رواية الوكر الفصل التاسع 9 بقلم مريم محمد – تحميل الرواية pdf

الفصل التاسع( الجلسة الأولى )
الفصل التاسع، بعنوان “الجلسة الأولى” من رواية الوكر.
“وَوجْهٍ كَوجهِ الصَّبْحِ مُبيضٍّ
وَعَينَيْ كَعينِ الغَزَالِ المُكَحَّلِ”
___________________________
السماء كانت صافية، لكن هناك قلوبًا مغيمة لا تشرق فيها شمس، مهما أرتفعت درجة الحرارة، تبقى متجمدة بنيرانها الخاصة.
+
اليوم لم يحمل أي شيء مختلف، مجرد صباح آخر في جدول الأيام، إلا أن شيئًا واحدًا كسره عن المألوف، تلك اللحظة التي هبطت فيها دارين من السيارة،
ببنطال أسود ينحت ساقيها، وبالطو ثقيل يحتضن جسدها من لسعات الهواء الباردة، كانت تمشي بثقة معتادة أكتسبتها من أبيها منذ صغرها، تترك خصلاتها البنية منسدلًا بحرية، بينما تخفي عينان الغزال خلف نظارتها الشمسية، لتصبح كأنها درع لا يسمح لأحد بقراءة ما يدور خلفه.
+
خلفها، يتحرك رجلان بخطوات ثابتة لم يكونا سوى الحراس الذين قرر والدها وضعهم في ظلها منذ يومان،
عبرت بوابة المحكمة، لم تلتفت كثيرًا، لكن أنظار الجميع كانت تتبعها، البعض يراقبها بصمت، والبعض يهمس بتكهنات عن حضورها اليوم.
وحين أستقرت نظراتها أخيرًا، وجدتهم هناك… “علي” و”كرم”.
+
على وجه علي، كان التوتر كفيلاً بأن يفضح كل ما يدور داخله، وداخل عقله، بينما كرم ظل كما هو… باردًا حد التجمد، كأن الأمر إلذي هو به لا يعنيه على الإطلاق.
+
دون أن تنشغل بهما أكثر، التفتت قليلًا على وقع خطوات شخص يقترب منها بهدوء وكان “معتز”.
أقترب بخطوات هادئة يضع يداه داخل جيب البالطوا الي يرتديه، عيناه لا تفارق الرجلين خلفها، قبل أن يردف بصوت ثابت متسائلًا:
جاهزة؟
+
أومأت برأسها بإيجاب بسيط، فمد يده إلى كتفها، بلمسة خفيفة لا تعرف إن كان يقصد بها الاطمئنان أم شيئًا آخر، صوته كان أكثر خفوتًا وهو يسألها بعينان قلقة:
أنتِ كويسة؟
+
خفضت نظرها قليلًا إلى يده التي أستقرت على كتفها، ثم أعادت رفعه نحوه، وصوتها يخرج هادئًا يخفي أرتباكًا داخلة:
الحمدلله… شكرًا يا معتز.
لم يرد عليها، فقط إبتسامة خفيفة رسمت على زاوية فمه، قبل أن يتراجع إلى الخلف، عائدًا إلى مقعده، تركها مرتبكة وتشعر بالتوتر يحيط بها.
+
تابعت خطواته للحظة، ثم رفعت يدها قليلًا لتخفي إبتسامة لم تستطع كبحها، لا تعلم لما أتت الإبتسامة لكنها كانت غصب عليها دون شعور أو وعي منها.
+
بعد لحظات، أرتفع صوت القاضي بضربة قوية على الطاولة، أمر الجميع بالصمت، فخيم الهدوء على القاعة.
جلس القاضي في مكانه، وأستقرت النيابة في موقعها، ثم بدأ في فتح القضايا المماثلة، بينما عادت نظراتها نحو علي، الذي زاد توتره أكثر مما سبق.
+
رفع القاضي نظارته قليلًا، وقلب في الأوراق قبل أن يقول بصوت ثابت وقوي:
نفتح الجلسة الثالثة، في القضية رقم (7) لسنة (2025)… النيابة أولًا، تفضلوا.
وقف وكيل النيابة، وسحب نفسًا طويلًا قبل أن يبدأ حديثه بنبرة لا تخلو من القوة والصرامة والصدق:
سيادة القاضي، إحنا قدام قضية قتل حصلت في شقة المجني عليها “ضحى”، والمتهمين “علي” و”كرم” و”شمس” كانوا موجودين في العمارة وقت وقوع الجريمة، الكاميرات أثبتت وجودهم هناك وعلي تحديدًا، بصماته كانت على باب الشقة، بناءً على المعطيات دي، النيابة شايفة إن علي هو المذنب الرئيسي، لكن كرم وشمس برضه تحت الشبهة، ولو إن الأدلة ضدهم مش قوية زي علي.
+
لحظة صمت وتوتر، الجميع منتظر براءة من يخصهم ولا أحد يبحث عن الحقيقة كاملة الجميع يرى بعينه من المذنب ومن البرئ ولا أحد يرى بعين الآخر، تحولت أنظار القاضي نحو دارين، نبرته لم تقل صرامة وهو يسألها:
عندك رد؟
+
نهضت من مقعدها بثقة، وتحركت بخطوات ثابتة أمام القاضي، قبل أن تتحدث، صوتها هادئ لكنه محمل باليقين:
يا فندم، عندي دليل واضح بيأكد إن موكلي “علي” ماكانش في مسرح الجريمة وقت وقوعها، لو شوفنا الكاميرات، هنلاقي إنه لما طلع لشقة “شمس”، كان شعره مفرود (أستريت)، ولما نزل بعد حدوث الجريمة، كان شعره مجعد (كيرلي)، وده دليل قاطع إنه كان بيكوي شعره وقت وقوع الجريمة، وكيّ الشعر بياخد ساعة على الأقل، والساعة دي هي نفس الساعة إللي قُتلت فيها ضحى، المكواة أصلًا اتلاقت في شقة “شمس”، مش في شقة “ضحى”، يعني مستحيل يكون هو القاتل!
+
تحول الصمت في القاعة إلى توتر مكتوم.
القاضي تأملها بهدوء، ثم أعاد النظر إلى وكيل النيابة، وسأله بنبرة حادة:
إيه تعليق النيابة؟
وكيل النيابة لم يفقد رباطة جأشه، ردّ بصوت هادئ محمل بالحكمة والعقلانية:
لكن يا فندم، “علي” كان موجود وقت وقوع الجريمة، ووجود بصماته على الباب دليل إنه لمس مكان الجريمة ودخل، وكرم برضه مش بعيد عن الشبهة، مكنش فيه غيرهم هما التلاتة في العمارة وقتها، يعني حد فيهم القاتل.
+
وجه القاضي نظره إلى “كرم”، وسأله منتظر حديثة، يراقب أقل تصرفاته:
طيب، يا كرم… إحكيلنا حصل إيه بالضبط؟
لم يبدُ كرم متأثرًا بالجو المتوتر حوله، بل ردّ ببرود تام:
ماعرفش حاجة عن إللي حصل، ولا شوفت جثة “ضحى” أصلاً، كنت عند “شمس” ومشيت، وبعدها ماعرفش حاجة.
+
ضيقت دارين عينيها، قطعت الصمت بصوت حاد وهي لا تزيح أنظارها عن “كرم”:
بس “علي” قال إنه شافك واقف جنب الجثة وإيدك فيها دم!
+
هز كرم رأسه، بنفس البرود القاتل، وردّ بثقة وهو يتعمق في عيناها:
“علي” يقول إللي هو عايزه، أنا ماشوفتش حاجة.
+
تجاهل القاضي المشاحنة القصيرة بينهما، التفت إلى وكيل النيابة وسأله بنبرة صارمة:
وبالنسبة لـ “شمس”؟ في أي جديد عنها؟
+
أجاب وكيل النيابة بأسى وهو يهز رأسه بالسلب:
لحد دلوقتي الشرطة لسه بتدور عليها… مالهاش أي أثر من بعد الحادث.
+
مرّت لحظات ثقيلة، لم يقطعها سوى صوت القاضي الذي نطق بالحكم المؤقت بصرامة لا تحتمل الجدال مع أي أحد:
بما إن الاتنين كانوا متواجدين وقت الجريمة، وبما إن التحقيقات لسه جارية، وبما إن “شمس” لسة مختفية، المحكمة بتقرر حبس المتهمين “علي” و”كرم” احتياطيًا على ذمة التحقيق.
+
انتهت الجلسة.
+
بينما كان العساكر يقودون “علي” و”كرم” إلى الخارج، غادرت دارين القاعة بتفكير فيما يحدث وفيما سيحدث وفي الحقيقة، أفكارها تتلاعب داخلها جميعها تؤدي إلي الهاوية، وأثناء سيرها، سمعت ذلك الصوت الذي صار مألوفًا لها منذ الآن:
دارين.
+
أستدارت.
+
وجدته يخرج من القاعة بنفس ثقته المعتادة، اقترب منها، وعيناه انتقلت بسرعة بين الرجال الذين يقفون خلفها، وكأن مجرد وجودهم يزعجه، لكنه لم يعلّق، فقط قال بهدوء وعينان تتمنى الموافقة:
تيجي تشربي معايا حاجة؟
+
ترددت للحظة، نظرت إلى الرجال خلفها، ثم إليه، قبل أن تحسم قرارها وهي تنظر للرجال:
هركب معاه في العربية.
+
صلاح، أحد الرجال المكلفين بحراستها وهو القائد عليهم نوعًا ما، أقترب بخطوة للأمام عنهم، صوته كان يحمل احترامًا لكن أيضًا اعتراضًا واضحًا وهو يقول:
مينفعش يا هانم، “كمال باشا” أمرنا منكونش بعيد عنك.
+
تنهدت بضيق، لكن صوتها خرج مُصرًّا وهي ترفع احدى حاجبيها:
تقدروا تمشوا ورانا بالعربية، بس معلش، متضغطوش عليا، إحنا هنتكلم في شغل وقضايا مهمة سرية.
+
زفر صلاح بضيق، لكنه لم يجادل، فقط أومأ بإيجاب، قبل أن يفسح لها الطريق سامحًا لها:
تمام يا هانم… اتفضلي.
+
تحركت بجانب معتز نحو السيارة.
وعلى بعد أمتار، في السيارة الأخرى سيارتها هي، كان صلاح يضع الهاتف على أذنه، صوته حاد وهو يقول:
ألو يا باشا، “دارين هانم” ركبت مع واحد تبع القضية إللي ماسكاها، وقالت إنهم هيتكلموا في شغل.
+
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
+
خرجت من الامتحان، التعب لم يختفِ تمامًا من ملامحها، لكنه لم يكن جليًا كما كان بالأمس، بل تحسنت حالتها كثيرًا عن أمس، وقفت للحظات، استنشقت الهواء العليل، لكنها لم تتحدث مع أحد، فقط البرود والغرور يحيطان بها كدرع واقٍ. لم يكن الأمر تكبرًا، بل كان هروبًا من التعامل مع الغرباء، فهي لا ترتاح إلا بين أفراد عائلتها، وأي شخص آخر لا يعني لها شيئًا في الحياة، لم تمتثل يومًا إلي الصداقة وهذا الأشياء التافهة كما تراها.
+
تحركت خارج الجامعة، وقعت عيناها على السيارة التي تركها والدها معها، لكن على الجانب الآخر كان هو يقف مستندًا إلى سيارته، يراقبها بصمت وكأنه لا يحب أن أتت أما لا،
لاحظت أن الرجال المحيطين بها يعطونها ظهورهم، وكأنهم تلقوا أمرًا بعدم النظر، عبرت الشارع بخطوات ثابتة، وقفت أمامه، مالت شفتيها بابتسامة جذابة قبل أن تسأله باستغراب: جاي ليه؟
+
رفع ذراعيه ليعقدهما أمام صدره، نظر إليها بعينين هادئتين، ثم قال بصوت منخفض:
جئت للاطمئنان عليكِ، والدكِ طلب مني الإبتعاد عنكِ.
