Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الثالث عشر 13 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                         

قارئة الفنجان

+

                              

الفصل (13)

+

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

+

                              

صفّت سيارتها أمام البناية السكنية، ونظرت الى سعادات قائلة بابتسامة:

+

                              

– وصلنا يا ستِّي، الطريق ما يتوهّش..

+

                              

سعادات بابتسامة سعيدة:

+

                              

– طيب عشان خاطري اتفضلي اشربي كوباية شاي، دا أنا عليّا شاي بالنعناع ما تقوليش لعدوِّينك (يعني أعدائك) عليه..

+

                              

ندى بابتسامة:

+

                              

– معلهش يا سعادات الوقت متأخر زي ما أنتي شايفة، الساعة قرّبت على 12، يوم تاني أكون عاملة حسابي، ونكون بدري شوية..

+

                              

سعادات بإلحاح:

+

                              

– عشان خاطري يا أبلة ندى، أنا أصلا مش عارفة أنتي هتروّحي إزاي لوحدك في الوقت المتأخر دا؟..

+

                              

ندى باطمئنان:

+

                              

– ما تشغليش بالك يا سعادات، دي مش أول مرة، وبعدين السواق مع بابا وماما وأنا قودامك كلمتهم وطمنتهم، ياللا أنتي عشان أكيد باباكي ومامتك تلاقيهم قلقانين عليكي..

+

                              

سعادات بإصرار ونظرات رجاء تامة:

+

                              

– عشان خاطري يا أبلة، كوباية شاي واحدة بس، ويا ستي مش هتأخرك ولا حاجة، كأنك وقفتي في الاشارة اللي محدش عارف لها امتى بتشتغل وامتى بتقف دي!!..

+

                              

ضحكت ندى بخفة وقالت وهي تومئ بالموافقة:

+

                              

– حاضر يا ستي، موافقة وأمري لله، استنيني بقه أركن العربية كويس، وننزل سوا..

+

                              

وبالفعل أوقفت ندى سيارتها بموازاة الرصيف، وترجلتا منها، ثم تأكدت ندى من إغلاقها جيدا قبل أن تتجه مع سعادات الى البناية السكنية العريقة التي يشي شكلها بعمرها منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي!..

+

                              

دلفتا الى داخل البناية، لتتجه سعادات الى باب صغير أسفل الدرج، ونادت بصوت عال:

+

                              

– يا أبو سعادات…

+

                              

ثم دفعت الباب الخشبي للغرفة دفعة بسيطة ليصدر صوت أزيزا عاليا، أتبعه أصوات مرحبة، في حين وقفت ندى في زاوية كي لا تكشف داخل الغرفة، لترى بعدها سعادات وهي تدلف خارجا من الغرفة تقول وهي تشير اليها بالدخول:

+

                              

– اتفضلي يا أبلة..

+

                              

وأفسحت لها بالدخول، لتدلف ندى وهي تلقي السلام بابتسامتها الرقيقة، لترى سيدة مليئة البدن الى حد ما ترتدي عباءة مزركشة بالزهور العريضة، تكسوها من أعلاها إلى أسفلها تقبل عليها وهي تعدل من وضع وشاحها الأسود الذي يغطي شعرها، وتهتف مرحبة بها ببشاشة وببساطة خالصة أيقنت منها ندى أن سعادات قد اكتسبتها من والدتها:

+

– يا ألف أهلا وسهلا، زارتنا البركة، اتفضلي يا ست هانم..

+

وأفسحت المكان فيما نهض رجل يبدو في أواسط الخمسينيات، قد يكبر زوجته ببضع سنوات وهذا ما فطنت إليه من التجاعيد المتعددة أسفل عينيه، فيما بشرة الأخيرة لم تظهر بها التجاعيد بعد، قال الرجل ببشاشة تماثل بشاشة زوجته:

+

– أهلا وسهلا يا ست هانم، احنا زارنا النبي انهرده، سعادات بنتي مالهاش سيرة غير عنك، لمّا اتشوقنا اننا نشوفك..

+

ابتسمت ندى وقد دخلت هذه الأسرة البسيطة الى قلبها، في حين هتفت الأم وهي تنادي سعادات:

+

– يا سعادة.. الشاي بسرعة يا بنتي.. اتفضلي يا ست هانم..

+

جلست ندى على أريكة خشبية ذات وسائد صلبة، يكسوها قماش زهيد الثمن، مما يغطى به الأثاث لزوم السفر أو ما شابه، بلون أصفر كالح دليل على كثرة الغسيل، ولكنه يفوح برائحة النظافة، جلست بجوارها الأم فيما جلس الرجل على مقعد خشبي، أقبلت سعادات وقد أبدلت ثيابها ببنطال من الجينز الأزرق الكالح اللون دليل على كثرة غسيله وقميصا قطنيا أبيض اللون ذات أكمام قصيرة وقد مسحت زينة وجهها فيما تركت عدساتها دون نزعها، دلفت إليهم وهي تحمل صينية تحمل أكواب الشاي الزجاجية بأوراق النعناع الأخضر الطازج ووضعتها فوق المائدة الخشبية الصغيرة الموضوعة بطرف الغرفة التي لا تزيد مساحتها عن مترين عرضا وطولا، والتي تحمل فوقها تلفاز قديم ألوان صوره باهتة للغاية، ثم حملت الطاولة وقربتها اليها، وقالت بابتسامة وهي تضع أمامها كوب الشاي بورق النعناع الأخضر وصحن صغير به قطعتين من الكعك البيتي:

+

– اتفضلي يا أبلة ندى، أحلى شاي بالنعناع ممكن تشربيه، طبعا.. مش زرع أبو سعادات… وكيك مش هتدوقي في طعامته، عمايل أم سعادات…

+

ضحكت ندى وقالت:

+

– طبعا أحلى شاي وأحلى كيك طالما سعادات في الموضوع..

+

ضحك الجميع وعلقت والدتها:

+

– ما تبطلي لوك لوك يا بنتي وخلي الهانم تدوق وتحكم بنفسها، اتفضلي يا هانم..

+

ندى بعتاب رقيق:

+

– أولا وبعد إذنك أنا مش عاوزة أسمع كلمة هانم دي تاني، أنا بعتبر نفسي أخت سعادات الكبيرة، إلا إذا كان عندكم رأي تاني؟..

+

هتف الوالدين باعتراض:

+

– لا لا لا .. معقول!.. رأي تاني؟.. رأي تاني إيه بس؟.. 

+

وأردف الوالد:

+

– بس العين متعلاش عن الحاجب يا ستّنا..

+

ندى بابتسامة هادئة:

+

– إذا كان ولا بد ممكن تنادوا لي أستاذة ندى، لكن بلاش هانم وست هانم دي، ولو عاوزين ترضوني، يبقى ندى وبس، أنا فعلا حبيتكم جدا وحاسيت أنكم عيلتي بجد..

+

        

          

                

الأم وهي تحيط بكتفيها بذراعها الممتلئة وتميل عليها:

+

– يا حبيبتي وانتى دخلتي قلوبنا من كلام سعادات عنك، وبعد ما شوفناك قعدتي واستربعتي أكتر… 

+

ثم قبلتها بصوت مسموع أربع قبلات على كل خد، لتتقدم منهما سعادات وتقول وهي تفك ذراع والدتها عن كتف ندى:

+

– خلاص يا أم سعادات، هتخلصيها كدا!!!..

+

وحينما نظرت اليها ندى بتساؤل أجابت سعادات غامزة:

+

– أصل القشدة بتدوب بسرعة ومش بتستحمل الضغط عليها!!..

