Uncategorized

متسلسلة – عربية فصحي – جوف الأرض: البلور والنار ــ حتى الجزء الثامن ــ 29/10/2025 – سكس جديد 2026



Kr8A0LQ.md.jpg


Kr8AEBV.md.jpg

المقدمة

تظن أنك تسير على أرض صلبة؟… إنك ساذج حقًا… إن الأرض بها عالمٌ آخر في الأعماق السحيقة. هناك، حيث ينحني الضوء ويتحول الصمت إلى صدى مخيف، يكمن عالمٌ لم يره نور الشمس قط. عالمٌ لا تحكمه قوانين عالمكم، تسكنه كائنات تختلف عن كل ما تعرفون، محفورة في صخور عمرها أقدم من الزمن نفسه.

في الآونة الأخيرة، بدأت الأرض تتململ بشكل غريب. هزات ليست كالهزات المعتادة، تأتي من أعماق لا تُقاس، وتصاحبها نبضات طاقة غامضة تحيّر علمائكم. أصوات لا مصدر لها… همسات صخرية لا تنتمي لعالمكم… واختفاءات غامضة في الكهوف والممرات العميقة، كأن شيئًا ما يسحب البشر إلى الظلام الأبدي تحت أقدامهم.

هل هي مجرد ظواهر طبيعية لا تفسير لها بعد؟ أم أنها علامات؟ هل هي علامات على أن الستار الذي يفصل عالمكم عن عالم آخر قد بدأ يُمزق؟

في الظلام الأبدي تحتكم، تُسمع الآن قرع طبول حرب. شعوب الجوف، التي عاشت في عزلة لآلاف السنين، منقسمة الآن على قرار مصيري. قرار يهدد بكسر الحاجز بين عالمين، وإطلاق العنان لقوة قديمة ومدمرة. منهم من يرى في السطح هدفًا يجب غزوه لاستعادة مجد ضائع، ومنهم من يدرك أن هذا الغزو قد يعني فناء كلا العالمين.

بينما أنتم على السطح تواصلون حياتكم اليومية، غافلين عن الحقيقة المروعة، فإن عيونًا تتوهج في الظلام تحتكم تنظر إليكم بترقب وشر دفين. وأصداء المعارك الداخلية في الجوف تتسبب في رجفات تصل إلى عالمكم. كل خطوة تخطونها على الأرض قد تكون فوق ميدان معركة لم تعرفوا بوجوده. كل محاولة لاستكشاف أعماق الأرض هي قرع على باب لم يُقدر له أن يُفتح أبدًا.

استمعوا… هل تشعرون بالرجفة المتزايدة؟ هل تسمعون الهمس القادم من الأسفل؟ إنهم قادمون… أو ربما أنتم من أيقظهم. والخطر لا يكمن فقط فيهم… بل في الجهل الذي يلف عالمكم، والقرار الذي يتشكل الآن في أعماق الأعماق.

مصير عالمكم كله يتوقف على صراع يدور في الظلام الأبدي تحت أقدامكم. فهل أنتم مستعدون لمواجهة ما يكمن في الجوف؟

للكاتب: @مرااد

الفصل الأول

دبيب في الظلام وهزة على السطح

كانت الهزة الأولى مجرد رجفة خفيفة، كأن الأرض تتنهد بعمق. لكنها تكررت. وازدادت شدتها. لم تكن هزات زلزالية عادية؛ فقد كانت مركزة في مناطق غير متوقعة، بعيدًا عن حدود الصفائح التكتونية المعروفة.

في جامعة كولومبيا، انحنى الدكتور إلياس منصور، عالم الجيولوجيا ذو الشعر الفضي الكثيف والعيون الحادة خلف عدسات سميكة، فوق الشاشات التي تعرض بيانات الزلازل. لم يستطع تفسير الأنماط الشاذة. كانت الإشارات تشير إلى مصدر عميق جدًا، أعمق من أي شيء سجل من قبل، وكانت تبدو وكأنها “نبضات” منتظمة وليست حركات عشوائية للقشرة الأرضية.


K4RQFKg.md.png

“هذا مستحيل…” تمتم لنفسه، بينما يقرأ قراءات طاقة غريبة مصاحبة للهزات. طاقة لم تُعرف لها مصدر طبيعي.

في نفس الوقت، على بعد آلاف الكيلومترات، ولكن في الاتجاه المعاكس… في أعماق الأعماق، حيث تنتهي خرائط البشر وتبدأ الأساطير، وبالتحديد في مملكة البلور، كان الملك ريان يرتجف، ليس من خوف، بل من قلق عميق.

كانت الهزات التي يشعر بها عالم السطح هي صدى لما يحدث في جوفه، صدى للصراع المتنامي الذي يهدد بتمزيق نسيج عالمه.

مملكة البلور لم تكن مجرد كهوف وصخور. بل كانت مدينة عملاقة نحتت في بلورات متوهجة تصدر ضوءًا لطيفًا يملأ الفضاء الأثيري. كان الباطنيون هنا يتميزون ببشرتهم الفاتحة التي تتكيف مع الإضاءة الخافتة، وعيونهم التي ترى في الظلام، وقدرتهم على التفاعل مع طاقة البلورات.

كان الملك ريان، سليل سلالة حاكمة عُرفت بحكمتها، يتمتع ببنية قوية وشعر داكن يتناقض مع بشرته، وعينين بلون الزمرد تعكسان عمق التفكير وعبء المسؤولية. كان يرتدي رداءً فضفاضًا من نسيج متين ومتوهج يدعى الكيميرا، ويحمل صولجانًا مرصعًا ببلورة مركزية في أعلاه تنبض بالطاقة. كان يجلس في قاعة العرش، حيث الجدران تلمع بضوء البلورات الحية، والأعمدة الضخمة تبدو كجذوع أشجار عملاقة منحوتة من الضوء.

أمامه، وقفت مستشارته الأمينة، “لينا”، امرأة عجوز لكن حكيمة للغاية، تتميز بخطوط دقيقة حول عينيها تحكي قصص قرون من الخبرة، وشعر أبيض كخيوط الكيميرا نفسها.

“الهزات تزداد يا مولاي. لم تعد مجرد تحذيرات. مملكة الصخور النارية تتحرك بجدية هذه المرة.” قالت لينا بصوتها الهادئ الذي يحمل ثقلاً.

أومأ ريان، قابضًا على صولجانه. “أعلم يا لينا. هم يفسرون النبوءة بطريقتهم، يتشبثون بالجزء الذي يتحدث عن ‘استعادة التوازن العظيم’، ويعتقدون أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بغزو السطح والسيطرة على النور المفقود.”

سكت الملك ريان قليلا ثم تابع وهو مازال قابضًا على صولجانه. “لكنهم يتجاهلون الجزء الذي يتحدث عن ‘الدمار الأبدي لكلا العالمين’ إذا كسر التوازن بالقوة.”

أضافت لينا بحزن. “نبوءة الأجداد كانت واضحة: ‘حين يتلاقى الجوف والسطح بغير إذن، يبتلع الظلام النور، وتتجمد النار، ويضمحل الوجود.”

كانت النبوءة القديمة هي حجر الزاوية في تاريخ الباطنيين، لكنها كانت مبهمة، مفتوحة للتأويل. نشأ الباطنيون في هذه الأعماق بعد كارثة كبرى على السطح (الأساطير تختلف حول طبيعتها)، واختاروا العيش في عزلة لتجنب تكرار الدمار. لكن الآن، وبعد آلاف السنين، ومع تقلص مصدر الطاقة البلورية الذي يعتمدون عليه، رأت مملكة الصخور النارية، بقيادة ملكهم الجبار “دراكُون”، أن النجاة الوحيدة تكمن في الصعود والاستيلاء على موارد السطح.

مملكة الصخور النارية كانت تقع في مناطق بركانية من الجوف، يعيش سكانها في بيئة قاسية، تتكيف بشرتهم مع الحرارة الشديدة، ويستخدمون المعادن المنصهرة والطاقة الحرارية في صناعة أسلحتهم ودروعهم.

ملكهم، دراكون، كان شخصية مهيبة ومخيفة، يشتهر بقوته البدنية وقسوته. كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن الباطنيين هم ورثة السطح الشرعيون، وأن البشر مجرد غزاة يجب طردهم. كانت جيوشه قوية ومدربة على القتال في الظروف القاسية، وسلاحهم الرئيسي هو التحكم الغير محدود بالنار والصخور.

“دراكُون لا يهتم بالتوازن يا لينا، بل بالقوة. لقد حشد جيوشه عند الحدود الشمالية لمملكة الكهوف الصماء.” قال ريان.

مملكة الكهوف الصماء كانت مملكة صغيرة ومحايدة تقع بين مملكة البلور ومملكة الصخور النارية، وكانت بمثابة منطقة عازلة. شعبها كان هادئًا ومنعزلاً، يتواصلون نادرًا، ويعتمدون على الأصداء والذبذبات في بيئتهم الخالية من الضوء.

“يجب أن نتصرف. لا يمكننا السماح له بعبور أراضي الكهوف الصماء. هذا سيعني الحرب الشاملة في الجوف، قبل أن يصل إلى السطح.” قالت لينا بإصرار.


K45fP6b.md.png

وقف ريان، وسار نحو نافذة البلور العملاقة التي تطل على مساحات واسعة من الجوف المضاء. كان يرى في الأفق البعيد توهجًا أحمر خافتًا، هو ضوء مملكة الصخور النارية. “ولكن الحرب في الجوف تعني إضعافنا جميعًا. وإذا تمكّن دراكُون من تجاوزنا، فلن يجد البشر أمامه ما يوقفه. وهم… هم لا يدركون ما يفعلون.”

لقد كانت هناك تقارير تصل إلى ريان عن “دبيب” متزايد من الأعلى. أصوات حفر غريبة، ذبذبات غير مألوفة. إنها محاولات البشر للوصول إلى أعماق الأرض. لم يدركوا أنهم يقرعون باب جحيم محتمل. كلما تعمقوا، زادت الهزات، وازدادت إلحاحية دراكُون في قراره بالغزو.

“سنرسل رسلاً إلى مملكة الكهوف الصماء لطلب العون. وسنرسل رسلاً إلى دراكُون، مرة أخيرة، علّ الحكمة تستقر في قلبه. لكن في الوقت نفسه… “ توقف ريان للحظة، ثم أدار وجهه نحو لينا، بعينيه الزمرديتين تحملان عزمًا حزينًا. “…استعدوا للحرب. جهزوا المحاربين، وشحذوا طاقة البلورات. لن نسمح لدراكُون بجرنا، ولا جر عالم السطح، إلى الهاوية.”

كان الهواء في قاعة العرش يكتظ بالتوتر. كانت بداية الصراع الداخلي في الجوف وشيكة، وهو صراع قد تكون له عواقب كارثية ليس فقط على الباطنيين، بل على عالم السطح الذي لا يزال غارقًا في جهله.

كانت الهزات على السطح مجرد قطرات المطر الأولى قبل العاصفة الوشيكة من الأعماق. وكانت مهمة ريان، ملك البلور الحكيم، تبدو مستحيلة: إيقاف جنون ملك آخر، وإنقاذ عالمين من دمار مؤكد.

يُتبع في الفصل الثاني…

للكاتب: مرااد

الفصل الثاني

وشوشات الأعماق وأصل الأساطير

لم يكن عالم الجوف مجرد فراغ مظلم وممل. لقد كان كونًا بحد ذاته، متعدد الطبقات، يتسع ويتقلص في أماكن غير متوقعة. كان الهواء فيه مختلفًا، يحمل رائحة المعادن الباردة والصخور والبلورات المضيئة.

الجاذبية كانت أخف قليلاً، مما يمنح الباطنيين خفة في الحركة لا يعرفها سكان السطح. كانت هناك أنهار تحت الأرض تتدفق بقوة، وبحيرات متلألئة تضيئها الكائنات الحية الدقيقة المضيئة.

الفضاء كان شاسعًا لدرجة أن مملكة البلور ومملكة الصخور النارية، على الرغم من كونهما القوتين العظمتين، كانتا تفصل بينهما مسافات شاسعة من الأنفاق والممالك الصغرى والبراري الصخرية العميقة.

في قاعة المخطوطات الأثيرية بمملكة البلور، كان الملك ريان يمرر أصابعه على صفحات قديمة، ليست مصنوعة من الورق أو الرق، بل من مادة شبيهة بالحرير تتوهج بضوء داخلي خافت. كانت هذه المخطوطات هي تاريخ الباطنيين، مسجلًا عبر الأجيال بلغة رمزية معقدة لا يفهمها إلا القليلون.


K45mUkg.md.png

كانت لينا إلى جانبه، تقرأ رموزًا معينة بصوت هامس…

“الأساطير تقول إننا لم نكن نعيش هنا دائمًا يا مولاي.” قالت لينا. “بل جئنا من الأعلى، من عالم النور الساطع الذي يُسميه البعض ‘الأرض العليا.”

نظر ريان إلى رسم بياني يظهر كوكبًا ذو طبقات، مع طبقة عليا مضيئة وطبقة سفلى مظلمة. “الكارثة العظمى… ما هي طبيعتها بالضبط؟ هل كانت حربًا؟ أم دمارًا طبيعيًا؟”

“المخطوطات القديمة غامضة في هذا الشأن.” أجابت لينا. “تتحدث عن ‘شق في السماء’ و’نار لا تنطفئ’ و’اختفاء النور’. بعض الروايات تقول إن أسلافنا رأوا الكارثة قادمة، فبنوا ملاذات عميقة في الأرض وانسحبوا إليها، آخذين معهم بذور الحياة والمعرفة. روايات أخرى تتحدث عن أنهم طُردوا، أو أن عالمهم أصبح غير صالح للعيش.

هنا يأتي جزء النبوءة الذي يثير الجدل. النبوءة منسوبة إلى’الحكماء الأوائل’، وهم مجموعة من الباطنيين الأسطوريين الذين يُقال إنهم امتلكوا رؤية للمستقبل. تقول النبوءة…

“حين يضمحل النور الأخير، وتتشقق الصخور من العطش، ويهمس الغرباء من الأعلى، سيُكسر الختم العظيم.

إما أن يعود الأبناء إلى بيت الأجداد، فيستعيدوا التوازن العظيم، ويُزهر النور من جديد، أو أن تتلاقى العوالم بغير إذن، فيبتلع الظلام النور، وتتجمد النار، ويضمحل الوجود، ويتحول الكوكب إلى رماد بارد.”

“دراكُون يتمسك بـ ‘يعود الأبناء إلى بيت الأجداد’، ويرى في تناقص طاقة البلورات ‘اضمحلال النور الأخير’ وفي حفر البشر ‘يهمس الغرباء’. إنه مقتنع بأن ‘الختم العظيم’ هو الحاجز بين عالمنا وعالم السطح، وأن كسره هو مفتاح الخلاص.” أوضح ريان بأسى.

كانت طاقة البلورات الحية هي شريان الحياة لمملكة البلور، ومصدر الضوء والدفء والطاقة. في العقود الأخيرة، أصبح توهجها أقل قوة، وبدأت بعض البلورات في فقدان حيويتها. هذا التناقص كان ظاهرة حقيقية، وقد أثار القلق في جميع الممالك.

لكن بينما رأى ريان ضرورة البحث عن سبب التناقص وإيجاد حلول داخلية أو سلمية، رأى دراكُون أنها إشارة من النبوءة بأن الوقت قد حان للعودة إلى “بيت الأجداد” – السطح –

“ولكن ‘اضمحلال الوجود’ في الجزء الثاني من النبوءة لا يمكن تجاهله.” قالت لينا. “أسلافنا اختاروا العزلة لحماية أنفسهم وحماية السطح من تكرار الكارثة. ربما كانت الكارثة مرتبطة بطاقة الباطنيين أنفسهم إذا تم استخدامها بشكل خاطئ أو في بيئة غير مناسبة مثل السطح.”

كانت هناك مملكة أخرى ذات أهمية، وهي مملكة الكهوف الصماء. لم تكن قوية عسكريًا مثل البلور أو الصخور النارية، لكنها كانت تمتلك معرفة عميقة بالأنفاق والمسارات الجوفية. شعبها، الصامتين، كانوا ماهرين في التخفي والتنقل في الظلام المطلق، وكانوا يعتبرون أنفسهم حراسًا للممرات القديمة. ملكهم، رجل عجوز وصامت يُدعى “أورُن”، كان يُعرف بحياديته الشديدة وعدم تدخله في صراعات الممالك الأخرى. عبور أراضيه كان ضروريًا لمملكة الصخور النارية للوصول إلى الممرات المؤدية إلى السطح.

“إذا تمكن دراكُون من إقناع أورُن بالسماح له بالمرور، أو إجباره على ذلك، فسنواجه جيوشه في المناطق القريبة من الصدع الأكبر.” قال ريان، مشيرًا إلى منطقة في الخريطة حيث تبدأ الأنفاق بالارتفاع بشكل حاد نحو الأعلى. “هذه المنطقة خطرة بطبيعتها، ونحن لا نعرف الكثير عن عوالم السطح، ولا نعرف كيف سيتفاعل وجودنا معهم.”

الباطنيون لم يكونوا على دراية كاملة بالبشر. الأساطير تحدثت عن ‘كائنات ساطعة’ تعيش على السطح، تستخدم ‘نار السماء’ (ربما يُقصد البرق أو الشمس) و’معادن صلبة’ (ربما يُقصد الحديد والفولاذ). لم يكن لديهم فكرة عن المدن العملاقة، والتكنولوجيا المتقدمة، والأسلحة التي يمتلكها البشر. وكان البشر، بالطبع، يجهلون تمامًا وجود الباطنيين وقدراتهم.

“لقد أرسلنا رسلنا إلى أورُن.” قالت لينا. “نأمل أن يتمسك بحياديته ويرفض طلب دراكُون بالعبور. لكنني أخشى أن دراكُون لن يقبل الرفض بسهولة.”

في هذه الأثناء، في مملكة الصخور النارية، كان الملك دراكُون يقف على شرفة تطل على حقول التدريب المشتعلة. كان محاربوه، ذوو البشرة الداكنة والعيون المتوهجة، يتدربون بقوة تحت لهيب الشعلات المنبعثة من الأرض. دراكون نفسه كان ضخم الجثة، يرتدي درعًا مصقولًا من معدن بركاني أسود صلب اسمه الأوبسيديان، ويحمل فأسًا ضخمًا يتوهج بحرارة داخلية.


K45piAu.md.jpg

“الحمقى الجوفيون!” نادى بصوته الجهوري الذي يهز الصخور. “يظنون أن بإمكانهم إيقاف المد الزاحف للقدر! النبوءة واضحة! النور الأخير يختفي! والغرباء يهمسون من الأعلى! الوقت قد حان لاستعادة ما سُلب منا.”

كان تفسير دراكُون للنبوءة مدفوعًا ليس فقط بتناقص الطاقة، بل أيضًا بإيمانه الراسخ بتفوق جنسه وحقه في السيادة. لقد غرس هذا الإيمان في شعبه، محولًا القلق بشأن المستقبل إلى حماس للغزو.

“الكهوف الصماء لن تمنعنا!” صرخ دراكُون. “سيمر جيشنا فوق أجسادهم إذا لزم الأمر! ثم سنشق طريقنا إلى النور! إلى عالم الأجداد! وسنعيد التوازن العظيم بقوة النار!”

كانت الكلمات تشتعل كالنار في قلوب جنوده. لقد كانوا مستعدين للحرب، متعطشين للانتصار. بالنسبة لهم، كان الصراع مع مملكة البلور مجرد خطوة أولى ضرورية قبل المواجهة الكبرى مع عالم السطح المجهول.

إن اللعبة قد بدأت، والقطع تتحرك على رقعة شطرنج تمتد من أعماق الأرض إلى سطحها.

يتُبع في الفصل الثالث…

للكاتب: @مرااد

الفصل الثالث

مجلس الهمسات والصدوع المتزايدة

لم تُعقد مجالس الممالك الكبرى في أي من عواصم الممالك القوية. بل كانت تُعقد دائمًا في “السهل الصامت”، وهي قاعة طبيعية ضخمة تحت الأرض، يُقال إنها تشكلت قبل آلاف السنين نتيجة انهيار هائل، وأصبحت منذ ذلك الحين منطقة مقدسة ومحايدة.

كانت القاعة خالية من أي بلورات مضيئة أو صخور نارية متوهجة، فقط صخور سوداء ملساء تمتص الضوء، وسقف عالٍ يضيع في الظلام، مما يفرض نوعًا من الحياد البصري على الحضور. كانت الإضاءة الوحيدة تأتي من المشاعل التي يحملها الحراس عند المداخل ومن التوهج الخافت المنبعث من أجساد الباطنيين أنفسهم.

على منصة طبيعية مرتفعة قليلاً، جلس ممثلو الممالك الكبرى والممالك الصغرى التابعة لها. في المنتصف، جلس الملك أورُن، حاكم مملكة الكهوف الصماء، كونه سيد هذه الأراضي المحايدة وحافظ بروتوكولات المجلس. كان وجهه المليء بالتجاعيد يبدو كالصخر القديم، وعيناه العمياء (سمة مميزة لشعبه الذي يعيش في الظلام الدامس) كانت تبدو وكأنها ترى شيئًا أبعد من الحاضر.

إلى يمينه جلس الملك ريان ومستشارته لينا، محاطين بحراس من مملكة البلور ترتدي دروعًا خفيفة ومتلألئة.

إلى يساره جلس الملك دراكُون، تحيط به هالة من الحرارة المنبعثة من درعه، ويقف خلفه جنرالاته ذوو الوجوه القاسية.


K4bNjvj.md.png

بدأ أورُن بكلمات قليلة، بصوت عميق وصامت تقريبًا، يتحدث عن أهمية الوحدة القديمة والحاجة إلى التفكير بحكمة في المستقبل. ثم أعطى الكلمة للملك دراكُون، كونه صاحب الدعوة لهذا المجلس الطارئ.

وقف دراكُون، وبدا كجبل من الصخور السوداء المتوهجة في ضوء المشاعل الخافت. صوته الرعدي اهتزت له أركان القاعة. “لقد حان الوقت!” صرخ دراكُون، كلماته تتكسر على الصخور. “لقد همست النبوءة بما فيه الكفاية! النور يضمحل! عالمنا يموت ببطء! ومن الأعلى، يُسمع دبيب الغرباء! يقرعون بابنا بجهل! يهددون بإيقاظ القوى التي لا يفهمونها.”

استعرض دراكُون الأدلة من وجهة نظره: تناقص طاقة البلورات (التي فسرها على أنها ‘النور الأخير’)، وتزايد نشاط البشر على السطح (الذي فسر على أنه ‘همس الغرباء’ و‘كسر الختم’). وزعم أن النبوءة تتحدث عن ‘استعادة التوازن العظيم’ من خلال عودة الباطنيين إلى ‘بيت الأجداد’ على السطح.

“أسلافنا كانوا حكماء!” استمر دراكُون. “لقد تركوا عالم السطح لأنه كان مريضًا بالدمار الذاتي. الآن، بعد آلاف السنين، ربما يكون قد شُفي، أو ربما يجب أن نستعيده بقوتنا لنضمن بقاء جنسنا! مملكتي تعاني من نقص في المعادن النادرة اللازمة لطاقتنا. البلورات تضعف في مملكة البلور! جميعنا سنعاني إذا لم نتحرك.”

شخص بيده نحو ريان. “هذا الرجل، ريان، يتشبث بالأساطير والخوف! يتحدث عن دمار محتمل! أقول لكم، الدمار آتٍ لا محالة إذا بقينا مكتوفي الأيدي ننتظر أن يلتهمنا الظلام أو يكتشفنا الغرباء الجهلة من الأعلى ويدمروننا بـ ‘نار السماء’ التي تتحدث عنها الأساطير.”

كانت كلمات دراكُون قوية، وكان لها صدى لدى بعض الممالك الصغرى التي كانت تعاني أيضًا من تداعيات تناقص الطاقة أو شعرت بالتهديد من “همس الغرباء” المتزايد.

ملك مملكة الكبريت المتوهج، “جارا”، رجل بدين ذو وجه أحمر، أومأ موافقًا. “دراكُون محق. مواردنا تتضاءل. سمعنا أصواتًا غريبة تأتي من فوق في مناطقنا أيضًا. الخطر حقيقي.”

عندما جاء دور الملك ريان للتحدث، وقف بهدوء. لم يرفع صوته مثل دراكُون، بل تحدث بصوت رصين وهادئ ولكنه يحمل سلطة هائلة.

“أيها الملوك، والأمراء، وممثلو القبائل…” بدأ ريان. “لا يمكن إنكار أن عالمنا يمر بفترة عصيبة. الطاقة تتضاءل، وهناك بالفعل أصوات غريبة تصلنا من الأعلى. لكن طريقة تفسيرنا لهذه الأحداث هي ما سيحدد مصيرنا.”

مشى ريان ببطء في القاعة، وعيناه الزمرديتان تمران على الوجوه المتوهجة في الظلام. “النبوءة تتحدث أيضًا عن ‘اضمحلال الوجود’ و’تحول الكوكب إلى رماد بارد’ إذا تلاقت العوالم ‘بغير إذن’. هل فكرنا ماذا يعني هذا الجزء؟ هل يعني أننا قد ندمر عالم السطح؟ أم أنهم قد يدمروننا؟ أم أن تلاقي الطاقتين، طاقة جوفنا وطاقة عالمهم، قد يؤدي إلى رد فعل عنيف يفني كل شيء؟”

ثم تحدث عن البشر. “الأصوات التي نسمعها من الأعلى ليست ‘همسًا للغزو’. إنها أصوات جهل. إنهم يستكشفون عالمهم، لا يعلمون شيئًا عن وجودنا. محاولاتهم قد تكون خطيرة، نعم، وقد تزيد من الهزات، لكنها ليست دليلاً على نية عدائية لغزونا. غزو عالمهم سيعني مواجهة كائنات لا نعرف شيئًا عن قوتها أو ضعفها، في بيئتهم التي لا نعرف عنها شيئًا. هل نحن مستعدون لهذه القفزة في المجهول؟”

نظر إلى دراكُون. “يا دراكُون، أنت ترى في النبوءة دعوة للحرب. ولكني أرى فيها تحذيرًا. تحذيرًا من فعل متهور قد يقضي علينا. بدلًا من حشد الجيوش، لماذا لا نبحث عن السبب الحقيقي لتناقص الطاقة؟ ربما هو شيء داخل عالمنا يمكن إصلاحه. ربما هو مرتبط بـ ‘الختم العظيم’ نفسه، وليس بكسره.”

كانت كلمات ريان منطقية، وقد أثرت في بعض الممالك التي كانت أكثر حذرًا، مثل مملكة المياه الجوفية، التي كانت تعتمد على التوازن البيئي الهش في عالمها.

أميرة مملكة المياه الجوفية، “نارا”، ذات الشعر المتموج كالمياه، تحدثت قائلة: “مملكتي تعتمد على التيارات تحت الأرضية. أي اضطراب كبير، سواء حرب في الجوف أو فتح على السطح، قد يدمر نظامنا البيئي بأكمله. نحن نؤيد الحذر والبحث عن حلول سلمية.”

لكن دراكُون قاطعها بحدة. “حذر؟ هذا ليس حذرًا، هذا جبن! البحث سيستغرق وقتًا ليس لدينا! الغرباء يقتربون! والنور يضمحل! الوقت حان للعمل، وليس للجلوس في المكتبات الأثيرية والهمس حول الأساطير.”

تطور النقاش إلى جدال حاد. الأصوات ارتفعت، والممالك انقسمت بوضوح. كان هناك تحالف يتشكل حول دراكُون، يضم مملكة الكبريت المتوهج وبعض القبائل المتجولة التي كانت تعاني من قسوة الظروف. وعلى الجانب الآخر، وقف ريان ملك مملكة البلور ومملكة المياه الجوفية، مع ميل بعض الممالك الأخرى نحو الحياد ولكن مع قلق متزايد.

الملك أورُن ظل صامتًا لفترة طويلة، يستمع إلى الهمسات والصدامات اللفظية. عندما رفع يده، خيم صمت مفاجئ على القاعة. “لقد استمعت إليكم.” قال أورُن بصوته العميق. “مملكة الكهوف الصماء تلتزم بحيادها. أراضينا، السهل الصامت وممراته القديمة، لن تُستخدم لشن حرب على السطح، ولن تُستخدم كطريق لجيوش ترغب في هذا الغزو.”

كان هذا إعلانًا حاسمًا. أورُن أغلق الطريق المباشر الذي أراده دراكُون. لكن دراكُون لم يتقبل الرفض.

وقف دراكُون مرة أخرى، ووجهه متجهم بالغضب. “حياد؟ هذا يعني أنك تقف في طريق القدر يا أورُن! تمنع شعب الجوف من استعادة ما فقده! إذا لم تُفتح الممرات بإذن، فستُفتح بالقوة.”

تحول الصراع النظري والجدل إلى تهديد مباشر. جيوش دراكُون كانت بالفعل على حدود مملكة الكهوف الصماء. إعلان أورُن كان بمثابة إلقاء الوقود على النار

اختتم المجلس بنهاية بائسة. لم يتم الاتفاق على شيء. غادر الممثلون القاعة محمّلين بالتوتر والخوف. كانت الصدوع بين الممالك قد اتسعت بشكل لا يمكن رأبه تقريبًا. كان قرار دراكُون بالغزو قد أصبح الآن يتطلب أولاً سحق مملكة الكهوف الصماء، وربما مملكة البلور أيضًا إذا وقفت في طريقه. كانت الحرب في الجوف قد أصبحت حتمية، مقدمة لحرب أكبر وأخطر بكثير مع عالم السطح

الآن، وقد أصبحت التهديدات علنية. هل يوجد فرصة للعودة إلى الوراء، وكبح جماح حرب كارثية في جوف الأرض؟

يُتبع في الفصل الرابع…

للكاتب: @مرااد

الفصل الرابع

دروب القدماء… ورحلة البحث عن الحقيقة

بينما كانت جيوش مملكة البلور تتجه شرقًا نحو حدود مملكة الكهوف الصماء، لم يكن الملك ريان على رأسها. لقد أوكل قيادة الجيش إلى قائده الموثوق فيراك، واتخذ قرارًا سريًا ومصيريًا بالانطلاق في رحلة خاصة. لم يرافقه سوى عدد قليل جدًا من أفراد حاشيته المقربين: لينا الحكيمة، وثلاثة من نخبة فرسان الأثير الذين يثق بهم ثقة عمياء.

كان دافع ريان يتجاوز مجرد صد هجوم دراكُون. كان يشعر بأن النبوءة وتناقص الطاقة مرتبطان بشيء أعمق بكثير مما يعتقده دراكُون، وأن الحل لا يكمن في القوة بل في الفهم.

كانت هناك أساطير قديمة تتحدث عن أماكن منسية في أعمق طبقات الجوف، حيث يُقال إن الحكماء الأوائل الذين كتبوا النبوءة قد تركوا وراءهم سجلات أو آليات تحافظ على توازن عالم الجوف. كان ريان مصممًا على إيجاد هذه الأماكن، خاصة موقعًا يُعرف باسم “قلب الجوف”، والذي يُعتقد أنه مصدر طاقة البلورات نفسها.

“المخطوطات الأثيرية تشير إلى أن ‘قلب الجوف’ ليس مجرد مكان، بل هو كيان حي أو محرك كوني يحافظ على حيوية عالمنا.” قالت لينا بينما كانوا يشقون طريقهم عبر نفق صخري ضيق، يضيئونه بمشاعل بلورية خاصة لا تصدر حرارة تذكر.

“وإذا كانت طاقته تضعف، يجب أن نعرف السبب.” أجاب ريان، عينيه الزمرديتين تستكشفان الظلام المحيط بهم. “هل هو مجرد دورة طبيعية؟ أم أن هناك شيئًا يؤثر عليه؟ هل يمكن أن يكون نشاط البشر على السطح، أو شيء آخر في الأعماق؟”


K4mrhdB.md.png

لم تكن رحلتهم سهلة. لقد تجنبوا الممرات الرئيسية التي قد تسلكها الجيوش، واتجهوا نحو أنفاق جانبية قديمة، لم تُستخدم منذ آلاف السنين. كانت هذه الأنفاق محفوفة بالمخاطر: انهيارات صخرية غير مستقرة، فجوات عميقة لا نهاية لها، ومخلوقات جوفية غريبة لم يرها معظم الباطنيين المعاصرين.


K4m4zp1.md.png

في إحدى المراحل، وصلوا إلى بحيرة متجمدة في درجة حرارة دون الصفر، محاطة بأعمدة ثلجية كريستالية. كان عليهم عبورها سيرًا على طبقة رقيقة من الجليد، مع خطر الانهيار في أي لحظة في المياه المظلمة تحتها.


K4m4rCb.md.png

في مكان آخر، واجهوا حارسًا قديمًا للممرات: مخلوقًا صخريًا هائلاً، شبه نائم، استيقظ على وجودهم وحاول منعهم من المرور، معتمدًا على قوته الجسدية الهائلة وقدرته على الاندماج مع الصخور المحيطة. اضطر ريان ورفاقه إلى استخدام مزيج من المهارة في القتال والتحكم في طاقة البلورات لتجاوزه دون إلحاق ضرر دائم به أو إثارة المزيد من الحراس.


K4m6TS2.md.png

لم تكن العقبات التي يواجهونها جسدية فحسب. فقد وصلوا إلى قاعة عليها نقوش قديمة تتضمن ألغازًا يجب حلها للمضي قدمًا. كانت هذه الألغاز تتحدث عن تاريخ الباطنيين وعلاقتهم بالسطح بطريقة رمزية. لينا، بفضل معرفتها العميقة بالمخطوطات، تمكنت من فك رموز بعضها، لكن بعضها الآخر كان يتطلب بصيرة وقوة حدسية، وهو ما أظهره ريان بشكل متزايد خلال الرحلة.

كل خطوة في الرحلة كانت تزيد من إيمان ريان بأن دراكُون كان مخطئًا. لم يكن هذا العالم مهيأ للغزو. كان معقدًا، هشًا في توازنه، ومليئًا بالأسرار التي لم يتم اكتشافها بعد. كان عالمًا يحتاج إلى الحماية، وليس إلى إلقائه في فوضى الحرب.

في الوقت نفسه، بينما كان ريان يبحث عن الحقيقة في أعماق الجوف، كانت الجيوش تتحرك نحو بعضها البعض على السطح الأعلى وتقترب من مملكة الكهوف الصماء.


K4mPB5B.md.jpg

فيراك كان يقود فرسان مملكة البلور بحكمة، محاولًا تجنب الاشتباك المباشر قدر الإمكان، واتخاذ مواقع دفاعية استراتيجية حول حدود مملكة الكهوف الصماء. دراكُون، بقيادة جنراله كورُغ، كان يتقدم بقوة، لا يهتم بالتكتيكات المعقدة، بل بالقوة الغاشمة والزخم الأمامي. كان هدفه واضحًا: سحق أي مقاومة واختراق أراضي أورُن.

كانت الهزات على السطح تزداد. وفريق إلياس وسارة في جامعة كولومبيا كان يلتقط بيانات غريبة أكثر فأكثر، لا يمكن تفسيرها إلا بوجود نشاط غير طبيعي على نطاق واسع تحت الأرض. بدأت وسائل الإعلام في ملاحظة الظواهر الغريبة، وتناثرت نظريات المؤامرة عن تجارب سرية أو ظواهر خارقة للطبيعة. وكان القلق يتزايد على السطح، لكن لا يزال الجهل هو المسيطر.

بالنسبة لريان ورفاقه، كانت رحلتهم تزداد خطورة مع اقترابهم من “قلب الجوف”. شعروا بتغير في الطاقة المحيطة بهم، أصبحت أقوى، وأكثر تعقيدًا. كانت هناك قوة غامضة تحيط بهذا المكان، قوة يبدو أنها أساس وجودهم كله.

كان الهدف يبدو قريبًا، لكن العقبات الأخيرة كانت هي الأصعب. هل سيجد ريان الإجابات التي يبحث عنها قبل أن تندلع الحرب الشاملة في الجوف؟ هل ستكون الحقيقة كافية لوقف جنون دراكُون وخططه المدمرة؟ هذه كانت الأسئلة التي تضغط على ذهن ريان وهو يخطو بثبات نحو المجهول في أعماق عامله.

يُتبع في الفصل الخامس…

للكاتب: @مرااد

الفصل الخامس

دبيب السطح.. والنظرات نحو المجهول

على السطح، لم تكن الحياة تسير كالمعتاد تمامًا، رغم أن الغالبية العظمى من البشر كانوا يجهلون السبب الحقيقي للقلق المتزايد بين العلماء والخبراء.

كانت الهزات الأرضية الغريبة تستمر وتتزايد في شدتها وتواترها، مسببة أضرارًا طفيفة في بعض الأحيان، ولكن الأهم أنها كانت تحدث في أماكن لم تشهد نشاطًا زلزاليًا كبيرًا من قبل.

في المختبر المزدحم بالأجهزة في جامعة كولومبيا، كان الدكتور إلياس منصور وفريقه يعملون على مدار الساعة.

الشاشات أمامه تعرض رسومًا بيانية معقدة، وبيانات رقمية تومض بأرقام لم يستطع أحد تفسيرها. كانت الدكتور سارة، مساعدة إلياس اللامعة، تشير إلى نمط جديد.


K6L2vcl.png

“انظر يا دكتور منصور.” قالت سارة، مشيرة إلى خطوط حادة على شاشة رسم الاهتزازات. “هذه الموجات… إنها ليست موجات زلزالية عادية ناتجة عن حركة صفائح. إنها تبدو أكثر… تنظيمًا. كأن شيئًا ما ضخمًا يتحرك بعمق شديد.”

أومأ إلياس، وهو يدلك صدغيه. “أعلم يا سارة. وهذا النشاط يتزامن مع قراءات الطاقة الغريبة التي تلتقطها أقمارنا الصناعية وأجهزة الاستشعار الأرضية. إنها ليست طاقة حرارية أو إشعاعية معروفة. إنها… مختلفة. كأنها طاقة حية تقريبًا.”

كانت التكنولوجيا البشرية قد وصلت إلى مستويات مذهلة في فهم العالم من حولهم ومن فوقهم، لكنها كانت لا تزال تجهل ما يكمن تحت طبقات القشرة الأرضية الكثيفة.

كانت محاولات الحفر العميق تصل إلى بضعة كيلومترات فقط، وهي نقطة لا تزال قريبة جدًا من السطح بالنسبة لعالم الجوف. أجهزة السونار الجيولوجي والأقمار الصناعية القادرة على اختراق الأرض كانت تعطي صورًا ضبابية ومبهمة للأعماق السحيقة.

بدأت وسائل الإعلام تتناول الظواهر بشكل مكثف. العناوين الرئيسية تتحدث عن “الهزات الغامضة”، “إشارات من باطن الأرض”، و“اختفاءات لا تفسير لها” في الكهوف.

علماء آخرون طرحوا نظريات تتراوح بين التغيرات المناخية الشديدة التي تؤثر على القشرة الأرضية، إلى التجارب العسكرية السرية التي تجريها القوى الكبرى، أو حتى نظريات أكثر غرابة تتعلق بوجود منشآت تحت الأرض أو حتى حياة غير مكتشفة.

بالنسبة لدراكُون وجيشه في الجوف، كانت هذه الأخبار والتحليلات تصل إليهم بطرقهم الخاصة (ربما عبر قدرات حسية محدودة أو تقنيات تعتمد على رصد الاهتزازات والطاقة).

كانوا يرونها كدليل قاطع على أن “الغرباء” من السطح لا يقتربون فحسب، بل أصبحوا أكثر جرأة، وأكثر تهديدًا.

كل مقال عن اختفاء في كهف كان يُنظر إليه على أنه توغل عدواني. كل قراءة طاقة غريبة كانت تُفسر على أنها دليل على “نار السماء” أو أسلحة غامضة يستعد بها سكان السطح.

قرر إلياس وفريقه اتخاذ خطوة جريئة. بالتعاون مع وكالة الفضاء، أعدوا مسبارًا صغيرًا ومتقدمًا، مصممًا لتحمل الضغط الهائل والحرارة المتزايدة كلما تعمق في الأرض.


K6L3DqG.png

كان الهدف هو إرساله عبر أعمق بئر حفر معروفة، ومحاولة جمع بيانات أكثر دقة من الأعماق غير المسبوقة.

لم يكن لديهم أي فكرة أن هذا المسبار سيكون بمثابة وخز إبرة في جسد كائن عملاق نائم، وأن وجوده سيُحدث صدى هائلاً في العالم الموجود تحت أقدامهم.

تم إطلاق المسبار. بدأ ينزل ببطء في البئر الضيقة والعميقة. على الشاشات في غرفة التحكم، بدأت البيانات تتدفق. قراءات درجة الحرارة، الضغط، التركيب الصخري… ثم، عند عمق غير مسبوق، بدأت الأجهزة تسجل بيانات غريبة للغاية.

اهتزازات إيقاعية، قراءات طاقة مرتفعة بشكل جنوني، وأصداء تبدو وكأنها تنبعث من فراغات هائلة بعيدة. قبل أن يتمكنوا من فهم البيانات، انقطع الاتصال فجأة. تحطم المسبار أو توقف عن العمل.

في عالم الجوف، كان وصول هذا المسبار الصغير كارثة. بالنسبة لبعض الممالك، كان مجرد دبيب آخر مزعج. لكن بالنسبة لمملكة الصخور النارية، كان هذا المسبار دليلًا ماديًا على توغل البشر. لقد اخترق “الختم العظيم” ولو بجزء بسيط. لقد لمسوا عالم الجوف.

في حقول التدريب المشتعلة، تلقى دراكُون الخبر من جنراله كورُغ. “الغرباء اخترقوا الحاجز يا مولاي. أجهزتهم وصلت إلى أعماق لم يبلغوها من قبل.”


K6LFkpS.jpg

احمر وجه دراكُون غضبًا. “لقد حذرنا منهم! لم يؤمنوا بكلامي! الآن أصبح الأمر واضحًا! إنهم قادمون من أجلنا!”

أصدر دراكُون أوامره النهائية. “الاستعدادات انتهت! جيشنا لن ينتظر أكثر! ممرات الكهوف الصماء ستُفتح بالقوة! سنمر فوق أي شيء يعترض طريقنا! سنصعد إلى السطح! سنستعيد مملكتنا التي سُرقت! لن نسمح لهم بتدميرنا في عقر دارنا!”

هتافات مدوية ارتفعت من صفوف حراس الهاوية. كانت لحظة الصفر قد حانت بالنسبة لدراكُون. نشاط البشر على السطح، مهما كان غير مقصود أو مجرد استكشاف، تسبب في نفاذ صبر دراكُون.

كانت خطة غزو السطح قد تحولت من مجرد نبوءة إلى حقيقة وشيكة، لكن العقبة الأولى كانت إخوانهم في الجوف.

يُتبع في الفصل السادس…

للكاتب: @مرااد

الفصل السادس

شرارات في الظلام.. واصطدام الممالك

كانت المعركة الأولى حتمية، ومكانها كان على حدود مملكة الكهوف الصماء.

لم يكن سهلاً على جيش مملكة الصخور النارية التقدم عبر الأنفاق والممرات التي يعرفها شعب الكهوف الصماء كراحة يدهم. لكن الملك دراكُون كان قد أرسل مقدمة جيشه بقيادة جنراله كُورغ، مع أوامر واضحة بالإزالة الوحشية لأي مقاومة.

كانت ساحة المعركة الأولى عبارة عن سلسلة من الأنفاق الواسعة والكهوف المتقاطعة، تعرف هذه المنطقة باسم “متاهة الصدى”. كانت الصخور فيها خشنة وغير متساوية، والظلام يكاد يكون مطلقًا، باستثناء التوهج الخافت المنبعث من دروع وأسلحة المحاربين.


K6L7vlp.png

وصل جنود كُورغ أولًا. كانوا يتحركون ببطء وثبات، ككتلة من الصخور السوداء تتقدم في الظلام. كانت مصابيحهم الحرارية البدائية تلقي بظلال متراقصة على الجدران. كان اعتمادهم الرئيسي على قوتهم الغاشمة وأسلحتهم المشتعلة، التي كانت تضيء الأنفاق بوهج أحمر وبرتقالي.

لكن شعب الكهوف الصماء لم يكونوا صيدًا سهلًا في موطنهم. لم يقاتلوا وجهًا لوجه، بل استخدموا معرفتهم بالمتاهة لصالحهم. ظهروا واختفوا كالأشباح في الظلام، يوجهون ضربات سريعة ودقيقة بأسلحة صامتة (ربما شفرات حجرية حادة أو سهام تعتمد على الضغط)، ثم ينسحبون مرة أخرى إلى الأنفاق الجانبية التي يعرفون كيفية المرور عبرها حتى في الظلام المطلق الذي يعمي الغزاة. كانت قدرتهم على الشعور بالاهتزازات تجعلهم يدركون تحركات جيش كُورغ قبل وقت طويل من وصولهم.

ولكن قوة كُورغ كانت ساحقة عدديًا. لقد بدأوا في استخدام متفجرات صخرية بدائية لفتح ممرات جديدة وتدمير مخابئ الكهوف الصماء، مما أجبر المدافعين الصامتين على التراجع بشكل أعمق.

عند هذه النقطة، تدخل فرسان الأثير بقيادة فيراك. لقد اتخذوا مواقع استراتيجية عند نقاط الاختناق الرئيسية في المتاهة. كان فيراك محاربًا ذكيًا، لا يفضل الاشتباك المباشر في المساحات الضيقة التي تعطي كُورغ الأفضلية، بل يفضل القتال في الكهوف الأوسع حيث يمكن استخدام السرعة ونطاق الأسلحة البلورية.

عندما حاول جيش كُورغ اختراق كهف واسع كان فرسان الأثير ينتظرون فيه، اندلعت المعركة الحقيقية. على عكس الظلام الذي غلف تقدم جيش الصخور النارية، أضاء فرسان الأثير الكهف فجأة. لقد استخدموا بلورات إضاءة قوية لغمر المكان بضوء أثيري مبهر، مما أربك جنود كورُغ الذين اعتادوا القتال في الظلام أو في وهج نيرانهم الخاصة.


K6Lc5Nt.png

“تقدموا!” صرخ كُورغ، غير متأثر بالضوء، مستخدمًا فأسَه المشتعل لكسر حواجز البلورات الضوئية. اصطدم الجيشان. كان القتال وحشيًا وقريبًا.

حراس الهاوية يستخدمون قوتهم ودروعهم الثقيلة لشق طريقهم، بينما فرسان الأثير يستخدمون خفتهم وسرعتهم لتجنب الضربات وتوجيه طعنات بلورية سريعة.

كانت الأسلحة البلورية تصدر أصواتًا حادة كالصراخ عند اختراق الدروع المعدنية الثقيلة، بينما كانت الفؤوس المشتعلة تصدر أزيزًا عاليًا وتترك آثارًا متفحمة على أي درع بلوري تصيبه.

استخدم فرسان الأثير أيضًا قدراتهم على توجيه الطاقة. كانوا يطلقون قذائف طاقة بلورية مركزة يمكنها اختراق الصفوف الأمامية لجيش كُورغ، أو ينشئون دروعًا طاقة واقية لصد الهجمات.

كان قائدهم فيراك يقاتل في المقدمة، سيفه البلوري يتحرك بسرعة خاطفة، يصد الهجمات الثقيلة ويوجه ضربات دقيقة.

على الرغم من مهارة فرسان الأثير وتكتيكاتهم الذكية، كان ضغط جيش كُورغ هائلاً. كانوا يتقدمون ولا يهتمون بالخسائر الفردية، بل بالهدف العام: اختراق الخطوط والوصول إلى الممرات المؤدية إلى السطح. كانوا يدفعون باستمرار، مستخدمين دروعهم كجدران متحركة، وفؤوسهم كمحاريث تحرث طريقها عبر صفوف العدو.

استمر القتال لساعات، في جو ممتلئ بالضوء والنار والظلال والأصداء. كانت الخسائر تتزايد على الجانبين. أرضية الكهف أصبحت مغطاة بقطع الدروع المكسورة، شظايا البلورات المتناثرة، وبقع داكنة من الدماء.

كانت أصوات المعركة تتردد في الأنفاق، لتصل إلى أعمق نقاط الجوف، وربما حتى، كاهتزازات خافتة، إلى السطح الأعلى.

تمكن فرسان الأثير من إبطاء تقدم كُورغ بشكل كبير، ولكنهم لم يتمكنوا من إيقافه تمامًا. عند الفجر (أو ما يعادل الفجر في عالم الجوف، وهو فترة تهدأ فيها تيارات الطاقة قليلاً)، انسحبت قوات كُورغ تكتيكيًا لإعادة التجمع والتقاط الأنفاس، بعد أن أمنت موطئ قدم في أراضي الكهوف الصماء، لكنها فشلت في اختراق الخطوط الدفاعية الرئيسية لفيراك. انسحب فرسان الأثير أيضًا لإعادة تنظيم صفوفهم ورعاية الجرحى.

كانت المعركة الأولى قد انتهت بتوقف مؤقت، لكنها كانت بمثابة جرس إنذار مدوٍ. الحرب الداخلية في الجوف قد بدأت بالفعل. لقد أظهرت جيوش دراكُون وحشيتها وتصميمها على المضي قدمًا بأي ثمن، وأظهرت جيوش ريان مهارتها وقدرتها على الدفاع بذكاء. لكنها أظهرت أيضًا أن الصراع سيكون دمويًا وطويلًا، وأن نتيجته غير مؤكدة.

في مكان ما بعيدًا عن ساحة المعركة، كان الملك ريان ورفاقه لا يزالون يشقون طريقهم في دروب القدماء نحو “قلب الجوف”. لم يعلموا تفاصيل المعركة الأولى، لكنهم شعروا بالاضطراب في طاقة الجوف. كان ريان يأمل بشدة أن يجد الإجابات التي يبحث عنها قبل أن تلتهم الحرب عالمهم بالكامل.

يُتبع في الفصل السابع…

للكاتب: @مرااد

الفصل السابع

قلب الجوف.. وانكشاف الحقائق

بعد أيام وليالٍ لا يُحسَب عددها في عالم الجوف المظلم، وصل الملك ريان ورفاقه إلى وجهتهم. كانت الرحلة شاقة، مليئة بالصعاب والمخاطر التي اختبرت قوتهم وتحملهم وإيمانهم. لكنهم وصلوا أخيرًا إلى المكان الذي تشير إليه الأساطير القديمة على أنه “قلب الجوف.”

لم يكن قلب الجوف مكانًا ماديًا بالكامل، بل كان مزيجًا من التكوينات البلورية العملاقة والطاقة الخام المتدفقة. وجدوا أنفسهم في تجويف هائل، تتدلى منه بلورات ضخمة كالثوابت الكونية، تنبض بضوء أثيري لا يوصف، يغير ألوانه ويتردد بإيقاع غامض.


KPVOGY7.png

في مركز التجويف، كان هناك عمود من الضوء السائل يتصاعد نحو الأعلى، متصل بالبلورات المتدلية، ويبدو وكأنه شريان الحياة الذي يغذي عالم الجوف كله بالطاقة. الهواء هنا كان نقيًا ومشبعًا بالطاقة لدرجة أنه كان يسبب وخزًا لطيفًا على الجلد.

على منصة مرتفعة قليلاً، وجد ريان ورفاقه نقشًا يشبه اللغة الهيروغليفية القديمة، ليس باللغة التي يستخدمها الباطنيون المعاصرون، بل بلغة أسلافهم الأوائل. كانت لينا، بفضل دراستها المتعمقة للمخطوطات الأثيرية، هي الأقدر على فهمه، لكن حتى هي احتاجت إلى تركيز شديد والتقاط الطاقة المحيطة لتفسير الرموز المعقدة.


KPVvZ3Q.png

بدأت لينا في القراءة بصوت خفيض، كلماتها تتردد في التجويف الهائل: “يا من وصل إلى القلب، اسمع الحقيقة التي سُجلت قبل الكارثة. لم نترك عالم النور خوفًا، بل حكمةً. لم يُصبح مريضًا، بل كان تفاعله مع طاقتنا قويًا لدرجة التدمير. طاقتنا، طاقة الجوف، وطاقتهم، طاقة النور، نقيضان، لكنهما متصلان كالشقيقين في رحم واحد.

عندما حاولنا دمج الطاقتين بالقوة، حدث الانفجار العظيم. انشقاق في السماء، نار لا تنطفئ، وانهيار الوجود الذي عرفناه.

اخترنا النزول إلى الظلام للحفاظ على طاقتنا نقية ومستقرة، ولنمنع تكرار الكارثة على عالم النور الذي تركناه خلفنا. القلب ينبض بتوازن دقيق بين طاقة الجوف وطاقة السطح، يتلقى ويُعطي عبر الختم العظيم.

النبوءة ليست دعوة للعودة، بل تحذير. ‘اضمحلال النور الأخير’ ليس طاقة البلورات، بل هو اضطراب في التوازن بين العالمين.

‘يهمس الغرباء’ ليس تهديدًا، بل هو اتصال يحدث خللًا.

‘كسر الختم العظيم’ بالقوة يعني إطلاق العنان للتفاعل المدمر الذي فنى به عالمنا الأول.

‘عودة الأبناء’ ليست غزوًا، بل هي استعادة التوازن الداخلي والعيش في وئام مع النبض الكوني للقلب.

إذا تلاقت العوالم بغير إذن القوانين الكونية، سيحدث الدمار الأعظم لكلا العالمين. لن يبتلع الظلام النور، ولن تتجمد النار، بل سيفنى كلاهما في انفجار لا يبقي ولا يذر.

استعادة التوازن العظيم لا تكون بالغزو، بل بالفهم والصون.

“حياة القلب مرتبطة بحياة الكوكب كله. اضطرابه يعني اضطراب الكوكب. وموته يعني موت الكوكب” صمتت لينا، ووجهها شاحب. كانت الكلمات أثقل من أي صخرة.

لقد فهم ريان الحقيقة المروعة أخيرًا. لم تكن طاقة البلورات تضعف بسبب نقص طبيعي، بل بسبب اضطراب في التوازن الكوني للقلب، ربما نتيجة النشاط المتزايد على السطح، أو ربما بسبب طاقة الصراع المتزايد في الجوف نفسه.

والنبوءة لم تكن دعوة للغزو، بل كانت قصة الكارثة الأصلية وتحذيرًا قاطعًا ضد تكرارها.

“لقد كنا مخطئين تمامًا…” تمتم ريان، وعيناه مثبتتان على عمود الضوء في مركز التجويف. “دراكُون مخطئ. غزو السطح لن ينقذ عالمنا، بل سيدمره ويدمر عالمهم معنا.”

لقد أدرك الآن الخطر الحقيقي لـ “همس الغرباء” من السطح. إن نشاط البشر، استكشافهم المتزايد، كان يرسل موجات من الطاقة والاهتزازات التي كانت تؤثر على التوازن الدقيق للقلب، وتسبب الهزات على السطح وتناقص الطاقة في الجوف.

لم يكن البشر أشرارًا؛ كانوا فقط جهلة، يحاولون فهم عالمهم بتقنيات لا تدرك الحقيقة الكونية المعقدة.

في تلك اللحظة، شعر ريان بارتفاع مفاجئ في الاضطراب. كان مثل صدى بعيد لمعركة محتدمة. لقد تذكر جيشه، الذي تركه خلفه لفيراك. تذكر جيش دراكُون الذي كان يندفع نحو الكهوف الصماء. تذكر كُورغ ودراكُون، مقتنعين تمامًا بأنهم ينفذون القدر، بينما كانوا في الحقيقة يقودون كلا العالمين نحو الفناء. كان عليه أن يتحرك. بسرعة.

لقد وجد الحقيقة، ولكن الحقيقة وحدها لم تكن كافية لوقف الحرب. كان عليه أن يجد طريقة لإعادة التوازن إلى القلب، وإيقاف الصراع في الجوف، وتحذير عالم السطح بطريقة ما، أو على الأقل منع حدوث الاتصال المدمر. لكن كيف؟ والنبوءة تقول إن تلاقي العوالم “بغير إذن القوانين الكونية” سيؤدي إلى الدمار. فهل هناك “إذن”؟ هل هناك طريقة ما لاستعادة التوازن أو إصلاحه؟

نظر ريان إلى عمود الضوء المتذبذب في مركز القلب. شعر بطاقته تجذب إليه، كأنها تعرفه. كأنها تنتظر شيئًا منه.


KPVD3ve.png

كانت الإجابة، كما أدرك فجأة ببرودة مفاجئة، تكمن في النبوءة نفسها وفي طبيعة القلب. “استعادة التوازن العظيم” لا تكون بالغزو الخارجي، بل بالانسجام الداخلي، وربما، ربما كان هذا الانسجام يتطلب تضحية. تضحية ذاتية لإعادة ضبط النبض، لإعادة ربط العالمين بطريقة صحيحة، أو لمنع الاتصال المدمر كليًا

يُتبع في الفصل الثامن…

للكاتب: @مرااد

الفصل الثامن

الرهان الأخير.. وصدام الحقيقة والعزم الأعمى

كان الوقت ينفذ، والحقيقة التي اكتشفها ريان في “قلب الجوف” كانت مرعبة، لكنها كانت أيضًا مفتاح النجاة الوحيد. لم يكن أمامه رفاهية الحداد على التاريخ المأساوي أو التفكير في حجم الجهل الذي كان يقود دراكُون وجيشه. كان عليه أن يتصرف الآن.

“يجب أن نعود” قال ريان لرفاقه، صوتُه يكتنفه العزم رغم الصدمة التي لا تزال مرتسمة على وجهه. “يجب أن نوقف الحرب. يجب أن نوقف دراكُون قبل أن يدمرنا جميعًا.”

العودة من قلب الجوف كانت أسرع، لكنها لم تكن أقل خطورة. لقد اختاروا مسارات مختلفة، أكثر مباشرة ولكنها محفوفة بمخاطر أكبر من الانهيار أو مواجهة مخلوقات أعمق وأكثر عدوانية.


KPWTIXj.png

كان إحساس ريان بالإلحاح يدفعه، مدعومًا بطاقة القلب التي بدا أنها لا تزال تتردد بداخله.

في هذه الأثناء، كانت الحرب في “متاهة الصدى” تزداد ضراوة. فجيش دراكُون بقيادة الجنرال كُورغ، قد تم دعمه بتعزيزات وصلت من مملكة الصخور النارية، مما جعل كُورغ يشن هجومًا شاملاً على مواقع فرسان الأثير وقوات الكهوف الصماء المدافعة.


KPWRC7I.png

القتال لم يعد يقتصر على نقاط الاختناق، بل امتد ليشمل كهوفًا وأنفاقًا أوسع. كانت أسلحة النار تشتعل ضد الدروع البلورية، والقوة الغاشمة تصطدم بالمهارة المرنة.


KPW5QSV.png

فيراك كان يبلي بلاءً حسنًا في قيادة الدفاع، مستخدمًا التضاريس الصعبة لصالحه وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف جيش دراكُون بأقل خسائر ممكنة.

لكن جيش الصخور النارية كان لا يتوقف، عدده كان أكبر، وتصميمه على كسر الخطوط كان لا يتزعزع.

ملك الكهوف الصماء، أورُن، كان يساعد بطرقه الخاصة، مرشدي شعبه كانوا يقودون فرسان الأثير عبر ممرات سرية لمباغتة العدو، ويستخدمون تقنيات تعتمد على الصوت والصدى لإرباك تقدم جيش كُورغ.


KPWaoFf.png

لكن الضغط كان هائلاً، وبدأت خطوط الدفاع تترنح. كان كُورغ يتقدم بنفسه، فأسُه المشتعل يشق طريقه عبر صفوف فرسان الأثير كالإعصار الناري. كان النصر يبدو قريبًا لجيش دراكُون.

في خضم المعركة الدائرة، وبينما كانت أصوات الصدام تملأ الأنفاق، وصل ريان ومجموعته الصغيرة إلى حافة منطقة القتال. رأوا الفوضى، اللهب، ضوء البلورات المتكسرة، وجثث الباطنيين من كلا الجانبين.

كان المشهد مؤلمًا، نتيجة الدمار الذي تسببت فيه الأكاذيب والتفسيرات الخاطئة.

رأى ريان دراكُون واقفًا على ربوة صخرية مرتفعة قليلاً، يراقب تقدم جيشه بعينين متوهجتين من حماس الحرب. كان الوصول إليه يبدو مستحيلاً عبر ميدان المعركة المشتعل.

“يجب أن أصل إليه.” قال ريان، تصميمٌ بارد يستقر في عينيه. “يجب أن أجعله يسمع الحقيقة.”

لم يكن هناك وقت لوضع خطة معقدة. ريان ومجموعته الصغيرة، مستغلين خفة حركتهم ومعرفتهم النسبية بالمنطقة، شقوا طريقهم عبر حافة المعركة، متجنبين أكبر قدر ممكن من الاشتباك المباشر، ومستخدمين التضاريس للصالحهم.

لقد كان تقدمًا محفوفًا بالمخاطر، لكن ضرورة إيقاف دراكُون كانت تفوق أي خوف.


KPWcsX1.png

وصل ريان أخيرًا إلى الربوة الصخرية. صعد إليها بسرعة، ووقف على بعد أمتار قليلة من دراكُون الذي لم يكن يتوقعه.

“دراكُون! توقف!” صرخ ريان بصوت عالٍ وواضح، تخترق كلماته ضجيج المعركة.

استدار دراكُون، وعيناه الحارقتان تضيقان عندما رأى ريان. “ريان؟ كيف تجرؤ على الظهور هنا؟ هل أتيت لتشهد هزيمة مملكتك وجبنك؟”

“لم آتِ لأشهد الهزيمة، بل لأوقف الكارثة!” رد ريان بحماس. “لقد كنت في قلب الجوف! لقد رأيت الحقيقة في نقوش الأجداد! النبوءة ليست دعوة للغزو يا دراكُون! إنها تحذير من دمار حدث بالفعل! الكارثة الأصلية حدثت عندما حاول أسلافنا دمج طاقتنا بطاقة السطح بالقوة! هذا ما سيحدث إذا غزوت عالمهم!”

كان دراكُون ينظر إليه بعدم تصديق، ثم انفجر ضاحكًا بصوت أجش كالصخور المتكسرة. “قلب الجوف؟ نقوش الأجداد؟ هل أضعت وقتك في قصص خرافية بينما كان شعبي يقاتل من أجل البقاء؟! هذه مجرد أكاذيب يا ريان! حيل يائسة من رجل مهزوم لا يريد مواجهة قدره!”

“ليست أكاذيب!” أصر ريان، وشرح بسرعة، قدر استطاعته وسط الفوضى، ما اكتشفه: أن تناقص الطاقة ليس نقصًا في المورد بل اضطراب في التوازن، وأن نشاط البشر يفاقم الأمر، وأن غزو السطح سيفجر هذا الخلل ويدمر العالمين.
“الجهل هو ما يقودك يا دراكُون!” قال ريان. “البشر ليسوا أعداء، إنهم مجرد جهلة. غزوهم لن ينقذنا، بل سيقضي علينا! يجب أن نعيد التوازن إلى القلب! هذا هو المعنى الحقيقي لاستعادة التوازن العظيم!”

لكن دراكُون كان يغلي بالغضب. لقد رأى كلمات ريان ضعفًا وجبنًا وخيانة لمعتقداته. “اخرس! لن أستمع إلى هراء جبان مثلك! لقد حان وقت العمل، وقت استعادة ما هو حق لنا! جيشي سيواصل التقدم! وسأصعد إلى السطح، وسأحكمه، وسأعيد النور إلى شعب الجوف بقوة النار والحديد!”


KPWGUN4.png

أمسك دراكُون بفأسَه المشتعل، وبدا وكأنه على وشك الانقضاض على ريان. في تلك اللحظة، أدرك ريان أنه لا يمكن إقناع دراكُون بالكلمات.

إيمانه كان أعمى، وعزمه على الغزو لا يتزعزع. كان الحل الوحيد هو الفعل. الفعل الذي تحدثت عنه النقوش بشكل مبهم، والذي شعر به في قلب الجوف. فعل يعيد التوازن إلى النبض الكوني، ويمنع الاتصال الكارثي بين العالمين.

كان هذا الفعل يتطلب تضحية. تضحية مرتبطة بطاقته الخاصة، بنقاء نسبه (كسليل لسلالة البلور التي ارتبطت دائمًا بالقلب)، وبالتواصل العميق الذي شعر به مع مصدر الطاقة. كان عليه أن يستخدم نفسه كنقطة ربط، كـ “صمام أمان” لمنع الانفجار المدمر، أو لإعادة ضبط النبض الكوني للقلب.

نظر ريان إلى المعركة الدائرة. إلى محاربيه الذين يقاتلون ببسالة. إلى رفاقه القلائل الواقفين خلفه بحذر. إلى عالم الجوف كله الذي يعرفه ويحبه. ثم نظر إلى الأعلى، متخيلًا عالم السطح الذي لا يعرفه، والذي كان على وشك أن يجلب عليه دراكُون الدمار الشامل بجهله.

كان القرار قد اتُخذ. الرهان الأخير كان حياته. كانت التضحية هي الطريقة الوحيدة لإيقاف دراكُون، وإعادة التوازن، وإنقاذ كلا العالمين من الفناء.

كان عليه أن يعود إلى قلب الجوف، أو يجد طريقة للقيام بالفعل الضروري من هنا، من نقطة قريبة بما يكفي من “الصدع الأكبر” الذي كان يوشك على الانفتاح.

“إذا لم تسمع للحقيقة يا دراكُون…” قال ريان بصوت هادئ ولكن قوي يرتفع فوق ضجيج المعركة “… فسأجبر الحقيقة على أن توقفك.”

شعر فرسان الأثير القلائل الذين رافقوا ريان بنية ملكهم. اقتربوا منه، مستعدين لحمايته، غير متأكدين مما سيفعله. لكن ريان نظر إليهم بنظرة ملؤها الحب والامتنان.

يُتبع في الفصل التاسع…

للكاتب: @مرااد



Source link

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى