رواية السيد وسيم الفصل الثاني عشر 12 بقلم ياسمينا احمد – تحميل الرواية pdf

سبقته بالاستيقاظ، وقفت تأمله يحتضن وسادته وينام على وجهه بعمق،تسقط أشعة الشمس على ظهره فتبرز بشرته البرونزيه وكتفه المتناسق بشكل رائع .
يمتلك وسيم كل مقاومات الجمال والجاذبية، فهي لم ترأى عن قرب عارض بكل هذا البهاء يسكن معها نفس الغرفة، كانت تمني نفسها بتغيره أو لو يكون ألطف.
تعلم أنها مضت بالأمس على حكم نهائي خالى من أي التعقل، لم تكن المؤثرات الخارجية تدفعها للقبول وحدها بل نفسها المثابرة كانت تريد خوض التحدي.
تملل معلنا استيقاظه بهمهمة ناعسة، التف بجسده على الفراش بأريحية، وسرعان ما التقطت عينه الزرقاء الناعسة وقوفها بوجه.
قضب حاجبيه لوجودها أمامه على ما يبدو كانت تتأمل
نومه لكنها لم تخفي هذا أو إرتبكت فور ملاحظته هذا، كانت تطوي يدها على صدرها وتحدق فيه بغموض.
سألها وهو يحذر:
– عجبتك مش كده؟!
ردت ببرود وهي لا تزال تقف بمكانها:
-مين قالك ما يمكن أكون بفكر أقتلك إزاي؟!
اتسعت عينه قليلا غير مبديا أي تفاعل، هو فقط منبهر بطريقة تفكيرها المختلفة ومفاجآتها التي لا تنتهي.
تبسم قائلا،وهو ينهض مغادرا الفراش :
– بالله فكري في حاجة ما تشوهش جمالي.
فقالت بهدوء:
-السم هيكون مناسب.
اقترب منها وسمح لثغره بالابتسام، إنه صباح شيق لم يقضي مثله من قبل، مال بعنقه للأسفل حتي يستطيع النظر إليها عن كثب:
-توقعت إنك هتجبيللي الفطار على السرير اول ما أصحى.
حركة رأسها قليلا وهي تجيبه:
-ليه عليت سقف توقعاتك لحد كده؟
قال مجيبا:
-لأن إنهاردة أول يوم في اتفاقنا المفروض تخليني أحبك وأظني أقرب طريق لقلب الراجل معدته.
سحبت أنفاسها بهدوء وهتفت وهي تتمعن في تعابيراته عن كثب:
– أنا مش هخليك تحبني، أنا هخليك تؤمن إن فيه حب، طريق معدتك مش وجهتي أصلا.
فرد طوله وابتعد عنها قليلا مما أشعرها بفارق المسافة بين طولهما، وهتف مغترا:
– مستحيل أقف قصاد ست ما أعرفش أترجم نظراتها، مهما حاولت تخبي زيك كدا بالظبط، أنا أقدر أعرف حتى الكلام اللي قولتيه بينك وبين نفسك، وأنا عارف إني وسيم حتى وانا نايم وانا صاحي،صعب ما تنبهريش بيا أو ما تحبنيش.
تراجع قليلا مستعرضا جسده الرشيق، ثم قال مبتسما:
-لو حابة تنازلي عن الشرط أنا موافق.
ابتعدت عنه بصمت أبلغ من الجواب.
استدار تاركا إياها تزفر أنفاسها بعدما شعرت بأمعائها تتمزق من فرط القلق، نظراته كانت تخترقها كأنما يضعها تحت المجهر.
اتجه نحو الحمام، راقبته بدقة هذا هو هدفها الأول من الاستيقاظ قبله.
يستحم كثيراً صباحا ومساء،ياليته يغسل روحه لمرة واحدة، يهتم برائحة يكاد يكون يستحم بالعطور، يحافظ على تمارينه الصباحيه قبل أن يتناول شيء، يشرب ماء مقطر يخالطه بعض الخضروات أو ما يسمى مشروب الديتوكس، يمشي على نظام صارم ولا يخالف أيا منها، هذا ما جعله يحافظ على شبابه حتى هذا العمر.
……
على طاولة الطعام
أفسح لها الكرسي لتجلس بمنتهى الذوق، هذا الزيف الذي يتقنه أمام الآخرين يجعل فرائسة تقع كالذباب مع أول ضوء يعطيه.
يتبع “وسيم” اللباقة أمام الآخرين كعادة مزمنة، بينما هو في داخله إن إنفرد بإمرأة سينسفها نسفا، لكن
وجهته الإجتماعية تمثل درع قوي لها، خاصتا أمام والداته وأخته الذي يتضح عليهما التدين والالتزام وطابع الاستقراطي قديم .
كارمن كانت تسترق النظر بطرف عيناها، بينما والداته كانت ترمقهم بجمود.
لاحظت “نجمة” أن وسيم يأكل قسط صغير من الطعام لا يتناول الخبز أبدا رغم تعدد أصنافه على الطاولة، الآن تتابع تصرفاته وتتطلع على نظام حياته الذي لم تكن تلاحظه من قبل فقط لتصل لعمق شخصيته التي بدت بوادرها سريعا، فهو معقد للغاية في حميته الغذائية، مهوس بمظهره، يظهر عكس ما يبطن، وإنتقائه للكلمات والحركات ماهي إلإستار يغطي بها على نفسيته المشوهة وعقده نفسية وسيكوباتيته مقيته.
أدركت صعوبة الأمر لكن بنظرها لا شيء مستحيل.
هتفت والداته بغضب دفين، وهي توجه له شاشة هاتفها:
-إيه الفضايح دي؟!
ظهر صوته وصورته عبر أحد البرامج التلفزيونيه التي تقتات على المشاكل الأسرية طمعا في الشهرة والإنتشار.
كان يتحدث عن حلا وما حدث معه، اغلق الهاتف وحدق بوالدته بوجه بارد وقال:
-مشكلة بحاول أحلها، حضرتك عندك اعتراض؟!
تحدثت والداته وعلى لازالت غاضبة:
– قولتلك الف مرة جوزاتك الكتير دي هتبوظ سمعتك.
لم تجد نجمة على وجهه اي انفعال يحافظ بشدة على تعابيره وكأنه شيء لا اراديا.
أمسك بيد نجمة على فجأة، وقربها من فمه وهو يحدق بوجه والداته قائلا بهدوء:
-الأمل في نجمتي أكيد هتكون الأخيرة مش من نفس بلدك.
اتم جملته بلثم ظهر يدها، وأصابها بقشعرينه جعلتها تسحب يدها سريعا، بعدما ظهر الإنزعاج على وجه والداته، وجعل كارمن تنهض عن الطاولة بلا أي إعتذار.
…جميع الحقوق محفوظة لدي صفحةبقلم سنيوريتا…
جلست “نجمة” في وسط القصر تراقب تصرفات العائلة التي نشأ فيها وسيم تحاول أن تجمع كل الخيوط
لتعرف أين تضع قدمها وكيف تتخذ خطواتها الأولي نحو قلبه.
غادر وسيم القصر، ورأت الآن كيف تحولت والداته من السيدة الراقية المحترمة سليلة الانساب إلي إمرأة أخرى، بدلت ملابسها لجيب قصير وحررت شعرها القصير بقصة كاوبوي وأمسكت بالسيجار بين أصابعيها تنفس الدخان وهي تجلس على كرسي في وسط القصر.
لم تمنع نجمة نفسها من الاقتراب منها ونظرات العجب والدهشة تسيل من عينيها.
لم تسنح لها الفرصة المرة السابقة رؤية هذا التحول بسبب مغادرتها الفورية بعد مغادرة وسيم المنزل.
لاحظت هي هذه الدهشة فأشارت لها بالجلوس قربا منها، وضعت ساق فوق الأخرى فظهرت ركبتيها من أسفل تنورتها القصيرة.
قالت بتعجرف وهي تنفس الدخان بالهواء:
– انت ضيفة في البيت هنا، ياريت ما تعديش الخطوط الحمراء وتحاولي تدخلي في اللي مالكيش فيه.
سألتها نجمة هي تحدق في هيئتها بتكهن:
-قصد حضرتك على اللبس ولا السجاير؟!
هتفت بنبرة قوية:
-كل حاجة.
ساد الصمت لبرهة، حتى قالت مجددا:
-انتِ عارفة إنك مش أول ست يتجوزها وسيم وطبعا مش الأخيرة، بس إنت الوحيدة اللي إتجوزها هنا.
رمقتها بإذدراء وتابعت:
-أول واحدة تدخل القصر ده وتطلع على أسراره يا ترى هتبقي ذكية كفاية وتقطعي لسانك ولا أقطعهولك أنا.
لم تكترث نجمة لتهديدها المبطن، كانت بحاجة للوصول لشيء معين فقط.
هتفت ببساطة:
-ما تقلقيش يا طنط، انا ما يهمنيش غير وسيم وبس.
أطاحت الأخرى برأسها، واستمرت بنفس دخانها الذي كان سلوى وحدتها الأليمة من زمن.
سألتها نجمة بتكهن:
-بس هو إزاي حضرتك بتدخني، على الرغم إن إبنك محافظ كتير على صحته ؟!
نظرت إليها نظرات خاوية، وجاوبت بعدما عبئت صدرها بالنكوتين ثم دفعته مرة ثانية:
-وسيم ما اترباش معايا، أنا سيبته لأبوه في المملكة وهو عنده خمس سنين.
ذاد فضول نجمة لمعرفة الباقي، وتسائلت:
-إيه السبب؟! يعني أقصد ليه سبتيه؟!
شردت قليلا ثم جاوبتها:
-جيت زيارة لولدي وانا معايا كارمن عندها سنة ، وباباه بعتلي ورقة الطلاق، ورفض يبعت وسيم وانا كمان رفضت ابعتله كارمن.
لم تقتنع “نجمة” بذالك التبرير لكنها كانت مضطرة لتقبله مؤقتا، ووفرت عليها عناء الإجابة على سؤالين وإكتفت بواحد:
-ايه اللي يخليكي تنزلي بطفل واحد؟!
ردت عليها بجمود:
– وسيم كان طفل شقي جدا وخفنا عليه من الطيارة فسيبته مع المربية بتاعته هناك ومع أبوه.
رغم أنها متأكدة أن هناك حكاية أخرى إلإ أنها سايرتها قائلة:
– وباباه اتجوز تاني؟!
ردت بعصبية وهي تدفن عقاب سبجارتها في الصحن الكرستال الذي بجوارها:
-طبعا اتجوز، وأكتر من واحدة، اصلا مستحيل يعوض غيابي بواحدة.
أومأت نجمة بهدوء، فاستدارت لها لتجزها قائلة:
– مش عارفة إزاي إبني اختارك، انت مش شبه أي واحدة كان على علاقة بيها،زمانه دلوقتي بتسرمح مع اتنين تلاتة من اللي يعرفهم حتى وانت على ذمته مستحيل تملكيه، وانتِ اكيد هيرميكي في أسرع وقت.
نهضت نجمة من كرسيها وقالت بتقبل:
-واضح اني هطول شوية، أصلي زي حضرتك تمام
مستحيل يعوض غيابي بواحدة.
..جميعالحقوق محفوظةلدي صفحةبقلم سنيوريتا….
الأخبار الأخيرة أثارت الرأي العام، خاصتا لشهرة حلا ومكانة وسيم وتسريب مقطع من مشاجرتهم الأخيرة بالإستوديو.
كل هذا كان سبب في ضغط نفسي مضاعف ل”حلا” فما عادت تتحمل أي تعليق سلبي ولا ترأي فيديوهات إنفجارها عليه والتي كانت سببا في شن هجوم عليها.
كما عاد وسيم يبتز الصحافة بوسامته ليبرز أكثر كرجل ثري ووسيم تم إستغلاله غير مبال بما يطول حلا خاصتا وهو يريد بشدة إنهائها ولا تقوم لها قائمة أبداً.
..جميعالحقوق محفوظةلدي صفحةبقلم سنيوريتا…
في القصر
عاد بعد منتصف الليل، في الغالب لم يكن يعود هنا كثيراً، لكن لعبته الجديدة تثير فضوله ويرغب في ان يكون قريبا.
كانت جالسة على كرسي قريب من الشرفة تحدق بضوء القمر بتأمل.
ابتسم فور دخوله وسأل بتلاعب:
-معقول قمر قاعد مع قمر.
تعرف أنه يتلاعب بالألفاظ لأجل غرض كاذب، مطت جانب فمها وقالت دون أن تلتف إليه:
-ما اتوقعتش انك ترجع.
كان اتخذ خطواته اليها فقال عندما اقترب منها بهمس طاغي الاثارة:
-ما اقدرش أتأخر عنك
لم تبالي كثيراً بتلاعبه، ظلت كما هي تحدق بالسماء وتتأمل النجوم في هدوء قاطعه هو متسائلا:
-الله مش هتقومي تحضرليلي الحمام وتشوفي طلباتي.
نهضت ببطء نحو غرفة الملابس تبحث بين أدراجه عن ملابس مناسبة للنوم، واثناء ذلك شعرت بأنفاسه الحارة تخترق مدارها تجمدت قليلا عندما مد يده من جوارها وهو يقول:
-ايه رايك انا شايف ده مناسب!
تقلصت من شدة ضغطه عليها، وإكتفت بالايماء.
ابتعد قليلا بعدما تأكد من إرباكها، ثم ابتسم ابتسامته الخبيثة لفوزه المؤقت بتشتيتها.
تحرك نحو الحمام وهو يهتف وكأنه لم يفعل شيء:
-اعملي حسابك هتسافري معايا بكره.
ادهشه قراره وتبعته وهي تسأل:
-ليه، ايه السبب؟
استدار ليوليها وجهه بالكامل بغطرسة :
-عندك مانع؟!
قالت بجدية:
-ايوة انا مش عايزة ابعد عن أبويا وأمي.
حرك كتفه بلا مبالاه متزامنا مع قوله ببرود:
-دا أمر، مش باخد رأيك
لوح بطرف سبابته ببطء مسترسلا:
-خلي بالك من الفرق يا نجمتي.
نبرته المسيطرة وغطرسته جعلتها تكظم غيظها مؤقتا، الرحلة معه ستكون صعبة فليس من اليسير قضاء ٣٦٥يوم مع مختل نفسي لا يعترف بالمشاعر.
قالت بتمالك:
-انا عارفة الفرق، بس انت اللي مش عارف إن أنا مش جاموسة هتسحبها من هنا لهنا من غير رغبتها ورضاها.
تجمدت ملامحه وهو يعاينها، مغرية جدا لكسر هذه الشوكة التي تتسلح بها، من قال أنها حيوان هي بالنسبة له أحقر من هذا.
-انا اخر همي رضاكي على فكرة، مستحيل أسمح لحد ياخد قرار مكاني
كان متنبأ بردة فعلها، ولحَّت عليه الرغبة بسحقها الآن.
ظلت تحدق به في صمت ثم جاوبت بنفور:
-مستحيل طبعا لأن قراراتك دي قررات واحد مختل.
أفتعل الغضب وخطي باتجاهها وهو يصدح عاليا بصوت جهور:
-انت نسيتي نفسك ولا ايه؟! المختل دا اللي أواكِ في بيته، وستر عليكي، لولايا انا كان زمانك ميتة بفضيحة يتوارثها الأجيال.
تعالت أنفاسها وهي تحاول تنظيمها وعدم الانفلات بينها وبين أعطائه سبب لضربها كلمة واحدة عليها أن تحذر قبل أن تبعثر كرامتها على أرضية الغرفة.
إبتعدت عنه خطوة ولانت ملامحها ثم رسمت إبتسامة خفيفة قبل أن تستدير بالكامل من وجهه وهي تقول:
-شكرا لذوقك.
أذهلته بهذا الرد والتفاعل لم تذهله فقط بل وأزعجته، تجاهلها الإهانة جعله يأكل نفسه تماما كالنار إن لم تجد ما تأكله أكلت بعضها.
وقف قليلا يراقب عودتها للجلوس بهدوء ونظراتها التأمليه للسماء، وكأنها تراقب شيء خفي.
ثم تراجع ليختفي بالحمام ويطفئ جسده المشتعل تحت المياه المنهمرة.