+

لتضحك ندى عاليا، ثم ما لبثت أن سألت عن أخواتها فأجابتها سعادات التي جلست الى جوارها من الناحية الأخرى:

+

– شوفي يا ستي.. زئردة وسلاكة بعد ما طلعوا عين أم سعادات وعملوا اللي عليهم اترموا ناموا من التعب!!!!…

+

ضحكت ندى وقالت بدهشة:

+

– مين؟.. زئردة وسلاكة؟!!!!

+

الأم وهي تنظر بعتاب لابنتها:

+

– معلهش يا أستاذة، هي كدا بتحب التهريج، قصدها.. سامية وسميّة.. أصلهم زي التوائم بالظبط، بينهم وبين بعض 11 شهر، وعليهم شقاوة.. تجنن العفريت!!..

+

ندى بابتسامة:

+

– طيب والباقيين؟..

+

سعادات ببساطة:

+

– بكيزة وزغلول بردوا نايمين، انما دول بقه كبار، واحدة في اعدادية والتاني ابتدائية..

+

ندى باستفهام:

+

– ومين بقه فيهم بكيزة ومين زغلول؟..

+

سعادات بفخر:

+

– الاعدادية بكيزة…  أو تقى والابتدائية زغلول أو.. جابر!!..

+

ندى بابتسامة اعجاب:

+

– إيه دا… جابر ولد؟..

+

الأم بحنان:

+

– أيوة.. ربنا جبرني بيه بعد الاربع بنات دول، فعشان كدا أبو سعادات سمّاه جابر..

+

ندى باستفهام:

+

– طيب معلهش اسمحي لي.. ليه بنقولك ام سعادات وابو سعادات.. وجابر ربنا يخليه؟..

+

الأب حينها نطق بفخر قائلا:

+

– سعادات بنتي هي وشّ السعد عليّا، وهفضل أتنادى أبو سعادات لحد ما أموت..

+

سعادات بلهفة:

+

– ألف بعد الشر عليك يا ابو سعادات، ربنا ما يحرمني منكم ابدا..

+

انقضى الوقت في تبادل الاحاديث الخفيفة واحتساء الشاي ةتناول قطع الكعك التي نالت اعجاب ندى، لتحين من ندى نظرة الى ساعة معصمها فتشهق عاليا وهى تهتف:

+

– يا خبر، الساعة داخله على 1 دلوقتي.. أنا اتأخرت أوي ولازم أمشي..

+

تناولت حقيبتها اليدوية ونهضت وهي تردف فيما حذا حذوها سعادات ووالديها:

+

        

          

                

– معلهش سهرتكم، ومتشكرة جدا على السهرة الجميلة دي..

+

الأم بابتسامة تنم عن طيبتها الشديدة:

+

– انتينورتينا انهرده يا استاذة..

+

الأب:

+

– يا ريت حضرتك تكرري الزيارة دي كتير..

+

فيما صممت سعادات على إيصال ندى حتى سيارتها، والتي ما ان وصلت اليها حتى قطبت بشدة، فقد كان هناك سيارة أخرى تقف خلفها تعوق خروجها كليّة، زفرت ندى بضيق فيما قطبت سعادات قليلا وهي تتطلع الى تلك السيارة التي تقبع خلف سيارة ندى تماما، فمالت على زجاج النافذة المجاورة للسائق لتفاجأ بأن السائق قد رفع مكابح اليد فلا سبيل لدفعها، كتمت سعادات شتيمة كادت تفلت من بين شفتيها، لتلتفت اليها ندى تقول بيأس:

+

– هنعمل إيه دلوقتي يا سعادات؟.. هتصرّف إزاي؟…

+

وضعت سعادات يديها في منتصف خاصرتها وقد ثارت حميتها لمساعدة ندى، فسؤالها المحمل بنبرة يأس ملحوظة قد استفزّ حب المساعدة لديها، ناهيك عن أنها قد تعرّفت على صاحب تلك السيارة التي تقبع تماما كما الدجاجة التي ترقد على بيضها!!!…

+

هتفت سعادات بوعيد:

+

– ولا يهمك يا أبلة ندى، هي عوايده ولا هيشتريها!!.. هو كدا… دايما بيقل راحتنا كلنا، بس أنا مش هسكت له المرة دي!…

+

ندى بحيرة:

+

– هو مين دا يا سعادات؟…

+

سعادات وقد برقت عيناها بشرّ:

+

– وهو فيه غيره؟.. أبو حفيظة!!!…

+

ندى بدهشة مرددة:

+

– مين؟.. أبو حفيظة!!!!..

+

سعادات وهي تشيح بيدها:

+

– نسخة طبق الأصل من سيّد أبو حفيظة، دلوقتي تشوفيه وتحكمي بنفسك، اسمه في الحقيقة الأستاذ.. فوُزي (مد واو.. بضم الفاء)!!!..

+

ندى بذهول:

+

– نعم؟.. فُوزي!!!… قصدك تقولي.. فَوْزي يا سعادات؟!!

 سعادات بهزة نفي واثقة من رأسها:

+

– لأ… فُوزي.. مُطِّي بؤك لقدام كدا زي البطة وانتي بتقوليها!!…

+

نظرت اليها ندى بتوجّس عاقدة جبينها لوهلة، ثم هتفت بيأس وهي تشير الى سيارتها:

+

– المهم أنا أعمل إيه دلوقتي؟.. بابا وماما هيقلقوا عليا أكيد لو اتأخرت أكتر من كدا…

+

ولم تكد تتم عبارتها حتى علىَ صوت رنين هاتفها الشخصي، فتناولته من حقيبتها اليدوية ورفعته لتطالع اسم المتصل والذي لم يكن سوى والدها، تلقت المكالمة وهي تحاول إخراج صوتها بصورة طبيعية، وبعد بضعة كلمات تبادلتها معه طمأنته أنها لا تزال مع سعادات وأنها ستنصرف حالا!!.

+

أغلقت الهاتف ونظرت الى سعادات زافرة بضيق:

+

– أتفضلي.. بابا شكله اتضايق عشان اتأخرت، شوفي لي حل يا سعادات…

+

        

          

                

نطقت عبارتها الأخيرة برجاء جعل سعادات تشمّر عن ساعديها وتهتف بعزم:

+

– ولا يهمك يا أبلة، أنا هتصرف، بس اتفضلي اقعدي جوّة العربية بلاش وقفتك لوحدك في الشارع وفي وقت متأخر زي كدا، وأنا خمساية بالظبط وهتلاقيني عندك (خمساية.. يعني خمس دقايق)…

+

استسلمت ندى وصعدت الى سيارتها فيما توجهت سعادات وقد بدا على وجهها أبلغ علامات الغضب والحنق عائدة الى البناية السكنية بخطوات واسعة سريعة، ولا يشغل بالها سوى أمرا واحدا فقط.. ألا وهو… أبو حفيظة أو.. فُوُزي!!!!!!!….

+

وصلت الى باب شقّته السكنية، ووضعت سبابتها على جرس الباب فانطلق رنينه يصدح في الأجواء، ولكن لم يصدر أي صوت من الداخل، فاستعاضت عن الجرس بقبضتها ومالت على الباب الخشبي تطرقه بقوة وهي تهتف بحدة:

+

– يا أستاذ فُوُزي… أنت يا أستاذ!!!

+

ولكن.. ما من مجيب أيضا، فزفرت سعادات بحنق فهي لو استمرت على مناداته والطرق على بابه بهذا الشكل ستجلب لنفسها المصاعب أولها ايقاظ جميع سكان العمارة ناهيك عن نظراتهم التي ستلاحقها بشكّ وريبة عن سبب تواجدها في مثل هذا الوقت أمام شقّة… أبو حفيظة!!!

+

صوت فتح باب استرعى انتباهها لتلتف فتقع عيناها على يوسف لتتمتم بينها وبين نفسها:

+

– حلو… كملت!!!!..

+

اقترب يوسف منها وكان قد خلع سترته وربطة عنقه وأبقى على قميصه وبنطاله القماشي، بينما فتح أزرار قميصه الأمامية ليبرز شعره الأسود الذي يغطي عضلات صدره فيما شمّر أكمامه الى مرفقيه، وكان يحمل سيجارته بين اصبعيه، قال بدهشة وتساؤل وهو يقترب منها تاركا باب شقّته مشرّعا وراؤه:

+

– سعادات؟.. انتي اللي بتخبطي بالشكل دا؟..  بتعملي إيه هنا في وقت زي دا؟.. وعاوزة إيه من فوزي؟…

+

زفرت سعادات بيأس وهتفت وقد طفح كيلها:

+

– وهعوز إيه يا حسرة؟.. كرشه ولا صلعته؟.. عاوزاه ينزل يحرّك عربيته عشان البنيّة تعرف تطلع وتروّح، دي يا ولداه القلق واكلها وأبوها وأمها ما بطلُّوش اتصالات بيها!!..

+

قطب يوسف ودنا منها أقرب حتى وقف أمامها وقال بعقدة جبين عميقة واستفهام:

+

– بنيّة مين دي؟.. 

+

هتفت سعادات بنزق:

+

– أبلة ندى!!!!!!!!!..

+

وكأنها قد أخبرته بأن الساعة الآن الواحدة ليلا بعد منتصف الظهر!!!!… فقد ارتفع حاجبيه بدهشة حتى كادا يلامسان مقدمة شعره، وهمس بذهول وغير تصديق:

+

– ندى!!!!!…

+

ليعقد جبينه بقوة مردفا بدهشة غاضبة:

+

– ندى مين؟…

+

سعادات بنفخة ضيق واضح:

+

– أبلة ندى يا جو.. إيه لحقت تنساها؟.. أبلة ندى قريبة مستر أنور، وصاحبة ديفليه انهرده!!!..

+

        

          

                

هتف يوسف بذهول:

+

– ندى هنا؟.. تحت!!!!

+

أومأت سعادات موافقة فأكمل هو تساؤلاته:

+

– وإيه اللي يجيب ندى هنا في وقت زي دا؟.. 

+

وسكت لثوان قبل أن يتابع بحدة:

+

– انطقي يا سعادات ما تجننينيش، أيه اللي جاب ندى هنا وفي وقت زي دا؟..

+

هتفت سعادات بحنق وهي تشيح بيدها في وجهه:

+

– جرى إيه يا جو؟.. أنت عليك عفريت اسمه ايه اللي جاب ندى هنا؟.. جات بالعربية عندك مانع؟!!!!!!!!!!!….

+

نفخ يوسف بحنق وهتف فيها عاليا:

+

– سعادااااااااات… مش طالبة خفة دم دلوقتي، انطقي وفي كلمة وربع قوليلي ندى هنا ليه وليه ما روّحتش لغاية دلوقتي وإيه….

+

لتقاطعه وهي تهتف عاليا مشيرة بيدها إليه:

+

– إيه.. إيه.. حيلك حيلك… هجاوبك على كل الاسئلة دي في كلمة ورُبع إزاي أنا؟… أما ناس غريبة بشكل!!!

 يوسف وهو يكاد ينفث نارا من فمه:

+

– عارفة.. أنا على شعرة منك ولو ما ردتيش على أد السؤال هتبقي جبتيه لنفسك يا عملي السيء في حياتي!!!!…

+

سعادات برفعة رأس وهزة كتف بغرور:

+

– ها… ولا يهمني، قال عملي السيء قال.. انبي دا انا عملك الطيّب الوحيد في حياتك، دا انت كل عمايلك سووووووودة… إلا عمل واحد بس… بمبة!!…

+

يوسف باستهزاء:

+

– والبمبة دا بقه.. اللي هو أنتي؟..

+

هزت رأسها موافقة قائلة بفخر:

+

– أيون!!… وبلااا فخر!!!!!.

+

صوت ناعس قاطع جدالهما فيما يقول صاحبه والذي خرج على صوتهما:

+

– إيه فيه إيه… إيه الدوْشة دي؟؟..

+

هتفت سعادات وهي تدير رأسها الى صاحب الصوت الواقف أمامها:

+

– أستاذ فُوٌزي!!!!… صح النوم، إيه… أنت كنت نايم ولا ميّت؟.. ولا دي نومة أهل الكهف؟..

+

فوزي باستياء:

+

– أفندم؟.. أنتي جاية تصحيني من عز نومي عشان تتريقي يا سعادات؟..

+

سعادات بنفخة ضيق واضحة:

+

– لا وأنت الصادق، عشان تحرّك عربيتك اللي واقفة زي اللقمة في الزور دي!!

+

فوزي بثقل:

+

– وأحركها ليه أن شاء الله؟.. أظن أنت عارفة أنه المكان دا بتاعي، اوعي يكون صاحب العربية ظهر وعاوزني أنزل أحرّك العربية؟.. فوق جثتي الهامدة يا سعادات!!

+

سعادات متمتمة بزاوية شفتها:

+

– طالما قلب بالنحوي يبقى الموضوع مطوّل… مضطرة أترجاه أعمل إيه.. ما هو إن كان لك عند فوُزي حاجة قول له يا مستر!!!

+

        

          

                

لتبادر بعدها برسم ابتسامة عريضة وهي تجيبه:

+

– يا مستر فوُزي..

+

قاطعها بتوجس:

+

– نعم؟.. يا إيه؟…

+

سعادات ببساطة:

+

– مستر.. مش حضرتك مدرس أول لغة عربية وضليع في محو اللغة العربية؟!!!

+

وفي داخلها تضيف:

+

– محو اللغة فعلا مش نحوها، أنا متأكده أنه الطلبة اللي طالعين من تحت إيدك هيبقى عندهم حَوَلْ لغوي، الفاعل عندهم خبر والمبتدأ مفعول به والجملة الفعلية جملة اسمية والعكس، يعني الدنيا عندهم سلطة!!!!!….

+

زفر يوسف بحنق وهتف:

+

– خليكي معنا يا سعادات خلِّينا ننجر في ليلتنا دي!..

+

سعادات بحنق وهي تشير الى فوزي:

+

– والله ما حد عاوز ينجز أدي، هو اللي مأخّرنا!!….

+

فوزي هاتفا بعدم فهم:

+

– مأخركم في إيه بس وتنجوزا في إيه؟..

+

سعادات بصوت عال وبضيق تام:

+

– انزل حرّ: عربيتك خلي أبلة ندى تعرف تطلع بعربيتها، حرام عليك البنية بئالها أكتر من نص ساعة تحت… فهمت ولا أقول كمان؟!!!!

+

وفي لمح البصر كان تعبير الامتعاض من على وجه فوزي يختفي ليحل بدلا منه تعبيرا من العتَهْ الممتزج بالبلاهة الشديدة والغباء وهو يردد بابتسامة عريضة غير مصدقة شديدة البلاهة:

+

– ندى!!!!… هو الموضوع فيه ندى؟!!!!!!!!

+

ليحدق فيه يوسف بانشداه لثوان هتف بعدها بغضب عنيف وعيناه تجحظان بشدة:

+

– جرى إيه يا فوزي؟.. ما تلِمْ نفسك!!!

 فوزي بدهشة:

+

– في إيه يا يوسف؟.. أنا بسأل عادي..

+

ولم يترك له مجالا للاجابة إذ التفت الى سعادات من فوره وقال بعجالة:

+

– ثواني يا سعادات أغيّر هدومي وآجي..

+

لتهتف سعادات وهي تقبض على ذراعه كالمتهم في جناية وتدفعه أمامها:

+

– مالوش لزوم، مش رايح تخطب يعني، ماله التريننج النبيتي في أخضر في فوسفوري أصفر دا؟.. يجنن!!!!..

+

ونجحت في دفعه نحو المصعد ليلحق بهما يوسف وهو يرغي ويزبد ويتوعد تلك الغبية سعادات والأبله الآخر فوزي أن صدر عنه أي فعل تجاه ندى، والأكثر يتوعد في داخله تلك الحمقاء القابعة في الشارع بمفردها في مثل هذا الوقت من الليل، فمن الواضح فعلا أنه يجب أن يضع النقاط فوق الحروف معها، فحتى اعترافه لها بالحب لم يثنيها عن الانصراف من سهرة الليلة دون كلام بل والبقاء خارجا إلى ما بعد منتصف الليل، إذن فلا تلومه على ما سيفعله بعد ذلك، فهي من بدأت… والبادئ أظلم!!!!!!!!..

+

        

          

                

************************

+

كانت تجلس داخل سيارتها تنظر الى مدخل البناية السكنية حيث اختفت سعادات منذ ما يقرب النصف ساعة وهي تخبط على مقود سيارتها بأصابعها البيضاء النحيلة بتوتر فيما تسترق النظر الى ساعة معصمها الألماس وهي تتأفف بضيق ثم تمتمت بحنق خفيف:

+

– روحت فين يا سعادات كل دا؟…

+

وما لبثت أن شاهدت سعادات تطل عليها من المدخل قادمة في اتجاهها فانفرجت أساريرها وأسرعت بالترجل من سيارتها وهمّت بالتقدم إليها بدورها حين فوجئت بالوجه الذي ظهر خلفها لتغيب ابتسامتها رويدا رويدا وتتسع عيناها دهشة وهي تهمس في ذهول:

+

– ودا إيه اللي جابُه دا؟..

+

ولم تنتبه الى الثالث الذي أتى برفقتهما فقد تسمّرت عيناها على نظرة قوية من عيني يوسف أسرت نظراتها العنبرية فلم تنتبه لما حولها حتى وصلت سعادات إليها وكانت هي من فكّ السحر وهي تقول بابتسامة عريضة مشيرة الى الشخص الغريب الواقف خلف يوسف:

+

– خلاص يا ستي.. أبو حفيـ… 

+

لتبتلع سعادات باقي كلمتها وتستدرك سريعا متابعة:

+

– الأستاذ فُوُزي هيحرك عربيته حالا!!…..

+

حاولت ندى الابتسام مجاملة حينما فوجئت بالمدعو فُوُزي وهو يدفع بنفسه للأمام حتى وقف أمامها وتحديدا بينها وبين يوسف والذي رماه بنظرة قاتلة لم ينتبه إليها، بينما تحدث فُوُزي والذي لاحظت ندى أن سعادات لم تخطأ في شيء أبدا حينما ذكرت أنه “أبو حفيظة”.. فالمذكور يكاد يكون نسخة طبق الأصل من ذلك المذيع الشهير صاحب أقوى البرامج الكوميدية الشهيرة!..

+

وقف فُوُزي ومد يده أليها وهو يقول بابتسامة عريضة فيما تهدلت خصلة شعر مجعدة من ضمن خصلات شعر رأسه الأمامية القليلة والتي بالكاد تخفي الصلع الموجود في وسط رأسه:

+

– أهلا.. أهلا… أشرقت الأنوار والله.. أنا فوزي.. !!!!

+

تطلعت ندى بذهول الى يده الممدودة ثم رفعت عينيها إليه لتميل بعد ذلك على سعادات الواقفة بجانبها تهمس بتساؤل ودهشة:

+

– هو دا فُوُزِكْ؟!!

 رمشت سعادات بعينيها عدة مرات علامة الايجاب وهي تبتسم هامسة:

+

– هو بشعره وكعب نظارته وشبشبه اللي أد المركب اللي لابسه في رجليه!!!

+

ندى بتساؤل:

+

– أنت متأكدة أنه مش قريب أبو حفيظة فعلا؟.

+

سعادات بهزة تأكيد من رأسها وهمس مماثل:

+

– متأكدة.. دا تشابه في خِلَقْ رسمية حضرتك..

+

ثم رفعت صوتها مردفة:

+

– الأستاذ فوزي مدرس لغة عربية لفصول محو اللغة العربية!!!

+

حدجها فوزي بامتعاض قائلا:

+

        

          

                

– اسمها نحو اللغة العربية يا جاهلة!!..

+

سعادات بتمتمة مسموعة:

+

– على إيديك هتبقى محو اللغة العربية أكيد!!..

+

رماها فوزي بنظرة ساخطة قبل أن يولي انتباهه ال ندى الزاقفة تحدق اليه بوجوم وقال فيما لا يزال مادًّا يده لمصافحتها:

+

– تشرّفنا يا آنسة… معلهش لو أكون اتأخرت عليكي!!!

+

 ندى بدهشة غير مصدقة ومن دون أن تمد يدها لتلقي مصافحته:

+

– نعم؟!!!!!…

+

ليقول يوسف بغضب واضح من بين أسنانه المطبقة بشدة:

+

– ما بتسلّمش يا فَوزي… نزّل إيدك!!..

+

وأكمل في داخله بغلّ شديد:

+

– بدل ما أنزل لك صفّ سنانك الصفرا اللي تقرف دي!!!…

+

نظر اليه الأخير بدهشة في حين طالعت ندى فوزي بدهشة أكبر، ومع أنها لم تعتد النظر الى رجل بتركيز ففوزي أو “أبو حفيظة” نجح في استرعاء انتباهها بالكامل، كان يبدو أنه في أواخر الثلاثينات أو أوائل الاربعينيات بجسده الممتلئ وجرت عينيها عليه بدءا من سرواله البيتي كحلي اللون المقلّم من الجانبين بخطين طولين باللون الأحمر الداكن مرورا الى البلوزة البيتية ذات المربعات الكبيرة أو الكاروهات بمعنى أدق، بألوان الأحمر والأزرق والأبيض و… الأخضر!!…، لتنتهي رحلتها التفقديّة له الى الأعلى حيث رأسه الضخم بنظارته الأضخم ذات العدسات المقعرة أو.. “كعب كوباية” كما يقولون، ثم شعره المجعد المحيط بجانبي رأسه فيما تخلو من أي خصلة شعر في المنتصف ولكنه يتحايل على ذلك بتمشيط خصلات شعره في الجانب الأيسر كلها إلى الجانب الأيمن فتكون كساتر شعري!!!… وأخيرا ذلك الشارب الأسود الرفيع الذي يقبع طرفيه باسترخاء على شفته العلوية فيما تعلو هذا الوجه ابتسامة عريضة يعتقد صاحبها خطئا أنها غاية في الجاذبية بينما في الحقيقة هي غاية في… السماجة والبلاهة!!!!…

+

انتبهت من تركيزها في شكل “فُوزي” على صوت يوسف الحانق وهو يهمس لها بغضب شديد:

+

– انت مالك مبحلقة في الراجل كدا ليه؟.. اللي يشوفك يقول أول مرة تشوفي رجالة!!!!!…

+

أجابته ندى بهمس منخفض وهي على حالتها المندهشة:

+

– أنا أول مرة فعلا أشوف رجالة….

+

كاد يوسف يصرخ فيها حين تابعت وهي مذهولة:

+

– من النوع دا !!!… 

+

قاطع همسهما هتاف سعادات الساخط موجهة حديثها الى فوزي:

+

– جرى إيه يا أستاذ فُوزي أنت جاي تحرّك عربيتك ولا تتحرّك أنت؟!!.. إيه اللي اتأخرت عليكي؟.. دا على أساس إيه ان شاء الله؟.. فيثاغورث!!!!!!!…

+

فوزي بحنق وقد شعر بالخجل من تأنيب سعادات له:

+

– سعادات احترمي نفسك، أنا مهما كان أكبر منك، عيب تكلميني بالشكل دا !!!

+

        

          

                

زفرت سعادات بنزق وأجابته وهي ترسم ابتسامة عريضة صفراء بينما صوتها يخرج من بين أسنانها التي تكاد تطحنها غيظا وكمدا من شبيه أبو حفيظة هذا:

+

– معلهش يا أستاذ فُوزي، ممكن تحرّك عربيتك عشان أبلة ندى تعرف تمشي؟!!

+

في لحظة واحدة طار غضب فوزي من سعادات واعتلى وجهه تعبير أبله من السعادة وقال وهو ينظر الى ندى باعجاب ملحوظ:

+

– هيّ الآنسة اسمها ندى؟!!

+

أجابته سعادات في حين منع يوسف نفسه بصعوبة من محو ابتسامة هذا اللزج السمجة بقبضة يده وإعادة تشكيل وجهه ثانية:

+

– أيون، انجز بقه!!!

+

فوزي وكأنه لم يسمع المقطع الأخير من عبارة سعادات:

+

– حصل لي الشرف يا آنسة ندى، وأنا أقول الدنيا بالليل مشرقة على غير العادة.. أتاري القمر نزل عندنا هنا والشمس طلعت بالليل!!!!

+

إلى هنا ونفذ صبر يوسف الذي سارع بالقبض على معصم ندى وجذبها ناحيته لتقف بجواره تماما تكاد تلتصق به فيما هدر بعنف في فوزي قائلا:

+

– جرى إيه يا جدع أنت ما تلم نفسك شويّة، أكونش هوا قودامك ولا إيه؟…

+

فوزي باستنكار لغضب يوسف الظاهر منه:

+

– وأنت مالك يا سيّد؟.. دا حاجة غريبة والله، أنا بتكلم مع الآنسة ندى.. أنت ندى؟.. 

+

يوسف وقد ترك معصم ندى ليحيط خصرها بذراعه في قبضة فولاذية باغتتها فشهقت دهشة بينما طالعته في ذهول وصدمة فيما أجابه هو بصوت قاطع لا يقبل النقاش ولا الجدل:

+

– لا وأنت الصادق.. أنا جوز ندى!!!!!….

+

لتطالعه ثلاثة أزواج من الأعين وثلاث من الأفواه الفاغرة، دهشة، وصدمة و… فرحاً!!.. وبالطبع كان الفرح والسعادة من نصيب سعادات التي كانت أول من أفاق من ذهوله وهتفت تؤكد كلام يوسف وهي تدعو الله أن يجعل ندى من نصيبه ليبعد عن تلك الأفعى الحيزبون المسماة مايسة:

+

– أيون تمام كداهوّن!!…  على يدّيّ!!.. جو خاطب أبلة ندى وفرحهم قريب أن شاء الله، وهتكون أول المعازيم يا أستاذ فُوزي ما تقلقش!!!!…

+

وتكون الصدمة من نصيب فوزي الذي تمتم بخيبة أمل واضحة وهو يعدل من وضع منظاره الطبي الذي سقط فوق أنفه من هول ما سمعه:

+

– مبـ.. مبروك.. 

+

ثم أردف بحسد واضح بصوت منخفض وصل أسماعهم ولكن وحدها ندى لم تنتبه اليه:

+

– طول عمرك حظك في رجليك يا ابن المحظوظة!!!!…

+

حدق فيه يوسف بذهول غاضب فيما سارعت سعادات وقالت وهي تشعر من نظرات يوسف أنه على وشك ارتكاب جريمة قتل لا محالة:

+

– ماشي يا أستاذ فُوزي، شكر الله سعيك، ممكن بقه تحرّك عربيتك؟!!!…

+

نظر يوسف الى سعادات بغضب فيما هتف فوزي بحنق:

+

        

          

                

– 100 مرة أقولك فَوزي بفتح الفاء يا جاهلة مش فُوزي!!.. 

+

امتنعت سعادات عن الرد في حين نقلت ندى نظراتها الذاهلة فيما بينهم لتهمس بعد ذلك وهي تبدو كالتائهة:

+

– نعم؟.. مين اللي…

+

فسارع يوسف لمقاطعتها وضغط بذراعه على خصرها وهو يقول بابتسامة مزعومة فيما نظرات عينيه تحذرانها من تكذيبه:

+

– ما تتكسفيش يا ندى يا حبيبتي، الأستاذ فُوُزي مش غريب.. وبعدين كلها حاجة بسيطة والدنيا كلها تحضر فرحنا!!..

+

هتفت لحظتها ندى بذهول وهي تطالعه بدهشة حائرة:

+

– فرح مين؟..

+

يوسف بابتسامة وببساطة:

+

– فرحنا!!!..

+

ندى باستفهام وبغباء تام:

+

– أيوة.. نـا دي بقة اللي هي مين؟..

+

يوسف بابتسامة وبراءة زائفة:

+

– نـا الدالة ع الفاعلين يا روحي!!.. أنا وأنتي!!!…

+

سعادات وهي تخفي فمها بيدها تتمتم بينها وبين نفسها:

+

– ناها مش نيها!!!… 

+

لاحظ يوسف همهمة سعادات الخفية فقال بتحذير خفي:

+

– فيه حاجة يا سعادات؟..

+

سعادات بابتسامة مضطربة وهي تبعد يدها عن فمها:

+

– لا حاجة.. حاجة إيه يعني؟.. أنا بقول.. أنا وأنت ولا حد تالتنا أنا وأنت أنا وأنت وبس!!!!..

+

يوسف بهزة رأس بسيطة:

+

– أيوة خلّيكي كدا.. غنّي على على طول!!!..

+

قاطعهم فوزي وهو يقول بينما يتجه ناحية سيارته العتيقة:

+

– لحظة هحرّك العربية!..

+

ما أن اختفى فوزي عن الانظار حتى التفتت ندى الى يوسف بحدة وهتفت به بغضب بينما تدفع بذراعه بعيدا:

+

– أقدر أفهم أيه الكلام اللي أنت قلته دلوقتي دا؟.. أنت اتجننت؟.. مين اللي هيتجوز مين؟..

+

فشلت ندى في ابعاد ذراعه عنها وبدلا من ذلك أحاط خصرها بذراعه الأخرى فأصبحت مقيدة بين ذراعيه فيما نظر اليها تداعبها عيناه وقال بهدوء وابتسامة عابثة تعتلي وجهه الرجولي الوسيم:

+

– أنا.. وأنتِ.. فرحنا احنا الاتنين، دا الطبيعي يا ندى!!!

+

هتفت ندى بذهول وهي تكاد تجن:

+

– الطبيعي في إيه بالظبط؟.. أحنا مخطوبين؟.. اتقدمت لي؟.. شوفتني وافقتك على الجنون اللي أنت بتقوله دا؟.. يبقى إزاي فرحنا مش فاهمه أنا؟!!!!!

+

لتسكت لثوان تابعت بعدا بابتسامة ساخرة:

+

– وبعدين انت نسيت أني.. مدام!!.. وأنا من النوع اللي بيتجوز مرة واحدة وبس.. فهمت يا.. جو!!!!!

 ليختفي عيث يوسف وكاد يطلق شتيمة نابية في حق مايسة ولكنه أمسكها بصعوبة وبدلا من ذلك نظر في عينيها جيدا وهو يقول بجدية تامة:

+

        

          

                

– أولا كلمة مدام دي مش عاوز أسمعها تاني أبدا.. ثانيا ودا الأهم.. أظن اني انهرده حطيت النقط على الحروف بالنسبة لمشاعري ناحيتك، وأظن كمان أني قلت لك أني عاوز أكمل حياتي معاكي وأنك مش زي غيرك، ودا معناه حاجة واحدة بس.. أني عاوز أتجوزك، ولو على أني لسّه ما اتقدمت أخطبك فمين اللي قالك أني ما اتقدمتش؟!!!

+

كانت تحاول الفكاك من قبضته لتكف عن محاولتها تلك وتنظر اليه في صدمة فيما يتابع هو اعترافاته قائلا بنصف ابتسامة ظفر صغيرة:

+

– أيوة يا ندى… أنا فاتحت والدك عز الدين بيه أني عاوز أخطبك، ولو عاوزة الحق مامتك كانت فرحانه جدا وهو حاسيت بموافقته المبدئية وأن كان متحفّظ شوية!!!

+

ندى بذهول:

1

– أنت ازاي تعمل حاجة زي كدا؟.. وأزاي أنا معرفش؟..

+

رفع يوسف كتفيه وأنزلهما علامة الجهل وقال ببساطة:

+

– معرفش، لكن أكيد أنتي معرفتيش لأنك اختفيتي مرة واحدة من الحفلة، وأكيد بردو لما تروحي بالسلامة عمي هيفاتحك في الموضوع!!

 ندى بدهشة:

+

– عمّك!!!!!..

+

ليقاطعهما هتاف سعادات واليت كانت تتقافز فرحا:

+

– ألف ألف مبروووك…. لولولولولولولولي…. أخيرا يا جو ربنا هداك، على أد ما أنا فرحان هلك على أد ما أبلة ندى صعبانة عليّا، أنما هقول إيه… نصيبها كدا بقه!!!!

 كان يوسف يبتسم بسعادة في أول حديث سعادات لتغيب الابتسامة ببطء ويحل بدلا منها تكشيرة كبيرة عندما وصلت لنهاية حديثها وما أن سكتت حتى هتف فيها يوسف بصوت خشن:

+

– وليه أن شاء الله ندى صعبانة عليكي؟.. أكونش ابتلا من عند ربنا ليها؟!!!

 أجابت سعادات بتلقائية:

+

– لا هو مش ابتلا أوي يعني، لكن أهو… انت هتاخد واحدة صفحاتها بيضا وهي هتاخد واحد صفحاته اتهرست قراية مليون مرة قبل كدا!!!!..

+

صاح يوسف بحدة:

+

– سعادات!!!!

+

وضعت سعادات يدها على فمها ورفعت يدها الأخرى تشري اليه باستسلام لتقاطعه ندى قائلة ببرود وهي تنظر امامها وقد لاحظت ابتعاد سيارة فوزي عن سيارتها:

+

– عاوزة أمشي.. ممكن تسيبني!!!

+

فتطلع اليها يوسف وقال وهو يدقق النظر  اليها جيدا ويضغط على مخارج الحروف:

+

– ممكن تمشي.. لكن.. مش ممكن أسيبك!!!…

+

وتركها لتندفع الى سيارتها فتصعد اليها، وما أن همت باغلاق الباب حتى أمسكه يوسف ومال عليها قائلا بأمر:

+

– همشي وراكي، استني ثواني أطلع العربية!!!..

+

وأغلق الباب ومن ثمّ اتجه الى سيارته المصفوفة في الناحية الأخرى من الطريق ولهذا لم ينتبه الى وجود سيارة ندى طوال الوقت أسفل بنايته كما أن سيارة فوزي قد غطتها بالكامل، في حين لم تشأ ندى معاندته فيكفيها ما حدث الليلة، فكل ما تريده هو العودة الى منزلها والغرق في وسادتها والنوم بعمق علّها عندما تصحو تجد أن كل ما مرّت به الليلة من أحداث هو محض حلم!!…

+

        

          

                

وصلت ندى الى منزلها يتبعها يوسف بسيارته، فتحت بوابة المنزل الخارجية الحديدية بجهاز التحكم عن بعد ودلفت الى الباحة الخارجية حيث دارت حول حوض دائري من الرخام يتوسطه تمثال لعروس النيل يخرج من فمها شلال صغير من مياه ملونة، لتوقف سيارتها أمام درج رخامي يقود الى باب المنزل الداخلي، ما أن ترجلت من سيارتها صافقة الباب خلفها حتى لاحظت توقف سيارة يوسف بالقرب منها والذي ترجّل بدوره، ليسير متجها إليها وقد سلط عيناه عليها حتى إذا ما وصل ووقف أمامها همس لها بابتسامة:

+

– حمد لله على سلامتك، تاني مرة ما تروحيش في مكان إلا لما تقوليلي الأول..

+

ندى بهمس مماثل مستفهمة بسخرية طفيفة:

+

– دا أمر؟!!!..

+

يوسف وهو يحرك كتفيه ببساطة:

+

– لا أمر ولا حاجة.. أنما دا الطبيعي… أنا هكون جوزك..

+

همّت بالاعتراض حينما باغتها واضعا راحته الكبيرة على فمها وهو يهمس:

+

– هششش… اطلعي دلوقتي طمنينهم عليكي ونامي، وبكرة ان شاء الله لينا كلام كتير مع بعض..

+

ليفاجئها للمرة التي لا تستطيع عدّها برفع يدها ليقبل باطنها ثم أخفضها قائلا بحنان:

+

– تصبحي على خير يا حبيبة قلبي….

+

سرعة في دقات القلب واضطراب في التنفس وشعور بالبرودة الممتزجة مع شعور بالحرارة متزامن مع سخونة شديدة في الوجه الذي غدا كـلوْن التوت البري في حمرته، كل هذه الأشياء شعرت بها ندى في ثانية واحدة.. وتحديدا ما إن شعرت بملمس شفتيه وقد خدشت راحتها شعيرات شاربه الخفيفة وهو يقبّلها وكأنه يدغدغ أوصالها بقبلته تلك!!…

+

تراجع يوسف الى الخلف عدة خطوات ثم رفع يده ملوّحا ومرسلا قبلة في الهواء اليها قبل أن يستدير متجها الى سيارته حيث صعد اليها وأدارها منطلقا في طريقه فيما تابعت هي اختفاء سيارته بوجوم، نظرت بعدها الى واجهة المنزل الفخم قبل أن تتنفس بعمق وتتجه بخطوات بطيئة الى الداخل فوق ساقين ترتعشان رغما عنها بينما تمنِّي نفسها أن حمام دافئ وليلة من النوم العميق كفيلة بجعلها في الصباح تتيقن من أن كل ما مرت به هذه الليلة الليلاء ما هو إلا حلم أسود!!

+

*****************************

+

دلفت الى غرفة الصالون بعد أن نامت صغيرتها بين أحضانها تماما كما دأبت في صغرها، بكت طويلا وهي بين ذراعيها، وتركتها هي حتى أفرغت ما في جعبتها من بكاء نامت على أثره فدثرتها جيدا بالغطاء وخفّضت الإضاءة وغادرتها بعد أن قبّلت جبهتها ومسحت على خصلات شعرها القمحية الطويلة المتناثرة حولها فوق الوسادة مبتسمة ابتسامة حانية هامسة بأمومة جارفة:

+

– تصبحي على خير حبيبتي، أحلام سعيدة يا قلبي…

+

ما إن وطئت بقدميها غرفة استقبال الضيوف حتى رأت عبد العزيز يجلس بهدوء فوق المقعد فجالت بنظراتها في الغرفة لتكتشف عدم وجود أنور، تقدمت من عبد العزيز وهي تتساءل مقطبة جبينها:

+

        

          

                

– هو فين أنور؟.. مشي!!!

+

أومأ عبد العزيز بالايجاب قائلا وهو يشبك أصابع يديه أمام وجهه فيما يرتكز بمرفقيه على ذراعي مقعده:

+

– أيوة، قلنا كل اللي لازم يتقال، هيقعد ليه؟..

+

دنت منه فريدة حتى جلست على المقعد المقابل له ومالت بوجهها ناحيته وهي تقول بغير فهم:

+

– قلت اللي لازم يتقال؟.. وإيه هو اللي لازم يتقال؟…

+

عبد العزيز بغموض:

+

– حطيت النقط على الحروف معاه.. من الآخر وضعت حد لهم هما الاتنين!!

 فريدة بتشكك:

+

– أقدر أعرف إيه هو الحد دا؟..

+

عبد العزيز يطالعها بنظرة غريبة قائلا:

+

– إيه.. خايفة أضرّ بنتي؟.. 

+

ثم ابتسم ساخرا وأردف:

+

– ما تقلقيش يا فريدة، رنا مهما كان بنتي ومش ممكن أضرّها أبدا، لكن لما ألاقيها بتضرّ هي نفسها يبقى لازم أتدخّل وبمنتهى الحسم!!..

+

ساور القلق فريدة من لهجة عبد العزيز الغامضة وأصّرت قائلة وهي تمد يجها تضعها بدون وعي منها على ذراعه:

+

– طمنِّي يا عبد العزيز… مهما كان دي بنتي الوحيدة، أنت عملت إيه بالظبط مع أنور؟..

+

طالعها عبد العزيز بنظرات صامتة لثوان قبل أن ينقل نظراته الى يدها الموضوعة بتلقائية على ذراعه كعادتها دائما  حينما كانا زوجين فكلما تناقشا في أمر ما كانت يدها ترتاح على ذراعه بينما تنظر اليه بعينين كبيرتين تنسيانه ما عزم على قوله، تماما كما هو حاله الآن!!!…

+

تنحنح هو لتنتبه هي الى يدها فتسحبها سريعا وهي تتمتم بكلمات اعتذار خافتة بينما تظاهر عبد العزيز بأن شيئا لم يكن فيما داخله بدأت جذوة صغيرة من النار في الاشتعال:

+

– اطمني يا فريدة.. زي ما سبق وقلت لك.. أنا مش ممكن هأذي بنتي ولا أجرحها تاني زي ما قال أنور، لكن أنا حطيت لحيرتها حد، هي اختارت وأنا هلزمها باختيارها دا !!!

+

فريدة بعقدة جبين عميقة:

+

– بمعنى؟..

+

عبد العزيز بشبح ابتسامة خفيفة:

+

– بمعنى أنك تطمني.. أنا أدرى بمصلحة بنتي، وبعدين رنا لازم تتعلم أنها لما تقرر أي شيء تكون أد نتايج القرار دا مهما كان.. لازم تتعلم من غلطنا احنا يا فريدة!!..

+

وكانت أول مرة يلمّح فيها عبد العزيز لطلاقهما منذ سنوات بعيدة، لتتقهقر في جلستها وتجيب بصوت مرتبك قليلا فيما نظراتها مشتتة هنا وهناك:

+

– احنا موضوع تاني يا عبد العزيز.. رنا مش صغيرة عشان…

+

ليقاطعها وهو يميل بجسده ناحيتها قائلا بتصميم:

+

        

          

                

– ما تعانديش يا فريدة.. احنا الاتنين غلطنا، وللأسف رنا بنتنا هي اللي دفعت نتيجة الغلط دا، ولو أنه لو جيتي للحق.. مش رنا بس اللي دفعت نتيجة اللي حصل… أنا كمان دفعت ولسّه بدفع نتيجته.. لدرجة أني أحيانا بيتهيألي أني هفضل أدفع التمن طول عمري!!..

+

قالت فريدة بتوتر تقاطعه:

+

– مالوش لزوم الكلام دا دلوقتي يا عبد العزيز… المهم رنا.. بنتي..

+

تنفس عبد العزيز عميقا وهو يفكر.. منذ متى لم يسمع اسمه من بين شفتيها، كاد يطلق آهة عميقة تشي بشوقه لها وولعه بها، ولكنه حاول تمالك نفسه فهو لن يذهب الليلة قبل أن يضع النقاط على الحروف بالنسبة لهما هما أيضا وليس لابنته وحدها!!… 

+

عبد العزيز بهدوء نسبي:

+

– الكلام دا هو أساس اللي حصل لرنا…

+

وسكت للحظة مردفا وهو يضع عينيه نصب عينيها الكهرمانيتين:

+

– بنتنا يا فريدة….

+

زادت دقات قلبها وشعرت بتوتر بالغ فما كان منها إلا أن نهضت وهي تقول بارتباك واضح وحدّة وهي تسير مبتعدة عنه:

+

– أنت بتلفّ وتدور على إيه معرفش… واضح كدا أننا كلنا محتاجين ننام ونرتاح كويّس… ونبقى نتكلم بعدين..

+

هبّ عبد العزيز واقفا ولحق بها ليقف خلفها تماما فتيبست قدميها ما أن شعرت بأنفاسه الساخنة تضرب في عنقها من الخلف بينما قال عبد العزيز بصوت أجش:

+

– أنا لا بلف ولا بدور يا فريدة… أظن أني كلامي واضح وصريح، لكن يا ترى أنتي كمان واضحة وصريحة؟…

+

قطبت وسألته بريبة:

+

– قصدك إيه؟…

+

لتشهق بدهشة حينما قبض على ذراعها ليديرها اليه بقوة وهو يهمس بغضب عنيف فيما احمرّت عيناه بشدة وهو يطالعها بغضب وحشي:

+

– قصدي الدكتور شاهين يا دكتورة فريدة!!…

+

شحب وجه فريدة للحظات ولكنها ما لبثت أن حاولت التماسك فهو لا حق له عليها، وأن كان يظن أنها ستسمح له بالتدخل السافر في شئون حياتها فلا بد له من إعادة حساباته جيّدا فهي لم تعد زوجته الذي كان يعدّ عليها أنفاسها معللا ذلك بغيرته الشديدة عليها بل وعشقه الجنوني لها، قالت فريدة ببرود:

+

– أظن أنه الموضوع دا خاص بيّا أنا.. وأنا الوحيدة اللي ليا الكلمة الاولى والاخيرة فيه، وما أسمحش لأي حد أنه يلمح مجرد تلميح عنه، بنتي بس اللي مسموح لها تتناقش معايا فيه غير كدا مرفوض ومش مقبول!!!

 هدر عبد العزيز بغضب فقد استعرت جذوة النار التي بداخله لتصبح جمرة مشتعلة يكاد لهيبها يحرق من يقف أمامها:

+

– انت بتقولي أيه؟.. أنتي مراتي…

+

هتفت فيه بصياح غاضب تقاطعه:

+

        

          

                

– كنت.. مراتك!!!!.. 

+

ليصمت كمن بوغت بخير صادم فيما أرجفت هي بسخرية مريرة:

+

– كنت مراتك يا عبد العزيز بيه، لكن أنا دلوقتي أم رنا وبس، مراتك واحدة تانية أظن أنت تعرفها كويّس وتعرف ولادك منها.. علاء وسمر… ولا نسيتهم؟…

+

ما أن أنهت حديثها الغاضبة حتى ودّت لو استرجعت عباراتها الساخطة الغاضبة، فهي بدت كأنها تلومه على زواجه بأخرى بل وانشاء أسرة له بعيدا عنها، ولكن.. أليس هذا شعورها حقيقة؟.. ألم تشعر بالصدمة ما أن علمت بزواجه من أخرى ويومها ذرفت من الدموع ما شعرت أنه يكفي لملئ المحيط؟.. لا تدري كيف تمالكت نفسها وتماسكت أمام صغيرتها ما أن أخبرها جلال بزواج عبد العزيز حتى إذا ما انفردت بنفسها في غرفتها أطلقت لدموعها العنان واعدة نفسها أنها آخر مرة ستبكيه، وبالفعل لم تبكي بعدها أبدا.. مهما استبدّ بها شوقها إليه.. فهو قد اختار حياة أخرى بمحض إرادته، وبمحض إرادته أيضا فضّ زواجهما، لذا فهي لن تشتري من باعها أبدا!!!!…

+

نظر اليها عبد العزيز وهمس وعيناه ترسلان إليها رسائل ترفض قراءتها:

+

– لا ما نسيتش يا فريدة، تمام زي ما نسيتش أني كنت بموت في كل لحظة وأنتي بعيدة عني، اتحايلت عليكي كتير أنك ترجعي لي ووعدتك أني هحاول أمسك نفسي ومش هتعبك بغيرتي المجنونة لكن أنتي ركبت دماغك وصممتي، جوازي من عفاف مش حب في الجواز أو معناه أني حبيتها مثلا… أبدا.. جوازي منها كان الحل الأخير بالنسبة لي أني أحاول أسند نفسي وما أقعش، كان القشة الأخيرة اللي حاولت أتمسك بها عشان ما تجننشي من بعادك انتي وبنتي عني… لكن قصاد كدا.. كل يوم بيمر عليا من وقت ما سيبنا بعض بيعدي تقيل أوي، بحس أنه بياخد من روحي ودمي، علاء وسمر ولادي ورنا بنتي، كلهم ولادي، وعفاف مراتي مش هنكر لكن أنتي…

+

وصمت فهتفت فريدة وهي ترفع عينيها إليه قائلة بحزم:

+

– أوعى تكمل يا عبد العزيز…

+

ولكن كأنه لم يسمعها، ليكمل بصوت خشن وعينان تحملان شوقا عظيما وأنفاس مهتاجة تضرب صفحة وجهها ويدين خفّت حدة قبضتيهما لتداعبان ذراعيها وترسلان إشارات تعبّر عن مدى شوق صاحبهما الملتهب لاحتوائها بين ذراعيه قريبا من دقات قلبه القوية، فأردف بخشونة:

+

– أنتي حبيبتي… حبيبتي الوحيدة يا فريدة.. أنا عمري لا حبيت ولا هحب غيرك…

+

فريدة وهي تشعر بداخلها ينصهر وكيف لا وهي لا تزال تحبّه بل تتنفسه عشقا وقد يكون هذا هو السبب في تفكيرها الجديّ بالموافقة على شاهين كزوج محتمل لها، فهي لم تعد قادرة على تمثيل دور اللامبالية أكثر من هذا، فهمست ترجوه:

+

– عبد العزيز اللي انت بتقوله دا غلط.. مش من حقي، ولا من حقك أنت كمان أنك تقولي كلام زي دا…

+

فوجئت به وهو يضغط بشدة على ذراعيها قائلا بغضب عنيف من بين أسنانه:

+

– أومال حق مين يا فريدة؟.. شاهين!!!..

+

        

          

                

وقبل أن يتثنى لها إيضاح خطئه وأنه قد التبس عليه الأمر فهي لم تكن تقصد شاهين بالمرة بل كانت تعني أنه أصبح غير محلل لها لتسمع منه هذه الكلمات، هتف فيها ونيران عشقه لها تلتهمه من الداخل:

+

– على جثتي يا فريدة.. سامعة؟.. السنين اللي فاتت دي كلها حاولت بدل المرة ألف أنك ترجعي لي لكن كنت بترفضي… وما اتجوزتش الا لما يئست خالص وكان لازم حل عشان ما أفقدش عقلي زي ما فقدت قلبي معاكي، وكل سنة بتمر وأنتي قودامي وبترفضي الجواز بحس أنه رفضك دا كأنك بتطبطبي عليّا، معناه أنك مش عاوزة يكون ليكي زوج من بعدي، لكن لما ألاقيكي بدأت تفكري في الجواز وبالتحديد من شخص تاني ساعتها بقه لازم أتدخل وأوقف المهزلة دي.. 

+

صاحت فريدة تقاطعه:

+

– المهزلة انت اللي بتعملها يا عبد العزيز بكلامك دا.. بأي سبب عاوز تتدخل وتحكم وتتحكم فيّا؟.. مين اللي أعطاك الحق دا؟..

+

ليصرخ فيها بعنف:

+

– حبّك!!!… 

+

صمتت تطالعه باندهاش في حين أكمل وهو يلهث من فرط الانفعال:

+

– أيوة يا فريدة حبك.. حبك هو اللي أدَّاني الحق دا وأكتر كمان.. أنا مش بس بحبك.. لأ.. أنا بعشقك يا فريدة، أنتي فاكرة أني نسيت؟.. ولا لحظة جمعت بيننا يا فريدة نسيتها أبدا، وأقدر أقولك ال 18 سنة اللي قعدناهم مع بعض فترة خطوبتنا وجوازنا إيه اللي حصل يوم بيوم وساعة بساعة… ولو فعلا زي ما بررتي لرنا سبب تفكيرك في الجواز أنك بعد ما هي تتجوز هتعيشي لوحدك ما فيش مشكلة…  محلولة.. العريس عندي…

+

نظرت اليه بتساؤل صامت ليردف بصوت متهدج:

+

– أنا!!!…

+

شهقت فريدة بدهشة وتمتمت بغير تصديق:

+

– إيه؟…

+

قرّبها إليه عبد العزيز وهو يكرر بصلابة:

+

– أنا يا فريدة… والمأذون اللي هيكتب كتاب بنتنا هيكتب كتابنا في نفس اليوم…

+

فريدة بتلعثم واضح:

+

– كتب كتاب رنا؟..

+

أومأ عبد العزيز برأسه إيجابا وترك مرفقيها مبتعدا خطوة الى الخلف وهو يقول بجدية بالغة:

+

– أيوة يا فريدة، كتب كتاب رنا الخميس اللي جاي ان شاء الله، واحنا… هنكون معها!!!

+

هتفت فريدة بصدمة:

+

– مين اللي هيكون معها؟.. ورنا أساسا هتتجوز مين؟..

+

ارتفعت شفتي عبد العزيز في نصف ابتسامة وأجاب ببساطة:

+

– خطيبها!!.. رنا هتتجوز خطيبها طبعا، وكتب كتابنا احنا الاتنين هيكون معها… عشان ما تهونيش عليّا تقعدي لوحدك بعد ما بنتنا تتجوز يا حبيبتي!!…

+

فريدة بحدة وقد أفاقت من ذهولها:

+

– يا سلام.. ومين اللي قرر كدا أن شاء الله؟..

+

عبد العزيز بحزم وهو يقف أمامها:

+

– أنا!!!… اعملي حسابك يا فريدة.. كتب كتابك أنتى وبنتك يوم الخميس الساعة خامسة العصر.. سلام أنا دلوقتي عشان شكلك تعبان وعاوز يرتاح..

+

واستدار متجها الى الباب لمغادرة بينما وقفت فريدة تطالع انصرافه بانشداه واضح، ليقف بعدها أمام الباب ويلتفت قائلا بابتسامة زادت من وسامته التي لم تخف رغم مرور السنون:

+

– فستان كتب الكتاب هديّة مني ليكي ولبنتنا يا حبيبتي… وصدقيني.. هيعجبك.. طول عمري عارف ذوقك كويس أوي… سلام حبيبتي!!!..

+

وانصرف تاركا فريدة تكاد تهذي من شدة ذهولها ولسان حالها يتساءل:

+

“ترى هل ما حدث الآن حدث حقيقة أم هو أضغاث أحلام فقط لا غير؟!!!”….

+

**** من الواضح أن هذه الليلة ستظل في ذهن أبطالنا لمدة طويلة فالجميع يظنها حلما وليس.. علما، ولكن الآتي من الأيام سيثبت أنها كانت ليست فقط عِلم بل ونقطة تحوّل في حياة أبطالنا كلّهم!!!!*****

+

 – يتبع-

+





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى