رواية السيد وسيم الفصل الحادي عشر 11 بقلم ياسمينا احمد – تحميل الرواية pdf

“الفصل الحادي عشر”
صرخ عاليا بوجه والداته عندما أخبرته بذهاب نجمة لبيت ابيها فور مغادرته للقصر.
-ازاى تسبيها تخرج، وازاي ماحدش بلغني بحاجة زى دي؟!
لم تكترث والداته بصراخه وهتفت مبررة:
-قولتلها، ماسمعتش الكلام، وبعدين انت جايبهالنا هنا عشان تزود علينا الحمل، عايز تأمر وتنهي خدها معاك.
عاين والداته بنظرات ثاقبة، لأول مرة تحادثه بهذة الطريقة على ما يبدو أن وصل إليها اخر الاخبار.
سيعاقبها على هذا في وقت لاحق عليه الآن عليه أن يذهب للمغامرة التي قررت التمرد عليه فور مغادرته، صدق حدثه لاامان في جنس حواء بأكمله وصفهم بالملاعين على حد قوله.
..جميع الحقوق محفوظةلدي صفحةبقلم سنيوريتا….
طرق منزل والداها مرتديا قناع الرجل المتعب الذي عاد لتو من السفر ولم يجد زوجته بانتظاره.
لكن نجمة من فتحت له الباب وتواجه مع عينيها البندقيّة التي على الفور اتخذت نظرة حادة وواجهته بتحفز.
لقد شعرت بمشاعر صادقة لكنه حطمها تماما بهذه الكذبة.
شعرها المتلوي يرتمي على كتفيها، ذلك الإعوجاج يليق تماما بها كإعوجاج أفعي سامة متحفزة لحمايتها.
رفع يده ليمسك بطرف خصلاتها برفق وهو يسأل:
-ليه مش في بيتك؟!
دفعت يده بقوة وهي تهدر بضيق:
-عشان مستحيل اعيش مع واحد بيسرق أبويا.
لم يظهر على وجهه ملامح الصدمة او اي إعتراض، فقط سألها بهدوء:
-هو انت زعلانة، عليه ولا مني؟!
ردت بحدة:
-انا واثقة فيه مليون في الميه بس كنت عايزة أعرف إيه نوع اللعبة القذرة اللي لعبتها عليا؟!
ظل يرمقها بعيناه الزرقاء، دائما تبهره بخطوات غير متوقعة، ذكية لدرجة غلبت دهائه لقد ذهبت لتتحقق بنفسها لايعرف هل كانت واثقة تمام الثقة في والدها ام أنها غير واثقه به مما دفعها أكثر لأخذ هذه الخطوة، ما الذي اخطا به حتى لا يحكم قبضته عليها وبجعل كلمته هي الأولى والمسموعه، ربما سفره المفاجئ هو ما سبب هذه الفجوة.
– وبالنسبة الموضوع التاني اتاكدي منه ولا لسه؟
سؤاله جعلها تشيح بوجهها بعيدا، وهتف والداها الذي تدخل بصوت عاقل:
-اهلا يا ابني، اتفضل.
ابتسم في وجهه وتجاوزها قائلا:
-شايفة الناس العسل، يزيد فضلك يا شيخ.
جلس على اقرب أريكة وهو يتابع:
-انا جاي من السفر على هنا على طول وتعبان ومرهق جدا.
تحدث ابيها بشىء من الضيق والعتب:
-بقى دي اخرها يا ابني، تسرقني انا.
مد يده في جيبه واخرج السبيكة واسترسل:
-انا يا ابني مش ناقص، ولا الحاجات دي تفرق معايا، انا قبلت الهدية عشان ما أزعلكش انما انك تقول لبنتي اني سرقتها دا اللي ما أقبلش بيه ابدا.
لم يشعر بالحرج او التوتر من وضعه في هذا الموقف، بل ابتسم ونظر لنجمة وهتف بكل حسم:
– لو سمحت يا عم الحاج، انت عرفت ان الكلام دا اتقال بس ما عرفتش ظروفه ولا أسبابه. بنتك ما قالتلكش فمعنى كده انها حابة ان الموضوع يبقى بيني وبينها وانا هحترم رغبتها، وبناء عليه مش هتكلم.
هتف والداها محدقا بابنته بدهشة:
-دا اتهام ازاي عايزني اعديه.
استمر وسيم في صارمته ولوح باصبعه ليقول:
-انا دلوقتي راجع من السفر وتعبان هتديني مراتي ونمشي ولا هتخليها عندك لما افوق للكلام.
نظر والداها لإبنته والتي بدأ عليها التوتر وكأنها تخفي شيء، وقال باستسلام:
-حقي انا مسامح فيه، بس القرار الاخير في ايد نجمة.
عند إذا نهض وسيم واقترب منها ليسحب يدها هاتفا بهدوء:
– وانا مش هحرجك واضطرك الاختيار، يلا بينا نروح لينا بيت نتكلم فيه.
نظرت باتجاه أبيها الذي أؤما لها بالقبول ، فما كانت تجرأ على شرح اسباب محاولة انتحارها والتي لم تذكرها لوالدها بسبب ملبسات الأمر والشكوك التي ستدور حولها.
وهذا الغموض البائن على وجهها جعله يدفعها للذهاب على ما يبدوا بينهم اشياء لا يعلمها.
… جميع الحقوق محفوظة لدي صفحة بقلم سنيوريتا…
في غرفته
انتظرته ليخرج من الحمام بقلق من مواجهته الجديدة، فهو كالثعبان يلتف حولها بشكل مخيف.
خرج اخيرا يجفف شعره بمنشفه ويرتدي روب الاستحمام ويبدو رائقا .
توجه نحوها وهو يهتف:
-بقى عايزة تمشي وتسبيني، معقول زهقتي مني بالسرعة دي؟!
تحدثت بضيق وهى تقف في وجهه:
-ازاي تجرأ تتهم ابويا تهمة زي دي غرضك إيه؟!
تحول نظراته للخبث، مال بعنقه لليسار وهتف في برود:
-معقول يا روحي، نسيتي بسرعة أفضالي عليكِ؟
ليه ما قولتيلوش بالمرة انك خدعتيه الأول؟!
لم يسمحلها بالإجابة وتابع:
-عموما لو الاجابة هتريحك اعتبري إني كنت بلعب معاكي.
زاغ بصرها بوجهه اللائق تماما بإسمه، ويبدع في استغلاله للتأثير عليها.
لكنها كانت في خضم معركة معه لا تهتم بقدر وسامة العدو.
فقالت بتهجم:
– انا متاكدة ان في حاجة وراء الموضوع دا كمان وانا واثقة في نفسي زي ما انا واثقة انك قدامي دلوقتي.
رمقها بعيناه بنظرة بريئة وتحدث:
-معقول مش واثقة فيا للدراجادي، وبعدين الموضوع كان قدام عينك ولا انا مثلا أول مرة ليا فمش عارف أفرق.
ابتعدت عن نظراته بقدر خطوة، كانت تهرب من هيمنته في كل كلمة وكأنه ينسج شباك متينة ليحتجزها بداخلها، تراه يبذل أقصي جهده ليجذبها نحوه ويغويها بنظراته ونبرته.
والآن يده التي حطت على كتفها وهمس بالقرب من أذنها هاتفا:
-انا قولتلك قبل كدا عايزك زي ما انتي مش فارق معايا أي حاجة، ارجوكي قدري مشاعري.
يحاول التأثير عليها بشتى الطرق، لكنها كانت تسيطر جدا على مشاعرها، وأصعب إمرأة تلك التي تتحكم بمشاعرها.
ظل ينظر اليها بعدما ابتعدت لتقف عند الشرفة تحدق بالحديقة في صمت.
جلس هو على الفراش بأريحية ثم قال وهو يخلل اصابعه بين خصلاته، ثم قال بتلاعب:
-انت تعبتيني اوي يا نجمتي، برغم انك مش اول واحدة في حياتي.
كانت ترأى انعكاسه على الشرفة الزجاجية، وردت وهي تحدق بجمود:
-عارفة، وعارفة بموضوع المذيعة.
اعتدل فى فراشه وصاح بمرح:
-اوبا بقى، حيث كده نعلب على المكشوف.
استدارت اليه وقالت وهي منفعلة:
– هو انت مفكر إن الموضوع دا لعبة؟!
عاد يتمدد ويحدق بها، قائلا بابتسامة:
-انت غيرانة ولا خايفة تلعبي معايا ؟
ضمت حاجبيها وهتفت تلومه بقسوة:
-انت ازاي مستهتر كدا، انت فضحت البنت، حتى لو كانت وحشة معاك مش رجولة انك تفضحها.
تجمدت نظراته وهتف بنبرة خالية من المشاعر:
-هي اللي استفزتني.
تحركت صوبه وقالت مندده بتصرفه المشين:
-كان ممكن على الأقل تكون شهم.
لم يتأثر كثيرا بملامتها، كان يزحف ببطء نحو عمق شخصيتها.
قال بهدوء خطير:
-دا كمان مصيرك، لو فكرتي تستفزيني.
لازالت تكره هذا الجانب القاسي فيه تكره كل ما يوضح منه بكل ما يدعيه، نفضت رأسها وقالت:
-انا مش هكمل معاك.
لم يتفاجىء من قرارها بل وهتف ببساطة:
-ذكية.
قررت استفزاز ذلك الهدوء الذي في غير موضعه،حيث قالت شامتة:
– هتفضل تنقل من واحدة لتانية، وتظلم وتفتري لحد ما جسمك هيتهد وشبابك هيختفي ووسامتك يعدمها الزمن مش هتبقى غير روحك المشوهة وقلبك المتهلل وهتعيش اللي باقي منك لوحدك لحد ما تموت برضوا لوحدك.
ظل محافظا على تعابيره الجامدة رغم التفاعلات الداخلية التي ضغطت زر صافرات الإنذار.
تعالت انفاسه وكأنه يصارع في حرب داخلية، وعينة الزرقاء اصبحت كالموج الهائج المخيف.
رغم صمته الموحش ونظراته القاتلة حافظت على موقفها وانتظرت اجابته على هذه الهجوم.
جائها صوته هادىء ومتزن يقول بغموض:
-الحب أكبر كدبة، مافيش ست تتحب او حتى تطاق.
هتفت مجيبه إدعائه:
-ولو مافيش حب في مودة وعشرة ورحمة.
قال بتحدي :
– العبي معايا .
سمحت لنفسها لتجلس في مواجهته على طرف الفراش
وسألت بتعجب:
-إيه العب معاك دي؟!
هتف بنفس درجة الانضباط الذي تمسك به:
-اثبتيلي انكم صنف يتحب، وانا لو اعترفت بحبك هطلقك فوراً.
اشاحت بوجهها عنه وقالت:
-انا مش عايزة العب، كان نفسي أعيش مستقرة.
قال وهو يتفرس ملامحها:
-انت حبتيني؟!
ردت بغضب من سؤاله:
-هو حرام أحب جوزي؟!
اعتدل في جلسته وحدق بها عن قرب وابتسم وهو.
يقول:
-حتى لو مش جوزك كنتي هتحبيني.
هزت رأسها في يأس، وقالت بإصرار:
– ما اتعودتش يخدعني المظهر.
أضافت بثبات:
-طلقني.
ظل يرمقها بغموض، ثم هتف:
– للاسف ماحبش حد يقرر عني، فرصتك الوحيدة انك تطلعي من هنا بكرامتك انك تخليني أؤمن بالحب.
رفعت رأسها وواجهته بحدة وعينها تجزره بغضب:
-انا مش ساحرة عشان اخليك تقتنع بشيء انت مش
مقتنع بيه، لو قلبك حجر عمر ما المطر هيأثر فيه.
ظهرت علامات الإعجاب على وجهه وهو يرأى النمرة الشرسة تحتل الساحة، يحب قوتها إنها تغريه لكسرها بشكل غير مسبوق.
قال مبتسما:
-يبقى تقبلي بمصيرك، تقبلي أحبك على طريقتي وتخرجى من هنا بشكل اللي انا أرضى عنه.
وكأنه يقدم لها تفاحتين وكلاهمامسمومتين.
قالت بتحدي:
-لاء انا هخرج بمزاجي حتى لو كسرت عضمي.، فانت ما تقدرش تكسر روحي.
الاعجاب يزداد ورغبتة بتحطيمها بات جنونية، ولأول مرة يكن صريح ويفضح أحد مخططاته فقط لأنها كانت استثناء.
-ممكن ببساطة اقول انك خونتيني وعندي الف شاهد يصدق على كلامي ، هل ابوكي المسكين هيستحمل خبر زي ده؟!
تجعدت جبهتها وهي تحدق به مصدومة من جحوده، وهتفت هي تكاد ان تجن:
-انت كداب.
امسك بتلابيبها وقال بوجه سيكوباتي:
-انت اللي كدابة كديتي عليا وعلى ابوكي، عدم كلامك عن موضوع الانتحار والسبب الحقيقي بيثبت انك كدابة بتخدعيني وبتخدعيه، انت من نفس الصنف الملعون اللي ما يستاهلش غير الوأد.
حاولت التملص منه ولكنه تركها فجأة وعدل من ملابسها بكل برود وهو يتابع:
-بس خلاص انت هتثبتيلى نظرية مش موجودة وانا هثبتلك انكم تستحقوا الحرق، واللي يقدر على التاني.
أدركت أنه لا مفر منه، كانت بحاجة للتبرئه من شيء هي لم تفعله، مجبرة على ايجاد دليل برائتها.
لا تخشاه لكن تخشى أن تكون احد ضحاياه.
نهض من جوارها وجلس على مكتبه امام الاب توب الخاص به، يكتب بانهماك لمدة ساعة وهو يحدق بتركيز
على الشاشة، حتى وضع وصلة قصيرة داخل الجهاز ليطبع بعض الأوراق.
تحرك اخيرا ليخرجها من حالة السكون التي إعتراتها مع أخر جملة قالها وقدم إليها عقد ورقي وقلم وقال بجدية:
– اتعودت أكتب عقود بالذات مع الستات، لانهم على طول بيخلفوا الوعود، بالذات لو كان غير متوقعين زيك.
نظرت الى ما قدمه ببرود قبل انا يضعه في يدها عنوة ويجبرها على الإمساك به.
مررت عيناها عليه سريعا، ثم هتفت بجنون:
-إيه دا عايزني أوقع على إقرار بالخيانة؟!
انتقلت لما يليه وتابعت باستنكار:
-في حال اقنعتك بالحب تطلقني وتديني ستة مليون
ظل ينظر اليها بابتسامة لا تعكس شيء، واستمع لاعتراضها الثالث الذي قالته بسخرية:
– قدامي مهلة سنة، إيه الكرم دا كله؟
وضعت الورقة لجانبها وقالت بضحكة ساخرة:
-انت بتراهن على قضية خسرانة، انا حتى لو كنت جدعة معاك مستحيل أقبل بالعيط ده.
تنهد قائلا:
-هتقبلي يا نجمتي، عشان أبوكي وعيلتك وسمعتك.
نظرت إليه مطولا وطافت برأسها الافكار، وعندما وجدت أن لا مفر من الفرار من اسفل قبضته، إتخذت قرارها النهائي إما تقنعه إما ان تقتله وتريح العالم منه في الحالتين هي الرابحة.
قالت بكل قوة:
-أمضي بشرط.
ابتسامة عابثة علت ثغره وهو يسأل:
-إيه هو؟
قالت بمقت:
-ما تقربش مني أبداً.
ثبت نظراته عليها لوهلة ظنت أنها أغضبته واستفزت غروره، لكن فجأها بنفس الابتسامة العابثة وبنبرة لعوب قال:
-موافق، مع اني متأكد إنك انت اللي هتخلى بالشرط
ده.
رمقته بإذدراء كانت واثقة من نفسها، بل ومتيقنة أنها مقبلة على الانتحار بكامل رغبتها وهذه الورقة هي اخر رسائلها للعالم.
أمسكت بالقلم وضعت إمضائها، لا بأس بمغامرة قصيرة مع زوجها الوسيم.


