رواية الوكر الفصل العاشر 10 بقلم مريم محمد – تحميل الرواية pdf

الفصل العاشر( أختفاء الحقيقة للأبد )
الفصل العاشر بعنوان(أختفاء الحقيقة للأبد) من رواية الوكر.
+
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعمُ المَوتِ في أمرٍ حَقِيرٍ
كطَعمِ المَوتِ في أمرٍ عظيمِ
••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تقف في حديقة الفيلا، متخفية بملابسها الرجولية، ملامحها المتنكرة تعكس رجولة زائفة، لكنها واثقة من كل تفصيلة في مظهرها، خطت نحو الداخل بثبات، عيناها تلتقطان كل شيء، حتى وجدته هناك، جالسًا على الأريكة، تحيط به شاشات إلكترونية صغيرة، عيناه معلقتان بالأرقام والكلمات المتناثرة أمامه، غارقًا في عالمه الرقمي، بالكاد يلاحظ وجودها.
+
اقتربت، صوتها الهادئ يقطع السكون المتشابك مع صوت النقرات على الشاشة:
أساعدك في حاجة يا مصطفى باشا؟
+
لم يرفع عينيه على الفور، وكأنه لم يكلف نفسه عناء النظر إليها، ثم أخيرًا رفع رأسه، نبرة ساخرة تتسلل إلى صوته وهو يسأل:
هتساعدني في إيه؟ أنا قاعد أهو بشتغل.
+
تنهيدة قصيرة، حاولت أن تجعل صوتها أكثر خشونة، أكثر إقناعًا:
ممكن أعملهملك في خمس دقايق بدل خمس ساعات
+
هذه المرة، رفع نظراته ببطء، عيناه تتمعنان في وجهها كما لو كان يراها لأول مرة، لم يكن هناك استهزاء في صوته وهو يسأل بإهتمام:
هتعملها إزاي؟
+
الابتسامة لم تفارقها، ثقة تنساب في كلماتها كأنها وُلدت لهذا:
الشغل ده لعبتي بقى
تردد للحظة، نظراته تتنقل بينها وبين الورق، ثم أخيرًا، أزاح جسده قليلًا للخلف، مشيرًا نحو الشاشة:
اقعد، وريني هتعملها إزاي
+
جلست إلى جواره، أصابعها تتحرك بخفة فوق الأزرار، لكن تركيزها لم يكن منصبًا فقط على ما تفعله، بل على الكلمات أمامها، أوراق مليئة بكتابات أجنبية، لغة أوروبية لم تكن تمثل عائقًا لها، سبع لغات تتقنها غير العربية، وما قرأته بدأ يتضح في عقلها، كانت تتظاهر بالانشغال، لكن عقلها كان يحلل كل حرف تكتبه، يحفظ، يبحث عن المعنى المخفي خلف السطور.
+
لم يمضِ أكثر من عشر دقائق حتى استدارت إليه، نبرتها تحمل بعض الحماس المختلط بالانتصار:
خلصوا
+
تجمد مصطفى للحظة، لم يصدق، مد يده إلى التابلت، قلب البيانات بعينين متسعتين، ما يستغرق منه ساعات أنهته في دقائق معدودة، لم يستطع منع الإعجاب من التسرب إلى صوته:
حلال عليك يا إبراهيم، من دلوقتي أنت ماسك شغلي كله إللي على التاب.
+
أبتسمت في هدوء، إبتسامة تحمل أكثر مما يبدو، خطوة أخرى تمضي بنجاح لكن عقلها لم يكن هنا، بل عاد يسترجع كل ما قرأته، شاحنات، معدات كهربائية، مصطلحات غامضة لم تكتمل صورتها بعد، لكن هناك شيء واحد واضح… ميعاد التسليم.
+
رن الهاتف، رفعت عينيها بسرعة، محاولة التقاط أي معلومة، لكنها لم ترَ سوى ظهر الجهاز، وأكتفت بالإصغاء إلى صوته وهو يقول:
تمام يا باشا، بكرة الصبح هيكون في الطيارة
+
أنهى المكالمة، لكنه لم ينهِ فضولها، راقبته وهو يعيد الهاتف إلى جيبه، أفكارها تتشابك، من سيغادر؟ وما الذي سيُنقل؟ والأهم لمن؟
+
يبدو أن القضية ستكون طويلة قبل أن تتضح الحقيقة ويكشف كل ما هو خفي.
••••
الغرفة ضيقة، الهواء فيها ثقيل، مشحون بالكلمات التي لم تُقال بعد، الضابط يجلس خلف مكتبه، نظراته حادة، ثابتة، كأنه يزن كل حركة، كل نفس، كل حرف، معتز يقف في الزاوية، لا يتحرك، لا يشارك، فقط عيناه الداكنتان تتابع المشهد بصمتٍ مريب.
+
على الطرف الآخر، كانت هي تجلس في المقعد المقابل، كتفاها مستقيمان، نظراتها مصوبة نحو الضابط بتركيز، رغم ثبات ملامحها، إلا أن داخلها كان عاصفة لا تهدأ، التوتر يزحف تحت جلدها، لكنها لا تسمح له بالظهور.
+
تحرك الضابط أخيرًا، فتح باب الغرفة بعزمٍ، وكأن قراره قد اتخذ، لكن قبل أن ينطق، اقتحم الغرفة ضابط أصغر في الرتبة، ملامحه مشدودة، أنفاسه متقطعة من فرط العجلة، وعيناه تحملان قلقًا واضحًا وهو يردف:
يا باشا، فيه حاجة غريبة!
+
لم يبدُ الضابط الأول متفاجئًا، لكنه رفع حاجبه ببطء، وصوته خرج هادئًا، حذرًا، يتسائل:
إيه؟
أخذ القادم نفسًا سريعًا، ثم قال بصوتٍ يحمل صدمة لم يستطع إخفاءها:
تم رصد محاولة سحب مبلغ مالي من حساب شمس محمد… النهاردة الصبح، من ماكينة صراف في حي المعادي!
+
انخفضت الحرارة في الغرفة، تحولت النظرات بينهم إلى خيوط صامتة من التساؤل، من الشك للحظة، لم يتحرك أحد، لم يتكلم أحد كانت معلومة ثقيلة، تفجرت بينهم كقنبلة زمنية، وتردد صداها في الهواء.
+
لكنها لم تترك الصمت يتمدد أكثر، قطعت سكون اللحظة بصوتٍ ثابت، لكنها لم تستطع منع الاضطراب الخفيف الذي تسلل إلى نبرتها:
ممكن قبل أي حاجة أشوف كرم؟
+
تحولت الأنظار نحو الضابط الكبير، كأن الجميع ينتظر قراره. لم يتعجل في الرد، راقبها للحظات وعقله يحسب كل ما يحدث، ثم أومأ برأسه أخيرًا، إشارة بالموافقة:
اتفضلي يا أستاذة دارين، الأوضة دي.
+
استدارت، وقبل أن تتحرك، التقت عيناها بعيني معتز، الذي ظل ثابتًا، ملامحه جامدة لا تعكس شيئًا، لكنها شعرت بعيونه تتابعها، تراقبها، وكأنها تخفي عنه سرًا يعرفه مسبقًا.
+
ترددت للحظة، لكنها قررت أن تسأل، صوتها كان يحمل شيئًا من الرجاء، شيئًا من الحاجة:
ممكن أستاذ معتز يخش معايا؟
+
عبرت ملامح الضابط انزعاجة طفيف، لكنه لم يعلق، فقط أوما و أشار لهم بالدخول.
+
••••
+
الغرفة أشد ضيقًا، أشد برودة، كرم يجلس أمامهما، عيناه محملة بالاستنكار، وجهه مزيج من المفاجأة لعودتهم، والشك لمقابلتهم، لكنه لم يتكلم، كانت يداه مقيدتين، أصابعه تتحرك بلا وعي فوق الطاولة الحديدية.
+
بدأت الحديث، لم تنتظر، لم تمنحه فرصة للمراوغة قال بسرعة غريبة:
كرم، احكيلي الحقيقة كاملة… دلوقتي!
+
نظر إليها، ثم لمعت عيناه بسخرية باردة، رد بصوتٍ خالٍ من أي انفعال:
بس أنا حكيتلك الحقيقة.
لم تبتسم، لم تضعف، فقط انحنت قليلًا للأمام، وكأنها تغرس كلماتها داخله بالقوة، تقوم بالضغط لكي يجيب بالحقيقة:
كرم… شمس كلمتني بعد الجلسة مباشرة، وقالتلي كرم بريء… حد يلحقني! كرم، ما فيش وقت… شمس في خطر!
+
انطفأت السخرية في لحظة، تغير وجهه، وكأنه تلقى صفعة غير متوقعة، لأول مرة يظهر أنفعال على ملامحة، انحنى للأمام، نظر إليها بحدة، وعيناه تحاولان استيعاب ما قيل للتو وهو يسأل بشك:
شمس كلمتك؟
+
_أيوه… احكيلي، كرم… ما عندناش وقت!
+
التفت ببطء نحو الضابط الواقف في زاوية الغرفة، ثم عاد ببصره إلى معتز، كان وجهه يحمل قرارًا، لكنه لم ينطق به بعد. انتظرت، لم تتراجع، حتى همس بصوتٍ منخفض، لكنه كان كافيًا ليغير مسار القضية بالكامل:
مش هحكي قدام حد… لازم نتكلم لوحدنا!
+
لم تتردد، لم تفكر طويلًا، التفتت إلى الضابط وقالت بثقة لا تقبل النقاش:
هخرج الظابط، بس مش هخرج معتز… أوكي؟
+
تردد كرم للحظة، ثم أومأ، ببطء، بالموافقة، لكي يخرج ما داخل حلقه سريعًا.
غادر الضابط الغرفة، وأصبحت المساحة أكثر اختناقًا، أكثر ضغطًا، أخذ كرم نفسًا عميقًا، وكأن ما سيقوله يحتاج إلى شجاعة لا يملكها بالكامل وعندما نطق، خرجت كلماته كالخناجر، تقطع ما ظنوا أنهم يعرفونه:
اليوم اللي اتقتلت فيه ضحى، كنت عند شمس، وسمعت صوتها بتصرخ… بتنادي حد ينقذها، في أوضة شمس فيه منوّر بيطلع لفوق، طلعت منه لشقة ضحى، ودخلت من الشباك، لقيت واحد… معرفش مين… كان بيضربها، فجأة، ضربها بالسكينة… ولما شافني، حط السكينة على رقبتي، وكان هيقتلني، لكن قبل ما يعمل حاجة… شمس طلعت!
+
توقف، أخذ نفسًا مهتزًا، عيناه متسعتان وكأن المشهد لا يزال يطارده للمرة المليون، ثم أكمل، نبرته أصبحت أكثر ارتعاشًا، كأنه يختبر خوفه من جديد:
كان واضح إنه توتر لما شافها… مكنش عارف يعمل إيه، لكنه فجأة قال اللي هينطق هيموت زيها! حاولت أضربه، لكنه كان أقوى مني، وهددني بأمي وشمس… قاللي إنه عارف كل حاجة عني، وإنه حط شمس تحت إيده، ولو اتكلمت… هيقتلها، وبعدها، عرض عليَّ اتفاق!
+
تقدمت نحوه قليلًا، نبرتها كانت أكثر إلحاحًا الآن وهي تسأل بفضول:
إيه الاتفاق؟!
+
_ قالي إنه شافني، وأنا كده كده هلبس التهمة، لكن مقابل سكوتي… هيحمي أمي وشمس في غيابي، في كل الحالات، أنا وعلي بس اللي هنتمسك، لأنه هو مكنش ظاهر في الكاميرات!”
+
تجمدت للحظة، كلماتها خرجت بطيئة، وكأنها تحاول فك الأحجية بكل عقلانية، ولكن في نهاية الحديث كل مرة تشعر وكأنها تسقط من الهاوية لم تعلم شيء حتى الآن:
أمال طلع منين؟!
+
_مش عارف!
– كمل، يا كرم!
بلع ريقه، صوته انخفض أكثر، وكأنه يخشى أن يسمعه أحد، ظهر العرق على وجهة من التوتر:
مسك شمس، وأخدها معاه… وقالي إن ليه ناس في المحكمة وحوالينا في كل مكان، ولو نطقت… هيموتها هي وأمي، بعد كده، أخدها ونزل من المنور، واختفى.
+
_ وعلي؟!
– علي مشافش حاجة… علي بالنسبة له، الحقيقة هي اللي قالهالك!
_ وشه كان عامل إزاي؟
– مكنش باين… كان لابس كله أسود، وجوانتي، عشان كده مفيش بصمات على السكينة!
+
حين انتهى، لم يكن هناك وقت لإعادة التفكير، خرجوا جميعًا من الغرفة، وتحركوا بسرعة نحو الضابط، الذي لم يكن بحاجة لسماع أي تبرير أو حديث منهم، كان قد سمع كل شيء بالفعل عبر الكاميرا التي تتواجد في الغرفة، وكانت أوامره حاسمة:
إحنا لازم نروح دلوقتي المنطقة إللي اتسحب منها فلوس.
+
لم يحتج أحد إلى الموافقة، كانت عقولهم قد استوعبت الخطر بالفعل، تحركوا جميعًا، بقلوب ثقيلة، وأعين تبحث عن الحقيقة التي لا تزال تختبئ في الظلام.
+
بعد ساعة، كانوا في غرفة المراقبة داخل المحل المقابل لماكينة الصراف الآلي، العيون مشدودة نحو الشاشة، والترقب يثقل الهواء، كانوا يراقبون التسجيل بتركيز مشحون بالتوتر، باحثين عن الشخص الذي استخدم البطاقة التي لا يفترض أن يكون لها وجود بطاقة “شمس”.
+
ظهرت فتاة في الفيديو، ترتدي كابًا يخفي معظم ملامحها، وكأنها تدرك جيدًا كيف تتجنب الكاميرات، الصورة كانت مشوشة، جعلت الضابط يأمر بلهجة صارمة:
قرّب الصورة أكتر!
+
لكن حتى مع التقريب، لم تكن التفاصيل واضحة، لحظات، ثم رفعت الفتاة وجهها للأعلى،القلب يتسارع، العيون اتسعت. لكنها… لم تكن شمس!
خرج صوتها مصدومًا:
دي مش شمس!!
+
عقد الضابط حاجبيه، تقلبت الأفكار في رأسه، وسأل بتفكير:
طب مين دي؟!
في المنتصف، لأول مرة منذ بداية اليوم، جاءه صوت آخر، كان غليظًا، ثابتًا، كأن صاحبه وصل إلى شيء خطير:
لازم نسأل كرم… يمكن يعرفها.
••••••
+
عندما عادوا إلى كرم للمرة الثالثة، كان حديثه كفيلًا بجعل القضية أكثر تعقيدًا مما هي عليه:
دي سلمى… صاحبة شمس وضحى، قريبة أوي منهم!
+
••••••
+
هبط الجميع إلى الشارع، حيث كان “معتز” ينتظرهم بجوار السيارة، لم يشأ الصعود معهم لمقابلة “كرم”، فضّل الانتظار بدلًا من أستماع لحديث ممل كما يرى.
+
تحرك الجميع نحو منزل “سلمى”، كانت دارين بجانب معتز في السيارة، وخلفهما سيارة الشرطة، بينما تتبعهم سيارة دارين وبداخلها الحارسان اللذان يرافقانها.
+
عند باب شقة سلمى، ارتفع صوت الضابط وهو يخفق الباب بقوة، وصوت غليظ حاد خرج:
افتحي، شرطة!
+
لم يأتِ أي رد. لحظات ثقيلة مرّت، تكررت الطرقات العنيفة، وكاد الضابط يركل الباب ليحطمه، لكن في اللحظة الأخيرة، فُتح الباب ببطء، ظهرت فتاة بملامح شاحبة، عيناها ممتلئتان بالخوف، تراجعت خطوة للوراء وهي تهمس بتلعثم:
فـ… في إيه؟ حصل حاجة؟
+
كان المكان فوضويًا، كأنها لم ترتب شيئًا منذ أيام، تحرك العساكر داخل الشقة، بدأوا التفتيش، بينما تقدم الضابط مباشرة وسألها بلهجة صارمة:
شمس فين؟
+
تشنجت ملامحها، صوتها خرج متقطعًا، وكأنها تحاول استجماع الكلمات:
م… مش عارفة، ما بكلمهاش بقالـي فترة.
+
قبل أن يرد الضابط، كان “معتز” قد وصل إلى نهاية الصالة، أمسك بظرف أبيض اللون، فتحه ببطء، ثم أخرج الأموال وبطاقة شمس، أستدار نحو الفتاة وسأل بنبرة ثابتة، لكنها تحمل معنى خفيًا:
طب ولما أنتِ مكلمتهاش، واخدة منها فلوس ليه؟
+
ابتلعت ريقها بصعوبة، شعرت أن الحصار قد ضاق عليها، فخرجت منها الكلمات كطلقات سريعة:
شمس بعتتلي رسالة قالتلي أجيب الفلوس وأحطها في السوق القديم عند البيت المهجور الساعة 12… ولو مجبتهمش، هتتقتل!
+
تقدم الضابط أمامها بهدوء، النظرات مترقبة لأي حركة تحدث، مد يده نحوها بأمر لا يقبل النقاش:
هاتي تليفونك.
+
ارتجفت أناملها وهي تسلم الهاتف، فتش الضابط الرسائل، فتح أحد الفيديوهات، ليظهر وجه شمس… شاحبة، مرهقة، تتوسل عبر الكاميرا بصوت باكٍ:
سلمى، بالله عليكِ، جيبي الفلوس… هيموتني لو مجبتهاش..
+
كانت ترتجف، عيناها تائهتان، وخصلات شعرها المبعثرة تعكس فوضى الخوف التي تعيشها، في كل مرة تنهي فيها جملة، كانت تلتفت بخوف، وكأن شخصًا يقف خلف الكاميرا يهددها بصمتٍ أكثر رعبًا من أي كلمات.
••••••
+
بعد دقائق بعدما هبط الجميع من منزل سلمى، كانت دارين تجلس بجانب معتز في السيارة، تشعر بتوتر لا تدري سببه. نظرت إلى يده الملفوفة، تذكرت كيف تلقى الضربة أثناء منذ أيام، سألته بهدوء:
إيدك كويسة؟
+
نظر لها معتز، ثم رفع كفه ببطء وهو يردف بكسل:
أيوا… بس محدش جابلي أكل أتغذى، حتى أنتِ.
ابتسمت قليلًا، خجل غير مبرر تسرّب إلى ملامحها، ثم قالت وهي تفتح باب السيارة:
أنا هاجي بليل في المحكمة، لو مجتش… هزعل منك.
+
مال برأسه قليلًا، رفع حاجبه وسأل بسخرية واضحة:
وهوا أنا لو مجتش، مين هيأخد الرصاص مكانك؟
+
نظرت له من زجاج السيارة، تراقب ملامحه بصمت، ثم فجأة، عقدت ذراعيها بغضب مصطنع وصاحت بصوت مرتفع:
خلاص، متجيش!
ثم غادرت، تاركةً خلفها أثرًا من الضحك المكبوت في عينيه.
+
تأمل المكان للحظات، ثم أخرج سيجارة من جيبه، أشعلها وسحب نفسًا عميقًا، شيءٌ ما داخله كان غارقًا في بحر لا نهاية له.
وعلى حين غفلة، ارتفع صوته بالغناء، يغني بصوت خافت لكنه يحمل صدقًا نادرًا، يهزّ أوتار القلب كما لو كان يغنيها لشخص بعينه:
“يامـا عـيـون شـاغـلونـي… لـكن ولا شـاغلونـي… إلا عـيونك أنت…دول بـس إلـلي خـدونـي خـدونـي”
+
عيناه تلتمعان ببريق غريب، نبرته تغيّرت تمامًا، كأنه شخص آخر، شخص لا يعرفه سوى قلبه والحب…
+
يبدو أن شيئًا ما لم يلاحظه أحد، يبدو أن هناك قصة لم تُروَ بعد، يبدو أن الحب كان هناك منذ وقتٍ طويل، لكنه ظل يختبئ في الظلال، ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن نفسه…
••••••
في نهاية اليوم، قبل منتصف الليل، أرتدت البلوزة البيضاء ذات الأكمام الطويلة تنسدل برقة على ذراعيها، فيما تُزين فتحة الصدر البسيطة سلسلة تحمل حرف أبيها، كأنها تذكار صامت ينبض بالقرب من قلبها، الجيبة الزيتي المُنقوشة تلتف حول خصرها، تهبط بانسيابية لكنها لا تُخفي تفاصيلها، بل تُبرز قوامها بصكٍ أنيق يمنحها طابعًا رزينًا دون أن ينتقص من أنوثتها أما خصلاتها البُنية، فتُرسلها بحرية على ظهرها.
+
وقفت في المطبخ، تجمع الأواني وتضعها داخل الحقيبة، لا تعلم إن كان ما تفعله صوابًا أم خطأً، لكنها لم تفكر كثيرًا، فقط تبعت إحساسها، ربما كان هذا دافعًا إنسانيًا، أو هكذا ظنت.
+
دخلت شقيقتها الصغرى، تحمل في عينيها مرحًا محب وهي تردف:
أش أش، إيه الحلاوة دي؟ رايحة فين؟ وإيه الأكل إللي في الشنطة ده؟
+
تجمدت قليلًا، ثم حاولت الابتسام بإرتباك وهي تنظر إلى ملابسها:
رايحة شغل.
+
رفعت رزان حاجبها بمكر، وضعت يديها تحت صنبور الماء لغسل كفيها، قبل أن تردف بمرح:
من إمتى والشغل بقى بألوان يا ملونة؟
صفعتها دارين على يدها برفق، لكنها قالت بجدية صادقة:
والله العظيم شغل، وبعدين أنا طول عمري بلبس كده، مش جديد يعني.
+
أومأت رزان برأسها، لكنها لم تقتنع تمامًا، فأجابت بنبرة متفحصة:
بس دايمًا كنتِ بتلبسي غامق في شغلك.
هزّت دارين كتفيها بلا اهتمام، رفعت الحقيبة، واستعدت للخروج:
أهو اللي جه معايا.
+
لكن رزان وقفت أمامها سريعًا، تقاطع طريقها مجددًا، وسألت باستغراب:
طب واخدة الأكل لمين؟
توقفت دارين للحظة، ثم زفرت ببطء قبل أن تجيب:
لما أرجع هقولك.
+
حاولت تجاوزها، لكن رزان لحقتها للمرة الثانية، قاطعة طريقها وهي تسأل بإصرار:
طب لما بابا يرجع، أقوله إيه؟
أجابت بثقة:
كده كده الحراس معايا، قولي خرجت في شغل.
+
تأملتها رزان قليلًا، ثم فجأة، تراجعت إلى الداخل وقالت:
طب خدي جاكت، أنتِ لابسة خفيف أوي، والدنيا برد.
أجابت دارين فورًا وهي تفتح الباب:
أنتِ عارفاني، مبحبش التقيل.
+
أومأت رزان برأسها بتفهم، لكنها لم تتركها تتحرك قبل أن تجذبها إلى عناقٍ دافئ، عناقٍ كان يحمل أكثر مما تراه الأعين. استغربت دارين من تصرف شقيقتها الغريب في الفترة الأخيرة، لكنّها لم تعلّق، فقط مررت يدها على ظهرها بحنان صامت، متسائلة في داخلها إن كان هناك شيء لا تعرفه.
+
أما رزان، فحاولت كتم دموعها، لكنها شعرت بأنها تودع شقيقتها، وكأن هذا العناق هو الأخير قبل اختفائها القادم بعد أسبوع.
+
كم تحب دارين… كم تشعر بأنها والدتها الحقيقية، تلك التي كانت تهتم بها وبرفد، تطهو الطعام، تهتم بهما عندما يمرض أحدهما، تقوم بكل أعمال المنزل وحدها، تنظف حتى بعد أن تترك هي المكان في فوضى… وتغطي على جرائمها التي ترتكبها في الظل من خلف أبيها.
+
تنفست دارين ببطء، ثم سألتها بمرح، محاولة تخفيف التوتر:
إيه، خايفة أروح ومارجعش؟
+
قهقهت رزان وهي تبتعد للخلف، أمسكت دموعها سريعًا، ومسحت عينيها قبل أن تقول بابتسامة دافئة:
عاوزة أقولك إني بحبك أوي، يا دارين… أنتِ ماما الحقيقية.
+
شعرت دارين بلسعة دافئة في قلبها، كم يروق لها هذا الحديث، وضعت يديها على وجنتي شقيقتها بحنان وهمست:
وأنا بحبك أوي… أنتِ بنتي قبل ما تكوني أختي.
+
ابتسمت رزان تأثرًا، ثم قالت بسرعة:
يلا، يلا روحي، عشان ماتتأخريش، وأنا هطلع أذاكر.
ودعتها بدفء، ثم دخلت المنزل، بينما الأخرى غادرت نحو الحقيقة… نحو تلك الليلة التي ستكشف لها من الظالم ومن المظلوم.
••••••
+
بعد فترة من الزمن…
+
هبطت من السيارة، تبعها أحد الحراس، بينما ظل الآخر داخلها، نظرت سريعًا إلى السيارة المركونة على الجانب الآخر من الطريق، تعرفت عليها فورًا… سيارة “معتز”.
+
لمحت لحظة نزوله، كان يرتدي بنطال أسود اللون وعليه قميص مماثل في اللون وفوقهم بالطوا مماثل أيضا، كان كل شيء أسود وكأنه لدية ميت.
+
تقابلت أعينهما، وشقت الابتسامة وجهيهما معًا اقتربت منه ببطء وهي تقول بثقة:
كنت عارفة إنك هتيجي.
أجابها بابتسامة مماثلة، مد يديه داخل جيبي معطفه الطويل قبل أن يردف:
الدنيا تلج… بس فداكِ يا سُهاد.
+
ضحكت بخفة على هذا الاسم الذي بدأ يدخل قلبها مؤخرًا. شعرت بالبرد يزحف في أنحاء جسدها، فحركت عينيها نحوه بإشارة للدخول، تبعها إلى داخل غرفة مكتب الضابط المسؤول، جلسا منتظرين التعليمات.
+
بعد لحظات، استقام الضابط وتحدث بلهجة تفهم واضحة:
فهمتِ كده هتعملي إيه، يا دارين؟
+
قبل أن ترد، جاء صوت حاد من الجالس بجوارها، نبرة لم تخفَ لهجتها الآمرة:
آنسة… آنسة دارين أو ممكن أستاذة دارين.
+
تحولت الأنظار نحوه، بما في ذلك نظراتها المستغربة، لكنه لم يلتفت إلى أحد، عيناه كانت ثابتة على الضابط، كأنما يوجه له رسالة خفية.
+
نظر الضابط إليه للحظة، ثم قرر تجاهل الأمر وأجاب بثبات:
أظن مش مشكلة آنسة أو أستاذة… يلا، هننزل أتفضلوا.
استقام الجميع وبدأوا في التحرك نحو الخارج، لكن قبل أن يخرج الضابط، اقترب منه معتز وهمس بصوت هادئ في إذنه، لكنه يحمل تهديدًا مستترًا:
آنسة، يا أستاذ… وياريت بلاش نظرات كتير ها؟
+
ثم تركه وخرج قبله، حدّق الضابط في أثره بغيظ، لكنه لم يعلّق.
أما معتز، فكان يسير بهدوء خارج المبنى، إبتسامة خفيفة تتسلل إلى ملامحه.
هو لا يحب الأوامر… لكنه بالتأكيد يحب كسرها.
+
وصلوا إلى المنطقة، كانت الأجواء باردة، والمطر يتساقط متفرقًا، والليل يفرض سواده على المكان، فلا أحد بالخارج، الجميع احتمى بمنازله من البرودة القارسة، كانت وحدها تسير وسط الصمت المطبق، متجهة نحو ذلك المنزل المهجور، حيث تنتظرها الحقيقة.
+
وقفت عند العتبة، رفعت خصلاتها التي تبللت بالمطر وجمعتها في كعكة عشوائية، ثم وضعت يدها داخل جيبها تتحسس السلاح، محاولة أن تُغلق فتحة الصدر البسيطة في بلوزتها بسبب البرد، أخذت نفسًا عميقًا، واستجمعت شجاعتها قبل أن تدفع الباب ببطء وتدخل.
+
الرائحة… مزيج من الرمل الرطب والغبار القديم، والهواء مشبع برائحة العفن، لا ضوء في الداخل، فقط ظلال تمتد في كل زاوية، والأثاث مغطى بملاءات بيضاء كأنها أشباح تنتظر من يكشف عنها، تحركت بحذر، عينها تفتش في الظلام عن أي حركة، لكن المكان بدا مهجورًا تمامًا… حتى خرج صوت مرتجف، همس من العدم:
سلمى، سيبي الفلوس…
+
توقفت مكانها، وأدارت رأسها تبحث عن مصدر الصوت، لكن الظلام كان سيد الموقف، لم تستطيع معرفة من أين أتى الصوت، خرج صوتها ثابتًا:
شمس؟ معاكي حد؟
+
لم تأتها إجابة منها، بل من صوت آخر، غليظ وبارد:
اتركِ المصاري وامشي يا سلمى مشان ما تتأذي!
لكنها لم تتحرك، لم يكن الهروب خيارًا، أستغربت اللهجة الغير مصرية، لكنها ردّت بتحدٍّ، دون أن يظهر عليها أثر للخوف:
خليني أشوفها وأطمن عليها، وبعدها همشي وصدقني مش هقول لحد.
+
وفي لحظة، دوّى في المكان صوت صرخة، حادة ومؤلمة، تبعها بكاء متقطع… كان صوت شمس، وهي تتوسل إليها، صوتها يملؤه الرعب:
أمشي يا سلمى، عشان خاطري!
+
انقبض قلبها، وتسلل الخوف إلى أطرافها، لكنها تماسكت، شدّت قبضة يدها في جيبها، وأجابت بصوت أكثر ثباتًا:
مش همشي غير لما أشوفها.
+
_ “إذا هيك، يعني إنتِ اخترتي الموت.”
ظللت صامتة، متوقعة تهديده، لكنه لم يكن يعلم أنها حضرت لهذا الاحتمال، فكّرت بسرعة، ثم قالت بنبرة واثقة:
نعمل اتفاق؟ تخليني أشوفها، وأنا هجيبلك أي حاجة تعوزها.
+
ساد الصمت للحظات، إلا من صوت بكاء شمس المرتجف. ثم جاءه صوته مرة أخرى، مترددًا هذه المرة، لكنه لا يزال قاسيًا:
“شو بيضمنلي؟”
+
ابتسمت، وكأنها تتحدى الظلام من حولها:
أنا هنا، مليش حد، تقدر تقتلني بسهولة.
+
وفجأة، أحست بشيء يلمس قدمها.
يد باردة… صغيرة… ممسكة بها!
+
شهقت، وتراجع قلبها إلى داخل صدرها، جسدها تجمد للحظة، كاد الخوف أن يسيطر عليها، لكن رد فعلها كان سريعًا، ضغطت زر هاتفها لتنيره، وعندها…
+
ظهر وجه.
شمس!
جاثية على الأرض، عيناها متسعتان بخوف، وجهها شاحب، وعليها آثار إرهاق ودموع، كانت يدها ترتعش، ولكنها أمسكت ساقها وكأنها وجدت المنقذ أخيرًا، كادت أن تتكلم، لكن دارين وضعت يدها بسرعة على فمها، وأشارت لها بالصمت.
+
ابتسمت شمس رغم دموعها، كأن الأمل عاد للحياة داخلها. أخذت دارين نفسًا، ثم رفعت صوتها، تستمر في تمثيل دورها، ولكن بنبرة دافئة مليئة بالمشاعر المتصنعة:
وحشتيني يا شمس.
+
وفي تلك اللحظة…
انفجر المكان بالفوضى.
اندفع العساكر من الباب، مصابيحهم أضاءت كل ركن في المكان، تحول السكون إلى حركة عارمة، وسط هذا الفوضى، كانت دارين تمسك بشمس بقوة، وشمس تبكي في حضنها، جسدها يرتعش بالكامل.
+
كان الخوف قد استولى عليها، حتى أنها لم تستطع النطق، فقط تمسكت بدارين، وكأنها تخشى أن تُنتزع منها مرة أخرى، ويتنزع منها المنقذ لها.
لكن هذه المرة… كان الأمل أقوى.
وكانت الحقيقة قد ظهرت، أخيرًا.
_ “خنتوني.”؟!
+
انفجرت الصرخة من الظلام، صدى صوته يتردد بين الجدران المتهالكة، يُغطي على أنفاس الجميع المتوترة، تحرك العساكر بسرعة بحثًا عن مصدر الصوت، أصابعهم مشدودة على زناد الأسلحة، وعيناهم تمشط المكان، أشارت شمس إلى الزاوية المظلمة حيث كان يجلس، لكن حينما اندفعوا نحوه… لم يجدوا أحدًا.
+
التوتر تصاعد، الهواء أصبح ثقيلًا بالكاد يمكن تنفسه، وقفت العساكر أمام دارين وشمس، يحاصرونهما كدرع بشري. لكن دارين لم تكن تتابعهم، بل رفعت نظرها نحو النافذة الكبيرة… حيث وقف معتز في الخارج، عيناه القاتمة متسمرة عليها، وعلى جانبيه وقف الحارسان خاصتها، وكأنهم ينتظرون أمرًا لم يُعطَ بعد، في نظرته شيء أراد أن يُطمئنها به، لكن ما حدث في اللحظة التالية جعل الأمان يُسحب منها بعنف.
+
يد قوية جذبتها من رقبتها!
اختنق صوتها في حنجرتها قبل أن يخرج، جسدها اندفع للخلف بقوة، وشعرت بفوهة باردة تُضغط على رأسها، صرخت بفزع، يداها تحاولان عبثًا إبعاد قبضته عن عنقها، لكنها لم تكن نِدًّا له كان أقوى… بكثير.
+
زحفت شمس للخلف، متحجرة من الرعب، حتى خرجت من الظل إلى النور، هناك، تمكنت دارين أخيرًا من رؤية مَن أمسك بها…
+
شاب طويل الجسد، عيناه بلون أخضر قاتم، كأن فيهما غابة محترقة، على وجنته ندبة عميقة مخيطة، جعلت ملامحه قاسية، مشوهة، لكنها لم تنزع وسامته بل زادتها رهبة، صوتُه حين نطق، كان ثقيلًا، كئيبًا، كأن الحياة دهسته حتى بات لا يشعر بشيء:
“تركوني إمشي، يا إما بقتلها.”.
+
الصمت صار أكثر قسوة.
الضابط الذي يقود العملية تحرك للأمام بحذر، رافعًا يده في محاولة لتهدئته:
اهدأ… دي بريئة، مالهاش ذنب.
+
لكن الشاب ضحك، ضحكة لم تحمل أي سعادة، فقط… سخرية سوداء، شدّ قبضته على عنق دارين أكثر، وكأن كلمتهم زادت غضبه:
“الناس البريئة بهالزمن بتنقتل بقلب قاسي، ما وقفت عليها!”
+
ثم…
تحطم الزجاج!
+
لم يرَ أحد كيف حدث ذلك، لكن في لحظة كان هناك شظايا تتطاير، وهو يُسحب بعنف، وفوهة سلاح تُوضع على رأسه.
+
معتز.
كان دخوله خاطفًا، سريعًا كضربة سكين في ظلام دامس. وقف بين دارين ووالخطر، جسده متحفز للانقضاض، وعيناه لا تترك الهدف، دارين سقطت خلفه على الأرض، تلهث محاولة أن تستعيد أنفاسها، تحرك الحارسان فورًا، شكّلا درعًا حولها، حتى أصبحت خلف ثلاث رجال، كأنها وسط حصن غير قابل للاختراق.
+
لكن الشاب لم يبدو متفاجئًا، لم يحاول المقاومة. فقط… أدار نظره نحو دارين.
نظرة لم تكن غاضبة، ولا حتى خائفة كانت مكسورة.
قال بصوت منخفض، لكنه حمل معه وزن كل شيء كان في قلبه:
“على عكسنا… مننقتل، وما حدا بيلف يشوف وين حقنا.”
+
تحركت عيناه بينهم ببطء، كأنه يحفظ المشهد الأخير من حياته في ذاكرته، ثم أكمل بصوت مُثقل بمرارة لا توصف:
“كتير ناس بريئة بتنقتل وهي عايشة… بس إنتِ عندك اللي يحميكِ، مو واحد… في تلاتة وغيرهم كتير، ما إنتِ بنت لواء.”
+
نظر إلى معتز، مباشرة في عينيه، وكأنه يتحداه أن يُنكر الحقيقة التي يقولها:
“حق المظلوم دايماً ضايع.”
+
رفع السلاح نحو صدره، بهدوء قاتل أردف بصوت ثقيل:
“خلي الحقيقة تندفن معنا.”.
+
ثم…
ضغط على الزناد.
دوّى الرصاص.
جسده سقط.
وفي ثوانٍ، انتهى كل شيء.
+
لم تستطع أن ترفع رأسها، أن تتنفس بشكل طبيعي، كانت يداها ترتجفان، قلبها يضرب صدرها كأنه يريد الخروج. نظرت إلى الجسد الملقى أمامها، إلى الدماء التي امتدت حوله…
+
لماذا؟
+
لماذا ينتهي الأمر دائمًا بهذا الشكل؟ لماذا تتحول الحياة إلى سيف يقطع أعناق من لا يملكون درعًا يحميهم؟
+
الحياة أحيانًا تجبرنا على القسوة، تضعنا في زاوية مظلمة، بينما يرانا العالم الخارجي كوحوش بلا رحمة، قبيحين، سيئين، قاتلين، لكن لا أحد يبحث عن الحقيقة كاملة، لا أحد يسأل عمّا حدث قبل أن نصبح ما نحن عليه، الجميع فقط يريد أن يلقي التهمة بعيدًا عنه.
+
الفقراء دائمًا بلا قيمة في الأعين، ليس من الضروري أن يكونوا موجودين، حقوقهم تُترك على الأرض دون أن يلتقطها أحد، وحين يقررون أن يصبحوا وحوشًا لاستعادتها، يلاحقهم الجميع بالبنادق، يخبرونهم أن لا حق لهم حتى في الغضب، وعلى الجانب الآخر، حين يُظلم شخص ذو قيمة في البلاد، يتحرك الآلاف لأجله، يُرفع شعار “لا للظلم”، وكأن العدل لا يُمنح إلا لمن يملك السلطة.
+
هكذا هي الحياة، تنصر الظالم، وتهزم المظلوم، وحين يقرر المظلوم أن ينهض، يصبح هو العدو للجميع.
••••••••••••••••••••••••
أولًا كل سنة وأنتوا طيبين يا حبايب قلبي، رمضان كريم على الأمة الإسلامية كلها.
يا ترى أي قصة القاتل ده إللي محدش يعرفلوا حاجة هل هوا برئ أما ظالم، وهوا مين أصلا وأي قصته؟
ورفد هتوصل لإي هيا وزيدان مع مصطفى؟
أنتظروا الفصل الحادي عشر قريب.
متنسوش الڤوت ورأيكم وتوقعاتكم يحبايبي ♡♡♡.
1

