Uncategorized

رواية قارئة الفنجان الفصل الثاني 2 بقلم مني لطفي – تحميل الرواية pdf


                              

قارئة الفنجان

                              

الفصل (2)

                              

بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)

                              

كان يدور في غرفته بوكالة الاعلانات الخاصة به هو وأنور، يضرب قبضة يده اليمنى براحته اليسرى، زفر بضيق كبير وتمتم من بين شفاه مطبقة:

                              

– بقه بتضحك عليا يا أنور؟.. تقولي اركن عربيتك وألف ألاقيكي طرت مع الهانم في ثانية!!.. ومش بس كدا.. لا حضرتك كمان قافل الموبايل بتاعك وبقالك فوق عن ساعتين معرفش انت فين… انما هتروح مني فين أنا….

                              

ليقاطع حواره الساخط مع نفسه دخول أنور اليه فرفع عينيه له ليقابله الأخير بابتسامة صغيرة، هتف به يوسف بحنق بالغ:

                              

– أخيرا شرّفت، بتضحك عليا يا أنور!!.. وموبايلك مقفول ليه؟.. وكنت فين أساسا بقالك اكتر من ساعتين لا حس ولا خبر، تصدق بركة انك رجعت حتة واحدة، انا قلت بنت خالتك انهرده حالفة براس أبوها لا هي مموِّتا لها حد!!!…

                              

سار أنور حتى جلس على أحد المقعدين الجلديين المقابلين للمكتب الضخم، ارتاح في جلسته وزفر بعمق قبل أن يقول بهدوء أثار غيظ يوف أكثر:

                              

– ممكن بس أعرف ايه اللي مضايقك أوي كدا؟.. أنا حاسس ان مراتي هي اللي واقفة تحاسبني مش صاحبي!!!!!

                              

دمدم يوسف بلعنة من بين أسنانه قبل أن يتجه إليه ويجلس بدوره على المقعد الآخر المقابل له وميل ناحيته يسأله بقوة:

                              

– ليه مشيت من غير ما تستناني؟.. ومين ندى دي بالظبط؟.. وروحت فين الوقت اللي فات دا كله؟….

                              

زفر أنور بتعب قبل أن ينظر إليه ويجيبه محاولا تمالك أعصابه:

                              

– انت مش شايف أنك مكبّر المسألة زيادة عن اللزوم؟.. ندى وتبقى بنت خالتي، وحادثة كانت هتحصل عادي يعني سرحت وهي بتسوق.. غصب عنها مش بكيفها يعني، ولأني عارف حضرتك في عصبيتك بتكون عامل إزاي، تمام زي القطر واخد في وشّه ما بيقفش.. ما رضيتش انك تكون معنا، هي لوحدها مش مستحملة، فروّحتها واستنيت لغاية ما أطمنت عليها وجيت، أي أسئلة تانية يا مراتي يا حبيبتي؟!!!!

                              

قلب يوسف وجهه بامتعاض وهتف فيه بغضب وهو يشيح بيده إليه:

                              

– مراتك!!!!… أهو دا اللي انت فالح فيه، أنا لو مراتك بجد كنت قعدت على قلبك وما خليتكش تركب مع بنت خالتك دي لوحدكم!!!

                              

نظر اليه أنور بنصف عين وقال بنصف ابتسامة ساخرة:

                              

– اممممم.. قلت لي بقه، يعني الموضوع مش عشان خايف عليا والصحوبية والكلام الكبير دا… عشان أنا ركبت مع قطر الندى وإنت لأ!!!!

 قطب يوسف حاجبيه ونفى بسخط واستنكار:

                              

– نعم!!!.. انت بتخرّف بتقول إيه؟.. وبعدين مين بقه.. قطر الندى دي؟!!… اللي أنا شوفتها انهرده؟.. عاوز تشبّه دي.. بقطر الندى؟!!… دا شكلك أنت اللي واقع وأنا آخر من يعلم!!!!

     

                

أنور بلا تعبير:

– اتلهي!!!!..

فتح يوسف عينيه واسعا محدقا فيه بذهول غاضب قبل أن يهتف فيه بغضب:

– أنور… أنت اتجننت؟!!!…

وضع أنور ساقا فوق الأخرى وتمطى في جلسته واضعا يديه في جيبي بنطاله قبل أن يجيبه ببساطة:

– هدّي نفسك أنت بس وبلاش الشعرة اللي ساعة تروح وساعة تيجي!!…

قفز يوسف من مكانه وهو ينظر الى أنور في استنكار تام وصاح به:

– أنور.. انت شارب حاجة؟…

أخرج أنور يديه من جيبيه ونهض واقفا قبل أن يقول بطبيعية:

– آه شارب… شارب خضّة على الصبح ما اتوصفتش!!!…

تابعه يوسف بعينيه وهو يبتعد عنه حتى اذا ما كان بينه وبين الباب خطوات ناداه عاليا ليقف، وقف أنور وتطلع اليه من فوق كتفه قبل أن يجيب بهدوء:

– آه… اعمل حسابك انك هتغديني انهرده.. وفي المطعم اللي أنا أختاره…

كشّر يوسف هاتفا به:

 – وليه بقه إن شاء الله؟… عليّا ليك دين؟…

أنور ببساطة:

– وهو الشُّو اللي حصل الصبح دا مش دين؟…

ليغير لهجته قائلا بالصعيدي:

– ديه تاااااار يا ولد أبويْ مش دييين إو بَسْ!!!… 

قال يوسف بغلظة وهو يشير الى الباب:

– طيب شوفت الباب دا؟.. خده في أيدك وانت خارج.. وآخرك معايا كشري من عند أبو طارق!!!!…

أنور بابتسامة عريضة:

– مقبولة منك يا جو، طول عمرك كريم..

واستدار يهم بالانصراف قبل أن يقف ثانية وينظر اليه قائلا ببساطة:

– على فكرة… هي اسمها قطر الندى فعلا في أوراق الحكومة.. يعني مجبتش حاجة من عندي..

وغمزه بمكر قبل أن يخرج وهو يشير إليه بإصبعيه على طريقة الكشّافة حيث ضم السبابة والوسطى ووضعها فوق جبهته وأشار له بهما، ثم انصرف مغلقا الباب خلفه تاركا يوسف وقد اعتراه الوجوم بينما شفتيه تكرران بدون وعي منه:

– قطر الندى!!!!…

                   ****************************

صوت دقات على باب غرفتها أيقظها من شرودها فسمحت للطارق بالدخول بصوتها الناعم، ليُفتح الباب ويطالعها عبره وجه صديقتها الوحيدة.. رنا، هتفت الأخيرة بحبور وهي تدلف الى الداخل ببساطة:

– أنا جيت…

ابتسمت ندى واعتدلت في مكانها فوق الفراش لتجلس وهي ترحب بها قائلة بابتسامتها الهادئة:

        

          

                

– نورتي البيت يا روني…

+

أوصدت رنا الباب خلفها واقتربت منها لتجلس بجوارها فوق فراشها بغطائه الوردي الناعم، قالت رنا بابتسامة مرحة:

+

– زوّغتي ليه انهرده يا كابيرة؟.. كلمتك كتير على الموب بتاعك مقفول، اضطريت أتكلم في البيت رديت عليا دادة سميرة وقالت لي انك رجعت بعد ما خرجت بساعتين تقريبا، كنتي فين بسرعة؟…

+

ندى مبتسمة:

+

– يعني لازم كشف بتحركاتي كلها؟.. ما ينفعش أزوّغ مرة من نفسي وأنط من فوق السور؟..

+

تظاهرت رنا بالصدمة وشهقت عاليا وهي تردد بذهول زائف:

+

– إيه؟.. تنطي من فوق السور!!.. إلا ما عملتيها وانتي في المدرسة هتعمليها دلوقتي؟…

+

لالا الكلام دا ما ياكلشي معايا.. حالا بالا أعرف حضرتك كنتي فين؟..

+

تنهدت ندى بعمق قبل أن تقول باستسلام في حين طالعتها رنا بتقطيبة حيرة وقلق:

+

– هحكيلك، بس الأول خلي بالك.. أنا ما قلتش لبابا وماما حاجة عشان ما يقلقوش، كل اللي قلته أني حاسيت بصداع فرجعت على طول… تمام؟!!

 رنا بلهفة وقلق:

+

– تمام، بس أنا دلوقتي اللي اترعبت مش قلقت وبس… قوليلي قوام إيه اللي حصل؟..

+

فطفقت ندى تسرد على مسامعها ما حدث بدءا من لحظة شرودها واصطدامها بيوسف وحتى عودتها مع أنور بعد ذهابها لمعتز!!!!!

 قفزت رنا وقفة تصيح بذهول:

+

– إيه؟… أخدك لمعتز!!!!!!!

+

هبت ندى واقفة بدورها ونهرتها وهي تشير لها بيدها كي تخفض صوتها:

+

– اششششش.. ايه يا بنتي، إيش حال أما كنت لسه قايلالك أنا ما حكت لهم هنا حاجة!!!

+

وضعت رنا يديها في منتصف خاصرتها وهتفت بحنق وهي تهز بساقها دليلا على فرط عصبيتها:

+

– هو أنور ابن خالتك دا اتجنن؟… إزاي يعمل كدا؟!!!

 قطبت ندى وأجابتها بحزم:

+

– وهو إيه اللي عمله يا رنا؟.. أنا اللي طلبت منه إنه يوديني، ولعلمك بقه لو ما كانش راح معايا.. كنت هروح لوحدي!!.. أنا كنت في لحظتها محتاجة معتز أوي، ويمكن المشوار دا هو اللي خلّاني أتماسك شوية بعد اللي حصل الصبح!..

+

نظرت اليها رنا بارتياب قبل أن تقول بشكّ:

+

– بجد؟.. يعني عاوزة تفهميني أنك نجيتي بإعجوبة من حادثة فظيعة زي دي بفضل الله، وبعدها روحت لمعتز وعادي عندك؟!!!.. 

+

تأففت ندى فأمسكت رنا بكتفيها وأردفت بحنان:

+

– ندى حبيبتي، أنتي عارفة أنا بحبك أد إيه، انتي أختي اللي ما ولدتهاش أمي، أرجوكي لو فيه أي حاجة جواكي طلعيها.. ما تكبتيهاش، ما تسكتيش يا ندى، أوعي تضغطي على نفسك وتكتمي جواكي… أن شالله حتى تفشي خلقك فيّا… اتخانقي معايا.. زعقيلي.. أقولك.. اضربيني كمان لو عاوزة!!.. لكن عشان خاطري فرغي شحنة التوتر والغضب الي جواكي واللي أنا حاسة بيها دي…

+

        

          

                

اهتزازة طفيفة في جفنها ورعشة في شفتها السفلى قضمتها بشفتها العليا كانتا أكبر دليل على موجة الغضب التي تهدد بالانفجار في أي لحظة، وما هي الا ثوان حتى رمت ندى بنفسها بين ذراعي رنا تكتم صوتها في كتف الأخيرة وهي تصيح ولكن بصوت مكتوم، فهي لا تريد لأحد أن يشهد انهيارها، فيكفيها رنا، توأم روحها، والتي قرأت ما بين السطور دون أن تحتاج للشرح لها، مكثت في أحضان صديقتها حتى أنتهت من صياحها الذي كانت تود لو أطلقته عاليا ولكنها تخشى من سماع أفراد عائلتها لصوتها فآخر شيء تريده هو أن تتسبب في القلق لوالديها، وبعد أن انحسرت موجة الغضب التي اكتسحتها، هدأت تماما، بينما كانت رنا تربت على شعرها القصير الذي يكاد يصل الى كتفيها، ابتسمت بشرود، فشعر صديقتها كان يمتاز بلونه الليلي شديد السواد ذو لمعة كالألماس الأسود، كما أنه كان غزيرا وطويلا يكاد يصل الى نهاية خصرها، لتقصّه حتى أذنيها.. فـ معتز.. يهوى الشعر القصير… يجعلها أشبه بطفلة صغيرة تثير فيه نوازع الحماية فيشعر وكأنها ابنته وليست حبيبته فقط!!.. وكان هذا ما أخبرتها به عندما لامتها على قصّها لهذا الشعر الرائع، يومها هزّت كتفيها بلامبالاة وقالت بابتسامة ناعمة:

+

– معتز حبيبي بيحب الشعر القصير، وأنا بحب اللي بيحبه معتز!!..

+

كتمت تنهيدة ألم عميق على حال صديقتها وأختها، قبل أن تبعدها عنها قليلا، ثم تمسح وجهها براحتها وهي تقول مصطنعة المرح:

+

– انتي مش هتضايفيني بقه؟.. على فكرة أنا لا فطرت ولا اتغديت.. وعازماكي على الغدا في أي مكان انتى تختاريه، ها.. إيه رأيك بقه؟…

+

حاولت ندى التملص من دعوتها قائلة بصوت مبحوح:

+

– معلهش يا رنا اعفيني أنا، ويا ستي حالا أخلي دادة سميرة تقول للطباخ يعمل لك أحلى أكل، لكن أنا بجد مش في الموُود وهيبقى دمي تقيل أوي..

+

كانت رنا تحرك رأسها بنفي قاطع من قبل أن تنهي حتى ندى حديثها، حتى إذا ما سكتت الأخيرة قالت رنا بعناد شديد:

+

– لا.. آسفة، اعتذارك مرفوض، وبعدين يا ستي أنا لسه قابضة مكافأة بمناسبة مجهوداتي في العمل وخصوا عشان خط الانتاج الجديد..

+

غمزتها ضاحكة وهي تردف:

+

– بيني وبينك الريّسة بتاعتنا قلبها حونيّن أووي… صرفت نص شهر مكافأة لكل اللي اشتغلوا معها في الخط الجديد..

+

قلبت ندى شفتيها بامتعاض وقالت:

+

– حونيّن!!!!.. أنتي يا بنتي إنتي مش عاوزة تسيبي طريقة الكلام دي؟.. أنا مش فاهمه اللي يشوفك عينيكي الملونين دول ولا بياضك وجسمك اللي زي عارضات الازياء يفتكرك خواجاية، والحمد لله انك محجبة لأنه بشعرك الأصفر دا تبقي أجنبية ما فيش كلام!..

+

ضحكت رنا لتلمع عينيها اللتين بلون الكهرمان والتي ورثتهما عن أبيها فيما باقي تفاصيلها فعن أمها والتي لا تزال لم تفقد جمالها الذي أورثته لابنتها، ثم أجابت بغرور أنثوي:

+

        

          

                

–  اممم.. قصدك شعري الأصفريكا صح؟… إعمل إيه.. شكل كدا جدتي حَبّها عسكري فرنساوي واتجوزوا، وعوامل الوراثة عملت عمايلها معايا!!..  عموما معظم بنات المنصورة كدا، تحسي انهم فيهم عرق فرنساوي، عموما مششكرة على اعجابك الملحوظ بيا، ودلوقتي قودامك عشر دقايق بالظبط تلبسي عشان هغديكي في حتة مفاجأة…

3

ندى بابتسامة ساخرة:

+

– إبهريني يا روني…

+

رنا وهي تفرد أصابع يدها اليمنى وتضعهم فوق صدرها علامة القسم:

+

– صدقيني… هتنبهري وتقولي.. أنا كبهير انبهرت.. بلوبيف بلوبيف!!!..

+

لم تستطع ندى كتم ضحكتها التي تعالت لتضحك رنا فرحة بأنها استطاعت إخراج صديقتها من كآبتها فيما تحمد الله ندى في داخلها على وجود رنا في حياتها، فهي الوحيدة التي تستطيع معها رمي قناع القوة والصلابة جانبا والظهور بشخصيتها الطبيعية، بل والقيام بكل ما تريده بدءا من الصراخ بقوة حتى الضحك – والذي تبرع رنا في استجلابه لها– إلى أن تدمع عيناها!!..

+

                  ********************************

+

جلستا الى طاولة في هذا المطعم المشهور والذي تكمن شهرته ليس في أصناف طعامه المختلفة أو كما هو الشائع في أنه يقدم أكلات من مختلف البلاد كسائر المطاعم التي انتشرت في الآونة الأخيرة، بل إنه يقدم صنفا واحدا فقط من الطعام… وتحديدا الطعام الشعبي.. أو الطبق المصري الأصلي… “الكشري”!!!…

1

تبادلتا الأحاديث الخفيفة والتي قطعها النادل وقد أحضر لكل منهما طبقا كبيرا من “الكشري”.. وأطباق جانبية من الصلصة الحارة والبصل المُقلي والدقّة الشهيرة..

+

ابتسمت رنا لدى رؤيتها لندى وهي تقبل على الطعام بشهية مفتوحة، قالت ندى وهي تلوك طعامها بابتسامة:

+

– اممممم، ما تتصوريش كان نفسي في الأكلة دي إزاي؟.. زي ما تكوني بتقري أفكاري..

+

رنا بحماس:

+

– لا ولسه… هنحبس باتنين كوكتيل من عند فرغلي، إيه رأيك بقه؟.. ياللا.. أن شالله ما حد حوّش!!!…

+

أطلقت ندى ضحكة رقراقة وكادت تغص بطعامها لتناولها رنا كوبا من الماء، بعد أن رشفت منه عدة رشفات وضعته جانبا وعلّقت وبقايا ضحكتها لا تزال عالقة في صوتها:

+

– إيه دا كله، أبو طارق وفرغلي في يوم واحد… أحمدك ياااارب…

+

لتتبادلا الضحك بعدها، ثم تشرع كلا منهما بأكل طبقها بنهم واضح، ولم تلبث رنا أن جعدت جبينها قبل أن تشير الى النادل فسألتها ندى:

+

– إيه فيه إيه؟.. عاوزة كمالة ولا إيه؟…

+

رنا بهزة نفي هاتفة:

+

– اصبري.. هتعرفي حالا..

+

اقترب النادل منهما وبابتسامة مهنية سألها عن طلبها فأجابته بحماس:

+

        

          

                

– عاوزة 2 من أكبر شوب أكسِرا من اللي انت عارفه..

+

أومأ النادل بابتسامة وانصرف لإحضار الطلب فيما قطبت ندى وتساءلت في حيرة:

+

– شوب؟.. إكسرا!!.. عارفه!!!.. انتي طلبتي إيه بالظبط ؟…

+

غمزتها رنا قائلة بضحك:

+

– اصبري على رزقك..

+

وما هي إلا ثوان حتى حضر النادل يحمل صينية عليها كوبين من سائل أحمر اللون، وضعهما أمامهما ثم انصرف بعدها، نظرت ندى بريبة الى السائل الأحمر وتساءلت بتوجس بينما رفعت رنا الكوب الى فمها:

+

– إيه دا يا رنا؟.. عصير إيه دا؟..

+

رنا وهي تشير لها بالكوب مقلّدة الأفلام السينمائية:

+

– في صحّتك يا قمر.. 

+

حدقت ندى بذهول فيها وهي تراها ترتشف رشفة كبيرة من كوبها، وسرعان ما أنزلت الكوب وقامت بالتهوية بيدها اليسرى على فمها وهي تلهث، هتفت ندى:

+

– إيه يا بنتي دا؟..

+

رنا وقد دمعت عيناها:

+

– متقّل العيار أوي!!!

+

ندى بجدية:

+

– رنا.. بقولك إيه.. مش طالبة ألغاز، جاوبيني.. إيه دا؟..

+

رنا ببساطة:

+

– منقوع الطرشي!!!!

+

فتحت ندى عينيها واسعا بصدمة قبل أن تردد بذهول:

+

– منقوع الطرشي!!!!..

+

رنا بتلقائية:

+

– اممم.. شوفتي منقوع البراطيش اللي في الافلام؟.. أهو دا بقه منقوع الطرشي!!!!

+

نظرت اليها ندى باستفهام ودهشة لتردف رنا:

+

– أنا هفهّمك.. حضرتك دي عبارة عن مايّة طرشي ودقّة واللازي منه، بتلسع في النافوخ تعمل لك دماغ إيه.. إكسرا!!!!!!!

+

هزت ندى رأسها يمينا ويسارا قائلة بيأس بالغ:

+

– إنتي مافيش فايدة فيكي..

+

رنا بتأكيد وهي تهز برأسها الى أعلى وأسفل:

+

– ولا فايدة ولا عايدة.. اتفضلي بقه اشربي وادعيلي..

+

أمسكت ندى بالكوب وهى تنقل نظراتها المتوجسّة بينه وبين رنا التي ابتسمت لها وتابعت تناول طعامها، قربت الكوب من أنفها لتشم رائحته ثم ارتشفت رشفة صغيرة منه لتسعل بعدها بشدة، خبطتها رنا على ظهرها براحتها وهي تقول:

+

– إجمد يا وحش… خدي لك كمان بؤ وانتي هتتعودي زيّنا….

+

وسط إلحاح رنا ارتشفت رشفة أخرى ولدهشتها وجدت أنها ليست بذات تأثير الرشفة الأولى، فرحت رنا وقالت بنصر:

+

– مش قلت لك، بؤ كمان بقه وهتبقي حريفة منقوع الطرشي زي أختك تمام..

+

في إشارة الى نفسه بابتسامة زهو كبيرة، قطع استرسالهما صوتا تعلماه جيدا، لتبتسم إحداهما مرحبة بوجوده فيما تكشّر الثانية ممتعضة لوجوده!!!…

+

        

          

                

أنور هاتفا:

+

– إيه دا، ندى بنت خالتي هنا؟.. معقول يا نادوش؟.. بجد مفاجأة جميلة…

+

ابتسمت ندى وقالت:

+

– رنا اللي عزمتني، وبصراحه بقالي زمان ما أكلتش الأكلة دي..

+

انتبه أنور لنظرات السخط التي ترميه بها رنا فابتسم قائلا بإغاظة:

+

– امممم كويس.. بس ما تكتريش في الاكل… عشان معدتك مش بتستحمل الأكلات دي…

+

قاطعه صوت يقول بتأفف:

+

– مش هنقعد يا أنور ولا إيه؟..

+

انتبه أنور لوقوف يوسف خلفه في حين لم تكن ندى قد انتبهت اليه بعد، ليلتفت أنور الى يوسف ويقول موجها حديثه الى ندى:

+

– طبعا سبق واتعرفتم قبل كدا، بس نقول تاني.. ندى بنت خالتي، يوسف أو جو.. صاحبي وشريكي في وكالة الاعلانات، وهو اللي عازمني انهرده على الغدا هنا، يعني أحنا الاتنين انهرده معزومين يا بنت خالتي…

+

ابتسمت ندى ابتسامة لم تصل الى عينيها في حين هز يوسف رأسه بهزة طفيفة ترحيبا بهما، بينما نقلت رنا نظراتها الدهشة والمتسائلة بينهم جميعا، قال أنور:

+

– انتي خلصتوا أكل؟..

+

ندى:

+

– يعني على وشك..

+

التفت أنور الى يوسف وسأله ببساطة:

+

– إيه رأيك يا جو نقعد معهم؟..

+

ثم التفت الى ندى مردفا:

+

– دا بعد إذنكم طبعا؟..

+

نظرت ندى بتساؤل الى رنا التي جزّت على أسنانها غيظا فيما انتبه أنور لها لترتسم ابتسامة ساخرة صغيرة وتلمع عيناه كبريق الألماس الأسود لرؤيته رفضها القوي يشع من بين زمردتيها، ندى بتردد بسيط:

+

– آ.. آه عادي يا أنور.. اتفضلوا..

+

وكانت هي الأخرى لا تريد الجلوس الى طاولة واحدة ما هذا الـ.. جو، ولكنها في ذات الوقت شعرت بالخجل من أنور فلم تشأ إحراجه ورفض طلبه بالانضمام إليهما…

+

حضر النادل وأملاه أنور ما يريدان، وبعد انصرافه بدأ أنور بفتح أحاديث خفيفة للتخفيف من حدة التوتر السائدة في الجو حولهم، فقد استشعر غضب يوسف حينما عرض الانضمام الى ندى وصديقتها، الأمر الذي تعجّب له، فيوسف معروف عنه أنه معسول الكلام خاصة بالنسبة للجنس الناعم، وهذا ما يجعل الإناث يجتمعن حوله في أي مكان تماما كما الفراش ينجذب الى اللهب، ولكنه الآن يكاد يقسم أن الشرر الذي يتطاير من عينيه يكاد يحرقه حيًّا، كما أنه لم يتوقف عن التدخين فما إن تنتهي سيجارة حتى يسحب أخرى والأغرب أنه لم يستأذن بكياسة للسماح له بالتدخين إلا من رنا فقط وكأن ندى لا وجود لها، أمعقول أن عصبيته المفرطة هذه سببها الحادث الوشيك بينهما صباحا؟.. أم لأنه استهان به وتركه وانصرف معها وكأنه لا وجود له كما رمى بكلمته تلك في وجهه بعد عودته من إيصال ندى لبيتها؟!!!…

+

        

          

                

لم يشارك يوسف في الكلام الدائر أمامه، واكتفت رنا بالتعليق ببعض العبارات المقتضبة فيما اندمجت ندى مع أنور كلية خاصة حين تعلق الحديث بخط الإنتاج الجديد لشركتهم..

+

كان يوسف ينظر بعمق لطرف السيجارة المحترق ليرفع عينيه الى تلك التي تجلس أمامه لا يفصل بينهما سوى طاولة خشبية، نظر اليها من بين سحب الدخان التي تدور بينهما، لاحظ ابتسامتها الناعمة ونغزة خدّها الأيمن، كانت تتكلم وهي تشير بيديها الصغيرتين الشبيهتين بيدي عصفور صغير، استطاع أن يرى حماسها في صوتها وهي تتكلم بطلاقة عن عملها، واضح تماما أنها شغوفة بعملها هذا، أحنى رأسه الى اليسار قليلا وهو يطالعها بنظرات ناعسة ولا يعلم لما طرأ على ذهنه هذا السؤال… ماذا سيكون حالها إن كان لها حبيبا؟.. هل ستتحدث عنه بمثل هذا الشغف؟…، لتشرد عيناه بعد وهي تتركز على حركة أصابعها البيضاء الرقيقة بينما كانت تتحدث مع أنور في اندماج تام جعلها لا تعي أيًّا مما يدور حولها!!!!

+

صوت رنا قطع عليها استرسالها في الحديث مع أنور إذ مالت عليها تهمس بامتعاض في أذنها:

+

– ندى… ما كفاية كلام بقه، ياللا بينا نقوم، أنا جايباكي عشان نغير جو ونقعد احنا الاتنين مع بعض، انتي غيرتي جوّ وأنا غيرت دم!!!!!

+

كتمت ندى ضحكتها وتساءلت بهمس:

+

– ليه بس يا روني؟..

+

روني بحنق وصوت منخفض:

+

– بلا روني بلا بوني بقه!!… إيه وحشك أوي ابن خالتك؟.. ما هو معسكر عندكم كل يوم تقريبا… ياللا لو سمحتي نستأذن ونقوم، أنا زهقت..

+

أومأت ندى بالايجاب وما إن همت بالكلام حتى بادرها أنور قائلا:

+

 – إيه يا نادو.. صحبتك مالها؟.. شكلها كدا زهقان من القعده وعاوزة تقوم صح؟…

+

فتحت ندى فمها لترد عليه حينما أسرعت رنا وقاطعتها وهي تقول بابتسامة صفراء:

+

– طول عمرك نبيه… مع إنك أنور!!!… 

2

ضحكة رجولية عميقة قاطعتها لينظر أنور الى صاحب الضحكة بتقطيبة عميقة ولوم فيما انبسطت أسارير رنا التي شعرت أنها لم يسبق لها وأن سمعت ضحكة جذاب كتلك فيما كشرت ندى لدى سماعها لضحكته، فقد كادت تنسى أنه موجود معهم على نفس الطاولة فمنذ جلوسه لم ينطق بحرف واحد الأمر الذي جعلها تتيقن من أن انطباعها الأولي عنه صائب “مغرور”.. وتحت كلمة مغرور ألف خط بالأحمر!!!!..

+

يوسف بنبرته الرخيمة:

+

– تصدقي عندك حق يا رنا.. مش رنا بردو؟!!!

+

نظرت اليه رنا بابتسامة بلهاء وكادت عينيها ترسمان قلوبا داخلهما قبل أن تجيبه بابتسامة خجل:

+

– أيوة.. رنا…

+

علا صوت أنور يقطع تبادلهما الابتسامات والنظرات قائلا بحدة فيما يرمق رنا بنظرات أقل ما يقال عنها أنها ناااااارية:

+

        

          

                

– أظن مش هتمسكوا فيا أنا دلوقتي وأبقى تسلية القاعده…

+

يوسف بابتسامة وهو ينفخ دخان سيجارته الى أعلى:

+

– مالك بس يا أبو الأنوار… إحنا بنضحك عادي يعني…

+

أنور باستهجان:

+

– تضحكوا؟!!!!.. عليّا!!!!!

+

هز يوسف برأسه يمينا ويسارا مجيبا ببروده المعهود فيما يميل ليطفأ سيجارته في المطفأة أمامه قبل أن يسبح سيجارة أخرى من العلبة:

+

– بقولك إيه.. صلي على النبي كدا.. لا عليّا.. ولا ليّا… المهم تحلُّوا إيه؟.. رز بلبن ولا مهلبية؟..

+

أنور بسخرية:

+

– هو انت كنت أكلت الأول عشان تحلي؟.. طبقك زي ما هو والجرسون زغر لك وهو بيشيل الأطباق، انت كدا كأنك بتقولهم أكلكم وحش ، معجبنيش!

 يوسف ببرود وهو يهز كتفيه بلا مبالاة:

+

– أنا مش جعان، أنت اللي تقريبا شدتني وجبتني هنا، وبعدين محدش له عندي حاجة.. أنا.. حر!!..

+

قاطعه صوت ندى وهي تقول بابتسامة صغيرة:

+

– معلهش احنا هنستأذن احنا…

+

لتنهض واقفة فتبعتها رنا، وقف أنور يقول باستنكار:

+

– يا بنتي ما احنا قاعدين، انتي وراكي إيه بس؟.. وبعدين عاوزين نتكلم في موضوع الاعلان لخط الانتاج بتاعكم..

+

ندى برفض وبمهنية تامة:

+

– معلهش يا أنور.. مش هينفع، وبخصوص الإعلان انت عارف معنديش وسايط، تقدم في المسابقة اللي الشركة عندي عملاها ولو فكرتك كسبت هتاخد أنت الحملة الاعلانية، ياللا يا رنا..

+

وانصرفتا فيما يوسف يراقب انصرافهما وهو لا يزال جالسا في مكانه لم يتحرك وإن كان قد أشار برأسه الى رنا أثناء إنصرافها مع ندى، عاد أنور للجلوس ثانية وهو يتمتم بدهشة:

+

– غريبة.. إيه اللي خلّاها تاخد في وشّها كدا وتقوم مرة واحدة؟…

+

يوسف متظاهرا بللا مبالاة:

+

– بنت خالتك دي واخده في نفسها قلم على فكرة..

+

أنور باستنكار ورفض تام:

+

– لا طبعا، أنت بس عشان متعرفهاش كويّس، ولو على القلم ففي ناس واخده في نفسها مقلمة بحالها مش قلم بس!!!

+

يوسف بتقطيبة ريبة:

+

– قصدك أيه يا أنور؟..

+

أنور بتنهيدة عميقة:

+

– ولا حاجة يا صاحبي.. ياللا عشان نحاسب ونقوم..

+

قاطعهما صوت رنين الهاتف الشخصي لأنور فرفعه ليطالعه اسم ندى فقطب وتلقى المكالمة وسط مراقبة يوسف له من خلال دخان سيجارته.. السادسة!!..

+

        

          

                

أنور باهتمام:

+

– تمام يا ندى، هتلاقيني عندك في المعاد ان شاء الله…

+

سكوت قبل أن يتابع أنور:

+

– المهم انت كويسة؟.. روحتوا فين؟… 

+

لتعلو ضحكاته العميقة وأكمل بعدها:

+

– فرغلي؟… تصدقي ان صاحبتك دي مجنونة فهمي نظمي رسمي، لا شكرا يا ستي، مش عاوز حاجة من فرغلي، ابقي سلميلي عليه بس..

+

وكاد ينهي المكالمة قبل أن يهتف بلهفة:

+

– ولا أقولك.. ندى.. أيوة.. هاتي لي شوب مانجة من عنده… – ضحكة عميقة تابع بعدها – مش أنا جايلك بالليل ان شاء الله، خلاص.. يبقى خليه عندك لما آجي ان شاء الله، سلام نادو…

+

وأنهى المكالمة وهو يبتسم، رفع عينيه بعدها لتطالعه عينا يوسف وهو ينظر اليه بتعبير غريب، قال بعدها بدون اهتمام ظاهري:

+

– إيه، بنت خالتك غيرت رأيها وهتدِّيك حملة الدعاية بالأمر المباشر!!..

+

نظر اليه أنور مجيبا ببساطة:

+

– أبدا، كانت عاوزاني في موضوع كدا..

+

يوسف وبغير وعي منه:

+

– إيه.. سرّ؟!!!…

+

أنور وبنصف ابتسامة ساخرة:

+

– آه… بيني وبين بنت خالتي…

+

هز يوسف كتفيه بلا مبالاة، قبل أن يشير الى النادل الذي أحضر فاتورة الحساب فقام بدفعها، لينصرفا بعدها من المطعم، واتجها الى سيارة يوسف التي حضرا بها، وبعد أن دلفا اليها وقبل أن يدير يوسف المحرك للانطلاق قال أنور بهدوء يخالف عادته المرحة:

+

– جو… لو كنت بتفكر في ندى بأي طريقة فعاوز أقولك.. شيل ندى من حساباتك خالص، ندى قلبها مقفول ومتشمع بالشمع الأحمر كمان!!!

+

يوسف هاتفا باستنكار بالغ:

+

– انت اتهبلت يا أنور!!.. بنت خالتك دي ما شوفتهاش إلا انهرده بس، دي أول مرة لينا وكانت هتعمل حادثة وأروح فيها، يبقى حسابات إيه وشمع إيه دا ان شاء الله؟..

+

أنور بهدوء مسلطا عينيه عليه بقوة:

+

– جو.. احنا أصحاب من الابتدائي، يعني مش عشرة يوم ولا أكتر، أنا فاهمك كويس أوي، وعارف نظرة عينيك لما بتشوف بنت حلوة وخصوصا لما تنفض لك زي ما ندى عملت، ولأنك صاحبي وتهمني ولأنها بنت خالتي بقولك اللي في بالك دا مش هينفع، ندى حيطة سد، ومهما عملت عمرها ما هتبص لك!!!!..

+

يوسف بغيظ ساخر وقد أثار غضبه تأكيد أنور الشديد أنه أولا يفكر في هذه الـ.. ندى وثانيا أنها لن تستجيب له وهو من تقع في سحره الإناث أشكالا وألوانا:

+

– إيه.. شكلك بتحبها وهي اللي منفضالك، صح؟!!!!!

+

زفرة يأس عميقة يسمعها لأول مرة من أنور وبهذا العمق ليجيبه بعدها:

+

– ومين يعرفها وما يحبهاش؟!!!.. يوسف بقولك إيه.. اطلع يا يوسف… اطلع.. ويا رب أكون غلطان من ناحيتك… لأنه صدقني يا صاحبي مش هينفع.. أنت قلبك عمره ما عرف الحب، فعمره ما هيحس باللي هيا فيه..

+

يوسف وقد انطلق بسيارته متسائلا بابتسامة ساخرة:

+

– بتتكلم كدا كأن بنت خالتك فيه في قلبها حد؟.. 

+

أنور بشرود:

+

– ومش أي حد… دا حد زي ما تكون ندرت له الباقي كله من عمرها !!!!

 يوسف بعقدة جبين عميقة وباهتمام لم يستطع اخفائه:

+

– مين دا؟..

+

أنور  بشرود وزفرة يأس وهو ينظر بعينين لا تريان المناظر التي تمر عليهما من خلال نافذة السيارة:

+

– معتز!!!!!!

+

ليردد يوسف وقد زادت عقدة جبينه بتوجس وريبة بينما ازدادت حيرته وتساؤلاته حول تلك الـ.. ندى:

+

– معتز؟!!!!!!…

+

 ايماءة صامتة كانت جواب أنور ليتابع يوسف بعدها طريقه ولا يدور في باله سوى سؤلين وإن كانا يتعلقان بشخص واحد أو بشكل أدق أنثى واحدة، وهما.. مَنْ تكون قطر الندى حقيقة؟.. و.. تُرى.. مَنْ هو معتز؟!!!!!

+

                             – يتبع –

1





Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى