رواية قلب من جليد الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم غادة علي – تحميل الرواية pdf

رواية قلب من جليد الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم غادة علي
الفصل التاسع والعشرين
تجلس علي الكرسي المقابل له في ذاك المطعم الانيق ..اخذت نفس عميق وهي تدخل في صلب الموضوع مباشرتا قائله ” بص يا عمر ..قبل ما هقولك السر …لازم تفهم حاجه …هما اولا سرين ..بس عشان اقولهوملك محتاجه احكيلك حياتي بالتفصيل “
ليتكلم بابتسامه عاشقه ” كلي اذان صاغيه “
لترتجف شفتاها وهي تقول ” انا مكنتش ساكنه في البيت ده طول عمري ..تؤ ..كان عندناا بيت كبير اوي ..كنا عايشين فيه انا وبابا وماما وادهم وانكل سليم وطنط ساميه ونهال …كان بيت ملياان حب …كنت متعلقه ب بابا بجنون ..كان معايا في كل خطوه في حياتي …خلاني احب الغناا احب التصوير ..احب الرسم رفم اني مش بعرف ..كان مالي بيتنا زمان بلوحات كتير ..بس الاختلاف انها كانت لوحات خقيقه ..كانت صور من حياتنا ..بيرسمها و يعلقهاا ..فضلت حياتنا بالشكل ده لحد ما وصلت الستاشر سنه…في الفتره دي كان بابا وعمو عملوا شراكه مع رجل اعمال كبير ..وبعد فتره من البيزنيس ده ..حصلت فتره اضطرابات ..وساعتهاا ..اصر رجل الاعمال ده ..انه ينتقم من بابا ..لان مكسبش اللي كان متوقعه …واستخدم كل الطرق القذره اللي ممكن تتخيلهاا لحد ما خد بيتناا وشركاتنا ..ولولا المجوهرات بتاعت ماما وطنط ساميه مكناش قدرنا نشترري البيت اللي احنا عايشين فيه دلوقتي …وبابا من حسرتو مات…كنت ساعتها تميت التمنتاشر ..وادهم كان لسه في طب ..بدات اشتغل جنب الدراسه ..وهو يشتغل ..لحد ما ظبطناا العيشه وادهم اتخرج ..وحاولناا نبني حياتنا تاني ..لحد من سنتين “
ثم اخذت نفسا عميقاا تحاول ان تخفي من ارتجافه روحها وهي تمسح دموعها التي اتخذت وجنتبها مجرا لها…
اكملت بصوت مخنوق ” لحد من سنتين اتقدملي زميلي في الجامعه ..مكنتش حبيته ..بس اقنعت نفسي ب ” خدي اللي بيحبك” ..واتخطبناا وفضلنا سنه بس مخطوبين ..لحد ..”
ثم سكتت قليلا تحاول التنفس ..ثم تكمل وجسدها يرتعش بقوه ” لحد ما جه يوم عيد ميلادي ..كنت قاعده بحضر للكولكشن الجديد كان لساله كام يوم وهيتعرض ..فا كنت بظبط التفاصيل الصغيره اللي باقيه ..لحد ما موبايلي رن ..رديت لقيت انس ..بيصرخ ويقولي الحقي ادهم بيموت ..جريت برا البيت بسرعخ ..من غير ما افكر لابسه ايه شكلي ايه ..خدت اول تاكسي قابلني وكان سايقه واحد عجوز ..خوفي علي ادهم كان اكبر من اني اني افكر في اي حاجه ..بدات انرجي السواق يسرع ..مره في التانيه ..سمع كلامي ..لحد ما ..لحد ما وقفنا عند اشاره …قعدت اتاحيل علي الراجل يكسر الاشاره ..وهو لما لقاني منهاره ..كسر التشاره وعديناا ..بس ..بس فجاه طلعونلنا عربيتين من العدم ..وخبطو العربيه اللي كنا فيهاا ..بعدها مش فاكره اي حاجه غير وش الراجل العجوز ده “
كانت يدها ترتعش والدموع تتلاحق علي وجنتيها ..ليمسك عمر يدها بحنان ..لتطمئن نسبيا ..لكن لا مجال للتراجع ..ستخوض تلط المعركه بكل ما اوتيت من قوه
استجمعت انفاسها من حديد وهي تقول ” صحيت لقيت نفسي في المستشفي ..حواليا انس ونهال وادهم وماما وعمو سليم وطنط ساميه ..كانت راسي وجعاني اوي ..بدات اتكلم بصعوبه ..وطمنتهم اني صحيت ..بعدها دخل الدكتور ..عشان يفحصني ويتاكد من الاضرار ..بدا يفحص عيني وداني ايديا ..لحد ما وصل لرجلي ..حرك رجلي اليمين ..وقدرت احركها ..قالي حركي الشمال ..حاولت ..حاولت والله بس معرفتش ..كانها مش في جسمي اصلا ..بدات الاشاعات والفحوصات تتركز علي رجلي .. اكتشفت ان عصب رجلي تلف ..بس في احتمال اني اقدر احركو تاني بالعلاج الطبيعي ..بس للاسف قدم رجلي نفسه متحركش ..وبعد الفحوصات عرفنا ان اعصاب قدمي ماتت تماما “
نظر لها بدهشه ..بدت ثابته تماما في هذا الجزء من حياتها ..حاول مقاطعتها لكنها اشارت له بالصمت ..
لتكمل هي بثبات غريب ” حاولو كلهم يخلوني ابترها واركب واحده صناعيه ..هتبقي اسهل في الحركه ..هتمنع وجع ..بس انا رفضت ..حاول ادهم انهم يعملولي عمليات بس برضو رفضت ..وبعدها عرفت ان السواق مات ودخلت في اكتئاب فظيع …وبعدها انفصلت انا وياسر ..فضلت فتره ماشيه بعكاز وبعدها مشيت بالمقاويم واحهزه التدعيم “
نظر الي قدمها بسرعه وصدمه ..لتدسها خلف كرسيها قائله ” بعد اذنك يا عمر .سيبني اخلص كلامي الاول ..انت متعرفش مين عيلتي …فا احب اعرفك بهدوء .اني اسيا فؤاد الهادي “
نظر لها بصدمه شديده ..لتكمل بثبات ” ورجل الاعمال اللي موت ابويا بعد ما خسره اللي وراه واللي قدامه ..يبقي جدك وابوك يا عمر ..والبيت اللي انتو عايشين فيه ده بيت ابوياا ..ولو مش مصدقني ..اتفرج علي كل اللوحات اللي فيه هتلاقيها شبه صور عندنا في البيت …ودلوقتي بعد ما عرفت كل حاجه القرار ليك “
لم ينطق ..ولم يرمش له جفن …كانت تعلم انه مصدوم ..فتركته حتي يفيق من صدمته …دقيقه.. اثنتان ..ثلاث …فاق من صدمته ..ثم حاول الكلام مدافعا عن حبه ..لياخذ منه التردد لحظتين ..فيغلق فمه مره اخري وهو ينظر لقدمها …لتبتسم بوجع وهي تاهذ حقيبه يدها وتنطلق الي الخارج بهدوء ..يشبه ذاك الهدوء الذي نزلت به الدموع علي وجنتها ….
فان كان الصمت كارصاصات المحشوه ..فاحيانا الصمت كالقنبله الذريه التي تنفجر في القلب تاركه به الما لا يطاق
* * * * * *
ظل هو مكانه ..ينظر للكرسي التي تركته بندم فظيع ..كيف تركها تذهب ..كيف لم ينطق ..لكن كيف يريد ان ينطق ..هو يحتاج ان يعيد حساباته … لكنه خسرها
زفر بضيق وهو يرمي بعض الورقات النقديه علي الطاوله …ثم انطلق بسيارته حتي القصر
دخل مهرولا ..ليصل الي البهو الرئيسي فيلفت نظره تلك اللوحه ..لينظر اليها بتدقيق ..نعم انها نفس الصوره التي راها في منزلهم ..ثم تذكر كلمات والدتها ” دي بنتي قبل ما يكسرها القدر ..وقبل ما يلفها البرود “
الان فقط علم ..الان فقط عرف هويه ذاك العرج بقدمها اليسري ..ابتلع ريقه بمراره ..حوريته تعاني وهاهو يقف امام ذكرياتها ساكناً
” كنت ناوي اعرفك كل حاجه ..بس هي قالتلك ..بجد بتبهرني بشجاعتها “
التفت لجده يناظره بصمت ..ليكمل الجد ” متوقعتش انها تقولك…بس عجبتني بنت فؤاد”
تكلم عمر بحده قائلا ” كنت عارف موضوع رجليها “
ليقهقه صقر عاليا ” طبعا ..اذا كنت انا اللي عملتهلها”
نظر له عمر بصدمه ليكمل صقر بلامبالاه ” كان قصدي اقتلها ..بس يلا اديها بتتوجع ..لو كانت ماتت كانت اترحمت “
ثم التفت لتلك اللوحه وهو يتكلم بقسوه ” اللوحه دي عزيزه علي قلبي جدا…وقف فؤاد هنا ..يترجاني ياخدها وهما بيفضوا البيت …وفجاه لقيتها قدامي ..كانت طول عمرها متمرده ..قاسيه…شعله متحركه ..قادره تبقي في برود الجليد لما تعوز …عليها عنين ..بتضوي وتنور في الظلمه …وقفت بهيئتها قدامي هنا..وبكل قله زوق قالتلي ” بلها واشرب ميتها بعد دوا الضغط يا جدو ” …ليضحك لتسليه ” وبعدها قربت ورفعت صباعها في وشي ” الضغط اللي انا هاجبهولك انشاءالله …وفعلا . بعد ما ابوها مات .اشتغلت في شركه ابوهاا ..عشان تبينلي ان ميهمهاش حد …وففت الشركه علي رجليها تاني …واتحدتني كتير ..لحد ما قطعتلها رجلهاا …و بحركتك ..لسانها هو كمان هيتقطع “
ليعقد عمر حاجبيه ” لالا ..انا مش عايز كده ..انا بحبهاا “
ليتكلم صقر بلهجه قاطعه ” انت محبتهاش يا عمر ..والا كنت علي الاقل واسيتهاا…انت لو كنت بتحبها ..مكنتش هتسبها ترتعش قدامك واتهته في الكلام…مكنتش هتسبها تعيط بالطريقه دي …مكنتش مش قادره تجمع جمله علي بعضها ..وبعد كله ده مكنتش هتسبها تمشي من غير ما تقول ولا كلمه ..لمجرد انك مصدوم “
نظر عمر في اثر جده وصدي كلماته يتردد بداخله والفكره المسيطره عليه ” هل فكرت اسيا كذلك “
* * * * * *
جلست بجانب ادهم في السياره دون حديث ..ولم يحاول ان يتحدث هو الاخر …وما ان وصلوا حتي دخلت غرفتها وتكورت علي السرير في وضع الجنين وتركت لدموعها العنان حتي دون ان تغلق الباب واو حتي تخلع حذائها ….ظلت تبكي وهي تكتم شهقاتها بوجع …حتي شعرت بثقل بجانبها وذراعين التفا حولها لتستكين علي صدر صلب ..صدر طالما رمت همومها عليه ..وكم هجرته منذ ذاك الحادث ..لكن الان تشعر باحتياجها له وبشده …لتبدا بالنحيب بصوت اعلي وشهاقاتها الموجعه تزداد وبقوه …
لتسمع همس دهم في اذنها قائلا ” اهدي يا حبيبتي ..اهدي”
لتتكلم بنحيب قطع نياط قلبه ” تعباانه يا ادهم ..تعبانه “
ليهمس مجددا ” انتي اقوى من كده”
لتبكي مجددا قائله ” انا اتكسرت يا ادهم …صقر الراوي عرف يكسرني يا ادهم “


