Uncategorized
رواية عاشق قهر النساء الفصل السادس عشر 16 بقلم صباح عبدالله فتحي – تحميل الرواية pdf

رواية عاشق قهر النساء الفصل السادس عشر 16 بقلم صباح عبدالله فتحي
كان عشق مستلقيًا عارِيَ الصدر على السرير داخل غرفة العمليات، دماؤه تلطّخ كل شيء حوله. جهاز الأكسجين موضوع على وجهه، وجهاز نبضات القلب متصل به، وصوته يتصاعد بانتظام وسط صمت مريب.
وقف ساهر مع فريق الأطباء، والعرق يتسلل على جبينه، ويداه ترتجفان بين الحين والآخر بحركة لا إرادية من شدة الضغط النفسي والتوتر الذي يمر به. ورغم ذلك كان يؤدي عمله على أكمل وجه، ولم ينسَ أنه الآن مسؤول عن إنقاذ حياة أكثر شخص يكرهه… لأسباب شخصية لا يفصح عنها مهما حدث.
أما خارج الغرفة، فكانت شوق تجلس في حالة صدمة، وفوضى تعصف بداخلها لا تقدر معها على التحكم في رعشة يديها الملطختين بدماء عشق. وجهها شاحب صفراء اللون كدليل علي الفزع الشديد التي تعرضت له منذ قليل. كانت فقط تنظر الي يداها بصمت مريب، والدموع تنهمر بهدوء على خديها، وقد احمرّت عيناها من كثرة البكاء.
أتي نيل مهرولا وتتبعه نيلي التي اول ما رات شوق في هذا الحالة هررولت اليها لتتأخذه الي احضانها وهي تتهف بققلق وخوف شديد
شوق حبيبتي انتي كويسه حصل اي احكيلي؟
كانت شوق فقط ترتجف، وهي متجمدة وكأنها لوح من الثلج. رفعت نيلي عينيها إلى نيل الذي كان ينتظر هو الآخر أن تقول شوق شيئًا، ثم عادت لتنظر إليها وهي تُبعدها عن أحضانها، تعانق وجهها بحب وحنان جارف، ودموعها تنهمر هي الأخرى قائلة:
شوق… حبيبتي، إنتِ سامعاني يا عمري؟ ردي عليّا… قولي أي حاجة.
ظلّت شوق على حالها، فخطفتها نيلي إلى أحضانها مرة أخرى بخوف وقلق شديد من أن يصيبها مكروه بعد تلك الصدمة التي تعرضت لها. انتبه نيل ونيلي إلى صوت فتح باب غرفة العمليات، وخرج ساهر ينزع قفازاته والكمامة عن وجهه بحركة يائسة. هرول إليه نيل قائلًا بنبرة مرتعشة وخائفة، بينما بقيت نيلي كما هي فقط تنظر إلى ساهر، فقد تذكّرته عند رؤيته، لكن لم يكن الوقت مناسبًا لتسأله عن شيء بخصوص لين.
عشق… عشق فين؟ حصل له إيه؟ طمّني… هو كويس، صح؟
نظر ساهر إلى نيلي وعقد حاجبيه مستغربًا من رؤيتها، لكن نيل فهم شيئًا آخر، فكَوّر يديه بغضب شديد وكشّر عن أنيابه، وكان سيقضي على ساهر، لكن أوقفته نيلي عندما نهضت مسرعة قائلة باللهفة وخوف:
عشق عامل إيه يا دكتور؟ طمّنا عليه من بعد إذنك.
فعلت ذلك عن عمد لتوقف نيل عمّا كان ينوي فعله. فهي أصبحت تفهمه من نظرة، وحتى قبل أي ردّة فعل، عرفت ما ينوي عليه. نظرت له برجاء وقلق، بينما رمقها هو بغضب شديد وظل صامتًا يحاول التحكم في إعصار غضبه قبل أن يفتك بساهر الذي ورّطته نيلي في شيء لا تعرف عواقبه. قال ساهر مستفسرًا:
“هو إنتي إيه علاقتك بعشق؟ مش فاهم.”
أجابه نيل بنبرة تحمل تهديدًا لم يفهمه ساهر:
“وإنت مالك؟ يكون أحسن لك تخليك بعيد عنها.”
عقد ساهر حاجبيه مستغربًا من رد نيل، لكن قطع اللحظة ظهور ليل فجأة. اقترب نحوهم وهو يقول بلهفة وقلق شديد:
“عشق… عشق فين؟ حصل له إيه؟”
نظر ساهر إلى ليل بحنق، وتحرك ليغادر وهو يقول بغضب مكتوم، بينما تجاهله ليل ولم يعطه أي أهمية:
لمّ الدكتور يطلع أسألوا… عن إذنكم.
غادر ساهر، وظلّت نيلي تنظر نحوه بشرود وهي تفرك كفيها بقلق واضح. انتبه نيل لذلك فوقف أمامها كحاجز بينها وبين ساهر، ينظر لها بغضب مكتوم وهو يضع يديه في جيب بنطاله. ثم نظر إلى الكرسي كإشارة لها كي تجلس عليه. تنهدت بحنق وعادت لتجلس بجانب شوق. اقترب ليل من نيل قائلًا بنبرة قلقة:
هو اللي حصل ده حصل ازاي؟ ومين السبب؟
تنهّد نيل بحنق قبل أن يقول بهدوء مقلق:
“لسّه ما عرفناش حاجة يا ليل… أهم حاجة دلوقتي نطمن على عشق.”
صمت للحظة، ثم نظر إلى ليل وكأنه تذكّر شيئًا فجأة:
“أيوه صح… عمّو نادر عامل إيه دلوقتي؟ معلش يا ليل… انت شايف اللي إحنا فيه—”
قاطعه ليل بحزن شديد، قائلًا وهو بالكاد يمنع نفسه من البكاء:
“بابا مات يا نيل… الله يرحمه.”
اتّسعت عينا نيل بدهشة وذهول:
“إنت بتقول إيه؟! إمتى ده حصل؟”
****
في القصر، كان فريق الطب الشرعي يأخذ عينات من أطباق الطعام، التي مازالت كما هي. برفقة فريق التحقيق الذي يستجوب طاقم الخدم ويسجل أقوالهم. بينما كان يقف قاسم وحازم بصحبة رئيس النيابة والمحققين ومعهم أسيل. هتف قاسم بهدوء مقلق:
“ده كل اللي نعرفه لحد دلوقتي… إحنا كنا في المستشفى علشان جوزي أختي مريض شوية وفجأة عرفنا بموت بابا، بس مين السبب وليه… ما عندناش أي فكرة.”
أضاف المحقق بهدوء:
“طيب… أنتم مش شاكّين في حد؟ أكيد لكم أعداء كتير.”
أجاب حازم بصوت حاد:
“مهما لنا أعداء… أظن اسم عيلة الجوكر لوحده يخلي أي حد يفكر مليون مرة قبل ما يقرب منه.”
أضاف المحقق بهدوء ونبرة بشك:
“على كده الفاعل ممكن يكون من العيلة نفسها…”
اتسعت عينا قاسم وحازم وأسيل بدهشة، وهتف قاسم قائلاً بذهول:
“لا طبعًا… ده مستحيل! بابا ده أغلى شخص في العيلة، والصغير والكبير بيحبه ويحترمه… مش معقول الكلام اللي حضرتك بتقوله ده.”
قاطعه صوت ياري الغاضب وهي تهبط الدرج:
“مش معقولة! ليه يا عمو؟ ما كلنا شوفنا وسمعنا اللي حصل… ليه بتنكروا اعتراف المجرم وهو معترف قدامكم؟”
نظر قاسم وحازم للمحقق بقلق، ثم نظر حازم إلى ياري بحدة وقال:
“ياري… اتفضلي… اطلعي أوضك وما تدخليش في حاجة إنتي مش فاهمة.”
أجابت ياري بغضب أكثر:
“ليه يا بابا؟ أنا مش صغيرة ولا أنا هبلة علشان ما أفهمش اللي بيحصل قدامي! أنتم سمعتوا بنفسكم اللي اتقال… هتحموها ليه؟ هي مش بنت عمو قاسم… فوقوا بقى… دي مجرمة قتلت جدو ولازم تتحاسب!”
فجأة صفعها حازم بقوة وهو يصرخ في وجهها بغضب، وهرولت إليها أسيل لتأخذها إلى حضنها لتحميها من غضب ولدها:
“بقولك اطلعي على أوضك!”
نظرت أسيل إلى حازم بخوف، وهي تدفع ياري لتأخذها وتذهب، وهي تقول بهدوء مقلق:
“تعالي يا ياري… يا حبيبتي… ده كلام كبار… مالكيش دعوة إنتي.”
صرخت ياري بغضب وهي تبتعد عن أسيل:
“ليه ماليش دعوة؟ ليه كل حاجة ماليش دعوة؟ ليه مش شايفين إني كبرت وقادرة أميز بين الصح والغلط؟ أنا كنت شاهدة وشايفة وسامعة كل حاجة… ومش هسيب المجرمة اللي قتلت جدو غير لما تتعاقب!”
في تلك اللحظة، كانت كوثر تدلف من باب القصر وسمعت ما قالته ياري، فأبتسمت بخبث وهي تتمتم لنفسها:
“حلو أوي… برافو عليكي يا ياري… أنتي كده حبيبت عمتو.”
بينما كان قاسم يفرك كفيه بقلق واضح وهو ينظر إلى المحقق قائلاً:
“ما تاخدش على كلامها… هي لسه عيلة صغيرة… مش فاهمة بتقول إيه.”
كانت ياري سترد، لكن قاطعها قاسم بغضب جامح قائلاً بصوت عالي، وهو يشير لها بأن تذهب:
“بس اتكلمتي كتير أوي… اتفضلي على أوضك أحسن ليكي.”
دخلت كوثر وهي تمثل الحزن والخوف قائلة:
“هي البنت غلطت في اي يا قاسم؟ ما كلنا كنا موجودين وسامعين وشاهدين على اللي حصل… هي بنفسها اعترفت قدامنا… هي مش بنتك يا قاسم… علشان تخاف عليها بشكل ده وتسيب حق بابا يضيع؟”
أجابها قاسم بانفعال قائلاً وهو في للحظة لا يدري ما يقوله:
“إنتي بتقولي إيه يا كوثر؟ طيب… ياري عيلة مش فاهمة حاجة… بس إنتي عارفة ومتأكدة إن شوق بنتي… مالهاش دعوة بموت بابا، حتى لو اعترفت بكده…”
انتبه قاسم إلى ما قاله، فصمت فجأة، وازدادت توتره وهو ينظر إلى المحقق الذي يتابع الحديث بصمت مريب، بينما ابتسمت كوثر بخبث شديد وهي تقول بصوت داخلها:
“حلوة اوى كده… أنا دوري خلص في اللعبة لحد هنا… نستنى بقى ونشوف النتيجة.”
******
دلف ساهر إلى مكتبه متعبًا بعد ما أدّى واجبه بكل إخلاص رغم إرهاقه وضغطه النفسي. وبينما كان يتوجه للجلوس على مكتبه، تعثّرت قدمه بشيء صغير. نظر أسفله ليجد تلك القلادة الذهبية. تنهد بيأس وانحنى ليرفعها من فوق الأرض. وفي تلك اللحظة لاحظ أن بداخلها صورة صغيرة. أمسك القلادة بلا حماس ليرى ما بداخلها، لكن ما إن رأى تلك الصورة حتى اتسعت عيناه بذهول ودهشة وهو يهتف بعدم تصديق:
“شيري وشرهان؟! مش معقولة… إزاي؟”
رفع يديه على رأسه وهو يسترجع كل شيء من أول ما رأى “لين” وحتى لقائه بـ”نيلي”. ثم هتف بصوت لاهث وصدره يعلو ويهبط والدموع تنهمر على خديه:
“معقولة الاتنين دول… هم إخواتي؟!”
لم يستطع أن ينتظر دقيقة أخرى، فهرول خارج الغرفة يبحث عن نيلي ليخبرها بكل شيء… وأنها شقيقته الحبيبة التي ظل يبحث عنها طوال تلك السنوات، ولم يتخيل يومًا أن القدر سيضعهما في طريقه عن طريق الصدفة.
أسرع إلى قسم العناية حيث يوجد “عشق “وهو يظن أنه سيجد نيلي هناك، لكن عندما وصل لم يجد سوى ليل الذي يجلس مهمومًا واضعًا يديه على رأسه، ومعه شوق التي ما زالت تحت تأثير الصدمة. أفاق ليل على صوت خطوات ساهر تقترب منه، وقبل أن يفهم شيئًا، فوجئ بساهر يعانقه بقوة دون وعي منه. عقد ليل حاجبيه مستغربًا من تصرفه الغير متواقع، لكن اتسعت عيناه في ذهول عندما سمع ساهر يقول:
“لقيتهم يا ليل… مش مصدق إني لقيتهم أخيرًا بعد السنين دي كلها… مش مصدّق!”
ربت ليل على كتفه وقال بذهول مماثل:
“قصدك إنك… لقيت إخواتك؟”
هنا أدرك ساهر ما يفعله، فتجمد للحظة ثم ابتعد بخجل قائلاً:
“أنا آسف… مااخدتش بالي… عن إذنك.”
كان ساهر على وشك المغادرة، لكن ليل أمسكه وقال:
“استنى… فهمني قصدك إيه؟”
وقبل أن ينطق ساهر بأي شيء، قطع حديثهما صوت رنين هاتف ليل. هتف وهو يسحب هاتفه من جيبه:
“ثواني…”
نظر إلى الشاشة، وما إن رأى اسم المتصل حتى توترت ملامحه. رمق ساهر بنظرة سريعة ثم ابتعد ليجيب. وما إن استمع للطرف الآخر حتى تغير وجهه تمامًا من تعبير الحزن والأرهاق الي أخرى غامضة بشكل مريب. بينما يقول المتصل:
“وصلنا أخيرًا لمكانها يا ليل بيه… تأمر بإيه يا فندم؟”
رفع ليل رأسه ليرى أمامه قاسم بصحبة حازم وكوثر وياري وأسيل، ومعهم المحقق واثنان من أفراد فريقه. هتف ليل بهدوء قبل أن يقترب منه قاسم بلهفة:
“استنّوني مني مكالمة.”
أغلق الهاتف، بينما قاسم يسأله بقلق شديد:
“حصل إيه يا ليل؟ فين عشق؟”
أجابه ليل بهدوء وهو يربت على كتف قاسم:
“اهدَى يا خالو… عشق الحمد لله كويسة. الدكتور طمّنا شوية… وهيفوق.”
عقدة كوثر حاجبيه بغضب واضح علي سماع ما قاله ليل فهي كانت تنتظر لتسمع خبر موته توترت وقفت تفرك كفيها بحركة لا ارادة.. التفت الجميع على صوت ياري وهي تقول بغضب شديد، وعيناها تلمعان حقدًا نحو شوق:
“هي دي المجرمة اللي قتلت جدو يا حضرت الظابط! هي دي شوق!”
نظر المحقق نحو شوق، وعقد حاجبيه مستغربًا حالتها الصامتة، لكنه تقدم منها وهو يقول بهدوء:
“آنسة شوق… حضرتك مطلوب القبض عليكي بتهمة قتل جلال بيه. ياريت تتفضلي معانا.”
ولحد هنا ونقووول استوووووب!



