Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل الثالث 3 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل الثالث 3 بقلم داليا الكومي

الفصل الثالث________________________عودة الغائب
“لطالما كان نصيبهم وافرًا من قسوة الحياة، لكن الغائب عاد ليمنحهم النجاة، وسيحمل الهم عنهم إلى الممات .. فحبه هو درعهم الواقي من الأزمات”.
في حركة واحدة مجمعة هجم سالم وحسن وليلى على سعد الذي استقبلهم بذراعين مفتوحتين احتوت ثلاثتهم .. الحمد لله، دعواتها استُجيبت أخيرًا وعاد الغائب منذ سنوات .. عاد كما وعد .. عاد لأجلهم .. أكبر بأربعة سنوات ولكن أقوى كثيرًا عن الماضي .. خطوط الحزن محفورة على وجهه الشاب .. شعره المطعم بشعيرات بيضاء كثيرة أعطاه عمرًا أكبر من سنوات عمره التسعة والعشرين .. الأهوال التي أحاطت به في سنوات غربته جعلت الشيب يغزو شعره ويعطيه عمرًا أكبر من عمره لكنه كان عمر الخبرة التي اكتسبها .. سعد الغائب احتفظ بمفتاح منزلهم طوال السنوات الماضية وحينما حانت اللحظة عاد إلى حياتهم بمفتاحه وبقلبه الحنون..
تكلم ثلاثتهم في نفس واحد .. تداخلت الأحرف والكلمات .. سألوه أين كان ولماذا لم يتصل بهم منذ سنوات؟ وأخبروه عن وفاة عواطف وسجن فرج
وسعد امتزجت دموعه بضحكاته:
– برفق يا شباب كي أتمكن من فهمكم .. سأحكي لكم كل شيء لكن دعونا نحتفل بنجاح ليلى أولًا..
صاحت ليلى بدهشة:
– هل علمتَ بنجاحي؟
أجابها بحنان ..
– نعم .. أنا في الحارة منذ ما يقرب من الساعة وتطوع الجميع لإخباري بما حدث في سنوات غيابي .. دعونا نؤجل الحزن والعتاب لِما بعد .. وأنت يا سالم افتتح الكعكة فأنت تستحق .. لقد حملت حملي أنا وأثبتَّ أنك قادرعلى حمله أنت وحسن أيضًا، لكن من اليوم أنا عدت لأتحمل مسؤوليتي.
عائلة من جديد .. هم كل ما تبقي من بعد من قتل ومن سجن .. ومشاعرهم مضطربة .. فرحة عودة سعد ونجاح ليلى اختلطت بحزن تذكر الماضي الأليم وفتح الجراح من جديد .. كأنهم فقدوا والدتهم اليوم مرة آخرى .. مشاعر غريبة تملَّكتهم .. شفاههم ترسم البسمة وعيونهم تبكي الدموع .. دموع اختلطت بكل قطعة كيك تدخل أفواهم .. طعم الملح من الدموع امتزجت بحلاوة عودة سعد .. فكانت النتيجة مدهشة..
أخيرًا استطاع سعد الكلام بعدما سيطر على مشاعره المتأججة ..
– لقد علمت بما حدث .. لقد فات حتى وقت حزني وحدادي عليها .. من اليوم وصاعدًا نحن انتهينا من الماضي للأبد وسأعوضكم عن كل لحظة شقاء مرت بكم.
وكأن كلامه أزاح حملًا ثقيلًا عن أكتافهم .. حِمل إعادة أحداث اليوم المشؤوم من جديد .. أحداث محاكمة والدهم وسجنه .. أنه ضحَّى بفضوله في معرفة ما حدث في مقابل إغلاق باب الألم نهائيًّا..
الأمر المثير للدهشة أنه عاد إليهم يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها يوم مغادرته ..
فرحتهم بعودته لا توصف ولكن فضولهم ينهشهم .. فضول لمعرفة أين كان طوال أربع سنوات وكيف حاله .. سعد الحالي مختلف تمامًا، أكبر وأقوى وأكثر قدرة على اتخاذ القرار .. قادرعلى حمايتهم والسيطرة عليهم وفي الوقت نفسه حنون بدرجة لا توصف .. لم يتبقَّ من سعد القديم غير ملابسه البالية.. لكن قوة شخصيته كانت طاغية .. لمسوها فورًا، فهو كان محاطًا بهالة من القوة شعروا وكأنهم يرونها .. كان يبدو عليه أنه معتاد على إلقاء الأوامر وانتظار تنفيذها كما يتوقع .. أما سنوات غربته فزادته وسامةً، والشاب نضج ليتحول إلى رجل ينبض بالرجولة .. عضلاته ارتسمت لدرجة أنه كان يستطيع أن يكون أطلس حي لطلبة التشريح من بروزعضلاته المميز .. عضلات لا تُبنى من بروتين صالات الرياضة، لكن من العمل الشاق المضني الذي ينحت الجسد ويشذب العقل ويكبح جماح الشهوات.
وفورًا لتأكيد عزمه على نبذ الماضي بادرهم بحزمة من القرارات الصادمة التي تركتهم في حيرة شديدة:
– ستنفذون ما سأقوله بدون جدال.
في خلال عشرة دقائق أريدكم أن تكونوا مستعدين للخروج من هنا . سننتقل إلى منزلٍ آخر ولن نعود إلى هنا مطلقًا .. اتركوا أية متعلقات، أحضروا الأوراق الشخصية والأشياء الهامة فقط ..
شهادات ميلاد .. شهادات دراسية وغيره.. أمامكم فقط عشرة دقائق.
اتجه كل منهم لجمع ما اعتبروه هامَّا .. نفذوا كلام سعد بلا جدال، فأخيرً تسلم الحمل عنهم .. وبمجرد عودته حقق لهم أمنيتهم الوحيدة بالفرار بعيدًا عن ظلال الماضى وأشباحه.. سيمنحهم الملجأ الآمن الذي ظلوا يتمنونه .. أمرهم بأخذ المهم فقط .. إنه يجردهم ببساطة من كل ذكريات الألم والهم .. يسلخهم من جلدهم القذر ويبني عليهم طبقة جديدة تطهرهم .. هكذا هو سعد .. أسدهم الجسور ..
كان كل ما أخذوه بعض الأوراق وصورة وحيدة لوالدتهم .. فماذا سيريدون من ملابس تحمل رائحة الموت أو من أثاثٍ شهد على عذابهم لسنوات؟ كل أريكة في المنزل شهدت على ضربهم، وتألمت معهم، وكل وسادة احتوت دموعهم ..
ألقوا نظرة أخيرة على منزلهم .. لم تكن نظرة وداع؛ فالوداع يكون لمن ستشتاق إليه .. وهل سيشتاق عاقلًا إلى جهنم ..؟ منزلهم الكائن في مبنى آيل للسقوط أخلاه جميع قاطنيه منذ فترة طويلة حرصًا على حياتهم .. قضوا لياليهم في المنزل المتهالك وهم يتوقعون انهياره في أية لحظة لكن ما البديل؟! .. فليس هناك أي مكان آخر يذهبون إليه .. إيجاره الضئيل كان أقصى ما استطاعوا توفيره .. وصدى خطواتهم على الارضية كان كأنه يخرج من منزل أشباح .. في كل مرةٍ كانوا يصعدون فيها الدرج وهو يهتز تحت أقدامهم كانوا يشعرون بالرعب فالشقوق في جدران المبنى القديم تحولت إلى أنفاق تهدد حياتهم لكن همومهم كانت أكبر من تلك الشقوق .. وشروخ أرواحهم كانت أعمق.
عندما تأكد سعد من خروج إخوته جميعًا .. أخرج عود ثقاب من علبة كان يحتفظ بها في جيبه وأشعل النار في محتويات منزلهم الوضيع ..
وقفوا جميعًا يراقبون بانبهار النيران وهي تلتهم مأواهم الوحيد.. ولكن بعد عودة سعد لا شيء آخر يهم.

*******
مشهد النيران وهي تلتهم منزلهم بداخل البناية المهجورة انطبع في عقولهم وسينطبع للأبد .. لم يجرؤ أحدٌ منهم على الحركة أو حتى الكلام .. بعد أن تأكد سعد من أن النيران أتت على معظم البيت .. قاد أشقاءه المتخشبين إلى سيارة أجرة كانت في انتظاره في الخارج أمام المنزل، وظلال النيران من مأواهم المحترق ترسم أشباح متعاركة على صاجها اللماع .. وهو جلس في المقدمة بجوار السائق وجلست هى بين حسن وسالم في الخلف..
لحظة خروجهم من حارة جهنم أمام نظرات كل الحارة المذهولة .. كانت لحظة دخول سيارة الإطفاء إلى الحارة .. صوت سرينة سيارة الإطفاء المميزة يتباعد مع ابتعادهم .. ليكون صوت السرينة آخر ذكرياتهم عن حارة جهنم.
الصمت كان المسيطرعلى المشهد .. استغرقوا في أفكارهم الخاصة أفكارهم منعتهم من مراقبة الطريق .. لطالما انتظروا عودة سعد ليتحول انتظارهم إلى أمل في الخلاص .. لم ييأسوا يومًا من عودته فهو وعدهم بأنه سيعود لأجلهم وعودته اليوم كانت كالبلسم الذي رطب كل جروحهم اليابسة ولملم حطام أرواحهم .. عودة سعد كانت الأمل الذي جعلهم يصمدون إلى اليوم وحلم تمنوا تحقيقه وها هو يتحقق الآن .. عندما ترى حلمك يتحقق أمام عيونك تشعر بشعور غريب من السعادة الممتزجة بالخوف في خليط غريب يسبب النشوة والرهبة .. اليوم من بدايته كان ينذرهم أنه لن يكون يومًا عاديًّا في البداية نتيجة ليلى ثم عودة سعد وحريق منزلهم .. بالنسبة لها فرحتها بعودة سعد فاقت فرحتها بالتفوق، وبالنسبة لحسن كانت الحماية والأمان، أما سالم فتنفس بارتياح، سنوات حمايتهما أنهكته لكنه كان سيظل يحميهما حتى آخر يومًا في عمره, والآن سيستطيع النوم أخيرًا بعدما يسلم الراية لسعد …
استعادوا وعيهم فجأة مع توقف السيارة وصوت باب سعد يغلق بعد نزوله منه..
للحظة تجمدوا في أماكنهم .. لا يمكن أن يكون ما يرونه أمامهم صحيحًا فسيارة الأجرة توقفت أمام فيلا ضخمة أقرب إلى القصر في حي راقٍ جدًّا لم يقتربوا من مثيله في حياتهم .. بالتأكيد هناك خطأ ما أو ربما سعد لديه عمل لينهيه في هذا المكان لذلك سوف ينتظرون حتى ينتهي سعد من عمله وبعدها يتوجهون لمنزلهم الجديد..
وشعر سعد بترددهم ففتح الباب الخلفي وأمرهم بلطف ..
– تعالوا فورًا .. ماذا تنتظرون؟
الطاعة العمياء لأوامره لا جدال فيها .. فورًا استجابوا لطلبه وهبطوا بطاعة من السيارة التي لدهشتهم رحلت فور ترجلهم منها..
تبادلوا نظرات الدهشة فيما بينهم مع رحيل السيارة .. ودهشة أكثر عندما أشار لهم سعد بدخول الفيلا.
عندما لم يتحركوا بدأ بنفسه ودخل من الباب الحديدي الضخم المزخرف بزجاج ملون قائلًا ..
– اتبعوني.
تبعوه كما أمر لكن بخطوات مترددة مرتعشة.. نظراتهم وقعت على صالون ذهبي مذهل .. مكان خيالي .. يا الله ما هذا المكان؟ لن يجرؤوا مطلقًا على الجلوس عليه أو على لمس سجادته بأحذيتهم القديمة.
أما سعد فجلس على الصالون براحة شديدة وقال بحماس :
– اجلسوا يا شباب .. تصرفوا على حريتكم فهذا منزلنا الجديد.
“منزلنا الجديد؟؟ .. ماذا يقول سعد؟ “
العامل البسيط العائد بنفس ملابسه التي كان يرتديها وقت مغادرته يعرض عليهم منزلًا يساوي الملايين ويقول منزلنا الجديد .. منزل لم يشاهدوا مثله حتى في الأفلام من فخامته وألوانه الصارخة .. فالتلفاز الوحيد الذي حصلوا عليه يومًا كان أبيض وأسود خالٍ من الألوان ككل حياتهم، وألوان القصر الزاهية أغشت عيونهم .. حياتهم دائمًا لوِّنت بالأسود، والألوان الزاهية تثير تعجبهم .. مظهرهم البسيط غير ملائم أبدًا لفخامة المكان لكنهم على الرغم من بساطتهم الشديدة كانوا يتميزون بالنظافة الشديدة والترتيب ومع ذلك سوف يفسدون المكان بمجرد لمس الوسائد أو الجلوس على أريكة لم تصنع لمثلهم يومًا.. بادرهم بالقول في إشفاق:
– بالطبع أعلم أنَّ الفضول يقتلكم .. سأخبركم قريبًا لكن الآن لا بدَّ وأن تعلموا أن هذا منزلنا الجديد وسنعيش هنا من اليوم .. حسن وسالم سيعملون معي وليلى ستكمل دراستها .. ستدخلين كلية الطب كما تريدين لكن في البداية اصعدوا لغرفكم .. استبدلوا ملابسكم القديمة .. أحرقوها لنتخلص من أي أثر للماضي .. من اليوم سننسى الحارة وفرج .. سندعو لأمي بالرحمة وحزني الأعظم أنها لم تشهد نجاحي أو تستمتع به .. كنت أريد إهداءها هذا المنزل لتكون الملكة المتوجة فيه وأعوضها سنوات الشقاء بعدما أطرد فرج خارج حياتنا .. لكن ربما عندما تعلم أننى أدللكم سترتاح في قبرها .. في الأعلى العديد من الغرف .. تعالوا لنختارَ سويًّا فأنا أيضًا لم آت إلى هنا من قبل لقد أقسمت منذ أربع سنوات على أننى لن أستبدل ملابسي أو أستمتع بأموالي إلا وأنتم معي ..
فضول؟! الفضول يكون عندما يخبرهم عن أمرغريب شاهده أو حدث ل فيثير فضولهم ويتساءلون لكن أن يمنحهم قصر بعشرات الملايين وربما أكثر لا يُسمى فضولًا على الإطلاق، الأمر أشبه بقنبلة نووية انفجرت في وجوههم وجمدتهم في الأرض .. هم لم يشُكُّوا مطلقًا في كلام سعد وهو قال منزلنا .. إذن فهو منزله .. أما كيف حصل عليه فبالتأكيد سيعلمون قريبًا كما قال، لكن الأمر بالتأكيد يتعدى مجرد الفضول .. الرهبة جمدتهم في أماكنهم فما يحدث كثيرٌ جدًّا ويفوق قدرتهم على الاحتمال .. أرادوا فقط الاستماع إلى حديثه لكنه كان مُصِرًا ولن يتحدث حتى يتخلصوا من آخر أثر للماضي فلم يجدوا أمام إصراره الشديد سوى الصعود معه للطابق العلوي الذي كان بمثل فخامة الطابق السفلي .. فغروا فاههم ببلاهة عندما بدئوا في عد الغرف فالطابق العلوي احتله ستة غرف كبيرة وبداخل كل غرفة حمامها الخاص الذي كان يفوق حجم مجلس بيتهم القديم بالكامل .. في الفراغ أمام الغرف كان يوجد مجلس مريح بوسائد عديدة ملونة ومطبخ وحمام إلى جواره .. شاشة كبيرة أشبه بشاشات السنيما احتلت أحد جدران المجلس .. السجاد السميك غطى الأرضية وأخفى صوت خطواتهم المترددة كما أخفى جزءًا كبيرًا من أحذيتهم المتهالكة بداخله..
المنزل بأكمله تحفة معمارية وبحدائقه الخلابة كان بحجم يقارب من حجم حارة جهنم بأكملها..
أخيرًا سيطروا على صدمتهم وبدأوا في اختيارالغرف، فسعد لم يكن يمزح وتعبير الجدية المرتسم على وجهه أقنعهم فأجَّلوا دهشتهم وأطاعوه بخنوع اختارت هى غرفة يطغى على ديكوراتها لون ليلكي غامق .. البرادي كانت أسطورية في جمالها المميز وفراشها له ناموسية بيضاء جعلتها تشعر كأنها أميرة من القصص الأسطورية .. واختار سالم فورًا غرفة مصممة بلون أزرق فاتح .. أما حسن فتردد كثيرًا وسعد شجعه على اختيار الغرفة البيضاء .. نقية مثل قلبه وفي النهاية اختار سعد غرفة يغلب على ديكوراتها اللون الأسود.. قوية وجريئة مثله ..
تفحصت غرفتها بانبهار .. ما أجملها .. حلم لم تحلمه يومًا أن يكون لها غرفة خاصة بحجم ملكي وبحمامٍ خاصٍ بها .. لأول مرة في حياتها تحظى بمثل تلك الخصوصية وذلك الترف .. فتحت نافذة غرفتها .. الشمس كانت ساطعةً .. فاليوم الصيفي المشمس بدأ بقلق وخوف وتوتر ولم ينتصف النهار إلا وحياتها تتحول وتأخذ منحنًى لم تكن لتتخيله حتى في أجمل أحلامها .. تطلعت أمامها وهي تتنهد بعمق لطرد الألم خارجًا فاستقبلت أجمل منظر شاهدته في حياتها حدائق الفيلا الجميلة مزروعة بشتى أنواع وألوان الزهور وأشجار نادرة مُعَمِّرة يبدو أنها زرعت منذ زمن كبير .. فشجرة الزيتون القديمة المُعَمرة تلقي حولها بظلال الرهبة والجمال وتخبرها أن البيت له أصول قديمة أصيلة .. وتدعوها لقضاء الكثير من الوقت تحتها لتنعم بحنانها الغامر وظلها الوافر .. سعد يعوضهم عن افتقارهم للأصل بمنزل له أصول عريقة .. صعقت لرؤية حوض السباحة الضخم الذي كان مُصممًا ليشعر أصحابه بالترف الخالص .. يا الله كيف تمكن سعد من امتلاك ذلك المنزل؟
صوت سعد خلفها جعلها تستدير لتواجهه.. ناولها حقيبة مغلقة وقال ..
– حقيبتك.. أحضرتها لكِ من إيطاليا .. منذ سنوات وأنا أختار كل قطعة فيها كل واحد منكم له حقيبة مثلها .. أعددتها لتصبح جاهزة في يوم لقائنا ..
ومازال سعد يدهشهم بحنانه واهتمامه بكل التفاصيل .. فتحت الحقيبة المعدة بدقة شديدة والممتلئة عن آخرها بملابس فاخرة حقيبة السفر الكبيرة التي أعطاها إياها تحتوي على ملابس من كل الأنواع تغطي كافة احتياجاتها.. فساتين وتنانير وبلوزات حريرية .. حتى الملابس الداخلية والبيجامات .. بعض الأحذية وأيضًا بعض العطور .. ملابس لم تكن تحلم بارتدائها يومًا .. من تناغم الحقيبة علمت أنه حظي بمساعدة نسائية عند إعدادها واختيار كل قطعة فيها .. الملابس كأنها صُممت خصيصًا لتناسب مقاسها .. نظرت إليه في دهشة .. كيف علم مقاسها فهو لم يرها منذ أربع سنوات .. كيف علم أن ابنة الرابعة عشرة ستكون الآن هي الممشوقة التي أصبحت عليها ؟ أجاب سؤالًا لم تسأله بحزن كبير:
– تخيلتكم في كل يوم يمر .. كنت أتخيل تقدمكم في العمر وأحسب أعمارك لكني لم أتوقع أن تكونوا قد حملتم كل هذا الهم .. أكمل بحسرة ..
– أنا آسف يا ليلى .. الندم يقتلني لأني تخليت عنكم .. ربما عندما تعلمون نيتي الطيبة ستغفرون لي ..
– نغفر لك .. هل تمزح؟ نحن انتظرنا عودتك وتوقعناها .. أنت قلت ستعود ونحن كنا نصدقك .. هل ستصدقنا أنت الآن إذا ما أخبرناك أنك كنت مصدر قلقنا؟ نحن من كنا نشفق عليك .. فأنت كنت وحيدًا وغريبًا لكن نحن كان لدينا بعضنا البعض .. كان كل همنا أن نحميك عندما تعلم بما حدث .. مسح على رأسها بحنان ..
– أعدكم .. سوف أمسح كل أيام الشقاء من حياتكم وسأبدلها بالسعادة .. هذا وعدي التالي لكم وانتظروني فسأحققه بإذن الله .. سأترككِ الآن لاستبدال ملابسك وسأذهب لإعطاء سالم وحسن الحقيبتين خاصتهما .. أنا أيضًا سأبدل ملابسي فهي اهترأت من الزمن وأريد أن أتحرر أخيرًا .. روائح الماضي تسبب لي الغثيان وأنا أريد أن أبدأ معكم من جديد.
في خطوات يملؤها العزم وهزت الأرض من قوتها خرج إلى المجلس أمام الغرف وصرخ بصوت عالٍ سمعه الجميع ..
– أحرقوا ملابسكم القديمة وتعالوا.





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى