رواية خيوط القدر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سارة المصري – تحميل الرواية pdf

رواية خيوط القدر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سارة المصري
الفصل السادس والعشرون
وكزت ولاء سلمى الجالسة الى جوارها بمرفقها وهى تقول ” مفيهوش غلطة يخربيت اهله ”
نظرت سلمى الى ادهم الجالس امام الضابط والذى يتحدث معه بصوت لايسمعه غيرهما وقالت لولاء من بين اسنانها فى غيظ ” لمى نفسك شوية ”
واصلت ولاء دون ان تعبا بها ” دى حقيقة ظاهرة ولولا انك صاحبتى والله مكنت خليته عدى من تحت ايدى ابدا ”
احتقن وجه سلمى وقالت فى حنق ” انتى شايفة ان ده وقته ..مش على اساس ان احنا هنا بسبب سيادتك ”
ضحكت ولاء وهى تهز كتفيها قائلة ” المفروض تشكرينى على فكرة ..عشان كنت الحجة اللى خلتك تشوفيه ”
نظرت لها سلمى فى غضب فواصلت ولاء فى خبث ” ايوة استعبطى كمان …انت قرابيك كلهم ظباط ورتب ماشاء الله ..تليفون بس من اى حد فيهم كان يخرجنا من هنا …بس انتى ماصدقتى وكلمتيه هوا ”
شعرت سلمى بالخجل والتوتر وصدديقتها تخبرها بحقيقتها هكذا، قالت محاولة اخفاء مشاعرها ” هو انتى مش مقدرة الظرف اللى احنا فيه ولا ايه ”
لوحت ولاء بكفها فى لامبالاة قائلة ”يوووووه … انهى ظرف بقا متقريفناش ..عيلة لعبنا معاها شبطت فينا امها افتكرتنا بنخطفها وطلبتلتنا البوليس ”
قالت سلمى فى حدة ” معاها حق …لو بنتى وشوفتها ماشية مع حد معرفوش كنت ه..“
قاطعتها ولاء قائلة وهى تنظر الى ادهم ” هتخسرى كتير ”
نظرت سلمى اليه بدورها وقالت ” انتى عايزة تقولى ايه بالظبط ”
التفتت اليها ولاء قائلة ” بقولك هتخسرى كتير لو ضيعتيه من ايدك ”
قالت سلمى وهى تنظر اليه باعجاب عجزت عن اخفاءه ” عايزانى اعمل ايه يعنى ..مش جايز فيه حد فى حياته ”
هزت ولاء راسها قائلة ” بصراحة انا فكرت فى الموضوع تانى ..واحد زيه عنده تلاتين سنة تقريبا وفى مكانته دى وكمان من عيلة كبيرة ايه اللى ممكن يمنعه لو فيه حد فى حياته انه يتجوزها لجد دلوقتى ”
واضافت وهى تربت على كتفها ” انتى بتحبيه يا سلمى متضحكيش على نفسك ”
اشاحت سلمى بوجهها وطالعت ادهم وجه ادهم وهى تقول فى نفسها ” ايوة بحبه ” ، تحبه منذ زمن ، من قبل حتى ان تراه منذ ان كان والدها يحدثها عنه ، منذ ان انقذها كانه امير اسطورى ينتزع حبيبته من بين الاشرار ، وادعاء ولاء حقيقى فقد استغلت موقف اليوم رغم صعوبته فقط لتراه ، لاتدرى لما اختارته لبكون حصن امانها ، هل اعجبها دور الامير الاسطورى الذى ينقذها دوما فى اللحظات الاخيرة ، هو كان جديرا بهذا الدور تماما ، رجولته شجاعته قوته وسامته وحتى عراقة عائلته ، كم تمنت ان تكون هى اميرته وتكتمل بهذا روايتها .
نهض ادهم وهو يصافح الضابط قائلا ” خلاص يلا بينا ”
نهضت الفتاتان وتبعانه فى صمت حتى سيارته وقبل ان يفتح بابها جاءه صوت سلمى الرقيق ” مش عارفة اشكرك ازاى على اللى عملته ده يا ادهم ”
هز ادهم كتفيه قائلا ” على ايه انا معملتش حاجة ”
واضاف بلهجة حانية ” وقت ما تحتاجينى يا سلمى فى اى وقت هتلاقينى موجود ”
لم تستطع سلمى اخفاء سعادتها من هذه الجملة فوكزتها ولاء فى خبث دون ان ينتبه ادهم الذى واصل قائلا ” وعلى كل حال انا كنت ناوى اكلمك النهاردة اصلا ”
كادت سلمى ان تصل الى عنان السماء بتلك الكلمة فقالت فى تلعثم محاولة اخفاء اهتمامها ” ليه …لسة فى وجع مكان الجرح ”
ابتسم ادهم وهو يعبث بميدالية مفاتيحه قائلا ” لا خلاص الحمد لله ..البركة فى ربنا وفيكى ..انا كنت هكلمك عشان اعزمك على فرحى بعد بكرة ان شاء الله ..هكون مبسوط جدا لو جيتى ”
شعرت سلمى بمطرقة عنيفة تهوى على رأسها حتى لتكاد تفقدها الوعى ، وللحظات وقفت جامدة تماما حتى ابتسامتها ظلت على شفتيها وان انطفا بريقها ولمعت دمعة بعينها ، تنحنحت ولاء لتنقذ الموقف الذى شعرت بانه سيفضح امر سلمى بلاشك فقد انتهت كل احلامها فى لحظة فقالت وهى تحاول التظاهر بالسعادة ” الف مبروك يا سيادة الرائد ..ربنا يسعدك ”
رد ادهم بابتسامة روتينية ” متشكر جدا ”
لكزت ولاء سلمى بمرفقها لتنطق باى شىء فقالت محاولة اخفاء انفعالها وهى تشيح بنظرها عنه ” مبروك يا ادهم ” ولكنها لم تقلح ، كان حزنها اكبر بكثير من مقدرتها على اخفاءه ، كان جليا فى نبراتها وانفاسها وملامحها وبنظرة واحدة من ادهم ادرك كل شىء وفهم ما حاولت اخفاءه ، ولاول مرة يشعر بحزن عميق هكذا لموقف كهذا ، وتمنى لو ادرك ذلك من قبل ليتلافى ان يجرحها على هذا النحو ، تمنى لو كان بامكانه الاعتذار ، ومن شعوره بالضيق من نفسه نسى ان يشكرها على تهنئتها واراد ان ينهى ذلك الموقف فهو يشعر انها تبذل جهدا غير عاديا لتخفى دموعها عنه ، تنهد وهو يفتح باب سيارته قائلا ” يلا عشان اوصلكو ”
قالت سلمى بصوت متحشرج ” ولاء معاها عربيتها اللى جينا بيها ..مفيش داعى نتعبك ”
قالت ولاء وهى تنظر الى سلمى التى كانت على وشك الانفجار ” اه فعلا ..احنا جينا بعربيتى وبعدين احنا كمان هنخلص كام مشوار كدة قبل ما نروح ”
وكانه انقسم الى شطرين ، شطر اراد البقاء لشعوره بقلق غريب عليها ، وشطر اراد الرحيل ليعطيها فرصة فى افراغ مشاعرها كما تحب ، اقترب منها قائلا فى عطف ” خدى بالك من نفسك ياسلمى ” ، لم ترد سلمى وهزت رأسها ، فادرك انها لم تعد تحتمل وجوده اكثر من هذا ، وما ان ابتعد بسيارته خطوات حتى ارتمت سلمى بين احضان ولاء وبكت بحرقة ففى اللحظة التى ادركت فيها حجم مشاعرها كانت هى ذاتها اللحظة التى اخبرها فيها بوجود اخرى ، فقدته ، فقدت فارسها الذى حمل كل الملامح التى تمنتها وأكثر ، ومن مرآة سيارته رأى ادهم هذا المشهد فتنهد وهو يقول لنفسه ” آسف ياسلمى ..مش انتى الللى تستحقى الوجع ده ابدا ..مش انتى ”
***************************************************
كان من المفترض ان يكون هذا اليوم هو اسعد ايام حياة ادهم وندى ، كان ذلك ممكنا لو حدث منذ شهر فقط ، اما الآن فقد تغير كل شىء ، فعلى الرغم من النظام والدقة والحفل الاسطورى الذى كان فى انتظارهما ، على الرغم من وجود اكبر مصممى الازياء واكبر خبراء التجميل فى خدمة ندى ، على الرغم من ان كل شىء كان كفيلا باسعاد اى اثنين مقبلين على الزواج حتى بلا مشاعر الا ان ندى وادهم اختلف معهما الوضع كثيرا ، فمشاعر ادهم فى هذا الوقت كانت تختلف عن مشاعر ادهم العاشق ، كانت مشاعر ادهم الجريح ، الذى يسعى بكل قوته للانتقام لكرامته ، كان حديثه لندى طيلة الفترة الماضية مجرد لحظات يعطيها فيها اوامره ثم ينهى المكالمة دون حتى ان يسألها عن حالها ، لم يكن يعلم كل من دعى لهذا الحفل الضخم وشعر بالحسد والحنق من ندى وادهم الذا اخذا اكثر مما يستحقانه ، اخذا الحب والمال والسعادة ان كل منهما يعيش اسوأ لحظاته ، كانت ندى تحاول التوازن طيلة الوقت وتحاول اخفاء قلقها وهى لا تعرف مالذى ينويه ادهم وباى طريقة اختارليعاقبها ومجهودها الحقيقى فى الاخفاء والمناورة كان صعبا بالذات مع عمر ووالدتها .
جاءت اللحظة التى انتظرها المدعوون ، دخلت ندى المكان تتابط ذراع اخيها الذى كان يشعر برجفتها ، كانت رائعة الجمال رغم لمحة الحزن التى لم يلاحظها سوى عمر ، بدت فى تلك الليلة كاجمل ما يكون ، جمالها أخذ الجميع حتى انهم تسمرو ولم يصفقو لحظة دخولها كالمعتاد ، سارت ندى الى جوار اخيها مع النغمات الصاخبة حتى وصلت الى حيث يقف ادهم ، قبل عمر رأسها واحتضنها بشدة وشعر بها تتشبث به وحين ادركت ما تفعله ابتسمت فى حزن وهى تنظر الى ادهم الذى اخذ يتاملها بدوره ، كانت جميلة بشكل فاق تصوره ، كان كل شىء كما كان فى حلمه بالضبط ، كان يحلم بهذا اليوم منذ سنوات ، يحلم بها حورية ترتدى ثوب زفافها الابيض لبعلن للعالم بأسره انها زوجته وحبيبته ، لماذا فعلت به هذا ؟؟، لماذا حولت حلمه الى كابوس ، اقترب من جبينها وقبله وكأنه يحيا بداخل حلمه ولا يريد ان يخرج منه وفى رقصة البداية ضمها اليه بقوة وانتفضت هى غير مصدقة وهى تستسلم له تماما فى شوق جارف حتى وهى تعلم انه يفعل كل هذا من اجل اكمال المظاهر ليس الا ، وكانت مخطأة فقد نسى ادهم نفسه تماما وعاش فى حلمه ، ومن بعيد كان عمر يتابعهما وهو يتأمل شقيقته التى تبتسم له بين الحين والاخر كانها تطمأنه ، وبدت له ابتسامتها حزينه ، ودهش لما يفكر به ، لما كل هذا القلق ؟؟، انها الان بين ذراعى اكثر رجل يحبها فى العالم ، لما الخوف اذن ؟؟؟
*************************************
صمت مطبق حل على المكان ، جلس ادهم على طرف الفراش ومن خلفه ندى بثوب زفافها الابيض وقفت تفرك يدها فى توتر بالغ والدقائق تمر وهما على وضعهما ، ارادت ندى ان تأخذ المبادرة وتقطع هذا الصمت فمدت انا ملها فى تردد الى كتفه وقبل حتى ان تحاول النطق نهض وهو يبعد يدها فى عنف قائلا ” خلاص التمثيليه خلصت …نتكلم بقا جد شوية ”
شبكت ندى اصابعها ببعضهما وهى تستمع اليه وهو يواصل ” من هنا ورايح لازم تعرفى ان حتى انفاسك محسوبة عليكى ..ملكيش الحق تاخدى نفسك من غير ما اطلب منك ده ..“ واضاف وهو يشير بذراعيه ” القصر ده مش هتخرجى منه ابدا ”
قالت وهى تحاول تجاوز قسوته ” وشغلى ”
ابتسم فى سخرية وهو يتذكر ما فعلته فى عملها ، واغتاظ اكثر لعدم تقديرها ما فعلته به من وراء هذا العمل قائلا ” مفيش شغل ”
لم يعد لديها حتى فرصة للاعتراض فقالت فى حزن ” فى حاجة تانية ؟؟“
تراجع وهو يقول ” دى هتبقا اوضتك وانا هنام ف اوضة تانية ”
رفعت رأسها اليه فى حيرة قائلة ” يعنى ه..“
قاطعها وهو يشير بسبابته فى حدة ” مش هقول مليون مرة ان مش من حقك تسألى عن اى حاجة ..انتى فاهمة ؟؟
هزت رأسها وهى تقاوم دموعها فى شراسة فاقترب منها قائلا ” باقى حاجة اخيرة ” ورفع يده فجاة ليصفعها بقوة اسقطتها ارضا قبل ان ينحنى ليواجهها قائلا ” ده عشان تفتكرى اليوم ده بيه ..مبروك يا عروسة ” وتركها على الارض وذهب ، اما هى فتعلقت عيناها بالباب المغلق وهى تتحسس وجنتها فى الم قبل ان تستسلم لدموعها وتنام ارضا ، هاقد بدا ادهم انتقامه ، والصفعة كانت مجرد بداية ، رأت شراسة وقسوة فى عينيه لم تعهدهما منه ابدا حتى وهو يعامل المجرمين فى عمله ، لم تعد عينيه هى عينى ادهم حبيبها بل عينى رجل يسعى للانتقام بكل طريقة .
اما هو فبمجرد ان خرج نظر الى كفه الذى صفعها وقبضه فى قوة ، المرة الاولى التى يصفع فيها امرأة كانت من نصيب حبيبته ، لم يتخيل فى عمره كله ان يؤذى ندى باى طريقة ، وفجاة صعد هاتف بداخله ليوقظه ، عليه فقط ان يتذكر ما فعلته به ليعرف ان اقسى عقاب يمكن تخيله لايساوى ذرة مما فعلته هى ، عليه ان يتذكر خيانتها ، عليه فقط ان يتحسس قلبه بين الحين والاخر ، عليه ان يتذكر انها كانت النصل الحاد الذى اندفع الى صدره بمنتهى القسوة ، وفى لحظات دارت فى رأسه كل المشاهد ، مشهدها وهى تمشط شعرها بأريحية تامة فى منزله ، كلمات زهرة ، كلمات سلوى ، الرسالة على هاتفها ، الصور التى جمعتها به ، ووصل الى قمة غضبه وهو يتذكر انها قضت فى منزله خمسة ايام كاملة ، وتساءل فى نفسه ماذا عسى ان يكون قد حدث بينهما ، هز رأسه بعنف وهو ينفض الفكرة عن رأسه ربمالانه لايريد احتمالها ، أخذ يقول لنفسه انها ليست حقيرة الى هذا الحد التى تفرط فيه بشرفها ، ومع ذلك شعر بالغضب يمزق اوصاله وهو يريد التأكد بأى طريقة .
*****************************************************
شعرت ندى بوقع اقدام تمر من امام باب غرفتها ، واستطاعت ان تميز خطواته بسهولة ، نظرت الى الساعة فى روتينية والى هيئتها بثوب زفافها ودلكت رقبتها وهى تنهض بعد انا نامت ارضا من شدة البكاء ولم تشعر بنفسها الا فى الصباح ، اتجهت الى باب غرفتها ولحقته وكان على وشك هبوط السلم حين نادته فالتفت اليها ، كان وجهها شاحبا وقد امتزجت الوان زينتها ببعضها فهى لم تزلها بعد ، وعينيها المتورمتين تنبئه كيف قضت ليلتها ، وأد اى مشاعر شفقة تجاهها فى لحظة ونظر اليها قائلا فى صرامة ” افندم ..عايزة ايه ”
سألته فى خوف ” انت رايح فين ؟؟“
رفع حاجبيه فى استنكار وقال ” رايح شغلى وسبق وقولتلك مش من حقك انك تسألى ”
قالت فى توتر ” شغل تانى يوم الفرح ”
دقق النظر للحظات فيها فى غيظ ثم اطلق ضحكة ساخرة وهو يقول ” مش قولنا التمثيليه خلصت خلاص ..ولا عاجبك الدور وحابة تعيشى فيه شوية ”
حاولت تجاوز كلماته المؤلمة التى قررت اعتيادها فهى لن تلقى غيرها منه بعد الان وقالت ” على الاقل مش قدام الناس …ماما وعمر وايمن اخوك واهلى واهلك زمانهم على وصول عشان يباركولنا ”
طرق سياج السلم قائلا ” كلهم عارفين انا بشتغل ايه ..قوليلهم جتله مهمة …او اخترعى اى حاجة من ابتكارك ..انتى استاذه فى المجال ده ”
رمقته ندى فى استنكار وقالت ” مجال ايه ”
عقد ساعديه قائلا ” الكدب ..هيكون مجال ايه يعنى ”
تطلعت اليه للحظات وهو يضيف ” طبعا مش هكرر كلامى …ممنوع تعتبى برة القصر ده ..اى حاجة هتحتاجيها الخدم موجودين ”
ضغطت على شفتها السفلى بأسنانها وهى تقول ” انت قررت تسجنى خلاص ؟؟“
اتسعت عيناه وهو يجيبها فى حزم ” اه ..لو عايزاه تسميه سجن سميه …وحاولى تهربى منه ”
قالت وهى تلوح بكفيها ” وههرب ليه ؟؟“ قال بابتسامة ساخرة ” وقبل كدة هربتى ليه ؟؟“
احتقن وجهها بشدة وكادت ان تنفجر وهى تهتف ” انا مهربتش مهربتش ..مش عاوز تصدق ليه …انا ك..“
قاطعها وهو يرفع كفه لتصمت قائلا ” هششششش كفاية ”
ابتلعت كلماتها فى جوفها من جديد وامتثلت لارادته ودمعة سالت على وجنتها لم يبالى بها ابدا وهو يعطيها ظهره ويذهب ، تابعته ببصرها حتى خرج وتركها وحيدة فى هذا القصر الواسع ، تركها تنعى احلامها وتشيعها الى مثواها الاخير ، لقد ظلت تحلم بهذا اليوم معه ، توقعت فيه اكثر من مشهد وعاشته كانه حقيقة ، ولم يات ببالها ابدا هذا المشهد القاسى ، لم تتخيل ان تبدا حياتها معه بصفعة واتهام وسجن يحبسها فيه ، ولكنها لازالت على موقفها ، ستتحمل منه كل ما يجب ان تتحمله ، ستدفع من سعادتها ثمن حماقتها ، فمشاعرها تجاهه لم تتغير قيد انملة ، بل ان شعور غريب بالراحة يتملكها لوجودها الى جواره حتى وان كان وجودها بالنسبة اليه وسيلة انتقام ليس الا .
**********************************************
نهض عمر بعد ان انهى طعام العشاء دون ان ينبس بكلمة واتجه الى الاريكة التى اعتاد ان ينام عليها ، رمقته ياسمين فى دهشة فمنذ ايام وهو على هدوئه هذا، تذكرت ما حدث فى المرة الاخيرة لزيارتهما لندى وتاكدت ان كل هذا بسببها ،
نادته فى تردد ” عمر ..انت هتنام ؟؟“
رد وهو يضبط الوسادة تخت رأسه ” ايوة ..تصبحى على خير ”
اقتربت منه وهى تجلس على المنضدة المقابلة للاريكة قائلة ” ندمان مش كدة ؟؟“
رفع عمر حاجبه فى استنكار واعتدل جالسا وهو يقول فى دهشة ”ندمان ؟؟؟“
واصلت وهى تشبك اناملها فى عشوائية وتنظر اليهم ” اول امبارح لما كنا عند ندى ..مامتك بمجرد ما شافتنى معاك سابت المكان كله ومشيت ..انت خسرت مامتك بسببى …بسبب واحدة زيى مريضة ومعقدة و..“
قاطعها عمر وهو يضع اصابعه على ثغرها قائلا فى صرامة ” اولا انا مخسرتش امى ..كل الحكاية انها زعلانة ومحتاجة وقت مش اكتر انا ادرى بيها ” وامسك بكتفيها متابعا فى حب ” وثانيا احنا اتفقنا ان احنا هنعدى من الموضوع ده سوا ومش هنستعجل عليه ..مش سبق ووقلتلك مليون مرة قدامنا العمر كله ”
نهضت من مكانها وقالت فى الم ” محدش هيقدر يصبر العمر كله ..ما تكدبش على نفسك ..انت بدات تزهق من دلوقتى ”
ابتسم قائلا ” انتى كنتى دخلتى جوايا ”
هزت كتفيها وهى تقاوم دموعها قائلة ” مفيش انسان طبيعى يتحمل اللى اتحملته ”
نهض ليواجهها قائلا ” غلطانة !!!…فيه حاجات بتفوق الطبيعة ..زى طاقة الحب مثلا بتخليكى تعملى حاجات كان مستحيل انك تعمليها فى يوم من الايام ” شحنة من العواطف برقت فى عينيها وتراقصت بشدة على اوتار قلبها العاشق فحاولت ان تغير من مجرى الحديث قائلة ” طب ليه حساك زعلان من حاجة ”
تلاشت ابتسامته وجلس على الاريكة قائلا وهو يتنهد ” ندى يا ياسمين ندى …قلبى مش مطمن عليها ابدا …حاسس ان فيه حاجة بينها وبين ادهم انا مش عارفها ..وحاجة مش هينة ولا بسيطة ..الحزن اللى شوفته فى عينيها وبتحاول تداريه فى حياتى كلها ماشوفتوش ”
************************
أخذ احمد يقلب صور زفاف ادهم وندى على حاسبه المحمول فى ضيق وغضب ، أخذ يضرب المكتب بكفه فى غضب ، هكذا سارت الامور وكان شيئا لم يكن ، تزوجها ادهم رغم ظنه انه قد نجح فى اقناعه بخياتها ، فهل تراه صدقها ؟؟، ام تراه تجاوز بحبه لها عن كل شىء ، نظر الى صورة لهما وادهم يضمها بقوة الى صدره ودفع الجهاز بعيدا فى حنق وغيظ فكم تمنى ان يضمها هو ولو مرة وهى اصبحت الان بين يديه ، ندى كانت له من البداية ، ندى التى شعر تجاهها بغضب مماثل لتجاهلها له على هذا النحو وصراخها فى وجهه بحبها لادهم ، كانت نظراتها لاتدع مجالا للشك ، انها تعشقه ، وغارقة فى حبه حتى قمة رأسها ، عاشقة بكل حواسها وبكل ما تمتلك من مشاعر ، لم يظفر منها بنظرة واحدة كتلك التى تنظرها الى ادهم ، اخذ يدق مكتبه فى توتر ،لم يكن يحب ان يلجا الى تلك الطريقة ولكنه سيفعلها ليفجر القتبلة الاخيرة التى ستدمر كل شىء فى طريقها ولن تدع فرصة لشخص فى النجاة ، يدرك كم هى قذرة خطته ولكن حقده قد اعماه ، ابتسم فى ظفر والخطة تستقر فى رأسه ويتبقى فقط الوقت المناسب