+
حركت رأسها بتفهم، لكن أصابعها عبثت بالحقيبة بلا وعي، توتر طفيف تسلل إلى أطرافها، لم تعرف سببه، لكنها تداركت الأمر سريعًا وقالت بهدوء:
شكرًا لأنك ساعدتني إمبارح.
+
أمال رأسه قليلًا وهو ينفي بابتسامة هادئة:
لا يوجد شكر بيننا، يكفي أن أراكِ بخير رزان.
ارتبكت قليلًا، حركت الحقيبة مرة أخرى وكأنها تبحث عن ثباتها في ذلك الحديث، لكن سرعان ما غيرت مجرى الكلام، سألته بجدية واضحة وهي تتمنى أجابة ترضى فؤادها:
لو جيت معاك، أهلي هيعملوا إيه؟
+
رفع كتفيه بلا مبالاة، نبرة صوته ظلت ثابتة وهو يجيب:
سيبحثون عنكِ في كل مكان.
التوتر بدأ يتسلل إلى عينيها، سألته مرة أخرى بصوت خافت يحمل حزنًا دفينًا:
لو جيت معاك، ينفع أرجع تاني؟
أومأ برأسه ببطء، إبتسامة خفيفة لمعت في عينيه وهو يسألها بسخرية ولكن داخلها إهتمام خفي يتمنى ما يريدة أن يحدث:
هل تفكرين فعلًا في القدوم معي؟
+
ترددت للحظة، ثم همست وهي تنظر إلى الأرض بحيرة:
عاوزة أجرب حاجة جديدة، حياتي بقت مملة.
+
نظر إليها بتمعن، كأنه يحاول قراءة أعمق مخاوفها، ثم قال بصوت أكثر انخفاضًا يبدوا مقنعًا:
حسنًا، فلتأتِ معي، أظن أنكِ ستحبين العالم هناك.
+
رفعت عينيها إليه، وكأنها تحاول التأكد من جديته، ثم قالت بشك:
وهسيب إخواتي وبابا لمين؟
+
لم يغير تعبيره رد عليها بهدوء ساخر:
هل كنتِ تطعمينهم يا فتاة؟ سيعيشون طبيعيًا.
حركت رأسها اعتراضًا، نبرتها حملت شيئًا من القلق:
لا، دارين ممكن يحصل لها حاجة.
تنهد بصوت خفيف، كأنه يدرك أنها تتمسك بسراب، ثم قال بجفاف:
لا أحد يموت من أجل أحد، مع الوقت ستنسين كأنكِ لم تأتي أبدًا.
+
رفعت حاجبها، لم يعجبها حديثه، قالت بإصرار:
لا، بس دول أهلي.
نظر إليها للحظة، ثم قال بجملة واحدة كسرت شيئًا داخلها:
لا تتوقعي شيئًا أكبر من الحقيقة.
+
زمت شفتيها بانزعاج، تبادلا النظرات بصمت للحظات، ثم قالت بحدة:
يمكن أنت معندكش أهل، عشان كده بتقول كده.
+
ضحك بخفة، لم تكن ضحكة ساخرة، بل كانت ضحكة لرجل يعرف جيدًا معنى حديثها، ثم قال بصوت هادئ لا مبالي:
كما ترين، يا منقذة.
+
تنهدت، رفعت رأسها للسماء، تبحث عن إجابة لا تعرفها، ثم همست بحيرة أكبر:
أنا حيرانة.
+
اقترب خطوة صغيرة، صوته كان أكثر هدوءًا من أي وقت مضى:
أنظري لي، في يوم ما سيذهب والدكِ إلى خالقه، شقيقاتكِ سيذهبن مع أزواجهن، ستظلين أنتِ وحيدة، يومها ستتذكرين أنكِ أضعتِ فرصة كهذه، عالمنا جميل، مليء بأشخاص رحماء، يحبون بعضهم البعض، لن تشعري بالغربة على الإطلاق، سترين كم يحبكِ الناس هناك دون معرفة هل أنتِ على قيد الحياة أما لا، وإن شعرتِ بأنكِ غريبة، فلن تكوني غريبة عني.
+
تسلل الحماس إلى قلبها، كلماته أشعلت فيها رغبة لم تعرفها من قبل، شعرت وكأنها تستمع إلى قصة خيالية، حلم أرادت عيشه منذ زمن، لكنها لم تتوقع أن يتحقق يومًا.
+
قطع شرودها عندما قال بابتسامة خفيفة تملؤها الإعجاب مزدوج بالخبث:
هل أخبرتكِ من قبل أن ملامحكِ جميلة؟
+
شعرت بالخجل لأول مرة منذ بدء العلاقة، لم تعتد على سماع هذا النوع من الإطراء، خاصة من شخص مثله، لكنه أكمل وهو ينظر إليها بنظرة مختلفة، لم تستطع فك شفرتها:
عيناكِ الزرقاء كأنها فنجان، وقلبي حبةً السكر.
+
لم ترد، لم تجد الكلمات المناسبة للإيجاب عليه، فقط استدارت وغادرت، عادت إلى سيارتها، قلبها ينبض بسرعة، أنفاسها متلاحقة، حديثه لم يكن عابرًا، كان كأنه خرج من إحدى الروايات التي تقرأها، كأنها تعيش لحظة لم تتوقعها مع بطلها المفضل، هل هذا واقع؟ هل هو الحلم الذي لطالما أرادته؟ هل حقًا تحقق ما كانت تتمناه؟ه
+
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
+
فيلا ضخمة، لم تكن كأي فيلا أخرى يحيط بها عدد كبير من الحراس، جميعهم مدججون بالأسلحة الثقيلة، لا أحد يقترب منها دون تصريح، ولا أحد يخرج منها إلا بإذن، في الداخل، حركة مستمرة للخدم، يتحركون في صمت، ينفذون الأوامر دون نقاش، وكأنهم آلات مبرمجة على الطاعة فقط.
+
في غرفة المعيشة، جلس عدة رجال، جميعهم يرتدون الملابس نفسها، وكأنها زي رسمي لعالمهم الخفي، مصطفى، الرجل الذي يفرض حضوره أينما كان، اتكأ على الكرسي الفخم، إبتسامة باردة تلامس شفتيه وهو يرد بنبرة هادئة:
دي الطبيعة بتاعتنا يا سيف، كل يوم بنتعرض للكلام ده.
+
حرك زيدان نظراته ببطء نحوه، عيناه ثابتتان، صوته يحمل برودًا متعمدًا:
وهوا أنت يا باشا بتطلع إيه عشان يحصل الهجوم ده كله؟
+
ضحكة قصيرة خرجت من فم مصطفى، نظرة تلاعب لمعت في عينيه قبل أن يرد بنبرة تحمل كذبًا ناعمًا:
بنطلع دواء، الدولة رافضة تصدره لبرة، إحنا بنصدره، بنفيد ناس تخف وبنستفاد.
+
رفد، التي كانت تتابع بصمت، لم تتمكن من كتم السخرية التي تجلت في عقلها الذي يقول دواء؟ أه، طبعًا دواء.
+
نظر مصطفى للحاضرين للحظة، ثم نقل بصره إلى الرجل الذي يقف بجواره، قائده في كل شيء، اليد التي تنفذ دون تردد أشار إليه بإيماءة خفيفة قبل أن يردف:
حسان، خدهم للأوضة اللي هيباتوا فيها، جنب أوض التوائم.
+
أومأ له زيدان ورفد، لم يكن هناك جدال، لا وقت للأسئلة. تحركوا خلف حسان خارج الفيلا، حيث اصطفت عدة غرف صغيرة بجانب بعضها البعض، كل غرفة يسكنها رجلان، وقف حسان أمام إحدى الغرف، التفت نحو زيدان قائلًا بصوت ثابت:
دي هتبقى أوضتك إنت وإبراهيم يا سيف.
+
لم يعلق زيدان، فقط أومأ برأسه بينما غادر حسان، دفع باب الغرفة، دخل هو ورفد، لكنها لم تكن غرفة، كانت أقرب إلى زنزانة ضيقة، جدرانها باهتة، لا يوجد بها سوى فراش بسيط، بجواره أريكة قديمة، ومفرشان فقط، لا شيء آخر.
+
قطبت رفد حاجبيها، نظرت إلى زيدان بسرعة قبل أن تردف باعتراض واضح:
ـ أنا مش هنام على السرير أكيد.
قهقه زيدان، نبرة صوته مرهقة لكنها تحمل مرحًا خفيًا:
ـ نامي يا رفد على السرير، أنا هنام على الركنة، متقلقيش.
+
ابتسمت له، لم يكن هناك مجال للشك فيه، كيف لا تثق به وهو الذي ظل معها طوال هذه السنوات؟ هو الذي يعرفها أكثر مما تعرف نفسها.
+
جلست على الفراش، ضمت ركبتيها إلى صدرها، عقلها بدأ يسترجع أحداث الليلة الماضية، كل شيء كان سريعًا، كأنها لم تكن هناك، كأنها لم تشهد بنفسها كيف انتهى الطرف الآخر من المعادلة، الجثث التي تُركت على الطريق بلا اهتمام، الدخان المتصاعد، صوت المحركات وهي تبتعد، وكأن شيئًا لم يكن.
+
خرجت من شرودها عندما اقترب زيدان، جلس أمامها، عينيه تبحثان عن عينيها قبل أن يقول بهدوء:
كنت عاوز أقولك على حاجة.
رفعت رأسها تنظر إليه، سألته بجدية ناعمة:
ـ نعم؟
+
تردد للحظة، لكنه لم يكن رجلًا يتراجع عن قراره، قال مباشرة:
كنت عاوز نتجوز الفترة دي.
تجعدت ملامحها للحظة من المفاجأة، نظرت إليه بعدم تصديق متسائلة:
الفترة دي وإحنا لسه في القضية؟ إزاي؟
+
ـ عادي، عاوز نكتب الكتاب آخر الأسبوع لما نرجع مع مصطفى، وأظن إن أبوكي مش هيرفض، هو عارفني كويس أوي.
+
تأملته، لم يكن يمزح، الأمر بالنسبة له محسوم، وكأن كل شيء كان واضحًا له منذ البداية، سألته بصوت أخفض، وكأنها تحاول استيعاب الفكرة:
بالسرعة دي يا زيدان؟
+
ضحك بخفة، نبرته تحمل ألف ذكرى بينهما صور، ضحكات، مكالمات، طفولة، مراهقة، كل شيء تحرك أمامه كفيلم وهو يسألها:
سرعة إيه؟ إحنا سوا من تانية إعدادي، صباح الفل.
+
لم تستطع منع نفسها من الابتسام، تلاشى التردد، تلاشى المنطق، بقيت فقط حقيقة واحدة، حقيقة كانت تعرفها منذ زمن طويل، وتتمنى بكل جوارحها بأن تأتي، أبتسمت بهدوء وقالت:
وأنا موافقة.
+
لمعت عيناه بسعادة صافية، لم يكن الرجل الذي تبتسم له الحياة كثيرًا، لكنه كان يعرف متى يتمسك بما يجعله سعيدًا، صوته جاء أكثر دفئًا هذه المرة، يحمل وعدًا لا يحتاج إلى كلمات:
ـ عمري ما حبيت ولا هحب حد زيك، إنتِ الوحيدة اللي تقدري تشوفيني في كل حالاتي من غير ما أكون مكسوف، لإنك مرايا ليا يا رفدي.
.
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
+
كان الجو هادئًا نوعًا ما، رغم همسات رواد المطعم وأصوات الأكواب المتشابكة، الجدران مزينة بإضاءة خافتة، تعطي المكان لمسة دافئة، أمام إحدى الطاولات، جلس معتز في مواجهة دارين، يتأملها بصمت بينما تحرك هي الملعقة في كوب القهوة دون أن تشرب، بينهما مسافة قريبة، لكنها مشحونة بالكثير من التوتر.
+
رفع معتز حاجبه قليلًا وهو يبتسم بطرف شفتيه ويردف بتلاعب:
مكنتش أعرف إن المحامية دارين شاطرة أوي كدة.
رفعت نظرها إليه باستغراب أبتسمت بخفة وهي تسأل:
قصدك إيه؟
+
اتكأ بمرفقه على الطاولة، وكأن حديثه لا يحتمل الجدية المطلقة، لكنه لم يبعد عينيه عن عينان الغزال خاصتها:
كنت فاكر إنك بتعتمدي على الحظ شوية، أو على الواسطة، بس النهاردة وإنتِ واقفة في المحكمة… لأ، كنتِ حاجة تانية. قوية، وذكية… وصراحة؟ كنتِ جميلة أوي.
+
حركت دارين عينيها بعيدًا، تحاول السيطرة على ابتسامة خفيفة خطفت ملامحها في ثوان بسبب حديثة:
ما بحبش المجاملات، خاصة منك.
+
ضحك معتز بهدوء، يعبث بحافة الكوب أمامه:
لا مجاملة ولا حاجة، أنا بس استغربت، دايمًا بشوفك شخصية عنيدة، بس أول مرة أكتشف إنك تعرفي تفكري بالهدوء ده، وتدافعي بالطريقة دي عجبني ده .
+
تنحنحت قليلًا وهي تتظاهر بالاهتمام بالطبق أمامها، ثم نظرت إليه وقالت بمشاكسة:
وأنتَ؟ مش ناوي تعترف إنك كنت بتتابعني طول الجلسة؟
ضحك مرة أخرى، ثم مال نحوها قليلًا وهو يقول ببسمة:
أتابعك؟ لا، كنت مبهور، وده فرق كبير.
+
رفعت عيناها تناظر عيناه متمتمة:
أشرب يا معتز.
لم يحرك عيناه عن عيناها، ولم يلقي للشراب نظرًا أو إهتمام فقط سأل بصوت خافت هادئ من أي وقت مضى:
حد قالك قبل كدة أن عيونك عيون غزال، بتسحر إللي قدامك؟
+
شعرت بإرتجاف يسير في أنحاء جسدها، عادت للخلف قليلًا وهي تترك القهوة، سألت بصوت يشبة المرح ولكن داخلة اهتمام كبير:
أنت شكلك أخدت عليا أوي.
سألها وهو يحرك رأسة بالموافقة مردفًا:
عندك مانع؟
+
كانت مستعدة للرد عليه، لكن فجأة، رن هاتفها بنغمة غير مألوفة، رفعت حاجبها، تتأمل الرقم الغريب الذي ظهر على الشاشة ترددت للحظة قبل أن ترد بصوت حذر:
ألو؟
+
في اللحظة التالية، جاءها صوت أنثوي مرتجف، مليء بالذعر، وكأنه يخرج من وسط العدم:
دارين… كرم بريء! وكمان علي، أنا عارفة مين القاتل… حد يلحقني! أنا مش عارفة أنا فين!
+
اتسعت عينا دارين، وقبل أن تنطق بكلمة، انطلقت صرخة مكتومة من الطرف الآخر كانت متألمًا، ثم انقطع الاتصال في ثوان.
أبعدت الهاتف عن أذنها بصدمة، تنظر إلى الشاشة كأنها تتوقع أن يعيد الاتصال، لكنها كانت مجرد شاشة سوداء بلا أي إشارة، أعادت الإتصال ولكن بالطبع أغلق الهاتف تمامًا
+
رفع معتز رأسه ناحيتها، عينيه تحملان نفس التساؤل الذي يدور في عقلها:
إيه اللي حصل؟
+
بلعت ريقها بصعوبة قبل أن تهمس بحيرة:
في واحدة… قالت إن كرم بريء وكمان علي، وإنها عارفة مين القاتل، وبعدها صرخت حد ضربها تقريبًا وقفلت!
+
لم يتردد معتز لحظة، وضع يده على الطاولة وهو يقول بحزم، نبرته هادئة لكنها قاطعة:
لازم نروح المحكمة دلوقتي حالًا تعالي.
+
نهض بسرعة، ودارين خلفه، عقلها يدور بألف سؤال، وقلبها ينبض بتوتر لم تشعر به من قبل، لكنها لم تفكر فقط تحركت خلفه تاركة الأمر له.
+
_____________________________________________
أنتهى الفصل، أنتظروا الفصل العاشر يا أحبابي، متنسوش الڤوت ورأيكم في الفصل وتوقعاتكم للجاي ♡♡♡♡
+
+


