Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل السادس 6 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

+

                              

الفصل(6)

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

+

                              

وقف يوسف يلقي تعليماته لفريق العمل لديه في استوديو التصوير حيث يقوم بتصوير أولى أعلانات الحملة الدعائية لأزياء الندى، فيما وقف أنور بجوار غسّان والذي أتى لحضور جلسة التصوير، دلفت ندى وهي تطالع فيما حولها، لتبتسم ما إن وقع نظرها على أنور الذي سار باتجاهها برفقة غسان لتهنئتها على بدء انطلاق الحملة الاعلانية الضخمة، فتلقت تهنئتهما ببشاشة، وتبادلت معهما بعض العبارات الخفيفة، وبعد قليل شعرت بظل ضخم يقع فوقهم، فرفعت عينيها تلقائيا لتصطدما بنظرات تلمع كالألماس الأسود أسرت عينيها، وكان أنور هو أول قطع لغة العيون التي سادت بينهما في غفلة عمّن حولهما حيث قال هاتفا ببشاشة:

+

                              

– جو…. ندى جات عشان تحضر تصوير الاعلان… ها… هنبدأ تصوير امتي؟..

+

                              

وقف يوسف وهو يضع يديه في جيبي بنطاله الأزرق الداكن الجينز، بينما يغطي جذعه العلوي قميص قطنيّ باللون الأسود مشمّرا عن ساعديه فبرزت عضلات ذراعيه القويتين فيما ترك أزرار قميصه مفتوح الى منتصف صدره فظهر شعره الأسود الذي يكسوه بينما تكاد عضلاته أن تمزق القميص من ضخامتها، فيما كانت خصلات شعره السوداء مشعثة دليلا على تمريره لأصابعه فيه عدة مرات، وقف يلقي عليها بنظرة ناعسة من بين رموشه السوداء الطويلة قبل أن يجيب ببروده المعهود:

+

                              

– حالا.. بيستعجلوا مايسة…

+

                              

وما أن أنهى عبارته حتى سمع صوت صفير عال من غسّان هتف بعدها بحبور واضح وعينيه تلمعان بإعجاب واضح لنقطة معينة خلفه:

+

                              

– وااو… شو هاد!!… يؤبر ألبي ها.. الجمال!!!

+

                              

ليفغر أنور فاه دهشة بينما جحظت عينا ندى برعب فيما قطب يوسف بعمق!!!…

+

                              

فأمامهما كانت مايسة تقترب وهي تتهادى فيما من المفترض به أن يكون ثوبا طويلا يكاد يصل الأرض، محكم من الأعلى حتى الخصر بأزرار عريضة من الأمام، فيما ينسدل على اتساع الى الأسفل، وبدون أكتاف حيث من المفترض أن ترتدي سترة قصيرة ذات أكمام طويلة تصل الى أسفل الصدر لتغطي كتفيها، ولكن مايسة لم ترتدي تلك السترة، لتظهر بشرتها الذهبية تلمع أسفل أضواء الكاميرات، وقد مشطت خصلاتها الحمراء على هيئة جديلة ألقتها على كتفها الأيمن، واكتفت ببعض رتوش من الزينة وان كانت لم تستغني عن حمرة شفتيها القانية!!!…

+

                              

كانت مايسة أول من قطع الصمت السائد حيث وقفت أمامهم وهي تضع يدها اليمنى في منتصف خصرها وتميل برأسها الى الجهة اليمنى قائلة بابتسامة أنثى تعلم مدى فتنتها وجمالها:

+

                              

– إيه رأيك يا جو؟.. 

+

                              

غسّان بانبهار وهو يدور حولها:

+

                              

– ممتاز… ما بعتئد فيه جمال متل هيك!!!

 فنظرت اليه ندى باستهجان قبل أن تقول بذهول غاضب:

+

                

– جمال إيه يا غسّان؟.. هي دي أزياء الندى اللي احنا اشتغلنا عليها؟.. هي دي اللي هنعلن عنها؟.. دي اللي بتجمع بين الأناقة والرقي؟!!!!

 حكّ غسّان رأسه بيده وأجاب بحرج:

+

– ما بعرف شو بئول ندى، لكن أنا بحكي ع اللي بشوفه ئدامي، انما من ناحية أنه هيك أزياء الندى.. فأنا بعتئد انه فيه شيء نائص، بعتئد انك نسيتي تلبسي جاكيِتْ الفوسطان مدموازيل؟!!!

 مايسة بابتسامة ناعمة وبثقة تامة:

+

– لا، أنا ما نسيتش ولا حاجة، انما البوليرو شكله مش حلو خالص، كدا أحلى…

+

هتفت ندى بحنق:

+

– وأنتي مالك؟.. أنتي ليكي انك تلبسي اللي احنا نقولك عليه!!.. هتغيري في الموديلات بتاعتنا كمان؟…

+

ثم التفتت الى يوسف الذي وقف يتابع الجدل الدائر من حوله في صمت أثار توجس أنور، وهي تشير الى مايسة التي وقفت تطالعها في تحد:

+

– اتفضل يا سيادة المخرج العظيم، مش دا شغلك اللي وقفت وقولتلي…

+

وأغلظت صوتها مقلّدة صوت يوسف:

+

– دا شغلي وأنا ما أسمحش لحد أنه يتدخل فيه!!!…

+

لتستعيد صوتها بعدها فورا وتردف بحدة هاتفة:

+

– اتفضل… دا شغل دا؟.. جايب لي إيرما لادوس تعلن لنا!!!!

+

وقف يوسف يستمع اليها وهو على وضعه الصامت فيما أخفى وببراعة ابتسامة اعجاب بطريقتها في محاكاته، ولسان حاله يتساءل.. “هل صوتي بمثل هذه النعومة؟.. هل أتمايل وأتراقص بكتفي كما فعلت تلك المستفزة المشاكسة؟.. لَعمري فأنا لا مثيل لي حينها!!”..

2

كانت مايسة من اندفعت تهاجمها قائلة وهي تضع يديها الاثنتين في وسطها:

+

– لو سمحتي، أنا ما أسمحش بتطاولك عليا، وبعدين أظن أنه فيه مخرج هو اللي يقول كدا صح ولا غلط، انتي بتدخلي بصفتك إيه؟..

+

ندى برفعة حاجب وبمنتهى الثقة المطلقة:

+

– حقي أني أتدخل، دا شغل وتعب ناس اللي انتي بتضيعيهم بأكتافك العريانة دي وشفايفك اللي عاملة زي ما تكوني فامبير- vampire (مصاصي الدماء)!!!!… وبعدين أنا اللي بدفع للحملة دي، يعني لو معجبنيش الشغل هضطر أسحب الحملة من عندكم وأتفق مع شركة تانية ما فيش مشكلة خالص، فيه بدل الشركة عشرة تتمنى تتعامل مع مجموعة الراوي!!..

+

أنور بترجي:

+

– يا ندى هدِّي نفسك، الموضوع أبسط من كدا، صدقيني..

+

ليقاطعه صوت يوسف الباتر وهو يقول ببرود غليظ:

+

– مش محتاج تعتذر لها يا أنور..

+

ثم أشار بيده لندى مردفا بابتسامة ساخرة صغيرة:

+

– لو حضرتك عاوزة تفسخي العقد ما فيش مشكلة، براحتك خالص.. إسم يوسف طاهر نجاح لأي حملة أعلانات، وزي ما فيه كتير عاوزين يتعاملوا مع مجموعة الراوي، فيه أكتر يتمنوا يوسف طاهر هو اللي يمسك حملات اعلاناتهم…

+

        

          

                

نظر اليه أنور برجاء ولكنه لم يلق له بالا وبدلا من ذلك تابع بفظاظة:

+

– بس ما تنسيش تدفعي 300 ألف جنيه..

+

فغرت ندى فاها وهتفت باستنكار:

+

– نعم؟!!!!.. 300 ألف جنيه؟.. ليه ان شاء الله؟..

+

يوسف ببساطة وهو يفتح ذراعيه بجانبه:

+

– الشرط الجزائي يا.. نائبة رئيس مجلس الادارة!!!…

+

تخصرت ندى أمامه وقد طار هدوئها المعهود أدراج الرياح أمام هذه الكتلة العضلية من الرجولة القمة في الغرور والتعجرف وهتفت بحدة:

+

– ونفس الشيء بالنسبة لكم!… انتم اللي هتدفعوا الشرط الجزائي لأنكم ما التزمتوش باتفاقنا، عدم تغيير أي من مواصفات المنتج المعلن عنه، وأعتقد اللي قودامي دا مش بس تغيير.. لأ!!.. دا تبديد لكل مواصفاتنا..

+

يوسف ببرود صقيعي:

+

– أظن الكلام دا لما الاعلان يتصور فعلا وينزل بمواصفات غير مطابقة لمنتجكم، لكن لغاية دلوقتي ما فيش مشهد واحد اتصور من الاعلان، يعني من الآخر مالكوش حق عندنا، والشرط الجزائي انتو اللي هتدفعوه عشان انتو اللي انسحبتوا ومن غير أي سبب!!..

+

حدقت به ندى واسعا وقد فتحت عينيها على وسعهما ليرى يوسف شرارات من لهب تتراقص ألسنتها بين بنفسجي عينيها، ذلك اللون الذي يشع منهما، فكأنهما حجر نادر الوجود، أفاق من شروده على صوت أنور يقول:

1

– يا نادو استهدي بالله بس، احنا هنصوّر الاعلان وتشوفي..

+

يوسف مقاطعا له بفظاظة:

+

– محدش هيكون في الـ location بتاع التصوير إلا اللي معنا، أنا مش عاملها سنيما.. أي حد عاوز يتفرج ييجي…

+

شعر غسان بالحرج فقال بابتسامة صغيرة:

+

– هادي طاردة معناتاها خيّ يوسف؟!!!

1

يوسف زافرا بعمق:

+

– لا يا غسّان، انت المستشار الاعلامي لمجموعة الراوي، يعني حقك تكون موجود، لكن غير كدا… لأ!!!

 هتف بآخر كلماته “لأ”… بقوة وهو يركز عينيه على ندى التي طغى اللون الأحمر على وجهها حنقا وغيظا، وهمّت بالكلام حين قاطعها أنور قائلا بابتسامة:

+

– معلهش يا نادو، جو متعصب شوية، لكن هتتفرجي..

+

يوسف بإصرار:

+

– قلت لأ..

+

ندى بغيظ وقهر وهي تشيح بيدها في وجهه:

+

– يعني هتفرجني على صندوق الدنيا يا خي؟!!… أنا هنزل، لكن مش همشي من هنا إلا لما أتفرج على.. شغلك – نطقتها وهي تضغط على حروف الكلمة بسخرية واستهزاء أشعلت نيران عينيه – ولما نشوف، الشغل دا شكله هيكون إيه؟..

+

ثم اتجهت لتغادر موقع التصوير، وقد قررت الانتظار في سيارتها، في حين نظر يوسف الى مايسة التي ارتسمت على شفتيها القانيتين ابتسامة تشفٍّ في ندى، فقال يوسف ببرود جليدي:

+

        

          

                

– تعالي يا مايسة… عاوزك..

+

سارت مايسة خلف يوسف حتى إذا وصلا الى غرفتها دلف لتلحق به، ثم استدار يطالعها بغموض قبل أن يتحدث بصرامة قائلا:

+

– إيه اللي انتي عاملاه في نفسك دا؟!!!

+

قطبت مايسة ونظرت الى ثيابها قبل أن تجيبه بشبه ابتسامة متشككة:

+

– نعم؟.. انت بتكلمني أنا يا جو؟!!!

+

يوسف بنظرات سوداء وأمر لا يقبل الجدال:

+

– شايفه غيرك هنا؟!!!!… 

+

سكتت على مضض في حين أردف هو بصرامة:

+

– أقدر أعرف إيه اللي انتي عاملاه في نفسك دا؟.. إيه اللي خلّاكي تغيري في شكل الفستان؟.. أنتي مجرد موديلز… يعني عارضة… تعرضي اللي أنا أقولك عليه مش اللي انتي عاوزاه… مفهوم؟..

+

مايسة بزفرة حانقة وهي تدنو منه:

+

– أنا مش فاهمه إيه اللي حصل لدا كله؟!!… دا جزائي إني عاوزة الموديلات تبقى أشيك؟.. ولا إنت زعلت عشانها؟… هي إيه اللي فهمها في الزوق واللبس؟.. مش كل اللي بيلبس بيكون شيك يا جو، ولا.. – وسكتت تفكر قبل أن تردف بابتسامة ساخرة – تكون خايف أحسن تفسخ العقد وتدفعك الشرط الجزائي؟!!

+

لم تكد تنتهي من آخر كلماتها حتى شهقت بقوة حين اعتصرت ذراعها قبضة يوسف القوية فيما همس بفحيح مرعب من بين هسيس أنفاسه:

+

– آخر مرة تتكلمي معايا بالشكل دا، شغلي خط أحمر، اوعي تفكري في يوم انك تتخطيه، وأبدا.. أبدا ما تحاولي تتكلمي معايا بلهجة السخرية تاني أبدا، لأنك وقتها هتنسي الكلام نفسه شكله إيه، محدش يغلط فيّا ويفلت من عقابي، المرة دي هعديها لأنها أول مرة لكن مرة تانية ما تلوميش إلا نفسك!!!

+

ودفعها بقوة تاركا ذراعها حتى كادت تسقط لتثبت قدميها في الأرض، في حين نظر اليها بنظرة سوداء، لتعتدل في وقفتها وتشد من نفسها ثم اقتربت منه وهمست محاولة تملقه وهي تحيط عنقه بذراعيها الذهبيتين:

+

– انت زعلت مني يا جو؟.. أنا آسفة – وطبعت قبلة خفيفة على شفتيه قبل أن تواصل – أنا مش قصدي أضايقك.. وليك عليّا من هنا ورايح هنفّذ اللي هتقوله بالحرف الواحد… مهما كان.. إنت جوزي وحبيبي!!!!

+

رفع يديه يمسك بذراعيها الملتفتان حول رقبته وأنزلهما بحزم وقال وهو يطالعها ببرود شديد:

+

– اللي بيننا حاجة، والشغل حاجة تانية خالص، مفهوم؟..

+

مايسة متصنعة الاستسلام التام:

+

– مفهوم يا حبيبي، ثواني.. هظبط نفسي وأحصلك..

+

أومأ يوسف برأسه وقال بأمر:

+

– ما تتأخريش..

+

ثم انصرف وتركها وما إن غاب عن ناظريها حتى طالعت الباب الذي اختفى خلفه وهمست بقسم:

+

        

          

                

– خليك براحتك يا جو، بس مش هكون مايسة الشرقاوي إما خليتك زي الخاتم في صباعي، والايام بيننا يا…. يوسف طاهر!!!!!!

2

  وقف يوسف خارج غرفة مايسة يزفر بضيق مغمضا عينيه ثم فتحهما وهمّ بالسير عندما أوقفته عاصفة مندفعة حتى كاد أن يرتطم بها فرفع يديه يحول بينه وبينها فيما سمع صوتها الصغير وهي تقول بلهاث حاد:

+

– ا.. احنا.. احنا جاهـ… جاهزين يا بوس!!…

1

قطب يوسف ثم قال بصرامة وهو يزيح يديه اللتين لم تلمسانها جانبا:

+

– وإنتي جاية بتجري ونَفَسِكْ بيلقف ليه كدا؟..

+

رفعت عينين لوزتين من خلف منظارها الطبي إليه وأجابته ببراءة وهي تلتقط أنفاسها المتعثرة:

+

– أبدا… بس عشان لاقيتك مشيت انت و عروسة المولد وكنت زعلان فـ…

+

قاطعها يوسف بذهول وحدة:

+

– عروسة إيه؟….، ليرفع سبابته أمامها ويردف بتحذير صارم:

+

– سعادات… أنا مش عاوز مشاكل، مايسة الموديلز الجديد للشركة عندنا، فلو سمحت ارحميها وارحمينا من تشبيهاتك البليغة دي!!..

+

قلبت سعادات شفتها العليا بامتعاض وتمتمت بصوت منخفض فيما تعدل من وضع منظارها الطبي ذو الإطار الأسود العريض فوق عينيها بينما يحوط وجهها خصلات شعرها النحاسية المتطايرة:

+

– أرحمك؟!!.. مش لما ترحم نفسك انت الأول؟.. أنا أعرف بتجيبهم منين وبالسرعة دي؟.. دا ولا اللي بيصطاد كتاكيت!!!..

1

عقد يوسف جبينه في شك ودنا منها وهو يتساءل بتوجس:

+

– انتي بتقولي حاجة يا سعادات؟..

+

سعادات بتلعثم بسيط وهي تهرب بعينيها منه:

+

– ها؟!… لا أبدا يا بوس، بقول ربنا يعينك ويقويك، بتتعب بردو يا ولداه!!!

 فحدّق فيها يوسف بصدمة ثم هتف بها مؤنباً في صرامة شديدة:

+

– سعادات!!!!!…

+

أشاحت سعادات بيدها الصغيرة ذات اللون القمحيّ وأجابت بغير رضا:

+

– خلاص سِكِتْ أهو…، وأقرنت قولها بوضع يدها على فمها، فرماها يوسف بنظرة سوداء قبل أن يزفر بضيق واضح ويقول وهو يبدأ بالسير بعيدا عن الغرفة:

+

– طيب ياللا يا عملي السيء في حياتي، عاوزين نخلص من الاعلان دا!!…

+

سبقها بخطواته الواسعة بينما أزاحت سعادات يدها وهتفت بصدمة تشير لنفسها بسبابتها:

+

– أنا!!.. أنا عملك السيء؟!!… هو انت عملت عمل طيّب في حياتك إلا أنا!!!.. دا يمكن اللي انت عملته معايا يخلّي ربنا يغفر لك عمايلك السودة في حق نفسك، انما أنا بردو مش هزعل منك، عارفة ان قلبك طيب وحنيّن، ومسيرك تلاقي اللي تيجي تشيل الجلخ اللي عليه!!!!..

+

        

          

                

ثم رفعت كفّيها الاثنين وكأنها تدعو وأردفت باخلاص شديد:

+

– بس يا رب تبعد عنه السمّاوية اللي جوّه دي، دا غلبان وهي…. تِعباااااان وسمّها وحش أوي، بيقتل على طول….

+

ثم وضعت يديها في وسطها وتابعت وهي لا تزال تتحدث مع نفسها في حين لم يقف عندها أي من العمال اللذين يروحون ويجيئون في المكان وكأن ما تفعله أمرا طبيعيا ولا يستحق الدهشة:

+

– انما أنا مش هنوّلك اللي انتي عاوزاه يا سمّاوية إنتي، وقبل ما تلدغيه هكون مخلصاه منك، ان شالله موتة تعزئك إنتي وأهلك كلهم!!!!!

+

لتنتبه على صوت عال يصرخ بها من بعيد قائلا:

+

– سعادااااااااااااااااات… إنتي فين؟…

+

أجابت بلهفة وهي تركض اتجاه الصوت:

+

– أنا هناااااااااااااا يا بوس!!!

 ثم هرعت بأقصى قوتها للحاق بيوسف والذي زفر بضيق مكررا بداخله:

+

– أنا اللي جبته لنفسي.. لا وسعادات، أومال لو حزينات كانت عملت إيه؟!!!!..

+

“ستوووووب”….

+

ألقى يوسف كلمته ليزفر الجميع براحة عميقة فقد أوشك يوسف على قتل مايسة في وقت من الأوقات فهي تتدخل بكل شيء من أول النقطة التي يتوجب عليها الوقوف فيها الى الاضاءة حتى “الكاميرا – مان” لم يسلم من تدخلها السافر!!!…

+

تمتمت سعادات وهي تتنهد بعمق:

+

– يااااه.. ألف حمد وألف شكر ليك يارب..

+

ثم أردفت موجهة كلماتها الى يوسف فيما وقف أنور وغسّان بجانبه:

+

– شوف أنا صوّرت معاك اعلانات كتير وقليل انما بالطريقة دي بصراحة ما شوفتش ولا هشوف… بجد كدا كتيييير… أووووووفر يا بوس!!!..

+

زفر يوسف وهتف بها حانقا وهو يضع يديه في خاصرته:

+

– بقولك إيه يا سعادات مش ناقصاكي أصلها، أدينا خلصنا والحمد لله..

+

سعادات بنزق:

+

– بس بعد إيه؟.. بعد ما خلِصْنا احنا؟!!.. أومال بقه لو كانت ستار اعلانات كانت عملت فينا إيه؟.. انما هقول إيه؟.. محدثة نعمة بصحيح!!!

 ليعقب عبارتها الأخيرة وكزة قوية من مرفق أنور لها فنظرت اليه بحنق لتجده يطالعها بعينين محذرتين وهو يرمي بطرف عينه الى يوسف الذي يكاد ينفجر من شدة الغيظ، قاطع أنور التوتر السائد قائلا لسعادات:

+

– المهم دلوقتي يا سعادات، شوفتي الآنسة ندى اللي كانت واقفة معنا هنا؟.. بنت خالتي وصاحبة الاعلان!!..

+

هتفت سعادات بابتسامة كبيرة وقد انقلب مزاجها من السخط الشديد للفرح العارم في أقل من لحظة ولكن هكذا هي سعادات كتقلبات الجو تماما:

+

– أيوة طبعا، البسكوتة اللي كانت واقفة معنا ومشيت لما شافت شيرين رضا 2016!!..

+

هدر يوسف بقوة:

+

        

          

                

– أنور!!!!!!!!

+

فدفع أنور سعادات بقوة في كتفها وهو يحثها على الانصراف من أمامه قائلا بعجلة:

+

 – امشي يا سعادات دلوقتي قبل ما تنولي لقب مرحومة!!!!..

+

لتنصرف سعادات من فورها متجهة الى ندى التي جعلها أنور تنتظر في الاستراحة بالخارج بدلا من سيارتها كما كانت تريد..

+

جلست ندى تضع ساقا فوق ساق تطالع ساعتها اليدوية كل برهة، وكانت قد حدّثت رنا في الهاتف واطمأنت على سير أمور العمل، فـرنا هي من جعلتها تهدأ وتنتظر كما طلب منها أنور، حيث كانت قد عزمت على العودة من فورها والقاء ثمن الشرط الجزائي في وجهه ذلك المتعجرف المغرور، ولكن رنا وكعادتها دائما استطاعت امتصاص غضبها ونجحت في اقناعها بالتريث فشركة الاعلانات ليست ملكا لذلك الصفيق وحده بل هي ملكا لأنور كذلك، ولأجل ابن خالتها وأخيها الذي لم تلده أمها هي وافقت على مضض على الانتظار..

+

لفت نظرها وقوف شابة صغيرة أمامها تطالعها بنظرات بريئة من خلف زجاج منظارها الطبي بينما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهها الصغير، لتبتسم ندى بدورها وكأن ابتسامة هذه الشابة معدية، دنت منها سعادات وقالت بصوت يطفح بالبِشر:

+

– إنتي الآنسة ندى.. صح؟..

+

أومأت ندى بالايجاب مبتسمة فأردفت سعادات دون أن تترك لها الفرصة للتعليق:

+

– أنا كمان قلت كدا، أصل محدش يقدر ينسى وشّك الجميل دا حتى لو شافه لثانية واحدة.. حد يقدر ينسى البيتيفور؟!!!

+

ضحكت ندى برقة وأجابتها وهي تنزل ساقها وتعتدل في جلستها:

+

– متشكرة جدا على المجاملة الرقيقة دي، بس ممكن أعرف انتي مين؟..

+

سعادات وقد أبهرتها ضحكة ندى ورقتها في الكلام وصوتها الناعم:

+

– يااااااني.. انتي مش بس بسكوتة في شكلك.. لأ!!.. وفي كلامك كمان!!!

 ثم دمدمت بسخط بينها وبين نفسها بصوت منخفض:

+

– بقه حد يسيب البيتيفور دي ويمسك في قُرص الأرافة (المقابر.. فطائر دائرية الشكل على هيئة الخبز  توزّع على أرواح الأموات للفقراء الذين يقطنون المقابر وتسمى “فطائر الرحمة”)!!!!…

1

نهضت ندى من مكانها وقالت وهي تعقد جبينها في تقطيبة صغيرة:

+

– فيه حاجة؟..

+

سعادات وقد انتبهت لنفسها فأجابت بابتسامة واسعة جعلت ندى تتأكد أن هذه الشابة تملك ابتسامة مُعدية بحق كما انها تجعل وجهها آية في الفتنة:

+

– ها.. لا ولا حاجة، ممكن تيجي تتفرجي على الاعلان؟.. خلص اخيرا والحمد لله بعد ما خلّص علينا واحد واحد ونفر نفر!!!..

+

ضحكة ناعمة صدرت عن ندى والتي نسيت ضيقها كله مع حديث هذه الشابة الصغيرة الممتع، لتقول:

+

        

          

                

– تمام… بس بردو معرفتش.. انتي مين؟..

+

سعادات بفخر:

+

– أنا سعادات السيّد أحمد، السن.. 20 سنة و8 شهور وست ايام، آخر سنة في كلية الاعلام.. ومساعد مخرج في ذات نفس الوقت، او تقدري تقولي أنا الدراع اليمين للبوس.. 

 ندى بتقطيبة صغيرة:

+

– البوس!!!

 سعادات مؤكدة بهزة قوية من رأسها:

+

– آه.. البوس.. جو!!.. أنا بقه أبقى دراعه اليمين، على فكرة اوعي تخلي زعلك من بوز الاخص اللي جوة دي يضايقك منه، دا ما فيش زيه بصراحة، مخرج شاطر أووي، دا غير انه جدع جدا، وانا بحب الجدعان أوي…

+

ابتسمت ندى وقالت:

+

– انتي متحمسة له أوي يا سعادات؟..

+

سعادات وقد هدأت ضحكتها وبابتسامة هادئة:

+

– طبعا!!… واحد كان هو السبب بعد ربنا اني أكمل دراستي، هو اللي وقف في وشّ أبويا لما جه يخرجني من المدرسة وعاوزني اشتغل في البيوت، أنا أبويا صاحب كشك على راس الشارع اللي فيه شقة أبو جو.. الاستاذ طاهر الله يرحمه، وقتها كنت مخلصّة الاعدادية، وفرحانة اني هدخل ثانوية عامة، جبت مجموع كبير أوي، بس لاقيت أبويا بيقول لي كفاية عليّا علام لغاية كدا وأطلع أشتغل عشان أساعده في تربية أخواتي، احنا خمسة، أربع بنات وولد، وأنا أكبرهم، والولد الصغير، وأمي كُتر الخلفة هدّها وما بقيتش قادرة تشتغل وتساعده زي الأول، يومها سي يوسف شافني وأنا واقفة بدل أبويا في الكُشك وبعيط وفضل ورايا لما حكيت له، راح لأبويا وقاله أنه هيتكفل بتعليمي كله ومش بس كدا لأ.. اللي كنت هكسبه من شغلي هو هيدهوله، ولما أبويا رفض، قاله انت مش عاوزها تشتغل؟.. اعتبرها بتشتغل عندي بس من منازلهم!!!!… 

+

ضحكت سعادات فيما ابتسمت ندى بينما تابعت سعادات قائلة:

+

– ووافق أبويا، وفعلا… نجحت بمجموع كبير في الثانوية ودخلت كلية الاعلام، والسنة دي إن شاء الله آخر سنة ليا فيها، ومن أول سنة ليا في الجامعه وهو بيشغُلني معاه، ويديني مرتب، قدرت أساعد أبويا أكتر، واخواتى الحمد لله بيتعلموا، أنا فاكرة أول ما قالي انى هشتغل معه خفت وقلت له “بس أنا معرفش حاجة”.. قالي “هتبقي مدير أعمالي!!.. لغاية ما تتعلمي”، وأهو أديني اتعلمت منه كل حاجة… جو هو أبويا التاني… بجد مش عاوزاكي تزعلي منه، هو يمكن شدّ معاكي في الكلام شوية لكن كله من بمبة كشّر اللي جابهالنا دي!!!

+

ضحكت ندى فيما تعجبت في داخلها من تصرف هذا الـ.. يوسف!.. فما فعله يدل على أنه ذو شخصية متواضعة وكريمة بينما ما لمسته شخصيا منه يقول أن التواضع بجهة ويوسف طاهر بجهة مغايرة له تماما!!… قالت ندى وقد قررت التغاضي عن التعليق عن كلماتها الأخيرة الخاصة بعدم غضبها من يوسف.. فهي ليست غاضبة.. بل…. تكاد تموت قهرا وغيظا منه:

+

– طيب نروح دلوقتي نشوف الاعلان، وبعدين نبقى نكمل كلامنا… وابقي فكريني آخد نمرتك.. عندك موبيل صح؟..

+

        

          

                

سعادات بفخر وهي تخرج هاتف شخصي صغير من جيبها:

+

– سامسونج اس 3 ربنا يخليه جو جابهولي في عيد ميلادي!!..

+

ابتسمت ندى ثم أشارت لها بالسير فاتجها سوية الى الداخل…

+

قابلت أنور الذي اتجه بها الى غرفة المونتاج لمشاهدة الاعلان، أخبرها بينما غاب يوسف عن المكان أنها ستشاهد الاعلان قبل المونتاج ليكون جاهزا للعرض، وأضاف:

+

– انا عاوزك تشوفي الاعلان دلوقتي عشان تطمني انه زي ما انتي عاوزة بالظبط، لكن طبعا لسه كذا حاجة على ما يكون جاهز للعرض..

+

ندى بابتسامة:

+

– وأنا واثقة فيك يا أنور…

+

هتفت سعادات بحماس:

+

– وفي جو، صدقيني يا أبلة ندى.. جو عمل شغل هيعجبك أوي..

+

ابتسمت ندى بينما انتبهت سعادات فشهقت مستدركة:

+

– أنا.. أنا آسفة إذا كنت قلت لك أبلة من غير تكليف، بس أصلي بصراحة حبيتك اوي..

+

ندى برقة:

+

– وأنا كمان حبيتك أوي يا سعادات.. أنتي زي أختي الصغيرة بالظبط..

+

هتفت سعادات بمرح:

+

– دا شرف ليا يا أبلة..

+

أنور مقاطعا سعادات:

+

– خلاص يا سعادات، افصلي شوية، خلينا نشوف الاعلان..

+

لا تنكر ندى أن بالفعل يوسف ماهر في عمله، فتلك المايسة وجهها جاذب لـ.. عيْن الكاميرا بقوة، لا تستطيع الانكار أن الاعلان قد أتى مثل ما ترغب تماما، بل وأن الازياء التي ارتدتها تلك المتحذلقة كانت في غاية الأناقة والجمال وتليق بها بشدة، فقالت لسعادات التي ما ان انتهى الاعلان حتى انطلقت تسألها رأيها:

+

– جميل فعلا يا سعادات….

+

سعادات بفخر:

+

– مش قلت لك؟.. جو أحسن مخرج اعلانات ومش في مصر بس، لا في الوطن العربي كله!..

+

أنور بسخرية:

+

– وأنا ماليش لازمة؟.. مش تصميمات الاعلانات دي أنا اللي بحطها؟!!

+

سعادات بمرح:

+

– انت الكل في الكل يا مستر أنور، لكن جو غير…

+

أنور بمرح ساخر:

+

– ماشي يا سعادات، إلّا صحيح.. ليه سعادات يعني مش سعادة واحدة!!

+

سعادات بزهو:

+

– عشان تعرفوا قيمتي بس، أنا جايبالكم سعادات كتير أووي مش سعادة واحدة، وبعدين أبويا اتفائل بيا، بيقول لي لما جيت كانت التأمينات الاجتماعية أعطته الكُشك اللي هو فيه دا، ووقتها كمان ما كانش لاقي مطرح كويس يلمّه هو وأمي، لغاية ما قابل الأستاذ طاهر الله يرحمه وهو اللي اتوسط لصاحب البيت بتاع وسط البلد أنه ياخد أودة البواب، منها مراته تاخد بالها من طلبات السكان ومنها هو يقف في الكشك اللي على أول الشارع.. ، فعشان كدا أبويا قالي أني مش سعادة واحدة لا سعادات كتير!!..  

+

        

          

                

ندى بابتسامة:

+

– وانتي فعلا سعادات يا سعادات…

+

سعادات وقد تخضبت وجنتيها احمرارا:

+

– تسلمي يا أبلة..

+

نظرت ندى لتلك الشابة الصغيرة، والتي هي صورة مصغرة عن العفوية والبراءة، من لا يركز فيها فإنه لا ينتبه إليها، ولكنها تملك بالفعل وجها جذابا، بعينيها اللوزتين اللتان تغطيهما رموشا كثيفة، وان كان منظارها الطبي يخفي سحر عينيها، وأنفها الدقيق، وفمها الصغير وان كانت شفته السفلية مكتنزة بعض الشيء، وهي بحجمها الذي يجعل من يراها لا يعطيها أكثر من ستة عشر سنة، فجسدها ضئيل كما أنها قصيرة القامة فهي تكاد تتخطى مرفق أنور وبصعوبة، ولكنها تدخل القلب وبدون استئذان، وهي فعلا تريد أن توطد علاقتها بها، حيث تكاد تجزم أن تلك الشابة تستدعي حب الحماية لها في كل من يراها…

+

نهضت ندى وقالت:

+

– أنا همشي دلوقتي يا أنور، رنا لوحدها من الصبح، غسان سابقني على الشركة..

+

أنور وهو يرافقها الى الخارج:

+

– تمام، هخلص وأكلمك..

+

ندى بابتسامة:

+

– تعالى اتغدى معنا انهرده، خالتك عشان تصالحني عاملالي نجرسكو ع الغدا  واسكالوب بانيه..

+

أنور بتفكير:

+

– اممم، هشوف، أنما مش أكيد.

+

ندى بابتسامة ماكرة:

+

– تمام، عموما براحتك، أنا بقه ألحق أمشي عشان ما تأخرش على رنا من امبارح بالليل وهي بتحلم بصينية النجرسكو!!

 أنور بتساؤل:

+

– هي رنا هتتغدى معاكي انهرده؟

 ندى بتأكيد وببساطة زائفة:

+

– أيوة، ماما عارفة انها بتحب النجرسكو وقالت لي أعزمها، وأونكل عبد العزيز انت عارفه ما يقدرش يرفض لي طلب..

+

شرد أنور للحظات لم ينتبه فيهم لندى التي ألقت عليه السلام حتى اذا ما انتبه لابتعادها ناداها بصوت عال وركض ليلحق بها فالتفتت اليه ندى تنظر اليه بتساؤل فأجابها بعفوية مصطنعة كشفتها ندى في الحال:

+

– اعملي حسابي معكم على الغدا انهرده..

+

وكأنه شعر بالحرج فقال يبرر موافقته:

+

– أصل بصراحة النجركسو بتاعت خالتي كرملة ما تتفوتش أبدا..

+

“ممكن سؤال؟”..

+

هتفت سعادات بهذا السؤال ليفزع ندى وأنور فالتفتا اليها فيما أكملت بعقدة جبين عميقة:

+

– إيه نجرسكو دي؟؟.. 

1

ابتسمت ندى وأجابت:

+

– يعني مكرونة بالفراخ في الفرن..

+

لمعت عينا سعادات وقالت:

+

        

          

                

– امممم… طيب ممكن يا أبلة أبقى آخد منك الطريقة عشان أعملها في البيت عندي؟..

+

ندى بحماس:

+

– ممكن طبعا، وممكن كمان تيجي تدوقيها معانا الأول عشان تشوفي هتعجبك ولا لأ..

+

رفضت سعادات وبشدة فهي وإن كانت من أسرة فقيرة الحال ولكنها غنية بالكرامة وعزة النفس، فقبلت ندى برفضها على وعد من سعادات أن تقبل دعوتها لها في يوم آخر، وانصرفت ندى وبرفقتها سعادات في حين اتجه أنور ليوسف الذي انعزل بعد الانتهاء من تصوير الاعلان تماما!!…

+

صعدت ندى الى سيارتها وأغلقت الباب خلفها بينما نظرت اليها سعادات من زجاج النافذة المجاور لها وقالت بصدق:

+

– نورتينا يا أبلة ندى.. يا ريت تكرريها كتير..

+

ندى في بالها ” ما اعتقدش يا سعادات، دا احنا مش بنستحمل خمس دقايق سوا!”.. ولكنها لم تتلفظ بأيِّ مما جال في خاطرها وبدلا من ذلك قالت:

+

– ان شاء الله، وانتي دلوقتي معاكي نمرتي، كلميني في أي وقت، وأنا هبقى أكلمك أطمن عليكي..

+

هزت سعادات رأسها إيجابا ثم ابتعدت عن السيارة، وما إن أدارت ندى المحرك حتى أصدر صوتا متقطعا ثم صمت، أعادت المحاولة مرة واثنتان ولكن لا حياة لمن تنادي، فاقتربت سعادات منها وببضع كلمات علمت منها أن السيارة لا تدور فلم تنتظر سعادات وانطلقت من فورها وهي تخبرها بهتاف عال أنها ستذهب لاستدعاء أنور، وقد راح عن بالها أن ندى تستطيع محادثته في هاتفها المحمول، ولكنها تلك هي سعادات… لا تفكر قبل أن تقوم بأي شيء، فما أن تطرأ الفكرة على خاطرها حتى تشرع في تنفيذها في التوِّ واللحظة دون لحظة تأخير أو… تفكير!!!..

+

======================

+

رفع يوسف عينيه لأنور الذي لحق به الى غرفته، جلس أنور على الصوفا أمامه وقال ببساطة:

+

– انت فين يا بني؟.. مش كنت تستنى لما ندى تشوف الاعلان؟…

+

يوسف ببرود وهو يمج سيجارته بقوة:

+

– ليه يعني؟.. هستناها تديني شهادة الأيزو؟!!!

+

قطب أنور ممتعضا قبل أن يعلق بغير رضا:

+

– يا جو خد بالك إن ندى تبقى بنت خالتي، وأكتر من أختي كمان، يعني لو سمحت بلاش الوش الحديد دا معها!!!

+

يوسف والذي كان مضجعا على مقعد عريض فيما يرفع ساقيه فوق منضدة صغيرة أمامه:

+

– بقولك إيه.. انت عرفني كويس.. موتي وسمّي حد يتدخل في شغلي، وبعدين بنت خالتك هي اللي من يوم ما شوفتها وأنا حاسس زي ما تكون ماسكة ديل قطة!!.. دي يا مؤمن بتتعامل معايا ولا كأنها تعرفني خالص، المفروض احنا على أقل تقدير زملاء شغل، وعموما – ورفع كتفيه وأنزلهما بلا مبالاة متابعا – دا شيء ما يهمنيش خالص، سواء اتعاملت معايا ولا لأ.. دي حاجة ليها هيّ مش أنا، خدها نصيحة مني.. يا ريت تقولها تفرد وشّها وبالذات مع اللي بيشتغلوا معها، بكدا كل اللي في المجموعة تحت إيدها هيطفشوا بدري بدري!!

+

        

          

                

أنور بضحكة ساخرة ودهشة:

+

– مين.. ندى؟!!… يا بني دا أنا كنت بقول لمعتز الله يرحمه كويس انك مش من النوع الغيور بجنون لأنه لو كان كدا كان حبسها جوّة قمقم!!.. لعلمك بقه.. ندى مافيش حد شافها أو اتعامل معها ومحبهاش.. وهنروح بعيد ليه؟.. إسأل سعادات، من لحظة ما شافتها وهي بتشْعِر فيها ولما قعدت واتكلمت معها كان ناقص تروح تعيش عندها، وانت عارف سعادات هانم مش أي حد يدخل مزاجها بسهولة، أديك شوفت عاملة إيه مع شاكيرا.. قصدي مايسة!!.

+

ما إن أنهى أنور عباراته حتى فوجئا بمن تندفع الى الداخل هاتفة بحبور:

+

– يا نعم!!.. أنا سمعت اسمي… مين عاوزني؟!!!

 أنور بذهول:

+

– سلام قولا من رب رحيم!!.. إيه يا بنتي؟.. انتي بتيجي ع السيرة!!!..

+

قطبت سعادات وتساءلت في ريبة:

+

– سيرة؟!!.. سيرة إيه دي؟.. سيرة الحب!!!.. هههههههه – بضحكة شبيهه لنقار الخشب-

+

نظر اليها أنور بذهول وما إن همّ بنهرها حتى قاطعه صوت رنين هاتفه المحمول فأخرجه من جيبه ليتلقى المكالمة وهو يتوعدها بعينيه لطول لسانها مشيرا الى لسانه بعلامة المقص!!..

+

خرج أنور لتلقي مكالمته في حين اعتدل يوسف في جلسته فأنزل ساقيه ومال ليطفأ سيجارته المشتعلة في مطفأة فوق الطاولة الصغيرة أمامه وهو يقول ببروده المعهود:

+

– فيه إيه بقه يا سعادات؟.. إيه السبب اللي خلّاكي داخله علينا زي الطلقة كدا؟!!

 سعادات بحنق وهي تشير الى الباب حيث اختفى أنور خلفه:

+

– عجبك صاحبك دا؟.. يعني الحق عليّا أنا اني جاية أقوله يلحق قريبته!!!

+

سكت يوسف تماما ثم رفع عينين غامضتين اليها وكرر مقطبا باستفهام:

+

– قريبته؟!!..

+

أجابت سعادات بلهفة:

+

– أيوة، أبلة ندى!!!…

+

نهض يوسف بالحركة البطيئة من مكانه في حين استرسلت سعادات قائلة:

+

– العربية بتاعتها عطلت، بتدوّرها مش بتدور، فسيبتها وجيت جري أناديه، عشان يقولي كدا في الآخر؟. أنا عاوزة قص لساني أنا؟!!!. يعني يرضيك كدا يا بوس؟.. أنا..

+

“بس!!!!!!!!!!”….

+

صاح يوسف بحدة، فسكتت سعادات فورا وهي تطالعه بريبة ووجل في حين أردف هو بنزق:

+

– إيه؟… بالعه راديو!!!!.. ارحمي نفسك وارحمينا شوية!!.. أنا قلت.. إنتي عملي اللي قاعد لي في حياتي!!!…

+

سعادات مدمدمة بحنق وبصوت منخفض:

+

– احمد ربنا، أهو عملك فيّا دا يمكن هو السبب انه ربنا يقف جنبك، لأنه عمايلك كلها اللي بعد كدا سووودة تمام زي الليل الكحلي!!..

+

        

          

                

اقترب منها يوسف وهدر فيها غاضبا:

+

– انتي بتبرطمي تقولي إيه؟…

+

أجابت سعادات باضطراب خفيف:

+

– هقول إيه يعني؟.. 

+

زفر يوسف بحنق ثم قال وهو يتناول هاتفه المحمول وعلبة السجائر من فوق الطاولة أمامه:

+

– أنا ماشي… 

+

وسار باتجاه الباب لتفتح عينيها واسعا مرددة بذهول:

+

– ماشي!!!!!!..

+

ثم لحقت به سريعا وهي تنادي قائلة:

+

– ماشي إزاي وأبلة ندى؟… وفين صاحبك طيب؟.. أنت يا كابتن، أنا بكلمك بردو يعني!!..

+

ولكنها لم تستطع اللحاق به فوقفت في مكانها تتمتم بسخط بينها وبين نفسها وما أن استدارت حتى فوجئت بوجود مايسة خلفها تطالعها بغرور خالطه تساؤل، كانت مايسة أول من تحدث إذ قالت مقطبة:

+

– فيه حاجة يا سعادات؟…

+

سعادات بنزق:

+

– فيه حاجة ولا حاجات.. انتي مالك إنتي؟.. ناس حشرية صحيح!!!

+

ثم تركتها واستدارت لتنصرف في حين قبضت مايسة يدها يدها بقوة وهي تقسم في داخلها أن تلقن تلك الصغيرة ذات اللسان السليط درسا لن تنساه، ثم طرقت باب غرفة يوسف ولكن لم يأتيها أي رد، فأدارت مقبض الباب وهمّت بالدخول حين شعرت بإصبع يطرق كتفها بخفة فاستدارت لتفاجأ بسعادات وهي تقف خلفها تطالعها ببراءة زائفة وهي تقول بعفوية مصطنعة:

+

– مش موجود، ما تتعبيش نفسك، مشي.. نفد بجلده!!.. و يا ريت انتي كمان تسمعينا السلام عليكم وتحرمينا من طلّتك البهيّة دي تاني!!!!

 وما إن انتهت من كلماتها الساخرة حتى حركت كتفيها بغرور وانصرفت رافعة رأسها بشموخ الى الأعلى فيما تركت مايسة وراءها ترغي وتزبد وهي تسبها بأقذع الألفاظ!!..

+

  —————————————

+

وقفت ندى تزفر وهي تطالع ساعتها اليدوية في انتظار أنور بعد ان انطلقت سعادات لاستدعائه لها، وكانت قد آثرت الترجل من عربتها وانتظاره خارجا، كانت تقف تطالع هنا وهناك عندما سمعت صوت سيارة تقترب منها ولكنها لم تعر لها بالا، وما هي الا ثوان حتى كان صوتا خشنا يعلو من داخلها يأمرها بالصعود الى السيارة!!!…

+

قطبت في ريبة ثم استدارت لتطالعها سيارة 4*4 رباعية الدفع، سوداء في لون الليل البهيم، تقف وراءها تماما، بينما زجاج النافذة المواجه لها منخفض، والصوت يعلو من خلفه!.. فمالت قليلا لترى محدثها وإن كانت قد ارتابت في الصوت لتتأكد لها أسوأ ظنونها وهي تراه يجلس خلف المقود بطلته القوية، وقد ارتدى نظارة شمسية سوداء اللون، كرر قوله ببرود:

+

– اركبي يا ندى…

+

فما كان منها إلا أن فتحت فاها في ذهول وأجابت بغير تصديق:

+

        

          

                

– نعم؟!!.. أركبي يا ندى؟!!!.. أركب فين؟.. ومع مين؟.. وبعدين أركب معاك بمناسبة إيه؟…

+

وما لبثت أن اعتدلت وتابعت بابتسامة ساخرة:

+

– اتفضل امشي انت، متعطلش نفسك… أنا ما بركبش مع حد غريب!!!…

+

كتم زفرة ضيق ثم ما لبث أن ترجل من السيارة ودار حولها ليقف بمحاذاة ندى ويفتح لها الباب المجاور للسائق وهو يقول بلهجة لا تقبل الرفض وكان قد نزع نظارته الشمسية:

+

– اطلعي يا ندى…

+

زفرت ندى بضيق وأجابت بحدة:

+

– ما بطلعش!.. عن إذنك!..

+

لم تكد تبتعد خطوتين حتى وجدته يسد عليها الطريق ويقول وكأنه لم يسمعها:

+

– عربيتك عطلانة، واحنا هنا في حتة بعيدة عن العمار، اركبي هوصلك الشركة وابقي كلمي مركز الصيانة ييجي ياخدها..

+

ندى من بين أسنانها بسخط شديد:

+

– وانا قلت لك مش بركب مع حد غريب… وعموما أنا مستنية أنور..

+

يوسف ببرود تام يخالف جذوة النار التي تشتعل داخل مقلتيه:

+

– أولا أنا مش غريب، تقدري تقولي زمايل شغل، وتاني حاجة… أنور مشغول..

+

ندى ساخرة وقد استخدمت كلماته:

+

– أولا… احنا مش زمايل، تاني حاجة سعادات راحت لأنور، وأنا للأسف الشبكة مش لاقطة هنا، فمش عارفة أكلمه، لكن مش مشكلة أنا متأكدة انه سعادات هتقوله إني مستنياه..

+

يوسف وقد بدأ بروده بالتصدع وأن كان لا يزال يحاول التحكم في زمام غضبه من تلك العنيدة المستفزة:

+

– سعادات ما قالتش لأنور، قالت لي أنا… أنور في إيده شغل، ولّا انتي مستنية أنه أول ما يعرف أنك مستنياه أنه يرمي كل حاجة وييجي لك جري؟!!!!..

+

لتحدق فيه ندى بصدمة وقد فتحت عينيها على وسعهما فشرد في لونهما الذي انعكس عليه الشمس ليلمعا كلمعة الحجر النفيس تماما، ثم ما لبثت أن هتفت بغيظ شديد:

+

– أنت.. أنت ازاي تكلمني بالأسلوب دا؟.. مين أنت عشان تسخر مني وتنتقدني بالصورة دي؟…

+

اقترب منها يوسف ليزرع عينيه في عينيها لتتوه في بريقهما الأسود فيما تحدث ببطء شديد ضاغطا على أحرف كلماته وكأنه يتلو قسما عظيما:

+

–  أنا… يوسف طاهر، واللي إداني الحق أني أتكلم كدا هو نفسه اللي إداكي الحق انك تتعاملي مع غيرك بمنتهى الغرور دا، أنا لما بقولك أوصلك مش هتبارك بركوبك معايا ولا حاجة، أنما دا انقاذ موقف، لكن تقولي إيه بقه… محسساني إني هموت عشان أوصلك، ليه يعني؟.. الليدي ديانا في زمانها؟!!!!

+

شهقت ندى باحتجاج ورفعت سبابتها بينهما وهي تهتف بغضب مكتوم:

+

– لو سمحت، لعند هنا وما أسمحش انك تقولي حرف واحد زيادة بعد كدا… واتفضل بقه.. شوف انت كنت رايح فين وحلّ عني، ولا أنا الليدي ديانا ولا أنت الأمير تشارلز!!…

+

يوسف وقد فقد قناعه الثلجي وبلهجة لا تقبل النقاش:

+

– أنا فعلا مش هتكلم كتير، لأنه من الواضح انه الكلام معاكي مامنوش فايدة…

+

هزت ندى كتفيها باستهانة لتفاجأ به وهو يقبض على مرفقها ثم يدفعها داخل سيارته، فشهقت بقوة وهي تحاول مقاومته باستماتة هاتفة:

+

– انت بتعمل إيه؟.. انت اتجننت!!!

+

هدر يوسف بعنف:

+

– ادخلي!!!!…

+

فوقفت في مكانها تتطلع إليه قبل أن تقول بعناد:

+

– شيل إيدك الأول..

+

زفر باختناق وهو يهتف:

+

– الصبر من عندك يارب.. أهو…

+

وسحب يده ليشعر بفقدانه للملمس الناعم الذي احتواه منذ ثوان فقط بيده، فجذبت  يدها بقوة ثم رفعت رأسها شامخة بغرور قبل أن تفتح الباب الخلفي وتصعد الى السيارة ثم تغلق الباب بقوة كادت تخلعه، ليزفر يوسف بضيق شديد ويقبض على أصابع يديه حتى ابيضت سلامياتهما، ثم أعاد فتح بابها وهو يقول مشيرا بيده لتخرج:

+

– حد قال لجنابك إني كنت سواق السيد الوالد؟…

+

قطبت ندى باحتجاج وهتفت بسخط:

+

– نعم؟!!!..

+

يوسف مكررا بنفاذ صبر:

+

– اطلعي قودام… بدل ما أتصرف أنا بطريقتي، وصدقيني مش هتعجبك أبدا.. أو… – ليردف بخبث – جايز تغيري رأيك وتعجبك!!!!

+

ندى بسخط:

+

– هي إيه دي اللي مش هتعجبك وتعجبك؟.. انت شارب حاجة؟…

+

يوسف بغلظة:

+

– ندى.. هي كلمة واحدة.. اخرجي من عندك…

+

تشبثت برأيها بعناد شديد وأن كان داخلها ينتفض وجلا من ذلك الوحش الكاسر الذي كشّر عن أنيابه فجأة أمامها، وهي من كانت تعتقده رجل الجليد، فما كان منه إلا أن هدر بعنف وبكلمة واحدة:

+

– ياللا!!!!!!..

+

لتنتفض خوفا من صيحته، ثم ضغطت على شفتيها تكتم سبابا كاد أن ينطلق منها قبل أن تترجل من السيارة فصفق الباب خلفها بعنف، لتصعد إلى المقعد الأمامي المجاور للسائق فصفق الباب ورائها بقوة ثم التفت الى مقعد السائق وصعد إليه وفي خلال ثوان كان قد انطلق بالسيارة في حين جلست ندى تسبّه في نفسها بأشد أنواع الشتائم  وتتوعّده بداخلها برد الصّاع صاعين وقريبا.. قريبا جدا… بلْ أقرب مما يتصوّر!!!!!…

+

                           – يتبع –

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى