Uncategorized

رواية الوكر الفصل الخامس 5 بقلم مريم محمد – تحميل الرواية pdf


الفصل الخامس ( هجوم مفاجئ)

                                              

الناس إللي عملت ذنوب في الأشهر الحرم إللي عدت وأنا للأسف منكم، ينبغي أن نقول هذا الدعاء 

+

اللهم إن كنت قد عصيتك فهذا ليس استخفافا بك ولا إستهتارا، ولكن من ضعف نفسي فإنها تأمر بالسوء فسامحني و إليك قربني و عن عصيانك يا رباه جنبني وأبعدني .

+

هتاخد ثواب كل واحد يقوله بسببك، ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

الفصل الخامس من رواية الوكر، متنسوش الڤوت ورأيكم ♡.

_____________________________________________

الصمت يلف المكان، لم يكن هناك أحد غيرهما.

+

جلست دارين على المقعد الخشبي بثقة معتادة، بينما جلس هو بجوارها، لا يتحدث، فقط يحدّق بها وكأنه يحاول استيعاب وجودها، لأول مرة، يشعر بأن هناك فتاة تستحق أن يُطيل النظر إليها، ليس لأنها فائقة الجمال، بل لأنها تحمل بساطة آسرة، بشرتها خمرية، أنفها صغير، وعيناها السوداء الواسعة أشبه بعيون الغزال، تحيطها رموش كثيفة، يزينها كحل أسود يمنحها سحرًا خاصًا.

+

رفعت خصلاتها الناعمة للأعلى في حركة عفوية، وبينما تفعل ذلك، انفتح الباب فجأة، ودخل شاب متوسط الطول، ملامحه عادية، لا يحمل وسامة مميزة، لكنه كان يحمل بين يديه قفلًا حديديًا، بينما يُحكم العسكري قبضته على ذراعه، يدفعه للأمام بقوة، ملامحه كانت شاحبة، عينيه زائغتين، ونفسه متقطع، كان بالكاد في بداية العشرينات، وعلامات الخوف مرسومة على وجهه كلوحة واضحة.

+

بمجرد أن وقعت عيناه على معتز، تحرك نحوه في ارتباك، يهتف بصوت مرتعش:

معلم معتز، أقسم بالله ما عملت حاجة.

+

لكن العسكري لم يمنحه فرصة، دفعه ليجلس بعنف على المقعد، بينما تراجع معتز للخلف قليلًا، عاقدًا ذراعيه وهو يشير بعينيه القاتمتين نحو دارين:

المحامية بتاعتك، كانت عاوزة تكلمك.

+

التفت الشاب المرتبك نحو دارين، نظراته تائهة، غير واثقة، لكن أمامه، كانت تجلس بثبات، شفتيها تحملان ابتسامة هادئة، نبرتها خرجت مطمئنة، واثقة:

إزيك يا علي؟ أنا دارين، المحامية بتاعتك.

+

ازدرد ريقه بصعوبة، تهربت نظراته، وصوته بالكاد خرج:

أنا معملتش حاجة… صدقيني.

ـ ممكن تهدى وتحكيلي الحقيقة من غير أي كدب؟ أنا هنا عشان أطلعك براءة، بس لازم تفهم إنك لو خبّيت عليّ حاجة، مش هعرف أساعدك.

+

ـ هحكيلك، والله العظيم، ضحى دي أنا مقربتش منها، أنا كنت عند شمس لما مامتها كانت في الشغل.

+

                

أجابته وهي تحرك رأسها بالنفي:

بس يا علي، أنت كنت نازل متوتر…

ـ أنا كنت متوتر ومصدوم من إللي حصل واللي شوفتوا.

+

ـ شوفت أي؟

ـ شوفت كرم وجثة ضحى وكان في سكينة في صدرها وكانت مقتولة.

ـ طيب، على كلامك، مش أنت اللي قتلت ضحى… شمس فين وكنت بتعمل أي عندها؟

+

تسارعت أنفاسه، وامتلأت عيناه بالدموع، وكأن الإجابة وحدها كانت تثقل صدره أكثر:

مش عارف، والله ما أعرف هي فين أخر مرة شوفتها لما كانت طالعة عند ضحى تشوفها بتصرخ لية ومن بعدها مشوفتهاش.

+

دارين زفرت بهدوء، نظرت إلى الجالس بجوارها، كان معتز ساكنًا، لكنه لم يكن هادئًا، عيناه تتابعان الحوار بتركيز حاد، ملامحه متماسكة لكن خلفها طوفان مكتوم، عادت بأنظارها نحو علي، سألته:

أحكيلي علاقتك بشمس أي؟

+

لأول مرة، تغيرت نظرات علي، ارتبك بوضوح، وكأن السؤال أصابه في مقتل، وجه نظرة خاطفة نحو معتز، قبل أن يعود إلى دارين بنظرة تحمل مغزى خفي، لم يُمهله معتز لحظة، جاء صوته حادًا، باردًا:

قول يا علي، علاقتك إيه بشمس؟

+

تراجع علي للخلف، ازدادت ارتباكه، صوته خرج بالكاد مسموعًا وهو يهرب بعيناه من معتز ويوجهة نحو دارين:

أنا هحكيلك إنتِ بس.

+

لم يدرك كيف حدث الأمر، لكن فجأة، وجد يد معتز تطبق على عنقه بعنف، عيناه تشتعلان بغضب مكبوت، صوته انفجر في الغرفة:

هتحكي قدامي يا علي.

ارتجف جسد علي، أنفاسه اختنقت، وكاد يسقط فاقدًا للوعي، بينما دارين تحاول إبعاد معتز عنه بكل ما أوتيت من قوة، عيناها ممتلئتان بالدهشة من تحوله المفاجئ، لم يتركه معتز إلا حين اقتحم العساكر الغرفة، أمسكوا به وأبعدوه عن علي، لكنه كان لا يزال يصرخ، نبرته مشبعة بالغضب والألم :

الحيوان استغل موت أخوها… اللي هو صاحبي!

+

وضعت دارين يدها على ذراع معتز في محاولة لتهدئته، همست برجاء:

معتز، عشان خاطري، اطلع برا دلوقتي.

+

لكن غضبه لم يهدأ، أشار نحو علي الذي كان يرتجف في مكانه، وصاح بصوت مشحون بالغضب:

ابن الكلب ده أستغل ضعفها!

+

قبل أن يتفاقم الأمر، دخل الضابط المسؤول، صوته جاء هادئًا لكن حاسمًا:

أستاذ معتز، وطي صوتك واتفضل استنى برا، عشان ميحصلش مشاكل لو سمحت.

+

لم يكن أمام معتز سوى المغادرة، غادر وهو يتنفس بغضب، وعاد الهدوء إلى المكان، جلست دارين مجددًا، نظرت إلى علي، كان شاحبًا، أنفاسه متقطعة، عينيه زائغتين.

+

        

          

                

فسألته وهي تحاول السيطرة على الأجواء:

قول يا علي، أهو معتز خرج.

+

ظل صامتًا للحظات، وكأنه يحاول أن يجمع شتات كلماته، ثم خرج صوته، مهزوزًا، مختنقًا، لكنه كان كفيلًا بأن يقلب كل شيء رأسًا على عقب:

أنا كنت عند شمس بغرض أني أقرب منها عشان تخاف بعدين وتتحايل عليا أني أتجوزها بعدها لاني كنت بحبها .

وضعت دارين يديها على وجهها بتعب، تحاول استيعاب حديثه، ثم عادت للسؤال بصوت هادئ لكنه يحمل قلقًا دفينًا:

شمس عندها كام سنة؟

+

تنهد علي، وكأن ذكر اسمها وحده يثقل أنفاسه، ثم قال بصوت خافت:

شمس قدّي… 22 سنة.

+

رفعت حاجبها بشيء من الدهشة، لكنها حافظت على هدوئها:

علاقتك معاها بدأت إزاي

مرر يده في شعره بتوتر، عيناه تهربان من نظراتها، ثم اعترف بصوت متحشرج:

بحب شمس من وأنا صغير..ولما أخوها مات حاولت أقرب منها بكذا طريقة.

+

شعرت دارين بوخزة فضولية تتنامى داخلها، كيف مات أخيها؟ لكنها دفعت فضولها جانبًا، فهذا ليس الوقت المناسب، ركزت على النقطة الأهم وسألته بجديّة:

قولي إللي حصل بالتفاصيل.

+

نظر إليها مطولًا، وكأن شريط الذكريات يُعرض أمامه، شفتاه ترتجفان قليلًا، ثم هبطت دموعه بصمت وهو يعود بذاكرته لذلك اليوم المشؤوم…

+

كانت أمامه، فتاة فاتنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ملامحها الرقيقة متناقضة مع عاصفة الدموع التي هطلت على وجنتيها، نظراتها المتوسلة تمزقه، وصوتها المتهدج يناديه برجاء:

روح يا علي عشان متندمش، أنا مش بحبك، ولو فضلت تاني صدقني ممكن تموت.

+

صرخ بعصبية، مذعورًا، غاضبًا، قاذفًا بالمكواة التي كان يكوي بها خصلاته على الأرض، صوته انفجر كالرعد:

بس أنا عاوز أتجوزك يا شمس، سيبك من العيّل كرم ده، بس أنتِ لو موافقتيش أنا هقتلك.

ارتجفت خطواتها للخلف، ووضعت يديها على بطنها المرتجفة، همست بخفوت وكأنها تكلم نفسها أكثر مما تكلمه:

“مش هتقدر… وأنتهى الكلام لغاية كدة روح بقى.

+

حاول الإقتراب منها، نظرت إليه باشمئزاز وهي تحاول دفعه بعيدًا، ثم بصقت كلماتها بحدّة:

قولتلك غور أنت عارفني ممكن أقتلك بدم بارد.

+

قبل أن يتحدث، أذناه التقطتا صرخة حادة آتية من الطابق العلوي، تراجع للحظة، لكن شمس، التي كانت غارقة في صدمتها، قالت بتوتر:

ده صوت ضُحى؟

+

        

          

                

نظرت له بجمود، وغادرت الشقة وهي تنطق بحذر:

روح يا علي، وأنا هطلع أشوفها ضحى مالها.

+

تركها تغادر وهو محاصر بتشنجات الغضب التي تملأ وجهه، تسرع أنفاسه وتثقل خطواته، ولم يكن يدري وقتها… أنها لن تعود مرة أخرى.

بعد عدة دقائق ينتظرها، لكنها لم تهبط، أستمع لحركات في الأعلى وأنين مكتوم، صعد بهدوء محاولًا أن لا يراه أحد، دفع الباب ودخل الشقة ولكن الصدمة أيقنت وجهة وهو يرى كرم يقف وجثة ضحى أمامة والدماء تملأ يد كرم.

+

عاد علي إلى الواقع، عيناه هاربتان من وجه دارين، كأن مجرد النطق بالحقيقة سيسحقه:

معرفش هوا عمل كدة لية، وفين شمس.

+

تنهدت دارين، وهي تسأله بعينان حذرة:

متاكد أنه كان فوق.

أوما برأسة بتأكيد، فسالته مرة أخرى:

معندكش أي معلومة عن مكانها؟

نفى برأسه بيأس، فسألت مرة أخرى ونبرة تعلوها الاستحقار خفي نوعًا ما :

أي علاقة كرم بشمس؟.

+

وجهة نظرة للأسفل بخجل مكتوم قائلا:

حبيبتوا، بس أنا كنت بحبها من قبلوا.

ـ وهوا كرم كان صاحبك؟

أوما براسة، ثم أردف بصوت مضطرب، شبه راجٍ:

بس بلاش تقولي حاجة لمعتز، لو عرف أني كنت هعمل فيها حاجة هيقتلني!

+

حركت دارين رأسها بأسى، كلماتها جاءت هادئة لكنها قاتلة:

أنا آسفة، يا علي، بس الكلام ده هيتقال في المحكمة… لأنه طريقك الوحيد للبراءة.

+

قبل أن يجيب، فتح الباب بقوة، دخل العساكر وأمروا علي بالتحرك، كان يناظرها بنظرات تملؤها الحزن كأنه على وشك الغريق، وقبل أن يغادر، دخل معتز، وجهه ممتقع بالغضب، نظر نحو دارين وسألها بحدة:

قالك إيه؟

+

تلاقت عيناها بعينيه، احتبست الكلمات في حلقها للحظة قبل أن تهمس بأسى:

هحكيلك، والله… بس بعد ما أتكلم مع كرم.

+

جلس بجوارها، وترك نفسه يغرق في أفكاره، في كل شيء كان يجب أن يفعله، ولم يفعله، في وصية صديقه التي لم يستطع تنفيذها، في والدة صديقة التي صارت تعمل رغم المال الذي يرسله كل شهر، في شقيقة صديقة التي… تدمرت تمامًا بين يوم وليلة.

شعر بوخزة في قلبه، ألم لم يعرف له اسمًا، لكنه كان موجودًا، وكان يؤلمه بشدة.

+

بعد لحظات، دخل الشاب الآخر مكبّل اليدين، لكن على عكس “علي”، لم يكن يبدو عليه التوتر أو الندم، كان طويل القامة، يتمتع بوسامة ملحوظة، لكن أكثر ما لفت الانتباه إليه هو بروده. جلس على المقعد بلا استعجال، ألقى بنظرات هادئة على دارين ومعتز، ثم استرخى للخلف، وكأن ما يحدث لا يعنيه.

+

        

          

                

لكن كان هناك شيء آخر… شيء صامت دار بينه وبين معتز، نظرات طويلة، جامدة، وكأنهما يتحدثان بلغة لا تحتاج إلى كلمات.

+

قطعت دارين هذا الصمت بتساؤل يحمل شيئًا من الاستغراب:

أنا المحامية دارين كمال، كنت عاوزاك تحكيلي بالضبط إللي حصل اليوم ده… ومن غير كذب.

+

تنهد الشاب قليلًا، اقترب للأمام وسند كفيه على الطاولة، ثم تمتم ببرود وكأن الأمر لا يعنيه إطلاقًا:

أنا كنت عند شمس… ومعرفش إيه اللي حصل لضحى ولا مين قتلها.

+

ضيّقت دارين عينيها وهي تراقبه، صوته كان هادئًا أكثر من اللازم، وكأن هذه مجرد محادثة عادية لا تتعلق بجريمة قتل، مالت نحوه قليلًا وقالت بنبرة حازمة:

الكذب مش هيفيدك، قد ما هيضرك، لو قولتلي الحقيقة كاملة، أوعدك هحاول أخفف الحكم عنك، من إعدام لحبس بس، أظن كده أهون.

+

نظر إليها “كرم” طويلًا، وكأنه يزن حديثها داخل عقله، ثم حرّك كتفيه بلا مبالاة، قال بصوت خافت لكنه قاطع:

ولو إعدام مش مشكلة… هيكون ظلم، وكلكم هتتحاسبوا يوم القيامة عن موتي.

+

راقبته دارين بتمعن، ثم نظرت إلى معتز وكأنها تسأله بعينيها: “إيه رأيك؟” لكنه لم يرد، بل اكتفى بتشديد نظراته نحو كرم، وكأنه يحاول تفكيك طلاسمه.

+

عادت دارين بنظرها نحو المتهم مرة أخرى، وقالت بهدوء:

كنت عند شمس، أوكي… بس كنت نازل ليه متوتر ومتعصب؟

+

تجاهل كرم نظرات معتز العنيفة نحوه، وحدّق في دارين مباشرة وهو يجيب بلا اهتمام:

كنت متخانق معاها.

+

_”وإيه سبب الخناقة؟”

+

حرك كرم يده المقيدة ببطء، ثم قال بجمود:

كان فيه واحد عاوز يقرب منها غصب عنها، وكنت غيران عليها واتعصبت عليها… فمشيت.

+

لم تُظهر أي ردة فعل، فقط واصلت التحقيق:

وشمس فين دلوقتي؟

رفع حاجبه، وكأن السؤال لم يعجبه:

معرفش.

+

ضيّقت عينيها قليلًا، هذه الإجابة لم تكن مرضية:

متعرفش إزاي؟ على كلامك إنت آخر حد نازل من عندها، والباب كان مقفول بالمفتاح… شمس مش جوه، راحت فين؟

+

نظر إليها نظرة فارغة، ثم قال بجفاف:

يمكن ماتت مع صاحبتها ضحى.

+

راقبته دارين بحذر، لم يكن صريحًا، لكنه أيضًا لم يكن يبدو عليه الكذب، واصلت الضغط عليه:

علاقتك بضحى كانت عاملة إزاي؟

+

        

          

                

_”مكانش ليا علاقة بيها.”

+

_”وعلاقتك بشمس؟”

+

_” بحبها.”

+

_”وعلاقتك بعلي؟”

+

_”كان صاحبي.”

+

مالت دارين للأمام قليلًا، نبرة صوتها أصبحت أكثر جدية:

وأما هو صاحبك، ليه حطيت تهمة القتل عليه وأنت عارف إنه بريء؟

+

ابتسم كرم، ابتسامة خفيفة لكنها لم تحمل أي دفء، وقال بهدوء مستفز:

أنا بقول الحقيقة… محطتش حاجة فيه أنا بقول معرفش مين إللي قتل.

+

قالت بصوت متلاعب وخبيث:

بس هوا بيقول إنه طلع لقاك أنت وجثة ضحى!

حرك كتفية بلا إهتمام وهو يسألها ببرود:

يقول اللي يقولوا، بس هوا قالك هوا كان عند شمس لية؟

أومات برأسها دون أن تتحدث، فأقترب للأمام قائلا بصوت ثقيل يشبوهة الحزن الخفي:

وهوا الصاحب إللي يخون صاحبوا ويحب حبيبتة، هيكون صعب عليه يحط تهمة قتل فيه؟ هوا بيتهمني أن أنا اللي قتلت، ومش بعيد أو الأكيد أن هوا اللي قتل ضحى، بس أنا مبتهمهوش عشان أنا معرفش.

+

لم ترمش دارين، فقط تابعت حديثها بصوت أكثر هدوءًا:

وأنت عرفت منين أنه كان عند شمس يا كرم؟

عاد للخلف وأجابها بنفس البرود:

كنت في الأوضة بسمع خيانة صحبي ليا، وبعدين هوا مشي، وأنا خرجت أتعصبت على شمس ومشيت وراه.

رفعت إحدى حاجبيها وأستمرت قائلة

أنا مش ظالمة، دايمًا باجي مع الحق، لو لقيت إنك بريء، هسيب قضية علي تمامًا، ولو إنت القاتل، وقولت الحقيقة هساعدك… هخلي الحكم عليك أخف.

+

رفع كرم رأسه قليلًا، لأول مرة بدا عليه شيء من الاهتمام:

وهتعمليها إزاي؟

ابتسمت دارين بزاوية فمها، لكن عينيها ظلتا حادتين:

أسرار المهنة بقى.

ضحك كرم ضحكة قصيرة بلا صوت، ثم قال:

وأنا قولتلك الحقيقة كلها، مفيش حاجة بكذب فيها أنا كنت عند شمس ومعرفش مين إللي قتل ضحى ومشيت من عند شمس ومعرفش هيا فين.

+

راقبته دارين، شعرت بأن هناك شيئًا ما ينقص، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف، قبل أن تتحدث، دخل العساكر ليأخذوه. وقف كرم بهدوء، لم يقاوم ولم يظهر أي انفعال، لكن… قبل أن يغادر، استدار نحو دارين للحظة، ونظر إليها نظرة غريبة.

كانت عيناه مليئتين بشيء غامض… لم يكن الخوف، ولم يكن البراءة، ولم يكن أيضا الكذب.

+

كانت ابتسامته الأخيرة… خبيثة، ابتسامة ثعلب يغادر الغرفة، تاركًا خلفه فريسته تتساءل: “ما الذي فاتني؟”

+

خرجت دارين من المحكمة، خطواتها كانت مترددة قليلاً، وكأنها تحاول استيعاب ما حدث في الداخل، لكنها لم تبتعد كثيرًا قبل أن يعترض طريقها معتز، يقف أمامها مباشرة، عيناه تضيقان بغضب مكبوت.

+

        

          

                

قال بصوت متحجرش، لكنه كان واضحًا في عصبيته:

علي قالك إيه جوه؟

+

توقفت لحظة، تشعر بحدة نظراته، ثم زفرت بهدوء وبدأت تحكي، أخبرته بكل شيء أخبرها به علي، كيف بدت حالته، كيف حاول الدفاع عن نفسه، كانت تتحدث بسرعة، كأنها تحاول إخراج كل شيء قبل أن تتراجع.

+

لم يرد معتز فورًا، فقط ألقى نظرة جانبية إلى المكان، ثم قال بهدوء غريب:

ماشي.

استدارت بجانبه لتكمل طريقها، لكن فجأة…

+

صوت انفجار صغير دوّى في المكان، تلاه طنين حاد في أذنيها، وكأن الهواء نفسه قد انشطر إلى نصفين، لم تفهم ما حدث بالضبط، فقط شعرت بجسد ثقيل يدفعها بقوة، ثم اصطدمت بالرصيف، أنفاسها تتسارع، قلبها ينبض بجنون.

+

فتحت عينيها بسرعة، رأت معتز فوقها، يحميها بجسده، أنفاسه متسارعة، وصدره يعلو ويهبط وكأنه يخوض معركة غير مرئية، لكن أكثر ما لفت نظرها كانت عيناه… كانتا تغليان بالغضب، ليس الخوف، بل الغضب الصافي.

+

رفع رأسه قليلاً، يتفقد المكان بعينين حادتين، قبل أن يعود إليها ويضغط على كتفها بقوة، صوته منخفض لكنه يحمل حدة مقلقة:

قولتلك بلاش النهاردة، مكنش ينفع تكوني هنا دلوقتي.

+

تجمدت ملامحها، لم يكن مجرد خوف عليها… بل كان تحذيرًا، وكأن هناك شيئًا أكبر بكثير مما تراه.

+

حاولت أن تستوعب ما يجري، لكن قبل أن تنطق، دوت طلقة أخرى، شعرت بها قبل أن تراها رأت كيف ارتعش جسد معتز للحظة، كيف قبض على ذراعه بقوة، وكيف تلطخت يده وملابسها بالدماء.

+

ـ”معتز!” شهقت بصوت مرتعش، لكنها لم تستطع التحرك من أسفله، كان المكان خطيرًا، كان عليهم المغادرة فورًا.

+

بلا تفكير، حاولت القيام، أمسكت به وسحبته نحو السيارة، فتح الباب، لكنه لم يتحرك… كان الألم ينهشه.

+

ـ “اركب!” صرخت وهي تدفعه، لكنه لم يتحرك بسرعة كافية، فاستدارت إلى الجانب الآخر وجلست خلف المقود، قلبها ينبض بجنون وهي تدير السيارة بأسرع ما يمكن.

+

كان يتألم، لكنها لم تستطع حتى التفكير في ذلك الآن، كانت عيناها تمتلئان بالدموع وهي تمسك بالمقود بإحكام، تحاول أن تسيطر على ارتجاف يديها وروعة قلبها.

+

بينما كان هو يمسك بذراعه النازف، رفع هاتفه بصعوبة واتصل، صوته كان خافتًا لكنه ثابت:

ابعتلي رجالة على شقة الزمالك حالًا.

+

قطع المكالمة، ثم ألقى نظرة سريعة عليها، كانت شفتيها ترتجفان وهي تحاول أن تسيطر على أنفاسها المتلاحقة، لم تقل شيئًا، لكنها كانت تبكي بصمت، تبكي دون أن تتوقف عن القيادة.

+

        

          

                

أما هو، فلم يكن أمامه سوى أن يميل رأسه للخلف، يتنفس بصعوبة، ويتقبل الحقيقة هذه لم تكن مجرد مصادفة كان أحد منهم مستهدف للقتل.

+

كانت تقود السيارة بجنون، أنفاسها متسارعة وكأنها تركض لا تقود، قبضت أصابعها على المقود بقوة حتى ابيضّت مفاصلها، بينما إلى جوارها كان معتز يضغط على ذراعه المصاب، وجهه شاحب، لكن عينيه ظلّتا متماسكتين رغم الألم، مدّ هاتفه نحوها بصوت خافت متقطع:

رِني على دكتور أسامة.

+

التفتت إليه بعينين زائغتين، وكأنها لا تستوعب ما يقول، ثم صاحت بانفعال:

إحنا هنروح المستشفى!

هزّ رأسه نافيًا بسرعة، قال بصوت حاسم رغم ألمه:

لا، مش هينفع… رِني على أسامة.

+

لم تفهم لماذا يرفض، لكن حدّته لم تترك لها مجالًا للجدال، فامتثلت لأمره على الفور. وضعت الهاتف على أذنها، وما إن أجاب الطرف الآخر بصوته الهادئ حتى قالت بسرعة، دون حتى أن تأخذ نفسًا:

دكتور أسامة، معتز بيقولك تعالَ شقة الزمالك!

ارتفع صوت أسامة فورًا بقلق:

ماله معتز؟ في إيه؟

+

رفعت الصوت لأقصاه حتى يسمع معتز، فتمتم بصوت مُجهد، لكنه ثابت:

أسامة… أنا اتصابت في دراعي، تعالَ الشقة بسرعة.

ساد صمت قصير من الطرف الآخر، ثم جاءه صوت أسامة متوترًا لكنه حاسم:

اكتم الدم بأي حاجة، ما تخليش النزيف يزيد يا معتز، حاول تفضل صاحي، الطريق واقف بس هحاول أجي بسرعة.

+

لم تنتظر أكثر، نزعت الشال عن عنقها ولفّته حول جرحه بإحكام، تضغط عليه بيدين مرتعشتين، تحاول وقف النزيف الذي لم يكن يُبدي أي نية للتوقف.

+

صرخت فجأة، وهي تضرب المقود بيدها بتوتر مفرط:

معتز! أروح فين؟ فين شقة الزمالك؟

+

رغم ألمه، لم يستطع منع ابتسامة ساخرة من التسلل إلى شفتيه، قال بصوت مُرهق، لكنه لا يزال يحمل أثر سخريته المعتادة:

يا بنتي، بطلّي أوڤر… خلاص، مفيش حد ورانا.

+

ثم فتح هاتفه، ضغط بضع مرات على الشاشة، قبل أن يمدّه إليها قائلًا:

امشي على الطريق ده.

+

تناولت الهاتف، عيناها تتنقلان بينه وبين الطريق، بينما عقلها يحاول استيعاب كل ما يجري…

________________________________________

+

كانا يسيران بخطوات هادئة في شوارع تلك المحافظة الغريبة عليها، الهواء البارد يتسلل بينهما، وصمت إليان المعتاد يفرض سطوته على الحديث، لكنه لم يكن صمتًا ثقيلًا، بل كان يحمل في طياته شيئًا مريحًا، كأن حضوره وحده يخلق هالة من الثقة لا تحتاج إلى كلمات.

+

        

          

                

رزان، التي لم تستطع كبح فضولها بعد اليوم الذي أتى ببعض الفائدة من إتخاذ مكان المنطقة التي تسكن بها الفتاة، نظرت إليه بطرف عينها قبل أن تسأله بلهجة غير متوقعة من الجدية:

قولي يا إليان، عندك إخوات؟

+

أدار رأسه نحوها قليلًا، شبح ابتسامة لمعت في عينيه قبل أن يجيب بنبرة هادئة لكنها تحمل سطوة ملك:

لديّ ثلاث… أميرتان، وأمير… وأنا الملك التالي بعد أبي.

+

رفعت حاجبيها بدهشة، تمتمت وهي تحاول استيعاب كلماته:

وأنت هتبقى إمتى الملك؟

+

_”عندما أعود، سأحل مكانه، وإذا أتيتِ معي، ستكونين الملكة لي.”

+

وقفت مكانها لثوانٍ، وكأنها استقبلت صدمة لا تعرف كيف ترد عليها، ثم رمقته بنظرة متوجسة قبل أن تضحك بسخرية خفيفة:

إزاي يعني؟

+

نظر إليها بعمق، كأن كلماته القادمة تحمل ثقلًا أكبر من مجرد إجابة، لكن تسلسلت أبتسامة خفيفة على وجهة:

في الماضي، خُطّ بالقلم أن “منقذة العالم ستكون زوجة الملك، أيا كان من هو في الزمن الحالي” وأنا الملك إذا ستكوني زوجتي يا منقدة.

+

شعرت بقلبها يضرب صدرها، لكنها تمالكت نفسها سريعًا وهي تحاول تحويل الحديث لمسار أقل غرابة:

إخواتك عندهم كام سنة؟

+

ـ الأميرتان، الكبرى في الخامسة وعشرون عامًا، والصغرى عشرون عامًا، أما الأمير، فلديه تسعة عشر عامًا.

+

ـ وأنت عندك كام؟

+

ـ في الثامنة والعشرون من عمري.

+

ـ آه… أوكي.

+

مر الحديث بينهما كنسيم خفيف يسبق العاصفة… لكن العاصفة لم تتأخر.

+

خرجَا إلى الطريق الرئيسي، كان فارغًا إلا من بعض السيارات التي مرت بسرعة البرق فجأة، ودون أي مقدمات، ظهر أمامهما عدة رجال ملثمين، التفّوا حولهما بسرعة مذهلة، أجسادهم الضخمة وعضلاتهم المشدودة جعلت المشهد يبدو وكأنه معركة خاسرة سلفًا، كانوا سبعة، يحملون أسلحة موجهة مباشرة إليهما.

+

تحرك إليان في لحظة خاطفة، تمركز خلفها، ظهره يحمي ظهرها، بينما عيناها تجولان بين الرجال، تقيس المسافات، تحسب الاحتمالات.

+

انطلق صوت أحدهم خشنًا، يحمل لذة خبيثة:

ارمو السلاح، يمكن نرحمكم.

+

لم تتحرك رزان، فقط ضيقت عينيها قليلًا، نظرتها لم تخلُ من تحدٍّ صامت، عندها، همس إليان بصوت بالكاد يُسمع، نبرته ثابتة كما لو كان هذا مجرد تمرين عادي:

هل لديك خطة؟

+

لم تلتفت إليه، لكنها أمالت رأسها قليلًا، وكأنها تبتسم رغم الموقف، همست بسخرية ممزوجة بالحذر:

إنت مستعد؟

+

أطلق ضحكة قصيرة، لم تحمل أي مرح، فقط وعدًا بالخطر، شدّ قبضته على سلاحه قبل أن يجيب بصوت خافت لكنه مشحون بالقوة:

دائمًا.

+

وفي لحظة خاطفة، انطلقت المعركة بينهم، كل منهم يتمنى الإنتصار على الآخر.

_____________________________________________

+

أنتهى الفصل متنسوش رأيكم والڤوت، هيحصل أي مع دارين ومعتز لما يروحوا شقة الزمالك، وهل معتز ممكن يفقد الوعي؟

ورزان وإليان هيعرفوا ينتصروا على الرجال ولا لا؟

مستنية توقعاتكم يا حلوين ♡♡♡.

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى