبارته وقد شحب وجهه وشعرت ندى من اشتداد قبضته بغير وعي منه على يدها بوجود خطب ما، وما هي إلا ثوان وكان قد أنهى المحادثة بأنه سيوافيه حالا، وأغلق الهاتف ناظرا في الوجوه التي تطالعه بتساؤل وريبة وكأن أصحابها قد شعروا بوجود خطأ ما، ليسحب نفسا عميقا مستعدا لاطلاق قنبلته التي لا يخشى سوى أثرها على ناداه هو:

+

– عمي عبد العزيز… في المستشفى… في العناية المركزة!!!!!!..

1

شهقت كريمة بجزع تبعها تحوقل عز “لا حول ولا قوة الا بالله”.. وحدها ندى من تسمرت في مكانها، تماما كما يحدث لها كلما سمعت بكلمة “مستشفى” أو “عناية مركزة”.. ليستعيد ذهنها شريط الأحداث التي مرت بها، شد يوسف على يدها لتنتبه اليه فقال وهو يزرع عينيه بين بنفسجي عينيها:

+

        

          

                

– ما تخافوش.. هيبقى كويس أن شاء الله….

+

طالعته ندى برجاء واستجداء ليضغط بقوة وحنان على يدها مردفا بابتسامة واهية فصوت أنور لا يبشر بالخير ولكنه لم يكن ليخبرهم بهذا:

+

– ان شاء الله… المهم ندعي له…

+

ندى وقد أفاقت من شرودها:

+

– هـ.. هروح معاك…

+

يوسف بوعد وقسم وهو يعني شيئا آخر خلاف الذهاب الى المشفى:

+

– دايما… معايا!!!!!.

+

لتجذب يدها التي أفلتها بصعوبة وهو يشعر بخواء بعد انسحاب راحتها الرقيقة منه وتراجعت بخطوات صغيرة الى الخلف قبل أن تلتفت وتعاود سيرها بهرولة الى الداخل لتستبدل ثيابها ترافقها كريمة وعز اللذان استأذنا من يوسف لتحضير أنفسهما للذهاب الى المشفى، فيما وقف يوسف يراقب طيفها المبتعد حتى اختفى من أمام ناظريه تماما قبل أن يهمس بعمق بينه وبين نفسه:

+

– هصبر إزاي أنا لغاية ما يجمعنا مكان واحد… مش عارف أنا!!.. لكن اللي أعرفه أنه كفاية عليكي أوي شهر واحد خطوبة وأكون مكرمك كمان، لأنه الفرح وكتب الكتاب هيبقى بعد شهر بالظبط… ودا أقصى احتمالي، وأحسن لها توافق وإلا مش هكون مسئول عن اللي هيحصل بعد كدا!!!!!!….

1

*************************

+

– جلطة في المخ!!!!..

1

عبارة تلفظ بها الطبيب  ببرود مهني وأن خالطه نظرات تعاطف وشفقة واضحة ، لتنهار فريدة بين ذراعي رنا في بكاء حار فاحتوتها رنا وكأنها هي الأم، بينما تقدم أنور يحيط حبيبته وأمها بين ذراعيه لتتوكآ عليه فهو سندهما الآن بعد أن انهار حائط أمانهما الآخر!!.

+

رنا وهي تجاهد لمنع دموعها فهي لا تريد الانهيار أمام والدتها خوفا عليها:

+

– ما تقلقيش يا ماما، بابا هيبقى بخير وهيقوم لنا بالسلامة أن شاء الله..

+

فريدة من بين شهقات بكائها الحار:

+

– يا رب يا رنا يارب، مش هقدر أستحمل لو عزيز جراله حاجة كفانا الله الشر…

+

أنور بثبات وهو يشد على كتفيهما:

+

– ادعي له يا طنط، هو دلوقتي محتاج لدعواتنا كلنا…

+

ثم ابتسم لرنا قبل أن يبتعد متوجها الى الطبيب علي.. ذلك الجار الطيب الذي استطاع نجدتهم بعد أن سمع صرخة فريدة فهرع هو وزوجته إليهم ليقوم بالاتصال بسيارة الاسعاف وعمل اللازم في وقتها.

+

وقف أمام الطبيب يستفسر عن الحالة الصحية تماما لعبد العزيز، فانتبهت رنا وكريمة لتقتربا منه وسمعتاه وهو يجيب:

+

– والله أنا هكون صريح معكم، الحالة حرجة، هو حاليا في الرعاية المركزة وبنديه أدوية مذيبة للجلطة وهنستنى نشوف مدى استجابته إيه، وربنا كبير..

+

        

          

                

رنا بخوف يقرع بين جنباتها أخفته داخل قشرة من التماسك الهشّة:

+

– فيه أي نتائج للجلطة دي يا دكتور علي؟…

+

الطبيب بزفرة عميقة:

+

– المهم أنه يفوق دلوقتي يا رنا، أنما أي حاجة تانية منقدرش نعرفها إلا لما يرجع لنا من تاني… عن إذنكم.. وما تقلقوش أنا موصي عليه ستاف الدكاترة والتمريض وهيكون تحت رعايتي أنا الشخصية.. ربنا يطمنكم عليه..

+

أوقفه صوت فريدة المنهار:

+

– معلهش يا دكتور ممكن أشوفه؟…

+

الطبيب بتعاطف تام:

+

– الزيارة للأسف مش مسموحة دلوقتي خالص، لكن صدقيني أول ما حالته تستقر هخليكم تشوفوه ولو لدقايق…

+

وانصرف تاركا فريدة وهي تنتحب بين ذراعي ابنتها التي وقفت شامخة كالطود تربت هي على والدتها وتطمئنها بأن والدها سيشفى بإذن الله وسيعود لهما…

+

جلس الجميع في استراحة الزوار بعد أن رفضت محاولات أنور في عودتهما الى المنزل فبقائهما لا طائل من ورائه، ليحضر ندى ووالديها بصحبة يوسف بعد قليل وينضموا إليهم مؤازرين لهم في مصابهم الحزين…

+

نهضت رنا بعد قليل هامسة لندى برغبتها للذهاب الى دورة المياه، وعندما عرضت عليها الأخيرة مرافقتها رفضت بتهذيب وغادرت غير واعية للنظرات المسلطة عليها!!!…

+

كانت تسير في رواق المشفى وهي تغالب دموعها بقوة والتي تجمعت لتشكل ضباب كثيف فوق مقلتيها، بينما عضت على شفتها السفلى رافضة السماح لدموعها بالانهمار، وهي تتلفت حولها باحثة عن الحمام فهي تريد الاختلاء بنفسها كي تستعيد تمالك أعصابها فلا تريد الانهيار كوالدتها فلا بد أن تكون أحداهما متماسكة لتعين الأخرى، وما هي إلا ثوان إلا وشهقت فزعة فقد امتدت يد سحبتها بقوة لتفاجأ بنفسها وقد حشرت في زاوية غير مرئية وقد كممت اليد الأخرى فمها بينما سمعت همسا تعلم صوت صاحبه جيدا يقول مهدئا:

+

– هششش.. أنا حبيبتي، أنا.. إهدي….

+

ورفع أنور يده ببطء لتلتفت إليه تطالعه بعينين حائرتين لتصرفه فقال:

+

– خفت عليكي.. 

+

وكانت عبارته هي القشة الأخيرة لتماسكها الواهن لتنهار مقاومتها وتسيل دموعها محطمة سدّها الهش تجري على وجنتيها في صمت فاحتواها أنور بين ذراعيه لتتوسد صدره وقد سمحت لنفسها أخيرا بإظهار ضعفها وخوفها منذ سقوط والدها بينما أنور يؤازرها هامسا:

+

– عيطي يا رنا.. عيطي يا حبيبتي، ما تكتميش حزنك جوّاكي.. كنت شايف الدموع في عينيكي وعارف أنك مش عاوزة تسمحي لها تنزل عشان مامتك، لكن دلوقتي، أنا معاكي وبقولك عيطي، ما تكسفيش أنك تظهري ضعفك قودامي، لأانه محدش بيخجل من نفسه، وأنا نفسك يا حبيبتي….

+

        

          

                

انتحبت رنا بين ذراعيه فترة طويلة، سكبت فيها دموع قلقها وخوفها وحزنها على صدره الذي تلقى هذه الدموع بصبر وتعاطف بينما عملت همهماته على تهدئتها، وما أن انحسر طوفان دموعها حتى رفعت رأسها تطالعه بعينين حمراوين تزينهما رموشها الكثيفة المبللة بينما أنفها قد طغى عليه اللون الأحمر لشدة بكائها، همست بصوت منخفض حزين:

+

– أنا.. أنا بجد مش عارفة ليه أنا انهرت كدا، أنا طول الوقت كنت بحاول أكون متماسكة عشان ماما لكن…

+

رفع أنور يديه يحيط بهما وجهها في حين عمل على مسح دموعها بابهاميه وقاطعها هامسا بحنان:

+

– لكن أنتي في الأول والآخر انسانة… مش روبوت، عندك مشاعرك الطبيعية، مينفعش تكبتيها لأنك أنتي اللي هتتعبي، ما فيش مشكلة خالص أنك تزعلي وتعيطي وتظهري كل انفعالاتك مهما كانت، أنا عارف يا حبيبتي أنك اتماسكت عشان مامتك، لكن فيه وقت لازم أخرّج المشاعر دي، عشان ما تأذيكيش، عاوزك توعديني أنك عمرك ما تداري حزنك وخوفك وأي انفعالات تانية عني، احنا بقينا واحد يا رنا… تمام يا قلبي؟…

+

أغمضت رنا عينيها موافقة قبل أن تفتحهما تطالعه بابتسامة ضعيفة هامسة:

+

– مفهوم…

+

فمال عليها يلثم ثغرها الكرزي بقبلة خفيفة كجناح فراشة قبل أن يرفع رأسه يهمس بدوره بأنفاس ساخنة:

+

– بحبك….

+

أجابته رنا بهمس مماثل:

+

– ما تسيبنيش… خليك دايما جنبي!!!

+

وكانت هذه العبارة لديه بمثابة اعتراف منها بحبه لتفترش وجهه الرجولي الوسيم ابتسامة واسعة ويجيبها بوعد:

+

– عمري ما هسيبك… ودايما جنبك..

+

رنا بتساؤل وترقّب:

+

– مهما حصل؟..

+

أنور مؤكدا بابتسامة واسعة:

+

– مهما حصل..

+

لتبتسم بدورها فمال عليها ساندا جبينه الى جبينها لدقائق، قبل أن يقول:

+

– لازم نرجع لهم دلوقتي، مش عاوز مامتك تقلق عليكي..

+

هزت رأسها بالايجاب فتناول يدها في يده وسار بجانبها وقبل أن يدلف الى الاستراحة وقف لثوان قبل أن يتساءل بغيظ مستتر:

+

– هو فيه سؤال كنت عاوز أسأله للدكتور علي؟..

+

رفعت رنا عينيه تطالعانه باستفهام فأجاب بحنق وعيناه محدقتان إلى الأمام بنظرات نارية:

+

– هو ما فيش مستشفى في مصر إلا دي؟..

+

قطبت رنا متسائلة:

+

–  دي المستشفى اللي الدكتور علي بيشتغل فيها دا غير أنها أكبر مستشفى في مصر تقريبا، أنما ليه بتقول كدا؟..

+

        

          

                

فتح فمه ليجيبها حينما قاطعه هتاف رجولي قادم من خلفه يقول:

+

– رنا.. ألف سلامة على عمي عبد العزيز، ما صدقتش والدكتور علي بيقول لي، ما تقلقيش يا رنا، أنا هكون معكم على طول، ومش هسيبه لحظة واحدة!!!!!!

+

أنور من بين أسنانه بصوت منخفض:

+

– عمّك!!!!.. عمى الدبب يا بعيد!!!… 

+

رنا بهمس متسائل:

+

– بتقول حاجة يا أنور؟..

+

ولم تترك له فرصة للاجابة إذ التفتت الى كرم تجيبه بابتسامة صغيرة:

+

– ميرسي يا كرم..

+

كرم بنفي قاطع:

+

– ميرسي إيه بس، دا احنا أهل، عموما أنا هروح أسلّم على والدتك وأطمنها..

+

همت رنا باللحاق به حينما جذبتها يد أنور فطالعته بتساؤل بينما سخر هو قائلا:

+

– أهل؟!!!!.. كرم الضيافة باشا دا من الأهل؟.. من أمتى أن شاء الله؟.. لا يكون الكلبة بتاعتكم هي اللي رضعته عشان كدا بيقول أهل؟!!!!!!!

+

قطبت رنا باستنكار وسحبت يدها من قبضته قائلة بلوم شديد:

+

– إيه يا أنور الكلام دا؟.. ما أنت عارف من وقت ماما ما كانت هنا أنه كرم كان معايا في المدرسة، دا بدل ما تشكره أنه هيخلي باله من بابا؟!!!!!

+

كشر أنور باستهجان وهمس بحنق:

+

– نعم!!!!!!.. أشكره!!!!!.. دا شغله يا هانم، وبعدين ايه اللي زعلك يعني؟.. أنا..

+

رنا بتعب وهي تزفر بيأس:

+

– أنور أنت شايف الظرف اللي احنا فيه دا يستحمل الكلام اللي انت بتقوله دا؟.. لو سمحت ممكن تسيبك من شغل الرجالة دا دلوقتي؟.. أنا رايحه لماما!!..

+

وتركته وانصرفت وهو يطالع في إثرها مكررا بذهول:

+

– شغل رجالة!!!!.. أنا طول عمري أسمع عن شغل الستات أنما شغل الرجالة دي جديدة نوُفي… أول مرة أسمع بيها!!!!!!!…

+

ثم انتبه لانصرافها من أمامه فناداها وهو يستعد للحق بها:

+

– استني هنا.. رايحه فين؟!!!

+

تبعها أنور بعدها ووقف على بعد خطوات منها فيما وقف كرم يتجاذب الحديث مع فريدة وكاد أنور في وقت من الأوقات أن يطبق على عنقه ليخلعها من فوق كتفيه خاصة وهو يراه يتحذلق بالكلمات المنمقة لطمأنة فريدة ورنا تلك البلهاء التي وقفت تستمع إليه وكأن حياتها كلها متوقفة على كلمات ذلك التافه المغرور!..

+

أفاق أنور من شروده في كيفية الخلاص على كرم على صوت يوسف الساخر يهمس قائلا:

+

– أعصابك يا أبو الانوار مش كدا، عينيك بتطلع شرار هيعمل ماس كهربا دلوقتي!!

+

أنور بحنق وعيناه مسلطتان على ذلك الطبيب المأسوف مقدما على شبابه:

+

– بقولك إيه يا جو مش طالباك خالص دلوقتي، أنت لو كنت مكاني كان زمانك مولعّ أساسا مش شرار وبس!!!..

+

        

          

                

يوسف بثقة:

+

– يا بني هو إيه اللي حصل بس لدا كله؟..

+

هتف أنور بحنق من بين أسنانه:

+

– يعني مش شايف الدكتور الملزق دا وهو عمّأل يتنحنح وعاملي فيها مجدي يعقوب؟!!!.. أنا مش فاهم هي مصر مافيهاش غير المستشفى دي والدكتور دا!!!

+

يوسف بتهدئة:

+

– يا بني الدكتور بيعمل شغله!!

+

قاطعه أنور بسخط:

+

– آه يا خويا، هو فعلا بيشوف شغله، دا بيعمل أعلى شغل، البيه خلاص فاكر عشان ما كانوا زملا في المدرسة يبقوا حبايب وعيلة واحدة وأسرة مع بعضينا!!!!!!

+

قاطعه يوسف بصبر:

+

– يا بني ما فيهاش حاجة، أنا مش شايــ.. يف……

+

ليبتر عبارته وقد فوجئ باقتراب ذلك الطبيب من… نداه هو، ليس هذا وحسب بل أنه يقف يتبادل معها الحديث والابتسامات بأريحية مغيظة!!!!…

+

لتنتفخ أوداجه قهرا وغيظا فيما تتبع أنور مسار نظراته ليرى ندى تقف مع رنا تتبادلن الحديث مع كرم فعلق ساخرا:

+

– ما فيهاش حاجة فعلا يا جو!!!!!!!!..

+

ليحدجه يوسف بنظرة سوداء قبل أن يتوجه بخطوات قوية تكاد تحفر الأرض أسفلها حيث تتواجد ندى، ليبتسم أنور بتشف هامسا بينه وبين نفسه:

+

– أهو جالك من لا يرحم يا كوكو.. وريني بقه هتتفاهم معه إزاي خصوصا وأنه شكله كدا هيسلم عليكي بإيده.. في وشّك لزق!!!!!!..

+

وقف يوسف بجانب ندى وهو يرمي كرم بلهيب من نظراته النارية، لتنتبه ندى إليه فقالت وهي تقوم بعملية التعارف بينهما بابتسامة موجهة لكرم غير واعية للدخان الخارج من أنف يوسف وأذناه:

+

– الدكتور كرم.. المخرج يوسف طاهر..

+

وسكتت.. مما ألهب غضب يوسف وزاده بصورة أقوى فأردف مبتسما ابتسامة صفراء:

+

– خطيبها!!!..

+

مد كرم يده مصافحا وهو يعلق ضاحكا:

+

– هي شوطة ولا إيه؟.. أنتي ورنا مع بعض!!!!!!!

+

قبض يوسف على يده بقوة جعلته يطالعه بدهشة فيما أجاب أنور الذي لحق بهم بسخرية:

+

– أيوة… أصلنا اتنين أصحاب فلازم ناخد أتنين أصحاب زيّنا.. عندك مانع يا دوك؟!!!!!

+

استغرب كرم من السؤال وشعر بحنق أنور ويوسف منه ما لم يستطع تفسير السبب له، ولكن ما وعاه جيدا أن لذلك علاقة بأمر معرفته السابقة لكل من رنا وندى فأجاب ببساطة أراد من ورائها إثارة غيظهما فهو ليس بالغبي:

 – وجهة نظر بردو، وطبعا معنديش مانع طالما هما مقتنعين، أصل الجواز دا مقامرة.. نادر ما حد يكسب!!!!!..

+

كاد يوسف أن يفتك به وهو يرى ندى التي طالعت كرم بوجوم، فيما شد أنور على يده خفية عن الآخرين وهو يجيب كرم بابتسامة استفزازية:

+

        

          

                

– ما تقلقش عليا أنا وصاحبي… رنا وندى عمرهم ما هيبقوا مقامرة خاسرة أبدا، دول جوايز ما تروحش إلا للي يستاهلها.. وأنا وجو أكيد نستاهلهم!!!.

+

في إشارة منه أن تعليق كرم كان موجها له هو ويوسف فكان جوابه الذي أحجم كرم عن التعليق عليه واكتفى بهز رأسه والانصراف متمتما بتمنياته بالشفاء لوالد رنا!!!…

+

همس يوسف لندى وهو يحاول تمالك ذاته بصعوبة:

+

– أنا شايف أنك تروحي أنتي ورنا، عمي عبد العزيز لسّه في الرعاية ولو حصل جديد هبلغكم..

+

كادت ندى تعترض لتوقفها نظرة يوسف الحازمة وهو يردف بحزم:

+

– لو مش واخده بالك رنا شكلها تعبان جدا هي وطنط فريدة، فيا ريت تقنعيهم أنهم يروحوا معاكي، أنا هسبقك على العربية بعد ما أعتذر من عمي عز أوصلكم البيت وبعدين أرجع له هو وأنور…

+

وبالفعل وافقت فريدة بعد جهد شديد على الذهاب الى المنزل للاغتسال وتبديل ثيابها والعودة ثانية…

+

خرج عبد العزيز من الرعاية المركزة بعد مرور ثلاثة أيام تم السيطرة فيها على الجلطة والتي تركت أثرا بليغا على قدرته على المشي والنطق، فقد أصيب بشلل في نصفه اليساري مع صعوبة في النطق، الأمر الذي كاد يودي بتماسك رنا ولكن فريدة هي من كانت أقوى في تلقي مثل هذا الأمر، فاستطاعت تهدئة ابنتها ساعدها في هذا أنور، ومكث عبد العزيز في المشفى قرابة العشرة أيام وكانت خطوبة يوسف وندى قد تم تأجيلها حتى خروج عبد العزيز من المشفى والذي فوجئ بما حدث قبيل خروجه من المشفى بساعة واحدة!!!..

+

دلفت فريدة إليه وكان قد ساعده الممرض في تبديل ثيابه، كان يرقد فوق فراشه في انتظار وصول أنور والذي أخبره أنه سيحل ضيفا لديه فهو قد أصبح بمثابة ابنا له، دنت منه فريدة حتى وقفت بجانبه ومالت عليه قائلة بابتسامة:

+

– صباح الخير يا عزيز، أخبارك إيه انهرده؟.. أحسن الحمد لله؟!!!

+

لم يستطع إجابتها سوى بهزة بسيطة من رأسه ففمه مائل الى الجهة اليسار وقد شلّت ذراعه اليسرى وساقه الأيسر، اهتزت ابتسامة فريدة قليلا لتسارع بتثبيتها فيما سمعت صوت أنور هاتفا بمرح ترافقه رنا:

+

– أيه الأخبار يا حمايا العزيز؟.. خلاص الدكتور كتب لحضرتك على خروج ورتبت مع دكتور العلاج الطبيعي هنا في المستشفى هيبقى ييجي البيت عشان جلسات العلاج الطبيعي لحضرتك…

+

قاطعه دخول الممرضة تقود المقعد المتحرك أمامها ليصرفها أنور وهو يتجه لعبد العزيز لمساعدته على الجلوس فوقه، وما أن استقر عبد العزيز فوق المقعد المتحرك حتى قالت فريدة معيقة أنور الذي هم بدفعه للخروج من الغرفة:

+

– ثواني يا أنور… عبد العزيز مش هيخرج من هنا إلا على بيته!!!!

+

تبادل أنور ورنا النظرات المتسائلة الحائرة، لتقطع فريدة هذه النظرات وهي تسير الى خارج الغرفة ووقفت تشير بيدها قبل أن تعود ثانية يتبعها هذه المرة رجل يحمل كتاب كبير أسفل إبطه، اتجهت الى عبد العزيز ومالت عليه هامسة بابتسامتها العريضة:

+

        

          

                

– عزيز.. حبيبي أنت هترجع على بيتك.. بيتنا.. أنت اتغربت بعيد عنه  وعنّا كتير أوي.. ممكن بقه ترجع لنا لأننا بجد منقدرش نعيش من غيرك؟.. لا أنا ولا رنا بنتنا!!!

 فوجئ رنا وأنور بكلمات فرية في حين نظر عبد العزيز لفريدة وعيناه ممتلئتان بالدموع، وهو يحاول الحديث ولكن ليصدر عنه أصواتا مبهمة، فوضعت فريدة يدها على فمه وأسندت جبينها عليها وهي تهمس:

+

– ما تتعبش نفسك يا حبيبي… المهم أنك تفضل معنا… احنا كبرنا يا عزيز ومحتاجين بعض… أرجوك… 

+

ثم رفعت رأسها تتابعه وقد أفلتت دموعها رغما عنها تناقض مرحها الساخر:

+

– يعني هنستنى إيه أكتر من كدا؟.. أنا جالي السكر وأنت الضغط، نلحق اليومين اللي فاضل لنا يا حبيبي!!

1

تبادلت رنا وأنور النظرات المسرورة في حين اغرورقت عيني رنا بدموع الفرح ففي أشد أحلامها جموحا لم تكن تعتقد بعودة والديها لبعضهما ثانية، حتى وهي تهدد وتتوعد بالزواج من كريم، لتحمد الله في سرها بأنها أخيرا ستعيش في كنف والديها، وأنها على ثقة أن الله سيتمم نعمته عليهم وسيشفى والدها قريبا بإذن الله….

+

هتف أنور بمرح:

+

– ياللا يا سيدنا الشيخ.. عاوزين نجوز العرسان بسرعة!!!..

+

وبالفعل تم عقد قرآن عبد العزيز وفريدة ليعود عبد العزيز إلى منزله وفريدة، يعود وهو صاحب منزل وليس ضيفا لدى أيّ كان حتى وأن كان زوج ابنتها، فليس عبد العزيز من يتنقل بين منزل هذا وذاك، فهو خلافا إلى أنه والد ابنتها الوحيدة فهو أيضا.. حبها الوحيد!!!!….

+

*****************

+

مرت الأيام سريعا حتى حان يوم خطوبة يوسف وندى… وصدام سعادات ولؤي.. ثانية!!!!!!…

+

كان يوسف وندى يجلسان إلى المسرح في الجلسة الخاصة بالعروسين في تلك القاعة الكبيرة بالفندق الخمس نجوم الشهير بالبلد ولم يكن يرى بالمكان كله سوى نداه هو فقط، لتتابع فقرات الحفل وهو رافض وبشدة القيام من جانبها أو السماح لها بالنهوض مع قريباتها وصديقاتها الأمر الذي تندر له أنور هامسا له بسخرية:

+

– يا بني ما تبقاش لزقة انجليزي، ما تقوم تفرح مع أصحابك وسيبها هي كمان تتبسط مع صاحباتها!!..

2

يوسف برفض قاطع:

+

– مالكش فيه، أنا فرحتي أنها تكون جنبي.. روح أنت افرح لوحدك… أنتي إيه اللي مضايقك مش فاهم أنا؟!!!

 لينظر إليه أنور بنصف عين مكررا:

+

– إيه اللي مضايقني؟!!!.. ماشي يا جو… أنا الغلطان…

+

قطب جو وقبل أن يسأله عن أي شيء أخطأ فوجئ به وهو ينادي على رفاقهما اللذي أتوا من فورهم ليفتح يوسف عينيه على وسعهما ويرمق أنور بنظرات مهددة والذي نظر إليه بأخرى ساخرة، ولم يمهله رفاقه الكلام إذ انقضوا عليه يرفعوه من مكانه وسط التصفيق والتهليل بينما غمز أنور لرنا التي اتجهت من فورها لندى تشدها لتنهض مع صديقاتهما وسط زغاريد الفرح والأغاني السعيدة…

+

        

          

                

كانت سعادات تقف تصفق في الدائرة التي تحلقت حول ندى لتخطو الى الخلف بقدمها فسمعت صوت تأوه خفيف لتلتف الى الخلف ففوجئت بعينين ساخرتين تغمزانها بخبث وصاحبهما يقول بابتسامة ساخرة:

+

– واضح كدا أن اسمك المفروض يبقى صدمات.. مش جمع سعادة!!!!..

+

لتشهق سعادات وتهتف بسخط:

+

– هو أنت يا كابتن!!!!!!!!!!!!!..

+

قطب لؤي مكررا باستنكار:

+

– إيه كابتن دي أن شاء الله؟..

+

هزت سعادات كتفيها والتي كانت قد ابتعدت قليلا عن الفتيات:

+

– على الأقل أحسن من صدمات… إيه صدمات دي كمان؟!!!!

+

لؤي بسخرية:

+

– أعملك إيه.. ما أنا كل ما أشوفك لازم تخبطي فيا، يا أما في الديفليه يا الأسانسير، ودلوقتي، تبقي صدمات وحوادث كمان ولا لأ!!!

+

سعادات وهي ترمي بشعرها الذي تراقصت خصلاته البندقية حول كتفيها كالحرير بعد أن انتهت مصففة الشعر منه:

+

– ما هو دا الطبيعي.. يعني واحدة تقابل هراكليز أكيد دا اللي هيحصل، دا الحمد لله أنه مش في عنبر الحوادث نفسه!!!!!..

+

وانصرفت وهي تتهادى في ثوب سهرتها الليموني الذي كان هدية ندى لها وقد قبلت به بعد عناء، كان من الحرير المغطى بطبقة رقيقة من الشيفون، محكم على جذعها العلوي وينسدل حتى منتصف ساقيها على اتساع، وذو أكمام محكمة حتى المرفق من قماش الدانتيللا المخرم، ومنثور عليه فصوص من اللؤلؤ الصناعي، وقد زينت وجهها بزينة خفيفة مكتفية بكحل للعينين واستعاضت عن نظارتها الطبية بالعدسات اللاصقة، وحمرة شفاه باللون الخوخي الداكن، وانتعلت في قديمها حذاءا ذهبيا مفتوحا بكعب مرتفع، وأنهت زينتها برشة عطر برائحة الفل، لتسرق أنفاس لؤي الذي همس وهو يراها تبتعد عنه:

+

– لا… أنت فاكهات.. يا جمع سعادة!!!…

+

انتصب في وقفته حينما شاهدها تقف مع أحد الشباب والذي كان يرمقها بنظرات عابثة بينما تلك الحمقاء تقف أمامه تبادله الحديث وهي ترسم ابتسامة بلهاء على وجهها!!…

+

أنهت حديثها مع ذلك الشاب الذي لم تفهم بعد إلى الآن ماذا كان يريد من حديثه، فخلافا لسؤاله لها عن ذوقها الموسيقي فهي لم تفهم بعد ما قصده من “أغاني المهرجانات”.. هل يعني مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أم.. “مهرجان كان العالمي”؟!!!..

+

شهقت برعب وهي تشعر بيد تطبق على معصمها لترفع عينيها ففوجئت بشرارات منطلقة من فحم عينيه المشتعل بينما لم يترك لها المجال للحديث إذ جذبها إلى أحد الأركان المنزوية وأوقفها أمامه قبل أن يصيح بها بسخط:

1

– أنت فاكرة نفسك بتعملي إيه بالظبط؟… 

+

حدقت فيه سعادات بدهشة بادئ الأمر تحولت الى غضب مستعر قبل أن تحاول جذب رسغها من قبضته وهي تصيح فيه بدورها:

+

– أنت اللي فاكر نفسك مين؟.. إزاي تمسكني بالشكل دا؟…

+

لؤي وهو يميل عليها زارعا عينيه في عينيها:

+

– إزاي تسمحي لنفسك يا هانم أنك تقفي مع واحد غريب عنك وتضحكي بالمياعة دي؟..

+

شهقت سعادات بذهول واحمر وجهها غضبا وحنقا قبل أن تهتف فيه بقوة وقد انطلق لسانها بدون وعي منها كعادتها دائما عندما تغضب:

+

– مين؟.. مياعة!!!!!… المياعة دي تعرفها أنت يا…. لؤي هانم!!!!!!!!!

+

ليفتح لؤي عينيه على وسعهما بذهول غاضب أول الأمر قبل أن يهتف فيها بغموض:

+

– هانم!!!!!!!!… حااااضر… أنا بقه هورّيكي لؤي هانم ممكن يعمل إيه؟….

+

وقبل أن يتثنى لها الاستفهام منه وكانت نظرته قد جعلت قلبها يختض رعبا بين جنبات صدرها كان قد انقض قابضا على خصرها بيديه بقوة جعلتها تئن ألما فيما رفعها حتى أصبح وجهها مقابلا لوجهه وما أن فتحت فمها للصياح به كي يتوقف عن إيلامها كان قد انقض على ثغرها يعتصره معاقبا لها لتطاولها عليه وإهانته ناعتة إياه بـ.. الهانم!!!

+

كانت ترفرف بين يديه تماما كالحمامة التي وقعت بين براثن صقر جامح، قبل أن ينزلها على قدميها مجددا، ليلفتها بعدها وقد حملت شفاهها المتورمة علامات عقابه الوحشي لها، مرر طرف ابهامه الخشن عليهما وهو يهمس بصوت خشن:

+

– مش هسمح لك أنك تتكملي معايا بالاسلوب دا تاني.. أوعي تزعليني يا جمع سعادة، أنا نادر لما بغضب، لكن لما بغضب.. غضبي بيكون وحش أوووووي!!!..

+

نظرت إليه سعادات بدون كلام لثوان قبل أن ترفع يدها وتهوى بصفعة قوية على وجنته في صفعة مفاجئة له، وقفت أمامه بعدها تجيبه ببرود وشموخ:

+

– ودي آخر مرة تحط إيدك عليا فيها، وابقى افتكر كويس أوي، مش كل البنات من الناس اللي أنت منهم ، بتوع مامي وبابي ويروحوا النادي وياكلوا زبادي، أنا من عماد الدين… أصل الجدعنة والشهامة، منطقة عمرها ما تتشرف بواحد زيّك، وإوعى أنت تقف لي في طريق ولو… صدفة، عن إذنك يا لؤي.. – وسكتت قليلا قبل أن تتابع بسخرية – بيه!!!…

+

وانصرفت تتهادى من أمامه فيما تابع هو انصرافها وهو يردد بقسم:

+

– طيب… الأيام بيننا، وهتلاقيني قودامك في كل مكان، زي خيالك تمام.. ولما أشوف بقه أنا ولا أنتي يا… جمع سعادة!!!!!..

+

وبرقت عيناه بوعد ووعيد بينما لم تعلم سعادات أنها قد أخرجت الوحش من مربضه وأنها ستقف أمامه وحدها تماما كما اليمامة التي تقف في وجه.. الصيّاد!!!!!!..

+

         – يتبع-                                

+

     





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى