رواية السيد وسيم الفصل الخامس عشر 15 بقلم ياسمينا احمد – تحميل الرواية pdf

صنعت نجمة في شقته تغيير فارق جعله يهتز بل ويخشى تفوقها عليه، تريه الدنيا من منظورها بشكل جديد ومختلف لم يجربه قط في زوجاته السابقات.
كانت تعرف واجباتها فلا تنتظر منه ان يخبرها بشيء تقوم بكل شيء بعكس غيرها مما ظنوا أنهم تزوجوا من شاب ثري ولابد أن يوفر لهم كل سبل الراحة.
جعلت للبيت روح مختلفة وملئته سكينة ودفء لم يجربهما من قبل.
عاد من العمل فرأها تقف بالمطبخ كالعادة تنسق وترتب طعام رائحة شهية لكنه ثقيل جدا على معدته التي إعتادت كل ما هو خفيف وصحي.
هتف وهو يعاينها في المطبخ المكشوف:
-انت ما بتعبيش ابدا؟
ردت بابتسامة بشوشة وهي تلتف له:
– انا أتعب لو إرتحت.
شرد في ابتسامتها اللطيفة وفوضوية شعرها وملامحها الجميلة يستحيل تكون أجمل إمرأة عرفها لكن بداخلها
طاقة تجعله يشعر بالراحة والإنجذاب، وكأنها الأم التي أرادها لنفسه والزوجة التي يتمناها اي شخص.
حاول الصمود وهو يبعد بصره عنها ويسأل سؤال بعيد عن ما يدور في خلده الآن:
-يا ترى عامله ايه غريب انهاردة؟!
تحركت نحو الرخامة التي تفصلهم، وتحرك هو الآخر ليلتقي بها.
قالت بحماس:
-صنية بطاطس بالفراخ، روعة ورز بالشعرية وما نستش السلطة وتخيل الحلو ليه؟!
-هنودي كل دا فين؟! انا هعمل اكل لنفسي كلي انت الاكل بتاعك.
سكتت قليلا وهي تحدق به بتحدي:
-هتاكل من اللي عملته، انا مش هرمي حاجة
قال وهو يرفع احد حاجبية:
-انت عايزة تسلكي أقرب طريق لقلب الراجل؟!
ردت بهدوء دون أن تعطيه امارات الغضب التي
ينتظرها:
-انا ما بحاولش اتقرب ليك انا بسلي نفسي، واصراري انك تاكل معايا دا عشان ما بحبش ارمي اكل.
اضافت وهي ترفع ذقنها بغرور:
-ثم إني واثقة إنك هتقتنع بوجة نظري دا لو ما كنتش اقتنعت.
كلماتها هدوئها الذي يريد ان يحذر ما ورائه، طريقتها المختلفة في فهمه والضغط على مواطن لم تطأها نساء من قبلها.
لا تعتبر اي إهانة موجهه إليها، بل تعتبرها سؤال تجيبه بدبلومسيتها وتضع حدًا خفي لا يستطيع تجاوزه.
رفع طرف بنانه ليضعه اسفل ذقنها وحدق بعينيها العسلية الفاتنة واقترب ببطء وكأنه ينجذب إلى الضوء كالفراشة، وبخفة شديدة ابعدت يده وقطعت عليه ما نوى، ظل يحدق بها بحقد على رفضها المباشر له.
الرجل يتعلق بالمرأة التي ترفضه لا التي ترغبه.
قالت غير مباليه به:
-هتغدا معايا صح.
رمقها بضيق وهو يهتف:
-عايز اسالك سؤال؟!
طرقعت باصبعين واشارت نحوه، وقالت بمرح:
-نفس اللي انا بفكر فيه، عشان كده عملت زلابيا ونويت نلعب سواء لعبة سؤال وجواب.
رفض هيمنتها هذه المرة واستخدم اسلوبه الهجومي قائلا بصرامة:
-لاء مش عايز العب، انا عايز اجاية واضحة.
اشارت له وهتفت:
-انت لو سالت أي سؤال وانت متعصب كده هيبقى بايخ، واكيد انت حابب تحافظ على صورتك قدامي، وانا كمان لو اتسالت سؤال وانا جعانة هضطر اكذب فلو انت عايزة اجابة صريحة وانا عايزة سؤال مترتب، ياريت نتغدى ونهدى ونقعد نسأل ونجاوب براحتنا.
ظل ينظر لها بضيق ود لو يحطم كل الاطباق التي حولها فوق رأسها، لكنها كانت لا تبالي وبدأت في الغرف.
وهي تقول بانشغال:
-حضرتلك الحمام ما تتأخرش عليا.
جميع الحقوق محفوظة لدي صفحة بقلم سنيوريتا ![]()
تناولوا الغداء بصمت، ووجهته نحو الشرفة بعدما اختفت قليلا لتعود بصنية بطبقين من الزلابيا والشاي وبعض من المكسرات، كان لونها الذهبي مغري وطريقة تقديمها لها شهية حيث وضعت إلى جوارها بولاتان من الشيكولاتة البيضاء والداكنة، واعواد خشبية لالتقاطها من الطبق وغرسها أيما شاء.
استرخت أمامه وقالت بإرتياح وهي تلتقط كوب الشاي:
– يلا نبدأ.
سأل بفظاظة:
-انت كنتي تعرفي مين قبلي؟!
هذا السؤال الجارح، الذي يخدش أي شخص، طرحه هو ليجد سببًا لإغضابها واستفزازها.
تحكمت في غضبها وهتفت بهدوء رغم الجرح الذي وضع عليه الملح:
-أحنا كنا عايشين في محافظة ريفية، الناس بتعرف عن بعض اللي مستور قبل المعروف، لو كنت عرفت راجل كانت البلد كلها هتعرف، لكن انزل واسأل عن بنت
الشيخ جابر، وانت هتتأكد إنك غلطان في كل شكوكك.
ابتسم نصف ابتسامة ساخرة، وقال بمكر:
-ممكن يكون من بره البلد.
مال بعنقه وهو يحدق لها فاحصا:
-ممكن زميل في الجامعة مثلا؟
ردت بشيء من الحنق:
-وانت عرفت كام واحدة في حياتك؟!
قال بحمئية ذكورية :
-انا راجل.
ردت عليه بجدية :
-مافيش حاجة اسمها انا راجل وانت ست، احنا لما نقف قدام ربنا مش هيبقى في تفضيل عشان اتخلقت راجل.
واضافت بضربة قاضية لأماله في إغضابها:
-وانا عمري ما اغلط عشان خايفة من راجل، وإلا كنت رفضت اتجوزك.
رد هازئا:
-عشان كنتِ بايرة.
أوضحت بحدة:
– ما كنتش بايرة، كنت بساعد ابويا.
علق بغموض:
-لازم التاني ماكانش بيدفع كويس
وثبت من مكانها ولوحت بغضب وحذرته:
-انا ما اسمحلكش.
نهض هو الآخر في رغبة لتفاقم الحوار.
-انا اللي أسمح وما اسمحش مش انت.
تداركت ما فعلته وتراجعت للخلف لتأخذ مساحة بعيدة عنه، وصرحت ب:
-انت طالما قبلت بالوضع، ما لكش تتكلم تاني اعرف واحد عشرة انت قبلت يبقى ليه بتمن عليا بقرار اخده كان ممكن ما تخدوش؟!
إدعى الانفعال كي يقترب منها بحجة واضحة، ثم هتف
وهو يشير بإبهامه نحو صدره:
-عشان كرامتي، انا بحاول اتغاضى بس كل ما بفكر في الموضوع بحس بإهانة.
لم يعد لها خطوة اضافية لقد التصقت بالجدار وهو قبالها، حدقت فيه بأعين مترقبة خطوة جنونية تقفز في عينه، بترتها بقول:
– وانا مش رضيالك الإهانة تقدر تسبني وكأنك ما قبلتنيش قبل كده.
هذا فعلا ما أغضبه، شعر فوران في جسده بالكامل من هذه الفكرة الاكثر تعذيبا من عدم نيلها، وفجاة اطبق عليها ليدفعها للجدار ويده حول عنقها، يهتف بشراسة:
-مستحيل أسيبك، مستحيل أسيبك بعيد عني متر.
تحشرج صوتها وهي تقبض على يده وتحاول إقصائها بعيد عنها :
-أفهم من كده انك حبيت.
خشي أن يقولها خشي فعلا أن يخسر الرهان لكن عينيها البنية التي تناظره تخترق عمق روحة وتلتف حول قلبه،
رغم أنه يقبض عليها بإحكام، يشعر وكأنها هي من تقبض عليه.
ظلت تحدق في عينه وتحاول كشف المستور فلم ترى سوي أمواج متلاطمة تتضارب وعاصفة تنذر بهلاك وشيك.
تهربت من قبلة عميقة كان يسرقها دون إذن وتحت وطأة الضغط وهربت نحو غرفتها وأغلقتها عليها.
خلفت فراغ كبير بعد انسحابها، فوجد نفسه وحيدا وسط زهورها، والشاي والزلابيا صنع يديها، كل شيء منها هى لكنه لم يملكها.
جلس بتعب من فرط الالم، لا يصح ان تقلب قواعده وتزلزل ثوابته هي ليست سوى إمراة مؤقتة مصيرها محتوم سيتركها ما إن تيقن من هدمها تماما.
لكن ما فعلته هذه المراة أشبه بدولة وطأها ليحتلها فسُجن بها وأسوارها عالية.
