Uncategorized

رواية عاشق قهر النساء الفصل السابع عشر 17 بقلم صباح عبدالله فتحي – تحميل الرواية pdf


كانت شوق جالسة كما هي، حتى أفاقت من صمتها على صوت القيود الحديديّة تلتف حول معصميها. نظرت لتلك اليدين اللتين تكبلانها، ثم رفعت رأسها لترى أحد العساكر يقف أمامها، يضع القيود في يديها وأخرى في يده، ويغلقها بإحكام، ثم وضع المفاتيح في جيبه وسحبها بالقوة لتنهض من جلستها.

نظرت بصمت مريب إلى قاسم الذي هرول إليها، فوضع يديه برفق وحنان على وجهها وهو يقول بهدوء محاولًا أن يطمئنها. تأملت ملامحه الشاحبة وخوفه الظاهر عليه، وكلماته المتقطعة التي خرجت بألم وحسرة من بين شفتيه المرتجفتين تأثرًا… وكأنه مختنق، يحتاج أن يبكي، لكن بداخله صراع بين كبريائه الذي يحاول التغلب على عاطفته، وبين خوفه وحزنه على أولاده، والحنان الأبوي المتأجج داخله.

قاسم

ما تخافيش يا شوق… يا حبيبتي، أنا موجود معاكي. وطول ما أنا موجود مش عاوزِك تخافي من أي حاجة… ماشي يا عمري؟ انتي بخير… أنا معاكي.

وفجأة خطفها إلى أحضانه، يعانقها بقوة، لتنهال دموعه على خديه معلنة انتصار عاصفة عواطفه التي تغلبت على كبريائه. أما هي، فسكنت بين ذراعيه، دموعها تنهال بصمت، تتذكر آخر ما سمعته من عشق قبل أن يفقد وعيه بين يديها.

ذكريات شوق قبل عدة ساعات

في السيارة، نظرت شوق إلى عشق الذي — رغم إصابته — لم يتوقف عن حمايتها. ضمّها إليه ليحميها من أي خطر قادم، وهو يهتف بكلمات متقاطعة غير مفهومة… كلمات لم تسمعها أذناها جيدًا، لكن قلبها فهمها، وروحها تعلقة بها. كان صوته مختلطًا بدقات قلبه ونبضه المتسارع، وهي ساكنة بين ذراعيه، ونبضاته تتعانق مع نبضها، كأنهما يعزفان لحنًا دقيقًا ومتقنًا بمهارة عالية.

عشق

ما تخافيش يا شوق… طول ما أنا معاكِ مش هسيبك… ولا هسمح لحد يأذيكي أبدًا… أنا معاكي… ما تخافيش.

لأول مرة شعرت شوق بالأمان… بالاستقرار النفسي الذي خسرته في عالم مليء بالقبح. لكن كانت لحظات عابرة قبل أن تعود لواقع الأكثر قبحًا وفزعًا. شعرت بثِقل ينهار على كتفيها، حاولت أن تتملص من بين ذراعيه وهي تنادي اسمه لأول مرة وقد تسلل إلى قلبها خوف لم تعرفه من قبل… خوف أن تخسره، أن تفقد الشيء الوحيد الذي لامس روحها، أن تعود وحدها في عالم مظلم لا يرحم أحدًا.

شوق

عشق… عشق أنت سامعني؟… عشق!

وبعد معاناة مع ثقل جسده الضخم، استطاعت أن تُبعده عنها، لتجده غارقًا في دمائه، فاقد الوعي، وعنقه ينزف بغزارة. وضعت يدها على الجرح محاولة وقف النزيف حتى تصل المساعدة، وهي تصرخ بهلع وخوف وفزع، تحاول إفاقته تارة… وتسعفه تارة أخرى.

شوق

عشق… عشق لو سمحت رد عليا! عشق افتح عيونك… علشان خاطري! عشق بالله عليك لو سامعني افتح عيونك… عااااشق!

استفاقت من شرودها على يدايه تمتدان دون إذنٍ منها. نظرت أمامها لتجد العسكري يجرّها خلفه ليغادر بها، وبينما كانت تتحرك خلفه وكأنها دمية بلا روح، مرّت من أمام باب غرفة العناية المركزية لتلمحه بالصدفة نائمًا على الفِراش بلا حركة، والأجهزة محاطة به تنتظر لتعلن عن موته في أي لحظة. شعرت بالذنب والحزن عليه وأنبها ضميرها وكأنها هي من تسببت في مرقده المؤلم هذا. شعرت بالذنب والحزن عليه، وأنّبها ضميرها وكأنها هي من تسبّبت في مرقده المؤلم هذا. عبرت من أمام تلك كوثر ولم تعرها أي أهمية وكأنها تخبرها بصمتها: “أصبحتُ حقًا بلا روح، افعلي ما تريدين.” بينما وقف قاسم وهو يتحدث مع حازم باللهفة وكأنه يقف على جمرة من نار.

“لو سمحت يا حازم هات المحامي وتعالى ورايا. أنا هروح مع شوق علشان ما تفضلش لوحدها، وإنتو خليكم مع عشق وابقوا طمّنوني عليه.”

لم ينتظر ليسمع ردّ حازم، فهرول خلف شوق لكي لا يتركها تواجه قبح العالم المحاط بها بمفردها. أمّا حازم فركض خلفه وهو يسحب هاتفه من جيبه ليطلب المحامي. ظلّت ياري واقفة تضغط على أسنانها بغضب، غير راضية عن محاولة قاسم لإنقاذ شوق. أما كوثر فكانت غارقة في دوامة سوداء… عشق ما زال على قيد الحياة ولم يمت كما كانت تظن، وهذا بالنسبة لها كارثة، ويجب التخلص منه قبل أن يفعل هو.

كانت نيلي بصحبة نيل الذي يتابعها كظلّها خوفًا من أن تذهب لعشيقها ساهر كما يظن. كانوا يُحضران الطعام لشوق من أحد المطاعم المجاورة للمشفى، وفي طريق عودتهما رأيا ما لم يكن في الحسبان… القبض على شوق. التي كانت تتوجه مع رجال الشرطة… جسد فقط يتحرك، أما روحها فكانت عالقة في مكانٍ ما. لم تشعر نيلي إلا والطعام يسقط من يديها متناثرًا على الأرض، لم تُبالِ بشيء سوى صغيرتها شوق. هرولت نحوها وهي تصيح بفزعٍ حقيقي، وهرول نيل ليلحق بها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استفاقت لين من قيلولتها بعد أن أعطوها حبوبًا مهدّئة لتنام أطول وقت ممكن. فتحت عينيها تنظر حولها لتجد نفسها في مكانٍ لأول مرة تراه، ترقد على فراش من الحرير، وأسلاك الأجهزة طبية محاطة بها. حاولت النهوض، وفي لحظة احتلّ ألَمٌ لا يُطاق جسدها بالكامل، فصرخت متألمة وهي تستلقي من جديد لعلّها تتخلّص مما تشعر به.

كانت صرختها تلك كصفعة على وجهها، تحاول إفاقتها من غفلتها، وعقلها عاد ليعمل من جديد… لكنه كان أشبه بتلفاز قديم شاشته تقاطع الصورة ولا تظهر بوضوح.

كذلك كانت ذكريات لين؛ ترى شوق ونيلي ونور وسامح وكل شخص تعرفه، لكنها لم تستطع أن تعرف أحدًا منهم ملامحهم غير واضح لا تعرفها… وكأنهم مَسَحُوا من عقلها. دلف الأطباء على صوتها وهي تصرخ فجأة وتحرك رأسها بشكل عشوائي عنيف وهي تقول:

“لا! سبوني! أنتم مين؟ عاوزين مني إيه؟”

أسرع أحد الأطباء ليحقنها بمحلول مهدّئ، ولم تمر لحظة حتى عادت لتغرق من جديد في سباتها. نظر الأطباء لبعضهم وقال أحدهم للآخر:

– “حالته العقلية حرجة جدًا، لا أقدر تحديدها.”

– “أنا أيضًا مثلك، لكن لن نفعل لها شيئًا إضافيًا.”

– “أشعر بالأسف على تلك الجميلة… جمالها لا يستحق كل تلك المعاناة التي تمر بها.”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد عدد ساعات تم نقل عشق إلى غرفة خاصة وما زال فاقد الوعي. وكان ليل جالسًا على مقعد صغير بجانبه، ومن شدة تعبِه وإرهاقه غلبه النوم على الكرسي.

كَسَرَ الصمت وهدوء الغرفة صوتُ الباب يُفتَح، ودلفت طبيبة… أو بالأصح كوثر التي تنكّرت بزي طبيبة واضعة كمامة على وجهها لتخفي نفسها بها. تسللت بهدوء مريب كي لا ينتبه ليل، وقبضتها تشتد على زجاجة صغيرة داخل جيب الجاكت الذي ترتديه. نظرت بحنق لعشق وهي تتمتم بكره:

كل مشاكل حياتي بسببك أنت… حقيقي أنا عمري ما تخيلت إني ممكن أكره حد بالشكل ده. يوم موت ابني الغالي أنت جيت لتاخد مكانه. كل اللي وصلت له ده من حق ابني حبيبي، ومش هخليك تتمتع بحياتك أكتر من كده.

اقتربت بخطوات هادئة وحذرة، ووقفت أمام عبوة المحلول المتصل بجسد عشق. أخرجت الزجاجة الصغيرة من جيبها وابتسمت بشر، وكأنها تودّعه لآخر مرة سترى فيها وجهه. ثم أخذت حقنة وحقنت عبوة المحلول بالمادة التي في الزجاجة. وفجأة استيقظ ليل، ليجدها تقف أمامه. نهض بفزع شديد وهو يقول:

انتِ مين؟ ومين سمح لكِ تدخلي؟

توترت كوثر وشعرت وكأن قدميها التصقتا بالأرض تحتها، ولم تستطع أن تنطق بحرف واحد. وأنقذها دخول ذلك الأحمق زين فجأة وهو يقول:

ليل بيه! عرفت مين اللي هجم عشق بيه…

اتسعت عينا كوثر من الصدمة، وسقطت الزجاجة من يدها. لفت صوت تحطمها انتباه ليل وزين إليها. نظر الاثنان نحوها، وليل كرر سؤاله وهو يخرج مسدسه من جيبه ويوجهه نحوها ظنًا أنها عدو متنكر:

هسأل تاني… انتِ مين؟ ومين سمح لكِ تدخلي؟

سحبها ليل فجأة ليجعلها تلتفت نحوه. نظر لها بشك وهو يقول:

شيلي الكمامة اللي على وشّك دي.

تجمّدت كوثر، وشعرت وكأنها سيُغمى عليها من شدة التوتر والخوف، ولم تقدر على الحركة أو المقاومة. في كلتا الحالتين كان أمرها سيُكتشف. رفع ليل يده ليزيل الكمامة عن وجهها، لكن فجأة سمع الجميع أنين عشق وهو يستعيد وعيه. هرول ليل وزين معًا ليطمئنا عليه، بينما استغلّت كوثر الفرصة الذهبية التي أتت أليها دون عناء. وهرولت لتغادر الغرفة. بينما كان ليل يقترب من عشق وهو يقول:

عشق… انت كويس؟

كان عشق ما زال تحت تأثير الإغماء، وكان عقله يسترجع ما مرّ به، فقال بصوت بالكاد يخرج:

شووق… فيـ…ن… شوق؟

نظر ليل لزين باستغراب، ثم انحنى على عشق يقترب منه أكثر وهو يقول:

بتقول إيه يا عشق؟ مش سامعك.

ـــــــــــــــــ

عند شوق في مكتب وكيل النيابة… رفض قاسم أن يترك شوق بمفردها، وكذلك رفض إدخالها الزنزانة، وبفضل نفوذه لم يعارضه أحد. جلس معها وظل يحتضنها داخل ذراعيه وهو ينتظر وصول حازم مع المحامي.

وكانت نيلي تجلس بجانبها تراقب أفعال قاسم وخوفه الظاهر على شوق، وهي تبتسم رغم حزنها، إلا أنها شعرت بالسعادة من أجل شوق… على الأقل واحدة منهم عثرت على الأمن والاستقرار ولم تعد وحيدة بعد الآن.

بينما كان نيل يجلس على مقعد قريب، يراقب ملامح نيلي الصافية بابتسامة دافئة، حتى عكّر مزاجه صوت طرق خفيف على الباب وصوت وكيل النيابة يقول:

انفتح الباب ودخل أحد العساكر وهو يقول بعد أن أدى التحية العسكرية:

في واحد بره بيقول اسمه ساهر، عاوز يشوف واحدة اسمها نيلي… وبيقول الموضوع مستعجل وعاوز يشوفها ضروري يا فندم.

الثامن عشر من هنا





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى