Uncategorized

رواية الم بدون صوت الفصل الثامن عشر 18 بقلم خديجة احمد – تحميل الرواية pdf


هو لفّ أول ما حس بيا…

ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:

– صباح الخير.

ردّيت بابتسامة باهتة:

– صباح النور.

قعدت قدّامه، وحسّ التوتر اللي راكبني…

كنت لابسة الطرحة من بدري، ومش مرتاحة إن فيه حد شايفني طول الوقت.

والفكرة دي لوحدها كانت مخلّيا قلبي يقبض.

أخدت نفس وقلتله:

– أنا هانزل الشغل بكرة والجامعة كمان… لازم أكمّل. ما ينفعش أقعد.

بصلي باستغراب كأنه مش مستوعب:

– شغل؟ ليه؟ أنا مكلفتش حد بحاجة… وأنا أقدر أتكفل بكل مصاريفك.

هزّيت راسي:

– يوسف… احنا اتجوزنا عشان نحلّ مشكلة، مش عشان نعتمد على بعض.

وانت مش مجبَر تصرف عليّا.

وأنا مش هبقى مرتاحة لو فضلت قاعدة من غير شغل.

كان واضح إنه معترض…

فتح بقه يتكلم، بس أنا قطعت كلامه بهدوء:

– دا قراري ومش هرجع فيه.

ساعتها اتنهد…

وبان عليه إنه اتضايق مش عشان العند، لكن عشان مش عارف يرضيني ولا يريحني.

خرج من المطبخ وقال بنبرة زهقانة بس مش جارحة:

– براحتك يا نور.

وسابني واقفة…

مش عارفة إذا كنت عملت الصح،

ولا زوّدت المسافة اللي أصلاً بينّا واسعة.

بعد ما اليوم خلص وفضلت لوحدي، قررت أتصل بسارة…

يمكن تكون قلقانة، زعلانة، أي حاجة.

بس كل مرة كنت برن… مكنتش بترد.

في الآخر اتنهدت ودخلت الأوضة وقضيت باقي اليوم فيها.

مش قادرة أحدّد إحساسي…

زعلانة؟ ولا تايهة؟ ولا خايفة من اللي جاي؟

تاني يوم…

صحيت بدري، لبست ووقفت قدام المراية أحاول أهيّئ نفسي لروتين عادي…

بس مفيش حاجة كانت عادية.

خرجت لقيت يوسف واقف في الصالة، جاهز للشغل.

كان بيعدل ساعته، ورفع عينه عليّا أول ما شافني:

– استني… هوصلك في طريقي.

هزّيت راسي بسرعة، وقلت:

– لأ بلاش، أنا بروّح مع سارة كل يوم… مش لازم تتعب نفسك.

وقفت ثواني…

وبعدين كملت بصوت أوطى شوية:

– بس هي من امبارح بتصل بيها ومبتردش.

يوسف وقف وهو بيلبس الكوتشي، وبصلي باستغراب بسيط:

– مش عارف…

إحنا وإحنا رايحين هنبقى نعدّي عليها، نشوفها وناخدها معانا.

هزّيت راسي من غير ما أعلق…

بس جوايا كان فيه حاجة بتخبط:

ليه مابتردش؟

ركبت العربية جنب يوسف،

بس تركيزي كله كان عند سارة اللي لسه مش بترد عليّا.

لحد ما وصلنا تحت البيت.

نزلنا سوا، أنا ويوسف،

وطلّعنا على شقتها.

فتحتلنا طنط، مامت سارة،

ودخلتنا جوه.

قالت وهي بتسند الباب:

__والله يا بنتي دي نايمة من امبارح…

وقالت إنها مش هتروح الجامعة النهارده.

قلبي وقع.

ردّيت بسرعة:

__ليه؟ مالها كده؟

سكتت مامتها لحظة،

سِكوت غريب…

كإنها مش عارفة تقول ولا عارفة تخبي.

وقولت وأنا واقفة أنا ويوسف:

__طيب… خليها لما تصحى تكلمني وتطمني عليها.

هزّت راسها وقالت بابتسامة هادية:

__حاضر يا بنتي.

نزلت السلالم مع يوسف،

بس دماغي كانت لسه فوق… عند سارة.

كل خطوة كنت باخدها حاسة إن في حاجة غلط،

بس مش قادرة أحدد هي إيه.

أول ما خرجنا للشارع،

يوسف بصّلي من غير ما يتكلم.

كان واضح عليه إنه واخد باله من توتري.

قال بهدوء وهو بيفتح باب العربية:

__ماتشيليش هم. يمكن بس تعبانة.

هزّيت راسي…

بس جوايا صوت عالي بيقول إن الموضوع أكبر من “تعبانة”.

ركبت العربية،

وقعدت أبص من الشباك…

مش شايفة الناس ولا الطريق،

شايفة بس شكل سارة وهي آخر مرة كانت بتضحك،

وسؤال واحد مش راضي يسيبني:

ليه مختفية كده من غير سبب؟

قطع شرودي صوت يوسف وهو بيقول:

__نور… لو انتي قلقانة قوي، نعدّي عليها تاني بعد الشغل.

رديت بهدوء، وأنا مش عايزة أبين قد إيه قلبي واجعني:

__نشوف… المهم إنها بس تبقى بخير.

وبقيت ساكتة طول الطريق…

ومكنتش عارفة إن اللحظة دي

هتكون بداية كل اللي جاي.

وصلت الجامعة.

اليوم كله قضيته لوحدي…

سارة مش موجودة، ومخلياني طول الوقت قلقة.

خلصت محاضراتي، وكنت ماشية رايحة الشغل،

وفجأة لقيت يوسف واقف قدام باب الجامعة.

بصّيت له بتوتر وأنا بقول:

“إنت هنا بتعمل إيه؟”

رد ببساطة من شباك العربية:

“جاي آخدك أوديكي الشغل.”

لقيت نفسي بابتسم تلقائيًا…

وركبت جنبه.

كان إحساس غريب وحلو…

إن حد يفكّر فيك ويعمل حاجة مخصوص علشانك،

حتى لو بسيطة.

قعدت وربطت الحزام،

وبصيت قدامي وأنا بقول:

__مكنش ليه لازمة تتعب نفسك، أنا كنت هروح على الشغل لوحدي.

رد وهو سايق:

__مفيش تعب ولا حاجه. وبعدين مش لازم تفضلي لوحدك طول اليوم..

سكتّ.

مع إني كان نفسي أرد…

بس الكلام وقف في زوري.

خصوصًا إن جزء مني كان متلخبط،

وجزء تاني مبسوط…

و جزء أكبر لسه قلقان على سارة.

فضلت أبص من الشباك،

لحد ما فجأة سألني بصوت هادي:

__مالك يا نور؟ شكلك مش مرتاحة او حاجه شاغله بالك.

اتجمدت ثواني…

مش عارفة أقوله إني حاسة إن صديقتي مخبية عني حاجة،

ولا أقوله إنّي من امبارح مش بنام.

ولا أقوله إني مش عارفة أعيش طبيعي بعد الجوازة اللي حصلت فجأة.

رديت أخيرًا وأنا بتهرب:

__مفيش… بس سارة قلقاني.

هز راسه بتفهم،

وسابني ف سكوتي…

وأنا كنت عارفة إن السكوت ده

أريح من ألف كلام.

وصلنا قدام المكان اللي بشتغل فيه،

وبص لي قبل ما أنزل وقال:

__لو احتجتي أي حاجة… كلميني.

هزيت راسي،

ونزلت،

بس فكرة واحدة فضلت بتلفّ في دماغي:

ليه حسيت بالراحة من كلمته…

وإحنا أصلاً متجوزين لأسباب مش طبيعية؟

نفضت الفكرة من دماغي فورًا.

مش عايزة أحس ناحيته بأي حاجة…

ولا حتى ألمح لنفسي إن الإحساس ده ممكن يكبر.

مش عارفة ليه،

بس يمكن الخوف بقى جزء مني…

خوف مسيطر على قلبي وعقلي،

وبيخليني أبعد عن أي حاجة ممكن تهزني

أو ترجعني لأي وجع قديم.

وصلت الشغل ونزلت من السيارة …..

قلبي مليان تعب من اليومين اللي فاتوا. أول ما دخلت، شفت سهيله مبتسمة مستنياني …..

ابتسامتها حاولت تخفف عني التعب، لكن أنا حسيت إنها لسة شايفة القلق في عيني.

قالتلي بعتاب:

__كدا بقالك يومين مجتيش.

رديت بابتسامة باهتة:

__ والله كان عندي شوية مشاكل كدا… بس الحمدلله ربنا حلها يعني.

ابتسمت وهي بطبطب عليا: __الحمدلله يا روحي.

وبعدين، فجأة، تذكرت:

__اه، في حد جه سأل عليكي النهارده.

قفلت عيني شوية أحاول أستجمع ذاكرتي… مين؟!

قالت الاسم وهي بتفتكر: “امم…ا أدهم.

اتجمّد قلبي للحظة …..

أدهم؟ فجأة كل شيء اتضح

……، كل الصور والذكريات عدّت

قدامي… أدهم… أخويا!

حسيت قلبي بيندهش ومليان فرحة ودهشة، وابتسامة صغيرة طلعت من جوّا مش قادرة أخفيها. الدنيا حواليّا كأنها اتوقفت لحظة، وكل حاجة بقت أوضح… هو سأل عني. أدهم… هو فكر فيا.

بس قلبي ما ارتاحش على طول… افتكرت إن ممكن يكون مش هو فعلاً.

طلعت فوني بسرعة، وقلبي بيدق بسرعة من التوتر والفضول، فتحت صورته اللي طول عمره ما فارقتني، وقلبي كله حيرة:

__هو دا؟

سهيله قربت مني وبصت للصورة وهي بتكبر فيها عينيها، بصوتها الهادي قالت:

__ايواا… هو بعينه.

الفرحه غمرتني…

إحساس دافئ، حنين، ووجع قديم بيرجع تاني.

أخويا…

أول حد من دمي أعرف إنه بيدور عليّا!

بس وسط الفرحة دي، كان فيه سؤال مزعج قاعد يخبط في دماغي بإلحاح:

هو عرف مكان شغلي إزاي؟

وقفت ثواني، قلبي بيرتجف من التفكير.

كنت بين شعورين:

فرحة إني مش لوحدي… وإن فيه حد من أهلي بيدوّر عليّا.

وخوف… خوف كبير إن الموضوع يكون فيه حاجة مش مفهومة.

هل مازن قاله؟

ولا يونس؟

ولا أدهم عرف لوحده؟

السؤال نفسه بقى تقيل، كأنه حجر واقع على صدري.

الفرحة موجودة… بس محوّطة بقلق وخوف من اللي جاي.

خلصت الشغل وخرجت،

ولقيت يوسف واقف مستنيني تاني…

نفس المكان، نفس الوقفة، ونفس النظرة اللي بتحسسني إن في حد شايل همّي من غير ما أتكلم.

ركبت العربيّة من غير ولا كلمة.

كنت تايهة، ومشاعري متلخبطة، ودماغي مليانة أسئلة.

بصّ عليّا بسرعة وقال بنبرة فيها قلق واضح:

__انتي كويسة؟

مقدرتش أجاوب…

ولا كنت قادرة أحكي له اللي حصل…

فاكتفيت إني أهز راسي بس

هو استوعب إن في حاجة غلط،

بس محترم سكوتي، فكمّل وهو بيركّب الحزام:

__ع العموم… متقلقيش. إحنا هنروح دلوقتي نطمن على سارة.

طلعت مني ابتسامة باهتة…

ابتسامة مجاملة، مش طالعة من القلب،

ورجعت أبص من الشباك تاني،

كأني بحاول أهرب من كل حاجة بتحصل جوايا.

_______________

نور

من يوم ما اتجوزوا…

وأنا حابسة نفسي في الأوضة.

مش قادرة أواجه الواقع،

ولا قادرة أشوفهم…

ولا حتى أسمع صوتهم.

مش عايزة أشوفهم مع بعض.

مش عايزة أحس بالوجع…

مع إنّي حاسة بيه غصب عني،

عايش جوا صدري من غير ما أسمح له،

بس لو شفتهم؟

الوجع هيبقى أضعاف… أضعاف.

إحساس إن حد بتحبيه…

يبقى لحد تاني،

إحساس بيمزّقك من جوا،

بيشد روحك على حتت،

وبيسيبك واقفة لوحدِك قدّام حُكم اتفرض عليك.

لكن كل حاجة جوايا انفجرت لحظة ما ماما دخلت عليّا…

وقفت قدّام الباب، وبهدوء غريب قالت:

__سارة… نور ويوسف برا.

برا؟

الكلمة نزلت على قلبي زي حجر.

حاسّة نبضاتي بتتباطأ…

بتتكسر…

وبتتفتّت واحدة ورا التانية.

مقدرتش أستحمل…

صرخت بكل وجعي، بكل قهري:

__مش عايزة أشوف حدّدد!!!

صرخة طالعة من وحدة،

مش من غضب…

من كسرة.

دخلت نور على صوت الخناقة اللي مالي الأوضة،

وصوتها كان مترع بالقلق وهي بتقول:

__نور… انتي كويسه؟

بصّتلها… بكل الغضب اللي كنت بكتمه بقاله سنين.

كنت مخنوقة… حرفيًا مخنوقة.

حاسّة إن صدري مش قادر يشيل ولا كلمة كمان.

عين ماما كانت عليّا،

نظرتها كلها رجاء…

كأنها بتترجّاني “اوعي تتكلمي”.

بس لساني خلاص… اتقل من الصمت.

اتقل لدرجة الوجع.

فانفجرت…

قلت بكل القهر اللي كان محبوس جوايا:

__أنا… من بعد جوازكوا… مبقتش كويسه!

الكلمة وقعت في الهوا زي حجر كبير.

الهدوء ساعتها كان مرعب… كأن الزمن وقف.

نور اتلخبطت، لمحت ارتجافة في صوتها وهي تقول:

__يعني إيه؟

بلعت ريقي…

وكملت وأنا مش قادرة أمنع نفسي ولا أكتم اللي بيولّع في قلبي:

__يعني… انتي خدتّي أحلى حاجة كانت في حياتي يا نور.

رفعت عيني عليها

وقولت بصوت مكسور:

__أنا… بحب يوسف.

يتبع

التاسع عشر من هنا





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى