Uncategorized

رواية حارة جهنم الفصل الحادي عشر 11 بقلم داليا الكومي – تحميل الرواية pdf


رواية حارة جهنم الفصل الحادي عشر 11 بقلم داليا الكومي

الفصل الحادي عشر_______________مرحبًا بواقعي الأليم
“أهرب منك إليك، وأعود لوطن ذراعيك .. ومن له وطن له مستقبل، وليس له ماضى, فحبك علمني أن حتى خطايا الماضي قد تمحى بلمسة من يديك” واستغرقت في النوم فورًا .. النوم سوف ينقذها مؤقتًا، فقلق كريم الواضح عليها أعفاها من تساؤلات لا تستطيع الإجابة عنها حاليًا، فهي مازالت بحاجة للمزيد من الوقت، فكلما أحست باقتراب المواجهة كلما خانتها شجاعتها وتراجعت، نومها كان خفيفًا متقطعًا، صوت أذان الفجر أدخل الطمأنينة على قلبها، “الصلاة خير من النوم”.
أيقظته بيد مرتعشة:
– كريم استيقظ .. ستتأخرعلى عملك.
تذمر بتأفف:
– لماذا ذكرتني؟؟ عمل بعد العسل؟؟ .. جيد أنكِ أيقظتني للصلاة .
بعد الصلاة ألحَّ عليها لإكمال نومها لكنها رفضت بشدة ومجددًا كان لديه بعض الوقت للحب، وحينما اكتفى نزلا سويًّا للمطبخ، وبدأت باستكشاف محيطه، ليتها تستطيع تدليله كما يفعل معها .. لكن هذا مستحيل حاليًا..أعدت لهما فطورًا سريعًا هو كل ما تمكنت من إعداده نظرًا لحالتها الراهنة، ولكنه جعلها تشعر وكأنها أعدت له وليمة وليس شطيرة جبن وابتسم بسرور وهو يقول:
– الإفطار من يد حبيبتي يجعلنى أشعر أني في الجنة..
بعد الفطور صعدا مجددًا لغرفتهما .. مازلت لم تعتد على كونها زوجة بعد وهو لا يستحي مطلقًا.. بدأ في خلع ملابسه ثم اتجه للحمام الملحق بغرفته، على الرغم من مرور ثمانية أيام على زواجهما، إلا أنها مازالت تحمر خجلًا في كل مرة تنظر إليه أو ينظر إليها.
بعد عدة دقائق خرج من الحمام وهو يغطى نفسه بمنشفة صغيرة اتجه للخزانة وانهمك في اختيار ملابسه، وانتزعها من أفكارها التي كانت تسبب لها الاحمرار:
– حبيبتي سأعود في حوالي الثامنة مساءً .. ماذا تنوين أن تفعلي اليوم؟
أجابته برقة:
– لا شيء محدد ربما أذهب لزيارة منزلنا أو أمر على شركتي .
اقترب منها بحنان وضمها إليه بقوة ..
ـ سأفتقدك بجنون.
فجأة شعرت بصدمة قلبت كيانها عندما شعرت بضغط مسدس كريم على جسدها.. فصرخت بقوة ..
– كريم ما هذا.. هل تحمل سلاحًا؟
سؤالها جعله ينفجر في الضحك من تعليقها البريء.. كم يعشق براءتها وعدم خبرتها، يعشق تعليمها الحياة بنفسه:
– بالطبع .. هل يوجد ضابط بدون سلاح؟ هل تعتقدين أن بخاخ الفلفل كافٍ؟
سلاح ..؟! تمسكت به برعب حقيقي، بالفعل كريم يواجه مجرمين من كل الأنواع وبعضهم خطرٌ للغاية، وفرج دليل حي على مقدار العنف الذي يستطيعون الوصول إليه:
– كريم أنا أشعر بالرعب.. هل تتعرض لخطرٍ حقيقي؟
رفع ذقنها بأصابعه لتواجه عينيه، أراد طمأنتها فهي كانت ترتعش للغاية بين أحضانه:
– حبيبتي لا تخافي أبدًا، المساجين مساكين هم من يخافون منا ولا يوجد سبب للخوف منهم..
مساكين !! تساءلت باستنكار:
– مساكين؟! إنهم مجرمون والإجرام في دمائهم ..
كلماته حملت كل الثقة:
– بالطبع مساكين، لدينا أربع أنواع من المساجين، وجميعهم يستحقون التعاطف من وجهة نظري، قالت بعدم فهم:
– أربع أنواع؟
هز رأسه بـتأكيد وأجابها:
– نعم.. النوع الأول من سُجن ظلمًا، وللأسف هذا يحدث باستمرار، بريء سجن بسبب ظلم وقع عليه بالعمد وألقي في السجن ربما لفقت له التهمة لسببٍ ما وربما ضابط أهمل في التحقيق فلم يهتم بالبحث جيِّدًا واكتفى بالظاهر ووكيل نيابة كسول لم يؤدِ عمله كما ينبغي هو الآخر، وفي الحالتين هو ظلم وسجن ولقب بسجين مع أنه اعتمد على العدل وتوقعه ولكن النتيجة كانت ظلم بيِّن.
النوع الثاني المسجون عن حق لكن سجن بسبب ظروف حياته الصعبة من الممكن أن تري سجينًا لمجرد أنه سرق رغيف خبز يطعم به صغاره وسجن هو بسبب ذلك والمسؤول عن جوعه وحاجته حرٌ طليق، أتعتقدين أنه يستحق السجن؟
النوع الثالث المجرم عن حق لكنه تاب إلى الله عز وجل وندم ولن يعود مطلقًا لما كان عليه، لكن نظرة المجتمع له لن تتغير أبدًا وسيظل يوصم بالعار على الرغم من أنه قد يكون غُفر ذنبه ويكون أحب إلى الله تعالى من أي أحدٍ منا، ألا يستحق أن نشعر بالتعاطف معه؟
أما النوع الرابع فهو مجرم حقيقي مجرم بالفطرة والإجرام في دمائه ولو خرج سيواصل إجرامه، وربما يرتكب جرائم أبشع وحتى هذا أنا أعتبره مسكينًا، لأنه سمح لشره بالسيطرة عليه، مسكين لأنه لم يحب أبدًا في حياته ولم يشعر أنه محبوب، مسكين لأنه خسر دنيته وخسر آخرته، فسواد قلبه حرمه الإحساس بالسعادة في الدنيا ثم إلى جهنم وبئس المصير ..
كريم غيَّر مفاهيمها تمامًا، فرج فعلًا كان مريضًا، لم يحظَ بحب أي أحد حتى أولاده، تذكرت عندما كانت في الخامسة من عمرها وقتها كان مازال يحاول السيطرة على طباعه السيئة قدر إمكانه، تذكرت عندما كانت تجري لملاقاته عند الباب وقت عودته من عمله وكان يحمل لها بعض الحلوى في جيوبه، بالتدريج تغلبت الطباع السيئة على أي شيء طيب لديه، الإدمان سيطر على عقله كليًّا، حتى وصل لمرحلة الجنون هذا ما أدركته الآن.. فرج كان بحاجة للعلاج منذ وقت طويل، فرج كان مريضًا، نعم مريضٌ بالإدمان ..
أكثر من أربع سنوات مرت منذ آخر مرة رأته فيها.. تساءلت هل من الممكن أن تذهب لزيارته في يوم من الأيام؟؟؟
حبها لكريم واحترامها له يزداد يومًا بعد يوم، فجأة هاجس لعين ضربها ماذا لو تحول وأصبح مثل فرج مع الوقت، ففرج لم يكن دائمًا بمثل هذا السوء، هزت دماغها بقوة لرفض تلك الأفكارالسوداوية، كريم لا يمكن أن يشبه بفرج أبدًا ولكن الشيطان اللعين كان مصممًا على إفساد حياتها، لن يدعها تنسى، جعلها تفكر لأول مرة في مصير أطفالها في حال تحول كريم في حال إدمانه أو دخوله في دورة العنف، هل من الممكن أن يتعاطى كريم يومًا أي مخدر؟ لا لن تسمح له بإيذاء أطفالها أبدًا، كريم قوي جدًّا ولو تحول سيكون مرعبًا بالفعل ربما أكثر من فرج، رائحة الشراب المقززة المعبق بها فم فرج والتي كانت تفوح في الجو حينما كان يفتح فمه لإطلاق أقذر السباب لهم مازالت تشمها إلى الآن حتى في أحلامها، حفلات الضرب التي كان يقدمها لهم فرج يوميًّا سببت لها الرعب ولن تستطيع أن تراها تتجدد مرة أخرى.
فجأه وبدون أي مقدمات قالت بتصميم:
– كريم أنا قررت، أنا لا أرغب بالأطفال، سأرى طبيبة اليوم واستشيرها لتعطيني وسيلة مناسبة.
في البداية استقبل كلامها بعدم تصديق ثم إنكار ولكن عندما أدرك التصميم في لهجتها صدم ثم غضب بشدة، ما هذا القرار المفاجئ؟ وبأي حق تقرر وحدها مثل ذلك القرار الخطير؟
سيطر بصعوبة على غضبه الواضح بصعوبة وقال بلهجة جمدت الدماء في عروقها:
– أنا لا أعلم السبب الذي جعلك تقولين مثل هذا الهراء أو حتى مجرد التفكير فيه لكن على الأقل قرار خطير مثل هذا كان ولا بدَّ وأن يكون بالاتفاق بيننا، سأعتبر أننى لم أسمع أي شيء، وصدقيني هذا أفضل لمصلحتك.
ثم خرج من الغرفة كالإعصار وتركها وحدها تلعن غباءها ..
هو كان لديه كل الحق ليغضب، إنها تسمح لشيطانها بتدمير حياتها لماذا تسرعت وقالت ما قالته؟ لماذا على الأقل لم تقترح عليه تأجيل الإنجاب لفترة بحجة دراستها على الأقل.
التفكير يقودها للجنون، الآن هي بحاجة لسعد، اتجهت للخزانة كي تستعد للخروج، اختارت بلوزة بأكمام طويلة مع جينز أزرق، فجأة شعرت برغبة شديدة لتغطية شعرها، شعرت برغبة ملحة في إرضاء الله عز وجل عسى أن يجد لها مخرجًا من أزمتها المستعصية، لأول مرة في حياتها تفكر في الحجاب.
– يا رب ساعدني .. يا رب.
غطت شعرها بطرحة كانت تستخدمها كشال على كتفيها في بعض الأوقات وهبطت للطابق السفلي.
هذه المرة عندما هبطت وجدت حماها اللواء محمود هوالوحيد المستيقظ، كان مرتديًا لملابسه ويقرأ الصحيفة الصباحية وفي يده فنجان قهوة يرتشف منه بمزاج، هذا المنظر المتحضر لم تشاهد مثله في حياتها، فرج اعتاد الجلوس في المنزل بملابسه الداخلية وكل صباح كان يرتشف الخمر الرديء الصنع وهو مازال في الفراش ثم يبدأ في الصراخ وهو يطلب الفطور وإذا لم يعجبه الأكل كان يبدأ في السباب ثم الضرب ثم التهديد وفي النهاية نوعية الأكل البسيطة التي لم تكن تعجبه كانت مسؤوليته بالكامل، فالطعام البسيط قام بتوفيره سعد من عمله كسباك مبتدئ يتقاضى عشرة جنيهات على الأكثر يوميًّا.. أما أمواله هو فكانت تذهب بالكامل على مزاجه..
حماها نهض فور مشاهدته لها .. رحب بها بلطف ودعاها لشرب القهوة معه ..
– أنيسة .. أنيسة.. أحضري قهوة لعروستنا الجميلة، ستشرفني وتشرب القهوة مع هذا الرجل العجوز.
شعرت بذنبها العظيم بسبب خداعها لهم، ترحيبه البشوش مزق روحها تمزيقًا، أحست بدناءتها، فهي كاذبة مخادعة، لماذا لم تكن لديها الجرأة منذ البداية وتعترف لكريم؟ كانت مخطئة جدًّا في اعتقادها أن خسارته كانت ستسبب لها نفس الألم إذا ما تركها قبل الزواج، لا مطلقًا خسارته الآن دمار كلي بعد أن أصبحت زوجته، حبيبته، وعشيقته.
هل سيظل حماها يرحب بها بمثل تلك الطريقة إذا ما علم عن فرج؟ دائمًا فرج..
كان يبتسم بود ثم أكمل حديثه بلطف بالغ:
– أنتِ عبقرية، المكان يطيل العمر الآن، أنا الآن أشرب قهوتي في التكييف وفي الوقت نفسه وكأنني أجلس في الحديقة، كريم فعلًا محظوظ بزواجه منك، وليس لأنك ليلى السناري شقيقة سعد السناري، لا .. محظوظ لأنك تحبينه من قلبك ..
إنها الآن تشعر بامتنان رهيب، محمود فعلًا أب رائع، يستحق كل المدح الذي يمدحه به كريم، لماذا تسرعت وطاوعت شيطانها واتهمت كريم؟ من حظي بأب مثل محمود لا يمكن أن يكون فرجًا ثانيًا أبدًا.. والدليل الحي على أن الجينات الخبيثة لا تسود كان سعد، فسعد على الرغم من أصله المنحط إلا أنه كان مثالًا للرجولة والشهامة ولا يمكن أن يكون فرجًا ثانيًا أبدًا، فما بال كريم الذي له جينات أب مثل محمود؟
أنيسة الخادمة أحضرت القهوة، رفعت فنجانها بيديها المرتعشتين
عيون محمود الخبيرة لاحظت ارتعاشها:
– ليلى .. أنا قد ربيت كريم جيِّدًا، أنشأته على المبادئ، بالنسبة لضابط والده له منصب مثل منصبي كان من الممكن أن يستفيد كثيرًا، لكنه رفض واسطتي وأخذ السلم من بدايته، هل تعلمين ماذا يسمى في الوزارة .. يسمونه “صاحب المبادئ” نعم هكذا يسمونه، كريم يعتقد أنني نقلته إلى مصلحة السجون لأنه مكان هادئ وأفضل في ظل ظروف البلد الحالية وهو وافق لأنه اعتقد أنه يستطيع التغيير هناك لكنه لا يعرف الحقيقة، كريم دخل إلى عش الدبابير وبدأ يقلب في صفحات الكبار، عمله في الأموال العامة كان نكبة كبيرة على أناس كثيرين، كريم تلقى تهديدًا بالقتل واضطررت للتدخل، نظرة الرعب المرتسمة على وجهها جعلته يقول:
– لا تخافي فأنا أستطيع حمايته عندما علمت بالتهديدات والخطة المرسومة له أقنعته بالنقل، اقتنع فقط عندما أخبرته أنه يستطيع التغيير هناك لأني أدعمه في المصلحة أما محاربة المافيا وحيدًا كانت ضربًا من الجنون وبالفعل بدأ التغيير من أبو زعبل، كريم مثالي جدًّا يا ليلى ويعيش في عالم لم يعد له وجود، مؤمن بالعدل والمساواة بين الناس، يكاد يكون كاملًا لكن!! مشكلته الوحيدة أنه كما يعطي كل ثقته لمن يرى أنه يستحق فإنه يسحبها فورًا وللأبد لو شعر بالغدر حتى ولو لمرة واحدة وللأسف لن يعود إلى الثقة فيه مهما فعل.
ليلى.. أرجوكِ أن تعامليني كوالدك.. صارحيني يا ابنتي، ما خطبك اليوم وجهك أصفر وترتعدين؟ هل تنوين الخروج؟
يالَذكاء هذا الرجل الداهية هزت رأسها بالموافقة، وأجابته باستسلام:
– نعم سأذهب لرؤية سعد
صدمها بقوة وأكد شكوكها عندما أجابها بهدوء ..
– اهه، أبلغيه سلامي، أنا أحترم السناري الصغير جدًّا، وخصوصًا عندما تقصيت عنه جيِّدًا وعلمت كل شيء عنه، سجله نظيف على الرغم من .. محمود صفى صوته وقطع كلامه، رعشتها أصبحت لا تحتمل، شعرت أنها سوف تفقد الوعي مجددًا، بالطبع اللواء محمود يستطيع معرفة أي شيء يريده ..
وكأنه شعر بانفعالها وأعصابها المشدودة التي كانت كأنها سلك حريري سينقطع في أية لحظة ..
– ليلى كريم يحبك، وأنا أيضًا أحببتك، هل تدرين لماذا؟؟؟ لأني أعلم أنك الوحيدة التي تستطيع أن تجعل كريم سعيدًا وينبض بالحياة، لكن على قدر الحب تأتي المسؤولية، لديك مسؤولية لا بدَّ وأن تكوني قادرة على حملها وإلا وجب عليكِ طلب المساعدة وأنا هنا لأجلكم، فعندما تعاقبين كريم عن ذنب لم يذنبه تكونين تشعلين النار في أساس علاقتكما المتين، تذكري جيِّدًا أن البشر لا تتشابه والظروف أيضًا لا تتشابه وعندما تأتي الفرصة مرة ثانية تكون أشبه بالمعجزة والمعجزات نادرًا ما تتكرر وتهبك فرصة ثالثة، اليوم كريم غادر بمزاج سيء يهدد سلام علاقتكما التي أراها مميزة، حافظي على فرصتك واستمتعي بها، فالتفكير أيضًا يقلل من السعادة، وبدون إضافة المزيد اللواء المحترم عاد لتصفح جريدته باهتمام، وهو يشاركها أهم الأنباء اليومية ..

يا الله كلامه الغامض أثار حيرتها .. تساءلت برعب عن حدود معرفته لماضيهم الأسود، هذا الرجل لغز محير عجزت عن فهمه، لكنها في النهاية تحترمه فهو يستحق الاحترام والتقدير، شكت بقوة أن كريم أخبر والده عن جدالهما الصباحي فمن الواضح أن علاقتهما قوية جدًّا.
نزول ريم أنقذها من الكذب على محمود، ليلى دهشت عندما لاحظت أن ريم كانت متأنقة للغاية في مثل هذا الوقت الباكر من الصباح ..
وبادرتها بالحديث لتسألها بفضول شديد:
– ليلى .. هل ستخرجين؟
– نعم .. سأذهب لزيارة سعد وربما أمر على مكتبي.
إجابتها لم تنل إعجاب ريم التي ظهرعليها الإحباط لثوانٍ ثم استعطفتها:
– أنا أشعر بالملل خذيني معك.
بماذا ستجيبها وهي صدمت بقوة، الحيرة انتابتها كيف تتصرف في مثل هذا الموقف؟ ماذا سيكون رد فعل سعد إذا أخذت ريم حتى عتبة داره؟
وعندما حاولت الاعتراض نظرات ريم ترجتها، ثم وضعتها أمام الأمر الواقع ولم تترك لها فرصة للرفض:
– أبي أخبر أمي عندما تستيقظ أننى خرجت مع ليلى ..
*****
صفقت بجذل كالأطفال وهي تجلس بجوار ليلى في المقعد الخلفي من سيارتها الفاخرة:
– شكرًا ليلى .. لساعتين وأنا أتأنق على أمل أن يأتي سعد لزيارتك وعندما علمت أنك ستخرجين أصبت بالإحباط، أشكرك لأنك وافقتِ على قدومي معك ..
قلبها تألم بشدة من أجل ريم، من أجل سعد، القدر القاسي لن يسمح لهما بالسعادة، وخصوصًا بعد كلام محمود هذا الصباح، لا ريب أنه بات يعلم ربما يوافق عليها لكريم فمهما كان أموال سعد تسترها، وأيضًا كريم قوي لا يمكن السيطرة عليه أو إخضاعه، أما الوضع لريم فربما يكون مختلفًا كل الاختلاف، حاولت الكلام، لكن ريم منعتها وقالت بحزن واضح:
– لا داعي للكلام يا ليلى فأنا أعرف حقيقة وضعي جيدًا.. أنا لا أنتظر منه أي شيء لكن على الأقل لا تحرميني من رؤيته حتى من بعيد فهي كل ما أملك، لكن هل تعلمين؟ أنا أعلم أنه يغار حتى لو لم يرد الاعتراف؟ يوم زفافك كان على وشك أن يمزق أحد أصدقاء كريم لأنه تجرأ وتحدث معي وتحداني أن أعترض على قراره ..
هكذا هو سعد أسد غيور، دموعها انهمرت كالبحور، فهي لا تستطيع إعطاءها أي أمل، لا تستطيع البوح لها عن مشاعرسعد تجاهها، ليس لديها الحق في إعطائها أملًا كاذبًا، حمل سعد يطوقه بقسوة، فاتورة ضخمة من الأحزان اضطر لدفعها وهو يسددها يوميًّا..
“لماذا الدموع الآن؟” سألتها بدهشة عندما شاهدت دموعها:
– كان لدي بعض الشكوك ولكن دموعك الآن أكدت لي، ماذا بك اليوم؟ أنتِ غير طبيعية بالمرة عند رجوعك أمس كنتِ كالوردة النابضة بالحياة أما اليوم فالوردة تعاني هل تشاجرتِ مع كريم؟
أجابتها من وسط دموعها:
– مطلقًا .. أنا التي أخطأت بغباء أما هو فلم يفعل أي شيء ..
– كريم يعشقك يا ليلى.. لأول مرة في حياتي أرى أخي يحب .. ربما يكون غاضبًا قليلًا الآن لكن بمجرد سماع صوتك سوف يحن .. هاتفيه .. أنا لا أريد معرفة التفاصيل لكني أعرف كريم جيِّدًا لو فقط سمع صوتك سينسى سبب غضبه لأنه يحب ومن يحب يسامح ..
بالطبع، هذا ما يجب عليها فعله، يجب عليها أن تتصل به، تعتذر عن غبائها غير المبرر، لماذا يتصرف الإنسان أحيانًا بغباء مطلق، آه لو فقط فكرت قليلًا قبل تهورها..
السيارة توقفت أخيرًا في حرم فيلا السناري .. عرين الأسد ومملكته..
ترجلت من السيارة وجذبت ريم المترددة ودخلتا يدًا بيد, ربما لأنها علمت أنها مفضوحة بدرجة كبيرة فمهما حاولت فوجهها الطفولي لا يعرف كيف يخفي ما يشعر به ..
فور وصولهما سميرة بدأت في إعطائها تقريرًا مفصلًا عما حدث خلال أيام غيابها .. سميرة البسيطة كانت من أفضل الأشياء التي حدثت لهم منذ عودة سعد كأن عودته فتحت عليهم باب الخير .. واحتوتهم بحنان عوض قليلًا افتقادهم لحنان الأم .. فمعاملة سعد المميزة لأبنائها الذكور والراتب الجيد الذي يعطيهم إياه جعلها تحمل سعد وأشقائه في عينيها .. واليوم سميرة الحنونة كانت حزينةً جدًّا وتشعر بالقلق على سعد وأبلغتها في كلمات موجزة أنه أصبح يقضي معظم يومه في مكتبه في الفترة الأخيرة.. وأن حسن لديه ارتفاع في درجة الحرارة ولم يستطع الذهاب للشركة اليوم ..ثم احتضنتها بحنان غامر فجأة وقالت بحزن واهتمام أمومي:
– من الجيد حضورك يا ابنتي، لا أدري ماذا حدث لسعد ولكنه منذ يوم زفافك وهو مكتئب ويحبس نفسه في مكتبه حتى لم يعد يخرج حتى إلى الشركة، أنتِ تعلمين أننى أعتبركم مثل أبنائي وأتمزق من الألم لرؤية سعد هكذا حتى حسن أيضًا يشعر بالمرض ولا أدري إن كان غيابك يمرضه أم أن لديه خطبًا ما لكن فقط سالم حماه الله هو المتماسك الوحيد ويحمل الحمل كله لكنني أعلم أنه يخفي ألمه أيضًا، جميعهم وكأنهم فقدوا حماستهم برحيلك.. ربما زيارتك اليوم تعيد الحماسة إليهم ..
لم تكن تحتاج إلى كثير من الذكاء لتفهم نظرات ريم التي وجهتها لها مع كلام سميرة، مجددًا عينيها ترجتها بإعطائها فرصة، فرصة لمقابلة سعد وحدها، ربما تمكنت من خرق دفاعاته، علمت أنه يعاني وأرادت التخفيف من ألمه، باقتسام الهم معه فما فائدة حبها له إن لم يتمكن من رتق شقوق روحه.
– سميرة من فضلك أبلغي سعد بحضوري .
– حسنًا واتجهت على عجل لمكتب سعد لإبلاغه بحضور ليلى على أمل أن تنجح في تغيير مزاجه الأسود.
إنها فهمت رسالة ريم الصامتة، الحب واحد عند جميع البشر مهما اختلفت مستوياتهم ومن اكتوى بالحب يفهم رسائل الحب بوضوح، وهي تحب وبجنون.
– ريم، سأصعد لرؤية حسن، وفورًا صعدت الدرج باتجاه الطابق الثاني وتركت ريم في مواجهة سعد، ترددت كثيرًا وتساءلت عن مدى صواب فعلتها، فريم تتعلق بسعد بسرعة هائلة ومازال لديها أمل في اختراق دفاعاته ..
المسكينة كانت مشغولة في أفكارها الخاصة، في حبها، لدرجة أنها حتى لم تلاحظ حجابها وهذا أنبئها بأن ريم قد عبرت الخط الذي ليس معه رجوع،
طرقت باب غرفة حسن ثم فتحته برفق و دخلت على أطراف أصابعها متجنبة إيقاظه إذا ما كان نائمًا لكنها وجدته جالسًا على مكتب في طرف غرفته.
والذي قفز بفرح عندما رآها .. اقترب منها وأخذ يدها في يده..
– ليلى مرحبًا بعودتك، لقد افتقدناكِ جدًّا، المنزل أصبح كئيبًا بدونك.
سألته بقلق:
– ماذا بك؟ سميرة أخبرتني أنك تشعر بالمرض.
أجابها على الفور وهو يكذب بطريقة واضحة.
– مجرد القليل من الرشح واختفى بمجرد رؤيتك، دعك مني وطمئنيني عليك، مبروك الحجاب، كريم السبب؟؟
إنها تعرف حسن جيِّدًا وعلمت أنه يكذب ولم يعانِ الرشح لكنها تعلم كم هو حساس ويتأثر بالأمور، بالتأكيد هو شعر بالمرض لأن سعد يشعر بالكآبة ولأنه يشعر بالقلق عليها، فهو لم يعتد على غيابها عن المنزل.
– أنا بخير الحمد لله، وكريم ليس السبب في حجابي، لكنه بالتأكيد سيكون سعيدًا عندما يعلم، أنت أخبرني بالتفصيل عن أحوال سالم وسعد فكما تعلم هما لا يشتكيان أبدًا.
– سالم بخير، على الأقل خارجيًّا يبدو متماسكًا وفعليًّا هو من يقوم بكل العمل الآن، وأنا قررت العودة إلى الدراسة، وسعد منعزل من فترة وأشعر بالقلق عليه، فهو يبدو منهارًا لكنه يرفض الكلام، منذ يوم زفافك لم يغادر مكتبه مطلقًا، إنه ليس سعد الذي نعرفه، على الرغم من كل ما مر بنا من قبل لكنني لم أره هكذا أبدًا وأخاف أن يكون قد استسلم أخيرًا ..
إنها تدرك جيِّدًا ما خطبه، “الحب”، سعد يحترق بنيران الحب المستحيل ولذلك أشفقت عليه، حاولت إعطاءه فرصة مع ريم، قررت إطالة غيابها لأطول وقت لإعطائها فرصة لكسر درعه الأخير والأصعب، حديثها مع حماها صباح اليوم أعطاها لمحة من الأمل، وأيضًا الكثير من الخوف، لكن لهجته لم تحمل التهديد أبدًا، لن تترك سعدًا يستسلم أبدًا،ريم لن تتركه يستسلم أبدًا،استسلام سعد هو نهايتهم جميعًا.
جلست على المقعد المقابل لحسن وهي تضع إحدى ساقيها فوق الأخرى براحة وقالت بفضول:
– سعد قوي لا تخف عليه أبدًا، ربما يمر بأزمة لكنه سيتخطاها كما كان يفعل دائمًا، جميعنا أقوياء، حتى أنا وأنت صحيح أننا أضعف نسل السناري، لكننا أيضًا أقوياء لمجرد أننا تمكننا من الصمود حتى الآن رغم ما حدث، أهنئك على قرارك وأدعمك بالكامل لكن الآن أخبرني كيف ستبدأ الدراسة من جديد وماذا ستفعل بالتحديد؟؟؟؟





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى