Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل الخامس عشر 15 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل الخامس عشر 15 بقلم داليا الكومي

الفصل الخامس عشر_________________شهر عسل جديد
“عندما يلمس الحب الروح وتتحطم الحواجز ونتحرر من القيود ونحب بلا مقابل من أجل الحب فقط .. وقتها قد نستحق لقب عشاق..”.
أزاح شعرها عن وجهها وسألها بحنان:
– حبيبتي لماذا نتشاجر؟ لا يوجد زوجان يحبان بعضهما البعض مثلنا ومع ذلك نتشاجر كالديوك منذ عودتنا من روما ..
رفعت يدها ولمست وجنته.. أغمضت عينيها تتذكر كل كلمة حب سمعتها منه ..
من المستحيل ألا يكون يحبها .. لا أحد يتقن التمثيل هكذا ثم لماذا يخدعها ويوهمها بحبه؟
هل أموال سعد هي السبب؟ ثم لا يزال أمر سلمى الوقحة عالقًا..
ما حقيقة خطبتهما ولأي درجة وصلت علاقتهما؟ هل قابلها الليلة الماضية كما ادعت؟ هل كانت ستتجرأ على اقتحام الغرفة بتلك الطريقة لو كانت غير واثقة من رد فعل كريم؟
أسئلة كادت تفجر عقلها.. لكن السؤال الأهم .. ماذا سيفعل عندما يعلم الحقيقة عن والدها؟
كان مازال ينتظر إجابتها عن سؤاله .. “لماذا نتشاجر؟”.
سأخبرك السبب .. نتشاجر لأن سلمى مصرة على استعادتك .. نتشاجر لأني مذنبة مخادعة وذنبي يكبلني ويجعلني أشعر بالدونية والحقارة وبسبب إحساسي بالذنب لا أستطيع أن أرفع رأسي .. ربما هي تناسبك أكثر مني .. ربما ستسعدك وأنا أريد أن أراك سعيدًا حتى ولو مع أخرى ..
بدلًا من قول ذلك أجابته بحزن ..
– أتمنى أن أعود إلى روما فهناك كنا سعيدين ..
نفى بقوة:
– لا يا ليلى .. المشكلة لا تكمن في المكان.. أنا أحبك هنا أكثر من روما وغدا سأحبك أكثر من اليوم .. المشكلة تكمن بداخلك .. أنتِ متوترة ومختلفة منذ عودتنا.. صارحيني يا ليلى وافتحي قلبك لي.. ما الذي وتركِ هكذا في اليومين الماضيين؟ لماذا تظهرين ليلى المتحفظة طوال الوقت؟ أنتِ تسمحين لليلى الغبية بالسيادة وتدمير حبنا؟ أنا فقط أريد ليلى حبيبتي التي كانت تذوب بين أحضاني منذ قليل ..
بحبه الواضح الآن أعطاها الفرصة على طبق من ذهب لا توجد فرصة أنسب من تلك هو الآن منتظر .. يتوقع أن تبوح له بسبب اضطرابها أعطاها الفرصة للاعتراف بنفسها أمدها بالشجاعة وبالقوة لتبدأ ..
سهل لها الأمر بلطفه ولباقته وتفهمه ..سوف تبدأ منذ البداية .. منذ أن ولدت في حارة جهنم.. حارة اللصوص والبلطجية ومدمني المخدرات.. ستحكي عن الحارة بأزقتها الضيقة ورائحة مياه الصرف الصحي ومبانيها المتهالكة التي أكل الدهر عليها وشرب.. عن السيدات الجالسات في الأزقة ليل نهار وربما يقومون أيضًا بإعداد أعمالهم اليومية في الخارج .. والدتها كانت تطبخ في الخارج وربما صنعت لهم “المحشي” في لمة مع جاراتها أمام المنزل يومًا ما .. أصل قد يكون وضيع لعائلة محترمة كعائلة علم الدين .. ولا يرقى ليناسبهم .. ستخبره عن جسدها الذي كان يغطيه لدغات الناموس بالكامل بسبب تراكم مياة الصرف وكأنها بندقية جهنم كبندقية إيطاليا مع فارق نوعية المياه ورائحتها وعن جسدها الذي كان أيضًا يتزين بالكدمات التي كانت تسحق روحها قبل جسدها.. ستخبره عن فرج مدمن الشراب القاتل ووالدتها التي قتلت أمام عينيها .. تاريخها الأسود لا بدَّ أن ينكشف الآن ..
أخيرًا قالت ..
– كريم .. كريم.. في الماضي نحن لم نكن أثرياء .. سعد رحل وعندما عاد كان قد أصبح ثريًّا جدًّا.. ارتجفت بقوة لدرجة أن الفراش اهتز تحتهما من رجفتها وليشعر بها.. فورًا أخذها مجددًا بين ذراعيه ومنعها من الحديث بلمسة بسيطة على شفتيها المرتجفتين ..
– حبيبتي ما بك .. لماذا ترتجفين هكذا؟
تمسكت بذراعه بقوة..
– كريم رجاءً اسمعني سأخبرك عن أبي ..
وعيناه لمعت بالرغبة,, مجرد لمسها يبدأ الدورة من جديد .. هذه المرة أسكتها بشفتيه:
– هش .. ليس الآن جميلتي .. سأستمع إليكِ فيما بعد..
***********
استيقظت في الصباح التالي على لمسته وهو يداعب أنفها بوردة حمراء رائحتها الجميلة التي نبهتها فورًا أرسلت موجات من السعادة إلى جميع أنحاء جسدها، لاحظت على الفور أنه يرتدي ملابس الرياضة ويبدوعليه النشاط والصحة:
– صباح الخير يا أجمل مخلوقة في الدنيا .. قطفت لك هذه الوردة بعدما ركضت لعدة كيلو مترات .. لقد أصبحت أشعر وكأني برميل منذ زواجنا.. تعودت على الكسل والعسل..
ابتسمت في خجل وهو استطرد:
– حاولت أن أوقظك للفجر لكنني لم استطع فتركتك تكملين نومك .. أسرعي أريد الفطور .. أنا جائع جدًّا وربما آكل خروفًا كاملًا أو ربما زوجتي الجميلة تكفي .. احمرت بشدة من تلميحه وهو جذبها برقة لتنهض معه.. أدخلها الحمام كي تستحم.. ودخل معها وبدأ في حلاقة ذقنه .. كانت تنظر إليه بخجل .. غمز لها ثم تظاهر بالانهماك في الحلاقة ..
الحياة معه مميزة هو يجعلها تشعر أنها مميزة .. محبوبة ومحمية
مجددًا تخيلته كأب .. هل من الممكن أن يقوم بإيذاء أبنائه .. تذكرت يوم طعن سعد والدماء تتدفق من كتفه ..
نفضت أفكارها بقوة .. كريم لا يمكن أن يفعل ذلك أبدًا .. هو حنون محب بطبعه.. يهتم بحماية من يحب لا إيذائه.
أنهت استحمامها بسرعة تحت نظراته.. كان يفرض وجوده على حياتها كأنه يجبرها على إزالة كل الحواجز بينهما يثبت لها أنه لم يعد هناك ليلى فقط أو كريم فقط ولكن يوجد اتحادهما ..
نزلا سويًّا للفطور .. أخذها للحديقة وجلسا ملتصقان على طاولة صغيرة قال لها بهيام:
– طلبت من أنيسة أن تحضرلنا الفطور هنا..
هواء الصباح النقي فتح شهيتها للأكل .. منظر الطاولة العامرة بالمأكولات تحت المظلة شهي جدًّا لدرجة جعلتها تظن أنها سوف تأكل كل الطعام الموجود عليها بنهم .. وبحركة محببة جلس بجوراها وبدأ في إطعامها بنفسه ..
– أنا إجازة اليوم وغدًا .. هل لديك اقتراح معين؟
استسلمت تمامًا:
– أبدًا .. أنا معك كليًّا.. كما تريد.
ابتسم بخبث:
– ما أريده فعلا سيكون أن نقضي الإجازة بالكامل في غرفتنا .. خجلها جعله يرفع ذقنها بحنان .. سألها بفضول:
– هل ما زالتِ تشعرين بالخجل مني؟
هزت رأسها بالإيجاب .. ليبتسم مجددًا ويقول:
– أعشق خجلك.. ونظراتك التي تهرب من نظراتي وارتعاشة جسدك عندما ألمسك..
كل يوم يثبت لها أن اليوم هو أفضل يوم في حياتها.. ويجعلها تترقب الغد لما سوف يحمله لها من سعادة ..
***
“وكأن الطعام معه يأتى من الجنة ” بعد الفطور قررا قضاء اليوم في الخارج هو وعدها بشهر عسل جديد .. أخبرها:
– كل يوم أقضيه معكِ يا ليلى هو عسل .. كان يريد أن يشركها في كل حياته وإلى الآن هي لم ترَ شركته ومصدر فخره .. وسيبدأ فورًا ..في بداية جولتهما أخذها لزيارة شركته.. لأول مرة تراها ..
أجلسها خلف مكتبه وبدأ في إعطاء بعض التعليمات لرجاله ثم سألها بفضول:
– هل أعجبتك شركتي؟ أعدك أنها قريبًا ستصبح أكبر شركة حراسات في مصر.
كم هو وسيم ومميز .. راقبته وهو يعطي الأوامر لرجاله ويطيعونه بدون نقاش .. علمت كم هو قوي جدًّا ويحجم قوته أمامها كي لا يخيفها.. بل أحيانًا تشعر أن ذلك القوي يعود كالطفل أمامها ..
مد يده لها وسألها بلطف:
– هل أنتِ مستعده للمكان التالي؟
المكان التالي في خريطته كان معرض المجوهرات المسؤول عن تأمينه
همس بحب:
– أنا لدي خصم هنا وقررت استخدامه اليوم ..
اعترضت بقوة:
– كريم صدقني أنا لا أحب المجوهرات .. ولا أريد المزيد ..
وجه إليها نظرة عتاب:
– هل ترفضين هديتي يا ليلى؟ منذ أن وقعت عيناي على تلك السلسلة وأنا أحببتها جدًّا .. ذكرتني بك حبيبتي ..
اختيار كريم كان مميزًا جدًّا ككل حياتها معه .. السلسلة الماسية التي اختارها كانت تشبه علاقتهما بشكل كبير.. رقيقة وفخمة وثمينة ولكنها هشة في الوقت نفسه .. القلب المتدلي منها يعبر عن حبهما .. وبريق الماس وقوته يعكسان قوة كريم والسلسلة الرقيقة تعبر عن هشاشة علاقتهما.. الصائغ هنئهما على اختيارهما المميز ووضع السلسلة في علبة من المخمل الأسود وأعطاها لها.. تناولتها منه ودستها في حقيبتها فورًا في خجل عندما همس في أذنها بخبث:
– سأضعها لكِ بنفسي في غرفتنا جميلتي.
كلماته تحمل تهديدًا خفيًّا .. تهديدًا بالسعادة والحب والأمل والمستقبل ولكن ما لديها يحمل الخراب .. تساءلت كثيرًا عن سبب حب كريم لها دون كل البنات .. هل هو تعويض القدر لها عما عانته في حياتها أم باب ألم جديد عليها احتمال قسوته حينما ينتهى اللمعان وتظهر المعادن الصدئة تحت القشرة .. خرجت من شرودها على صوته يسألها ..
– هل ترغبين في الذهاب إلى مكان محدد؟
إنه يخيرها .. ألا يعلم أن وجودها بصحبته هو الجنة وأن أي مكان طالما هو فيه هو أقصى أمنياتها لكنها تريد الآن مشاركته يومه .. تريد الحياة والاستمتاع .. ترسبات الماضي تمنع عنهم الحياة .. تسبب ألم لا يعلم مقداره إلا من عانى مثلهم ومر بنفس ظروهم ..
اقترحت فجأة:
– ربما ستدهش إذا ما علمت أننى لم أذهب إلى السنيما في حياتي وبالطبع أريد أن أجرب كل جديد معك .. يوجد فيلم غربي يسبب الضجة حاليًّا في دور العرض .. ما رأيك ربما نستطيع مشاهدته؟
– طلبات مدام كريم علم الدين أوامر ..
هي دائمًا ما تثير حيرته بشدة على الرغم من أموالها الطائلة كان دائمًا أول شيء لها معه .. حتى الأشياء البسيطة كالسفر أوالسنيما ولكن مصدر فخره أنه هو من يعلمها الحب ..
اختيارها للفيلم كان موفقًا .. الفيلم قوي جدًّا لدرجة أنها بكت من شدة تأثرها ويده الممسكة بيدها كانت تضغطها بقوة كلما كان يشعر ببكائها يده كانت تطمنئها .. تخبرها أنه معها دائمًا ولا يمكن أن يتخلى عنها أبدًا.
بعد انتهاء الفيلم سألته وهي تجفف دموعها ..
– هل أعجبك الفيلم؟
– جدًّا .. فيلم قوي .. لكني أحب النهايات السعيدة.
ردت بألم:
– من لا يحبها؟ لكن القدر هو من يحدد .. وليست النهايات سعيدة دائمًا في الواقع ..
– لا يا ليلى نحن من نصنع نهايتنا بأيدينا لو أردناها سعيدة فستكون ..
– ليس دائمًا.. إنه النصيب ..
– النصيب الذي جعلنى أحبك يا ليلى لا يمكن أن يفرقني عنك ولو افترقنا لأي سبب ستكون غلطتنا نحن وليست غلطة النصيب، ثم لماذا نتكلم عن الحزن والفراق الآن؟ ألم أخبرك أنى أحب النهايات السعيدة وأسعى إليها.. أنا جائع .. دعينا نأكل الآن فالأكل الآن سيكون أجمل نهاية سعيدة عندما ألتهم صحن المشويات بالكامل..
ضحكتها الخافتة أنبأته أنه استطاع تغيير مزاجها .. دائمًا الحزن موجود في عيونها ويتحين أي فرصة للظهور..
المشويات كانت لذيذة جدًّا وبعد أن انتهوا كان دورها هي الآن في الاقتراح واقترحت الذهاب إلى شركتها لإنهاء بعض الأعمال العاجلة..
– اريد أن اريك شيئًا ..
فور وصولهما عرضت عليه تصميمًا مبدئيًّا لشقة المعادي الذي صفَّر بانبهار:
– رائع، ما هذا الجمال يا ليلى؟! .. لا لا هذه المرة أبدعتِ وتفوقتِ حتى على نفسك.. علقت بألم:
– ربما لأني كنت أحلم وأنا أصممها ودائمًا الحلم يكون أجمل من الحقيقة..
لمس شفتيها بإصبعه ومنعها من الكلام:
– حلمنا سيتحقق طالما نحن سويًّا ..
وبحركة مفاجئة .. أخذها بين ذراعيه وأجلسها على فخذيه بحنان وقال بشقاوة:
– أكملي عملك من هنا ..
حتى العمل في حضوره يتحول لمتعة .. لم تكن تتخيل أن قربه منها سيجعل وقت العمل متعة خالصة .. كان ينظر إليها بحنان وإعجاب .. كان فخورًا بزوجته الجميلة وموهبتها .. يريد حمايتها وتدليلها .. يريدها قوية ناجحة في الخارج وبقوة ألف رجل ويريدها ضعيفة وتطلب الحماية في حضنه.. تلجأ إليه في ضعفها ليمدها بقوته ..
في حدود الثامنة كانت قد انتهت من الأعمال التي تطلبت حضورها شخصيًّا.. قربها اللصيق من كريم أثار لديها مشاعر عدة أهمها الاطمئنان.. ما أروع أن تكون محبوبة.. تثاءبت بكسل فقد حان وقت النوم..
لكنه جذب يدها بلطف:
– انفضي عنك الكسل .. يومنا لم ينتهِ بعد.
حيوية كريم وطاقته لا حدود لها..
مسك الختام كما يقولون.. نزهه في مركب في النيل .. مفاجأته لها
المركب تغادر من كورنيش المعادى في رحلة تمتد حتى ساعات الفجر الأولى .. التخت الشرقي فيها كان مميزًا وأيضًا العشاء كان فاخرًا جدًّا .. النيل الساحر أعاد الدموع لعينيها.. كريم أشار لمبنى سكني ضخم يظهر من بعيد:
– هل ترينه حبيبتي.. منزلنا هناك في ذلك البرج البعيد .. أتمنى أن ننتقل إليه فورًا ووقتها ستعلمين كم أحبك..
ابتسمت في خجل وحاولت تغيير الموضوع تلميحاته الجريئة تسعدها وتخجلها في الوقت نفسه.. تسألت بمرارة .. “هل سيمنحها القدر فرصة وتذهب معه إلى بيته كزوجته؟”.
– أنت حشوتني بالأكل اليوم .. كل هذا الدلال في يوم واحد؟
– لأذكرك حبيبتي بأيام روما .. حتى أثبت لك أن المكان لا يشكل مشكلة وأننا نستطيع أن نكون سعداء إذا فقط سعينا إلى ذلك.. السعادة نسبية يا ليلى أنا على سبيل المثال سعادتى في راحة البال .. طالما أستطيع النوم بدون تفكير أو تأنيب ضمير إذن فأنا سعيد، وعندما أضم زوجتي إلي أكون في قمة سعادتي ونشوتي .. أما حينما أحقق ذاتي في العمل وأكسب الكثير من المال أكون فقط راضٍ لأن المال هو وسيلة للسعادة وليس السعادة نفسها .. أما الحب وراحة البال هما حلمي الوحيد.. سعادتي الحقيقية .. وأنتِ يا ليلى متى تشعرين بالسعادة؟
– فقط عندما أكون معك ..
إجابتها المقتضبة والكافية لم تترك أي مجال للحديث لباقي طريق عودتهما ففي السيارة استغرقت في النوم فورًا وأراحت رأسها على كتفه.. الأمان في وجوده لا يعادله أي شعور آخر ..
ولم تستيقظ إلا حينما أيقظها عند باب المنزل.. ولم تكن تريد الاستيقاظ فكتفه هو الوطن الذي لا ترغب في مغادرته أبدًا .. صعدا معًا لغرفتهما يدًا بيد ولم يترك يدها إلا ليغلق باب الغرفة بالمفتاح ..
ومن شدة إرهاقها استلقت بثيابها على الفراش مغمضة العينين..سمعته وهي شبة واعية, كان يتذمر:
– ليلى هل نمتِ مجددًا؟
هزت رأسها دون أن تفتح عينيها:
– لا.
– حسنًا.. . تعالي إلي .. ألن ترتدي السلسلة؟
فتحت حقيبتها وأخرجت العلبة المخملية التي تناولها منها وأخرج السلسلة بحذر .. فكت حجابها ورفعت شعرها كي يتمكن من قفلها شعرت
بيده تتلكع على رقبتها لوقت طويل .. أخيرًا انتهى .. وأدارها لمواجهته .. السلسلة كانت تلمع بشدة على رقبتها الجميلة ..
– ليلى ..
ضمها إليه بقوة وهي دفنت رأسها في صدره القوي.. شعرت بدقات قلبه تتسارع .. سألها:
– هل تستطيعين سماع ما يقوله قلبي؟ أنه يقول ليلى مع كل دقة ..
تمسكت به أقرب .. لا شيء في الوجود يعادل حضن زوجها وحبيبها .. وحبه وحنانه .. أنها محظوظة, نعم هي محظوظة لأن القدر وضع كريم في طريقها ليعوضها سنوات الشقاء .. ليجعلها تشعر بالأمان بعدما تربت على الخوف.. شدد من ضمها إليه وتمسك بها بقوة حتى ذابت تمامًا بين ذراعيه.
*************
يومان من العسل مجددًا .. حرص على قضاء كل ثانية من إجازته معها .. فعلًا أثبت لها أن بإمكانهما أن يكونا سعداء في أي مكان إذا ما ازيلت الحواجز فيما بينهما.. طوال الثماني والأربعين ساعة الماضيين ركنت أحزانها .. خوفها وضميرها في قفص حديدي بعيد عن حياتهما،
وعودته للعمل اليوم فتحت قفل القفص الحديدى لشياطينها المحبوسة مجددً بعد خروجه قضت ساعة .. ساعتين .. ثلاث ساعات تحاول إلهاء نفسها في أي شيء يبعد أفكارها عن السجن ونزلائه لكنها لم تستطع وأخيرًا استسلمت التقطت هاتفها واتصلت به ..
الذي ما إن سمع صوتها حتى بادرها يقول بحب:
– كيف حالك حبيبتي لقد افتقدتك كثيرًا .. هل افتقدتيني أنتِ أيضًا؟
أجابته باشتياق:
– الحمد لله بالطبع افتقدتك
ثم سألته بلهفة عجزت عن إخفائها ..
– كيف حال السجين الذي ضرب رأسه بالجدار؟
– مازال في المشفى حتى الآن.
– وكيف هي حالته الصحية؟
– لا أدري .. فكما تعلمين أنا لم أداوم في العمل ليومين كاملين ومنذ حضوري اليوم ولدى أعمال هامة تشغلني ولم أسأل عنه بعد
سألته بإلحاح:
– حسنا .. لأي مشفى نقلتموه؟
أجاب بنفاذ صبر واضح:
– حبيبتي البريئة .. هل تعتقدين أننا سننقله إلى دارالفؤاد؟ إلى مشفى السجن بالتأكيد.
– سؤال أخير .. ما اسمه بالكامل؟
الحدة في صوته اخافتها:
– ما خطبك اليوم يا ليلى؟ لماذا كل هذه الأسئلة؟ لماذا تهتمين بالسجين هكذا؟
ارتبكت بشدة مع حدته .. مجددًا تستطيع الاعتراف لكن من أين يشترون الشجاعة لتحصل على بعض منها:
– لا أهتم .. فقط فضول.
عند هذا الحد أمرها بلهجة لا تحتمل النقاش:
– إذًا فلتسيطري على فضولك أو وجهيه إلى مكان آخر .. هل ستخرجين اليوم؟
– سأذهب إلى شركتي.
– حسنًا .. اتصلي بي عندما تستعدين.
– سأفعل .. كما تريد.
– إلى اللقاء الآن ولا تنسي أن تهاتفينى قبل نزولك.
– إلى اللقاء. آه يا ليلى .. كم من فرصة أتتك على طبق من ذهب وكانت مناسبة جدًّا لإخبار كريم بالحقيقة وأنتِ مازلتِ تضيعينها بغبائك .. كم من مرة قررتِ إخباره ثم تتراجعين بجبن .. الجرح مازال مفتوحًا والضمادة التي تخدعين بها نفسك سوف تسقط في أي لحظة ويعود الجرح للنزف مجددًا حتى يقتلك
ولكن كيف سأتمكن من إخباره؟ فهو يجن كليًّا عندما أتحدث عن سجين فكيف سأخبره أنني ابنة أحدهم؟ حتى الهاتف لم يكن حلًا فمازلت لا أستطيع الاعتراف أمامه .. إذا لم يتبق سوى ريم .. هي بالتأكيد سوف تساعدني.. إخلاص ريم ورقتها ربما يتمكنان من تخفيف صدمته ..
شعرت بالاختناق.. كأنه لا يوجد هواء كافٍ في الغرفة .. ورؤية سعد ستفيدها كثيرًا ..فقررت الذهاب لرؤيته.. إنه توأم روحها وبلسم جروحها بالتأكيد سوف يساعدها على تجاوز حيرتها.
منذ يوم مواجهته لريم وهي لم تره وهو لم يحاول الاتصال بها .. غالبًا يشعر بالخجل منها لكنها لا تستطيع لومه فهو لم يكن يتعمد إيذائها .. إنه حتى لم يكن يعلم أنها تستمع إلى كلامه القاسي هو فقط كان يؤذي نفسه وقتها ..
استعدت للخروج .. واليوم شعرت برغبة في قيادة السيارة بنفسها .. ربما بعض الحرية تفيد..
عندما هبطت للطابق السفلي .. حماتها كانت تتحدث في الهاتف
انتظرتها بأدب حتى انتهت من حديثها .. فمن غير اللائق مغادرة المنزل دون إخبارها ..
سألتها بفضول:
– هل ستخرجين؟
– نعم .. سأذهب إلى شركتي لإنهاء بعض العمل.
– أطلعيني على تصاميمك عندما تنتهين فكل تصاميمك مميزة جدًّا .. من عميلك هذه المرة؟
أجابتها بنبرة عادية:
– يمنى الفولي .
شهقت بإعجاب:
– أوه .. ليلى .. هل هي فعلًا جميلة في الحقيقة كما تبدو على الشاشة؟
– نعم .. جميلة جدًّا.
– هل تدرين أنك مميزة فعلا؟ نادرًا ما تثني أنثى جميلة على جمال أخرى.. دائمًا تحاول أن تقلل من جمال الأخريات لتظهر جمالها.
– ربما لأنني لا أهتم لجمالى .. اهتم بعملي فقط ..
ذكر العمل نبه سعاد أنها ربما تكون قد عطلتها عن عملها ذكرتها مجددًا ..
– سأنتظر رؤية التصميم.
فعلًا سعاد لطيفة لكنها ترغب بالهرب الآن .. وليست سعاد فقط هي اللطيف كل عائلتها الجديدة لطفاء كثيرًا وكأنهم يرضعون اللطف مع حليب الأم .. هزت رأسها بالموافقة واستأذنت منها .. صرفت السائق وجلست في مقعد القيادة وانطلقت بنفسها .. لأول مرة في حياتها تقود بمثل تلك السرعة حتى بدون ربط حزام الأمان .. شعرت بشياطينها تغادرعقلها واحدًا تلو الأخر ربما خافت من سرعتها وفضلت الهرب.. لكنها شعرت براحة فورية فور تحررها منهم .. صرخت بصوت عالٍ:
“ارحلوا عني .. إلى الجحيم..” .
منذ أن أهداها سعد سيارة وهو أصرعلى تعليمها القيادة ولكنه أيضًا أصرعلى استخدامها لسائق خاص بها..
أما كريم فلم تسأله أبدًا عن إمكانية قيادتها للسيارة بنفسها .. ولكنه على الأغلب كان سيرفض وربما بصورة أكبر من سعد.. فهو متملك جدًّا ..
ولكنها الآن بحاجة ماسة إلى الإحساس بالحرية .. فتحت نوافذ السيارة .. واختارت طرقًا أبعد من المعتاد لفيلا سعد .. الهواء المتدفق من نافذتها أنعشها .. فتح صدرها .. مُلئت بالأكسجين مجددًا ..
رحلتها لفيلا سعد استغرقت وقتًا أطول كثيرًا من المعتاد على الرغم من سرعتها وربما نالت الكثير من مخالفات تجاوز السرعة لكنها شعرت بأنها أفضل..
********
كعادته في الأسابيع الأخيرة .. كان لا يزال معتزلًا الناس ولا يغادر مكتبه إلا نادرًا.
طرقت باب الغرفة ودخلت .. رائحة الدخان تعبق المكان .. لأول مرة في حياتها تراه يدخن السجائر ..
نهرته بغضب:
– لماذا تدمر صحتك يا سعد .. منذ متى وأنت تدخن؟
رفع رأسه ليواجهها .. قال بلامبالاة ..
– أشعر بالراحة عند حرقها .. أريد أن أحرق شيئًا ما.
اقتربت منه وعاتبته بألم ..
– هل هنت عليك يا سعد؟ الأيام أصبحت تمر دون أن تسأل عني .. تخليت عني ثم جلست لتدمر في صحتك .. هل تريد أن تقتلني قهرًا عليك؟
– فداك روحي يا ليلى، إنه أنا من يستحق الموت بعدما جرحتك بكلامي القاتل ..
– سعد إنك مذنب في حق نفسك .. ارحمها من أجلي .. من أجلنا جميعًا .. استسلامك يدمرنى أنا أيضًا.. ثم أنت لم تخبرني شيئًا لم أكن أعرفه .. أنت فقط أقررت بالواقع الذي أعيش فيه ليل نهار .. ثم ألم ترى بنفسك تقبل ريم للأمر وكأنه أمر عادي .. رب ضارة نافعة .. حمل وأزيح من على كتفيك.
ذكر اسم ريم جعله يغلق عينيه بقوة.. كم يفتقدها .. يتمنى لمسها وإزاحة الحزن من عينيها:
– ريم تحبك فعلا يا سعد .. لماذا تفرط بغباء في حب عظيم مثل هذا؟
كم كان يتمنى سماع تلك الجملة “ريم تحبك” أجابها بمرارة:
– وأنا أيضًا أعشقها لكني أعقل منها وأدرك حدودى جيدًا .. الهوة متسعة بيننا .. على الأقل بينك وبين كريم لا يوجد أي فارق في التعليم لكن ماذا أساوي أنا بدون أموالي؟ فلو خسرتها لأي سبب فلن يتبقى مني سوى كومة قمامة.
– أنت تقسو كثيرًا على نفسك.. أنت إنسان مثقف محترم مهذب طيب حنون كريم وشهم .. صفات تتمنى أي أنثي أن تجدها في رجلها وفوق كل هذا أنت غني جدًّا وشريف .. لماذا تقلل من نفسك هكذا، على الاقل الآن لديك بعض الأمل، فريم علمت ولم تعترض أو يغير الأمر من حبها لك ..
أما بخصوصي فكريم لا يعلم والأكثر مرارة أنه ربما شاهد..؟ ربما شاهده في السجن وتحدث إليه وهو لا يعلم هويته الحقيقية.
سألها بلهفة شديدة:
– ماذا.. من؟
هز رأسها أكد شكوكه .. كريم رأى فرج في الليمان المأساة الحقيقية ارتسمت حدودها أخيرًا .. ليلى حاليًّا بحاجة لدعمه وهو غارق في التحسرعلى حاله حتى أذنيه ويتركها بدون حماية أو دعم ..
حان الوقت كي يقف من جديد .. الأسبوعين الماضيين كان أنانيًّا بدرجة لا توصف .. ليلى كانت في أزمة وهو لم يدعمها أو يحميها .. أخيرًا العزم عاد إليه يعطيه قوة لدعم ليلى .. لن يستسلم لليأس والإحباط، ولن يتخلى عنها بعد الآن.
عيناه لمعت بالحياة مجددًا .. ألم يعدهم بالسعادة من قبل .. منذ متى وهو ضعيف ويحنث بوعوده؟ سأهبكم السعادة ولو على جثتي:
– أخبريني بالتفصيل عن أي شيء تعلمينه يا ليلى.. بالتفصيل الممل يا ليلى.
****************
– هل تعتقدين أن يكون السجين هو فرج نفسه؟
أجابته بحيرة:
– لم أستطع معرفة سوى أن اسمه فرج.
– من الواضح أن كريم دهش من اهتمامك بسجين.
هزت رأسها بالموافقة:
– أشياء عديدة تُثير دهشته وتؤثر على علاقتنا .. لقد قررت سأطلب من ريم إخباره .. أريد أن أرتاح .. لقد مرضت من الخوف والتوتر والشعور بالذن أريد أن أنام بلا تفكير وأن أستمتع بحياتى أنا أتلفَّت حولي وكأني أنا المجرمة وأنتظر العقاب.
مجددًا ليلى فتحت جرحه بذكر ريم .. سألها بحزن:
– كيف حالها؟ لقد قسوت عليها جدًّا تلك المرة .. ربما تكرهني الآن لكني أردت أن أعيدها إلى صوابها .. يومًا ما ستشكرني لأني أنقذتها من التورط أكثر.
– أنت مخطئ يا سعد .. ريم تحبك كثيرًا ولن تتخلى عن حبك أبدًا ولا شيء تقوله أو تفعله يجعلها تغير رأيها ربما عكس ما تتصور تمامًا لقد تمسكت بحبك أكثر ومصارحتك لها فتحت باب الأمل لديها .. فهي علمت السبب الذي يمنعك عن حبها وعن الحياة .. حالك أفضل مني بكثير ولا توجد مقارنة من الأساس .. لقد صارحتها منذ البداية ومنحتها حرية الاختيار.
– أحبها يا ليلى .. أحبها لدرجة أني أحميها حتى من نفسها ومن نفسي .
– فكر مجددًا .. أنت تحرمها من حقها في الاختيار وتعسفك يؤذيها لا يحميها ..
هل يجرؤ على التعلق بالأمل .. هل من الممكن أن يتحلى بالجراءة ويتحدى الجميع؟
شبح فرج مازال يدمر حياتهم .. مساكين أولاد السناري من بين كل البشر اختاروا من لا يناسبهم إطلاقًا .. كريم وريم.
لا بدَّ أن يستأصل جذور المشكلة ولكن أولًا سيستعلم عن السجين:
– ليلى سأعلم بطريقتي إن كان هو فرج نفسه أم لا؟
ماذا سيفعل؟ شحب وجهها من الرعب مع كلامه ..
– لا يا سعد.
– بل نعم يا ليلى لن نعيش مكبلين بالخوف إلى الأبد لا بدَّ وأن نواجه، أنا قررت أن أتحرر، حبي ساعدنى كي أتحرر.. وإن كانت ريم فعلًا ستظل تحبني على الرغم من كل الشوك الذي يحيط بي فهذا سيكون أقوى حب موجود على وجه الأرض .. وهذا الحب أعطاني القوة، ريم تستحق إنسانًا سويًّا .. وكي أكون سويًّا لا بدَّ أن أتصالح مع نفسي .. لن أستطيع وعدها بأي شيء حتى أصبح نظيفًا من داخلي بالكامل ..
سعد أخذ القرار بنبش القبر المغلق منذ سنوات على ماضيهم القذر.
ربما هو معه حق ففرج مازال والدهم على الرغم من كل شيء ..
– سأرحل الآن.. لقد تأخرت كثيرًا في تسليم العملاء.
ضمها بين يديه في حنان ..
– اطمئنى شقيقتي الحبيبة .. طالما أنا على وجه الأرض لن أسمح لأي شيء أن يؤذيكِ أو يكدرك..
حديثها مع سعد أراحها كثيرًا .. سعد استعاد قوته .. أخيرًا خرج من عزلته الطويلة وسيدعهما.. هي لا تحتاج إلى حماية من كريم لكن تحتاج لسعد ليلملم حطامها بعدما ينتهي منها كريم .. اتجهت لشركتها مباشرة وبدأت في العمل .. انهمكت في العمل لساعات وقضت ساعات أخريات تراضي في العملاء .. ألم معدتها نبهها أنها لم تأكل منذ الصباح .. الساعة قاربت على السادسة .. مازال هناك وقت للاستعداد قبل عودة كريم من عمله.
عند عودتها لم ترى أحدًا في المنزل صعدت مباشرة لغرفتها وأبدلت ثيابها وانتعشت واستعدت للنزول مجددًا .. قررت المرورعلى ريم في غرفتها حان وقت كشف الحقيقة سوف تمر فقط على ريم .. تطلب منها إخبار كريم عن سرها الدفين وترحل فورًا قبل أن تحاول ريم إقناعها بإخباره بنفسها
– ادخل..
دخلت غرفة ريم وتمسكت بالباب كأنها مستعدة للهروب في أي لحظة
– أهلًا ليلى .. ادخلي.
– أنا فقط مررت لأطلب منك إخبار كريم بالحقيقة كما سمعتها من سعد تمامًا .. أنا لا أجرؤ على الاعتراف.
– إخباره بنفسي أمر في منتهى السهولة وسيريحك ظاهريًّا .. لكنك تعرفين رأيي.. انظري كم كنتما سعداء في اليومين الماضيين .. ليلي أنتِ تملكين مفاتيح كريم استغليها بصورة صحيحة وقبل فوات الأوان ..
– رجاءً يا ريم .. هل تعتقدين أنني أستطيع إخباره.. كيف أطلب منه أن يسامحني وأنا لا أستطيع مسامحة نفسي .. كيف سأرفع عيوني إلى عيونه بعد الآن..
– كريم يحبك وسيسامحك .. المهم أن تصلحي الغلطة بنفسك.. لكن ما تفكرين فيه سوف يزيد الفجوة بينكما .. ستقضين تمامًا على ثقته الكاملة فيك عندما يعلم أنك تعمدتِ خداعه .. إخفاء ماضٍ مشين مثل ماضيك يا ليلى لن يطهره غير الاعتراف والندم .. لا بدَّ وأن يرى الندم في عينيك بنفسه .. أجيبينى بصراحة .. لماذا أخفيتِ الماضي عن كريم؟
كما توقعت.. ريم سوف تصرعلى إجبارها على الاعتراف بنفسها لتطهير روحها من آثام خديعتها الكبرى .. سألتها عن سبب إخفائها للماضي وهي أخفته ظنًّا أنها دفنته إلى الأبد .. لم تكن مستعدة لفضح ماضٍ قذر مشين يوصمهم بالعار بعدما تنصلوا منه وولدوا من جديد .. في إحدى المرات سألتها ريم عن علاقتها الحالية بوالدها ماذا ستخبرها عن علاقة معقدة لن تفهمها فتاة سوية مثلها؟ فهي مذنبة بعدم زيارته وستكون مذنبة أكثر إذا ذهبت إليه, النتيجة النهائية أنها مذنبة في الحالتين ..
ريم أخذت يد ليلى المهزوزة ..
– سننتظره في الأسفل وستخبرينه بنفسك في غرفتكما علي انفراد.
ريم تقريبا سحبتها.. أرجلها كأنها دقت في الأرض، حتى ريم تخلت عنها وأجبرتها على خوض معركتها بنفسها .. يا ليتها قوية مثلها وتحارب بنفسها.. مفاجأة سيئة صدمتها بلا رحمة .. فأمام الباب مباشرة كان يقف كريم وهو متخشب أيضًا ..وتحت قدميه باقة ورود مسحوقة ومهشمة تمامًا..
خفق قلبها بعنف .. كم سمع من حديثهما؟ منذ متى وهو يقف خارج الغرفة؟
وكانت ريم أول من تغلب على صدمتها .. لتسأله بصوت مهزوز ..
– كريم متى جئت؟؟؟
أجابها بصوت بارد كالثلج ..
– الآن.
تنفست بارتياح مع إجابته ولكن ليلى علمت أنه يكذب .. الشر الواضح في ملامحه يفضحه .. الورود المسكينة أخبرتها كم عانت من غضبه ..العد التنازلي لنهاية سعادتها بدأ.
نادته بلهفة:
– كريم
تجاهلها تمامًا ووجه حديثه إلى ريم:
– سأذهب إلى النوم.
الصدمة جمدتها في مكانها .. وريم جذبتها للداخل مجددًا
كريم بالتأكيد استمع إلى حوارهما .. حاولت أن تتذكر ما قالتاه ولكنها فشلت عقلها متجمد قلبها ممزق .. روحها سحقت .. ألم جسدي يضربها وليس فقط ألم معنوي خسارة كريم هي خسارة الحياة نفسها
سألتها ريم بقلق:
– هل تعتقدين أنه استمع إلى حديثنا؟
أجابت بألم:
– لا أدري , لكن هل شاهدتِ ماذا حدث للورود؟
– لا تتوقعي الأسوء.. بالتأكيد لو كان استمع إلينا لكان سألنا.. .. هو يبدو عليه الإرهاق .. اذهبي لرؤيته.
وكذبيحة مسكينة تساق إلى الذبح دخلت إلى غرفتهما بتردد .. كان نائمًا بكامل ملابسه على الفراش وظهره للباب .. لمست كتفه بكفها:
– كريم.
شعرت بعضلاته تنتفض تحت لمستها.. لكنه لم يلتفت إليها أو يجب عليها
كررت نداءها بصوت خافت:
– كريم هل نمت سريعًا هكذا؟
رد ببرود أخافها للغاية, سألها بجفاء:
– ماذا تريدين؟
ارتباكها وخوفها وصلا لأعلى درجاتهم.. كريم كان كلوح من الثلج الخالص.. سألته بتلعثم:
– ألن تتعشى معنا؟
أجابها دون أن يغير من وضعه أو ينظر إليها: – لا أكلت في الخارج
وبخوف سحبت يدها .. قررت إعطاءه فرصة، إذا ما كان قد استمع لحديثها مع ريم والذي لا تتذكر محتواه تمامًا فهو بحاجة إلى الكثير من الوقت، وصفاء الذهن للتفكير بعقلانية .. عصرت دماغها في محاولة للتذكر لكنها فشلت مجددًا.. كانت متوترة بصورة كبيرة وهي تحدث ريم لدرجة أنها لا تتذكر ماذا قالت بالتحديد.. هل تحدثتا عن فرج صراحة ؟ الانسحاب الآن هو أفضل الحلول، ما إن وصلت للباب حتى استوقفها صوته المرعب.
– إلى أين ذهبتِ اليوم؟
التغيير المفاجئ في نبرته من البرود إلى الغضب الجامح أربكها، تلعثمت مجددًا وهي تقول:
– للــ للشركة.
مجددًا سألها بنفس الغضب الهادر الذي جمَّد الدم في عروقها:
– ألم تذهبي إلى أي مكان آخر؟
عقلها المشوش نسي تمامًا زيارتها لسعد قبل الشركة، أجابته:
– لا.
قفز من الفراش وبلحظة كان ممسكًا بها من الخلف ووضع ذراعه حول عنقها وضغط عليه بقوة:
– لو كذبت عليَّ يا ليلى في أي أمر حتى ولو كان صغيرًا في أي يوم من أيام حياتك صدقيني ستندمين ..
ارتعشت بقوة بين ذراعيه، كريم كان يهددها بعنف، علمت أنه يبذل سيطرةً خرافيةً على عضلاته الثائرة كي لا يترك لها العنان وتسحق جسدها تمامًا ..
كان خبير في الاستجواب بحكم عمله، وهي مذنبة كاذبة حقيرة، إذا كانت خسارته محتومة إذا فلتأجلها لبعض الوقت، بضع ساعات أخرى في قربه.. فهي عندما شكَّت أنه عرف سرها كادت تموت.. وعندما يتركها سوف تموت بالفعل ..
أدارت نفسها بين ذراعيه لتواجهه .. لتملي عينيها من وجهه الوسيم
الألم ظهر في عينيه للحظات ثم جذبها بقوة أكبر .. رفعت يديها وأحاطت رقبته .. أخذت نفسًا عميقًا لتملأ صدرها برائحته تمسكت به كأنها المرة الأخيرة التي ستكون فيها بين أحضانه .. ضمَّها إليه أقرب وكأن مجرد لمسها له كان له مفعول السحر وأنساه غضبه .. أرقدها على الأرض بقسوة وانضم إليها وهو يقول بألم:
حبك في دمي .. لعنة لا يوجد منها شفاء





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى